كتاب معرفيون ومعرفيات، ريبر هبون، حوارات

  • 3990054764_97f347154f_o
  • اسم العمل: معرفيون ومعرفيات
  • اسم المؤلف: ريبر هبون
  • نوع العمل: حوارات
  • الطبعة: الطبعة الالكترونية الأولى-19-شباط-2017م
  • الناشر: تجمع المعرفيين الأحرار
  • رقم التسلسل : 1
  • حقوق نشر الكتاب محفوظة للمؤلف والنسخة الالكترونية ملك لتجمع المعرفيين الأحرار

https://reberhebun.wordpress.com/

لنشر أعمالكم يرجى الاتصال ب

reber.hebun@gmail.com

 لتحميل الكتاب يرجى الضغط على الرابط التالي:

https://www.4shared.com/web/preview/pdf/DPk1hvytce?

لتحميل كافة إصدارات تجمع المعرفيين الأحرار يرجى الضغط على الرابط التالي:

https://www.4shared.com/account/home.jsp#dir=h45exNMs

·         الفهرس 3
–          المقدمة 4
–          بوح ورؤى مع ملك علو 5
–          أروع حوار مع الأديبة المعرفية المغربية زكية المرموق 11
–          بوح هادر مع آفرو 13
–          الأديبة المعرفية ماريا كبَّابة- ترانيم وشجون 17
–          حوار وموقف مع المفكر المعرفي المصري القبطي سامح سليمان –الجزء الأول 19
–          حوار وموقف مع المفكر المعرفي المصري سامح سليمان –الجزء الثاني 24
–          بوح الحقيقة الغائبة مع بير رستم 29
–          حوار مع الشاعرة المعرفية الكردستانية نغم دريعي 36
–          حوار من الأعماق مع حسن خالد 38
–          استنارات مع المعرفية اللبنانية عشتروت كنعان 45
–          حول فلك الوطن والإنسان مع فاروق حجي مصطفى 52
–          سجالات كردستانية مع ابراهيم كابان 57
–          مع الأديبة والفنانية المعرفية مهدية سليم , حوار وشجون 63

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

“مقدمة”

يتناول هذا الكتاب سلسلة من نشاطاتي في إقامة لقاءات فكرية، أدبية جادة مع بعض من أعضاء -تجمع المعرفيين الأحرار – ، وتم طرح ذلك كبداية لرسوخ أدب الحوار كما آمل، وبذلك أحقق الجودة التي أصبو إليها في بيان قيم الاختلاف، والنظر للحوار كحل للتلاقي وتبادل الرؤى والنظرات، تجنباً من رسم معالم محددة أحادية تفتقر للتعددية، لهذا قمت بالإعداد لهذه الخطوة مستفيداً من حضور هذه الرغبة المتوقدة في إنجاز التبادل المعرفي بين طرفين ينتجان أقصى ما لديهما للنقاش حول الأفكار وتناول القضايا والمشكلات، وبما لاشك فيه فإن التساؤل يعتبر المفتاح لاستجلاب عدة أجوبة تعتبر محاولات رامية لتصويب لو مقدار أيسر من الحقائق، لافتاً إلى حجم احتدام السجال، وتشظيه، لما يسهم ذلك من إضفاء المزيد من الإمتاع والدهشة على الحوار، في سبيل تحقيق مطلب المعرفة عبر تجسيد مختلف النظرات والرؤى، تناولت في كتابي هذا ،العديد من الشخصيات التي تعد نفسها جزأً من الحراك الفكري والأدبي العام، رأيت في حديثي معهم فسحة مميزة لإلقاء تساؤلاتي كبذور ،تنشد النمو والرعاية مع تقادم الأيام، وارتأيت أن أقدم في ذلك مساحة مستنيرة للتباحث والتقصي المفعم بالدهشة والعمل، من خلال استثمار الميدان الاجتماعي على الانترنيت كوسيلة للمعرفة، هذا ما سيزيد من الجهد للأخذ بذوي الأفكار والمواهب من طور العزلة وصناعة الذات ، إلى طور التلاقي مع الجمهور وإبداء الذات كوجود وكينونة وبلاشك فإن السياقين لا ينفصلان ، كون المبدع أو المبدعة يعملان لأجل الناس، ويقدمان رسالة إصلاحية معينة في أدبهم وفكرهم، ولعل في الحوار الوسيلة الرحبة لإذكاء شرارة الكلمة منعاً من تكلسها وتكدسها في مستودعات الانطوائية أو التهريج الإعلامي الملتبس، لم أقم بوضع أي حدود أو طقوس أثناء تحاوري مع الباحثين عن حلول، لأزمات واقعية تدك مفاصل حياتهم، ودعوت للشفافية والصراحة ما أمكن لتحقيق حوار مميز وهادف، متجاهلاً تلك الطقوس الصحفية التي يتم الأخذ بها ، ودفع المتحاور لتقديم ما لديه، دون أدنى رقابة، لذا أتمنى أن يروقكم هذا الكتاب، وأن تجدوا في قراءته المتعة والفائدة،وهذا دأبي في بث قيم التنوير والنهضة لتكون البديل عن القمع والإقصاء الممنهج، لهذا وضعت هذا الجهد أمامكم، فمغزى كفاح ذوي الأقلام يتحقق بنجاح هذا التلاقي والتراسل الفكري الوجداني الدائم بين مختلف شرائح الناس، وفي ذلك يكمن مغزى وجودنا كمعرفيين ومعرفيات في هذا الوجود..

*ريبر هبون، ألمانيا-دوسلدورف-شباط-2017م

(بوح ورؤى مع ملك علو)

 

الكاتبة المعرفية الكردستانية ملك علو , مواليد عفرين 2 شباط 1967م, كردستان الغربية (سوريا), عضوة في تجمع المعرفيين الأحرار (الحب وجود والوجود معرفة), درست الأدب الانكليزي

في  جامعة دمشق,شاعرة وإعلامية , صدر لها ديوان شعري سنة 2000 بعنوان (زفرات امرأة)

شاركت في العديد من الأمسيات والمهرجات الشعرية والندوات التربوية  في دمشق وعفرين

كتبت ثلاث مسرحيات تتناول الهم النسوي الشرقي

وعملت كمحررة في قناة الجزيرة الانكليزية

وبتاريخ 18- 7- 2016م

كان لي معها هذا الحوار :

= ملك علو , أهلاً بك ويسرنا أن نخوض حواراً ضارياً بإثارته , وحافلاً بمعانيه وأبدأ معك من هذا التساؤل ,  الذي يدور حول التشاؤم , ماسر التحافك به في مجمل نصوصك  الشعرية , هل يعود ذلك أننا بطبيعتنا نستسيغ الكتابة التشاؤمية كونها باتت محور علاقة الإنسان بالوجود , هل التقنع بمفهوم الحل يتلخص في رغبتنا بالخلاص , أم الهروب؟ , مالسعي , مالنتيجة ؟ لو تبادر لذهننا أن الكتابة الشعرية بمثابة تحايل على الواقع لا رصداً واقعياً له , بعكس رؤية الحالمين للانتفاضة بمعناها الفردي؟

فيما يتعلق بالتحافي بالتشاؤم : مرد ذلك لمقومات واقعنا القاتم ذاك الذي عشنا فيه متحايلين عليه كما ذكرتم تارة بخلق فسحة للأمل للتخلص من ضيق العيش وجعل الوهم واحة نفسية إبان تصحر الحياة، إذا” قد نلجأ لاصطناع وهم جميل ولو في خيالنا لنستمد منه طاقة الاستمرارية . حيث إن واقع مجتمعاتنا الشرق أوسطية والاسلاموية يفرز معادلة تتحكم بكنه وجودنا الثقافة والوعي = تطلق نتاج كيمياءنفسية تتسم بالسوداوية والتشاؤم  وكأنهما مرادفات لبعضها-(الواقعية والسوداوية) .

إنما حلاوة الروح  التي زرعت في فطرتنا تمنحنا طاقة للمقاومةأحيانا” نجهل مصدرها ،ولا تفسير لها سوى أنها من الآليات الدفاعيةالنفسية المستدعاة تحت الضغوط الحياتية.إنما إذ أن نفس الأديب المرهفة تتمكن من استثمار حتى تلك الطاقة السلبية وتحويلها لطاقة ابداعية من خلال الفعل الخلاق: (رسم –شعر-موسيقى الخ….).

أما مفهوم الحل فبتصوري ليس مطلوب منا كأصحاب مشاريع إبداعية؛ بل مطلوب منا فقط نقل تجربتنا للآخرين بمنتهى المصداقية من خلال التأمل في كوامن أنفسنا، فأسمى صور المصداقية تكون الصدق البالغ والبليغ مع ذواتنا؛ أما الرغبة في الخلاص من واقع يجهض فينا أرواحنا  التي هي أثمن ما في الوجود  فهي حق مكتسب بحكم مواثيق دولية ( حق الحياة) إلى جانب وجود هذه الرغبة  كنزعة فطرية بحكم غريزة البقاء وذلك من خلال الشكوى ؛الأمر الذي تعكسه كتاباتي من خلال إيغال عميق في ذاتي التي تغنيني في كثير من الأحيان  عن التواصل مع العالم الخارجي ، في حال استعصى علي التواصل  والانسجام  مع محيطي؛ وأعتقد  أن هذه هي الحال مع معظم من يحملون هواجسا” إبداعية  في وجدانهم . الهروب من الواقع بقناعتي جبن وتخاذل وضعف في إمكانيات الذهن  والنفس على التكيف والتأقلم- فكما عرف هيجل الذكاء بقوله : هو القدرة على التأقلم ، يتنج العقل البشري عامة والمبدع خاصة مخارجا” من حصار الواقع المطبق بسلبياته والنتيجة ستكون  انبلاج الفجر من كوة نور مهما ادلهمت ظلمة الواقع ، إنما لا يخفى على أحد أن ذلك يحتاج  لمقومات نفسية وذهنية عالية قد نقضي العمر في سبيل  تحصيلها ، وتختلف نسب هذا المحصول من نفس لأخرى  وذهن لآخر حسب درجة  الوعي والثقافة وعوامل أخرى  تساهم في التكوين الذاتي للفرد

=مالفتني في نصوصك الشعرية استحضارك للفلسفة ورصدك للاغتراب بمعناه النفسي , وذلك لعدم قدرة غالبية الكتاب الشرق أوسطيين والعرب على الايغال في جدلية الموت , الحياة , الانسلاخ عن المكان , ماذا يحتاج الشاعر الشاب في عصر الحب المؤتمت والكره المفرمت وفق تعبيرك , هل أضحى الضحية الخمولة لسطوة الرقميات والتقنيات وأسير الشاشة الافتراضية , أم إنه يمتهن العشق ويستخرج الكلمة من رحم الذاكرة , ذاكرة قراءته لبعض ما كان في ذروة صفاءه؟

فيما يتعلق باستحضاري للفلسفة ورصد الاغتراب بالمعنى النفسي فإن ذلك بديهي ؛ لأن المرء عندما يجوع المرء يلجأ لثلاجته ، وبالمعنى الكلاسيكي: يفتح جعبته ليخرج ما يستحوذ عليه من ذخيرة إمدادا”  لرفد  جوع جسده ؛ كذلك هو الأمر حين يتعلق الأمر بتلبية الجوع  الفكري فإن المرجعية تكون للمخزون الفكري  صغر رصيده أم كبر ، وقد أخبرتكم بأن رصيدي المعرفي تشكل بناء” على مطالعاتي في الفلسفة وسواها تلك المادة المعرفية التي هي بقناعتي أم العلوم ورأس الحكمة . وعلى الشاعر أن يستجمع العلم والمعرفة من مختلف مشاربها ومناهلها ؛  لأن الشعر هو أكثر الفنون شمولية وبالتالي أبعاده بانورامية الأفق تحتوي على:  الصورة،  الموسيقى والإيقاع ، زركشة الخيال والكلام، والقدرة على استنباط مواطن الجمال  في اللغة وقبل كل تلك العناصر الفكر الخلاق ولكي تكون القاعدة الفكرية في أي نص شعري متينة ينبغي الاستناد للفلسفة والمنطق التي هي بمثابة حجر الأساس في الفكر السليم. وبتصوري أن الفكر في الشرق الأوسط عموما” مصادر أو مهيمن عليه، إذ أن معظم المثقفين أو أصحاب المشاريع الإبداعية يتناولون وصفات فكرية ،وقوالب مسبقة الصنع إما من قبل أرباب الشريعة الإسلامية المترعة بالمسلمات،أو من طرف الطغم الحاكمة في بلداننا ؛ من هنا يغدو طرح أي  مفهوم من مفاهيم الفكر أوأركانه ( الموت – الحياة – الدين – السياسة ) بمثابة تطاول على سلم التابوهات اللامتناهي في شرقنا الموبوء بجرائم وموبقات بحق النفس والروح والفكر البشري . لهذا يكون السعي  نحو التحايل والالتفاف على الهم المؤرق لفكرهم  كما ذكرتم، علهم يبثون نتاج تفاعل الفكر المخنوق والروح المجهضة، بتلك الطريقة.وبتصوري عدم القدرة على الخوض في جدلية الموت والحياة لم تنبع من الا من الارتكاس الروحاني والذهني ؛ فالانشغال أو الإشغال المفروض على الكائن البشري في شرقنا منذ تفتق الوعي والارهاصات الناتجة عن استنزافه ؛ تجعله يشعر أن مفهومي  الحياة والموت لديه وجهان لعملة واحدة؛  وسعيه  وهو لاه  بين  دفتي البداية والنهاية أو المنطلق والمرجع هو ما يرصد و تلك هي أطروحته التي تعكس تلك الجدلية بين الموت والحياة  .

– نعم لقد بات الشاعر المحدث أسير الأتمتة بكل خمولها، وإتلافها للنهم المعرفي عبر ملامسة الورق وتصفح الكتاب ، فجيل الشعراء المحدثين المنبثقين من سطوة الرقميات كما تفضلت محروم من نشوة استنشاق رائحة الورق ، والغفوة وهم يغطون وجههم بدفتي كتابهم المفضل . وهذا الانجراف نحو التكنولوجية ناتج  عن كوننا لم نساهم بتفعيلها ، بل نحن منفعلين بها وننشدها بكل ما يقدم لنا دون قدرة على الاختيار، فنحن جيل الوجبات الجاهزة أو كما يطلق عليه جيل  ال expresso  – fast food. من هنا ولكي يبدع الشاعر المحدث  فهناك حالتين لا ثالث لها:

 إما أن يكون ذو ذخيرة ثقافية جمة، أو منغمس في حالة عشق جارف تحرك عليه كل لواعجه .

وكلنا يعلم أنه اذا كان للألم والمعاناة إيجابية فهي تكمن في كونهم يشكلون جذوة الإبداع… ولدى الشاعر المحدث المحكوم بلسعة عصر السرعة المحموم لا متسع من الوقت لكلا الاحتمالين . من هنا يحرض رحم ذاكرته عساه يلد له فكرة جديدة أو وكنتيجة لغمامات الفكر المنبعثة من غموض الظواهر الحياتية لديه فإنه يلجأ لطلسمة الكتابة تحت مظلة الرمزية .

من هنا فإن  قارئه يلف ويدور في حلقات مفرغة وفارغة إن حاول الإمساك بالمعاني الهلامية المطروحة.

= التساؤل في صميم الذات المدركة المبدعة , وهو الواقي لنكبات وكبوات المبدع في الزمن , إلاما ترمز القصيدة الحية أمام الماضي بإطلالته الحادة على ذاكرة المرأة الشاعرة , هل الكتابة تعبير عن تواشج عنيف من الحنين بين المرأة والماضي , أم أشبه بمحاولة وأد لتعثر تحقيق الحلم الياسميني ؟

أما التساؤل لدى ذات المرأة المبدعة في زمن الانفتاح على الآخر والانغلاق على الذات ،فهوبمثابة استشراق للمستقبل الزاهي الذي هو مادة حلمها ووأد لماضي سحيق سحق كل أمنياتها وأحلامها وجعلها حالة أو ديمة معلقة بين عطش تراب الحاضر وجدب الماضي واخضرار المستقبل بتوسم الأمل الفار  مما تملص من بنان سنينها. المرأة بوصف تسميتها مانحة الحياة( خاصة باللغة الكردية:Jin jîyanê didê xwezayê)  ) بمعنى : المرأة هي مانحة الحياة للطبيعة فهي الكائن البشري الأكثر حاجة  للأمل والحلم ،لتبلسم جراحها من ناحية  ، ولتخضر القشيب من خريف مناها.  أهمية الأمل بالنسبة لها ملحة لدرجة تجعل من ثرثراتها تويجات  ياسمين على تربة حياة الأسرة. كيف لا ومن سواها يعكس الجمال والرقة والعطرعند  تبلد ساعات العمر!!!….

= يقول الكاتب الروسي دوستوفسكي :
((
 إن المرأة التي تقرأ ، لا تستطيع أن تحب بسهولة ، إنها فقط تبحث عن نظيرها الروحي الذي يشبه تفاصيلها الصغيرة ((.”

جدلية القراءة والحب , التي أصر الكاتب على بيانها إلى أي حد مهمة في عصرنا هذا والذي نشهد أمية الحرب التي تسطو على المرأة الشرق أوسطية حيث الحروب والتنافس الايديولوجي وطغيان المفاهيم الحزبية الاستهلاكية , ماذا تحتاج المرأة الشابة حتى تعي جوهر العشق عبر القراءة والتأمل والبحث ؟
في ظل هيمنة القمع الناعم إن صح التعبير في واقع مليئ بالإرهاصات ما بين البقاء في أتون الوطن الخراب والمنفى البارد ؟

فيما يتعلق بمقولة ديستويفسكي تبنيتها بكل معنى الكلمة  لمسار زمني تعدى القرون الثلاث لكنني ادركت أنها ضرب من الرومانسية وتكاد تصبح غطاءا” طوباويا” للفشل النسوي في التعاطي مع كافة الخامات النفسية لدى معشر الرجال .

علما” أن فقدانها لذلك القادر على رسم نمنماتها سيشقيها ،لكن التغاضي عن هذا المطلب أرحم من قسوة الوحدة ؛ وبالتالي يجعلها تتمتع بقدر من البراغماتية يخولها لتسيير شؤون حياتها عسى أن تترافق وجهة رياحها مع  رغبات قائد دفة سفينتها ذات إبحار.

في عصرنا الراهن الطاحن لكل شيء جميل ولكل رموز الحياة ، العصرالمثخن بجراح  أبشع الحروب ؛لعل المهمة الأكثر إجلالا” التي ينبغي على المرأة القيام بها القدرة على زرع القيم النبيلة في نفوس جيل قادم مترع باللا انتماء لأي من سلالم القيم الأخلاقية ، جيل بلا جذور.

إذ ما من أحد من جيل المغترب متمسك بلغته تلك التي هي المرس الأمتن الذي يشده لجذوره. هو بالتالي بلا فروع لأنه ما من شجرة تتوازن كل مراحل وجودها اذا لم  تتجذر مع ترابها بعلائق جدية و سليمة.

أما  ماذا تحتاج المرأة الشرق أوسطية حتى تعي جوهر العشق ،فمن وجهة نظري عشق المرأة للجنس  الآخرضمن ظروف  السطوة  الذكورية الراهنة تكريس لفكرة الاستعباد وما الزواج والارتباط باعتباره التحصيل الحاصل للعشق سوى توثيق لصك العبودية تلك.من هنا أجد أن المرأة كي تتحول الى كائن مبدع حري بها أن توجه ذاك العشق لذاتها فبذلك تصبح معطاءة وغنية من الداخل عوضا” عن الشعور بالتقص والدونية،  وكل تلك المفاهيم السلبية التي حاول الدين وبناء” عليه  العادات والأعراف والتقاليد غرسها في شخصية المرأة هذاإن وجدت بالأصل. إذ غير مأذون لها أن تدعيها أوتمارسها. فبكاؤها وعري قدميها مباح لأن الله يرزق من يشاء إنما ضحكتها المنتزعة بشق الأنفس ، وتنفس رأسها دون حجاب محرم ومكروه  ، وجرم تعاقب عليه.

أما خيارها في ظل هيمنة القمع الناعم :  فهو الوجه الآخر المظلم لقمر الحضارة وتختلف الأساليب في نقله ورسمه من متبني لآخر؛ إنما بالنهاية لطالما هو ناعم يبقى إيقاعه في النفس النسوية مقبولا” فكلنا يعلم أن الكلام الجميل نقطة ضعف المرأة، والغزل بالتالي هو عطرها. وربما من تصاريف قدرها  وطبيعتها الجبارة هو قدرتها على التكيف  مع أعقد الظروف حتى حينما يكون الخيار بتارا” حادا” تعلم بحدسها الواعي أن  عليهاأن تختار بين أمرين  حتى وإن كان خيرهما أمر.

فإما البقاء في الوطن الخراب مع انعدام أسباب البقاء من مأكل ومأوى ومشرب  وإنارة وبالتالي لا عمل ولا مصدر للرزق،وفوق كل ذاك انعدام الحياة حيث يتربص الموت بك بين الفينة والأخرى، والخيار الآخر يكمن في لسعة قر المنفى الذي يجعلك تشعر وكأنك كتلة من وجود متحجر ، لا أنت قادر على اقتحام مجتمع يطالبك بإعادة بناء نفسك وفق مقوماته ولا أنت قادر على استحضار طقوسك التي كونتك بعجائن الشرق بغثها وثمينها.

فحياتنا الراهنة  نحن النساء والذكور على السواء  في بلاد المغترب نقضيها بين ألم فكي كماشة فناء الوطن و جليد المنفى.  المعضلة تكمن في أننا كنّا وما زلنا .نتوهم أننا في سعي لخلق حضن لأوطاننا علما” أننا ننتمي لوطن بلا حضن وإلا لما لفظناأصلا” .

فمعظمنا كان منفيا” ضمن وطنه، خاصة وأن لا ناقة لنا في إدارته ولا جمل. وتبقى تحكمنا هذه الجدلية التالية : أنناكلما اقتربنا من أوطاننا كلما ابتعدت هي عنا وكلما ابتعدنا عنها اقتربت هي أكثر لدرجة أنها تسكننا ، والشطر الأول من معادلة هذه الجدلية ينطبق على إنسانا الشرقي فقط وقد يشمل الشطر الثاني حكمه يقع على إنسان الغرب والشرق على السواء. فعلاقة الوطن مع المواطن في شرقنا مثيرة  لجدل عقيم لكونها بين طرفين متناقضين، في الوقت الذي هي في الغرب علاقة جدلية ومتبادلة التأثير وقائمة بين أطراف تسعى للتكامل فالمعادلة هنا كاملة  العناصر ،ما من طرف مغيب فيها.

أما موضوع كسر الطوق؛ فهي فعل تطورمعرفي شمولي وبانورامي يستدعي  تكريس كل الفعاليات الاجتماعية والسياسية  والاقتصادية في شتى مفاصل الهيكل  البنيوي للمجتمع وهو فعل تراكمي يأتي عبر مسار زمني قد يطول أو يقصر حسب الشروط الموضوعية لكل مجتمع ؛فكلنا نرغب في كسر هذا الطوق إنما ذلك ليس باليسير ؛ هنا تلجأ المرأة للتحايل والمكر المشروع. للانفلات والانعتاق من هذا الطوق وأعتقد أن مقولة ( إن كيدهن عظيم ) ينبغي أن تجير لخدمتنا ؛ إذ هي بطبيعة الحال مقرونة ولصيقة بسلوكيات المرأة الشرقية فلم لا تكون لصالحنا؟! وهذا ما قمت به بالفعل  لأعبر عن إستقلالية كياني الفكري والمعرفي من خلال عملي في الإعلام والأدب على السواء فضلا” عن استثمار ما لدي من ملكات وإمكانيات ووثائق في التحصيل العلمي والمعرفي . أما أن أن يكون وجود الرجل كتعويض جزئي لهن عن الحلم؟! فبتصوري لا عزاء للنساء إلا في أنفسهن ووجود الرجل في حياتهن ما هو سوى لخلق التوازن النفسي وفق قانون صراع ووحدة وتصالح الأضداد في الفلسفة المادية الديالكتيكية.

= هل يتوقف التفكير برجل الحلم لدى المرأة المبدعة برأيك ؟ , وهل تجدين أنك كامرأة شاعرة وإعلامية نجحت في كسر الطوق المفروض من جملة تقاليد وعادات شرقية تعود لمخلفات السلطة الأبوية ؟ , وأخيراً هل يصلح وجود الرجل كعزاء حقيقي للمرأة ومواكباً لحياتها بصورة تنصف ما تحلم به المرأة لو جزئياً ؟؟؟

التفكير بالنصف الآخر المتصف بملامح الفارس أو عروس الحلم بتلك الصورة التي نشغل بهاأنفسنا ونشعل بها  رغباتنا ، ونلهب  خيالنا ،لا يتوقف ذلك التفكير  لسبب بسيط : لاستحالة التطابق بين الحلم والواقع ؛ حتى وإن افترضنا جدلا” أن التطابق حصل فإننا بحاجة دائمة لخلق متجدد لمادة حلمنا إذ يشكل ذلك دافعا”  ولو وهميا”لاستمرارية الحياة . والأمرذاته ينطبق على كلا” من الرجل والمرأة على السواء.

= الوحدة إحدى تداعيات الإحساس بالموت , الحقيقة التي أرقت أدونيس , ومحمود درويش والمعري وعروة ابن الورد ,  وغيرهم الكثير فيما توحي لك ,؟, أهي تعني تشبثنا بالبقاء كإبداع وأثر.؟ , ما تجسيدها في ذاتك كشاعرة ؟

الوحدة  والعزلة بالمعنى النفسي : هي ذلك الهم الكبير والجميل؛  تعني لي التأمل والتماهي مع نفسي والاعتناء وإعادة بناء الذات والاغتناء بالذات. أجيدها وأجسدها في نفسي كعلاقة محورية تدور حولها كتاباتي وأي فعل إبداعي(إن جاز التعبير) أنوي القيام  به. هي الوئام السيكولوجي الذي أخفق في تحقيقه مع الآخرين الا ما نذر. وتشكل العزلة الارضيّة الخصبة لدراسة النفس البشرية التي هي منبع الإبداع منطلقا” ومرجعا”.

= ما سبب انكفاءك شعرياً , هل يعود ذلك لانشغالك بالإعلام والتحرير والمجالات الموسيقية , أم لحال المجتمع الاستهلاكي النفعي والتي أقصت منظومته الحاكمة الاهتمام بالقراءة والفكر الحر؟

أما سبب الانكفاء الشعري الأساسي لدي فهو إحساسي أنه لا يغني ولا يسمن من جوع وفق منظومة المجتمع الاستهلاكي المادي فهو البضاعة الكاسدة في مستودعات زمن الجهل الروحاني والهيمنة التكنولوجية  والماديةعلى القلب والعقل والروح على السواء.

ثم أن فظاعة الانتهاكات السافرة لقيمة الإنسان والروح الإنسانية ، وقيمة حق الحياة  كأسمى القيم الإنسانية ؛ تجعل الشعر مهما كان خارقا” وعبقريا” تجعله يبدو أخرقا” ومقزما” في وصف هول مجريات الحياة المعاصرة. نعم تبقى ! تبقى هناك بعض المحاولات  التي هي كما أسميتها محاولات التشبث بالبقاء ، فالشعر بالنهاية حاجة ونتاج يصدر عن تفاعلنا الضمني مع ذاتنا أومع ما حولنا. وإقصاء القراءة والفكر الحر يبقى مجرد خدش يجريه شوك وردة أمالنا في أناملنا ، أمام الجرائم السافرة والفتاكة بحق النفس والروح البشرية التي تحيط بِنَا من كل حدب وصوب تحت مرأى ومسمع أبصار وآذان متفرجين مكتوفي الأيدي ليس لعجزهم بل لتعاجز لا يغتفر.

= ماذا قدمت لك عفرين , المدينة التي خرجت منها في سن مبكرة , هل لها حضور شعري وفكري في ذاتك, لا سيما وإن هذا السؤال يحيلني لجملة أسئلة أقوم بتكثيفها بتساؤل وهو قضية المظلومية التاريخية للشعب الكردستاني الذي تنتمين إليه , كيف تتجلى لك القضية على ضوء تجربتك كإعلامية وشاعرة , أين وجدت موقع القضية من حيز اهتماماتك الابداعية ؟

عفرين كمدينة ماذا قدمت لي ؟ : فقد منحتني للمرة الأولى في حياتي الشعور بالانتماء للمكان إذ أن إبتعادي المطول عنها في العاصمة دمشق ورغم ما ينيف على العقود الأربعة،  فقدت هذا الشعوربالوصال بيني وبين المكان الذي أعيش فيه. في عفرين شعرت أني أعتاش بها ولا أعيش فيها فحسب.  لأول مرة أشعر أن قدمي تمشي على أرض تخصني وكما يقال بالدارجة لا فضل لأحد فيها علي ولا منية أو ضربة لازمة .

هذا الشعور لازمني إبان إقامتي في دمشق منذ تفتق بذور وعيي هناك.

عفرين جعلتني أتذوق حلاوة العيش بالقرب من منبت الجذور ، وجمال عبق تراب يخصني .فيها اكتشفت كم هو طيب شعبنا وكم هو راضٍ بأبسط ما تجود به الدولة من خدمات مرفقية فنحن شعب لا نجيد التذمر إلا فيما بين بَعضنا الآخر، يساعد في ذلك حالة الفراغ والترقب التي يعيشها المواطن العفريني في انتظارموسم الزيتون فحسب. الأمر ذاته  الذي يفعله الكردي في كوباني والجزيرة بانتظار قطنه وقمحه. دواليك…..

القضية الكردية هي الهم الحاضر الغائب في وجداننا مهما نأينا بأنفسنا عنها لأنها هاجس إنساني  وحق مشروع قبل أن تكون قضية سياسية وهنا أودّ الاستئناس برأي أحد المتاجرين بالسياسة في سوق السياسة السورية ذو المشهد الظلامي الشديد التعقيد المتخم بالنفايات البشرية؛ إذ يقول أن القضية الكردية قضية عادلة إنما محاموها ضعفاء وفاشلين وهنا لا أودّ إضفاء السوداوية على المسرح السياسي الكردي إذ لا إضاءات فيه أصلا” ومنعا” للغلو أقول  إلا ما ندر من بقع ضوء هنا وهناك.

فموقع قضيتنا في صميم وجداننا شأني شأن كل وطني مخلص وشريف، إنما المشكلة هي أن نتساءل عن موقعها في حيّز اهتمامات نخبنا السياسية الذين المفروض هم متبنيها في محافل السياسة الدولية؟!.

= الأديبة ملك علو , كل الشكر لك وصلنا لختام حوارنا معك , كلمة أخيرة تودين توجيهها , للقارئ ؟

كلمة أخيرة أدعو نساء الكرد  والواعيات منهن بشكل خاص أن يتوقفن عن تسول شخصياتهن ممن هم حولهم، وأن يلتفتن بشكل جدي لدراسة وتبني خصائص شخصية المرأة الكردية بعناية وتركيز وشفافية عالية وبفكر نقدي بناء وتلافي التقمص والتبعية العمياء والنقد الهدام.

كما أشكر إتاحة الفرصة لفتح نافذة نيرة على نفسي وفكري ، آملة المنفعة لي ولكم. مع تقديري لجهدكم البليغ في السبر. بالتوفيق والى لقاء آخر.

 

 

 

 

 

 

 

 

((أروع حوار مع الأديبة المعرفية المغربية زكية المرموق))

زكية المرموق , شاعرة معرفية مغربية, عضوة في تجمع المعرفيين الأحرار

مواليد مدينة فاس ,1973م

تكتب القصة إلى جانب الشعر ومن أعمالها:

(واخرج إلى النهار) *شعر*

وقيد الطبع (انشطارات) *ومضات*

تنشر في العديد من الدوريات والمواقع مثل مجلة الأثير العمانية وكذلك صحيفة الوحدة الالكترونية وغيرها من المواقع العديدة

وفي تاريخ 7-1- 2015م, كان لي معها الحوار التالي:

  • أرحب بك مليَّاً وبحرارة , الشاعرة المغربية زكية المرموق وفي حوارنا, نود التسليط أكثر حول تجربتك الأدبية عموماً والشعرية خاصة في المراحل الزمنية الأولى؟

بحكم ثقافتي الفرنسية اذ كوني أستاذة آداب فرنسي واكتشافي لكتابات محمود درويش ونزار قباني و(بيرفير) وغيرهم الأثر الكبير في توجهي المعرفي وخطي الشعري
وبشكل عام نحن لا نختار خطاً معيناً في الكتابة بل نسقنا الفكري هو الذي ينحو بنا نحو اختيارات معينة

  • يقول جان جاك روسو في مقدمة كتابه العقد الاجتماعي (ولد الإنسان حراً ومع ذلك فهو بالقيود في كل مكان) ما مفهوم الحرية في ظل القيد في ادب الشاعرة زكية المرموق

كثيراً ما استهلك مفهوم الحرية لدرجة تبضيعها والحرية بالنسبة لي ذلك الهامش الذي أمارس فيه الكتابة حيث أنسلخ عن كل ما هو عرفي وثقافي وأعانق الحلم

 

  • برأيك هل قطعت المرأة أشواطاً في سبيل خلق بيئة متحررة ووفاق مع الرجل سواء إن كان مبدعاً أو بعيداً عن الإبداع, أم أن هنالك مخاض قديم لايزال؟

تبقى المراة جاهدة في كسب مسافة اكبر في هذا المخاض ويبقى الحلم هو المساواة بين النوع إلا  أّنه لا يجب ان ننسى أن ساحة هذا المخاض هي ثقافة عربية اسلامية مشدودة إلى الماضي اكثر منها الى المستقبل

  • الحزن غائر وله حكاية في شعرك , هل تشعرين أن التشاؤمية لغتك المفضّلة , والتفاؤل محض هراء في وجود يتخبط في العدم؟

حقيقة إن خطابي الشعري يظل شقياً حين يحاول عكس واقع مهزوم ومهزوز لكن اتساءل هل هناك شاعر معرفي يحمل خطاب الفرح

  • في قصائدك ملامح فلسفية ولغة ناضجة ومتينة إلاما ترجعين ذلك ؟

تكويني بالأدب الفرنسي واطلاعي على الأدب العربي وإدماني على القراءة اضافة الى تجربتي الحياتية كل هذا أنتج زكية المرموق

  • ما أبرز الكاتبات أو المبدعات اللاتي كنّ أكثر قرباً من حياتك وأدبك عموماً؟

قرأت للكثير من الاديبات مثل سيمون دو بوفوار ناتالي ساروت فدوى طوقان وغيرهن
أعجبت بالبعض منهن ولكن يبقى عشقي الأكبر لدرويش والقباني ونجيب محفوظ وسارتر وكامي وغيرهم

  • ما الهدف من الكتابة الشعرية برأيك, وما الخيارات التي قد تواجه المرأة المبدعة في بدايات ولوجها للأدب والكلمة الشاعرة؟

أعتقد ان الكتابة الشعرية هي بوح أولاً, وتعالٍ عن الواقع الرمادي الذي يستهلكنا
التحدي يكمن في ولوج عام لطالما كان حكراً على الرجل

  • ما تقييمك لحراك المرأة المغربية المعرفي والأدبي بصورة خاصة, وما القيود التي قد تعيق دورها في العطاء والإبداع؟

أعتقد ان المرأة المغربية , أبرزت عن موهبتها المعرفية على الرغم من كل الصعوبات
يكفيني ان أذكر الشاعرة مليكة العاصمي وفاطمة المرنيسي كعالمة اجتماع واللائحة طويلة

  • وفي النهاية يسعدنا الحوار معك, عضوتنا المتألقة الأديبة زكية المرموق , كلمة أخيرة تودين توجيهها لأسرة الحب وجود والوجود معرفة وللمتلقين عموماً؟

ختاماً اشكركم على استضافتي في هذا المنبر المعرفي ويسعدني أن أنتمي إلى أسرتكم ونحمل جميعاً مشعل الحب والمعرفة وشعارنا دوماً الحب وجود والوجود معرفة

                …………………………………………..

 

 

 

 

 

 

 

 

(بوح هادر مع آفرو)

آفرو برازي ،أديبة كردستانية معرفية , عضوة في تجمع المعرفيين الأحرار , ولدت في مدينة المقاومة كوباني, غرب كردستان (سوريا)  15 نوفمبر 1990 ، درست الأدب العربي لكن لم تتمكن من إكمال دراستها بسبب ظروف الحرب و اللجوء ، وهنا توجز ذاتها في سطور قائلة 😦 قادمة من بيئة كردية محافظة نوعاً ما ، أؤمن بمقولة ماركيز : ” إنّ البشر لا يولدون دوماً يوم تلدهم أمهاتهم ، و إنّما تجبرهم الحياة على ولادة أنفسهم بأنفسهم ثانيةً ، و لمرّاتٍ عديدة ” و لذا ولدتني أمي مرة وولدتني الحياة مرة ثم استلمتُ دفّة إنجابي بيدي فبدأتُ بولادة نفسي كما أريد  وبمخاضٍ أكثر من عسير عكس المجتمع الذي أنسب إليه تماماً)

نشرت بعض قصائدها و مقالاتها في مواقع الكترونية وصحف دورية محلية , وفي تاريخ 17= آذار = 2016 كان لي معها هذا الحوار :

*الأديبة المعرفية أفرو برازي نرحب بك في حوارنا هذا معك , ونود أن نتحيز الوقت لحوار هادئ وعميق , ونبدأ  من هذا السؤال :

1,= ما جدوى الكتابة ولمن نكتب ؟, أهي كما قالت مستغانمي  , وسيلة لدفن من نود دفنهم وذلك بالكتابة عنهم , أم أن لها وظيفة تتجاوز الرغبة بمجرد أن تكون تنفيساً عن خيبات وأوجاع ؟؟

في الواقع مصطلح ( ما جدوى ) لم يرقني كثيراً ، إذ أنّها ربّما توحي بتصغير الكلمة التي تليها ، والتي هي (الكتابة) . حقيقةً  ,أنا ممّن يمتلكون عادةً أكثر من إجابة لسؤالٍ واحد ، و هذا إنّما ينجم عن انطلاقي في الأمور من مبدأ النّظر إليها قدر المستطاع من زوايا متعددة بغية الوصول للحقائق المعتّقة ، تلك الأكثر قرباً من الأصح . قد يوحي التضارب أحياناً في الإجابات إلى التناقض في شخصيّة المتكلّم, إلّا أنّ هذا التضارب ما هو إلّا خادم مقصود لفكرة ” الضد لا يظهر جماله إلّا الضد ” ، فللشرّ عندي مثلاً جماليّة حين يكون الخير مزيّفاً ، بينما يتهافت الأغلبية للتصفيق للخير دون المحاولة للنظر إليه من زاويةٍ أخرى ، و لأدمج ماسبق مع سؤالك : لمن نكتب ؟ فإنّي بدوري أسألني أيضاً ( لمن نكتب ، و لمَ نكتب ) ؟ كما تفضّلت حضرتك في أنّ مستغانمي وصفت الكتابة بوسيلة لدفن من نودّ دفنهم بالكتابة عنهم ، فإنّ حادثةً لبرناردشو استفزّتني هنا حيث أنّ أحد الكتّاب المغرورين قال له : أنا أفضل منك ، فإنّك تكتب بحثاً عن المال و أنا أكتب بحثاً عن الشرف ، فردّ برناردشو فوراً : صدقت ، كل منا يبحث عما ينقصه . من هنا نطلّ على السؤال من زاويتين عبر إجابتين . لنقل أنّ أحلام كتبت عن مقارباتها الأدبيّة حيث لكل منّا مقارباته الذاتية و رؤية مختلفة من شخص لآخر ، ما أودّ الوصول إليه أن هنالك فارق معرفي و زمني بين جيلٍ و آخر ، و كلٌّ يمتاز بإسلوبٍ خاص . في الكتابة باب الأسباب ( لمَ نكتب ) و الأشخاص و الأشياء ( لمن نكتب ) مفتوحٌ على مصراعيه على كافة الاحتمالات ، نكتب خيبةً ، نكتب وجعاً ، فرحاً ، تنفيساً ، بحثاً عن نقصٍ ما ، إصلاحاً ، دق مسمار في عرش شيءٍ ما ، دفن شيء ربما ، ولادة شيء ، لكن دعونا لا نغفل عن أهم ما نكتب لأجله ، إذ بدونه تغدو الأوراق عقيمة ، ميّتة ، و هو أنّ هنالك من يريد أن يقرأ ، من يريد أن يسافر في كتاب أو قصيدة ، من يريد أن يعرف ، من يريد أن يتعلّم ، من يريد أن يحسّ بوجوده ، الكتابة وجود من نوعٍ آخر .

2= الزواج كمؤسسة اجتماعية لها جذورها التاريخية التي تشرعن الملكية بعقد بموجبه يتم العيش , كيف يتأقلم ذلك مع نفسية الزوج المبدع , أو الزوجة المبدعة , هل ستكون مخيرة بين رعاية تلك المؤسسة ونسيان الأدب ومخلفاته من عصيان وخروج عن المألوف , لعل الزواج يكون أحد المألوف المقدس , كيف يمكن التوفيق إن صح التعبير بين مؤسسة اجتماعية وأدب يحاول أن ينوب عن كل حالة مترسخة بحكم التقاليد والأعراف؟ , وأي الخيار تختارين إن وجدت المؤسسة الزوجية  تقف عائقاً أمام أفكارك الخارجة عنها ؟

الجواب على سؤالٍ كهذا لربّما يشطرني إلى نصفين ، نصف يتحدث عمّا أراه أنا ، و نصف يتحدث عمّا عليّ أن أكون عليه نسبةً للمعايير الأخلاقيّة التي سنّها المجتمع . أنا أتفق مع شكسبير حين قال : ” أصعب معركة في حياتك عندما يدفعك الناس إلى أن تكون شخصاً آخر ” . للأسف دوماً يُلبِسنا المجتمع ثوباً ليس على قياس ما نحن عليه بالفعل ، أنا لن أقول أنّ الزواج مؤسسة اجتماعيّة فاشلة ، إنّما الزواج في المجتمع الشرقي هو المؤسسة الفاشلة نظراً لأساس تلك المؤسسة . لن أدخل في إطار مناقشة الزواج بكليّته ترفّعاً عن الخلاف الأزلي الكاذب المدسوس بين آدم وحواء ، ما يخصّني هنا هو الأديب و الأديبة المتزوجين . واحدٌ من أهمّ عناصر الكتابة هو حريّة التعبير ، أنا أرى أنّه في حال وجود شريك في حياة الكاتب أو الكاتبة فإنّ عليه أن يتمتّع بحسّ التقبّل و الوعي بمدارك الكتابة و الحالة الخاصة لروح الكاتب/ة ، على سبيل المثال نرى الأديبة المتزوجة إمّا نادرة الكتابة عن الحبّ أو متّهمة إن كتبت عنه ، ناهيك عمّا يلقيه المجتمع من قوانين صارمة غير قابلة للنقاش . واقعنا ليس مثاليّاً و ليس عادلاً و لذا ليس بمقدورنا إضفاء جرعات من الألوان البرّاقة لنخفي الحقيقة المخيّبة ، وجه مجتمعنا قبيح و فريق من أطباء الفكر لا يقوى على تجميله . كثيراً ما أواجه الأسئلة عمّا إن كنت متزوجة أم لا و إجابتي تأتي دوماً بقولي : الزواج هو المصيبة الوحيدة التي تمكنت من النجاة منها من جملة المصائب الأخرى التي لحقت و لاتزال تلحق بي في هذا المجتمع ، مجرّد التفكير في الاختيار ما بين الفكر و المؤسسة الاجتماعية المتمثلة بالزواج محال ، لو كنت سأختار لكنت متزوجة منذ سنوات ، لقد جسّدت هذه الحالة بتجربة واقعيّة و ذلك بوقوفي في وجه بيت عمي ما يفوق الثلاث سنوات ، حيث كنت أعاني من تلك الحالة المترسخة في مجتمعي و المتمثلة بتمنّع ابن العم لابنة عمّه ، وصلت لأعلى حالات المعاناة ، سمعت الكثير من الكلام ، لم أستسلم لحظة ، و ما أدراكم ماذا يعني هذا ضمن أوساط المجتمع. إن حدث وقررت الزواج فإنّي سأبحث عن عريس في المصح العقلي ربّما ، وحدهم المجانين تمكنوا من غسل أوساخ العرف و التقليد و العادة ، رجلٌ يقف عائقاً في وجه أفكاري سأركله كائناً من كان و مهما كان ثمن ذلك . و أركّز مرّة أخرى على خروجي عن أي عادة أو عرف لكن فيما يتعلّق بالأخلاق فإنّي ملتزمة بها .

3= ما الرجل في فكر أفرو برازي , أهو الهرم الذي في الخيال يسكن حيث ذلك البرج الذي لم يرتقي لصعوده أحد بعد , أم إنه ذلك الإرث المتراكم من ويلات الشهقات المتعبة , حديث الشجون والعتاب في نظرك ؟

قبل الآن ذكرتُ مرّة بأنّني أتمنّى أن تنجب النساء سلالة جديدة من الرجال ، رجالاً على شكل عطفٍ وحنان (أباً كان أم أخاً ، حبيباً أو ابناً ) فقد جفّت تربتنا ، وقد يظهر رجلٌ يقول لي : و أنا أتمنّى أن يتمّ إنجاب سلالة جديدة من النساء ( حسب ما يعتقد أنّه يحتاجه ) ، هذا يعني أنّنا بالفعل بحاجة لتحسين طبيعة الرجل و المرأة على حدٍّ سواء . في الحقيقة أرى المرأة امتداداً للرجل و الرجل امتداداً للمرأة ، و أنكر تماماً قصة الخلق التي لم تعمل سوى على بثّ الخلاف ما بين الجنسين منذ الأزل و إلى الآن . ليس لي أيّ مشكلة مع الرجل ، مشكلتي مع المجتمع ، هذا الأمر يضعنا جميعاً تحت المجهر و يحمل المرأة و الرجل معاً مسؤوليّة تحسين المجتمع . الرجل قصيدة لربّما مؤلمة أو مفرحة كما أنا ، الرجل رواية كما أنا ، حياة كما أنا ، الرجل أنا ، لكن هذا الرجل الذي أتحدث عنه هو ذاك الذي استطاع غسل نفسه من أساطير المجتمع المقيتة .

4=في لغتك إسهاب قصصي جميل , مع شاعرية واضحة , ماالرواية التي تستحق أن يُكتب عنها برأيك في هذا الزمن , ماذا تحتاج المرأة الأديبة للكتابة عنه برأيك حسب عالمها الشرقي , وأضف إلى ذلك إحساس المرأة في زمن الحرب والمنفى؟

ليس لي صلةٌ مع الفرح و لذا إن قلت بأنّنا في زمنٍ يعجّ بالمعاناة و الفوضى نحتاج أن نكتب عن الفرح فإنّي لن أكون صادقةً معك . هنا تتُرك الإجابة لمن يُكتَب لهم ، للقرّاء ، في زمنٍ أُهينت فيه الإنسانيّة هل يحتاجون لمسكنّات فكرّية ، كأن يقرؤوا رواية أو قصيدة ملأى بالفرح ، بالخيال ، بالأساطير ، أم أنّ القارئ يحتاج لتعتيق آلامه في كتاب ؟ أيبحث عن الغرابة ؟ أيسعى خلف جماليّات اللغة و زركشتها بعيداً عن الموضوع ؟ أيفتقر للحبّ فيلاحقه بين دفتي كلام ؟ أما ما تحتاجه المرأة الأديبة للكتابة عنه حسب عالمها الشرقي فإنّ الحاجة أرجعها لما ذكرته في بداية جوابي و تركيزي سأوجهه لمصطلح ( عالمها الشرقي) ، هنا لي كلمة فاصلة غير قابلة للنقاش ، وهي أنها إن لم ترمِ بكامل كيانها على الورق فلتهجره ، ليس هنالك من داعٍ لإهانة الفكر ، فلتكسر قبل كل شيء مصطلح ( العالم الشرقي ) ، نحن لا نبحث عن تقدير المجتمع و لسنا بحاجة لأوسمةٍ منه ، نحن نعرّي الحالات الإنسانية كما هو الإنسان . أما فيما يتعلق بإحساس المرأة في زمن الحرب و المنفى فالمعاناة تحصيل حاصل للإنسان عموماً و للمرأة خصوصاً ، مرّة أخرى أجرّم المجتمع و الدين ، أليس هم السبب بتشريعاتهم التافهة للحادثة المتمثلة ببيع نسائنا في أسواق النخاسة في القرن الواحد و العشرين ؟ في المقابل نرى أخريات يقاتلنَ بشراسة في ميادين القتال ، و لا أخفي عليكم كوني أعايش المجتمع بعمق بأنّه يرقص في حلقات الدبكة احتفاءاً بالانتصارات و يصرخ في المنابر في رثاء شهيدة ، لكن لدهاليز المجتمع الحقيقية كلمةٌ أخرى ، هنالك آلاف التهم الأخلاقيّة الملفّقة الجاهزة بانتظار المرأة التي تقرر ترك السلاح لترجع وتعيش مدنيّة ، هنالك الكثير من يعتبر الالتحاق بساحات القتال عيباً ، لازال تفكيرهم في العمق محصوراً بين فخذي المرأة و الناموس انحصر هناك . هنالك أخريات عشنَ اللجوء بكلّ ذلّه ، و أخريات حصلنَ على حياة لم تكن لتتوفر لهنّ في أوطانهن و هذه الشريحة هي أغلبية من استطعن الوصول للقارة العجوز ، قلت لك منذ البداية ، هنالك زوايا عديدة نستطيع رؤية الأمور منها

5= أنت كردستانية وتكتبين بلغة عربية , برأيك هل للكتابة بغير الكردية منعكسات سلبية تجاه إمكانية بروز أدب كردي وبلغة كردية , ما سبب عزوف غالبية الأدباء والأديبات الكرد عن اللغة الكردية , بخاصة وأننا نشهد في الأفق السياسي بروزاً واضحاً لتحقق الكينونة الكردستانية , ماذا يقع على عاتق الأديب والمرأة الأديبة بوجه خاص , كونها حاملة راية المقاومة , وملهمة لكل جديد على كل صعيد ؟

نحن نعلم أنّ الترجمة خيانة ، لكن أحياناً للخيانة جماليّة خاصة و شهيّة ، فليخونوا إذاً و ليترجموا أدبنا المكتوب بالعربيّة إلى الكرديّة . ما دمنا في نهاية المطاف نكتب أدباً كردياً لكن الفرق أنّ الحرف الذي نكتب به كرديتنا عربي . لربّما الظروف التي عشناها من الحرمان من مرجعٍ ندرس منه اللغة الكرديّة لها الدور الأكبر في هذا الموضوع ، و لا شك أنّ في داخل كلّ منا جمرة حسرة تتّقد على الدوام في الصدور تجاه أدبنا الكردي ، و ليس هنالك إلى الآن ملامح للرواية الكرديّة مثلاً . أقرّ أنّي حين أقرأ نصّاً عربيّاً لكاتبٍ/ة كرديّ/ ة أحسّ بنقصٍ ما و لو كان الموضوع كرديّاً بحتاً ، هنالك أشياء لا يسعنا التغيير فيها تماماً كما هو ممنوع تحريف آيةٍ من كتابٍ مقدس . في الآونة الأخيرة شهدنا نشاطاً في اللغة الكرديّة مما يعني أن أملاً ما يلوح في أفق الأدب الكرديّ المكتوب بالكرديّة . الجيل الجديد متعطش للغته الأم خصوصاً بعد التحولات السياسية التي نشهدها الآن و التي توحي بتفتق برعم اللغة الكردية سواء رجلاً كان أم امرأة

6= ممن تأثرت أكثر من أدباء وأديبات عصرنا الحديث , وهل سنرى لك قريبا بروزاً أكثر منهجية في أحد حقول الأجناس الأدبية ؟

إنّ الرواية الحديثة بشكلٍ عام مغرية و ذلك لامتيازها باللغة الشعريّة ، لربّما يصحّ أكثر إن سألتني من أحببت أكثر و ليس بمن تأثرت ، و يسعني القول أنّي منذ الصغر أغرمت بماركيز كما أحببت ما كتبه جبران خليل جبران ، أما في أدبنا الكردي فالرواية الكرديّة هي أنا هي أنت هي هو هي هم و هن ، و تلك الرواية استلم رايتها الروائي الجميل العبقري جان باپير و الروائي المبدع چان دوست . إن كنت سأبرز في أحد حقول الأجناس الأدبيّة فإنّي أراني في الرواية ، لقد أوشكت لإصدار ديوانٍ شعري غير أنّي أجلته لأبرز أولاً في الرواية و التي بدأت بها فعلياً .

7= للألم مكانة بارزة في لونك الأدبي , ماسر الألم , أكامن في الحب , أم في أطوار الطفولة الأولى حيث التشبث بالحلم أمام واقع قاس في رحلة مكتظة بالوجع , .؟

من أين تريد أن أبدأ بزفّ عرائس الألم لك ؟ من وطنٍ لم أتمكن سوى من ضمّ شواهد قبوره ؟ من واقعٍ لا يتقن سوى الطعن ؟ من طفولةٍ لم تَنَم سوى في أحضان الشقاء ؟ من رحلةٍ لم تعرف شقّ طريقها سوى في الحرمان ؟ أم من حبٍّ أسأنا إليه لأنّنا كنّا عبيداً ؟ حيث الحب لا ينمو سوى في تربة الحريّة ، و مآسي عشاقنا الكرد أشهر من النار على العلم كما مم و زين ، كما خجه و سيابند ، كما فرها وشيرين أو كما أنا و رجلٍ آخر ! لن أجيب عن سؤالك هذا سوى بأسئلة كبرى ، كل منها يصرخ بألف جوابٍ و جواب .

8= تجمع المعرفيين الأحرار كتجربة افتراضية ضمن مناخ تسوده قيم استهلاكية تحاول أن تذهب منحى التشظي والتسطح باتجاه السخف , ما تقييمك لوجوده , ودوره في إنعاش المناخ الفكري والأدبي والفني عموماً ؟

للأسف ، دوماً منابر الفكر هي الأقل جمهوراً ، ربّما لعدم ارتدائها فساتين النفاق و الكذب التي يسير خلفها الناس عندنا ، حيث التأييد الأكبر لمنابر التحزّبات و الشيوخ تلك التي لم تفضِ سوى للهلاك . تجمع الحب وجود و الوجود معرفة ممن يحملون راية المعرفة مسؤوليةً على عاتقهم ، أتمنّى أن يتم التفاعل معها أكثر و لنتعلم قليلاً التوجه نحو منابر الحقائق أو لنجرب مجرد تجربة .

= آفرو برازي , الأديبة المعرفية الكردستانية , سعدنا بالحوار معك , وصلنا للختام , كلمة أخيرة تودين قولها؟

لا أحبّ الخطابات و الكلمات الأولى و الأخيرة ، كلّ ما أستطيع قوله أنّني سافرت في رحلةٍ ممتعة و مفيدة و غير خالية من استفزاز مكامن الألم و المعاناة في شخصي..

================================================================

 

 

 

 

                            (الأديبة المعرفية ماريا كبَّابة, ترانيم وشجون)

الأديبة السورية ماريا كبَّابة , من مواليد محافظة حلب , عضوة في تجمع المعرفيين الأحرار حائزة على الإجازة في اللغة العربية وآدابها بجامعة حلب , ومن أعمالها ( التضحية, الوهم, عاشقان ولكن باسم الحب)

*بتاريخ 20 -11- 2014م قمت بإجراء الحوار التالي معها:

– ماذا تعني لك حلب , كموطأ للذاكرة, للمكان على رقعة الخارطة الأدبية التي ترسمينها على الورق؟

أرى العالم  من خلالها, بعشقها وعبثيتها وأحجارها وخاناتها, وسكانها وأصالتها, فمنها خرج الادباء , وخرجت الحضارة

ماريا كبّابة, عنوان رقيق كالوطن وياسمينه, يتجسد في عناوين الحياة الأكثر رحابة, إلاما تعيدين سرّ العفوية, وجمالية النص الذي تمتهنينه, إلى المرأة وإحساسها الحاد بالأشياء, أم إلى عراقة الانتماء الذي يثير في الإنسان نوازع الفن؟

بالتأكيد , تمتزج العفوية بطبيعة حلب والمرأة الشرقية التي مزجت كل ما سبق وأخرجت عفوية محببة, لتكون قريبة من كل الشرائح الاجتماعية , حيث استنبطت الكثير من الواقع الذي نعيشه حالياً وخاصة قي وضعنا السيء بسبب الحرب

الأدب والحرب, وبينهما يكمن الحب, كيف تعيش ماريا كبّابة كإنسانة تتمرّس الوجع وتؤمن به سبيلاً للإبداع, وتتمترس خلف رصيد من القوة والامومة والعمل, كيف يتجسد الإبداع في زمن الحرب الأهلية التي تزلزل سوريا

-لقد لامسْت الجرح , مع كل أسف , لقد خلقت الحرب مآسي كثيرة ولكن محبتنا وإيماننا يستمران, لأننا قرّرنا أن نعيش ونبدع, ولذلك نحاول أن نزيح عتمة الحرب لنتشارك الإبداع والمحبة بأنواعها

ماذا يعني الرجل في أدب القاصة ماريا كبابة, وكيف تجد آلية التخاطب النسوي للرجل الشرقي المحاصر بأعباء عديدة منها ما يتعلق بالإرث السلوكي ومدى تعالقه مع آلام المرأة المضحية المعطية؟

الرجل هو النصف الثاني وهو الألم , الأب والحبيب حالياً, الرجل الشرقي والسوري خاصةً يعاني الهموم الكبيرة لتأمين القوت اليومي , لعائلته , والحياة الكريمة لأولاده بعد عيش رغيد كان يحياه قبل الحرب , وطبعاً  هناك طباع مختلفة لكل رجل , فهناك الرجل المتطلب , واللعوب وبالنهاية إنه إنسان بكل حالاته..

كيف تجدين النشاط الأدبي والفكري بحلب ما قبل وبعد الازمة السورية وبخاصة في نفسية الادباء والأديبات عموماً؟

قبل الأزمة كانت نشطة بالطبع, ولكن أخرجت الازمة أقلاماً مبدعة وأصحاب مواقف جادة, وخصوصاً أن الساحة فرغت تقريباً من أي نشاط بسبب الحرب , حيث اجبرت الكثيرين على ترك بلدهم , ولكن اعتقد أن الأزمة صقلت الكثيرين من الادباء وأخص حلب طبعاً, ونفسية الاديب منكسرة متعبة بسبب الدمار الذي نحياه, والذي انعكس بشكل رئيسي على كافة الفئات وليس فقط على شريحة الأدباء

ما هم أكثر الأدباء والأديبات أثراً في حياتك وقراءاتك , وما مدى حضور الكتّاب المشاهير وتأثرك بهم على إبداعاتك؟

أتطلع دائماً للأفضل, واحاول الأستفادة من جميع خبرات الكتاب والمبدعين , فلكل معلم أثره وذوقه الخاص الذي لا يمكن أن نتوقف عن أحدهم دون الآخر فمن كل بستان نقطف زهرة, ولكن جبران خليل جبران , وأحلام مستغانمي  تمثلني أكثر من غيرهم

هل تجدين الفضاء الافتراضي والمواقع الالكترونية ملاذاً مناسباً يربطك بأكبر شريحة من الناس في كل مكان , أم تفضلين العالم الحياتي المحلي سبيلاً للتواصل مع المجتمع, وإلى أي درجة استطاع الاديب المعاصر أن يلم بوسائل الانترنيت لإيصال صوته لكافة المجتمعات؟

لم نعد نستطيع الاستغناء عن كلا العالمين , فكلاهما مهم , والفضاء الافتراضي أصبح واقعاً مهماً, والأديب أصبح على علاقة أقرب من ذي قبل مع المتابعين , حيث ازيلت الهوة التي كنا نراها سابقاً وأصبحنا على تواصل مباشر بالأدباء دون حواجز, فأعتبر أن الانترنيت قد ألغى المعوقات القديمة

الأديبة السورية ماريا كبابة , أسعدنا جداً بحوارنا  معك, كلمة اخيرة تودين قولها :

كل الشكر لك أستاذنا, وأتمنى أن يحل الامان بكل البلاد وخاصة بلدي الحبيب سوريا لأنها تستحق كل جميل , وأن تعود مشرقة بأبنائها..

 

 

 

 

 

 

 

 ((حوار وموقف مع المفكر والأديب المصري القبطي سامح سليمان))

*الجزء الأول*

المفكر سامح سليمان

من مواليد عام 1980م ,عضو في تجمع المعرفيين الأحرار، درس علم اللاهوت المقارن الأرثاذوكسي , ثم التحق بالكلية الأكليريكية , ثم انقلب بشكل مضاد وبدأ يميل للدراسات الفلسفية الوجودية معبراً عن احتجاجه وتمرده على الفترة الدينية التي أمضاها منذ صباه ومحدثاً صدمة بين أوساطه وأصدقائه من خلال تعصبه وتشبثه بما مال وانحاز إليه على عكس ما كان بادئ ذي بدء

وبتاريخ 23-11-2014م , كان لنا معه هذا الحوار:

1*الأستاذ سامح سليمان , في البداية يسرني أن أرحب بك في هذا الحوار الذي أجريه معك وأبدأ معك بهذا السؤال, إذا صحَّ تعبيرك عزيزي سامح بأن قراءتك للوجودية المسيحية كان محض صدفة كما قلت, أم إنها كانت بدافع فضول واستكشاف ومحاولة للخروج من دائرة مغلقة؟؟

وماذا تعنيه بالفكر الوجودي المسيحي , وهل تعتقد بوجود فكر مسيحي وجودي, كون المسيحية دين؟؟

تحياتى إليك و إلى جميع أعضاء هذا الكروب الرائع (تجمع المعرفيين الأحرار)، البداية القريبة لمعرفتي بالفكر الوجودي المسيحي

ولا أقول الفلسفه الوجودية المسيحية لأن الوجودية عموماً بشقيها المسيحي و الألحاد هو تيار فكري أكثر منها فلسفه نسقية ، كما أنني أتفق بنسبة كبيرة مع من يرفض صواب كلمة فلسفة الدين أو فلسفة مسيحية أو اسلامية او يهودية و أؤيد إطلاق كلمة فكر بدلاً من كلمة فلسفة حتى و إن كانت المسيحية ذاتها قد تأثرت تأثراً كبيراً بالفلسفة اليونانية ) و أنا فى سن السابعة و العشرين وأثناء مرحلة شك كبير فى كل ما آمنت به من يقينيات دينية و طائفية و قيم فكرية نشأت عليها وقرأت عشرات الكتب التى تؤيدها و أيضاً قرأت بعض الكتب التى ترفضها ، بخلاف أزمة نفسية أصابتني بسبب تركي للكلية الأكليريكية التى لطالما حلمت بالالتحاق بها لأصبح رجل دين و استطعت الالتحاق بها بتوصية من قيادة كبيرة فى الكنيسة و كذلك أزمة نفسية ،لازمتني منذ الصغر بسبب الأسلوب الخاطئ والسيئ فى التنشئه و كذلك التكوين النفسي و القيمي الخاطئ نتيجة الحياة فى مجتمع مريض و تعليم ضار و مدمِّر للقدرات العقلية  و إعلام ساهم بنصيب كبير فى تشويه القاعدة الفكرية لي و لغيري من أبناء جيلي ، حتى لا أطيل عليك أرشدني أحد أصدقائي الى كنيسة تعتمد أسلوب فى الارشاد النفسي و الروحي يسمى المشوره المسيحية و من حسن حظي انها كانت تعتمد منهج مدرسة النضج ،( المشورة المسيحية تنقسم الى ثلاث مدارس رئيسية و هى مدرسة الحق الكتابي و مدرسة الشفاء الروحي ،و مدرسة النضج و هى أفضلهم جميعاً ) بخلاف أن قادة تلك المدرسه أخذوا بعض أفكارهم من مدرسه في العلاج النفسي تسمى مدرسة علم النفس الوجودى و من أشهر روادها رولو ماي و كذلك مدرسة العلاج بالمعنى لمؤسسها فيكتور فرانكل ، و قد استفدت كثيراً من كتابه الأنسان يبحث عن المعنى ثم قرأت كتاب بحث الأنسان عن نفسه ( رولو ماي ) ثم كتاب عن حياة و أقوال (كيركجارد) للدكتور (إمام عبد الفتاح) ، ثم وقعت يدي بالصدفة على كتاب (مذكراتي فى سجن النساء) للدكتوره (نوال السعداوى) و غمرتنى قوتها و فكرها غير التقليدي و صلابتها و حديثها عن الحياة و من هنا بدأت بذرة الخروج من القالب الذى ألقتنى إليه الصدفة العمياء، قرأت الأعمال المبكرة للمفكر المصرى (خالد محمد خالد) و أعمال الدكتور (سيد القمني) ثم كتاب (مغامرة العقل الأولى)( لفراس السواح) ، ثم أبتسم لى الحظ و القى فى طريقى بعض أعمال العظيم (سلامه موسى) و من أهمها (حرية الفكر) و (نظرية التطور) و (برنارد شو) و هو الذى أرشدنى لحتمية سعة الأطلاع و تكوين مشروع فكرى متكامل و رؤيه علميه و موضوعيه للحياه ، ربما الصدفه تكون عبارة عن محاولة من الطبيعة للتكفير عن ذنوبها المتعددة فى حقي و مساعدتي فى بحثي عن الحقيقة و السلام الداخلي .

*هل تحققت لديك رؤية واضحة حول مشروعك الفكري وتنسيق أفكارك وبلورتها في استنباط نظرية معرفية تتبناها, أم لا زالت عبارة عن شذرات وأفكار تقتصر على مناقشة بعض القضايا على نحو مزاجي متعلق بشجون وآلام؟؟

نعم تحققت  لدي رؤية واضحة حول مشروعى الفكري وتنسيق أفكاري وبلورتها من حيث الأركان الأساسية ،و لكن التفصيلات لا بد ان تكون فى تطور دائم و إلا أصبحت متحجراً متجمداً فاقداً للحياة.،و قريباً سوف أكتب سلسلة من المقالات أشرح من خلالها مشروعى الفكري بشكل منهجي و تفصيلي و لكن يمكن أن ألخصه فى عباره و احدة هى : اليقين جهالة ، الفطرة هي التساؤل  ، أقصى جودة هى الغاية .

* لقد قلت أنك تأثرت ببعض المفكرين وتخص فيهم (كيركغارد), والمفكر المصري (سلامة موسى), والمفكرة المصرية (نوال السعداوي), ما الذي أخذته في كل منهم على وجه التحديد والاقتضاب؟؟

*كيركغارد :  كان له الفضل فى إدراكى لحتمية اختيار الذات و التمرد على القولبة و الخروج عن القطيع .

*سلامه موسى:الرؤيه الصحيحة للمرأة و أهمية العلم، و القرأه الموسوعيه، و دور الأقتصاد فى تشكيل المجتمع

*نوال السعداوي : الرجل لن يتحرر إلا عندما تتحرر المرأة ، التمرد و الإيجابية و الفهم الأعمق للحياة .

* إلى ماذا كنت ترتأي في تجريب مسلك المحاضرات وإلقائها, وكيف كنت تجد المتلقي, هل وجدت نفسك مدرباً للتنمية البشرية , أم فيلسوف ومنظر لأفكار معينة؟

 تعجبني جداً مقولة تشارلز بوكوفسكي عندما قال لا تكتب إلا إذا كنت ستنتحر أو تقتل ، و هذا من أسباب اتجاهى للكتابة و إلقاء المحاضرات فبخلاف أهميه الكتابة لتفريغ الطاقه الفكرية الناتجة عن القراءة المنهجية الدؤوبة ، كذلك التحاور و التجادل فى غاية الأهمية لصهر و إعادة تشكيل ما لدى المفكر من معرفه و هذا ما دفعني لإلقاء محاضرات فى الأدب و الفلسفة قائمة على المناقشة و ليس التلقين الغبي ، و قد أسعدني رد فعل المتلقين لما أقدمه ، فإسلوبي يعتمد على البساطة دون الإخلال بالمضمون ، و تطبيق ما قاله نيتشه و أكد عليه العظيم كارل ماركس عن أهمية دمج الفلسفة بالحياة ، كذلك إلقائى لمحاضرات التنمية البشرية ، فبعد دراستى للكثير من برامجها دراسة مستفيضة و كذلك دراسة بعض برامج إدراة الأعمال و اكتشافى للدجل و الشعوذة المنتشره بكثافة فى هذا الوسط ، أسعى لدمج ما بها من فكر إيجابى يساهم فى ارتقاء الإنسان و تحقيق مستوى أفضل من الجودة لحياته  مع ما تكوَّن لدي من رؤية للحياة ناتجة عن دراية بعلم النفس و الاجتماع و الفلسفة ، الإنسان كائن مركب شديد التعقيد ، و لا يوجد علم ليس له أهميه ، بل و أيضاً الأدب ( الثمين منه و ليس الرث ) و الفن بأنواعه من سينما و موسيقى و نحت و فن تشكيلي،و كيمياء و فيزياء و بيولوجيا ، فيجب أن لا ننسى ما أحدثته نظرية دارون المحرم تدريسها فى بلادنا ، من أثر فى السياسة و الفلسفة و الاقتصاد و علم النفس ، بل و حتى الأدب بأقسامه المختلفة .

 

*هل المغالاة في الالحاد مطابقة للمغالاة في الدين برأيك؟

 مع كامل احترامي للمتدينين و الملحدين لا أستطيع الأجابة إلا بكلمة نعم .،فالمغالاة عند المتدينين دليل على الشعور بالنقص و عدم الاحساس بالقيمة الذاتية و الرغبة فى الانتماء لشئ له قيمته و مكانته و تقديره لدى البيئه المحيطه به ، خاصةً اذا ما كان هذا التقدير يصل إلى حد الخبل و الهوس ، و هذا هو السائد فى مجتمعاتنا نتيجة الفشل الذريع فى كافة المجالات من علم و فكر و حضارة ،و أيضاً نتيجة أن الأغلبية الساحقة فى مجتمعاتنا الناطقة بالعربية لم يختار أحدهم ديانته ، بل انتقلت إليه  بالوراثة و ليس بعد بحث و دراسة و مقارنة ديانته التى ورثها بحسب الصدفة بباقى الأديان و العقائد و الأفكار المختلفه بتجرد و موضوعية،و بدون التأثر بما تم تلقينه إياه من والديه و من باقى مؤسسات المجتمع المأجورة. أما المغالاة فى الألحاد فتنشأ فى الغالب نتيجة مراهقة فكرية و رغبه فى إعلان الكراهية للسلطة بالتمرد على أهم رموزها  و هو الإله  و كذلك رفض المسترزقين من وراء التحدث باسمه من موظفي المؤسسات الدينية،و التمرد على القيود الخانقة للفكر الدينى القمعي الرجعي السائد فى مجتمعاتنا لعدة أسباب ثقافية و سياسية ، أو انبهار ساذج بالنموذج الغربى الذى يسبِّح بحمده الكثير من مثقفينا ، بخلاف شئ هام متفشي فى مجتمعاتنا الآن وهو إذا رفضت شيء  و أقتنعت بخطأه لا بد أن تنتقل الى الإيمان بنقيضه ، و لذلك نرى أن التيارات التى لا تعتمد على الصبغة الدينية فى ترويج أفكارها رداً على التيارات المعتمدة على الصبغة الدينية فى كسب الأتباع ،  تقزِّم المرأة و تنادي ليل نهار أن المرأة لن تتحرر إلا إذا تحررت من ملابسها أولاً ، و مارست الجنس كما تشاء  !! بعض المثقفين المنبهرين انبهاراً أعمى عن جهل و عدم دراية بالنموذج الغربي يعتقدون أن المرأة عندما تمتلك الملابس تفقد العقل و عندما تفقد الملابس تمتلك العقل !!هذه هى قضية المرأة فى نظر أغلب مثقفينا ، و يا لها من مأساة!!( أغلب مثقفينا الموظفين المعتمدين إعلامياً هم جهلاء و إقصائيين و مهووسين جنسياً )و بخلاف أن المغالاة أساسها بنسبة كبيرة نفسي ، هى دليل على قناعة الطرف المغالي بامتلاك اليقين ،و من اعتقد بامتلاكه لليقين حكم على عقله بالموت بخلاف حكمه على الطرف الأخر بعدم الحق فى الوجود ، فكما يُغتال المتدينين بمختلف انتماءاتهم من اختلف عنهم سواء فى الدين أو الطائفة و رفضهم لوجود من اختلف عنهم ، كذلك فعل الشيوعيين الملحدين فى روسيا عندما امتلكوا زمام الحكم ، اغتالوا كل من انتمى للحكام السابقين وحطموا الكنائس وحرموا كل ما له علاقه بالدين،و تحولت الشيوعية لديهم الى دوجما غير قابلة للنقد، أى تحولت إلى مقدس مخالفين بذلك فلسفة العظيم ماركس من نادى (بأن أساس كل نقد هو نقد المقدس) أنا أختلف بدرجه كبيرة مع من يرى أن الدين شرٌّ فى حد ذاته ، نعم الدين كنص مقدس هو ثابت خاصةً لدى من يؤمنون به ( هذا إذا ما تغاضينا عن الآراء التى تنادي بعكس ذلك ) ، لكن الفكر الديني متنوع متغير فهو منتج بشري يتأثر تكوينه بعقلية و إرادة منتجية ، هو أداة ذات حدين نستطيع أن نستخدمها لخير و نهضة مجتمعنا أو لإفساده و تجهيله و إفساده ، و هذا الاختيار هو مسؤولية من يديرون المجتمع ، و من يديرون المجتمع هم نتاجه و إفرازه حتى و أن لم يختارهم أبناؤه ، الفكر السائد هو إفراز و إرادة و اختيار مجتمعي .بينما الإلحاد يجب أن يكون متاح كاختيار شخصي له احترامه و حرية تأييده

. *بما توحي لك المفردات التالية : الله, الحق , الواجب, الحرية, التطرف, الموت, الوجود

  الله : القوة التى تسري فى المادة .

  الحق : أقصى جودة للحياة.

  الواجب : الصدق و العدالة .

  الحرية : وهم إلا القليل فيما ندر ، وما أثمن هذا القليل .

  الموت : انتقال من صورة إلى صورة إلى أخرى ، فالمادة لا تفنى ولا تستحدث من عدم.

  الوجود : لعنة برومثيوس .

  التطرف : هو الاعتقاد بامتلاك اليقين ( بمختلف أشكاله ) .

* بلا شك فأنت بحثت ملياً وأشرت لقضية علاقة السلطة برجالات الدين وقد لفتني مقتطف من أحد مقالاتك تتساءل ) وكيف اتفق الفقهاء مع رموز السلطة في كثير من الاحيان على عقولنا ,الفقهاء بحجة الحلال والحرام, والسلطة تحت اسم الحفاظ على مصالح الوطن العليا)وسؤالي هو :هل تعتقد أن أزمة السلطة محصورة في علاقة رجل الدين بالسلطوي, أم أن القضية في عصرنا الراهن تتعدى ذلك؟هل الأزمات الفكرية في الشرق والعالم العربي سببها الرئيسي التبعية للأشخاص بمعنى تقديسهم , هل مازلنا أمام لعنة المقدس؟ وتقديس المدنس؟

إن قضية مجتمعاتنا العربية و علاقتها مع رجل السلطة و رجل الدين و رجل الفكر و علاقة كل طرف من الأطراف الثلاثة بالآخر ، هى قضية مركبة و شديدة التعقيد ، و مناقشتها لا تكفيها مئات الكتب ، منها على سبيل المثال لا الحصر ما هو متعلق بالهوية ، فعلى سبيل المثال هل الهوية هى بحسب الدين أم العرق أم الانتماء الحضارى أم اللغه أم الثقافة أم المصالح المشتركة ؟،على سبيل المثال : فى بلدى الحبيبة مصر أثيرت فى الثلاثينيات مشكلة الهوية المصرية هل هى مصرية خالصة نسبة الى المصريين القدماء، دعا سلامه موسى الى إلغاء اللغه العربية و أستبدالها بالديموطيقية ، و أن نتجه بقوه نحو الثقافه الغربية ، و نادى طه حسين بأننا ننتمي الى ثقافة البحر المتوسط .،أم هى قبطية كما ينادي بها حتى الآن بعض المتزمتين العنصريين من المسيحيين ، أم اسلامية و قد دعا إلى ذلك غير المؤمنين بفكرة الوطن فهو بالنسبة اليهم تراب و دين و لكن مؤمنين بفكرة الأمة التى ليس لها حدود جغرافية لأن باب الجهاد من وجهة نظرهم لم ينتهي و لن ينتهي ،  لذا فالوطنية كفر و الوطن وثن ، مثل (جمال الدين الأفغانى) ، (رشيد رضا) ( خصم سلامه موسى ) ،  حسن البنا ، أم عربيه وهو تيار القوميه العربية الذى نشأ على يد المسيحيين الشاميين كردّ على التيار الإسلامي و قد ساد هذا التيار على يد حركة  يوليو 1952م ، بعدما أجهض تيار القومية المصرية لمنشئه (أحمد لطفى السيد) و تم التعتيم على مفكري الليبرالية التي سادت من 1923م حتى 1952م ، مثل (فرح أنطون) ، (شبلي شميل) ، (اسماعيل مظهر )و غيرهم كثيرون .،أنصح بقراءة كتاب الليبرالية المصرية للدكتور (رفعت السعيد) ، مستقبل الثقافة فى مصر للدكتور( طه حسين ),أيضاً كتاب (المثقفون والسلطة) و كتاب (النهضة) و (السقوط فى الفكر المصرى الحديث) للدكتور (غالى شكري)ولا ننسى القله المستنيرة التى نادت أن الهوية كيان دائم التجدد له أكثر من مكون حضاري،بينما تغيرت تركيا للأفضل فى أوائل القرن الماضي على يد (كمال أتاتورك) إلى دولة علمانية عصرية.،إن من أهم أزمات مجتمعاتنا أن هويتها هلامية مشوشة أو أقصائية عنصرية ، من أهم أزمات مجتمعاتنا أن هويتها لا يحددها علماؤها و فلاسفتها و أدبائها و مفكريها و لكن الهوية تتغير بتغير توجهات من يمتلك السلطة, فمبدأ شعوبنا بدرجة كبيرة هو الناس على دين ملوكهم ، فإذا كان من حكم ( الحاكم القوي ) علماني أصبحنا علمانيين و إذا كان اسلامى أصبحنا إسلاميين ، حتى بالنسبة للتوجه الاقتصادي ، إذا ما أراد من يملك السلطة الاتجاه نحو الأشتراكية أصبحنا اشتراكيين ، و أصبحت وسائل الأعلام المقروءة و المسموعة و المكتوبة و انبرى أكثر مثقفينا _ خدم السلطان و أكلى الفتات المتساقط من مائدته ,فى كتابة الكتب و المقالات عن عظمة الاشتراكية ، و مسترزقى و موظفى المؤسسة الدينية بما لهم من تأثير غير محمود ، بحثوا عن نصوص دينية تتوافق مع هذا التوجه، وسبَّحوا منادين ليل نهار بأن الأشتراكية من الدين،و إذا ما تحولت إرادة من يحكم الى الرأسماليه حدث نفس السيناريو لكن يجب ان نعلم أن من يتحكم فى طبيعة النموذج السائد من قيم وأفكار و صناعة القرار فى كافة المجتمعات خاصةً المجتمعات الرأسماليه ، ليس فقط رجل السياسة أو حتى رجل الدين و لكن أيضاً رجل الاقتصاد ، فمن يملك رأس المال يملك قوة قد تتفوق على قوة كلّ من رجل السلطة و رجل الدين و بالطبع رجل الفكر ، بل و قد تتحكم بهم ، الأقتصاد له من القوه القدره على أعادة صياغة المجتمع بكافة مفرداته .،الدين و السياسه و الأقتصاد ثالوث لا ينفصم ،هناك أيضاً أزمتنا فى مثقفينا ، بتخليهم عن دورهم فى تنوير الأذهان و معالجة المجتمع من أمراضه ،و تفشي الشللية و التحزب ، و اكتفائهم بما يتساقط من موائد أصحاب المال و النفوذ و السلطة مقابل الانعزال فى برج عاجي و التحذلق على البسطاء و التعالي عليهم ، و لعن التيارات ذات الصبغه الدينية و أحياناً التحالف معهم ، و عدم القيام بدورهم فى النزول للشارع و التعمق فى فهم المشاكل الحياتية و تكوين تيار تنويرى غير قائم على الشللية ، تيار غير قائم على اجترار ما قد تركته الأيقونات الثقافيه المقدسة من فكر،التيار لا يعترف بالدوجما أو بالأيقونات،تيار يدعو الى ثقافة الكيف و ليس الكم و المضمون و ليس الشكل.،نحن لدينا أزمة هوية و أزمة مفاهيم و أزمة ثقافه و أزمة مقدس متعدد الوجوه ، وأزمات أقتصاديه و قيميه،و تلك الأزمات لن تذوب أو على الأقل تنحفض كثافتها إلا بتكاتف كل معرفى حر محب لوطنه و لإنسانيته. 

*في النهاية أشكرك جزيل الشكر المفكر المصري سامح سليمان, كلمة أخرى تود أن تتوجه فيها للمتلقي:

 فى نهاية الحوار أتوجه بالشكر و الاحترام لشخصك الكريم ,و العتاب أيضاً فقد أرهقتني أسئلتك عزيزي لشدة قوتها و عمقها و أتمنى كل ما هو أفضل لكل فرد معرفي ، و لكل كائن حي ، و أعدكم إن كان فى العمر بقية بسلسلة من المقالات أقوى و أعمق من كل ما كتبته مسبقاً .

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 ((حوار وموقف مع المفكر المعرفي المصري سامح سليمان))

*الجزء الثاني*

سامح سليمان , مفكر و أديب معرفي مصري, عُرف بمواقفه الصارمة تجاه الأشياء والقضايا الملتبسة  والسجالات العديدة التي تمت مناقشتها بصدد المجتمع , المرأه , إشكالية الدين والعادات وقضايا أخرى انشغل بها في الآونة الأخيرة وبقوة , وفي تاريخ 24-12-2014م, قمت  بإعداد الجزء الثاني من حواري معه :

أستاذ سامح مرحباً بك معنا مرة أخرى, ضيفاً في حوارنا المعرفي  ونسألك السؤال التالي:

  • ألا توجد برأيك الشخصي حدود فاصلة ما بين العهر كماهية أو صفة والتحرر كمفهوم وممارسة, مقابل مفهومي التخلف أو العفة وما بينهما من حدود رفيعة نستطيع التمييز فيما بينهما؟, وهل نعت الرجل للمرأة بالعاهرة هو ما معناه التعري والانحلال الجنسي, أم هو الاعتراف الضمني بتفوق المرأة عليه؟, أم ان العهر يعني بمفهومه الذي يشمل الرجل والمرأة على حد سواء ومعناه انعدام الأخلاق أو الشعور بالقيمة؟

العهر هو أن يحيا المرء بلا مبادئ و أن يقبل بتسليع نفسه ، و ليس المقصود جسدياً و لكن المقصود فكرياً و أخلاقياً فى المقام الأول ، و لكن مجتمعاتنا تحصر القيمه و الشرف فى مهبل المرأه و حفاظها على غشائها و تحصر قيمة الرجل فى حجم قضيبه و مدى صلابته ، لهذا نرى العديد من جرائم الشرف التى ينحصر ضحاياها فى الغالب فى النساء فقط كأن لا يوجد رجال مخطئين ، و أيضاً صرف المليارات على المنشطات الجنسيه للرجال ، فى مجتمعات تعانى من الجهل و المرض و الفقر الشديد .

إن منع الحريه الجنسيه ليس الهدف منه أخلاقياً بتاتاً ، فهى كانت متاحه حتى فى عصور الدوله الدينيه و يمكن مراجعة كتاب الشبق المحرم للدكتور إبراهيم محمود ،

و لكن منع و تضييق الخناق على الحريه الجنسيه يتم بهدف حدوث ألهاء موجه الهدف منه التعتيم على قضايا و أحتياجات الأفراد فى مختلف المجتمعات ، إن مجتمعاتنا مهووسه بتتدين و تجنيس كل شئ ( أى باعطاء بعد دينى و بعد جنسى ) إن أكبر نسبة اغتصاب و تحرش جنسى حتى للأطفال ، و مشاهده لأفلام البورنو و الخيانه الزوجيه و هوس بترديد النكات و الأحاديث الجنسيه هى فى المجتمعات العربيه و هذا بحسب العديد من الدراسات المعتمده ، إن السماح بوجود حرية جنسيه بمختلف أشكالها تتزايد مساحتها بتزايد مساحة الرخاء الأقتصادى الحقيقى و حدوث نهضه ثقافيه سلوكية و فكرية شاملة، سيكون لها أعظم الفوائد فى مختلف الأبعاد حتى بالنسبة للبعد الأخلاقي ،  وأيضاً بخلاف ما سبق لا يوجد ارتباط حقيقي بين الجسد و الأخلاق إلا فى القليل جداً .

و للأسف بعض مدعي التنوير يفسرون تحرر المرأة و يقولبوا هذا المصطلح بأنه التحرر من الملابس كما اعتقد الكثيرين فى الغرب و يتجلى هذا بشكل ما في ما يسمى بخطوط الموضة العالمية التى هدفها ليس الجمال فى الغالب و لكن التعري فقط

ارضاء لأذواق الرجال و شهواتهم ، و أيضاً تسليع للمرأه ضمن دائرة التسليع الرأسماليه الذكوريه العالميه الفاسده و المفسدة لكل شئ بلا أدنى استثناء .

التحرر هو أن يكون المرء كما يريد أن يكون بلا خوف أو قمع أو قولبة مجتمعية .

  • هل تتحمل الأديان القسط الأكبر في انعزال المرأة وتخلف المجتمعات؟, ماذا عن

اضطهادها باسم الحزب , والسلطة وحرب الاستخبارات؟

  • يتحمل مروجى الفكر الدينى الرجعى المقولب الغير إنسانى و أتباعهم و من يؤمن بأفكارهم و أقوالهم ويدعمهم مادياً و معنوياً و اعلامياً و قانونياً أو حتى يتعاطف معهم و يبرر لهم أفعالهم و أقوالهم _ للأسف بعضهم من النساء المثقفات المنتمين لمختلف الشرائح الأجتماعيه و الخلفيات الثقافيه _ مسئولية ما يقع على المرأة من تشويه وقهر نفسى وعنف لفظي وجسدي، و ليس النص نفسه لأن النص يمكن تفسيره بطريقه إنسانية تخدم المجتمع و يمكن تفسيره بشكل غير أنسانى يدمر المجتمع ، و المسؤوليه الأكبر فى مجتمعاتنا يتحملها كافة التيارات العلمانيه و الليبراليه و اليساريه و كل من هو تنويرى لأنهم لم ينجحوا فيما نجح فيه التنويريين فى الغرب من تحجيم لدور رجال الدين و تفسيراتهم فى ادارة المجتمع ، نعم يوجد اضطهاد سلطوي ممنهج للمرأه إما بتقديمها كسلعة جنسية  أو بتقييدها و قمعها و تدعيم و اطلاق يد مختلف التيارات التجهيلية المضللة لتشويهها فى مختلف وسائل اعلامها و خداعها بتفسيرات فاسدة منتهية الصلاحية منذ انتاجها خوفاً من قدرة أتحاد المرأه و الرجل على تحقيق المستحيل

و أذكر هنا حتمية تنقية الخطاب الدينى لما له من قبول و تأييد أعمى فى الغالب لا يستحقه  و مراجعة  كتب الفكر و التراث الدينى بأنواعه و حذف ما قد فقد صلاحيته ،

و منها كتاب ( بستان الرهبان ) وهو كتاب من التراث الدينى المسيحى المصرى الأرثوذكسى وهو يمتلئ عن أخره بعبارات تحتوى على كراهية و تحقير شديد للمرأة ، و كذلك التعريف الأجتماعى _ المؤيد من قبل رجال الدين ارضاءً لرغبة من يديرون المجتمع و ليس خوفاً على الأخلاق كما يدعون ، فلا علاقة للجنس بالأخلاق إلا فى حالات نادرة_  المغالط  للزنا بأنه العلاقه بين غير المتزوجين و ليس بأنه الأغتصاب و العلاقه بين طرف متزوج و طرف أخر غير شريكه الأساسى و هذا هو التعريف الصحيح و على حد اعتقادى لا يتعارض مع أى دين ، فمثلاً فى الوصايا العشر قيل لا تزن لا تشته أمرأة قريبك ولا بيته ، قد تم النهى هنا عن اشتهاء ما للأخرين بهدف التنظيم و كذلك فى العهد الجديد قيل من نظر إلى أمرأه ليشتهيها فقد زنى بها فى قلبه

و لم يقل فتاه أو أنثى و هى نفس الكلمه المستخدمه فى الترجمه الإنجليزيه و النص الأصلى ، هذا بخلاف ضرورة فحص و تنقية و تجديد الخطاب الدينى المكتوب و أيضاً الخطاب الثقافى و الأعلامى و التعليمى ، بل و حتى التراث الفلسفي ، لوجود الكثير من الفلاسفة والأدباء الذين قد ساهموا فى تشويه صورة المرأة وتحقيرها، معاصرين وغير معاصرين بل وحتى إلى تلك اللحظة،مثل سقراط و أفلاطون و أرسطو و أغسطينوس وترتليانوس و الأكوينى و أرثر شوبنهور والعقاد و توفيق الحكيم و عبد الحميد جوده السحار، يمكن مراجعة مجموعة الفيلسوف والمرأه للدكتور أمام عبد الفتاح أمام و كتاب عن المرأه  للدكتوره نوال السعداوى  و كتاب ثقافة الوهم للدكتور عبد الله محمد الغذامى .

يجب أن نعرف  بوجود الدين الشعبى و هو ما هو سائد من سلوكيات و ممارسات طقوسية ذات بعد دينى و معتقدات و مفاهيم و تفسيرات شعبيه للنص الدينى ، و أيضاً بوجود الدين الرسمى و هو ما تقدمه المؤسسات الدينيه المعتمده رسمياً من الدوله من فكر و تفاسير للنص الدينى تخدم أحياناً كثيرة المستفيدين من بقاء الأوضاع كما هى و تحفظ مصالح و بقاء سلطة من يديرون المجتمع،كما يوجد الدين الثورى و منه ما هو اصلاحى تقدمى تنويرى سلمى و منه ما هو تكفيرى مسلح و يوجد أيضاً الدين الأصلي و هو النص الديني الموجود فى الكتاب المقدس لدى من يؤمنون به ، و دائماً النصوص تحتمل مختلف التفسيرات ونحن لنا أن نختار من التفسيرات ما يؤدى الى تقدم و صلاح مجتمعنا لأننا من سيحصد النتيجة أو نختار ما يؤدى إلى تخلف و دمار مجتمعنا و نحن من سيدفع الثمن ، المسيح قال السبت هو لأجل الإنسان و ليس الإنسان لأجل السبت ، و هذا معناه إن النص موجود لأجل الأنسان و ليس العكس ، و على حد علمى قال الأمام على أن النص حمال أوجه ، و قال ابن رشد أذا تعارض النص مع المصلحه وجب الأخذ بالمصلحه، و المقصود هنا بالمصلحه هو مصلحة المجتمع بل و البشرية بأكملها.

  • روجت الكثير من الأديان والأحزاب الشمولية والمحافظة بتحرير المرأة حسب معاييرها البرّاقة,واختبأت تحت عدة يافطات مكبلة المرأة بأقسى القيود,ألى يتجلى الاضطهاد هنا بمختلف الاشكال؟, وماذا يحتاج العقل الإنساني والشرقي خصوصاً لأجل حل هذه الإشكالية التي يمكن أن نسميها إن صح النعت بإشكالية القرون؟

ليس فقط من فسروا الدين و وضعوا مبادئ الأحزاب بحسب أهوائهم الذكورية ،أيضاً المرأه تساهم فى كل ما يقع عليها من قهر و ظلم برضوخها لتلك المعايير المخادعة و أحياناً كثيره تأييدها لتلك الأطارات بل و الدعوة إليها ، فالكثير من تلك الأحزاب تشارك فيها النساء ، كما تدعوا الكثير من النساء ممن تمت أدلجتهن ، و يدعوهنّ الأعلام بالمثقفات ذوات الفكر المستنير الثوري الاصلاحي !!! ،لتبنى تلك المفاهيم الملوثة التى ظاهرها الرحمة و باطنها العذاب ، بدايات الحل الجذري هو أن تتخلى المرأة عن سلبيتها الشديده جداً ، و تتبنى بقوه انطلاقاً من ثقافه إنسانية، ليس فقط ما يحقق مصالحها المادية و لكن ما يخدم مصالحها و مصالح مجتمعها و الوجود بأكمله .

للأسف كثيراً ما كان المثقفين المدلسين المؤدلجين لاعقي أحذية السلاطين من يتجردون من قيمهم بحسب الطلب ثم يرقصون لمن يدفع أكثر ، حجر عثره فى طريق الوصول لمجتمع إنسانى ، خصوصأ المتمسحين منهم فى الدين خوفاً من فضح بلادة أذهانهم

و ضحالتهم وجهلهم المعرفى و ضعف قدراتهم العقليه و عدم استطاعتهم استيعاب متغيرات العصر وضرورات اللحظه التاريخيه الراهنه،يجب علينا الإنفتاح على كافة الثقافات بلا أستثناء ليس فقط على الفكر و النظريات الفلسفيه و الاقتصاديه و السياسيه و لكن أيضاً النظم الاجتماعية و السلوكية و الخبرات التاريخية و الحياتية المعاصرة.

  • أليس بروز المعرفيين والمعرفيات عبر التاريخ أمثال ( سيمون دي بوفوار, ليليان تراشر, نوال السعداوي ، جمانه حداد ، وآخرين وأخريات) مؤشراً على أن الصراع قديم بين قوى الجهالة والمعرفة حسب نظرية الحب وجود والوجود معرفة؟, وهل تحقيق رسالة المعرفة يمثل خلاص حقيقي للرجل والمرأة على حد سواء؟

إن قضية العلاقه بين المرأه و الرجل لها العديد من الأبعاد التراثيه الناتجه عن تراكم سنوات و سنوات من الجهل و التجهيل الممارس من القائمين على إدارة المجتمع و أتباعهم منذ تحول المجتمع من مجتمع أمومى إلى مجتمع أبوى فى مختلف مكوناته .

تتمثل فى تراث اجتماعى و تراث ثقافى مقروء و مسموع و تراث ديني و تراث سلوكي ، وللأسف كافة مؤسسات المجتمع بلا أدنى استثناء فى مختلف العصور بلا استثناء و فى كافة المجتمعات بلا استثناء ، بدايةً بمؤسسة الأسره تسعى للإبقاء على كل ما سبق من تراث قمعي فاسد ملوث فاجر و عاهر فكرياً و سلوكياً بهدف الحفاظ على مواقعهم و مصالحهم و مكتسباتهم ، ولا أستثنى فى ذلك من يصفق لهم كتاب و مثقفى المؤسسات و يدعوهم الاعلام بالرواد و المفكرين الكبار ، اذا ما بحثت فى مؤلفاتهم

و أحاديثهم بتدقيق ستجد الكثير من العفن و الروث الفكرى و القيم العنصرية المتخلفة الغبية البلهاء ، بل و حتى العلماء لا يتحدث أى فرد منهم عن عدم تدريس نظرية داروين أهم النظريات العلمية فى العصر الحديث و رفضهم التحدث عن الأعضاء الجنسيه بنفس اسمها العلمي و استخدام مصطلح  ذو مدلول و هو الأعضاء التناسلية .

نحن بحاجه شديدة إلى ثوره معرفية تقتلع ما هو سائد من منظومه فاسدة لتستبدلها بمنظومة جديدة،منظومه قائمه على العدالة والحرية،منظومة ذات وجود فعلي حقيقي

  • ألا يلزمنا تحرير الرجل باعتباره المخاطب في الخارج وفي أغلب المراكز الرسمية, بمقدار عزمنا وحماسنا على تحرير المرأة باعتبارهما شريكين بدلاً من التطرق الاحادي نحو إشكالية المرأة؟, ألا يلزمنا تحرير الإنسان من تركة الجهل والخرافة والوهم؟

التطرق الأحادي بالطبع خاطئ يجب تحرير الرجل و المرأة كلاهما على التوازي و ليس على التوالى ، إن أحدهما لن يتحرر إلا بتحرير الآخر ، المؤسسات النسوية _ البعض و ليس الجميع _ تركز فقط على تحرير المرأة لأسباب بعضها عنصري و بعضها اقتصادي للحصول على المزيد من الدعم و التبرعات ، فهى لا تريد حدوث تحرير حقيقي للمجتمع فهذا يعنى نقص الدعم المالى و الشهره والشعبيه ، فى مجتمعاتنا كلما كنت مزايداً متشدداً متعصباً عنصرياً بذئ اللسان داعياً للكراهية كلما كنت أكثر شعبية وقدرة على اجتذاب الأتباع فى مجتمع تسوده ثقافة و قيم القبيلة و العصبة .

  • هل بقاء العائلة بهيكلها المؤسس على الدين والتقاليد يهدد الإنسانية أم يدعمها في مجتمعاتناالشرقية خاصة؟

مؤسسة الزواج بشكلها الحالى فى مختلف المجتمعات هى مؤسسة نفعية قبلية خصوصاً فى مجتمعاتنا لعدم وجود قوانين عادلة صحية و بسبب أن الزواج السائد فى مجتمعاتنا هو زواج ديني و ليس مدني و يشترط أتحاد الديانة _ رغماً عن عدم وجود نص قطعي يفيد بحتمية اتحاد الديانة بين المتزوجين و لكن المفسرين انطلاقاً من قيم اقصائية عنصرية و طمعاً فى ازدياد أعداد المنتمين لقبيلتهم ، و يؤكد ذلك أنه عندما يتحدث أى شخص عن الزواج بين مختلفي الديانات يصرخ أبناء كل ديانة و موظفي مؤسساتها الدينيه بالسؤال التالى : و ماذا ستكون ديانة الأبناء ؟ ، ادعوا كذباً و زوراً أن الدين يشترط ذلك ، و للأسف أطاعهم الكثيرين كالأنعام  لسيادة روح القطيع بسبب فساد و بشاعة كافة المؤسسات التعليمية و الأعلامية بأنواعها و لم يتأكدوا من صواب تفاسيرهم _  و يفرض جبراً أنتساب الأبناء منذ لحظة ولادتهم إلى ديانة الوالدين ، و التسميه فى الأوراق الشخصيه خاصةً بطاقة الهويه  بأسم الأب ثم التسلسل التالى : الجد و أبو الجد و منع التسميه باسم الأم  _ إن تشريع و دعم و حماية الزواج المدنى بين متحدى الديانه و مختلفى الديانه هو أعلاء لقيم الحريه الشخصية و الحب و المواطنة و بداية الانتقال من ثقافة و سيكولوجية القبيلة و الدولة الدينية إلى ثقافة و سيكولوجية الوطن و الدولهةالمدنية _ إن العالم بأكمله حتى فى أوروبا لم يصل إلى مرحلة النضج المتمثل فى الوصول إلى قيم الإنسانية الكاملة المتمثلة فى العداله و الحريه و تحقيق أقصى جودة للحياة ، و تقديس السعي نحو المعرفة و نحو الحب لأن الحب وجود و الوجود معرفه،المرأه للأسف فى الغرب انتقلت بدرجةً ما من مرحلة العبودية  و التغطيه و العزل و القمع إلى التسليع ، و هذا ما نلاحظه فى السينما و الاعلان و الأعلام و هذا ما دفع بعض المؤسسات النسوية _ كرد فعل _  المهتمات بسينما البورنو ( الأفلام الجنسيه ) الى تقديم أفلام جنسية برؤيه أنثوية تقدم ما يسعد المرأة من ممارسات . قضية المرأة ليست جنسية فقط هى قضية الحياة منذ نشأتها لأن المرأه هى روح الحياة.

  • أخيراً وقبل إنهاء الحوار يسعني شكرك عزيزي ,كلمة أخيرة تود توجيهها للمرأة والرجل , ومثالاً المقاتلات الكرديات السوريات اللاتي حملن السلاح جنباً إلى جنب مع الرجل , ضد أشرس تنظيم أسلاموي همجي عرفه التاريخ , تنظيم داعش؟

أشكرك أستاذ ريبر على إعطائى فرصة التحدث بحرية ، و أقول لكل رجل و أمرأة أن الإنسان الحر هو من لا يطيق رؤية إنسان مظلوم إلا و نصره ، و احترامى لكل إنسان معرفي صادق محب لوطنه مضحياً فى سبيله بكل ما هو ثمين .

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

                             (بوح الحقيقة الغائبة مع بير رستم)



 هو أحمد م. مصطفى Pîr RUSTEM)), أديب ومفكر كردستاني معرفي عضو في تجمع المعرفيين الأحرار، من مواليد سنة 1963م, في إحدى قرى عفرين (شيخ جقللي) الواقعة في غرب كردستان (سوريا) , عُرف بمواقفه المعرفية الفريدة في أوساط حزبية تعيش في تخبط مستمر, بيد أنه رسم خطا منهجية معرفية تجسدت في غالب نتاجاته الأدبية و مواقفه السياسية لتغدو ميزاناً للعمل السياسي المعرفي عبر مسيرة مكتظة بالمخاضات والتحديات التي وقفت أمامه من اعتقالات واستجوابات متمثلة بسلطة أسوأ من محاكم التفتيش على الإطلاق, وقد لعب دوره كأديب وناشط سياسي اجتماعي في كردستان وسوريا

وقد صدرت له :
1-
العصافير المجهضة (Çivîkên Beravêtî)، قصص – منشورات آسو 1992 بيروت.
2-
العنكبوت (Pilindir)، قصص – منشورات آسو 1993 بيروت.
3-
النحات (Pûtvan)، قصص – منشورات مرخ 1998 بيروت.
4-
الماء الثقيل (Tîrav)، قصص – منشورات سبي ره ز 2000 دهوك، الطبعة الثانية.
5-
طفولة مرآة وأشياء أخرى Zarotiya Neynikekê û tiştin din رواية 2005.
6-
ثقافة الخوف و إمبراطورية الدم Çanda Tirsê û Imperetoriya Xwinê كتاب يتناول العنف في الإسلام عام 2006.
7-
دوائر وكلمات (GERG Ü GOTIN)، مقالات فكرية وأدبية عام 2007
8-
محمد حنيفي وباقة من التراث الشفهي بعفرين Mihmed HENIFI عام 2008.
9-
القضية الكوردية في الخطاب العربي، مجموعة مقالات سياسية 2009
10-
هفبرات HEVBERAT مجموعة مقابلات 2009.
وعدد من المخطوطات الجاهزة وهي:
1-
الحركة الكوردية .. آفاق وأزمات.
2-
الكورد في المعادلة السياسية.
3-
المجتمع المدني .. بين المخاض والولادات القسرية، وأعمال أخرى عديدة

وبتاريخ 29_ 1_ 2016،كان لي معه هذا الحوار:

  • نرحب بك في منبرنا المتواضع , لنخوض معاً حول نقاط هامة وتتصل بمجمل جهودك المتعلقة بما تحاول إبرازه كخلاصة أولية لتجاربك في معمعان الكفاح لأجل القضية الكردستانية وقد ذهبت في أحد مقالاتك حول أن كردستان مستعبدة وليست مستعمرة, وإن كان الاختلاف بينك وبين الكاتب اسماعيل بيشكجي في هذا الصدد طفيفاً , فهل العبودية بمسماها الواضح أسبق من الاستعمار كنتيجة واقعية , أم أنه مسلك الحكام والمتسلطين في التعامل مع الشعوب في إطار خطة متراكمة لا تحتمل التجزيئ؟ , هل نتطرق للمستعمرة كواقع ذو منهجية واستراتيجية ؟, والعبودية كمسلك وعقلية؟…
    كلمة شكر ومحبة أتوجه بها لك ولكل الإخوة والأخوات على منبركم الثقافي مع التمنيات أن نحقق تواصلاً معرفياً ذهنياً يهدف إلى بلورة مشروع فكري ثقافي يخدم قضايانا الوطنية الكوردستانية.. أما بخصوص السؤال والمقارنة بين مفهومي “الإستعمار والإستعباد” للدلالة إلى واقع كوردستان الجيوسياسي فأعتقد أن هناك بون شاسع بين المصطلحين؛ بون معرفي فكري وذلك قبل أن يكون ثقافياً سياسياً وللوقوف على ذاك الفارق لا بد لنا من الوقوف على المصطلحين في تعريفاتها العلمية حيث تقول الموسوعة الحرة بخصوص ذلك ما يلي: “الاستعمار (ويسميه بعض منتقدوه «الاستدمار») هو مصطلح يشير إلى ظاهرة سياسية، اجتماعية وثقافية تشمل إقامة مستوطنات أوروبية خارج أوروبا منذ القرن ال15 واستيلاء الدول الأوروبية سياسيا واقتصاديا على مناطق واسعة في جميع القارات الأخرى، بما في ذلك إخضاع الشعوب القاطنة فيها لحكم الدول الأوروبية واستغلال كنوزها الطبيعية وعمل السكان المحليين لصالح الدول الأوروبية“. لكن ورغم ما سبق من تعريف للاستعمار إلا إنه يتميز بعدد من الخصائص تحققه للبلد المستعمر، وقد تطرق الأستاذ إسمايل بيشكجي بنفسه لتلك الخصائص في علاقة الإستعمار البريطاني لأوغندا حيث كتب إن “حدود هذا البلد معروفة ومحدودة. وثمة شعب يعيش في هذا البلد، وهو شعب غير بريطاني. ولا تشكل أوغندا جزء من بريطانيا، كما لا توجد محاولات لتحويل هذا الشعب إلى شعب بريطاني..”. بينما الإستعباد مختلف تماماً حيث في تعريف الموسوعة لها؛ بأنه ذاك الجزء من ((التاريخ المعروف للبشرية يشير إلى أن الرق ظاهرة عريقة في القدم، تاريخها هو ذاته تاريخ الاستغلال وظلم الإنسان لأخيه الإنسان. وقد نشأت ظاهرة الاستعباد منذ عشرات الألوف من السنين، وتحديدًا في فترة التحول من الصيد إلى الاعتماد على الزراعة المُنَظّمة كوسيلة لاكتساب الرزق..)) وأضاف الأستاذ بيشكجي محللاً واقع كوردستان وقائلاً؛ “لكن في كردستان خصائص أخرى لا يمكن العثور عليها في المستعمرات التقليدية، وهذه الخصائص هي التي لعبت دورا أساسيا في تدهور مستوى الوضع في كردستان إلى ما دون المستعمرة. ولا يمكن ملاحظة هذه الخصوصيات في المستعمرات التقليدية إلا أنها بادية للعيان في كردستان“. وهكذا فإن الأستاذ إسماعيل بيشكجي نفسه يقر بأن واقع كوردستان هو “ما دون الإستعمار”، ربما يكون الإستدمار أو الإستعباد هو الأدق والأصح ليس فقط بمعنى الأسبقية التاريخية وإنما التعبيرية والدالة عن الحالة والواقع الجيوسياسي في كوردستان حيث سياسة الإنكار والإلغاء للهوية والجغرافية والقضية وتاريخ وثقافة شعب وأمة تعتبر إحدى أعرق الأمم في منطقة ميزوبوتاميا والشرق الأوسط.. وبالتالي جاءت قراءتي للدالة السياسية معرفياً ومنهجياً لسلوكيات الإستعمار الغربي التقليدي وما يمارسه حكام الشرق وعلى الأخص الدول الغاصبة لكوردستان من مسلك وعقلية بدائية قروسطية في إستعباد شعبنا وقضيتنا وجغرافيتنا الوطنية ومحاولاتهم الحثيثة لإلغاء شعب وتاريخه وثقافته الوطنية في شرقنا اللعين والقائم على ثقافة الإستعباد والرق والمماليك والغزوات ولذلك لا أعتقد بأن “الاختلاف بيني وبين الكاتب اسماعيل بيشكجي في هذا الصدد طفيفاً”، بل هو تصحيحاً للدالة السياسية في الذهنية الشرقية.

= ما أوجه التشابه والاختلاف بين (الثقافة الوطنية الكوردستانية –الحل-) و(المفاهيم التحزبية النفعية- الواقع-)؟

ما الحلول التي يمكن وضعها ؟, أهو البحث عن التوافقية بين الثقافة والمفهوم,؟ إذا كانت الثقافة نابعة من استقلال الإرادة ونضجها ؟ والمفهوم نابع من سلوك تراكمي عوائدي نفعي ؟

أو البحث  عن سبل لنسف المفهوم النفعي لصالح انتصار الثقافة الوطنية الكوردستانية, في حال إمكان ذلك واقعاً متحققاً ؟

أي الحلين أقرب للواقع الكردستاني عموماً (غرب كردستان_ أنموذجاً )؟

السياسة لغويا كما أشار ابن سيده، حيث “قال: وساس الأمر سِياسة. وقبله الصاحب بن عباد والسياسة فعل السائس، والوالي يسوس رعيته، وسُوِّس فلانٌ أمر بني فلان؛ أي: كُلِّف سياستهم.. واصطلاحا تعني رعاية شؤون الدولة الداخلية والخارجية، وتعرف إجرائيا حسب هارولد لاسويل بأنها دراسة السلطة التي تحدد من يحصل على ماذا (المصادر المحدودة) متى وكيف. أي دراسة تقسيم الموارد في المجتمع عن طريق السلطة (ديفيد إيستون). وعرفها الشيوعيون بانها دراسة العلاقات بين الطبقات، وعرف الواقعيون السياسة بأنها فن الممكن أي دراسة وتغيير الواقع السياسي موضوعيا وليس الخطأ الشائع وهو أن فن الممكن هو الخضوع للواقع السياسي وعدم تغييره بناء على حسابات القوة والمصلحة”. هكذا تعرِّفنا المصادر الفكرية والمعرفية على مفهوم السياسة. بل وتضيف كذلك بأن “السياسة تعبر عن عملية صنع قرارت ملزمة لكل المجتمع تتناول قيم مادية ومعنوية وترمز لمطالب وضغوط وتتم عن طريق تحقيق أهداف ضمن خطط أفراد وجماعات ومؤسسات ونخب حسب ايديولوجيا معينة على مستوى محلي أو إقليمي أو دولي. والسياسة هي علاقة بين حاكم ومحكوم وهي السلطة الأعلى في المجتمعات الإنسانية، حيث السلطة السياسية تعني القدرة على جعل المحكوم يعمل أو لا يعمل أشياء سواء أراد أو لم يرد.. وإن كلمة سياسة يمكن أن تستخدم أيضا للدلالة على تسيير أمور أي جماعة وقيادتها ومعرفة كيفية التوفيق بين التوجهات الإنسانية المختلفة والتفاعلات بين أفراد المجتمع الواحد.. وأيضاً السياسة هي القيام على الشئ بما يصلحه أي المفترض أن تكون الاجراءات والطرق ووسائلها وغاياتها مشروعة فليست السياسة هي الغاية تبرر الوسيلة وليست ألعاب قذرة فهذا منطق المنافقين الانتهازين وتعرف السياسة أيضا بأنها: كيفية توزع القوة والنفوذ ضمن مجتمع ما أو نظام معين“. والآن لنعود إلى واقعنا السياسي وأحزابنا الكوردية حيث وعلى الرغم من تاريخ نصف قرن و(نضالات الحركة الكوردية)، إلا أنها _وللأسف_ تفتقر إلى الكثير من المنهجيات الفكرية والمعرفية وذلك من برامج سياسية مرحلية وإستراتيجية، بل يغلب على أحزابنا الكوردستانية عموماً، تلك العقلية القبلية البدوية في علاقاتها وبنيتها التنظيمية، ناهيك عن غياب الفكر السياسي وبالتالي فإن الإشكالية ليس في التوافق بين “الثقافة الوطنية الكوردستانية” والتي طرحْتها كحل وبين “المفاهيم التحزبية النفعية” وهو الواقع، بل إشكاليتنا في تغييب فكر سياسي عقلاني داخل الحركة الكوردية وهو ما يجب علينا؛ كمجتمع وكوادر ونخب ثقافية فكرية، ترميمه وإنتاج مشروع وطني كوردستاني يجمع كل القوى والأطراف والأحزاب والفعاليات الثقافية والمجتمعية، مشروعاً وطنياً كوردستانياً يجد الجميع له حصة ومهمة في ذاك المشروع الوطني وبالتالي واجب الدفاع عنه وكبديل عن تلك المشاريع الحزبوية الطائفية والتي تذكرنا بالطائفيات المذهبية الدينية في المجتمعات العربية.

= لفتتني عبارة هامة توقفتُ عندها ملياً في أحد مقالاتك بعنوان الثابت والمتحول والذي جاء كرد فعل على أحد أصدقائك قلت فيها ( العقل والقراءات السياسية لا تقف عند ثبات (مقدس)، بل هو في حالة بحث جدلي دائم. )

والسؤال الذي يستدعينا هنا , ألا تتلخص جل أزمات المجتمع الكردستاني كجزء رئيسي من ميراث مجتمع الشرق الأوسط البطرياركي, في اشكالية المقدس الغيبي؟ بخاصة عند طغيان المنظومة الشمولية التي خاطبت لاشعوره الجمعي الديني ونجحت في ترسيخ الفكر الغيبي والتأليهي في ملكات عقله الباطن رغم انتقاله للعلمانية التقليدية ؟؟؟

وكيف يمكن استنباط قراءة سياسية جدلية ناجعة في ظل مقدس يستعصي تجاوزه؟؟؟
تماماً؛ هنا تكمن معضلة الشرق الحقيقية كوننا وكمجتمعات شرقية بطرياركية، نعاني من أزمة فكرية ثقافية قبل أن تكون أزمة ومعضلة سياسية مجتمعية، بل إن الأخيرة ناتجة عن المقدمات الأولى وبالتالي وللخروج من جملة المعضلات والأزمات والحروب والكوارث في بلداننا ومجتمعاتنا علينا أن نعمل على القطيعة مع الماضي الإستبدادي العنفي؛ أي مع (المقدس الديني اللاهوتي) والخروج من جملة تلك القيم والمفاهيم التي تغيب الناسوت لصالح سيادة اللاهوت وأساطيره وخرافاته وخزعبلاته الغيبية الماورائية بحيث على مجتمعاتنا الإنحياز للعقلاني والجدلي بدل الغيبي التلقيني، علينا بالعقل وليس النقل والسير على خطى (السلف الصالح) وإنتاج نظم ظلامية قروسطية على غرار الدولة الإسلامية الخلافية وامتداداتها المعاصرة في منظمة العالم الإسلامي لتكون “داعش” والدولة الإسلامية في أسوأ نسخة فوتوكوبية عنها، بل حتى الدول العربية والتي عرفت بتوجهها العلماني القومي العروبي في مراحل سابقة أعادت إنتاج الإستبداد ضمن السياقات المعرفية والمفاهيمية لمنظومة (الفكر الغيبي واللاهوت المقدس) حيث الإستبداد والطغيان؛ إن كان بإسم الإله والرب أو الطاغوت والملك والرئيس الأبدي
. وبالتالي ولتجاوز المرحلة و”استنباط قراءة سياسية جدلية ناجعة” لا بد من تجاوز (المقدس) وإلا “لا جديد تحت الشمس” ولا (ثورات ولا ربيع عربي)، بل إعادة إنتاج نظم إستبدادية شمولية بأسماء قوميات وأديان ومذاهب مختلفة في المنطقة والكورد ليسوا إستثناءً من القاعدة والنمطية السياسية في الشرق.

= الأزمة السورية تدخل عامها  الخامس والصراع مازال مستمراً على نحو تصاعدي وتصعيدي , هل تعتقد أن التوافق بين القوى وتشكيلاتها هو من سيجلب للمنطقة الاستقرار الحقيقي؟ أم أنه سيكون عبارة عن تجميل واستعارة أقنعة؟ هل المنطقة السورية مقبلة على توازن جديد أشبه بشعار لا غالب ولا مغلوب وفق المخاض اللبناني؟ , أم أن الصراع سيبقى مستمراً ومحصوراً في خانة مكافحة الإرهاب؟ كيف تقرأ مستقبل الكرد السياسي وفق هذا الصراع القديم الجديد؟؟

سوريا؛ بلداً جيوسياسياً ومكونات إجتماعية إثنية بات يشكل ساحة صراع وحروب متعددة الرؤوس والملامح حيث من جهة هناك الحرب والصراعات التاريخية الدينية بين المذهبين الرئيسيين في الإسلام “السنة والشيعة” والخلافات التي تعود إلى يوم بيعة الخلافة وسقيفة بني ساعدة والصراع على السلطة بين الفرقاء والجماعات أو اللوبيات القرشية.. وهناك كذلك الحرب بالوكالة بين عدد من الجماعات والميليشيات التي تتصارع على الأرض والجغرافية السورية عن مصالح دول إقليمية ومن ورائها الدول السيادية في العالم كأصحاب القرارات والمشاريع الجيوإستراتيجية والعابرة للدول والقارات وفي مقدمتهم كل من روسيا وأمريكا مع حلفاء كل طرف ومحاورهم السياسية، عالمياً وإقليمياً. وأخيراً هناك بعض الحروب والثورات المحدودة لشعوب وأقوام تبحث لها عن موطئ قدم وتثبيت واقع سياسي جديد في فوضى الأزمة التي تعصف بالمنطقة وفي مقدمة تلك الشعوب هو شعبنا الكوردي الذي غبن سياسياً في المراحل السابقة وذلك نتيجة إتفاقيات إستعمارية (لوزان، سايكس-بيكو) لم تراعي مصالح وطموحات شعبنا في نيل إستقلاله السياسي وتكوين دولته أسوةً بشعوب المنطقة والعالم حينذاك ولذلك فإن الكورد يطمحون اليوم إلى تحقيق ذلك على الأرض ضمن ما تحددها الإمكانيات وجملة الشروط والوقائع السياسية ومصالح وأجندات الدول صاحبة القرار الجيوسياسي. وبالتالي ووفق ما يقرأ من جملة العوامل والمشاريع والقوى المتصارعة، يمكننا القول: بأن المنطقة ذاهبة إلى المزيد من الفوضى والصراعات، ربما على غرار ما شهدتها أوربا في القرن الماضي من حروب وإبادات ودمار في حربين كونيتين لنصل إلى تلك القناعات السياسية والوطنية بأن لا حل دون مشاركة الجميع على توافقات سياسية تراعي قدر الإمكان مصالح كل الأطراف المتصارعة على الأرض، وطبعاً الكورد ومصالحهم ستكون جزء من تلك المشاريع والتوافقات، وإلا فإن المزيد من الفوضى والحروب تنتظرنا في سوريا والمنطقة.

= حول المثقف والحزب تقول هنا : ((حان الوقت أن نخرج من تحت عباءة الأحزاب والأيديولوجيات، طبعاً القصد بالخروج لا نعني خروجاً من التنظيمات والأحزاب، بل خروجاً على الأحزاب بحيث أن يكون للمثقف والكاتب الكوردي صوته الخاص به؛ صوته الثقافي الفكري العقلاني، ذاك الصوت الذي يشعرك بالإنتماء للوطن والقضية وليس الحزب والأيديولوجية. ))

كيف يتحقق صوت المعرفي الكردي الوطني  في ظل تحكم التنظيمات السلطوية على أهم قنوات الإعلام المرئي والمسموع وحتى السلطة الرابعة؟

أليس الأزمة هنا سلطوية بحتة ومرتبطة بارتباط رجال السلطة بأجندات الدول المهيمنة على موارد المنطقة , ومردها هو استمرار انتداب الدول المافيوية على المنطقة برمتها من خلال استبدال رموز الأنطمة الديكتاتورية  برموز جديدة أو الإبقاء على بعضها لكون بديلها غير ناضج ومطلوب بالشكل الذي يخدم مصالحها على المدى غير المنظور (الربيع العربي)؟

أليس بقاء المعرفي في عباءة التصورات الحزبية مرتبط إلى حد كبير بإشكالية السلطة والتبعية؟؟؟

أم أنها إشكالية ذهنية مجتمعية يمكن حلها ؟؟

طبعاً عندما أعلنت عن ندائي للمثقف بأن “يخرج من تحت عباءة الأحزاب والأيديولوجيات” كنت مدركاً لصعوبة إن لم أقل لإستحالة تحقيق النداء مرحلياً على الأقل، لكن وبنفس الوقت كنت مقتنعاً بأن على أحدنا أن يقول: “إني أرى الملك عارياً” وذلك على طريقة ذاك الفتى في قصة الكاتب الدنماركي كريستيان أندرسون الجميلة والمبدعة.. هو صحيح أن الآخرين (الحاشية والرعاع) حاولوا إسكات ذاك الصوت الحي والأخلاقي والنابع عن عفوية صادقة، بل وأُخِذَت القضية من باب التنكيت لـ(صبي لا يعي خطورة المقولة)، لكن وبكل تأكيد فإنها محاولة كي “نلقي حجراً في البركة الراكدة” للثقافة الشرقية عموماً والكوردية على وجه التخصيص، ولا بد سيأتي ذاك اليوم الذي سيجد أحدهم بأن هناك إنتفاخاً في الضمير وأن عليه أن يذهب لأقرب بئر وينادي بأعلى صوته وما يملك من حنجرة وحبال صوتية، بأن الملك ليس عارٍ وعارٌ، بل وأن “لديه أذنا حمار” أيضاً. وبالتالي ورغم قناعاتي الفكرية والسياسية وإدراكي للحصون والقلاع المزروعة والمشيدة في الذهنية الشرقية والقائمة على الإستبداد والمقدس، إلا إنني وببراءة ذاك الطفل، طالبت وأطالب أن يخرج المثقف من تحت العباءة الحزبية الأيديولوجية حيث إن المرحلة التاريخية وأماني وطموحات شعبنا تتطلب منا جميعاً وقفة مع الأخلاق والضمير لنعلن إنتماؤنا للوطن والقضية، عوضاً عن الحزب والأيديولوجية رغم كل شروط الإستبداد و”في ظل تحكم التنظيمات السلطوية على أهم قنوات الإعلام المرئي والمسموع وحتى السلطة الرابعة” ودون أن ننسى بأن التقنية الحديثة فتحت المجال والكثير من الكوات أمام المثقف ليوصل صوته للمتلقي حيث تم كسر ذاك الحصار وتلك القلاع والسجون التي كانت تغلق الأبواب على الفكر والعقول النيرة والكثير من (ثورات الربيع العربي) أنطلقت من خلال مواقع التواصل الإجتماعي ومدونات الناشطين، رغم أن المافيات السياسية تحاول إعادة إنتاج القديم بألوان وأصباغ جديدة، لكن هي مرحلة في عمر الثورات والشعوب.. وهكذا لا بد للمثقف الحقيقي أن يحطم التابوهات والمحرمات وتلك الذهنيات المجتمعية النمطية ليقدم خطاباً فكرياً عقلانياً حراً، بدل الخطاب الحزبي والسلطوي المتكلس

= الأوجلانية والبارزانية إن صح الاصطلاحين باتا واقعاً كردستانياً , ولاشك أن ذلك مرتبط بخلاصة جملة تجارب كردستانية تحررية والتي جاءت إثر تشظيات وترسبات وتصدعات متعددة في مراحل متفاوتة ومتباينة تلتقي وتتنافر كمد وجزر, هل ذلك يعود لثبات خارطة (فرّق تسد) أم أنه يمثل جوهر التضاد الحتمي والمعبر عن طبيعة الاختلاف والتي يمكن أن تكون مصدر تنوع وتنافس سلمي طبيعي؟،أم هو فرز سلطوي جديد سيكون طابع للمنطقة الكردية بخارطتها المحتملة؟،أو ناتج انشطار طبيعي؟ , أم جزء من خلاصة التصادم الذي بلغ ذروته في عشرينيات القرن المنصرم؟

أعتقد إن “الأوجلانية والبارزانية” تختصر مفهوم (وحدة الأضداد) سياسياً كوردياً، أو ما يمكن تسميته وتعريفه بصراع “قايين (قابيل) وهابيل على تقدمة القربان للرب” حيث صراع الإخوة على نيل الرضى والشهادة وهنا في الحالة الكوردية تم إستبدال الرب بالشعب والجغرافيا السياسية ومحاولة كل طرف إقصاء الآخر عن مناطق نفوذه وكأن “الأوجلانية والبارزانية” قدرا كوردي محتوم وليس حالة وواقع سياسي مرحلي حيث ومرة أخرى نجد بأن المقدس واللاهوت الغيبي يهيمن على العقلية السياسية الكوردية وذلك بدل العقلية السياسية البراغماتية، بالإضافة إلى ذلك فإن الإنقسام بين الأوجلانية والبارزانية هو إمتداد لتاريخ موغل في القدم من الإنقسامات القبلية العشائرية والصراع والتخوين للآخر. وكذلك إنها وفي إحدى أوجهها تعبر عن واقع جيوسياسي لكوردستان على إنها “مستعبدة دولية” وبالتالي كل دولة غاصبة تستعبد طرفاً سياسياً كوردياً لصالح أجنداتها السياسية الإقليمية. وهكذا فإن صراع المحورين الكورديين؛ الأوجلانية والبارزانية هو نوع من إستحضار لكل من الثقافي الإستبدادي وللتاريخ الكوردي المشبع بالمآسي والكوارث، إنه إستحضار للديني الغيبي ولتاريخ من التشظي والتصدعات الكوردية تغذيها دول إقليمية في صراعاتها المذهبية والقوموية الفاشية ويأخذ في جانب منها “فرز سلطوي جديد سيكون طابع للمنطقة الكردية بخارطتها المحتملة” حيث ربما نجد في المستقبل القريب “كوردستانتان” وبلونين سياسيين مختلفين وذلك على غرار “الكوريتان”؛ كون مصانع الإنتاج الحربي ستكون بحاجة لأسواق جديدة مستقبلاً وإن نفط كوردستان يجب أن تصب في (طاحونة) بنوك الدول السيادية في العالم

= أستاذ بير رستم الأديب والقاص المعبر عن خلجات أعماقه بهذا الارتباط الرصين بالأرض والشعب والقضية والمعبر بلغتين كل منهما تحكي حكايتك , اللغة الأم الكردية واللغة التي تربطنا بالثقافة السورية الهجينة وهي اللغة العربية. ما الغاية من الكتابة وفق تجربتك الأدبية كقاص كردستاني وككاتب وباحث اجتماعي يعبر عن هويته المتشظية باللغة العربية.؟أهو تعبير عن استمرار الصراع بين التمسك بالجذور والتشوية الذي يتحدى متانة الجذور؟،أم هو جدلية ذاتية يستمد الإنسان عبر اللغة بدلالة البقاء ورحلة العبور من الحياة إلى العدم؟
ربما كل ما ذكرت وما لم تذكر أيضاً؛ عن ذاك التشظي في الإنتماء للجذور والأصالة والهوية الوطنية الكوردستانية أم لذاك الوافد والمستعمر المستعبد والغازي الذي عرف عن هويته بـ(الفتوحات الإسلامية) لمناطقنا وربما أيضاً هو “تعبير عن استمرار الصراع بين التمسك بالجذور والتشويه الذي يتحدى متانة الجذور” وكذلك إنها جدلية الحوار واللقاء والتعبير عن الهوية ولو بلغة الآخر المستعبد الغاصب والتأكيد على المنافسة وإثبات الذات من خلال أقوى ما يملكه (الغازي الفاتح) حيث “الشعر ديوان العرب” والبلاغة والفصاحة هي التي دفعت بمحمد أن يتحدى قريش والعرب.. لكن ورغم كل ما سبق فتبقى للقضية جانبها السياسي الإستبدادي حيث ثقافة الدول الغاصبة والمستعبدة لكوردستان حرمتنا نحن الكورد من ثقافتنا ولغتنا وبالتالي أجبرتنا على تعلم أبجديات الحياة مع لغة الغاصب الغازي لثقافتنا وتاريخنا وهويتنا الوطنية وذلك من خلال سياسة الإنكار والتهميش، بل والإلغاء لكل ما ينتمي للجذور والثقافة الوطنية وقد كان تعلمي وكتاباتي بلغة الجذور؛ اللغة الأم الكوردية هو نوع من ذاك التحدي مع هذا الوافد الغازي، لكن وعندما رأيت بأن رسائلنا وكتاباتنا الكوردية لا تغادر صفحاتنا؛ الورقية سابقاً والفيسبوكية حالياً، فكان لا بد أن تكتب بعض الرسائل باللغة التي يفهمها هذا الكيان الطاغي على هويتي الأصيلة لأقول: أنا لست أنت وإن كنت ترى ملامحنا متشابهة فذاك ليس إلا إنعكاس ظلك على ملامحي وقد حان الوقت لأنزع ذاك القناع عن وجهي الحقيقي والأصيل، ولن يكون ذلك إلا من خلال مشروع وكيانات وطنية تعترف بهويتي ولغتي وثقافتي الأصيلة.

= وفي ختام الحوار لا يسعني سوى شكرك على حضورك , متمنين لك دوام الإبداع والسعادة , كلمة أخيرة تود أن تقولها “؟

إنني سعيد بهذا اللقاء والحوار، لكن السعادة الحقيقية ستكون عندما أجد إنني قدمت إضافة جديدة للمنبر وبأن الحوار أحدث نوع من الحراك المعرفي الثقافي وطرحت أسئلة جدلية جديدة تبحث عن أجوبة للكثير من معضلاتنا وقضايانا السياسية.. مع كل التمنيات لكم ولكل الإخوة والأخوات على المنبر أن نبحث عن الأسئلة الجادة والصحيحة وذلك قبل الخوض في إجابات حقيقية ربما تحتاج للكثير من الوقت والجهد لكشف المستور وغير المعلن، حيث الزوبعة ربما تعمي الكثير من الأبصار عن رؤية الحقيقة.. وبالتالي لا بد من بعض الزمن لنعطي إجاباتنا وكلمتنا الأخيرة، لكن وليعلم الجميع؛ فقد بات الكورد رقماً صعباً في معادلة الشرق الأوسط الجديد وعلى كل الأطراف والدول والمكونات المجتمعية القبول بشراكة الكورد وإلا فلا حلول ولا استقرار في كل المنطقة.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

(حوار مع الشاعرة المعرفية الكردستانية *نغم دريعي)

 

الشاعرة السورية المتألقة نغم عبد الرحمن دريعي من مواليد مدينة عامودا كردستان الغربية1969م, عضوة في تجمع المعرفيين الأحرار ،خريجة كلية الآداب ,دبلوم لغة إنكليزية ,جامعة حلب, شاعرة وقاصة , ترعرعت وسط بيئة فنية أدبية , وتنشر في العديد من الدوريات المحلية والالكترونية مثل (باخرة الكرد, صوت كردستان)

وفي 22- 12-2014م , أجريت معها هذا اللقاء:

  • نرحب بك بداية شاعرتنا الكردستانية نغم دريعي في حوارنا معك, ونرجو أن تحدثينا عن المراحل الأولى في مشروعك في الكتابة؟

أهلاً بكم ..يسرني التواجد بينكم كأسرة واحده وأصدقاء مثقفين واعين أنا من عائله غنيه بالفكر والسياسه والفن (شعر ..رسم ..موسيقى ) فوالدي يعتبر من الفنانين التشكيليين والموسيقيين الاوائل في منطقة الجزيره ..نشأت في تلك البيئه فكان عبور الفن بكافة اشكاله سهلا لمعظم افراد الاسره ..أثناء دراستي الابتدائية كنت أجمع النقود لأشتري بها قصصا قصيره او الغازا ًبوليسيه حتى تشكلت لدي مكتبه صغيره …..برعت بكتابة مواضيع الانشاء والتعبير الادبي وكتابة القصه القصيره وكنت رائده في مجال القصه القصيره على مستوى حلب ومدارسها بعمر ١٢م

  • ما أثر والدك الفنان التشكيلي عبد الرحمن دريعي على شخصيتك وشعرك , بخاصة أن الفن التشكيلي يلامس المخيلة الشعرية عادة؟

طبيعي ان نتأثر بالوالد بالفطره ونحمل الكثير من جيناته …والدي المربي ..التشكيلي وملك الناي كان كالنبع تنهل منه الاجيال القادمه …من كل فروع الفن وروافدها …وله الاثر الاكبر في تكوين شخصيتي وصقلها وهو من كان يشجعني على اقتناء الكتب او استعارتها من المركز الثقافي والمكتبه الوطنيه

  • ماسبب ابتعادك عن الأضواء , وتأخرك عن النشر والتأليف, وتحقيق الانتشارية, هل يعود ذلك للظروف المادية, أم لعدم توفر الوقت لديك والتشجيع على البروز بشكل أكبر أدبياً وفي الساحة الأدبية؟

دائماً كان الشعر لي مناجاه مع نفسي كنت اقول كلاماً يشبه الشعر لشخص ما يسكن بداخلي الى ان تخليت عن صمتي …لتتحول مناجاتي الى نثراً وخواطر وقصائد ..وتبوح بأحاسيسي وتشي ما بداخلي ..فالكتابه كانت دائما تمنحني التوازن …إلى أن شجعني أهلي وأختي بشكل خاص التشكيليه سمر دريعي وأصدقاء كثر عالنشر ….

 

  • ما الذي أعطته عامودا لك وماذا تعني لك كمدينة كردية, وكيف تبدو الذاكر في حضرتها؟

عامودا هي من حضنت طفولة ابي وشبابه ونايه الشجي ..والعاموديون يتميزون بخصوصية كمدينتهم فهم شعب حي وحر ..لا يعرف غير الادب والفن والشعر والسياسة فأنا اعتز كوني ابنة عامودا …كما كتبت عنها قصيده ..ووصفتها بطفلتي الصغيره ومدينة الكون ….

  • تتمتع قصيدة النثر لديك بحس انثوي عال وعفوية بريئة وحالمة, إلاما تستدعين ذلك الشيء؟

كما ذكرت انني سليلة الفن وقد رضعت الفن مع لبن أمي فليس غريباً ان تتمتع قصيدتي بذلك الحس والصدق بالتعبير

  • هل تؤمنين بوجود أدب نسوي يخص المرأة وحدها أو أدب رجولي يخص الرجل وحده, أم لا يمكن تصنيف الأدب , لأنه لأجل الإنسان؟

لا يوجد أدب خاص بالمرأة وأدب خاص بالرجل …فالفن والادب هو التعبير دائما عن الاحاسيس البشرية والمكنونات الانسانية .والكتابه لا تفرق بين نوع الجنس ..هي قضية تعبير عن احساس ومشاعر .

  • سعدنا كثيراً بالحوار معك نغم دريعي, كلمة أخيرة تودين توجيهها للقراء والقارئات؟

أنا من سررت كوني معكم وضمن هذه المجموعه اشكركم اصدقائي واتمنى ان نكون دائما بلقاءات فيها منفعه لنا وللقراء كما اخص بالشكر الأستاذ الصديق ريبر هبون من دعاني للانضمام لهذه التجمع اللطيف وخلق فرصة للاجتماع بكم ومنحي هذا اللقاء ..شكراً للقراء والقارئات ولكم جميعاً كل الود والتقدير

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 (حوار من الأعماق مع حسن خالد)

  أديب وباحث اجتماعي كردستاني ,هو مثل حال الكثير ممن عانى وطأة الحرب السورية , مقيم كلاجئ كردستاني سوري في جنوب كردستان (العراق)*عضوٌ في* تجمع المعرفيين الأحرار،يكتب في عدد من المواقع والصحف الالكترونية كموقع الحوار المتمدن , صحيفة الحب وجود والوجود معرفة , وصحيفة الفكر

 

-وبتاريخ 20-7- 2015.أجريت معه الحوار التالي:

الباحث الاجتماعي المعرفي / حسن خالد / نرحب بك في حوارنا هذا لنسلط الضوء عبره على بضع تساؤلات ونقاط نود مناقشتها وسؤالي الآن هوما رؤيتك للمجتمع في ظل الحرب , إن قلنا احتمالاً أن المجتمع وليدالظواهر الطبيعية وابن التصدعات التاريخية المندرجة حسب أطوار محددة مرت بها وفق سياق المحيط الجغرافي(المجتمع السوري  أنموذجاً)؟

الإنسان ابن بيئته من حيث المبدأ ، وجملة من الأمور تتداخل فيما بينها ، عبر علاقات البشر ، لتكوّن ما نسميه ” مجتمعاً” يتميز بعلاقات وأنساق وتنظيمات ( أحزاب ومؤسسات – تنظيمات المجتمع المدني –  التنظيم الرسمي ” الحكومة ”   تنظم العلاقة بين أفراده ، هذا في الظروف الطبيعية ، لها مهام ووظائف الغاية والغرض منها تيسير العلاقات تلك ، لما فيه خدمة ” المواطن – الفرد ” ، هذه في الظروف العادية ” الطبيعية ” لكن في ظل ظروف غير عادية ” الحرب ” مثلاً ، فإن وظيفة تلك الجهات التي ذكرت آنفاً ، تختلف – وبالضرورة – نتيجة دخول عناصر وعوامل طارئة في بنية وتركيبة المجتمع بتفاصيله ودقائق أمور حياته ، ففي ظل الحرب يتوقف ( كل ما هو طبيعي ) أو يتأثر ، الاقتصاد – الحركة الثقافية – الجانب الاجتماعي – العلاقات السياسية في العمق الداخلي والتشعب الإقليمي والدولي من هنا كان بروز شعار ( لا صوت يعلو فوق صوت المعركة ) الذي تم استعماله واحتكاره كأداة هيمنة سلطوية وبطريقة ” مشرعنة ” وكلما طال أمد الحرب والصراع بين الأطراف المتقاتلة ، كلما فقدت الدولة والسلطة أدوارها وهيبتها ، كلما فرضت الضرورة تأقلماً من ” المجتمع ” مع هذه الأجواء ، وكأن حتمية التوازن تعود رويداً رويداً ، فالحياة لا يمكن أن تتوقف وتحت أي ظرف ، لذا تظهر علاقات جديدة ناظمة للحياة تتلائم وطبيعة الظروف الراهنة ، فالزواج بعاداته وطقوسه يمضي كمؤسسة لكن مع مراعاة ” ظروف الحرب واقتصاده ،  فللحرب اقتصاده وللحرب مجتمعه وللحرب عاداته ، التغيير يطال كل شيئ ومن هنا كانت المجتمعات نتيجة ظروف تاريخية وتصدعات ناجمة عن تصادم بين الرغبات والضرورات ، والتجربة السورية(القاسية جداً)ستغير الكثير من المفاهيم في ( مجتمعات الحرب ) فالعقد الاجتماعي بين الأطراف السورية ، بان بأنه كان زائفاً ومفروضاً بالقوة – بممارسة الفعل الخارجي – ( سايكس – بيكو ) عززتها تالياً سلطة لا يمكن أن نصفها بالوطنية السورية الجامعة ، المخيف في الأمر أن ” الحامل الاجتماعي ” للنقيض السلطوي أشد تسلطية من سدنة الحكم والسلطة والمجتمع – تالياً – فلم يستطع أن يقدم نفسه بديلاً أكثر ” وطنية ” فالنفَس الطائفي المقيت ” فاحت رائحته ” وطفى موضوع الأقليات بعد أن تم وأده  تكراراً ومراراً ،حتى أن محاولات  أسلمة المجتمع واضحة  / محاولة تطبيق الشريعة /  أي في المجمل ، مجتمع الحرب يبرر وضع كل شيئ في خدمة الحرب ، حتى المتطلبات المعنوية منها فما بالك بالمادية ، وكأن الصراع ينتقل بين إرادتين ( إرادة الحياة ) و( إرادة الموت ) ولكل منها فلسفتها ومنطقها . وحتى الأدب والفن يعكسان هذا الوضع وهذه الظروف ، أي يمكن مجازاً أن نطلق عليهما ” أدب الحرب ” و ” فن الحرب ” …. كل هذا النشاط بمثابة المرآة في ” مجتمعات الحرب أو مجتمع الحرب ” حتى العادات الاجتماعية التي كنا نظنها ” ستاتيكية ” راكدة ، يطالها التغيير بوضوح وبوتيرة متسارعة ..!

 – الإعلام , هل وضع للخدمة الاجتماعية أساساً , أم إنه وسيلة حربية مهيمنة وبقوة في حاضرنا, ما البدائل المحتملة التي من خلالها يمكن نزع فتيل الأحزمة الناسفة عن الآلة الإعلامية لتبقى وسيلة ليقظة الجماهير لا إيهامها وجرها للعنف تدريجياً ؟

الإعلام وسيلة وأداة ، وبالتالي يمكن استخدامها في مجمل النواحي وخاصة نحن نعيش عصر الثورات في التقانة ووسائل التواصل ، وتقسيم العمل فرض جملة من الأمور في مجمل الجوانب الحياتية ، يمكن استثمارها / سلباً وإيجاباً / بحسب الجهة والغرض والجانب الذي يُستخدم فيه ، كما أن نوعية الأداة الإعلامية تلعب دوراً في مدى التأثير والفعّالية  على المتلقي ( الجمهور ) فتأثير التلفزيون في عصر البث المباشر للحدث ” صوت وصورة ” يختلف عن تأثير وسائل التواصل الاجتماعي ” فيسبوك – تويتر – يوتيوب ” خاصة بأن الأخيرة باتت واسعة الانتشار وسهلة الاستعمال لمن يجيد أدنى متطلبات ” القراءة والكتابة ” ولا ننسى هنا التأثير المباشر لفعالية الصورة والرسائل الصوتية في التأثير على الجمهور” المتلقي ”  الذي يتعامل بهذه الأدوات والوسائل ومعها في علاقة التأثير والتأثُر ، وهنا بالتحديد نلاحظ وبشكلٍ واضح  كيف أن الجماعات ” المتطرفة ” تستغل ( نتاج التقدم والحضارة المادية ) في  حروبها وصراعاتها ، في عالم يؤمن بجدلية” في الحب والحرب كل شيئ مباح”وبما أن (  الإعلام) وسيلة وأداة ، فالجهة التي تديرها أو تملكها ، هي التي تحاول أن تستغلها للتأثير في الجهة التي تريد ، وبالتالي تبث سمومها وبالطريقة التي تراها مناسبة ، وتشرعنها  ، فلا يمكن أن تكون موضوعية البتة في توجهها الغائي ، لكن يكمن أن نقول بانه الأقرب إلى الموضوعية ( في حالات نادرة وقليلة ) ،  فنفس الخبر ” مثلاً  الصراع اليمني – الملف الكردي في سوريا ” عندما تتناولها قناة ( الأورينت ) تختلف في تقديمها وصياغتها عن قناة العربية ، والأخيرتين تختلفان عن قناة ( العالم ) أيّ أن الجهة التي تدير الأداة الإعلامية ، تحاول أن تُسوق الأخبار والأحداث بطريقة ( التأثير على نفسية  المتلقي ) ومحاولة تغير توجهاته وقناعاته وحتى منظومته الفكرية ، والإنسان بطبعه ميال لنسقه الايديولوجي والفكري ، تالياً تكون الرسائل التي يسوقها الإعلام موجهة لفئة محددة ” حاضنة ” وكما أسلفنا هي في ” مجتمع الحرب ” تتحول أداة حرب فاعلة لا تقل في أهميتها وتأثيرها عن أي سلاح يستخدمه ” المقاتل ” بغض النظر عن الصفة القانونية والشرعية له . وفي الظروف غير الاعتيادية تظهر الأمور غير الاعتيادية / أسباب ونتائج / ونسقط ذلك على الإعلام اللااعتيادي هو حقاً ” إعلام الأزمة ” ” الحرب “،ووحدها ” السلطة الوطنية ” و ” دولة المواطنة ”  تكون الأقدر على زرع روح المسؤولية في نفوس مريديها ومواطنيها عندما تتحول لدولة ” العدالة الاجتماعية ” و ” دولة المؤسسات ” يكون فيه ” المعرفي المهني والمتخصص ” أداة التغيير وموجه دفته .وللسلطة فلسفتها الإعلامية وتوجهها قد تعكس مصالحها ” الضيقة ” فقط ، لا تراعي حاجات ورغبات المجتمع ، فينبعث من  ” الإعلام الموّجه ” رائحة السلطة وحاشيتها ، الذي يجر لاحقاً ويلات وفواجع  فلا ” رأي عام ” ولا ” سلطة  رابعة ” هذا إن علمنا بان الإعلام في بعض وظائفه ” معارضة شرعية ” إن مارسته ” النخبة المهنية ” بموضوعية أكثر …- هنا يجدر السؤال : ” في الدولة القومية كيف يمكن للمعرفي ” المثقف ” أن يلعب دوره حيث ” الروح الحزبية والمذهبية والعنصرية سائدة  ، وما هو الإعلام الذي يتوجب عليه أن يطلب معونتها ، تكمن الإجابة في مد ى تعريفنا للأداة الإعلامية ودورها في عملية التغيير التي تطال مجمل تفاصيل حياة المجتمع

-هل ما يمر على الشرق الأوسط والعالم العربي من مخاضات وصدمات, نابعة عن إشكالية الشخصية الشرق أوسطية, أم وليدة تخبطات المركزية الشمولية لتلك الأنظمة المتفسخة ؟

لست ميالاً بوجود شخصية / غربية وشخصية شرق أوسطية / لكن جملة من العوامل هي التي أوجدت هذه ” الشخصية ” تالياً الظروف السائدة تولّد هذه النماذج من الشخصية ، فالشخصية الشرق أوسطية ( إن جاز لنا استخدام هذا المصطلح ) هي الأقدر على التكيف إن ذهبت إلى الغرب فتتحول وبسرعة ” جنونية ” إلى شخصية غربية بحسب المطروح ، ما في الأمر أو هكذا يُفهم أن جملة أحداث وتطورات وممارسات ” تربوية بالدرجة الأولى – وتدخل فيها فيما بعد التنشئة السياسية ” تفرز هذه الشخصية التي تتميز بجملة ” ممارسات ” على مستوى الفرد والجماعة ، ناتجة بالأصل عن طبيعة العلاقة التي تربط بين مؤسسات المجتمع الموجودة في ” دولة الاستبداد الشرقي ” بحسب مفهوم ( كارل ماركس ) حيث ” تأليه القائد- الزعيم – وسيطرة النمط الزراعي الإقطاعي – طبقية المجتمع – أسياد وعبيد ” وجملة أمور أخرى، وبالتالي فالممارسات السلطوية ” ومركزية الحكم ” أثبتت فشلها في عديد تجاربها ، وينبغي تأهيل فئات المجتمع ” نفسياً ” وعبر الأقنية الإعلامية المهنية وورشات العمل ، إعادة تأهيل منظومته الفكرية في جملة من القضايا التي تهمه مع من يتعايش معهم ” المختلف والمغاير عنه ” فالتعايش الاختياري بات ضرورة عصرية وحضارية ، وموضوع الأقلية والأكثرية لا بد من تجاوزه في ” السير ” نحو الأمة الديمقراطية ” صحيح ٌ أن الرأي السائد ينبغي أن يصبغ ويطغى ، لكن لا يجب وتحت أي ” حسابات ” إهمال الفئات ” المهمشة ”  وهنا أقصد الأقليات بتعدد مشاربها – الديني – القومي – الثقافي …. ففي بعض الولايات الألمانية تنقل صلاة العيد للمسلمين في الأقنية  التلفزيونية الرسمية مع أن نسبة المسلمين في المجتمع لا يتجاوز (5 % ) حتى أن تظاهرات لمؤيدي ” الجماعات الراديكالية ” تجري في الساحات ، دون أن يتعرضوا للملاحقة والمضايقات ، طالما أنهم لا يخترقون المعايير الأدنى للقوانين النافذة ، فحرية الفكر والاعتقاد مصانة،ولا بد من طرح التساؤل التالي أيهما ينبغي تغيره ، نوع  الحكم أم نمط الشخصية ، تكمن الإجابة في  إيمان الإنسان بقناعاته بالدرجة الأهم ،ثم لا ينبغي أن ننسى بأن العلاقة طردية ” تَعقّد ” العلاقة تلك ما بين الشخصية و نوعية السلطة من حيث ” الأنظمة المنغلقة – أي الشمولية ” وبين الشخصية والأنظمة المنفتحة أي الأكثر ديمقراطية ” كوني أضع تحفظي على مفهوم ” الأنظمة الديمقراطية ” فكل شيئ قابع تحت سقف النسبية ، ولاسيما عندما يتعلق الأمر بأنماط الحكم والسلطة

-إلاما تعزو ظاهرة العنف وفق سياقه ( النفسي – الاجتماعي ) هل يعود لترويج السلطة الاحتكارية لها ، أم إنها حالة اجتماعية جاءت كتتويج لمراحل التشويه وطمس ” البعد الحضاري للشعوب …؟

السؤال يحمل في طياته إزدواجية في الطرح ، ولابد من مراعاة ذلك في إبداء الإجابة ، فالعنف بـ ” أشكاله ” المتعددة انعكاس لغريزية الانسان كـ ( كائن عضوي ) إلى الحد الذي ذهب إليه هوبز ” الانكليزي ” بـ ( ذئبية الإنسان لأخيه الإنسان )  ( الغريزة ) عكس جان بول سارتر ” الفرنسي ” الذي يقول بأن الانسان بطبعه خيّر، لكن عوامل أخرى تتدخل فيميل إلى ممارسة العنف ( التنشئة ) في فترة ( نظريات التعاقد الاجتماعي ) وبين وجهتي النظر تلك تدور الدراسات ما بين مناصر لهذا الرأي أو ذاك ، حتى أن هناك من حاول إيجاد صيغة توافقية بين ” النظرتين ” ونمو ظاهرة العنف ” إنه يتأتى من عوامل اجتماعية أيضاَ,  فالفقر والحرمان والتهميش – إن على مستوى الأفراد أو الجماعات والدول – كل تلك الجوانب هي بيئات ولاّدة لممارسة العنف ، بل وتكريسه – عبر آلية التربية ” وربما تدخل المناهج الدراسية أيضاً ” التي تنقل ميراث الإنسان من جيل إلى جيل في عملية ” دورية لا تتوقف ” …،فالفقر يولّد الإرهاب ، والإستبداد يولّد الإرهاب ، والدولة الفئوية تولّد الإرهاب ، لنتمعّن في كل الذي سبق ، سنجد بأن النخبة الحاكمة / السياسية – الثقافية – الاقتصادية / كلها بيئة حاضنة ومحرضّة للنزوح نحو ممارسة المزيد من العنف ، فتتشابك المسببات ما بين ( التربوي والسلطوي ) أيّ ما بين الميول النفسية الشخصية والتوجه العام المجتمعي ، تُكرسها طبيعة السلطة الحاكمة  ،وعبر أدوات ترتأيها هي ، لتخدم توجهها العام نحو مجمل القضايا في ممارستها للفعل السلطوي  ،هنا لا يجب أن نتغافل عن السياقات التاريخية والنكسات الحضارية التي تمر بها المجتمعات في صيرورتها التاريخية ، كون ممارسة فعلٍ ما عملية تراكمية وليست وليدة لحظتها ، فلا يمكن أن نعزو العنف إلا ضمن سياقاته التاريخية التراكمية كون الشخصية هي نتاج تركمات تربوية ثقافية ، تعززها المناهج الموجّهة ، ولا ننسى هنا القول بأنه كلما تعدد المقدّس في المجتمع – كلما إزدادت مشاكله ولا يمكن بأيّ حال من الأحوال أن نلفق صفة ” العنف ” بصفة اختيارية أو بحيز جغرافي محدد ، إنما يتولّد العنف بوجود مسببات وينتفي بزوال تلك المسببات في عملية لا يمكن أن نقول عنها بأنها ” يسيرة ” بل قد تتجاوز أجيالاً وقروناً ، فالزمن عامل هام في عملية التغيير التي تطال مجمل النواحي في حياة المجتمعات …؟  

-ظهرت داعش في الآونة الأخيرة كتنظيم سلفي متطرف, دخل الميادين كافة والتي جاءت كإفراز عن صراع القوى الناهضة ضد القوى القائمة ناهيك عن مبررات هذا الصراع ونواياه البعيدة والمباشرة, وما بينهما فئات عديدة من المشردين والمهاجرين نحو الشمال الغني, إلاما تعزو هذه النتائج , هل هي دلائل إفلاس الرأسمالية وعجزها, أم إنها بداية النهاية للصمت المكرّس لعهود من استبداد ورضوخ, ونكوص عن تغيير الواقع الذي تأخر تغييره …؟

” ظاهرة داعش ” ليست جديدة في سياقها التاريخي والجغرافي ( الزمكانية ) ” الزمان – المكان ” ولا يمكن أن أعتبرها توجهاً دينياً خالصاً ، وإن ظهرت عليه الصبغة الدينية ، يمكن أن يقال بأنها تحالف ” خبيث ” بين قذارة عنصرية ” فئوية ” وبين  ” المقدّس الديني” وتلاقٍ في رؤاها ومصالحها ، هي تظهر وتخبو بين الفينة والأخرى ، والتسمية ليست مهمة وذات جدوى  ( بقناعتي ) لذا يمكن القول بأن داعش موجودة بوجود علاقة تسلطية بين الحاكم والمحكوم ، بين الظالم والمظلوم ، بين السيّد والعبد ، وهي / ظاهرة داعش / كمفهوم حديث ، من نتائج تلك الهبة الشعبية لمجتمعات ما يسمى ” الربيع العربي ”  تعززها تضارب المصالح بين ( القوى الكبرى المتناطحة )، لتلجأ إلى مثل هذه الظواهر وتستخدمها كأداة ضغط ، وتوجيه ما أمكن من ” المتطرفين ” إلى بقعة جغرافية يمكن لهم فيها التخلص منهم متى ما أرادوا  ذلك ، وبحسب ميلان كفة ميزان مصالحها ، والحاضنة الشعبية مغلوبٌ على أمرها في نهاية المطاف ، فالنخبة / الدينية والسياسية / تتحالف في تشابك معقّد ، حتى أن هذه الظاهرة تتجاوز العمق الوطني لتصل للعالمية ، هي ثقافة عابرة للحدود والقارات  ، وعندما نعرف بأن نسبة الفقراء في ازدياد وتعلو نسبة من يعيشون في فقرٍ مدّقع لتصل لنسب – أقل ما يقال بأنها مرعبة ومخيفة – هذه الأوضاع مزرية تساعد النخبة الآنفة الذكر في الصيد والتصيد مستغلة النقمة التي تتزايد لدى ” المهمشين ” الناقمين – المجرمين – لينضموا إلى أيّ حركة توفر لهم رغباتهم وحاجاتهم وإن توهماً ، ولايمكن أن يجدوا ضالتهم إلا في تنظيمات وحركات لها توجهات عقائدية ايديولوجية  وحاضنة شعبية ، وحتى الذين يهاجرون من ” الغرب الغني ” لينضموا لتلك التنظيمات المتطرفة ، إنما يعانون من مشاكل الاندماج مع مجتمعاتهم الجديدة ، كما أن نمط الحياة الغربية  تخلق نوعاً من الملل والرتابة ونقصاً في الجانب المعنوي ” الروحي ” في الحضارة المادية الطاغية ، فمن المعلوم أن فئة الشباب هي الأكثر ميلاً نحو ” الصراعات والمغامرات ” فينبهرون بتصرفات تنبعث منها الإثارة والعنف كـ ” قطع الرؤوس – الحرق – الغرق ” وأساليب يتفنون فيها عبر آلة إعلامية متنوعة ( يوتيوب – تويتر …)

 

 

 

 -يقول المفكر المعرفي الكوردستاني عبد الله أوجلان في كتابه ( المدنية الرأسمالية ) :”من غير الممكن صياغة سوسيولوجيا قيمة , ولا تطوير كفاح اجتماعي ناجح بمصطلحات العلم تلك،وأشدِّد على أنه عندما نذكر هذه الأمور فنحن لا ننكر الكدح, القيمة , الربح , والطبقة , بل نسعى لإيضاح عدم صواب نمط استخدام هذه المصطلحات في إنشاء العلم , إني أود توضيح أن علم الاجتماع قد أنشئ على منوال غلط”ما مدى أحقّية هذه المقولة من وجهة نظرك …؟

عند تناولنا لشخصية ( أوجلان ) وفكره ، ينبغي أن نفرّق بين ( أوجلان السياسي ) و بين ( أوجلان المفكّر ) إفتراضاً ، فالفصل العملي يستحيل أن ينجح في الواقع العملي ، بعيداً عن الاختلافات والإصطفافات الأيديولوجية والحزبوية الضيقة ( نحو شخصيته ) ، فالرجل حتى قبل أن ” يُعتقِل ” كان منظراً – للاشتراكية المشيدة – وناقداً لاذعاً لها – هنا أقصد التجربة السوفيتية وفترة البروسترويكا –  خلال حكم غرباتشوف والتي أدت في النهاية إلى تفكيك الاتحاد السوفيتي إلى دول متعددة ، لكنه برز كمفكّر بشكل أوضح بعد أن زُج في المعتقل في جزيرة إيمرالي في بحر مرمرة وحُكم عليه بالإعدام وخفف إلى المؤبد ، ثم تم الترويج لعملية الحل والسلام في تركيا ، السارية إلى الآن  ( وهذا ليس موضوعنا هنا )ففي كتابه ( من دولة الرهبان السومرية نحو الحضارة الديمقراطية ) يُقدّم عصارة فكره ورؤيته لمجمل القضايا  المحلية ” الكردستانية ” والبينية مع الشعب التركي والإقليمية مع ” دول الجوار وشعوبها ” والعالمية ،حيث يقول : (( إن الخطر الأكبر الذي يهدد الديمقراطيات والإدارات شبه المستقلة في عصر الحداثة الرأسمالية يأتي من السلطات الدولتية القومية قاضية بذلك كلياً على حق المجتمع في الإدارة الذاتية وهي تدحض وتفنّد الديمقراطية )) بحيث يولي للعلوم الاجتماعية أهمية بالغة في حل المشاكل التي تعاني منها الشعوب وخاصة ” الشرق أوسطية ” حتى أن مفهوم ” الأمة الديمقراطية ” هي من مفرزات تجربته الفكرية ، ولا يركّز على ” المفهوم الطبقي ” كما يفعل ماركس ، لكنه يولي لموضوع المرأة والبيئة وإدارة المجتمعات لأمورها  أهمية بالغة ، ولا يعير كبير الإهتمام لمفهوم الدولة القومية كونها – وبالضرورة – ستمارس الظلم على ما عداها من القوميات الأخرى في دولة الأكثرية والأقلية  ، فالعلوم إن لم تكن وليدة الحاجة وتقدم الحلول لمشاكل المجتمعات فما الفائدة من ظهورها وتأسيسها ، وحتى علم الاجتماع ( السوسيولوجيا ) فشل ” إلى الآن في تقديم الحلول للمشاكل التي تعاني منها المجتمعات ، فإبن خلدون ” الأب الروحي لعلم العمران البشري ” حاول تنظيم هذه السوسيولوجيا ، في كتابه ” المقدمة ” وقدّم جملة أمور اعتبرها مساندة للمجتمع في تنظيم حياته دون أن يدرك بأنه أسس أو سوف يؤسس لاحقاً لعلم ، ربما يستطيع أن يقدم حلولاً لما تجابهها المجتمعات ، وجاء أوغست كونت ” الفرنسي ” في فترة النهضة ليعلن بأنه أسس السوسيولوجيا كعلم يختص بالظاهرة الاجتماعية ، تالياً لا بد من إعادة النظر في الظروف التي أدت لظهوره وترتيب الضرورات والأولويات ، فالسوسيولوجيا في مجتمعاتنا ” الشرق أوسطية ” تختلف في الأهداف وطريقة تقديم الحلول ، كون مراعاة الخصوصية الاجتماعية – ضرورة في إنجاح مهامه المنوطة به ، لكن ظروف تاريخية تختلف من عصر( إبن خلدون – أوغست كونت – عبد الله أوجلان ) وكلٌ ينظر للعلم من منظارٍ يراه ذات أهمية فالنظرة الدينية والتاريخية والسياسية للأمور تبقى مختلفة مهما حاول مروجوها أن يقنعونا  بأهميتها   والحركات الماركسية ” عموماً ” هي الأقدر على مخاطبة العاطفة واستغلالها وإرسال العقل إلى رحلة ” تنويم ” فدغدغة المشاعر والعاطفة جديرة بأن يتمكن الفرد في التأثير على المجموع ، فقد كان ” لينين ” خطيباً بارعاً في هذا الشأن ، ولا يمكن أن نستثني ( عبد الله أوجلان المفكر ) في استقطاب شرائح واسعة  من المجتمع ” الكردي ” وفي العمق  (الكردستاني) أيضاً

-تُطرح في الآونة الأخيرة مواضيع إشكالية في / تجمع المعرفيين الأحرار / كالترويج لحملة ضد الإنجاب أو ( الزواج المثلي ) هل وراء هذا الترويج ميل نفسي نحو مقولة خالف تعرف , أم أن الأمر لا  يتعدى كونه ترويج لأفكار وجودية ؟

 

 تُطرح في التجمع بعض المواضيع التي يمكن أن يقال عنها ” إشكالية ” لكن  في المقابل يبقى التجمع أرضية خصبة ومناسبة  لتلاقح تلك الأفكار ” المتناقضة ”  وقبول ” الآخر المختلف ” وهو( كما أعتقد ) من ضمن أهدافه وغاياته / التجمع / فلا ضير من طرح هذه المواضيع مهما كانت ” شاذة ” ( أستخدم هنا كلمة الشاذ لأنها تعني الخروج عن المألوف )  على أن تراعي جملة معايير منها –  قبول المختلف وتقديم بدائل وحلول بدل إطلاق أحكام وكأنها الحقيقة الوحيدة والمطلقة ، فلا القناعات ولا الآراء ” مقدّسة أو محرّمة ” وكل فكرة قابلة للنقد ، كـ (موضوع محاربة الانجاب ) على سبيل المثال لا الحصر، فيمكن أن نقدم حلولاً لها كـ ( تنظيم الانجاب ) بدل محاربته أو تشجيعه ،وبالتالي فعلى الطرف الآخر أن يتقبل هذا الإختلاف طالما بقيّت هذه المناوشات ” فكرية ” فالصراع الفكري وإن تصادم فلا ضير ولا خوف منه إن أنتجت تلاقحاً فكرياً ، وبطبيعة الحال الإنسان في تصرفاته وسلوكه غائي ( يهدف لتحقيق غاية ) وانتقائي ( ينتقي ما يلائم وحقيقته التي يريدها ، لا الحقيقة التي هي موجودة ، فتظهر إشكالية ( ما هو كائن وما ينبغي أن يكون ) وبالتالي فإن ما يصدر عن الإنسان ( كائناً ما كان ) يعكس حال الصراع بين ” أناه ” و ” أناه الاجتماعية ” بين قناعاته وميوله والتوجه العام ” أيّ الذائقة الشعبية ” والمتوازن في شخصيته يستطيع – وهو الأقدر على الملائمة – بين متطلبات الذات ووقائع مفروضة عليه ، فالإنجاب نداء للطبيعة بين الذكر والأنثى عند الكائن العضوي  ، فإن سلمنا ” جدلاً ” بأن الإنجاب جريمة لدى الإنسان ، هل يمكن إسقاط هذا المفهوم على باقي الكائنات العضوية ” النبات والحيوان ” فهي تختلف في إسقاطاتها القانونية والمعنوية،كما أسلفت : يمكن أن يوازن الإنسان في إطروحاته – بين النقائض – الفكرة ونقيضها ، مع مراعاة المختلف – الطرف النقيض – عند ذلك يمكن أن يتولّد فكرة جديدة أو أفكار جديدة ترسّخ لفلسفة الحياة وحب المعرفة

-ما تقييمك لوجود تجمعات فكرية وسياسية على الفيس بوك وهل لها القدرة على منافسة الأقنية المرئية على المدى القادم أم إنها تجسيد لتناقضاتها وأجندتها بصورة ما …؟

في عصر ثورة المعلومات والتقانة ، التي طالت جزئيات حياة البشر ، وظهور مجموعات متخصصة في مجالٍ محدد على الفيسبوك ” القارة الزرقاء ” في عصر المنافسة والخيارات المفتوحة ، نجد نمواً متغولاً لتلك النشاطات والتجمعات في القارة الزرقاء تلك ، حتى أن الشخص يستطيع أن ينضم لعديدها في الوقت نفسه ويلعب أدواراً تختلف وتخصص تلك المجموعات في عالم الخيارات المفتوحة اللامتناهية ، ولسهولة الحصول على المعلومة وسياسة ” الباب المفتوح ” فإنها تهدد أو تستطيع أن تهدد عرش ( الوسائل التقليدية ) لكن باعتقادي لا يمكن أن تقضي عليها ، فلكل وسيلة جمهورها ومناصروها تزيد هنا وتنقص هناك ” فالنت بتعدد وسائله ” أثّر بشكل واضح على ” الإعلام المرئي ” التلفزيون ، والمسموع ” الراديو ” والمقروء ” الجرائد والكتب ” لكن يبقى لهم مناصروها ،والتجمعات الفكرية تبقى الأقل انتشاراً وأعضاءاً ، روادها الأقرب إلى التخصص ، كما أن ” الفلسفة والفكر” تعاني في مجتمعاتنا لوقوفها  تحت تأثير الصورة النمطية ، وفق مبدأ ” من تفلسف فقد تزندّق ” السيئ الصيت ، لكن في المجمل تبقى من أدوات الإعلام التي تشق طريقها في عالم ٍ مفتوح الخيارات متعددة الأدوات ، ويبقى للجانب ” الترفيهي ” في القارة الزرقاء ، وقتل الملل والوقت في عصر ” الاغتراب عن الذات “حظه في دخول المنافسة وبقوة في عصر ( الحرية الفردية ) ثّم إن للجانب النفسي للفرد دوره في انتشار منتديات تخصصية بفئات عمرية معينة ” الشباب ” أي هي زاوية ما تجسّد تلك الثقافة المليئة بالتناقضات مع فارق أن ” القارة الزرقاء ” وعاء لتفريغ الشحنات النفسية لا أجندة واضحة لها من حيث التوجه ، عكس وسائل الإعلام التقليدية التي تتميز بأجندات وتوجهات محددة ، هو عصر الإعلام ” الشعبي” ، عكس نقيضتها إعلام ” السلطة ” إلى حدٍ بعيد..

في نهاية الحوار لا يسعني سوى شكرك على إتاحتك لنا الوقت لإقامة نقاش معرفي حر, كلمة أخيرة: تود توجيهها للقراء والقارئات ؟

 

 ينبغي أن يكون القارئ متوازناً مع ذاته ، ويحرر لجام فكره ، ويبتعد ما أمكن من الذاتية ” الشخصنة ” كل الشكر لأنك أتحت لي هذه الفرصة ، هي رؤى وقناعات ” شخصية ” وقابلة للنقد والتقييم ، لا قداسة فيها ، ولا ندّعي الصواب …

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

(استنارات مع المعرفية اللبنانية عشتروت كنعان)

عشتروت كنعان , معرفية لبنانية , إجازة في إدارة الأعمال ,  ولدت سنة 22=11=1986م ,شقت طريقها كمتلقية وبروح رحبة لكل ما يتعلق بالفكر والآداب والفنون, عُرفت بتمرد نوعي في جل أوساط الذين يتفاعلون في ميادين التواصل الفكري الاجتماعي , وتجلى كفاحها في المواجهة لكل ما يقف تحدياً في طريق نهضة المعرفة , عضوة  في تجمع الحب وجود والوجود معرفة , وتجمعات أخرى..

 وفي 1= آذار= 2016م , كان لي معها هذا الحوار :

1= المعرفية عشتروت كنعان يسرنا الترحيب بك أولاً كما جرت العادة في الحوارات , ولا تعنينا المقدمات بأكثر ما يعنينا الخوض فيما نسعى بيانه من حوارنا هذا معك , بما يحقق الفائدة وفي هذا  سنبدأ من سؤال فلسفي بسيط وحقيقي يعرفنا عن تجربتك والغاية من رحلة البحث عن الأفضل ,  وهو (من أنت ؟)

عشتروت كنعان ، لبنانية ، من محافظة جبل لبنان ، في العقد الثالث من العمر ، مجازة في ادارة الاعمال ، انتمي لعائلة تعمل في الزراعة وتربية المواشي في لبنان والخارج ، مستقلة ، اعمل لحسابي الخاص ( بيع مشاريع تخرج للطلاب الجامعيين الكسالى ) ، اشتراكية سياسيا ، ًليبرالية اجتماعياً ، والى حدّ معين قريبة من الفلسفة الوجودية لكنني شبه مقتنعة ان ايّا من الفلسفات او الانظمة الفكرية البشرية لا يمكنها بمفردها اقناع الانسان وتحقيق رضاه فكل واحدة من المدارس او المذاهب الفكرية خليط من الحق والباطل وليس هناك حق مطلق او باطل مطلق . معارفي لا تمثلني بل أعمالي وسلوكياتي ، وهي ليست من جملة الممتلكات التي يجب أن اُدفاع عنها بأي قيمة ، بل يكون لمعارفي قيمة إلى حدّ معين وزمان معين

2= برأيك ماذا عنى المطران (غريغوار حداد) بمقولته هذه : ما من نصّ، مهما سمت مرتبتُه، وما من دين، مهما علا شأنُه، وما من تصوّر، مهما اقتدرت أنظومتُه، يحقّ له أن يحرم الإنسان من كرامته الأصليّة وحرّيّته الخلاّقة ومسؤوليّته الناظمة لمسالك الوجود. وإذا كان الله هو الروح الأسمى في الكون الفسيح، فإنّ الإنسان هو الهيكل الذي يحلو للروح أن يقيم فيه. ومن أقام فيه روحُ الله أصبح هو سيّد الشريعة وآمر التاريخ وباني الثقافة.
ما المسؤولية التي ارتأى المطران حداد في بيانها والتي بدوره تنظم علاقة المعرفي بمسالك الوجود , وما مدى شفافية حلول الله في الإنسان , أم أن ما أراده المطران من هذه المقولة هو بمثابة  مسعى تصوفي تجديدي حاول المطران عبره أن يشق خطاه لمعرفة التصور الديني من باب التغيير لمسيرة الجماعات ؟,,

نصف الجواب على السؤال المطروح نجده في كتابي المطران غريغوار حداد :  ” تحرير المسيح والانسان ” و” العلمانية الشاملة ” ، اما النصف الاخر فنجده في سيرته الذاتية من لحظة سيامته كاهنا مرورا بارتقائه الى سدة المطرانية وتأسيسه مجلة “آفاق” ومحاكمته بتهمة الخروج عن التعاليم المسيحية وصولا الى اعتكافه الإرادي وتأسيسه “الحركة الاجتماعية ” كحركة مدنية تطوعية ملتزمة الإنسان والمجتمع والتنمية . واعتذر مسبقاً عن الاستفاضة والاطالة في الاجابة عن هذا السؤال بالتحديد ، لأن أهمية المطران حداد تكمن في تبنّي الفاتيكان لكافة الافكار التي حاكمه عليها قبل نصف قرن من الزمن . ،في مقدمة كتابه “تحرير المسيح والانسان” تجرأ المطران حداد على ما يعتبر من أقدس الأقداس اي الأناجيل الأربعة : “المسيح، ليس كما يصفه الرسل” – “الأناجيل كُتِبت بلغة باتت بائدة، كَتَبَها من سَمِعَه وعاينَه، على مستوى فهمه ووعيه” – ” قراءة الأناجيل النصية، متخلفة “. ،اعتبر حداد ان الإنسان هو القيمة الأعلى وسموّ قيمته يستخرجه من قابليّته الذاتيّة إلى التطلّع إلى السموّ ، كما آمن ان خدمة الانسان اهم من خدمة الله ( جئت لاخدُم لا لاخدَم ) ، فربط ايمانه بالانسان بآية من الانجيل اعتبرها درّة الدرر  استشهد بها في مقدمة كتابه: إنّ الربّ هو الروح. وحيث يكون روحُ الربّ فهناك الحرّيّة (رسالة بولس الثانية إلى أهل كورنثس 3، 17) . وهكذا يكون قد عادل بين السموّ الإلهيّ والسموّ الإنسانيّ لأنّ القيمتين متلازمتان في صميم قوامهما. من جهة اخرى، اعتقد المطران حداد بأنّ الشرق العربيّ يحمل في وعيه تصوّراتٍ خاطئة عن الله وعن الإنسان ، والناس في هذا الشرق ورثوا عن الله وعن الدين وعن الإيمان أفكارًا شوّهت فيهم صفاءَ التصوّر السليم  لمعنى الاختبار الروحيّ الأسمى . فإذا به يُكرّس ذاته  لخدمة القضيّة الإنسانيّة الأسمى، وهي تحرير الله من الشبهات اللاهوتيّة وتحرير الإنسان من الاستقطاب الايديولوجي . فقال في العلن ما لم يجرؤ احد قبله على قوله في السر وهو لزوم “تحرير المسيح من الكنيسة ، بل يجب تحرير المسيح من المسيحية  لان كل إيمان لا يكون غرضه خدمة الإنسان، هو إيمان صنمي منحرف عن جوهر الرسالة. فليس النص مهماً، لان الحرف يقتل أما الروح فيحيي (بولس الرسول ) وحين يتحرّر الله من هيمنة الفكر الدينيّ يستطيع الإنسان أن يأتي إليه من عمق اختباره الروحيّ ومن أصالة نضاله الوجوديّ التاريخيّ، وحين يستوي الله والإنسان في مقام الصدارة تسقط كلُّ المظالم التي ترتكبها الأديان، ولاسيّما التوحيديّة منها، في انتهاك حرّيّة الإنسان وكرامته واستقلاله . من هنا جاء قوله : ” ما من نصّ، مهما سمت مرتبتُه، وما من دين، مهما علا شأنُه، وما من تصوّر، مهما اقتدرت أنظومتُه، يحقّ له أن يحرم الإنسان من كرامته الأصليّة وحرّيّته الخلاّقة ومسؤوليّته الناظمة لمسالك الوجود وإذا كان الله هو الروح الأسمى في الكون الفسيح، فإنّ الإنسان هو الهيكل الذي يحلو للروح أن يقيم فيه. ومن أقام فيه روحُ الله أصبح هو سيّد الشريعة وآمر التاريخ وباني الثقافة.”بناءً على هذا التلازم في المقامَيْن (الانسان ، الله ) دعا غريغوار حدّاد إلى اعتماد العلمانيّة المنفتحة سبيلاً إلى تدبّر المعيّة الإنسانيّة في مجتمعات الشرق العربيّ. لقد كان على يقين أنّ التواطؤ الناشط بين السلطة السياسيّة والسلطة الدينيّة يَحرم الإنسان من استثمار طاقات الوعي والحرّيّة والإبداع التي يختزنها كيانُه . فالناس في المجتمع الطائفيّ المتسربل بأوهام الفلاح الغيبيّ الماورائيّ أشبه بالقطيع المسلوب المهين الذليل . ولا بدّ من أن نتذكّر ما قاله في كتابه ” العَلمانيّة الشاملة ” حين أصرّ على تناولها في عمق متطلّباتها الفكريّة: “…هذه النظرة الشاملة (العَلمانيّة) تؤكّد استقلاليّة العالم بكلّ مقوّماته وأبعاده وقيمه تجاه الدين ومقوّماته وأبعاده وقيمه، أي مثلاً استقلاليّة الدولة والمجتمع ومؤسّساتهما وقوانينهما وقضاياهما وسلطاتهما عن المؤسّسات والقوانين والسلطات الدينيّة. والاستقلاليّة تعني أنّ هناك قيمة ذاتيّة فعليّة للعالم والمجتمع والإنسان وقضاياه غير مستمدّة من الدين والقيمة الدينيّة وغير خاضعه لهما، تجعل تمايزًا بين العالَم والدين، أي تعترف بميزات كلّ منهما بدون امتيازات للواحد على الآخر. فالاستقلاليّة ليست هي العدائيّة، بل الحياد التامّ بينهما. وهذا الحياد يمكنه أن يكون سلبيًّا يجعل كلاًّ منهما لا يهتمّ أبدًا بالآخر ولا يقيم له وزنًا أو حسابًا. ويمكن أن يكون حيادًا إيجابيًّا يجعل كلاًّ منهما يعتبر ويقدّر الآخر وقيمَه وإمكانيّة إسهامه في اكتمال الإنسان” (العَلمانيّة الشاملة، ص 46).أختم النصف الاول من الاجابة بالتأكيد على ان غريغوار حداد لم يكن معلماً ولم يقدم نفسه كمعلم ، كانت له رسالته بالتأكيد  وكان همه أن يكون إنساناً بقدر ما يمكن للمرء أن يصل إلى الإنسانية . قضيته هي الانسان وبالرغم من كونه رجل دين متعمق ولاهوتي عتيق . نضاله في الحياة كان من اجل رضا الانسان لا رضا الله . هناك الدين المكرّس في الكتب ، وهناك الدين الإنساني النابع من المشاعر والوجدان. فانت لا تستطيع أن تكون ملحداً ناكراً في حضور المطران حداد، لأنه، بكل بساطة لا يدعك تخرج عن إنسانيتك ولا يترك لك المجال للتخلي عن قضيتك، حتى ولو لم يوافقك الرأي . معركته ليست في ميدان اللاهوت ، بل في الميدان الحياتي . كان مثله مثل البابا الحالي، لا يؤمن بالجحيم وبالطبع لا يؤمن بالشيطان ويعرف أن ملاحدة كباراً خدموا الإنسانية أكثر من اعظم المؤمنين فالايمان بالله حق وليس تكليف والانسان يمتلك مطلق الحرية في أن يؤمن أو لا يؤمن ، فالعقل لا يستطيع أن ينفي او يثبت وجوده لكنّه حكما يستطيع أن يقبل أو يرفض معالم هوية وطبيعة الله .  ،من هو غريغوار حداد الذي قلّما عرف المجتمع اللبنانيّ والمجتمعات العربيّة مفكّرًا ومسؤولاً دينيًّا اتّصف كيانُه وفكرُه وقولُه وفعلُه بمثل هذا المقدار من التحرّر الذاتيّ والتوق الشغوف إلى تحرير الإنسان من جميع سلاسل العبوديّة والظلم والقهر:               ولد غريغوار حداد سنة 1924  اي بعد ست سنوات من انكسار الدولة العثمانية وبعد اربع سنوات من اعلان الجنرال غورو دولة لبنان الكبير . والده كان مدرّسا للغة العربية وبروتستانتياً من اصول سورية والدته من طائفة الروم الكاثوليك وجدّه لابيه كان أرثوذوكسياً . درّبه والده على اصول الكتابة لانها بنظره عملا ابداعيا موصِلا للمعرفة ما أفسح له المجال للتعبير السهل عن أفكاره العميقة ، كما دلّه على جبران خليل جبران الذي كانت قرءاته ممنوعة في الوسط الكنسي . نقطة التحول حصلت عندما دخل غريغوار حداد  الحياة الإكليريكية حيث تعرف على الكاهن الفرنسي، الملعون كنسياً آنذاك، الفيلسوف تيًّار دو شاردان  Teilhard de Chardinالتي كانت مقالاته وكتاباته تُتَداول سرياً بين الإكليريكيين في الاديرة فأعجب بفكره الذي ترك أثراً كبيراً في نفسه واعاد قراءة كتابه «الوسط الإلهي او «le milieu divin» بشغف أسهم فيه، مَنْعُ الكاتب والكتاب من دخول الاديرة  مما منحه سلطة النقد انطلاقاً من قبوله نظرية “النشوء والارتقاء”. فالكون لم يولد من خلال أمر إلهي ، دفعة واحدة ، وفق القول المعروف: «كن فكان». وعليه فان قبوله بنظرية داروين المرفوضة كنسياً، مهد له الطريق العقلي، لبدء مراجعة البديهيات التي كانت كثيرة ومعقدة ومحاطة بهالة من القداسة والتكريس . بعد لحظات من سيامته كاهناً واختياره اسم غريغوار بديلاً عن اسمه الاصلي ، فجّر اربع قنابل على مرأى ومَسْمَع من المحتفلين عندما قال :

1 – “بالأمس ، كنت علمانيا. لا اشعر الآن أني مختلف”

2 – “ان المسيحية قطعت صفحة من الانجيل ورمتها في سلة المهملات فأتت الماركسية والتقطتها وعملت منها شرعتها. هذه الصفحة هي صفحة المحبة”

3 – ” كانت صرخة ماركس وانجلز ( يا عمال العالم اتحدوا ) بدء تحول كبير إيجابي في تاريخ البشرية. فلو اعتمدت نساء العالم شعاراً ( يا جميع نساء العالم اتحدن ) ولو تنظم اتحادهنّ شيئاً فشيئاً على أهداف لها قيمتها، لتكونت في العالم طاقة كبرى، لأجل تغيير البشرية وجعلها أكثر إنسانية “

 4 – “العلمانيّة قيمة انسانية ”

عام 1968 اعتلى سدة مطرانية بيروت . تطوّع مع ثلاثة كهنة لتأسيس “آفاق” فكانت المجلة دعوة إلى التفكير العميق وفتح النقاش الواسع للجميع في ما يتعلق بالإصلاحات الضرورية كي تصبح الكنيسة متطابقة مع هدف خدمة الإنسان، كل إنسان، وكل الإنسان، أي بكل أبعاده، المادية والروحية ، ولمّح إلى أن شرط بقاء الكنيسة كمؤسسة مرتبط بالسؤال عن وظيفتها في الإيمان وفي العمل وطالب باعادة التفكير بشروط تواجدها، ان كانت ضرورية أو لا. فدعا الى تحرير الإيمان من الكنيسة التي اعتبرها إرث من القرون الوسطى، حارسة النصوص والتقليد وأحكام الماضي ونسب المشكلة الى فهمنا الخاطئ للإنجيل ولكلام المسيح حول جوهر الكنيسة فطرح السؤال المحرّم : هل يكفي تجديدها وإصلاحها ؟،كلام خطير… والثمن بليغ. ولقد دفعه المطران. الكنيسة الكاثوليكية في لبنان، رفضت هذا الكلام. أنشأت مجمعاً لمحاكمة المطران. حاكمته، وعزلته، فارتج لبنان والعالم. جريدة لوموند تابعت الموضوع . الصحف اللبنانية، قدمت الحدث في صفحاتها الأولى، التعليقات لم تخل من لوم الكنيسة وتأييد المطران. علماً ان بعض أقواله كان يثير أسئلة وتشكيكاً: “يجب عدم الخلط بين المسيح والمسيحية… الهدف هو الإنسان وليس المسيح… المسيح أسير الكنيسة وعلينا تحريره… تحرير المسيح أساسه تحرير الإنسان”.،ما كان يميّز بين الإيمان بالله والإيمان بالإنسان. خلق الله الإنسان على صورته. والله بداية ونهاية. هو المطلق. وهو المصير. أمضى حياته يناضل في سبيل العلمانية ، التي لم يعتبرها يوماً مناقضة للإيمان بالله . كان الدين عنده تجربة روحية فردية، ما عليها التقيد بالطقوس الشكلية إلا إجرائياً. كان همّه دين الناس لا دين المؤسسة. لم تطقه المؤسسة. صار مطراناً من دون رعية فصار كل اللبنانيين رعيته.
3=ما الحلول التي يمكن أن تكون بمثابة أدوية ناجعة لنزع القيود والتصورات الدينية عن العقل الشرق أوسطي المجاور للعالم العربي , في ظل بروز المقدس وإحداثه شرخاً تدميرياً في أوساط المجتمعات التي تحصد نتائجه الآن , هل ذلك نابع عن رداءة تعاطينا لواقع كرسته النظم الاستبدادية , أم إنه نتاج مفاهيم دينية ذكورية قبيحة ؟

قيود التصورات الدينية التي تكبّل العقل العربي هي نفسها التي تُكبّل “العقل الشرق اوسطي” الذي ننتمي اليه ، لكن شعورنا بالنقمة ويأسنا من العقل العربي جعلنا نقوم بفك ارتباطه مع عقلنا . العقلان مريضان ومتشابهان . اسباب مرضنا المزمن ناتج مفاهيم دينية اكل الدهر عليها وشرب . حاولنا مداواة المرض بايديولوجيات مستوردة فاصبح “شعارنا يا عمّال العالم صلّوا على النبي ”  وزاد من استفحال المرض تواطؤ السلطة السياسيّة المستبدة مع السلطة الدينيّة . لن اتكلم عن اوهامنا الايديولوجية التي حجبت – ولا تزال – انظارنا عن رؤية الحقائق ، ولكن ماذا بشأن مطلقاتنا الماورائية التي لم تُنقذنا من غضب الواقع  ولم تساهم في اخراجنا من اجواء التخلف الحضاري والثقافي والتي نتشاركها مع العالم العربي . يقول عالم الاجتماع الشهير Max Weber : “العَقّلَنَة الدينية ساعدت على عقلنة جميع التصرفات الاجتماعية” . اين نحن من هذه المقولة البديهية ؟ هل بامكاننا ان نكون واقعيين ونعترف بان الواقع والرغبة قلما يجتمعان؟ الواقع يشير الى احتقارنا لكافة فروع العلوم الوضعية ، والى مزجنا بين الروحي والزمني ، والى رفضنا البحث العقلاني في نصوص الدين بما هي كلام الله المنزّه عن المساءلة العلمية .فهل بامكاننا اتخاذ قرار شجاع وذكي لنقوم بأول خطوة في رحلة الاصلاح الديني ؟
4= لفتتني في مقالة قصيرة لك بعنوان خواطر وأفكار علمانية عبارة قلت فيها : الاصالة هي مقدرة الانسان على أن يفكِّر وأن يعبِّر عن ذات نفسه بطريقة مستقلّة .
هل الأصالة هو الرجوع للتشبث بقيم الماضي , أم إنها في الواقع مبدأ متجدد في كل وقت لا علاقة له بالتراث ولا بالمعاصرة , بقدر ما تخص الإنسان نفساً وفكراً وصيرورة انتماء ؟؟؟

الأصالة هي مقدرة الانسان على أن يفكِّر وأن يعبِّر عن ذات نفسه بطريقة مستقلّة لانه مُجبر على الحرية ولا يستطيع الا ان يختار  وحتى عدم اختياره  هو اختيار بحد ذاته . يملك البنّاء قبل بنائه للحائط تصوراً دقيقاً في ذهنه عن شكل الحائط وماهيته ، ونسمعه يقول بعد عملية البناء: إنّ هذا الحائط لم يصنع بشكل جيد، أي إنّه غير مطابق لتلك الصورة الذهنية المسبقة ، أو يقول: إنّ هذا الحائط هو ما كنت اُريد بناءه ، أي أنّه مطابق للصورة الذهنية للحائط في ذهنه ، فبالنسبة لسائر الموجودات غير الإنسان فإنّ الماهية متقدّمة على وجودها ، أي أنّ كيفية وجودها متقدم على وجودها. ،ولكن هذه المسألة بالنسبة للإنسان على العكس من ذلك . وجود الانسان هو الاصل وكل شيء يبدأ منه وهو متقدم على ماهيته ، وهذا يعني أنّ لا شيء متقدم على وجوده ، أي لا يوجد أي تصور قبل وجود الإنسان كما هو الحال في تصور وجود الحائط في ذهن البنّاء ، فقبل وجود الإنسان لا توجد أي صورة ذهنية في مكان معين له بحيث يتمّ تحقيقها في الواقع الخارجي بعد ذلك ، ان ادراك وشعور الانسان بوجوده يختلف عن ادراكه لسائر الموجودات الاخرى لان ادراكه لوجوده هو بالعلم الحضوري ولهذا فان وجوده يسبق ماهيته ، بينما ادراكه لوجود الكائنات الاخرى يمر من خلال ذهنه فهو يدركها بالعلم الحصولي  وبالتالي فماهيتها متقدمة على وجودها ، وهذا يعني ان الوجود الحقيقي هو وجود الانسان نفسه أي شعور الفرد بوجوده ، اما وجود الاخرين وسائر الموجودات الاخرى فوجودها عارض على ماهيتها ، اما ماهية الانسان نفسه فلا وجود لها لانه وجود محض وهو الذي يصوغ ماهيته فيما بعد كيفما شاء ، وهذا يعني الحرية ، والحرية تستلزم المسؤولية. من هذه الفكرة تاتي أصالة الانسان .

5=متى يمكن البدء بتحرر المرأة دون الاعتماد على أفكار الرجل ونداءاته بتحرر المرأة وهو بالنهاية رجل
إلا متى ستلهث المرأة نحو تحرر يطلق نداءه الرجل , في واقعنا الشرقي المتخبط والمنفصم
أما من امرأة تصنع ايديولوجية وتلتف حولها نساء يشاركنها الانتفاضة , أم أن ذلك لا يمكن في عالمنا الشرق أوسطي ؟؟؟

الانسان – سواءً كان رجلاً او امرأة –  يَنشد التحرر ليحقق ذاته ويكون كما هو في الحقيقة ، فكل شيء يَكبت قواه وملكاته الطبيعية يَدفعه الى التحرر منه فهو يتوق دوما الى التخلّص من سجن الطبيعة وسجن المجتمع وسجن الدين وسجن التاريخ لان هذه السجون تشكّل حصاراً عليه يريد التحرر منها ،.تحرر المرأة هو في صلب القضية النسوية التي ظهرت ملامحها بعد إعلان وثيقة حقوق الإنسان ووثيقة الحقوق المدينة عام 1789 خلال الثورة الفرنسية التى نادت بالحرية ، والمساواة ، والاخاء (Liberté, égalité, fraternité) حيث كانت الحقوق المدنية والإنسانية متاحة فقط للرجال . الذكورية والنسوية مفهومان او فكرتان غير مرتبطتان بجنس Gender المعتنق . الذكورية في معناها العام هي مجموعة السلوكيات والقوانين والأعراف التي تمنح فئة ما حق السيطرة والتملك والتحكم ضد فئة أخرى ، وهذه الفئة المسيطرة والمتحكمة في العادة تكون فئة الذكور في المجتمع . لذا جاءت النسوية كفكرة مضادة لتدافع عن حق الفئة الأخرى ، وهي عادة ما تكون النساء ، فالنسوية هي مجموعة من الحركات والأفكار السياسية والفلسفية والاجتماعية غايتها : تحديد وإنشاء وتحقيق المساواة السياسية والاقتصادية والثقافية والشخصية والاجتماعية والقانونية بين المرأة والرجل . وعليه فان النسوية تعني الجنسين وهي قبل كل شيء قضية انسانية هدفها أن تحظى المرأة بالمساواة كإنسان مثل الرجل كإنسان وبالتالي تعزيز حقوقها في المجتمع المدني والمجال الخاص . ،المرأة لا تتطلع أن تكون أقوى من الرجل، ولكن تسعى الى اكتساب حقوق متساوية في ظل العدالة . إنها أشياء أساسية جدًا، وليست مجرد امتياز تتفوق به على الآخرين . فالنسوية تعتمد على تشابه الإنسان وتماثله بصرف النظر عن مقوماته التي تعتمد على جنسه، واختلاف وظائف جسده وتمايزها، لا فرق بين رجل أو امرأة فالكل متساوون، والكل يستطيع أن يقوم بنفس الأدوار في المجتمع، فالعقل واحد والنفس واحدة، لن يختلفا إذا كانا في جسد امرأة أم رجل .،عندي تحفظات كثيرة حول مصطلح ايديولوجيا التي يصفها كارل ماركس بالشعور الكاذب ، ولا ارى فائدة من اي “امرأة منتظرة ” نشاركها الانتفاضة ما لم تقتنع كل امرأة في مجتمعنا  بمقولة الوجودية سيمون دو بوفوار بان ” الانسان كائن غير مُعطى وأنه يصنع نفسه بنفسه ويقرر ما هو عليه ولا يمكنه المقارنة بين الأنثى والذكر في النوع البشري إلا من الزاوية الإنسانية “. وإن كان ظاهراً في كل الأحوال أن الرجل هو المسيطر والمتحكم والظالم ، وأنه يستمد من الموروثات الدينية والأعراف المجتمعية سندًا لتبرير جرائمه في حق الأنثى، إلا أن هذا لا ينفي على الإطلاق أن الأنثى هي من تربيه وتنشئه وتوطن في عقله هذه الأفكار، وتدعمه في أغلب الأحيان ضد شبيهاتها. وبانتظار نهوض العالم الشرق اوسطي من ثباته العميق  يتوجب على المرأة ان تدرك ان تحررها مرتبط بمدى استعدادها وقدرتها على تغيير الصورة التي ينظر بها الرجل إليها ولخصائصها الجسدية والنفسية .
6= تطرحين تساؤلات غاية في العمق وأحدها كانت هذه : ان كل انسان عندما يواجه العالم الخارجي يشعر بأن الكثير من الامور الموجودة في الخارج لا تتناسب ولا تنسجم مع ميوله ورغباته ، والكثير من الاشياء التي يرغب فيها لا توجد في العالم الخارجي . وعندما يرى ان ما يريده غير موجود وما يجده لا يريده فان امامه طريقان لتحقيق الانسجام مع الواقع الخارجي : فإما ان يتحرك من موقع تغيير نفسه ومحتواه الداخلي لكي يحقق ما يطمح اليه ولا يراه في العالم الخارجي ، وإما ان يتحرك من موقع ازاحة ما يجده في العالم الخارجي مما لا يرغب فيه . والاديان الابراهيمية اختارت الطريق الاول من منطلق تغيير النفس وعدم لزوم التحرك على مستوى تغيير العالم الخارجي ،هل يمكن تغيير العالم الخارجي بمجرد رغبة ما , وهل نعيش لأجل البحث عن الانسجام والتناغم أم التصارع لاسترداد الكينونة كلما تشظت ؟؟؟, هل الأديان الابراهيمة كانت على ذات السوية في النظرة , أم أن ازوداجية الإله سادت فيه بحيث أن كل منها أخذت طريقاً لخدمة من سخروها لأنفسهم فقط ؟؟؟

نعم لأنه بكل بساطة ، الحاجة امّ الاختراع ، وكل شيء ممكن عندما تتوفر الرغبة والارادة . ما كتبته كان جوابا على السؤال التالي : اذا كان العلم الحديث ابرز نتائج وتجليات العصر الحديث ، فما هو السر في ظهوره وولادته في هذا العصر ؟ فقلت ان العلوم التجريبية انما تنمو وتتكامل في مجتمع معيّن اذا كان افراد ذلك المجتمع بملكون ارادة جمعية collective will لتغيير العالم الخارجي objective world ، ولو اراد افراد المجتمع البشري العمل على تغيير العالم الخارجي، فلا بد من ان يتحركوا لتحصيل العلوم التي يحتاجونها في عملية التغيير. ،لقد اهتم المفكرون قبل عصر الحداثة بتفسير العالم ، فكانوا يريدون ازاحة الستار عن ضرورات الامور ويكشفون عن البنى التحتية والمواد الاولية التي بني منها العالم والانسان والتاريخ ، فكانوا يؤكدون العناصر الضرورية للعالم والتاريخ ، او العناصر الثابتة وغير المتغيرة ، لانه لا يمكن تفسير نظام العالم بالعناصر العرضية  الطارئة الزائلة غير الذاتية . يقول كارل ماركس: ان منهج هؤلاء الفلاسفة والمفكرين في العالم القديم كان بهذه الصورة اذ قاموا بتفسير العالم ، ولكن المهم هو الحديث عن تغيير العالم ، بمعنى ان الانسان يجب ان يفكّر بنمط جديد وارادة جديدة هدفها التغيير ، فالانسان يريد تغيير العالم بيده .،كانت الاديان البراهيمية عبر رموزها مثل علي ابن ابي طالب واغوسطينوس وتوما الاكويني وابن ميمون ، تؤكّد على ان معرفة النفس هي انفع المعارف وان كل شيء نتمكن من معرفته غير معرفة النفس فانه لا ينفع اطلاقا ، واذا عرفت نفسك فسوف لا يضرك ما تجهله عن الامور الاخرى . لكن عندما رأى الاوروبيون ان ما يريدونه غير موجود وما يجدونه لا يريدونه ، عادوا الى الثقافة اليونانية الرومانية المتوجهة في نظرتها الى العالم الخارجي والمختلفة عن ثقافة القرون الوسطى . واذا اردنا معرفة الفرق الذي يتحدث عنه ماركس بين التفسير والتغيير ، فلا بد من القول ان المفكرين في الماضي كانوا متفرجين على نظام العالم والتاريخ ، ولكن الارادة الجمعية في التغيير انزلتهم الى ساحة الملعب ليشاركوا في اللعب ، فالانسان كما يقول ماركس لم يأت ليتفرج على مسرحية الوجود ، بل جاء ليشارك في هذه المسرحية ويلعب دورا فيها ، ولذلك فان عصر التفسير قد ولّى وجاء عصر التغيير ، وهكذا ان الانسان بدلا من القناعة بالبيت الذي يسميه العالم والحياة والتاريخ فانه يتحرك على مستوى اجراء تغييرات في هذا البيت وتبديل اللبنات فيه بلبنات اخرى . فالبشر في عالمنا المعاصر يريد تغيير هيئة هذا البناء واجراء هندسة جديدة له ،  ويريد بناء عالم جديد وانسان جديد بدل العالم القديم والانسان القديم ،  وبهذا المعنى يمكن القول ان الانسان الحديث هو انسان غير قنوع ، فلا يقنع بهذا العالم الموجود بل يقول : من قال ان هذا العالم هو افضل ما يكون وان نظامه هو افضل نظام ؟ فلعل هناك نظاماً افضل من هذا النظام وعلينا السعي لتحقيقه على ارض الواقع ، وجميع الادبيات الجديدة تقريباً ، الفنون ، الشعر ، القصة ، العلم ، الفلسفة ، الاخلاق ، كلها تواجه هذه الحالة ،  فكل هذه غايتها التغيير والتصرف والتحليل ، والجميع يهدفون الى احلال نظام آخر محله ، فلا يوجد انسان متفرج وقانع الى ما هو موجود سواء في عالم الطبيعة أو الاجتماع .
7= التحرر قضية مرتبطة بصيرورة الحياة منذ الأزل , ورحلة بحثك عن الحرية تمر بكل التحديات والعقبات التي ما أكثرها في واقعنا الشرق أوسطي من جراء تكلس المنظومة السياسية والاجتماعية والاقتصادية وتصدع القيم ليغدو الخيار أمام المرأة إما التسليم بالتسليع , أو الخوض على انفراد في متاهة  التخاطر وردات الفعل , ما تقييمك لذلك ؟؟

ان التحرر بالمعنى السياسي والاجتماعي للكلمة هو مفهوم حديث لا يختزن غير معنى الحرية . اما التحرر في ادبيات القدماء وفي التراث الديني للشعوب البشرية فهو لم يرد الا من باب الانعتاق والخلاص من الرذائل والشهوات ، فأشد القيود بنظرهم التي تعوق الانسان عن الحركة والمسير في خط التعبّد والكمال هي قيود الرذائل والشهوات.،مفهوم الحرية في عصر الحداثة مختلف كلياً ، فالحرية حق طبيعي يكتَسِبُه الانسان عند ولادته ، اي انّه خُلِق حرّاً وهذه الحرية امرٌ لا ينفكُ عن وجوده ، وخلاف ذلك يحتاج الى اقامة الدليل اي يجب ان نثبت بالدليل لماذا ليس لنا الحق في الحرية . وبمعناها القانوني المتعارف عليه هي: استطاعة الأشخاص على ممارسة أنشطتهم دون إكراه ، لكن بشرط الخضوع للقوانين المنظّمة للمجتمع . هذا التعريف يؤكد لنا ان الحرية المطلقة غير مقبولة بل يجب ان تكون مقيدة بالقوانين ، وقيد الحريّة الوحيد هو العدالة . فلا عدالة بدون حرية ولا حرية بدون عدالة فهما يذوبان ببعضهما البعض حيث يستحيل فصل واحدة عن الاخرى والا تمّ سحق القيم الاخلاقية ، فالحقوق والقيم والمثُل الانسانية متوقفة على اصل العدالة التي هي بدون شك عين الفضائل الاخلاقية . ،هناك من ينادي بقمع تحرر المرأة بحجة انها ستقود الانسان والمجتمع الى منزلقات التحلل الاخلاقي والانحطاط الحضاري ، والمقصود بالطبع التحلل الجنسي. وبغض النظر عما اذا كانت الحرية الجنسية تُعتبر من الافرازات التافهة للحرية كما يدعي البعض ، أو من الامور الحميدة ( الجنس يمنحنا التوازن النفسي )  عندما تحصل بين طرفين راشدين غير ملتزمين ، فان الحرية تقول لك انك حرّ في اتباع النظام الاخلاقي الذي تعتقد به لان العدالة ليست سوى العمل بذلك النظام الاخلاقي ، فاذا كان هناك اشكال فيعود الى النظام الاخلاقي لا الى التحرر . فبدلا من ان تجلس وتشتم التحرر وتقذفه بانواع السباب والاتهامات وتتصور انه مصدر جميع الرذائل والانحطاط الاخلاقي والبهيمية وامثال ذلك ، يجب ان تحاول البحث في منظومتك الاخلاقية واصلاحها .
8= تجمع المعرفيين الأحرار ,, كتجربة بارزة للعيان , ماذا تحتاج , إلى نخبة , إلى عمل منظم , وهل يمكن التأثير الهادف في ظل وجوب نداءات موحدة تخاطب هذا الجدار الذي يكاد يتداعى من الفساد والصراع والموت اليومي , أم أن المجال الافتراضي لا يعدو كونه مجرد تنفيس عن شحنات ؟؟؟

” تجمع المعرفيين الأحرار ” مجموعة رائعة تربطني بها علاقة حب واحترام .  شجاعتك في مقاربة الأحداث وتصميمك على فتح نافذة على معطيات الفلسفة والانسان يدفعان بالمتابع  إلى تقديم أسمى درجات التقدير لكم . بالطبع كل عمل يحتاج الى تنظيم ، وحسب رأيي المتواضع أنصحك بتوجيه النخبة المشاركة ( وهم كُثُر ) كي تكون حلقة الوصل بين المتخصصين في مجالاتهم ، وبين عامة الاعضاء ، فيستوعبون آخر المنجزات الفكرية للمتخصصين ، ويعيدون نشرها بما يتناسب واستيعاب عامة الاعضاء ويقربونها الى مستويات فهمهم وادراكهم ، بما يستخدمونه من أدوات الاقناع والتوعية .
9= إلى أي درجة يمكن معرفة مقدار كوننا نتمتع باستقلالية وجودة في التفكير , أم أننا أبواق تصدر وتسوق مفاهيم ما نرتاح لها من تصورات دينية أو حزبية ,, كيف يمكن البحث عن اجتماع المعرفيين أصحاب الملكات غير المرتهنة لمافيات الساسة وتجار الحروب ..؟؟؟

إلى أي درجة يمكننا معرفة أننا نعرف ؟ سؤال عجز علماء المعرفة “الابستمولوجيا” الاجابة عليه . فهل من المقبول افتراض إننا نعرف “مقدار تمتعنا باستقلالية وجودة في التفكير” ، دون حاجة الى استدلال ، باننا نتمتع باستقلالية وجودة بالتفكير ؟  الاجابة صعبة جدا بل مستحيلة . في كتابه الشهير “خداع المرحلة” يقول ماركس بان الانسان اساساً موجودٌ محجوب ويعيش في حجاب وستار يفصله عن الواقع الموضوعي ، وطبقاً لهذه النظرية فان الايديولوجيات هي التي تقوم بهذه المهمة وتحجب انظار الناس عن رؤية الحقائق في العالم وفي حركة الحياة ، والنوادر مثله ومثل هيجل وانجلز  هم الذين لا ينخدعون بهذه الموهومات ويخرجون من اطار هذا الحصار والسجن ويرون الحقائق في العالم الخارجي . فهل استطيع ، دون حاجة الى استدلال ، الافتراض بانني ,هيجل أو ماركس أو سيلا بن حبيب أو جوديت باتلر وان الاخر موجود محجوب عن الواقع الموضوعي لارتهانه لمافيات الساسة وتجار الحروب ؟
10= المعرفية اللبنانية عشتروت كنعان سعدنا كثيرا بالحوار معك كلمة أخيرة تودين قولها “؟

تحية من القلب والوجدان لروحك الحرة السامية ، وتمنّياتي لكم ولمجموعتكم الرائدة بالمزيد من النجاح من اجل ايصال رسالتكم النبيلة الى أكبر عدد من الاعضاء

 

(حول فلك الوطن والإنسان مع فاروق حجي مصطفى )

  • الناشط المعرفي الكردستاني فاروق حجّي مصطفى كاتب ومحلل سياسي  مواليد مدينة كوباني , غربي كردستان 1968م،وعضو في مؤسسة المجتمع المدني ،مؤسس صحيفة برجاف, التي تعنى بالشأن المدني  السوري, برز كأحد الأصوات الحرة في الحراك السوري المتطلع نحو الخلاص والحرية , وتعرض لتحديات جمة من اعتقال وترهيب , الأمر الذي دعاه للتشبث أكثر بقيم الحياة العصرية  والهم الوطني السوري والكردستاني بصورة خاصة

وبتاريخ 18=6- 2016م كان لي معه هذا الحوار:

يسعدنا التحاور معك حول جملة من تساؤلات طالما أرّقتنا وكانت محور حياتنا وواقعنا الاغترابي في ظل أزمات لا حصر لها تنشب مخالبها على كامل مفاصل حياتنا وأبدأ معك بهذا السؤال

= المعارضة ما بين استعدائها وحقها المشروع في التعبير عن الرأي والشريحة التي تحكم المجتمع السياسي, أين  تقف , وإسقاطاً للواقع السياسي في سوريا , وغرب كردستان بصورة خاصة , هل ثمة معارضة حقيقية تمارس واجباتها على نحو وطني , أم أن الشرق الأوسط لم تنشأ فيه معارضة بمفهومها السياسي الوطني عدا عن كونها لوبي أو مجموعة أشخاص همهم مقاسمة السلطة المكاسب والنفوذ ,ما الاشكال الحقيقي برأيك والذي يقف حائلاً دون بروز معارضة سليمة وسلطة تحكم بمعايير قانونية بعيدة عن مظاهر التفرد والاستعلاء والتصفية ؟

*في الواقع سؤالكم مهم جداً، وسبق كتبنا مقال تحت عنوان”الديمقراطيون بلا ثقافة الديمقراطية” وهذا يمكن اسقاطه على المعارضة أيضا، بمعنى في الكثير من الأحيان يتراءى لنا كما لو ان المعارضة هي الوجه الآخر من النظام، فمن المعيب أو من سوء القدر ان تكون معارضتنا بهذا الشكل، وهو في الحق، ازمة المنطقة ككل، كل المعارضات في منطقتنا لها ازمة الهوية، وهي قلقة وغير مستقرة بين ما هي المعارضة وبين ما هي ممارسة السلطة نفسها. أنا أقف في جانب ان تكون هناك معارضة بمعنى معارضة يعني ان تكون معارضة هي بوصلة للنظام أيضاً، يعني ان تحسب السلطات موقف المعارضة ، يعني عندما تريد السلطات فعل شيء عليها ان تحسب رد فعل المعارضة، اهناك معارضة في بلدنا والسلطات تحسب لها حساب؟ لا اظن لأن ما يجري من صراع ليس صراع بين المشاريع انما صراع للأسف يختزل “الصراع على السلطة” وان كانت هناك معارضة فقط طموحها يختزل بالسلطة دون مشروع واضح فهذا يعني علينا السلام، وهو بالأصل نعيش في هذا الواقع، وهي بهذا المعنى لا يمكن ان تكون فضاءاً يحمل مشروع وطني، والثورة أثبتت ان معارضاتنا هي معارضات فئوية (مذهبية طائفية وعرقية) ولا يمكن حتى ان تؤالف هذه المعارضات نفسها في اطار جامع يحمّل همّ الناس..كل الناس.
اما الحديث عن اللوبي، فاللاسف ان هذه المفردة وان يتم تناولها بالكثافة الا انها مفردة لا يفهمها من يتناولها، فاللوبي ليس بسهولة أن تؤسس او تنجز، وليس كل نفوذ في مكان ما يمكن اعتباره لوبي، واصل اللوبي لم ينجزه العرب حتى ينجزه الكرد، فهي مسألة صعبة تلامس القوة قبل أي شيء. كن معي بهذه النقطة. منذ زمن تواجد الكرد في أوربا، في فرنسا كان البدرخانيين اول ما تواجدوا في فرنسا، وفيما بعد فنان تشكيلي عفريني نسيت اسمه توفي قبل اشهر وشيئا فشيئاً تواجد الكُرد، وأسسوا المعهد الكُردي بباريس، والسؤال، ماذا قدم ذاك المعهد في باريس للكرد كما قدمه الشهيد قاسملو بحكم علاقته الحميمية مع زوجة فرانسوا ميتران وأيضا وزير الخارجية الفرنسي السابق؟ وكما تواجد الكُرد في سويسرا، الدكتور نورالدين ظاظا، وقيل ان تواجده هناك وان كان لغاية الدراسة او الهروب من واقع سياسي سيئ لكن كان يراوده لوبي، بمعنى فكر ان يؤسس لوبي، لكنه فشل، وأعتقد لم يستطع التأثير بما كان يرسم له، والسؤال، هل ابن نورالدين ظاظا الوحيد وهو نصفه اوربي بحكم من والدته الفرنسية قدم امراً مهماً للكرد؟ اللوبي لحتى يُصنع على ذلك ان يحقق عدد من الشروط، اولها: المال وتحريكه يؤثر على استقرار العملات، ثانياً امتلاكك للاعلام المؤثر الذي يؤثر ويؤسس الرأي العام، ثالثاً العلاقات السياسية بدلالة الاقتصادي والدبوماسي والاجتماعي. ولهذا وحتى لو وصل الكرد في المنظمات الدولية الكبيرة وذات الشأن لكن لا يمكن ان يؤثر في دينامية اجندات تلك المنظمات ولهذا علينا ان نفكر كثيراً بتأسيس لوبي لأنك وانت في بلدك منقسم على نفسك وهناك جهات كردية تحاربك، لم نرتقي الى الهمّ القومي بعد انما ما زلنا ندور في بوتقة العصبية العشائرية وان تطورت اكثر فالحزبيّة، ولعل نشاط اطارينا، الوطني الكردي وغربي كردستان في أوربا لم يعملا في روحية واحدة انما كل طرف يسعى دولياً ان يكون هو صاحب الشرعية وحتى انهما يشوهان صورة البعض ؟ لماذا؟ لأنها لم تتمخض أصلاً من المعارضة الحقة!لا يمكن بروز معارضة وطنية حقة لسببين، اولاً :غياب الهم الوطنيّ، وثانياً: غياب ثقافة المعارضة، في الأول ان السوط الحزبي الأقوى، وهو السوط الذي يمنع ان تفكر كردياً أو سورياً، وبالتالي لا يمكن ان تفكر بالدولة بقدر ما تفكر بالسلطة. وفي الثاني، ثقافة المعارضة تتبلور عندما تقبل الاخر وتقدر امكانياته وكل هذا تبرز عندما نقارب امورنا بمنظار ماذا لديك ان تقدم وماذا عليك فعله، وللأسف نفتقر الى هذه الآلية!

= الأزمة السورية باتت آلة تفريخ أزمات وصدمات ومارافقها من تصدع مجتمعي , وتشتت روحي وقيمي , أين تقف الآن , هل يمكن مناقشة دستور ونظام حكم , لمستقبل سوريا , في ظل غياب النداءات التنويرية لصالح بروز خطاب الإقصاء بوجهه الجديد القديم , أين تتجه البوصلة برأيك ؟\

*لم تعد أزمة سوريا، هي أزمة العالم، ولو تحدث في بقعة جغرافية اسمها سوريا، لكن لها تبعات تؤدي بنا صداها الى باريس، او واشنطن فاوكرانيا، وهكذا، وكل ذلك بسبب غياب مشروع للمعارضة وغياب الية قادرة على تجاوز المرحلة في ظل دائرة تختزل سوريا، ليس لان موقع سوريا الجيوبوليتكي هو السبب، وان كان لهذا الموقع تأثير كبير انما في واقع الامر غاب عن ذهن منتفضي او الثوار امر مهم للغاية هو ماذا نريد ان تحقق لنا الثورة. ما هذه الثورة التي تترك من خلفها كل ارث المعارضة. ما هذه الثورة التي لا تنتج قائداً وطنيا ليصبح محور؟ وما هؤلاء الثوار الذين سال لعابهم فور ما سمعوا ان هنا توانسة او مغاربة او مصاروى ينضمون الى الثورة. هل كان هؤلاء هم الكيفاريين الجدد؟ لم نتمعن بصدق عن السبب الذي يدفع هؤلاء لينضموا الى ثورتنا؟ بل غضينا النظر. وكيف ثورة عرعور ستنحقق اهداف نبيلة وهو يقوم الطائفية على الهواء ويقعدها ؟ الثورة ماتت في لحظة ظهور صدى انضمام غير السوريين للثورة، وعلى الاقل بقيت الثورة في تحت ابطأ الثوار الحقيقين ربما ستطل برأسها بعد الوفاق الذي سيحدث في جنيف؟! لا ادري ان ستطل برأسها من جديد ام لا؟ وللاسف مع بداية الهدنة قبل شهرين شعرنا بان رأس من رؤوس الثورة بدأ يطل لكن سرعان ما جيروها ووظفوها طائفيا ايضاً، فالذي يطالب بخروج جبهة النصرة من معرة النعمان ليس مضمونا ان ينطلق بالدوافع الوطنيّة انما قد يكون مدفوعا من اتجاه اسلاموي اخر او ربما احرار الشام وكل هؤلاء ساهموا في موت الثورة وفنوا براية الثورة اي العلم الوطني بعد جلاء الفرنسيين.
وعليه فانه من المستحيل بمكان ان يمرر دستور علماني او دستور يرى الجميع صورته او هويته فيها، نعم الدستور مقياس اساسي او هو اختبار لمدى معارضة حقة او ثوار حقيقيون ولا يمكن ان يكون هناك دستورا جامعاً يهيئ للمواطنة الحقة. جدل دستور جدل حق. ومن خلال الدستور يمكن بناء وفاق كبير او لنسميه العقد الاجتماعي وكل ذلك لأجل بلورة اهمية الدولة في حياة الامم. ومن هنا لا بد من التمييز، ان الدستور الفيدرالي هو الاساس لبناء سوريا ما بعد القيامة، في حوذتنا عدد من المقاطعات وعلينا ان نعمل على اتحادها ضمن اطار دولة واحد تقسم السلطات بين الحكومة الوطنية وحكومة الأقاليم. ولا يمكن ان يقبل اللامركزية الادارية وذلك بسبب ان المشكلة الاساسية هي ليست ادارية ولو كانت ادارية لانحلت الامور في دستور 2012 وهناك تعديلات واضحة بخصوص توسيع صلاحيات الادارات المحلية. اللامركزية الادارية هي امر يخص الادارة اما اللامركزية السياسية تمس الحقوق السياسية للجماعات، وشتان ما بين حقوق للجماعات او حقوق موظفي البلديات. فضلاً ان الكرد لهم مشكلة اساسية في البلاد هي مشكلة لها بعد الشراكة السياسية . فاللامركزية السياسية فقط تحقق هذا الامر لأن ثمة مشكلة الحقوق القومية للكرد وهذا يعني لها دلالة حق تقرير المصير، وهذا ما لا يمكن تحقيقه في ظل اللامركزية الادارية فقط لأننا نريد بناء الدولة والدولة تؤسسها الامة او الامم وليس موظفون فقط. من هنا نحن امام معضلات في حياتنا السياسية والاجتماعية خصوصا ان الكل يريد ان يعاد اللحمة بين الجماعات ولكن ان يكونوا مواطنيين في دولة أسستها الأمة وليس حزب طائفي.

= لفت نظري مقتطف من كلماتك بمعرض الدستور تقول فيه : في حالتنا السورية، طرح اعلان الدستور بدلاً من الدستور كون لا يجب كتابة الدستور في ظل العملية الانتقالية لحسابية المرحلة حيث أطراف مهيمنة أو تداخل بين ما هو ديني وما هو ايديولوجي فحسب انما نحتاج الى المرجعية الدستورية أيضاً وذلك لأن في النزاعات عادة تخرج بنا قوة غير محسوبة اصلاً وتلكؤ عمل المؤسسات عند ذلك على مديري العملية الانتقالية الاعتماد على المرجعية الدستورية.ما المقصد من القوة غير المحسوبة , في ظل ذاك التداخل الذي عنيته ببروز الخطاب الديني والايديولوجي معاً , وأين يقف الكرد في معادلة التزاحم على المكاسب والانقسام الحاصل ؟

*نعم من الافضل ان لا نسرع في اعلان دستور خاصة ان المعطيات على الارض ربما لها تأثيرات كبيرة على تأسيس ميول اللجنة الدستورية التي من المفترض أن يتم تأسيسها في آب القادم، فضلاً ان هناك طغيان قوموي و طائفوي على المسار السياسي العام للمعارضة؟.لذلك علينا ترك الدستور في مرحلة ما بعد المرحلة الانتقالية لكن بشرط ان يكون هناك اعلان دستوري مؤقت. الاعلان الدستوري هو خطوط عريضة وهو بمثابة اختبار للقوى ايضاً. فلا يمكن ان تحقق مكانة الدولة ان كان هناك شرط مسبق هو ان يكون دين الرئيس هو الاسلام، او ان سوريا هي جزء من الامة العربية وبنفس الوقت تتحدث عن دولة المواطنة. على فكرة ان بناء دولة المواطنة اصعب من بناء دولة فيدرالية لا اقصد هنا الدولة بمعنى الدولة اقصد النظام السياسي في الدولة.حيث الدولة دولة لا يمكن ان تختزل الدولة في نظامها السياسي. الدولة هي الجغرافية والشعب والسلطة. انما النظام السياسي هو النهج العام للدولة تترجمها السلطة وفي كثير من الاحيان هذه الترجمة لا تعبر عن ارادة الشعب وتؤدي بالجغرافية الى التشقق او تؤدي الى بقع جغرافية مثلما نراه الان في سوريا.
وعليه فان على الكرد ان يكونوا مكون متحدين في السياق العام للمعارضة وان يؤدوا الوظيفة السياسية بروحية واحدة لا ان يتسابقوا على مطية تطلعات احزابهم بقدر من انّ الشارع الكردي كله يريد ان يكون الكرد كيان متسق تنطلق بالروحية المسؤولة اقصد مسؤولية التاريخية، وسيكون هناك قوى جديدة الى جانبهم وحتى ان بعض شرائح النظام الذين يرون انفسهم في العلمانية والديمقراطية، وهناك شرائح اخرى ستكون مع الاسلاميين. ما زلنا ننتظر الفرز الحقيقي ولم يعد بوسعنا تحمل النفاق الذي نشهده في حياتنا اليومية السياسية.

= ماذا عدا التخوين والتذرع يمكن للخطاب الكردي أن يقول في ظل وجود بون مجتمعي معقد في التركيبة المجتمعية الكردستانية وبروز الخطاب الإيديولوجي وموت الرؤية الكردستانية البعيدة , هل ذلك يعود أننا كمجتمع حافظنا على منظومة منهجية كاملة تلخص مشاعر التبعية والتصوف والانغلاق على مدى قرن من الزمن ,أليس الإشكال هو في بروز الذهنية البطرياركية في إنتاج الخطاب الحزبي الانتفاعي المتفسخ والمغترب عن العصرنة  إن صح التعبير ؟

*لا علاقة للتصوف بذلك، نحن تربينا على مناخين، مناخ العائلة هو ان الاب حاكم ويحكم ومناخ حزبي هو ان الشخص الاول في الحزب لا بديل عنه وهو ان مات سيكون نهاية التاريخ. هذان المناخان يؤثران على ميول الشارع الكردي ويقسمهم الى اتباع وجمهور الخندق، وهو ان الاب هو الرجل المرحلة وهو من المستحيل يعمل دون مصلحة العائلة. واسقاط هذا على الحزب. للاسف لم يتمعن بعد الجمهور الحزبي خطاب غير خطاب حزبه او محوره وهذا ما خلق لدى الشارع او لنقل لدى جمهور الاحزاب سياسة التخويين, في الثمانينات برزت سياسة المهاترات لكن الاحزاب قضوا عليها من خلال تجارب التحالفات وايضا كان هناك شخصيات بقامة القادة الآن الوضع انتقل الى التخوين. تصور ان شخصا من الاشخاص يقول عن شخص علماني بان فلان علوي وان لوغو حزبه يعبر عن “علي” وهكذا..فالطائفية اعمت عيون الجميع..كما لو اننا طائفيون..مع ان الحديث عن الطائفة كانت غائبة في الاوساط الكردية..هذا هو مصدر التخوين..ولهذا لا نرتقي الى مستوى الحدث او لنقل الى مستوى التحديات فالحدث حدث قومي نقاربه بمقاربة حزبية مع ان الاداء والخطاب يجب ان يتجاوز الحزبي.

= ظاهرة ارتهان المثقف الكردستاني للحزب , ما أثرها على جيل الشباب الطالع , في ظل التهميش الحاصل وغياب الرؤية الاستراتيجية ببروز الاغتراب تجاه الواقع , والانفتاح نحو تكتلات تخدم اجندات واعية تعمل بكد للتفتيت ومزيد من الانقسام والشرخ ,كيف يمكن تجاوز القالب الصدأ, وكسر مقولة ما يأتي ليس أفضل مما كان ؟؟؟

*من الطبيعي ان يكون هناك تأثير كبير على الجيل الناشىء، هذا الجيل الذي اصبح شابا في ظل الفوضى، وهو لم يعش في حالة الدولة او المؤسسات او الادارات. بمعنى كاتب نفوس وشرطة ومخفر ووو وهذا له تأثير بمعنى ان سلوك الجيل الشاب الناشىء سيكون مغايرا لسلوكنا فتربية السلوك للمواطن لا تبدأ من الام وتربي اطفالها على ان يفعل كذا ولا يفعل كذا..فالسلوك يتم تركيبه من خلال المؤسسات: المدرسة المخفر او معرفة السلطة وهكذا..
اما بخصوص ارتهان المثقف الكردستاني فهو ربما امر مهم في لحظة غياب الدولة، لكن سيكون له تبعاته ايضا بمعنى ان سمعت عن البرازاني عند وفاته وكنت صغيرا ما زال البرازاني هو الرجل الاول في ذاكرتي، وعندما اسمع عنه شيء انزعج، وهكذا، من هنا علينا بلورة الشاب الحر الذي يحترم قيم غيره ويقوم نشاطه في اطر من ان لا يعكر صفوة الاخر..نحن امام مسؤولية تاريخية كبيرة وكلنا يعمل دون اخذ المسؤولية الاجتماعية في عين الاعتبار للأسف!

في مئوية سايكس بيكو, نجد التنديد والاستنكار من الشارع الكردستاني , بمقابل ذلك ألسنا أمام واقع سايكس بيكو جديد ألا يصر كل طرف سياسي المحافظة على قالب سايكس بيكو في موقعه , والاستئثار بالشارع على طريقته , ألسنا أمام حالة أشبه بسايكس بيكو ؟

*في الحقيقة ان هناك لبس حصل، لم نقارب سايكس بيكو كسايكس بيكو، لم نكن واقعيين، فكردستان لا توحد خلال سنة او سنتين، ولا يمكن تجاوز سايكس بيكو، وبالاصل انتكس سايكس بيكو عند مجيئ البيشمركة الى كوباني لكن اتى باتفاق وهذا ما يدلنا على الطريق الاخر هو ان سايكس بيكو لا يمكن ان يزال بالعواطف انما بوجود خريطة اخرى لكننا هل نستطيع ان نؤسس لانفسنا خريطة بدون مساعدة غيرنا؟ هنا مربط الفرس. هناك كيري ولا فرورف وهناك خرائط جديدة لكن هل ستكون خرائط ضمن دولة ام هناك تغييرات حتى في الحدود السيادية للدول؟ كل هذه الاسئلة ملحة تنتظر الاجوبة من اللاوقعيين الكُرد.
ما حصل في كولن امر مهم للغاية..فهو نشاط او تمرين للمستقليين او المدنيين الكرد على فعل ما؟ وهذا يكون له مردود ايجابي على مستوى بناء رأي عام شعبي كردي ايضا سيكون له دور في وسائل الضغط على من يسيطر في المشهد السياسي الكردي.
نعم نحن في الطريق الى سايكس بيكو جديد لكن قد يكون منسجما هذه المرة بنسبة كبيرة مع تطلعاتنا. والعلم عند كيري ولافرورف!

= في ختام المقابلة أشكرك جزيل الشكر على إتاحتك لنا الوقت لهذا الحوار، كلمة أخيرة تريد قولها؟
*اشكرك جزيل الشكر كاك الغالي..اسئلتك مهمة لكننا مضطرين ان نختزل بحكم الزمن والمشاغل..تحية لنشاطك

 

 

 

 

 

 

 

 

 

*سجالات كوردستانية مع ابراهيم كابان*

* ابراهيم كابان:-كاتب وناقد كوردستاني معرفي من مواليد كوباني 1980 ،تعرض للاعتقال في السجون القمعية للسلطة السورية الديكتاتورية بين عامي 2007-2013م،-يكتب في عدة جرائد ورقية ومواقع الكترونية كوردية وعربية.،لديه ديوانين نثر تم طبعها ونشرها :، -قوافل الجروح- / نثر – 2005 عن دار –الخنساء- بدمشق .،-(صرخاتٌ .. صرخات .. وقوافل من فَمِنا تستمر)/ نثر –  2009 -دار الكيوان- بدمشق.،وأعمال لم ترى النور بعد:، -(سخريات الليلة) – نصوص نثرية 2007،-(محاولات) – قصص قصيرة 2008،-(فتن كقطع الليل) – دراسات مقارنة دينية علمية ..،-(إرهاصات ثورية في الشرق الأوسط )/ كتاب تحليلي ،-(على الرصيف) / نصوص نثرية

وبتاريخ 1 شباط-2017م، قمت بإجراء هذا الحوار:

1-يسعدنا التحاور معك الكاتب الكردستاني ابراهيم كابان، والذي نود في خضمه ، تسليط الضوء على جملة تساؤلات تؤرق متلقي اليوم، ونبدأ من هنا:

هل يحتاج تصحيح الواقع الكردستاني(الحزبوي) إلى سلسلة من إنشائيات مضمونها التقريع والتهجم المتأتي من انفعال محق، والذي سيتفرع عنه جهتين مخالفة أو مؤيدة، ويعود التهاتر مجدداً إلى دائرته الأولى، أم أننا يجب أن نعود لآليات النقد وأساليب الخطاب مع الجماهير لفك الارتباط مع من يتاجر بقضاياها؟!، مالذي يحتاجه الكردستاني في الوطن والمهجر من أدوات لينهض بها؟!

الواقع السياسي الكردي وليد لتراكمات ثقافية واجتماعية بدائية، وممارسات حزبوية رديئة، ناجمة عن المنظومة الكردية المفككة بحكم الظروف التي شهدتها كردستان، لاسيما خلال العقود الأخيرة بعد تقسيم كردستان إلى أربعة دول، بنت كياناتها بعد الحرب الأولى على أسس قوموية أدخلت الإنسان الكردي في دائرة ضيقة، وحالة اجتماعية سيكولوجية أنتجت في المحصلة مفرزات تنوعت معطياتها السلبية المتعددة على كاهل الإنسان الكوردي ووجود قضيته واستمرارية المظالم، فحالة الحرمان والتعرض للمشاريع العنصرية والتصفية العرقية خلال قرن كامل دفع بالشارع الكردي إلى تكريس حالات أتسمت بالسلبية الفكرية والمعرفية، نتيجة للتقليد السياسي في الشرق الأوسط، والدوائر المغلقة حول الحركات التحررية التي تأثر بشكل مباشر في التقلبات العالمية الناجمة عن الحرب العالمية الثانية ونتائجها والحرب الباردة وصراع القطبين وموالاة الحركات التحررية لليسار والاشتراكية السوفيتية التي انهارت، بعد أن خلَّفت أنظمة استبدادية تفرعنت جميعها بالشكل الذي وصل إليه الشيوعيين أيام ستالين،  وثبتت الأنظمة الحاكمة في الدول التي احتلت بلاد الكرد ،وجودها وقوتها وهيمنتها، في الوقت الذي فصَّلت الأحزاب التحررية وجودها وتحركاتها وفق هذه المنظومة بعضها كرست علاقتها مع أنظمة أخرى تحتل جزء من كوردستان ظناً منها أنها ستلقي الدعم لاستمرارية المقاومة ضد النظام الآخر ،الذي بدوره يتفق مع النظام الآخر عسكريا ًومخابراتيًاً ضد الوجود الكوردي، وهو ما أدخل الحراك الحزبي في معمعة، وفي المقابل أوجد نوع من المثقفين تكون مع كتابتهم رداءة ثقافية ومعرفية بحكم الظروف الأمنية الممارسة على كاهل المجتمع الكردي ككل، مما أختلط السياسي بالكاتب، والمثقف بالمناضل، حيث تكونت لوحة ونموذج خاص بالإنسان الكردي، قد يكون مفيداً في بعض المفاصل إلا أن السلبيات التي تكرست تحتاج إلى إزالتها بأدوات واليات متطورة تعتمد في مضمونها وشكلها على المعرفة والعلم والفكر الذي تخطى بطبيعته ما بعد حداثة الحداثة.، وباعتبار إن التشخيص الحالة الكردية بشكل صحيح يبدأ من هذه المعضلة والنقاط فإنه يمكن أن نستشرف الأدوات المطلوبة من التجربة النضالية الكوردية ونستدرك تبعاتها في مسألة الارتقاء بمستوى الخطاب وتجاوز المستنقعات التي زرعتها الأنظمة الاستبدادية في الشرق الأوسط.

2-نتفاجأ بهذا الكم الهائل من الشتائم واللعنات التي تنهال من هذا وذاك على بعض قنوات التواصل الاجتماعي، والأخص الفيس بوك، ألى يدفعنا ذلك للتساؤل، أننا كقيادات أو نخبة أو لنقل مثقفين، لم نستطع إيجاد رؤية موضوعية، واندفعنا لسباق الارتهان كل إلى فريق وبالتالي أدى ذلك لتفسخ ذهنية الجماهير وازدياد بلطجيتها، وشذاذها؟!

عملياً أعتقد إن الشريحة الكوردية التي تتابع “شبكات التواصل الاجتماعي – الفيسبوك” وتتفاعل معها هي نموذج صغير للمجتمع الكردي، حيث إن الحالة التي عليها جماهير الفيسبوك ليس ببعيد عن الحالة المعاشة في الشارع الكردي، وبناءً على ذلك أعتقد إن الحالة التي عليها شارعنا الكوردي من تفكك في البنية الفكرية وغياب المعرفة وثقافة التسامح والرأي الآخر وسيطرة كيانات حزبية قسمت الشارع فيما بينها، ولم يكن المثقف ببعيد عن هذه العملية، إذ إن السواد الأعظم من الكتاب والمثقفين دخلوا في دوامة الاصطفاف الحزبي، ولعل من يتبع لكيانات حزبية دكتاتورية لا يمكن أن يساهم في تحرير المجتمع من المنظومة الكلاسيكية البالية، ولن يستطيع من صناعة الآليات المعرفية المطلوبة في عملية الارتقاء بالمجتمع.

إن الحقيقة بشكل كامل لا يمكن أن تكون موجودة عند طرف حزبي واحد، وهذه من البديهيات المعرفية والتنظيمية، إلا أن وجود ظروف استثنائية – وروج آفا نموذجاً – تفرض على الجميع التفاعل معه، ودعمه في ظل الظروف التي تعصف بالشرق الأوسط، إن من مهام النخبة أو المثقف والكاتب والإعلامي أن يكون صوت وقلم ونداء وصرخة شعبه في حالات الثورة الاضطرارية، وإن وجدت بعض السلبيات والأخطاء إلا أن ذلك لا يجب أن يقف عائقاً أمام مناصرة الشيء المحقق، فلكل ثورة سلبياتها وإيجابياتها، ولكن المهم هو ما يتم تحقيقه، وعادة تكون في الحالات الانتقالية هناك أخطاء وسلبيات إلا أن الإسراع في تحقيق الاستقرار وحده يضمن تطور الحالة وتحصينه ودمقرطته.

3-تتسابق الأحزاب الكردية السورية إلى تبني مطلب توحيد الخطاب الكوردستاني، في حين نجد أن التوجهات العملية تتنافى مع هذا المزعم، برأيك ما هي أهم الأسباب في تشظي طاقات الشباب وانغماسهم في مستنقعات التهاتر الفئوي، وخروج البعض منهم ليغدو قعيد الجدران دون أي عمل يعمله، وما الحلول المتأخر طرحها، في ظل الوقوف حول التوحد أو الاتحاد بمنهجية وعمل، لتجاوز كونه شعار برّاق؟

الصراعات والحروب بطبيعتها تخلق ظروف وكيانات وأطراف لم تكن موجودة من قبل، كما إن التجمعات والأحزاب السياسية السابقة إن لم تتكيف مع التغيرات ستكون في حالة صراع وفوضى دائمة فيما بينها ومع محيطها، ولن ترتقي إلى مستوى تجاوز الخطاب الكلاسيكي والتحرك الفردي والشمولي المقيت. ولعل أهم عوامل التغيير في الظروف الاستثنائية التي تمر بها الحالة الكوردستانية هو تطوير حركتها التحررية سواء خطابها السياسي أو طبيعة هرمها التنظيمي بحيث يتفاعل مع الأحداث أكثرة وبجدية بعيداً عن تأثير الدول التي تتقاسم كوردستان، وهو بطبيعة الحال يحتاج إلى ظروف وعوامل سياسية وعسكرية وتنظيمية.

فالحروب البينية والاقتتال الأخوي الكوردي خلال التسعينيات أثر بشكل مباشر في إدخال يد الدول المحتلة في خلق حدود وصراعات كوردية – كوردية، في الوقت الذي تطلَبَ وحدة الصف الكوردي وتوجيه بنقديته وطاقته وإمكانياته لمقارعة الأنظمة الاستبدادية، بينما الدولة المحتلة لكردستان متفقة إستخباراتياً لضرب الأطراف الكردستانية ببعضها، في الوقت الذي يظهرون وجود خلافات في السطح وبالمقابل اتفاق من تحت الطاولة على قمع التحركات التحررية الكوردية، بعكس الأحزاب الكوردية التي تختلف في العلن والسر.

لعل المطلوب أمام هذا الواقع المؤلم هو وحدة الصف الكوردي في العمق، وإظهار الخلاف السياسي السطحي في العلن، وبناء علاقات إستراتيجية عميقة في السر. وهذا يتطلب صدق تحرك الأحزاب الكوردية.

4-ماهي الخطوط الرفيعة التي ينبغي على السياسي الناجح شدها ما بين النقد والتهجم، فالنقد معيار يستقيم مع العقل على عكس التهجم الذي يزيد من تشنجات الطرف النقيض، في ظل التستر على العقلية الأبوية الزعاماتية ببهرجات لغوية أشد تشدقاً بمزعمي الديمقراطية أو الكردياتية؟!

من يخون شعبه لا يمكن أن تستخدم معه معايير النقد الطبيعي، فالنقد أداة يستخدمها الكاتب في الكشف عن السلبيات التي تدفع بالجهة المنتقدة لإصلاحها، بينما استخدام النقد الطبيعي مع الخيانة لا يمكن أن يأتي بالنفع، المسألة لا تحتاج إلى الخيار الرمادي والذبذبة، لأننا في زمن الثورة والتحولات الكبيرة، فالناقد السياسي يجب أن يكون جريئاً في نقده إلى ما بعد اللاذع، وأن يضع النقاط على الحروف دون خوف، لأن قول الحقيقة مسؤولية على عاتقه طالما أن نقده يدخل في خدمة الشعب والقضية.

لا يمكن لمن يسرق قوت الناس وأموالهم ويستخدمها في شراء القصور الفخمة حول العالم وفي المقابل هناك طبقة تختنق من الجوع أن نخفي ذلك بحجة إنه يملك السلطة والسلاح والمال، سأورد مثال آخر أكثر توضيحاً: قضية نقد حكومة لارتكابه أخطاء في مسألة ما أو مؤسسة أو شخصيات عامة من أجل دفعه إلى الإصلاح، هو أمر صحي وطبيعي، ولكن في الحالة الكوردية هناك مشكلة كبيرة حيث أطراف وشخصيات تخدم الأنظمة المحتلة لكوردستان ويتم استخدامهم ضد تحرك ثوري كوردي، فهنا تكمن المصيبة العظمة. فهل الخيانة تعالج بالنقد مثلاً ، أعتقد لا ؟؟؟

5-مالذي يبقي على المنظومة الأبوية المتفشية بفظاظة في عموم الشرق الأوسط والعالم العربي، ألا يعود ذلك للأديان عموماً، في كونها حافظت على هذا الأرث من تكريس طاعة ولي الأمر والامتثال الأعمى له؟!، لينتقل هذا العرف لذهنية المنظومة الشمولية التي بدورها رعت ذلك وعلى نحو راديكالي (ثوري، اشتراكي) .؟

تكوين المنظومة الدكتاتورية بطبيعتها ناجمة عن ظروف وبيئة تساعدان على ترعرعها، فالتخلف الاجتماعي المتسلسل من عادات وتقاليد كلاسيكية كرست بدورها مجتمع يعاني من طبقات متفاوتة، يتحكم فيها المقتدر سواء كان مالكي المال أو السلاح، يمكن شرح صورة مصغرة للحالة، حيث القبيلة التي تتبع لشخصية تحكم فيها هي الصورة النمطية لرئيس وحاشيته يتحكمان بالشعب ومقدرات البلد، واستغلال الطغمة المقتدرة لشعور الشرائح المجتمع سواءً كانت قوموية أو دينية وحتى اجتماعية.،وأيضاً مراحل تطور المجتمع يحتاج إلى بيئة وظروف تساعدان على تطويره، فالمسألة ليست بجرة قلم أو مقال تراجيدي.،مثال: المجتمع الغربي في القرون الوسطى كان يعاني نفس الحالة التي تعانيها البلدان الإسلامية، حيث سيطرة شريحة استغلت حاكمية الكنيسة، وطبقت قوانين وأفكار تمتاز بالمنظومة المشابهة للأنظمة الشوفينية في بلداننا، ولكن كيف تحررت وكيف تطورت الدول والشعوب الغربية؟، هنا تكمن القضية، وما هي الوسائل والأدوات؟، وهل القوى الدولية تساعد على ذلك؟.،أعتقد إن نصف مشاكلنا في عدم تجاوز المراحل البدائية في تنظيم الحياة السياسية والثقافية هو عدم وجود ظروف الملائمة. مثال: الثورات التي تقام في بلداننا تفشل في إجراء التغيير وتطوير المجتمع والأنظمة، لأن هذه الثورات ليست لها برامج ومشاريع حقيقية كما الأنظمة التي تستمر في وضع قبضة يدها حول التمسك بالحكم. وهو ما يتطلب فوضى وحروب أهلية حتى يتم إجراء التغيير، والحالة اليمنية والسورية والليبية والعراقية من قبل والتركية فيما بعد نماذج حية.

6-قطبا الزعامة(الأوجلانية، البارزانية) في ذروة تنافسهما، وتصارعهما الإعلامي، إلى أين تتجه البوصلة تحديداً في غربي كردستان، في ظل التوازن الأمريكي في مراعاة الأحلاف الاستراتيجيين والجدد، هل الكرد برأيك من الممكن أن يتوحدوا في ظل هذه التناقضات التي تعم المنطقة برمتها، رغم الخلافات الحزبية المتمثلة باختلاف تلك السياستين؟. ماهي قراءتك لما يحدث؟!

ذكرت في محفل الرد على سؤال السابق حول هذه النقطة الهامة، ويمكن التوسع أكثر.

العامل الإقليمي له التأثير المباشر في منع توحيد القوى الكردستانية، إلى درجة خلق هوة عميقة بين القوى، لدرجة طرف يرفض أن يتكرر النموذج الدولة القوموية القبلية، ويعتقد إن قيام دولة كوردية بالشكل الذي أقام فيها العرب والأتراك والفرس دولهم هو تكرار للتجارب الفاشلة ومصيرها الخراب والدمار.

وفي المقابل يجد الطرف الآخر إن الحل يكمن في دولة قوموية، ويكون هذا الطرف –الحزب- هو الحاكم فيها، على شكل الأنظمة الاستبدادية التي حكمت وتحكم بلدان الشرق الأوسط، وتقتل شعوبها من اجل البقاء في السلطة كما هو الحال في سوريا وتركيا وإيران وقبله العراق، ومعظم دول العالم الثالث.

أمام هذين المشروعين ودون وجود خطوط عريضة متمثلة بمؤتمر وطني كوردستاني، واتفاقيات بين الأطراف الكوردية من شأنها تضمن قوات دفاع مشتركة، لن تجد الحلول طريقها لتوحيد الصف ، والحل الثاني يكمن في ضغط القوى الكبرى على الأطراف الكوردستانية، وإجبارها على الاتفاق، وتجربة إجبار الديمقراطي الكوردستاني والإتحاد الوطني الكوردستاني في إقليم جنوب كوردستان واتفاقهما على توزيع الثروة والمناطق وتشكيل منطقتين ضمن إقليم واحد بعد حرب دامت لسنوات راح ضحيتها آلاف الشهداء من العسكريين والمدنيين، حيث ثبت فشله هذا الحل الذي لم يجد حلولاً جذرية لوضع الإقليم خلال 25 سنة.

-7ما سبب غياب شخصية ابراهيم كابان كأديب، لصالح بروز  كابان السياسي، هل من مؤشرات للعودة لقضية الإنسان وبلون أكثر رحابة، بعيداً عن جبهات الوجع السياسي المتخم بالخيبة؟!

لعل الحاجة للتوجه نحو تغيير أسلوب وأدوات النضال الثقافي في سبيل القضية هو الذي شدني بطبيعته إلى توجيه دفة القلم من النتاج الأدبي إلى السياسي، ويعود الأسباب إلى الحالة الكردية الثقافية التي لم تتجاوز محنة التبعية للدوائر السياسية الحزبية الكردية.

في البداية كنت أكتب القصيدة الحرة بأسلوب رمزي لما كنا نتعرض له من تهديدات وضغوط أمنية شديدة في ظل النظام البعثي الشوفيني، ثم استطعتُ تكوين أسلوب أكثر تطوراُ يميل للثورية، إلى درجة تيقنت ضرورة تطوير نتاج القلم من الشعر إلى كتابة المقالات، ومن ثم الاختصاص في النقد والتحليل كما هو الحالة التي أكتب بها الآن، التحليل الإستراتيجي والقراءة السياسية التي لاقت رواجاً جيداً من خلال الصحافة المصرية والكوردية.

ولكن تلك الروح كأديب لم تفارقني وظلت تكبر في قلبي ومشاعري وأحاسيسي، ولعل إحدى نتاجاته بعض القصائد التي سترى النور تحت مسمى (على الرصيف) محاكاة ثورية عن روج آفا.

وأعتقد إن التمازج بين الكتابة السياسية والأدبية ضرورية لكاتب ثوري جعل من قلمه صرخة يعبر ثورة شعب.

8-بالعودة لنمط الالتزام بقضايا الإنسان ومعاناته، أين يقف الأدب اليوم، هل استطاع الخروج من ربقة الخطاب الإيديولوجي الثابت، هل بالإمكان بروز اتجاهات فنية جديدة إن على صعيد الأدب أو الفن في الواقع الكردي، في ظل الهيمنة الإيديولوجية بطرق كلاسيكية على  الجماهير برمتها، أين يجب على الأديب الكردي أن يقف؟!

شعبنا يقود ثورة، وهناك مقاتلين شجعان يفدون بأرواحهم في سبيل شعبنا، وإن اختلفنا مع خلفياتهم الإيديولوجية إلا أن تلك الروح الفدائية التحررية هو إلهام الذي ينبغي الالتزام بمناصرته في الوقت الحالي.

كما إن الصراعات الحزبية الكوردية خلقت أجواء سلبية مقيتة في الساحة وخاصة مع تطور الإعلام وتحويله إلى مؤسسات لجذب الأقلام، وبما إن تلك المؤسسات تابعة ضمنياً لمحاور سياسية فإن مسألة جذب الكاتب والمثقف إلى تلك الدائرة يجرد منه قيمته ككاتب مستقل، لأن المال السياسي والإعلامي سيكون هو الموجه والحكم.

نحتاج إلى إعلام مستقل يفسح المجال أمام الكتاب والمثقفين في الإبداع، والتنوير والاستفادة من تجارب الفكر والثقافة العالمية، والشعوب التي سبقتنا في تطوير مناهجها المعرفية.

الاهتمام بالكتاب والجرائد الثقافية من خلال فتح دور للفعاليات الثقافية والفكرية المتعددة، والتواصل مع الدول المتقدمة سيكون دفعاً قوياً باتجاه إيجاد سبل واليات علمية وموضوعية في تطوير الفكر والثقافة والمعرفة والعلم.

الفن والفلكلور الكوردي غني بالتراث، ولدينا ميراث كبير في هذا المضمار رغم طمس هويتنا من قبل الأنظمة المحتلة.

9-ماسبب ابتعادك عن الكتابة باللغة الأم الكردية، في ظل التطور الذي تشهده الثقافة الكردية في واقع غربي كردستان، وهل من عودة للكتابة بها والتعبير عن آلام الإنسان الكردستاني عبرها؟

مبدئيا نحن في خضم ثورة مهمة للغاية تحتاج منا ككتاب ومثقفين إلى استخدام الأدوات السلسة في التواصل والتفاعل وإيصال المعلومة بأسرع سبل ممكنة إلى المتلقي، ولعل الشريحة العظمة من الكورد في سوريا يتقنون اللغة العربية قراءة وكتابة، بسبب منع اللغة الكردية خلال السنوات الماضية قبل انطلاقة ثورة روجآفا، وتشكيل الإدارة الذاتية الديمقراطية وتكريسها تعليم اللغة والثقافة الكوردية في روجآفا وشمال سوريا. كما إن طبيعة التفاعل المتلقي له دور كبير في لغة كتابتنا، أنا مثلاً أتقن الكتابة والقراءة بالكوردية كما هو الحال في العربية، وأكتب أحياناً باللغة الكوردية، في ظل الإقبال ضعيف جداً على قراءته في شبكات التواصل الإجتماعية، ولعل المراحل القادمة من التطورات سيتطلب الكتابة بالكوردية أيضاً وسنكون قد طورنا أنفسنا أكثر في هذا المجال.،ولا ضير في استخدام أية لغة عملياً في هذه المرحلة المهم أن تصل المعلومة والأفكار بسرعة وبشكل واسع.

10-أخيراً لا يسعنا سوى شكرك على جهودك، والتي نتمنى لها دوام التطوير والترقي، كلمة أخيرة تود أن توجهها؟

طريق الحرية يحتاج إلى تضحية، قد نعتقل ونجوع ونقتل إلا إنني مؤمن بانتصار الحقيقة في المحصلة، كوردستان لن تتحرر إن لم نصارح أنفسنا ونصلحها بالحقيقة، وننشد الحرية، ونبلغ التخلف الفكري والاجتماعي والمربعات السياسية المغلقة، علينا أن نجعل الأحزاب وسيلة لتحقيق أهداف شعبنا، وللحرية باب حمراء سندفع ثمنه من دمائنا وصرخاتنا..

وفي الختام أشكر جهدكم وأتمنى لكم الموفقية في نضالكم الثقافي الذي سيكون هو الرصيد والكنز الكافي في نهاية المطاف.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

(مع الأديبة والفنانة المعرفية مهدية سليم, حوار وشجون)

 

 

                        الأديبة الكردستانية المعرفية مهدية سليم , من مواليد مدينة الحسكة 1980م, (كردستان الغربية), عضوة في تجمع المعرفيين الأحرار، تكتب وتنثر  شعرها في العديد من الصحف الالكترونية، كصحيفة الحب وجود والوجود معرفة..

 

  وبتاريخ19- 6- 2015 قمت بإجراء الحوار التالي معها :

*الأديبة المعرفية الكردستانية مهدية سليم نرحب بك في حوارنا هذا , ونود أن تحدثينا

عن تجربتك الشعرية وأثر البيئة والمحيط على علاقتك بالشعر والفن؟

 لك كل الاحترام صديقي المعرفي ، والتقدير  لفتح هذا المجال أمام مهدية سليم ، ليصافحها الناس

 بأفكارها الروحية والعقلية على المدى القريب أكثر .

طفولتي تتجسد في بضع كلمات ( الطفلة الحساسة ، المنزوية ، الخجولة ، الذكية )

في بادئ البدء ، مذ  وصولي المرحلة الإعدادية ، كانت لدي ميول أدبية ، بما يتعلق بكتابة المواضيع المدرسية آنذاك ، حيثُ  كنت أتلقى الكثير من الإطراء من المدرسين ، حول الأسلوب الجميل في تنسيق النص ، من مقدمة واستيفاء لعناصره من شتى النواحي و بإسلوب إيجابي معبر وملفت للأنظار في سن مبكرة ، واختيار الخاتمة اللائقة بإنهاء النص ، ودوماً كنت أحظى بالعلامة التامة في  التعبير .

إخوتي آنذاك ، وحتى بعد تركي الدراسة ، كانوا دوماً يطالبونني بكتابة النصوص التعبيرية الملقاة على عاتقهم أثناء دراستهم من قبل المدرسين القائمين فيها ، من مقالات ومواضيع  عدة ومختلفة ، إلى جانب هواية الرسم الجميلة ، وأتذكر جيداً جملةً, قالتها لي معلمة الرسم في الصف السادس الابتدائي ( طريقةُ مسكك بقلم الرصاص ورسم الخطوط الأولى للوحة تشبه طريقة الفنانين الكبار ) أما في الصفوف الإعدادية وفي الصف الثامن على وجه الخصوص قال لي معلم مادة العلوم ( الرسوم التي تطلب منك لرسمها من الكتاب ، تبدو أجمل من رسوم الكتاب بكثير ) ، كما كنت أمتاز بالخط الجميل الذي لا ينزاح عن السطر ، ولذلك كلفتُ من قبل المدرسين بكتابة الآيات القرآنية على السبور في حصة الديانة ، وكتابة الأمثلة والنصوص في حصة مادة اللغة  العربية ، والأمثلة باللغة الفرنسية في حصة اللغة ،ولأنني لم أنل الحظ الوافر ، للمضي أكثر في دراستي وإنهاءها ، ونيل  الشهادات التي تحلم بها كل طالبة علم ، تحولت إلى مجال العزف والغناء في سن السابعة عشرة ، بحيث طلبت من والدتي ، أن تبتاع لي آلة بزق , عن طريق أحد أقربائها المهتمين بالعزف  ،وبعد وصولها أحضان مهدية سليم ، تخوفت منها في بادئ الأمر ، وأحست بأنها ليست الند القوي لخوض امتحان العزف والتفوق فيه كعازفة جيدة .،لكن في أول زيارة لخال أمي لنا في البيت بعد وصول الآلة ، نظر إلي وقالها لهذه الجملة ( وسماههم في وجوههم ) وتابع قائلاً وهو يبتسم… سوف تتعلمين.،وبالفعل تعلمت بإصراري وإرادتي ولوحدي، عن طريق الديناميكية السمعية والإحساس بمواقع اللحن .،مع الدعم الجميل من والدي ووالدتي وقتها ،والأهل بشكل عام .،وبدأت من الثلاثة الأشهر الأولى من العزف ، بكتابة الشعر الكردي وتلحينه وغنائه في فرقة  TOLHILDAN  في الحسكة المعنية بفعاليات أعياد نوروز والمهرجانات الكردية،عرفت زوجي آنذاك وكان تربطنا قواسم مشتركة من ناحية حب الموسيقى والعزف والغناء ، وقمنا بإدراج ألبوم غنائي معاً في فترة الخطوبة ، لكنه وزِّعَ عن طريقنا إلى الأصدقاء والمعارف فقط ،تجربتي الشعرية البحتة بدأت بعد زواجي وبعد أن وقفت التقاليد في درب ميولي الغنائية والفنية ، فأردتني في قوقعة الكآبة لبعض الوقت ، وشوهت من مضمون العقلية العفنة لبعض البشر ، وتمزيقهم للرغبات السامية ، والتي حالت دون إكمالي لمسيرة الفن الغنائي .،لكني إلى الآن ألحن إذا طلب مني ، وقد مَنحتُ أغانيَّ التي كانت بحوزتي إلى الفنان الكردي*أركان جميل* يقطن في ألمانيا الآن .،ومنذ ذاك الحين أي منذ سبع سنوات تقريباً ، احتضنت الشعر بكل حواسي ، وجعلت من روح مهدية سليم تتغلغل في كل حرفٍ أستمد من وحي الواقع في الكثير من نتاجاتها الشعرية ، والآن تتوق جداً لإدراج نصوصها في ديوان شعري في الفترات القادمة

 *ما أثر الثقافتين الكردية والعربية وانعكاسهما على تبلور شخصيتك كشاعرة وموسيقية؟

 الثقافة الكردية كانت الثقافة الأولى التي انتهجتها في بادئ البدء منذ صغري ، وذاك في سن العاشرة تقريباً بحيث تلقيت أسس التعليم فيها على يد رفيقة من كوادر حزب العمال الكردستاني وأصبحت رغم حداثة سني الصغيرة بارعة في الكتابة بها ، في زمن قلما كنت تجد فيه من  يتقن لغته الأم كتابياً ، وُطلب مني بعدها أن أهتم بتلقين أطفال الكرد في حيينا وفي أحياء أخرى دروساً في الأحرف الكردية .

وطبعاً كانت للثقافة الكردية الأثر الأكبر في تدويني للعديد من الأشعار بالكردية ، وتلحينها بعد إتقان العزف والاهتمام بالمجال الفني الغنائي ، وإلى الآن لا زلت أكتب في كثير من الأحيان بلغتي الجميلة ، اللغة الأم التي لا غنى للإنسان عنها.،أما الثقاقة العربية ، فأعتقد أنني احتضنتها حد البلاغة ، برغم عدم إكمالي لدراستي .،لكنني كنت دوماً وبكل تواضع ، الطالبة المجدة في اللغة العربية ، من شتى النواحي ، فبرعتُ فيها نحوياً وإملائياً .،ولا سيما النصوص الشعرية فقد كنت أجيد شرح أبيات القصيدة كثيراً ، وكانت معلمتي تقول لي مراتٍ عديدة أنا أستمتعُ بشرحك دائماً .،لذا فالثقافتين الكردية والعربية لهما الفضل العظيم في تبلور شخصيتي في مجال الفن الغنائي على الصعيد الكردي ، وفي إتقان موهبة الشعر وكتابة الخواطر الشعرية والأقوال وغيرها بإسلوب سلس قيل لي على لسان الكثيرين ممن اطلعوا على أشعاري .

لأني فعلاً أعتمد السلاسة في التعبير وعدم التضليل والخلط ، حتى يستطيع الشخص البعيد أيضاً عن

قراءة الشعر والاهتمام به ، أن ينجذب إلى ما أكتبه ويحبه ويهتم به .

 *لا شك أن المرأة لا تزال تعاني العديد من المعوقات التقليدية التي تقف بطريقها في كل مكان, هل

هل يمكن للعوائق أن تخلق تحدياً أم انتكاسة؟

 للأسف الشديد تخلق انتكاسة ،وخيبتي في من هم لكَ قومٌ ، يأخذونك على حين غرة ، ويوقعونك في شباكِ ، تجعلك تطلب موتاً في ضيقها ألف مرّة .،أنا أيضاً من نلت الحظ الأوفر من هذه التقاليد العفنة المستبدة بعقول الكثيرين وإلى الآن .،وكان ذلك أثناء عشقي للفن الغنائي ، وحالت تلك التقاليد إلى إبتعادي عن الفن ، وتقوقعي على نفسي لفترةٍ من الزمن .،لكنها أيضاً خلقت في داخلي شيئاً من وميضِ قوةٍ خفية ، بدأت تتأجج نيراناً في حنايا التفكير والروح ، وجعلتني أرسم لنفسي منحىً آخر ، بأن أتطور إلى أبعد من ذلك ، أن أخلق لنفسي مجالاً آخر يجعلني لا أبارح الطموح ، ويجعلني متمسكة بناصية الأمل ، إلى أن أرسم لي نجمة تسطع في عالم المعرفة ، والإبقاء على القلم نابضاً بين الأنامل يرسم الجميل ويتفنن بالإبداع ، رغم كل الخطوط الحمراء التي خلقت أمامه بيد من لم يقدر موهبة الفن الغنائي الكردي الأصيل ، ليصبحوا رهناً بتقدير الشعر وتوابعه .،قائلةً : وهل كتابة الشعرِ أيضاً من اللاأخلاقيات ، لا أظن ، إذاً فلتصمتوا ، فقد بدأت حربي مع تحقيق الغاية مجدداً ، في ساحات القصيدة والخاطرة الروحية،

*ماسر توغل الحزن والكآبة الذاتية في لغتك الشعرية , هل يعود ذلك لطبيعة الحياة الذاتية , أم كون

الشعر لا يخرج إلا بصفته نبع الحزن؟

لم أحظى بالسعادة الحقيقية في حياتي بمجملها ، وقد يبدو للبعض ما ذكرت من انتكاسات من ناحية الدراسة ، والفن الغنائي ، شيئاً لا يستوجب الحزن لأجله ، والتقوقع في محراب اليأس ، لكنهما كانا بمثابة رمحين في القلب والظهر ، ولا سيما أن السبب الذي حال دون إكمالي لدراستي ، كانت مجرد بطاقة تذكرك بأنك كائن في البلد الذي كنت تعيش فيه ، وطبعاً لم يكن لدي حتى اسم في الدولة ، حالي حال الكثيرين ممن أنفقوا العلم في دوائر مغلقة ، وإلى اللحظة ،  وانتكاستي في الفن الغنائي الذي جاء بعد انتكاسة العلم ، وفي التوقيت الذي أصبحت تلك الموهبة بمثابة تعويض للأزمة الداخلية المشتعلة بين جوانحي ، قدمت لي كلمة ( stop ) في اللحظة الحرجة ، فضاقت بي الدنيا ، وتشوهت صورة الحب في ناظري ، وأصبحتُ لا أطيق حتى النظر في ملامحه الجميلة ، في الماضي البعيد القريب ، البعيد لأنني أود لهُ الزوال ، والقريب كوردةٍ مرشوشةٍ ببخاخ السموم ، جذبتني شكلاً ، وقتلتني مضموناً ، لذا لا أرى لذةً في كتابة قصيدة ، إن لم أضف إليها بعضاً من ملح الأحزان وحموضة الواقع الذي تسرب إلى مكنوناتي الروحية ، فاستحكم بها ونال منها إلى أبعد الحدود

 

*لتحدثينا عن الرجل في شعر الشاعرة مهدية سليم , هل تجلى كمصدر ألم أم أمل لديها؟.

 الرجل الشرقي بالمعنى العام ، يقصمُ ظهرَ الأنثى  بنظراته الدونية لقدراتها ، ولا سيما إن تفوقت عليه في الكثير من المجالات .،هذي حال الإناث في مجتمعاتنا الشرقية المتمسكة بعقلية تحرير الرجل وتقييد الأنثى ،لذا صديقي المعرفي ، فلا فضل لرجل عليّ ، والرجل متى قدس الأنثى ، نال القدر الكافي من مهدية

سليم ، من جزيل التحايا والتبجيل لمشاعره النبيلة .

 *هل نجحت في إدماج الشعر والموسيقا عن طريق الأغنية , أم أن كلا الفنين يختلفان في كيفية

ولوجهما ذات المتلقي؟

إلى حدٍ ما ، نعم،فقد نالت أغاني أثناء مشاركتي في احتفالات نوروز وغيرها ، الكثير من الثناء من الجمهور الكردي ، وإلى الآن ، فحتى في المجتمع اللبناني الذي أعيش فيه الآن ، نالت أغاني التي كنت أرددها في بعض الأمسيات مع جيران الحي ، التفاتةً جميلة منهم .

والفنان الذي أعطيته ما كان بحوزتي من أغاني ، أحبّها كثيراً شعراً ولحناً ، وهو الآن بصدد تسجيلها وإدراجها في ألبوم غنائي ، .لكني لا أخفي بأن جمهوري في القصيدة أكبر ، وطبعاً ذلك لأنه لم تسنح لهم فرصة سماع مهدية سليم ، فلربما أصبح الحديث في تحديد الجمهور لكليهما ، أمراً آخر .

 *ما سر قلة كتاباتك باللغة الأم الكردية, مقارنة بالعربية , وهل للغة واختلافها تأثير على مضمون الأدب؟

 صديقي العزيز ..،السر حول قلة كتاباتي باللغة الكردية ، يكمن في عدم اهتمام المحيط بها ،، ومن كان يطلب منهم إيجاد معجم باللغة الكوردية ، ولم يعيروا أيَّ إهتمام بها في ذاك الوقت ، للغاية في أن تكون القصيدة الكردية أثقل كلمة وأعمق معنى ، ولا سيما بعد أن تلقيت الأمر بترك المجال الفني ، فذلك خلق لدي بعضاً من التمرد حيال الاستمرارية في كتابة الأشعار بلغتي الأم ، لكني سأبقى أعشقها فهي جزء لا يتجزأ من شخصية مهدية سليم .

وأيضاً لا أخفي محبتي للأدب العربي وتعلقي به كثيراً ، لأني أرى ذات مهدية سليم يتجلى في القصيدة باللغة العربية أكثر من الكردية ، لأنني أشعر بأني أجيد رسم الأخيلة أكثر  بالكلمة العربية ، وجعل اللوحات التعبيرية أكثر تماسكاً وجمالاً .

*الشاعرة المعرفية مهدية سليم سعدنا جداً بحوارنا معك ونرجو أن تمضي قدماً في مسيرة الإبداع

والتألق , كلمة أخيرة تودين توجيهها للقراء والقارئات , ولتجمع المعرفيين الأحرار؟

 أنا الأسعد جداً صديقي المعرفي ، ريبر هبون المتألق في ربى المعرفة والكلمة الصادقة .

بفتح هذا المجال القيِّم أمامي ، لأختصر حياة مهدية سليم ، الشاعرة التي سلكت دروب القصيدة ، وجعلتها  الروح المشتركة بين واقعها وخيالاتها ، ولتشارك قُراءَها الكرام ، كلمتها ونبضها ، وتدرُّ بأحاسيسها على سفوح الصفحات ، وتعانق القلوب المرهفة ، لتصبوا إلى بعض غاياتها النبيلة ، في السمو إلى منابر العلم ، وتحدي المستحيل ، بالسعي النبيل .

ولتجمع المعرفيين الأحرار أقول:

دمتم ذخراً لأبناءكم ، دمتم شمساً ساطعة ، تتصدر وجه الصفحات ، تملؤها دفئاً ، وتبعثُ في ثنايا البائسين أملاً يتوج بالإنتصار في معارك الذات والحيلولة دون الوقوع في شرك اليأس ، بفتح المجالات والحوارات القيمة ، التي تناشد العزائم

المتخاذلة إلى النهوض والاستمرارية في التقدم أكثر لنيل الغاية وتحقيق الرغبة ، لكل معرفي ومعرفية . شكراً جزيلاً

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

  • ريبر هبون – (ريبر عادل أحمد)
  • كاتب كوردستاني (سوري)
  • مواليد مدينة منبج- 1987م
  • صُدر له:
  • صرخات الضوء
  • أطياف ورؤى
  • وأعمال أخرى لم تطبع بعد:
  • الحب وجود والوجود معرفة
  • دلالات ما وراء النص في عوالم الكاتب السوري محمود الوهب
  • مجموعة شعرية باللغة الكوردية (şanoya Hestan)
  • عمل على تحرير صحيفة الحب وجود والوجود معرفة الالكترونية
  • له عشرات المقالات والدراسات الفكرية والأدبية
  • البريد الالكتروني:hebun@gmail.com

 16387031_1800760720188874_5849185434267960106_n

 

 

 

 

أضف تعليق