إرهاصات ثورية في الشرق الأوسط ، ابراهيم مصطفى كابان،قراءات استراتيجية

لتحميل الكتاب:
https://www.4shared.com/web/preview/pdf/-5xZJB8Ygm
أو:

لزيارة معرض الكتاب الالكتروني ، جناح دار تجمع المعرفيين الأحرار:
http://eb-gallery.wixsite.com/ebook/jnah-dar-tagamoa
لقراءة الكتاب: تابع للأسفل

اسم العمل : “إرهاصات ثورية في الشرق الأوسط

اسم المؤلف : ابراهيم مصطفى (كابان)

نوع العمل : قراءات استراتيجية 5

رقم التسلسل : 44

الطبعة: الطبعة الالكترونية الأولى-3 حزيران – 2018م

تصميم وتنسيق ومراجعة : ريبر هبونالناشر: دار تجمع المعرفيين الأحرارالالكتروني

جميع الحقوق محفوظةللمؤلف

حقوق نشر الكتاب محفوظة للمؤلف والنسخة الالكترونية ملك لدار تجمع المعرفيين الأحرار الالكتروني

https://reberhebun.wordpress.com/

لنشر أعمالكم يرجى الاتصال بـ :

reber.hebun@gmail.com

2

ابراهيم مصطفى (كابان)

إرهاصات ثورية في الشرق الأوسط

قراءات استراتيجية

3

اسم الكتاب

© إرهاصات ثورية في الشرق الأوسط ( 1 )

( “5” قراءات إستراتيجية)

التأليف

إبراهيم مصطفى ( كابان )

© حقوق الملكية الفكرية محفوظة للمؤلف.

© يســـــمح لجميع دار النــــشر الورقية والإلكترونية طباعة ونشر

الكتاب شريطة الحصول على الموافقة الرسمية من المؤلف.

(ibrahimkaban2015@gmail.com)

© جهة النشر:

دار تجمع المعرفيين الأحرار والموقع الجيوستراتيجي

www.geo-strategic.com

© نشر إلكترونياً بتاريخ 6 حزيران 2018

4

أُهدي ثمرة جهدي هذا

إلى المقاومة التحررية في روجآفا

وقديسات وقديسي ( YPG.YPJ )…

5

فهرس الكتاب

المدخل المعرفي

القراءة الأولى

بوابة روجآفا ” .. لتصحيح العلاقة بين الغرب والشرق الأوسط ..

  • تاريخية الصراع بين الغرب وشرق الأوسط
  • دائمية المنقذ الغربي وتطور الصراع
  • اللعب على التناقضات العرقية والدينية
  • وجه الأحداث وتحولاته الجيوسياسية
  • التغطية والسلاح مقابل النفط والهيمنة
  • صيرورة التحكم بالشرق الأوسط

  • النموذج السوري بين المصالح والحلول
  • تصحيح العلاقة بين الغرب والشرق الأوسط من بوابة ثورة روجآفا

القراءة الثانية

أسطورة الداعش بين الصعود والسقوط

  • لعبة الإستخبارات الإقليمية الحرب الخاصة
  • أبو القعقاعوإدارة الاستخبارات السورية للجماعات المتطرفة في العراق وسوريا..
  • الدور الإيراني – التركيفي إدارة الجماعات العراقية المتطرفة
  • المسببات السوسيولوجية لظهور التطرف
  • تطور الداعش من تنفيذ العمليات الإرهابية إلى السيطرة على المساحات ..؟
  • المخطط الداعشي
  • ماهية الأهداف التركية في إستخدام الداعشضد الإدارة الذاتية الديمقراطية
  • مرحلة تطبيق الحصار على روجآفاما قبل الداعش
  • الداعش التركي ومستنقع كوباني

القراءة الثالثة

الأسباب الإقليمية والدولية التي ساعدت تركيا في إحتلال مقاطعة عفرين..

  • تركيا
  • تقاطع المصالح بين الروس والأتراك نتيجة للتنافس الأمريكي الروسي في سوريا
  • هل ثمة خلاف إيراني روسي أو منافسة تركية إيرانية في الأفق ؟

6

القراءة الرابعة

ماهية الأحداث السورية بين المصالح والتقسيمات

  • التقسيمات الجيوسياسية في سوريا
  • الخليج العربي وإحتمالية التوجهات الجديدة في سوريا
  • الصراع على النفوذ 
  • التقارب التركي الإيراني دافعاً لتوجه السعودية إلى روجآفا

القراءة الخامسة

تركيا بين فكي الدولة العميقة والحركات الإسلامية المتوحشة

  • حقبة الانقلابات العسكرية في تركيا
  • انقلاب 1993 وجرائم الدولة العميقة /إرغينكون/
  • انقلاب 15 يوليو 2016
  • النتائج العملية وتصفية الخصوم وعملية التزاوج بين القوميين والعلمانيين وحزب العدالة والتنمية..
  • إسلاميو تركيا بين مطرقة الجيش وسندان العلمانيين
  • صعود الإسلاميين والسيطرة على مقاليد الحكم
  • تعقيدات الصراع وطبيعة الصدامات
  • الدولة العميقة والكيان الموازي والجماعات الرديفة لحزب العدالة والتنمية
  • الكيان الموازي
  • الدولة العميقة

مكتبة المراجع

7

المدخل المعرفي

  • التاريخ يعيد نفسه بين روسيا والولايات المتحدة، وتعيدنا الأحداث إلى ما بعد الحرب العالمية الثانية، حيث تم تقسيم ألمانيا إلى دولتين إحداها تابعة للاتحاد السوفيتي والثانية لأمريكا وحلفائها.. وكذلك تقسيم الكوريتين بين جنوبية وشمالية، واصطفاف دول العالم على الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي بعد أن كانتا متحالفتين معاً ضد ألمانيا النازية.
  • حيث الحرب الأهلية السورية التي لم تقل أحداثها ومجرياتها عن الحرب العالمية، وإن كانت بأدوات ومواجهات جديدة ووتيرة مختلفة ، إلا أن الواضح من المشهد وقوع حرب عنيفة على كافة المستويات، وأجزاءٌ كبيرة منها جرت بالوكالة، لحجم الدول المشاركة فيها سواءٌ مع التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة أو التي تتحالف مع النظام السوري وفي مقدمتها روسيا وإيران.
  • صنعت تركيا وإيران منظمة الداعش من المجموعات المتطرفة في العراق وسوريا، واتفقت الولايات المتحدة وروسيا على إطلاق يدها للتوسع في سوريا، ومن ثم أعلنوا محاربتها لتثبيت نفوذهما، فاستفاد منها النظام السوري للتخلص من المعارضة المسلحة، بينما استخدمتها تركيا لغزو المنطقة الكردية في سوريا والعراق، مما نتجت عن الأحداث تغييرات جذرية على الأرض وفي مقدمتها وضع كردي في شمال سوريا، ومناطق نفوذ للنظام والطائفة العلوية بعد إجرائها لتغييرات ديموغرافية في المحافظات الذات الغالبية السنية، ومناطق صغيرة موزعة بين فعاليات عسكرية تتبع لتركيا وقطر.
  • سوف تتقلص النفوذ الإقليمية في سوريا لصالح القوى الكبرى، ولعلَّ رهان الولايات المتحدة وروسيا لأجل توسعة نفوذهما على صراع القوى المحلية التي أصبحت جميعها بحكم الظروف أدوات تنفيذ لمشاريعهما، وهو ما يؤكد لنا تقسيم سوريا إلى منطقتين رئيسيتين شرقي الفرات وغربها كإحدى النتائج الطبيعية للحرب الأهلية السورية.
  • وهيمنة القوة الكبرى على الحدث السوري كان كفيلاً بتقليص النفوذ الإقليمية، فتوسع الكرد قوات سوريا الديمقراطيةحلفاء الولايات المتحدة والغرب كان على حساب منطقة نفوذ منظمة الداعش المدعومة من تركيا، بينما مناطق سيطرة حلفاء روسيا نظام الأسدوالميليشيات

8

  • الشيعيةكان على حساب المجموعات المتطرفة والعنصرية جبهة النصرة – أحرار الشام – جيش الإسلام – والكتائب العنصرية المدعومة من قبل تركيا – قطر .
  • بحكم تصارع هذه الأحداث وتشعباتها يمكن فهم عملية توجه جميع القوى المحلية التي تتبع للنفوذ الإقليمية إلى الزوال، لأنها مجرد أدوات بيد تلك القوة، وبذلك لا يمكن ان تتوقف أو بمعنى آخر مجابهة نفوذ القوى الكبرى، مما يرجح عودة المعارضة السياسية والمسلحة إلى حضن النظام والاستسلام لإرادة النفوذ الروسية، أو البقاء مجرد روبوتات يتم استخدامهم من قبل تركيا ضد الكرد في سوريا.
  • ستريح روسيا نفسها من الوجود الإيراني في سوريا بعد أن استخدمتها ضد المجموعات المسلحة، والمحاولات الإيرانية في بسط سيطرتها على النظام على حساب النفوذ الروسية، وسوف تستخدم روسيا إسرائيل والأمريكيين والخليج العربي في إخراج إيران من سوريا، بينما سيحول إيران وجهة ميليشياتها إلى أماكن أخرى قد تكون اليمن أو السعودية.
  • كردياً تم تقسيم منطقتهم بين شرق الفرات وغربها حيث الشرقية برعاية أمريكة وحمايتها، ومن الطبيعي سيكون أكثر تطوراً من الناحية وجود الحماية، بينما سيكون الجزء الغربي منه جزء من السمسرة الروسية مع تركيا ضمن مصالح الطرفين.
  • شَكلَ حلف الناتو خلال السنوات الماضية قلقاً كبيراً للمصالح الروسية في آسيا وأوروبا، ويمكن تصور ذلك من خلال نشر الترسانة الدفاعية والهجومية حول روسيا في دول أوروبا الشرقية، والوجود الأمريكي الأوروبي في أفغانستان ومصالحهم في باكستان والهند، وصولاً إلى كوريا واليابان، وهو ما شكل كابوساً للمصالح الروسية في العالم، بينما لعبت تركيا دور الشرطي تحت الطلب لمصالح الناتو خلال العقود الماضية، ومساهمتها في ضرب طوق الحصار حول روسيا ومنعها من التمدد نحو الشرق الأوسط ومنابع النفط والغاز في الخليج العربي والعراق.
  • إن خلق بؤر التوتر في الشرق الأوسط تساعد الشركات الأمريكية والأوروبية والروسية في بيع منتوجاتها الحربية باستمرار، وهذا يعني إن تمكن الروس من استمالة الأتراك وتوظيفهم لكسر جدار

9

  • حلف الناتو سيكون بمثابة إنجاز تاريخي للمصالح الروسية التي سوف تنطلق نحو تمديد نفوذها في الشرق الأوسط. والظروف الملائمة لذلك توفرت بعد التدخل الروسي في سوريا ونجاحها بجذب الأتراك لصالح مشاريعهم الخاصة في المنطقة مقابل تامين المطالب التركية في منع أي تطور للقضية الكردية شمال سوريا، وإن كانت تلك الخطوات تمت دون القطيعة الكاملة مع الولايات المتحدة.
  • الأتراك وجدوا في روسيا أكثر استجابة لتنفيذ مخططاتهم ضد التطورات الكردية الحاصلة في الشمال السوري، مقابل تسليم مناطق سيطرة المجموعات المسلحة للنظام وسحب تلك المجموعات إلى شمال غربي سوريا واستخدامهم ضد الإدارة الذاتية الديمقراطية، إلى جانب خلق مزيداً من التنافر بين الأتراك والغرب، وإبعاد تركيا عن الولايات المتحدة، وجعلها شرطياً روسياً في الشرق الأوسط، بعد تحويل سوريا إلى منطقة سمسرة وعقد صفقات مع أية قوة تؤمن لروسيا مزيداً من بيع منتوجاتها العسكرية، وتوفر لها الوجود الدائم في البحر المتوسط والاستحواذ على الغاز والنفط في الساحل السوري، ومسألة المرور بين البحر الأسود والمتوسط.
  • في شرقي نهر الفرات لم تتوفر الأجواء الجبلية المناسبة لردع أي هجوم تركي واسع على شمال سوريا إذا اقتصر وجود قوات سوريا الديمقراطية فقط داخل المناطق الحدودية، لهذا كان لا بد من التوسع نحو الجنوب عمق حوض الفرات ، بالإضافة إلى ضرورة إبعاد منظمة الداعش عن المنطقة الكردية، بحكم إن المخططات التركية الرامية إلى تدمير روجآفا تنوعت بين الهجوم من الشمال والجنوب والغرب، وضرب طوق الحصار من الشرق، وهذه العوامل الأمنية والسياسية كانت كافية لبناء توافق كردي مع الأهداف الأمريكية في المنطقة، وكان التوجه نحو منبج والرقة ودير الزور نتيجة طبيعية لهذه القراءات الجيوسياسية حتى يكون هناك عمق ومساحة لسيطرة قوات سوريا الديمقراطية، لا تتأثر بأي محاولات تركية في محاربة الإدارة الذاتية الديمقراطية.
  • الفرنسين والبريطانيين أكثر المتضررين من الوجود الروسي في سوريا، وجاء تدخلهما إلى جانب الولايات المتحدة للحفاظ على مصالحهم في البحر المتوسط والخليج العربي. والسعي الأمريكي

10

  • لتحقيق ذلك تم لسد التمدد الروسي المتمثل بثلاث عناصر جيوسياسية:
  • الميلان التركي إلى النفوذ الروسية والتسبب بخرق حاجز حلف الناتو من بوابة البحر المتوسط.
  • التمدد الإيراني وسيطرته على أربع دول عربية.
  • تشكيل خطر على منابع النفط والطاقة التي تزود تلك الدول بمبالغ كبيرة والطاقة مقابل بيعها لكميات كبيرة من الأسلحة إلى الدول الخليج العربي والشرق الأوسط.
  • أي بمعنى أن المصالح الأوروبية الأمريكية تدخل في خانة التعرض للتهديدات إذا لم تزيد نفوذها في الشرق الأوسط من البوابة السورية. ولعلَّ المناطق الأكثر تهيئة بالنسبة لهذه القوة هي الشمال السوري، حيث استطاعت الولايات المتحدة الأمريكية تهيئة الأرضية الملائمة لاتخاذ هذه القوة منطقة نفوذ لها هناك، بغية تشكيل سد أمام التمدد الإيراني والروسي، وتحجيم الأطماح التركية التي تتحقق من خلال زيادة النفوذ الروسية على حساب المصالح الغربية والأمريكية. مما نعطي أرجحية بقاء هذه القوة بشكل دائم في سوريا إذا لم تتراجع روسيا عن مخططاتها التوسعية.
  • الهم الروسي تمحور حول إعادة هيمنة النظام إلى إدلب وبسرعة قصوى ودون خسائر، وهو بالضبط ما تحققه تركيا لها، مقابل تخلي الروس عن دعم الكرد غربي نهر الفرات. من طرف تعاهدت تركيا بتصفية المعارضة المتطرفة في إدلب بيد المعارضة التي تسميها المعتدلة، وبذلك تسلم إدلب إلى النظام خلال مراحل، ويتم تصفية المتطرفين هناك، وتضعف المعارضة السورية تماماً لتحول إلى ميليشيات خاصة بالأمن القومي التركي في محاربة أي تطور كردي في سوريا، ولعلَّ تنفيذ مشروع التهجير القصري للكرد من المنطقة الممتدة بين جرابلس وعفرين وتوطين العرب والتركمان والمجموعات المتطرفة بغية إجراء التغيير الديمغرافي لقطع الطريق أمام سيطرة الإدارة الذاتية الديمقراطية، تم بموافقة روسية
  • والمجتمع الدولي لإرضاء تركيا.
  • تركيا بذلك تخلصت من التمدد الكردي غرب الفرات، والنظام يقضي على المعارضة ويكسب آلية جديدة للضغط على الكرد، فيما روسيا لاتفرق معها كل هذه العملية سوى إعادة سيطرة النظام على

11

  • كافة سوريا، والطرح الروسي للوضع الكردي مجرد حقوق ثقافية ضمن سيطرة النظام السوري، وهو هدف يتفق معه الايرانيين والنظام والأتراك أيضاً.
  • الأمريكيين بالنسبة لمنطقة الجزيرة وكوباني والرقة وشمال دير الزور واضحيين في قراراتهم وتحركاتهم، وهو حماية هذه المنطقة وجعلها إستراتيجية مستقبلية، إلا أن طبيعة العلاقات الأمريكية الإيرانية السرية، إلا جانب وضع التركي الإستراتيجي في الشرق الأوسط، وجدية الموقف الروسي في الحفاظ على النظام ومناطق سيطرته، ووجود كيان مؤيد ولوبي قريب من الأتراك في واشنطن لديه توجه في إبقاء الشرق الأوسط تحت نير الانظمة الاستبدادية، واستمرار الحروب البينية دون حلول التي توفر لهم أرضية مناسبة في بيع منتوجاتهم الحربية، وطبيعة الدعم الإسرائيلي للتوجهات الروسية، إلى جانب بوادر إستمرارية الدعم الأمريكي لقوات سوريا الديمقراطية، وقيامها بعمليات الحظر الجوي والبري لمنع الأتراك والروس والنظام في التقرب من وسط وشرق روجآفا –  شمال شرقي سوريا، وإبعاد بعض الدول الخليجية عن الأتراك، وإجراء تقارب بين الخليج وإدارة روجآفا شمال سوريا، يوضح لنا الخيار الأمريكي الإسترايتجي في دعم الإدارة الذاتية، إلا أنها لا تريد بنفس الوقت فتح جبهة مع الرباعي الروسي الإيراني التركي السوري في ظل الهيمنة الإيرانية على بغداد، والهيمنة التركية على أربيل، والهيمنة الإيرانية على أجزاء هامة من الخليج العربي ولبنان، وجر الأتراك إلى المثلث الروسي، لإستخدامها ضد المصالح الأمريكية، وهو ما يخشاه الأمريكيين إن اتخذوا إجراءات رسمية وتحركات ضد الأتراك.
  • جميع هذه العوامل لها تأثيرها المباشر على الأحداث في ظل تأمين الإيرانيين للأمريكيين التغطية الكاملة بالسيطرة على الخليج العربي، فالشركات الغربية والأمريكية للاسلحة من خلال الضغط الإيراني والتلويح بحرب سنية شيعية توفر للغرب بيع اسلحتها للخليج العربي، وبذلك يتضح لنا طبيعية الخدمات الإيرانيين الكثيرة للأمريكيين والإسرائيليين، ويوفر بذلك للإسرائيليين إلهاء الدول الخليجية الغنية بالخوف من التمدد الإيراني، ودفعها تلك الدول للتقرب من إسرائيل.
  • يمكن فهم مسألة التوجه الأمريكي لدعم القوى الكردية ضد أنظمة الشرق الأوسط تدفع بهذه الأنظمة

12

  • إلى تسليم نفسها تماماً للأمريكيين، وهو ما يؤمن لهم التغطية الأمريكية في عدم دعم الكرد بشكل مباشر وفوري، وعدم فتح جبهة ضد هذه الانظمة من أجل القضية الكردية، والتوظيف الروسي للأتراك في سوريا يأتي في هذا السياق. وأيضاً الصمت الأمريكي عن التدخل التركي في شمال سوريا جاءت نتيجة لتلك التفاهمات.

13

القراءة الأولى

بوابة روجآفا ” ..

لتصحيح العلاقة بين الغرب والشرق الأوسط ..

عندما أستخدم الخبير الإستراتيجي في البحرية الأمريكية ألفريد ثاير ماهان عام 1902 مصطلح الشرق الأوسط كانت الغاية منه تحديد الدول والحضارات الموجودة ضمن المنطقة الواقعة شرقي البحر المتوسط، والتمييز بين الهند والجزيرة العربية. وأول من أستخدم هذا المصطلح ضمن نطاق محدد الإستعمار البريطاني للهندفي خمسينيات القرن التاسع عشر. بينما عرّف المستشرقين والمكتشفين الجغرافيين الشرق الأوسط بـ مهد الحضارات الإنسانية“.

وتقع هذه المنطقة على صفيح من الثروة النفطية تعتبر الأغنى عالمياً، والمزود الرئيسي للدول الكبرى أوروبا روسيا اليابان الولايات المتحدة الأمريكية، حيث يقدر إنتاجها بـ 65% من إحتياطي النفط العالمي، وتجاوز إستحواذها على السوق مع بداية القرن الواحد والعشرين ثلث الإنتاج العالمي من النفط.

ولعل إكتشاف هذه الثروة مع بداية القرن العشرين دفعت بالإستعمار إلى إجتياح الشرق الأوسط ووضع خطط ومشاريع من شأنها تمكنهم الاستمرار في الاستفادة من هذه الثروة، فكانت إجراءات التقسيم وتأسيس الكيانات وطبيعة التفاهمات مع القوى المحلية آنذاك في الشرق الأوسط إحدى الإستراتيجيات التي أتخذتها الدول الغربية أثناء إستعمارها وبعد جلائها في تمكين تأثيرها وسيطرتها المستمرة.

فللشرق الأوسط أهمية إستراتيجية كبيرة جداً بين المناطق المحيطة بها، فهي حلقة وصل أو جسر بين دول وقارات العالم.

تقول مهندسة فكرة الفوضى الخلاقة كوندليزا رايس مستشارة الأمن القومي ووزيرة الخارجية الأمريكية في عهد بوش الابن : إن الوضع الحالي في الشرق الأوسط ليس مستقراً، وإن الفوضى التي تنتجها عملية التحول الديمقراطي في البداية هي فوضى خلاقية ربما تنتج في النهاية وضعاً أفضل من الذي

14

تعيشه المنطقة.

وإذا ما نظرنا إلى الوضع العراقي والسوري بالإضافة إلى التطورات في تركيا، سنجد إن العملية بدأت مع حرب تحرير العراق وتقسيمها داخلياً بين الشيعة والسنة والكُرد، ومروراً بما نتجت عنها الثورة السورية من التقسيم الداخلي بين الكرد والعلويين والسنة. وصولاً للتطورات الداخلية التركية التي بدأت فعلياً التوجه نحو تبلور انقسام داخلي بين الكرد والأتراك. وتقود هذه الأطراف حروباً عنيفة أدت إلى حالات الإنقسام.

وبما إن الامتداد السني والشيعي والكُرديفي المنطقة توحد الدول الأربعة جغرافياً العراق سوريا تركيا إيران فإن الحدود القائمة بين هذه الدول انتهت فعلياً نتيجة لعملية الفوضى الخلاقة، ونموذج الداعشي تطور من الفوضى الخلاقة إلى المتوحشة الذي غير جميع الموازين في الشرق الأوسط وأنهى الحدود المصطنعة بسرعة فائقة.

وأجرى البروفسور تماس بارنيت أحد أهم المحاضرين الرئيسيين في وزارة الدفاع الأمريكية بعض التجديدات على نظرية الفوضى الخلاقة تحت مسمى (الفوضى البناءة) فقد لخص رؤيته لما كان يعرضه في البنتاغون من خلال دراسته التي أعطاها عنوان(خريطة البنتاغون) المنشورة عام 2004 وحدد بارنيت الشرق الأوسط كمنطقة للبدء بتطبيق الإستراتيجية الجديدة.

وهذا يعني إن سايكس بيكو عملياً انتهى لأن شعار الفوضى الخلاقة وإعادة ترسيم المنطقة من جديد قد تقضي كلياً على الحدود المصطنعة.

تاريخية الصراع بين الغرب وشرق الأوسط

ظلت القوى الغربية المتصاعدة تترنح في السيطرة بأساليب متعددة على الشرق بغية تأمين تبعيتها النهائية، وجعلها منفذاً لتكريس حاكميتها الخارجية وداعماً لسيطرتها الداخلية، وبوابة للتوسع، مما تكون مناخاً وبيئة مساعدين في عملية دمج بين مركز الحكم والترعرع من خلال قوى محلية اخفقت رغم كل محاولاتها لتحرير وجودها من الهيمنة. ولعل العوامل الإجتماعية والدينية كانت لها الدور البارز في خلق مقاومة وآليات الدفاع بوجه الإمتدادات الغربية، ومن ثم تبلورت أدوات الهجوم وتمتعت بحاضنة وبيئة

15

شعبية في عملية قطع أواصر الأساليب التي أستخدمتها القوى الغربية قبل ثورتها الصناعية. وبدورها أوجدت ذلك إمكانيات هيئت للقوى الغربية الأجواء المناسبة في العودة للشرق تحت وطأة التفوق الصناعي وأدوات القتال.

يفهم من خلال حجم المحاولات الغربية للسيطرة على الشرق حيوية هذه المنطقة وحجم تمتعها بأساليب الجذب لإستمالة القوى المتصاعدة على المشهد في أوروبا، لا سيما وإن بوابة شرق البحر المتوسط تضمن لها إمكانية التمدد نحو عمق القارة الأسيوية. وهذا ما سنجده في محاولات أسكندر الكبير (356 -323 ق.م ) وتوسع عملياته الحربية ما بعد بلاد الكرد والفرس، مرفقة بطاقم من المؤرخين والخبراء العسكريين الذين رسموا صورة مشرقة وملامح الجذب لشرق البحر المتوسط في بلاط الحكم بأوروبا، لتصبح بعد ذلك مسألة السيطرة على هذه المنطقة جزءً من الخطط والسياسات المفروضة، بعد أن تطور عمل المؤرخين إلى أجيال من المختصين ( المستشرقين ) في تدوين جميع الظروف حول الشرق وتجميل صورتها أمام أنظمة الحكم في أوروبا.

وامام المحاولات الغربية للسيطرة على الشرق ظهرت بوادر قوى قلدت تلك الذهنية في التوجه نحو الغرب أيضاً من بوابة أسبانية سنة مع بداية القرن السابع الميلادي وذلك بعد قيادة الأمازيغ للحراك الإسلامي التوسعي، فيما جاءت المحاولة الثانية على يد السلطنة العثمانية التركية ومحاولة التوسع نحو مناطق شرقي أوروبا إبتداء من أواسط القرن الثالث عشر. ولعل أخفاق كلا التجربتين بسبب العوامل الثقافية والإجتماعية برزت التفوق الغربي وتعامله مع الغزوات القادمة من الشرق.

فيما جميع المحاولات الأخرى للشرق لمواجهة الغرب تندرج في إطار العمليات الدفاعية لإجلاء الهيمنة الغربية من الشرق، ويمكن فهم معارك الدولة الإيوبية بقيادة صلاح الدين في الربع الأخير من القرن الحادي عشرمن هذا المنظور، حيث يظهر لنا فصلاً مهماً لطبيعة المحاولات الغربية في السيطرة المستمرة على الشرق مقابل تطور الدفاعات الإجتماعية والثقافية لدى ذهنية الشعوب في الشرق وترجمته إلى تحركات عملية في مواجهة الغرب ضمن إطار حرب الدفاع المشروع امام الهيمنة المفروضة من الخارج.

فقد كانت المناطق الشرقية من البحر المتوسط ساحة لعمليات الكر والفر ومركزاً للصراعات والحروب

16

بين الشرق والغرب على مر العصور، قبل ان يتفوق الغرب في المجال التنظيمي والإداري والسياسي بعد ان شهدت أوروبا ثورة صناعية بلغت مجدها أواخر القرن التاسع عشر. مقابل إستمرار السلطنة في ممارسة أبشع أنواع الظلم والتخلف بحق الشعوب، لتصبح مناطق سيطرته مرتعاً للتتريك وفرض قوانين همجية إلى جانب صعود التيارات القوموية إلى سدة الحكم، وهو ما دفعت بالشعوب إلى النفور وحالة إٍستياء نتيجة لممارسات السلطنة خلال أربع قرون.

دائمية المنقذ الغربي وتطور الصراع

شهدت أهم منطقتين في شرق البحر المتوسط حالة تمرد ومواجهات عنيفة بين السكان الاصليين وسلطنة الإحتلال التركي، بينما كانت إتحاد القبائل المللية الكردية تقود حرباً مفتوحة ضد النفوذ العثمانية، شهدت الجزيرة العربية حالة غليان ورفض لممارسات السلطنة في تحجيم سلطة القبائل، فتحولت المنطقة برمتها إلى ساحة عمل وتحرك أمام الاستخبارات الغربية التي قدمت خدماتها كمنقذ للشعوب في التحرير من الإحتلال التركي. مما تهيئت الظروف الإجتماعية والعسكرية لبريطانيا العظمى وفرنسا في تكثيف جهودهما من خلال إرسال رجال إستخبارات وخبراء الحرب وأسلحة لدعم تلك التحركات بناءً على إثارة العواطف القومية. ويمكن فهم هذه التحولات الجيو سياسية من خلال تكليف الضابط الاستخبارات البريطانية ( توماس إدوارد لورانس لورانس العرب “) في قيادة القبائل العربية وإثارتها ضد السلطنة، ليتمم الاستخبارات مهمة نجاح إنهاء دور السلطنة وتهيئة مناطق سيطرة للانتداب الفرنسي والبريطاني، وكانا نجمي هذه المرحلة رجُلي التخطيط الإستراتيجية ( سايكس و بيكو )، الذين وضعا أساس الكيانات الجديدة وتضمين تبعية الشرق الأوسط للغرب.

لم يكن بمحض الصدفة قيام بريطانية العظمى بإنشاء شركة نفطية الأنجلوفارسيةعام 1908 في إيران بينما كانت مخابراتها تدرب وتجهز القبائل في الجزيرة العربية للثورة ضد السلطنة التركية. ولا يمكن فصل ذلك عن التحولات الداخلية التركية بعد صعود التيار القومي إلى الواجهة لتدخل معها السلطنة مراحل التآكل والإنهيار، مقابل رفض بريطاني في تسليح الثورة الكردية بقيادة سمكو شكاكي داخل إيران، إلى رسم الحدود وإقامة كيانات جديدة تحت مسمى العراق – سوريا – تركيا على حساب تغيب الشعوب الأصيلة، في الوقت الذي عقدت عصبت الأمم لتكريس تلك التحولات في الشرق الأوسط.

17

إن التضحية بالوجود الكردي في الشرق الأوسط مقابل تأمين الصمت الفارسي التركي حيال سيطرة البريطانيين والفرنسيين على العراق وسوريا بشكل سلس، برزت في الاجتماعات اللاحقة بأوروبا، حيث كرست معاهدة سيفر التقسيم وفق سايكس بيكو، وتهرب عصبة الأمم عن مقرراتها في إقامة دولة كردية، وهو ما يمكن ملاحظته خلال الثورات التي انطلقت في الأجزاء الكردية الملحقة بالدول الأربعة إيران – العراق – تركيا سوريا “. مقابل عدم دعم الملف الكردي في إتفاقية باريس وفشل ممثلي الكرد أمام ممارسة الوفد التركي للخداع والتزيف وتغير الحقائق. وصولاً إلى هجوم الإنكليز والعراقيين على مملكة كردستان، إلى إخفاق ثورة شيخ سعيد البيران في الجزئين الكرديين الملحقين بتركيا وسوريا وصولاً بالقضاء على ثورة شكاكي في الجزء الملحق بإيران، ونجد من خلال عدم قبول البريطانيين والفرنسيين في إجراء العلاقات مع الثوار الكرد، بسبب إتفاقياتها البريطانية مع الإيرانيين والأتراك.

يقول مس بيل سكرتيرة الدائرة الشرقية للمندوب السامي البريطاني في العراق: إن أتفاق البريطانيين مع الإيرانيين كان سبباً في رفضنا تقديم أي دعم لثورة شكاكي.

ويمكن أيضاً فهم طبيعة التحركات البريطانية – الفرنسية أثناء مؤتمر إيطاليا – مدينة سان ريمو فبراير 1920 ” وعملية تقاسم نفط الجزئين الكرديين الملحقين بالعراق وسوريا، وقد جاءت في نصوص هذه الإتفاقية تقسيم الشركات الألمانية في العرق وسوريا بين البريطانيين والفرنسيين“. وهناك محاضر طويلة وموثقة بهذه الحقائق والوقائع في أرشيف وزارة النفط العراقية.

اللعب على التناقضات العرقية والدينية

الكيانات التي تأسست نتيجة لإتفاقية سايكس بيكو، وما تلتها من معاهدات حول تكريسها، أوجدت وحدات تتداخل فيها العديد من المكونات العرقية والدينية، وبدا ذلك أوضح ما يكون في حالات تركيا وسوريا والعراق وإيران، حيث تضم فسيفساء حقيقي من القوميات والمذاهب والطوائف كثيراً ما تتقاطع فيما بينها.

على مستوى القومي يعيش في هذه المنطقة العرب والكرد والترك والفرس وأقليات التركمان والسريان والكلد والأرمن والآشوريين والجاجان، فيما على المستوى الديني هناك المسلمون والمسيحيون

18

والإيزيديون واليهود، وتنقسم هذه الاديان إلى مذاهب وطوائف مختلفة كالسنة والشيعة والعلويين والدروز والكاثوليك والأرثوذكس.

فقد ساهم التقسيم على توزيع هذا الموزاييك العرقي والديني بين هذه الدول، مقابل دفع التيارات القومية إلى الصعود على المشهد داخل هذه الكيانات لممارسة الديماغوجية والعنصرية في إضطهاد الشعوب الأخرى، ومما لا شك فيه إن هذه الأوضاع أسست للعديد من التوترات الإقليمية، وهناك الكثير من الدراسات والكتابات الموثوقة التي تؤكد أن هذا الوضع كان مقصودًا من جانب البريطانيين والفرنسيين لخلق عوامل توتر دائم تمنع قيام علاقات إيجابية منتِجة ما بين هذه المكونات، لأن ذالك بنظرهم سيؤدي إلى شكل من أشكال التكامل والوحدة، وتسبب في فقدان الإستعمار لأدوات بقائه.

من هنا ندرك مدى أبعاد شعار فرق تسد وتطبيقها من قبل الإستعمار، وذلك لتمكينه من إحكام قبضته على المنطقة خلال إشعال الحروب الداخلية، وتفتيت المستعمرات إلى كيانات أثنية ودينية وطائفية وقبلية ضعيفة تفتقد إلى الاقتصاد ومقومات الدولة، وتدخل في صراعات دائمة فيما بينها.

وجه الأحداث وتحولاته الجيوسياسية

نتائج الحرب العالمية الثانية كانت كفيلة بتجزأة أوروبا إلى غربية وشرقية، ووضعها تحت الوصاية الأمريكية – السوفيتية، وبدء كل محور بتكريس وجوده ومصالحه داخل أوروبا، في الوقت الذي توفرت فيه الظروف الملائمة لترعرع التيارات القومية داخل بلدان الشرق الأوسط، وتمكنها من الاستيلاء على أنظمة الحكم، كما خطط له الإستمعار الفرنسي والبريطاني، وهو ما هيئت للقوى العظمى مسألة التحكم بها وتدويرها وفق أجندتها. وبما إن مسالة السيطرة على منابع النفط وأهمية منطقة الشرق الأوسط بالنسبة للمحورين، توجهت الأنظار الأمريكية والسوفيتية نحو دعم الهيكلية السياسية والتنظيمية لدول الشرق الأوسط بما رسم له البريطانيين والفرنسيين، تكريس الحدود، والتغاضي عن تجاوزات الترهيب والتنكيل للانظمة بحق الشعوب والمكونات المضطهدة، إلى جانب تحكم الأنظمة بالثروات، في عملية مد هذه الثروات إلى القوى الكبرى مقابل بقاء الانظمة وفق ما يتيح سهولة التحكم بها في المراحل المتقدمة. وقد كانت الأوضاع والتطورات في الشرق الأوسط جزءً من المنافسة الغربية السوفيتية خلال الحرب الباردة، ومعها أنتقلت النفوذ البريطانية – الفرنسية تلقائياً إلى مواقع تتبع للمصالح الأمريكية الأوروبية

19

المشتركة، بجانب تصدير الإشتراكية السوفيتية إلى دول الشرق الأوسط، لتصبح الصراعات متنوعة وأنظمة اكثر قمعية.

إن نموذج الصراع العربي الإسرائيلي، والحرب المستمرة ضد الكرد في المربع التركي العراقي الإيراني السوري، والصراع في اليمن والصومال، ونشوب الخلافات بين معظم الدول الشرق الأوسط، وإستمرار الملكية في دول الخليج، مع دعم تحركات نظام صدام الحسين، والإنقلاب الطائفي في إيران. جميعها كانت مؤشرات لقضايا ظهرت حقيقتها مع الحرب الخليج الأولى – العراقية الإيرانية في بداية الثمانينات القرن العشرين، وهي الحرب التي ساهمت في إستنزاف كلا الدولتين. وما أن أسدل الستار عنها بعد ثمانية أعوام أستنزف من خلالها كلا القوتين، الحقت بها الحرب الخليج الثانية بعد قيام العراق بإحتلال الكويت، والتي كانت بداية التواجد العسكري الأمريكي في الخليج، أمام أنهيار الاتحاد السوفيتي وألتهائها بالظروف الداخلية.

الحربيين الخليجيتين كانتا كافيتين لتأمين أمن إسرائيل أولاً، والسيطرة على الخليج العربي والعراق ثانياً، ودعم التمدد الشيعي في المنطقة ليصبح قوة مقابل الدول السنية ثالثاُ، وخلق بؤر تهديد وتوتر حول روسيا لإلهائها بمشاكل إقتصادية وعسكرية رابعاً. هذه العوامل الجيوسياسية هيئت للغرب بقيادة امريكا الأجواء العسكرية والسياسية المناسبتين في الترعرع داخل الشرق الأوسط، مقابل فرض الحصار على الروس في عدة نقاط، إبتداءً من تشكيل حلف إستراتيجي بين اليابان وكوريا الجنوبية، وخلق توازن عسكري بين باكستان والهند، إلى السيطرة على افغانستان، وضخ السوق الصينية برأس المال، وخلق أزمات متعددة سواء في تايوان والتيبت لتقيد التضخم الصيني، إلى تعميق هوة الخلافات بين الهند والصين على مناطق متنازع عليها، وصولاً إلى أوروبا الشرقية ومنطقة البلقان وتفكيك يوغسلافيا، وعملية تأمين الدول الغربية بعد توحيد الألمانيتين. ليتبلور معها حلفاً مشكلاً من المملكة المتحدة وكندا وأستراليا ومعظم الدول الأوروبية بقيادة أمريكا.

أمام هذا التطور الكبير في قوة الغرب وتمدد مصالحها حول العالم، كانت الدول الشرق الأوسطية تعيش حالة مذرية من الفقر والتخلف بسبب انظمة تحكم بمنطق القوة والإستبداد، وتستخدم العنف المفرض بحق شعوبها منتهكة بذلك كافة القوانين والأعراف الدولية.

20

كانت للهجمات الإرهابية على الولايات المتحدة في 11 سبتمبر 2001 نقطة بداية للتواجد العسكري الغربي في أفغانستان، لتتطور إلى حرب تحرير العراق، والبدء بمرحلة جديدة من إعادة ترتيب الأوضاع في الشرق الأوسط من خلال طرح مشاريع تغييرية تمحورت حول رسم ملامح جديدة.

  • إفصاح المجال أمام إيران في التوسع للعراق ولبنان والخليج العربي.
  • تمكين القوى الشيعية لخلق توزان مع الدول السنية.
  • الإستمرار في دعم تركيا والجناح الإسلاماوي الذي قرب من الغرب وإسرائيل.

وأمام التمدد الشيعي كثرت المخاوف السنية التي لم ترتقي إلى مستوى التسليح والتجهيز الإيراني، وبذلك تحولت الدول الخليجية إلى سوق لشراء الاسلحة الغربية الأمريكية رداً على تمدد النفوذ الإيرانية بدعم وتغطية غربية!. لتظهر مع هذه التطورات معالم توازنات جديدة في الشرق الأوسط. وبات واضحاً إنه كلما كان هناك الصراع مستمراً بين السنة والشيعة سيكون هو ضمان وتأمين لاستمرار المصالح الغربية؟. وهذا يرشدنا إلى إن قضية إنهاء إيران في الوقت الحالي غير صحيح بحكم إن فقدان إحدى طرفي التوازن في الشرق الأوسط سيخلق بلبلة في عملية مصالح الدول الكبرى. فالدول الخليجة قابلة للتطور في ظل وجود الكميات الهائلة من النفط الذي ينعشها اقتصادياً وعسكرياً خلال وقت قصير، وهو ما يخشاه إسرائيل في جميع السيناريوهات القادمة، لأن التهديد السني على إسرائيل أضعاف التهديد الشيعي الذي حافظ على أمن إسرائيل في مناطق تواجد فصائله حول إسرائيل.

من هذا المنطلق كان تشبث إسرائيل بالنظام السوري خلال الثورة السورية في منع المجتمع الدولي لاسيما الغرب وحليفها أمريكا من إسقاط بشار الاسد بسرعة، ويوضح لنا حجم المخاوف الإسرائيلية من تطور دول الخليج العربي وتراجع لنفوذ إيران. وهذه الأحداث وغيرها دفعت بأمريكا إلى خلق ظروف وسيناريوهات جديدة حتى تزيل مخاوف إسرائيلية على الأقل جزئياً وليتمكن بعدها القوى الكبرى من بناء سوريا مقسمة وهشة لا تستطيع تهديد إسرائيل والمصالح الغربية والأمريكية.

التغطية والسلاح مقابل النفط والهيمنة

جميع الانظمة في الشرق الأوسط تتبع لمصالح الدول الكبرى، ومعظمها مشاريع التقسيم والفرز والإصطفافات وفق مصالح تلك القوى، وعملية التجديد الذي يطمح له القوى العظمى يتمحور ضمن إطار

21

زيادة الاستفادة من الثروة النفطية مقابل رفع درجة تصدير السلاح، وكلما كثرت التقسيمات والجماعات ضمنت ذلك إنتاج اكبر للشركات العملاقة. ولعل أي طارئ على الأوضاع في الشرق الأوسط إن لم يقف خلفها القوى العظمى فإنها تستفيد منها وتحورها وفق مصالحها، وتعتمد في ذلك على التشرذم بين الشعوب في منطقتنا، وضمان عدم وحدة الشعوب وإتحادها في الشرق الأوسط هو بقاء أنظمة إستبدادية غير ديمقراطية وهذا يعني إستمرار الصراعات العرقية والطائفية التي تضعف المنطقة وتجعل منها لقمة صائغة امام تحويلها إلى بؤر للنزاعات.

إن سياسة تحكم القوى الكبرى من خلال الكليات بالاعتماد على الجزئيات مستمرة في ظل البيئة الثقافية والمناخ السياسي المهيئتين في الشرق الأوسط.

صيرورة التحكم بالشرق الأوسط

جميع الكيانات المنشئة على مرتكزات دمج قصري للاعراق والطوائف المختلفة في بوتقة واحدة دون وجود إنسجام ثقافي، محكومة بالتفكك والتشرذم، إذا لم تتوفر عقد إجتماعي يضمن حقوق الجميع ويتيح لهم إدارة شؤونهم بشكل ديمقراطي وأختياري، لأن بناء هرم من التناقضات يتسبب في المحصلة بالتجذر والأنهيار، وهو ما يسهل عملية الإنفصال الكلي. ويوفر بسهولة آلية التحكم به. قد تساعد هذه المنظومة في إطالة عمر الأنظمة وسهولة تحكم بها من قبل المُركب، إلا أن الأمر منوط بالوقت أيضاً، حينما يبلغ الصدام حجمها المعقول تتحول تلك التناقضات المركبة قصراً إلى قنبلة موقوتة، تتسبب بدورها في إنهيار الانظمة وتفكك الكيانات إلى جزئيات صغيرة يسهل أيضاً عملية التحكم بها مجدداً.

ومما لا شك فيه إن الاستعمار الغربي بعد إنجاز عملية التقسيم في الشرق الأوسط، سهلت للتيارات القومية في الصعود إلى سدة الحكم داخل هذه الكيانات، وهيئت لها الظروف المناسبة في الاستمرار، مقابل سهولة التحكم بها. وبذلك تصرفات هذه الانظمة وهمجيتها وممارساتها القمعية والعنصرية مسائل بحد ذاتها تساعد في إبقاء هذه الكيانات ضمن التبعية المطلقة والإطار وقتي لصيرورتها. حينما يحتاجون إلى تفتيتها، فإن العوامل جاهزة لتحقيق ذلك.

على أقل تقدير ساهمت ودعمت الدول الغربية تصرفات الانظمة وبطشها وبقائها، مقابل تهميش الحركات التحررية وإدخالها في مربع الاتهام.

22

الإفرازات الناجمة عن الصدامات وحالات الاحتقان المستمرة ستنتج في المحصلة عن دويلات جديدة وفق مصالح الدول الكبرى، وإن كان تحقيق ذلك يجري بشكل بطيء في بعض المناطق بالتزامن مع سرعتها في مناطق أخرى، إلا أنها بطبيعة الحال تسير وفق الخطط المرسومة لها بشكل أو بآخر، في ظل الأرضية المهيئة لزيادة وتيرة الأحداث. وما نتج عن حالات قمع ومواجهات دموية في سوريا والعراق واليمن ستطال فيما بعد جميع الكيانات القائمة بعملية دمج قصري، سواء تركيا وإيران أو الخليج العربي، لأن الدوامة التي أوجدت الفوضى ستشمل معظم شرق الأوسط. ستلتجئ من خلالها الانظمة إلى إستخدام أدوات القتل والتدمير بالاسلحة الفتاكة للحفاظ على بقائها، مقابل إرادة الشعوب ومقاومتها. من هنا يبدأ دور المنقذ والهيمنة الغربية في عملية تجديد لتبيعة الشرق للغرب، وتأمين بطاقة التدخل الدائمة في الشرق الأوسط.

النموذج السوري بين المصالح والحلول

تركيبة النظام السوري وصيرورة حكمه وآدواته النظرية والعملية خلال العقود الستة الماضية هو نتاج طبيعي لمفرزات الصورة التي أرادها الغرب في بداية القرن العشرين للكيانات في الشرق الأوسط. من هنا ندرك حجم تصرفات هذا النظام في مراحله المتعددة، إبتداء من فرض سياسة وثقافة إقصائية على المكونات السورية، إلى إستخدام العنف المفرط امام أي تحرك شعبي، وهو ما ترجم بمجمله في سيّر احداث الثورة السورية التي تحولت إلى حرب أهلية دموية، حيث تكرر فيه النموذج المعتاد في التبعية لقوى خارجية، سواء بالنسبة للنظام أو معارضته، لأن الذهنية السياسية والتنظيمية متطابقة في فهم الأحداث والخلفية السيكولوجية المتفاعلة مع التركيبة العامة، ونتيجة لذلك فتحت الأبواب السورية على مصراعيها امام النفوذ المتعددة، في مشهد متوقع بحكم التركيبة السياسية والإدارة الناتجة عن التبعية للسياسات الكلاسيكية الغربية، وإن شهدت هذه المرة تغييراً في القوى والتبيعة.

لعبت روسيا دوراً مصيرياً في بقاء النظام دون سقوطه، ضامنة بذلك إمتداداً لحلفائها في الشرق الأوسط بعد ان شهدت إلتفافاً طائفياً بدعم إيراني، مقابل تحرك للدول السنية في دعم المعارضة بمجاميعها المختلفة، لتتبلور مع هذا الاصطفاف الإقليمي صراعاً مذهبياً تحول معه الوضع في سوريا إلى أزمة

23

مفتعلة شهدت تدخلاً لكافة القوى سواء من خلال التدخل العسكري أو الدعم بالمال والسلاح، مقابل إنقسام

الدول الكبرى على كلا المحورين، بحكم تحويل الشرق الأوسط إلى ساحة مميزة لبيع الاسلحة من قبل الشركات التي تحكم القوى العظمى، إلى جانب اهمية المنطقة عسكرياً بعد توجه الشرق الأوسط ككل إلى مزيداً من التقسيم والتفتيت، وهذا يعني تبلور سوق كبيرة امام شركات الاسلحة والنفوذ.

النظرة الغربية للحدث السوري تمحور في منظور تقليدي عام حول الشرق الأوسط، وذلك بسبب عدم تبلور قوى مختلفة عن الموجودة سابقاً داخل سوريا والمنطقة ككل، وهذا طبيعي عندما يكون العقلية القائدة للحراك الثوري غير واضحة المعالم. وفي المحصلة سيلاحق الغرب الخشية من إمكانية توجه هذه القوى المحلية للتطرف والإرهاب، فإنه من مصلحة الدول الكبرى وفي مقدمتها اوروبا البحث عن بديل يؤمن لها التوازن بعيداً عن عقلية النظام الاستبدادي والمعارضة المتطرفة، وإن كان معالم النظام السوري بالنسبة للغرب واضح، وهذا ما أرجح خيار عدم إسقاطه، ونتفهم هنا المخاوف الغربية وطبيعة مصالحها. وصحة نظرتهم تبين من خلال تلاعب الدول الإقليمية بالمعارضة السورية وتحويلها إلى جماعات مائلة للتطرف والعنف، وهو ما يشكل خطراً حقيقياً على أمن الدول الغربية. هذا الواقع الذي اصطدمت بها القوى الغربية بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية ترجم إلى تفضلها التعامل مع الإدارة الذاتية الديمقراطية في روجآفاشمال سوريا، كوجه مختلف عن الأنظمة والمعارضة التقليدية.

تصحيح العلاقة بين الغرب والشرق الأوسط من بوابة ثورة روجآفا

حاجة الغرب إلى شريك حقيقي مهيئ فكرياً وعملياً لمحاربة الإرهاب المفتعل في الشرق الأوسط، دفعت بالولايات المتحدة الأمريكية إلى التنسيق المباشر مع الإدارة الذاتية الديمقراطية في روجآفا – شمال سوريا. حيث ثبتت هذه الادارة فعاليتها المجدية لمقارعة التطرف وبناء حضارة ديمقراطية، تحولت خلال السنوات الثلاثة الماضية إلى منارة تمتاز بالتمدن والديمقراطية العملية، وسط منطقة تشتبك فيها المصالح الديماغوجية بين كيانات مصطنعة تبني تصوراتها على آليات تنظيمية كلاسيكية للنظام، ومعارضة لم تخرج من إطار الوجه الآخر للحراك القوموي المقيت.

التصورات التي تبلورت في روجآفا على المستويين الثقافي والعسكري أوجدت أدوات جذب للشعوب الغربية في التناغم والتفاعل معها، لأن إعادة تنظيم الفوضى في الشرق الأوسط ليس بالأمر السهل إنجازه

24

أمام مخلفات الانظمة وممارساتها العنجوهية، وما نتج عن الصدام العنيف بين النظام السوري والمعارضة والجماعات المتطرفة خلال السنوات السبعة الماضية كشفت حقيقة المشهد السوري والدول المحيطة بها، لأن الصورة النمطية الموجودة في سوريا وما نتج عنها من تفاعلات سلبية هي نفسها متبلورة وبعنف اكبر في تركيا والعراق وإيران وإسرائيل/ فلسطين، وداخل دول الخليج العربي. وتكاد الحاضنة الإجتماعية في معظم هذه البلدان مهيئة لإنتاج الفكر المتطرف، لا سيما وإن الأنظمة الحاكمة تملك الخبرة في دعم الجماعات المتطرفة داخل المجتمع، وتكاد إستخبارات هذه الدول لها اليد الطول في عملية تفاعل الإرهاب وتطور منظومته.

يدرك الغرب حقيقة هذه الجماعات المتطرفة، ومؤسسيها ومموليها والبيئة التي تترعرع فيها هذا الفكر، فيما المصالح الغربية مع الانظمة في الشرق الأوسط أقتضت غض النظر عن الكثير من تحركات هذه الأنظمة الراعية للإرهاب، إلا أن طرح ورؤية المعارضة البديل عن الأنظمة خلال العقود الماضية تبين إنها أسوء بكثير، وهو ما يخاشاه الغرب في تعامله مع القضاية الشرق الأوسطية، لذا تتمسك الدول الغربية بالأنظمة لعدم تبلور معارضة علمانية تستطيع تغير المفاهيم الإجتماعية المطلوبة في إجراء عملية التغيير الديمقرطي ومحاربة الإرهاب. وهو ما شاهدناه من خلال دعم وتدريب التحالف الدولي لمحاربة الإرهاب في سوريا مجموعات مسلحة في أول تصادم مع منظمات الداعش وجبهة النصر الإرهابيتين تخلت هذه المجموعات عن التحالف وأنضمت مع أسلحتها إلى المتطرفين. لهذا يخشى الغرب المعارضة في الشرق الأوسط، وأستمرت في التمسك بالأنظمة رغم معرفتها بالضلوع في عمليات التنكيل القتل، وأستمرت في البحث عن البديل الذي يمثل الفكر الحر والحضارة الديمقراطية، وهذا ما تخشاه الأنظمة والمعارضة التقليدية في الشرق الأوسط. ويمكن فهم هذه الخشية من خلال تعرض الإدارة الذاتية الديمقراطية في روجآفا – شمال سوريا إلى الضغوطات الكبيرة، ومحاولة دفعها إلى الإصطفافات المذهبية أو العرقية. وهذا ما لا يمكن تحقيقه لطلما إن البنية الفكرية والتنظيمية للإدارة الذاتية لم تكن قابلة للإندماج مع تلك الانحيازات المذهبية والعرقية، بل ثبتت هذه الادارة قيادتها للفلسفة المناهضة لذلك.

حاجة الغرب إلى شريك مختلف بات واضحاً من خلال التقبل الشعبي الأوروبي وتفاعله مع الإدارة الذاتية، ويمكن فهم هذه الحقيقة أيضاً من خلال حالة الشرخ الموجودة بين الشعوب والحكومات الغربية

25

حيال التعامل مع الإدارة الذاتية. امام جشع الحكومات وأستمرارها في تجنب التعامل مع الإدارة الذاتية مقابل التناغم الشعبي الأوروبي مع إنجازات الإدارة الذاتية وطروحاتها العلمانية والتحررية.

ولعل إنضمام مئات المتطوعين من أرجاء العالم إلى فعاليات الادارة الذاتية، شكل أساساً وتعبيراً لهذا التفاعل والتناغم.

في المحصلة ستكون هناك عملية تقاطع للمصالح بين الحكومات الغربية وجميع الحراك في الشرق الأوسط، وإن كانت أوروبا تميل إلى كفة دعم القوى الرئيسية وفي مقدمتها الأنظمة القائمة، إلا أن ما نشاهده في المقابل تعاملاً حذراً مع المعارضات، كون هذه المعارضات تميل إلى الإسلام السياسي اكثر من الفكر العلماني الذي ينتهجه الغرب. وبذلك يشكل البديل عن الانظمة تيارات متشددة ستتحول إلى أدوات عنف بيد الأنظمة الإستبدادية، كما هو الحال في سوريا والعراق، ومثال حزب العدالة والتنمية في تركيا الذي يشكل تهديداً لأمن الاتحاد الأوروبي، لا سيما التفاعلات المتقدمة لهذه المنظومة باتت تشكل تهيدياً صارخاً للعالم المتحضر.

إن قضية مقارعة الإرهاب في الشرق الأوسط مسألة تتعلق بامن أوروبا والشرق الأوسط معاً، وما يحتاجه الغرب هو وجود قوى محلية تعمل بشكل جدي في القضاء على خطر هذه الجماعات. وتدرك إن المسألة لا يجب ان تقتصر بوقت محدد وأدوات القتال، وإنما يحتاج المسألة إلى القضاء على منابع الإرهاب الإجتماعية والإقتصادية والثقافية، وهذا يتطلب معالجة كاملة لا يستطيع الغرب ان يقدم شيء في هذا المضمار، وإنما القضية بحاجة إلى قوى محلية تملك مشروعاً يوازي الحاجة الغربية.

من هنا ندرك البحث الغربي الجدي عن شريك حقيقي في الشرق الأوسط مقابل حاجة هذا الشريك إلى تغيير نظرة الغرب حيال المنطقة، لأن إحدى المسببات الرئيسية لما آلت إليه الأوضاع يتحمل مسؤوليته الحكومات الغربية المشجعة للانظمة وأدواتها وتوجهاتها التي انتجت الإستبداد والإرهاب.

التشجيع والدعم الذي تلقاه نظام الإسلاماوي في تركيا اطال عمر الجماعات المتطرفة في الشرق الأوسط.

من هنا ندرك إن الإدارة الذاتية الديمقراطية أستطاعت تشخيص معظم مشاكل الشرق الأوسط، وطرحت المعالجة الصحيحة للقضايا السياسية والثقافية والإجتماعية، وإقامة البديل الفكري والثقافي الذي يدفع بالغرب إلى تغيير نظرته حيال منطقتنا. فالقيم الناتجة عن هذه المعرفة ظهرت من خلال طرح مشروع

26

الأمة والحضارة الديمقراطية، ولعل هذه المفاهيم ليست ببعيدة عن واقع الإجتماعي في الشارع الغربي، وإن كانت حكوماتها لا تزال تنظر إلى الشرق الأوسط كساحة مصالح وإستثمار، إلا أن أوجه التشابه بين طروحات الإدارة الذاتية الديمقراطية والغرب تتطابق في القضاية المركزية، والحاجة هنا هو تبادل الدعم، لا سيما وإن الإدارة الذاتية الديمقراطية لديها حلول لجميع القضاية العرقية والمذهبية من باب المعالجة السوسيولوجية، والطروحات الفكرية العملية للإدارة قد تفيد أوروبا أيضاً، وهو ما نجد في قضية المساواة بين الرجل والمرأة في طروحات وفعاليات العملية للإدارة الذاتية، مقابل بعض الممارسات السلبية التي حولت المرأة في الدول الغربية إلى سلعة للتجارة بسبب فقدان منظوماتها قيمة المساواة الفعلية التي تضمن كرامتها أولاً.

وبصدد عدم التعامل الغربي بشكل رسمي مع الإدارة الذاتية رغم إن هذا المشروع يتوافق مع الأهداف الغربية الإستراتيجية لحماية أمنها، والإقتصار على الدعم العسكري. هذا أمر طبيعي جداً في ظل العلاقات الغربية مع أنظمة الحكم في الشرق الأوسط، والمعارضات التقليدية، وعدم تبلور مشروع جديد يضمن للغرب إجراء علاقة صحيحة، وأقصد هنا الشعوب الغربية التي تخشى من الذهنية الشرق الأوسطية وقابليتها لإنتاج التطرف. وعملياً المسألة بحاجة إلى تبادل الثقة والعمل الجدي، وتعريف الغرب أكثر على الجانب الفكري والفلسفي لثورة روجآفا، وليس فقط الجوانب العسكرية. نعم ساعدت ذلك خلال ظروف الحرب، وجذبت الشعوب الغربية إلى قدسية مسألة التضحية لدى الإنسان الكردي والإدارة الذاتية. إلا أنه حان الآن وقت تقديم الافكار والطروحات التي تطمأن الشعوب وتدفعها الغربية وتدفعها إلى التأثير على نظرة الانظمة للإدارة الذاتية. ولا ننسى إن تجربة الإدارة لازالت جديدة وتحتاج إلى وقت اكثر وتطمينات، في ظل خشية الحكومات الغربية على مصالحها مع الانظمة، فإنه غير ممكن تعرض نفوذها إلى الخطر مقابل دعم تجربة جديدة قد لا تنجح بسبب الظروف الإقليمية المناهضة. ولكن في المحصلة ستتعامل الحكومات الغربية مع تجربة الإدارة الذاتية الديمقراطية لأنها البديل الحقيقي والوحيد للانظمة والمعارضات. وهو ما يضمن سبل السلام وتعزيز الديمقراطية المنشودة في الشرق الأوسط.

27

القراءة الثانية

أسطورة الداعش بين الصعود والسقوط

لم تكن الأنظمة الثلاثة السوري – الإيراني التركي بوارد إستيعاب بقاء الوجود الأمريكي في العراق بعد التدخل العسكري لإسقاط نظام صدام حسين، لا سيما أسسَ حرب السقوط بداية تطبيق مشروع أمريكي فعلي لإجراء تغييرات جيوسياسية في الشرق الأوسط، وقد شكل ذلك تهديداً مباشراً لهذه الأنظمة، وفتحت المجال أمام تقسيم المنطقة بعد تبلور مشروع محاسبة النظام السوري نهاية 2004.

كان النظام السوري يدير شبكات متطرفة وتدربها بغية تنفيذ عمليات إنتحارية ضد الوجود الأمريكي في العراق، وتحولت الأراضي السورية إلى معبر مفتوح أمام العناصر الجهاديةللإلتحاق بالجماعات المتطرفة في أفغانستان، ولم يكن النظام الإيراني ببعيد عن هذه التحركات إذ أن الوجود الأمريكي في أفغانستان شكل حلقة تهديدات حول إيران من الجهة الشرقية، مما تكون أرضية تبادل مصالح بين الإستخبارات الإيرانية ومنظمة القاعدة، وهو ما فتح المجال لتدريب عناصرها وتسليحهم داخل مقرات سرية في إيران وسوريا، حيث أستفادت هذه الأنظمة من عملية تعطيل وإلهاء الأمريكيين في أفغانستان بغية تخفيف التهديدات على الدول الثلاثة، إلا أن التدخل الأمريكي في 2003 وإخراجه النظام العراقي البائد من المعادلة شكلت طوقاً حول إيران، مقابل ممارسة الضغط الكبير على النظام السوري، وأبرز تلك التهديدات إعلان مشروع محاسبة سوريا في الكونغرس، وإخراج سوريا من لبنان تحت وطأة التهديدات، مقابل حصار إيران بين فكي القواعد العسكرية والجوية الامريكي في الخليج العربي والعراق وأفغانستان، إلى جانب دعم وضع كردي خاص في شمال العراق، وتشكيل تهديد إستراتيجي لتركيا، وبذلك أصبح

مسألة إعاقة الوجود الأمريكي داخل المستنقع العراقي ضرورة ملحة لتلك الأنظمة وأمنها الإستراتيجي. هذا الطوق مع تبلور وضع كردي إلى زيادة النفوذ الأمريكية في الشرق الأوسط، كانت بمثابة بعبع دقت أسفين الأنظمة التي تحركت بفعل هذه التهديدات وكثفت نشاطاتها الإستخباراتية لخلق أزمة في العراق وأفغانستان حتى يتم إشغال الأمريكيين بها، وتكبيدها خسائر كبيرة من شأنها تؤثر على القرار الأمريكي وخططها حيال

28

الشرق الأوسط. من هنا كان دعم هذه الدول للمتطرفين في العراق جزءً من مخطط إطالة الازمة، وإدخال الولايات المتحدة في المستنقع، حتى يتم تجاوز المخططات الأمريكية في تطبيق مشروع الشرق الأوسط الجديد آنذاك.

لعبة الإستخبارات الإقليمية الحرب الخاصة

الأهداف التي كانت تنوي تطبيقها إدارة الحزب الجمهورية بقيادة ما يعرف بـ جمهوريين الجدد أنطلقت مع حرب إسقاط النظام البائد، والتهديد بمحاسبة النظام السوري، وزيادة الحصار على إيران كي تتخلى عن نشاطاتها الكيمياوية، إلا أن العوامل الداخلية في الولايات المتحدة الأمريكية، والظروف التي خلتقها الانظمة الثلاثة أمام التحركات الأمريكية على الأرض في العراق، كانت كفيلة بتأجيل المشروع، وإعادة الإمريكيين إلى تاجيل المشروع لتهيئة الأرضية المناسبة خلال المراحل المتقدمة. كانت إيران تدعم الجماعات المتطرفة السنية في العراق وتستغل ذلك لتستولي على الإدارة في بغداد، امام سياسات أمريكية غير صارمة في تقسيم العراق فوراً. وهو ما ساعد بإستحلال العراق من قبل الإيرانيين مقابل جماعات متطرفة في المناطق السنية من العراق تحارب ضد الوجود الأمريكي، وبذلك تم إستبعاد السنة عن الأمريكيين مقابل تهيئة الأرضية للنفوذ الإيرانية.

لم يكن الخيار الأمريكي هيناً أمام سياسات الدول الثلاثة التي أتقنت اللعبة في ظل تحرك إستخباراتي دقيق لتحويل العراق إلى جحيم من القتل والتدمير جراء الإنفجارات الإرهابية.

أدارت الاستخبارات السورية مخططات من شأنها إثارة الشعور الديني في المجاميع الإجتماعية داخل حلب وحماه وحمص وكذلك دمشق، ودعمت شخصيات دينية متطرفة أمثال أبو القعقاع في الدعوة إلى الجهاد ضد الوجود الأمريكي في العراق، إلى جانب شخصيات متطرفة على الأرض أمثال أبو مصعب الزرقاويوخليفته أبو عمر البغدادي ، وقد كانت سوريا مركز عبور لمعظم المتطرفين، هيأت لهم

الاجواء المساعدة في الوصول إلى نقاط الجماعات المتطرفة في العراق، ووكلت مهمة هذه الاعمال إلى شعبة الأمن العسكري.

أبو القعقاعوإدارة الاستخبارات السورية للجماعات المتطرفة في العراق وسوريا..

هو مسؤول العلاقات بين الاستخبارات السورية والقاعدة في أفغانستان، تم إرساله في أول مهمة للقاء مع بن لادن بعد أحداث 11 سبتمبر 2001، من ثم عاد إلى سوريا والعراق، وخلال 2002 ركز خطبه في جوامع حلب ومناطق اخرى حول التهديدات التي تتعرض لها العراق والمنطقة، وضرورة فتح باب الجهاد لمقاومة أي تدخل أمريكي. وفور تدخل التحالف الدولي لإسقاط النظام العراقي البائد، أعلن القعقاع الإنتظار

29

حتى يتبين له أبعاد الحرب، وطبعاً كانت الاستخبارات السورية تديره مع الحلقة المحيطة به، حيث تبين بعد ذلك أنه كان يدعم فصيلا معينا في العراق، بمعرفة المخابرات السورية، وهو ما ظهر جليا في الاتهامات التي أوردتها أجهزة الأمن العراقية آنذاك في مؤتمر صحفي بعد تعرض بغداد إلى سلسلة من الأنفجارات الإرهابية، عرضت خلاله اعترافات لأحد أفراد خلية أقر بأنه تلقى التدريب على يد أبو القعقاع.

ورد في وثائق وجدتها القوات الأميركية في / شنكال سنجار / على الحدود السورية العراقية الكثير من المعلومات حول تنظيم القاعدة في العراق، وتضمنت أسماء مقاتلين سوريين وعرب تطوعوا للقتال في العراق.

وفي خضم الاتهامات لأبو القعقاع بإرسال المقاتلين، صدرت في بدايات عام 2004 فتوى من جهة غير معروفة تطلق على نفسها مركز خدمات المجاهدينتضمنت اتهاما مباشرا لأبو القعقاع بأنه خائن ومرتد ويتعامل مع الحكومة النصيرية الكافرة النظام السوري ، ودعت المجاهدين والسوريين إلى ذبحه ذبح النعاج“. وطبعاً مثل هذه البيانات كانت له فوائد وأضرار للنظام السوري، وهو ما دفعتها إلى إبعاد أبو القعقاع عن الواجهة، فخرج من حلب ليبدأ بمهمة جديدة في دمشق.

حصل تحول جذري في تحركات أبو القعقاع، حيث تخلى عن لحيته ومظهره وابتعد عن الخطب والمنابر، وأصبح يطلب من الناس ألا ينادوه بالشيخ بل بالدكتور“. حاول من خلال هذه التغييرات تبرئة النظام السوري دعم الجماعات المتطرفة في العراق، وظهر أبو القعقاع على الإعلام لينفي أي صلة له وللنظام السوري بما يحصل في العراق. وفي هذه الفترة من عام 2005 كان عواد إبراهيم السامرائي البدري المعروف حالياً بـ أبو بكر البغدادي زعيم منظمة الـ الداعشالذي كان في مهمات إستخباراتية بدمشق، وهو ما يؤكد لنا بدء مرحلة جديدة في دعم النظام السوري للمتطرفين في العراق، والبدء بتخفيف المعليات الإرهابية ضد القوات الأمريكية مقابل تخفيف الضغوطات الأمريكية على دمشق، وتراجع مشروع محاسبة سوريا، ويتلقى البغدادي مهمات تخفيف الضغط مقابل تغييب أي دور سلبي للقعقاع. وعاد على أسرها القعقاع إلى حلب، لكنه انتقل إلى مرحلة الخطاب الجديد الذي يعني بالإصلاح الداخلي، وبدأ يعقد ندوات لبعض الفنانين، ويتحدث عن ضرورة الفن والموسيقى والرقص.

30

أراد النظام السوري الحفاظ على هذه الجماعات في العراق مقابل تغييب الشخصيات التي كانت مطلوبة من الإدارة الأمريكية وعلى رأسهم الزرقاي والقعقاع، ولأنهما صندوق الاسرار العلاقة بين النظامين السوري والإيراني والجماعات المتطرفة في العراق بدات مخططات إغتيالهما، حيث كشفت للإستخبارات الأمريكية مكان أبو مصعب الزرقاوي وتم أغتياله في 6 نيسان 2006 مع بدأ النظام في التخلص من أبو القعقاع خلال مسرحية بدأت أحداثها في يونيو/حزيران 2006 بعد تعرض مبنى الإذاعة والتلفزيون السوري بدمشق لهجوم مسلح ومحاولة السيطرة عليها، ليتم إتهام أبو القعقاع على إن من نفذ عملية الهجوم هم شباب متأثر بخطابه المتطرف، وعلى أسرها تم إعتقاله، ومن ثم تنفذ فيه عملية الإغتيال يوم 28 سبتمبر/أيلول 2007.

نظمت الإستخبارات السورية مجاميع لفلول البعث داخل المناطق السنية في العراق، وكانت معظم عملياتها ضد المناطق والقبائل السنية، شرعن النظام من خلال تحركات هذه المجموعات وفي مقدمتهم كتائب ثورة العشرين ، للتغطية على المجموعات المتطرفة التي كانت تدار من قبل النظام والإيرانيين.

الدور الإيراني – التركيفي إدارة الجماعات العراقية المتطرفة

كانت الأراضي الإيرانية نقطة عبور للمتطرفين من أفغانستان إلى العراق، بإدارة الحرس الثوري الإيراني الذي ساهم في تدريب العناصر وتقديم السلاح لهم، وإعطاء منظمة القاعدةالمجال الكافي في التحرك داخل العراق لإستهداف القوات الأمريكية، وتدمير المناطق السنية، وهذا التنسيق بين الإيرانيين والأتراك والنظام السوري بأعلى مستوياتها في تقديم كافة الإمكانيات لهذه الجماعات.

  1. رغم عضوية تركيا في حلف الناتو والمشاركة في الحرب ضد القاعدة بأفغانستان، لم ينفذ الجماعات المتطرفة أية عملية إلا وكانت لتركيا الفائدة منها؟
  2. بينما كانت التغطية الإيرانية على نفسها جاء بإتفاق مع هذه الجماعات عبر الخطاب التكفيري ضد إيران، رغم إن هذه الجماعات لم تنفذ عملية واحدة ضد إيران؟

هذه الحقائق تبين لنا مدى ضلوع الأنظمة الثلاثة في تكوين الجماعات المتطرفة في العراق بعد حرب إسقاط النظام البائد.

وطبعاً كانت التحركات الإيرانية لها الدور الفاعل في إدارت هذه الجماعات، حيث خططت الاستخبارات

31

الإيرانية لعملية كانت الغاية منها دفع الأمريكيين إلى الانسحاب بعد أن سيطر حلفاء الإيرانيين على العراق. وكان الدور الموكل للنظام السوري هو دعم البعثيين والمتطرفين لتشكيل كتائب وتنفيذ العمليات الإرهابية التي عطلت المخططات الأمريكية في التوسع بعد العراق، وهو ما تم بالفعل بعد أن كانت لتركيا الدور أيضاً في زيادة الخناق على الوجود الأمريكي من باب إن أي تقسيم تتعرض لها أية دولة ستنعكس سلباً على تركيا. والمسألة بطبيعة الحال لصالح الدول الثلاثة في التحكم بالعراق عبر محاصصة، وتجميد المشروع الأمريكي في تقسيم المنطقة، حيث إن مشروع الشرق الأوسط الجديد الذي تبلور بعد عام 2004 شكل ناقوس خطر على الانظمة الثلاثة.

ما خططت له الانظمة الثلاثة أتت بنتائجها في تجميد مشروع محاسبة سوريا، والتوغل المريح للأتراك في إقليم كردستان العراق إلى إستقرار السيطرة الإيرانية على بغداد. مقابل تخفيف وتجميد لنشاطات الجماعات المتطرفة، وقد عجت المعتقلات السورية بالعائدين من العراق، مقابل لعب الإيرانيين الدور البارز في التنسيق مع منظمة القاعدة المتطرفة، إلى جانب التحولات السياسية في تركيا وصعود

الإسلاميين إلى الحكم. وساعد في ذلك هيمنة الحزب الديمقراطية على الإدارة في الولايات المتحدة وتراجع نفوذ الجمهوريين الذين كانوا يقودون هبات التغيير الجيوسياسي في الشرق الأوسط.

المسببات السوسيولوجية لظهور التطرف

لم تكن منظمة القاعدة أقل وحشية من وليدتها الداعش، إذ أن نموذج الأول مهدت الطريق ظهور وتطور التطرف وتحوله إلى شكل أكثر دموية. ولعل ثقافة التطرف نابعة أساساً من المجتمع الإسلامي الذي تم إشباعه خلال قرون بظواهر مذهبية خلافية تفاعلت بعوامل بيئية وثقافية وسياسية من خلال تعبئته ودفعه إلى إستخدام أدوات العنفية التي من شأنها تعيد التناقضات السابقة بين المذاهب الإسلامية، وتفاعل ذلك إلى تهيئة الأرضية لمشاريع سياسية في التحكم بها وتوجيهها وفق المصالح الخاصة. الدور الأمني في تهيئة شخصيات محورية داخل المجتمع الديني، وتوظيفهم في توجيه خطاب معين لإنتاج شرائح مطلوبة، كانت لها الدور البارز في سرعة التأثير على المحيط الإجتماعي المنغلق، وهو ما سنحت للإستخبارات في توجيه وإستغلال هذه الشرائح لتطويعها في صفوف الجماعات وبنفس الوقت تحويل تلك الشرائح إلى حاضنة لدعم تلك العناصر المتطرفة.

مساهمة الأنظمة في إستغلال هذه الشرائح تأتي من باب إستخدامها في أغراض خاصة، وبنفس الوقت إلهاء تلك الشرائح المتطرفة في مسألة التحكم بها بإستمرار.

إذا ما شخصنا الحالة السورية أثناء تشكيل تلك الجماعات سنجد إن النظام هيأت لها الأرضية داخل السجون ومن ثم أطلقت سراح عناصرها بعد تعبئتهم وتجهيزهم وتم توظيفهم بالشكل المطلوب، ومن ثم أتاحت لرجال

32

الدين المرتبطين بالاستخبارات في تعبئة الشرائح المتأثرة بالأفكار القومية والدينية على حد سواء، ومن ثم توجيه كل تلك الطاقات إلى منطقة محددة لتنفيذ أهداف سياسية وعسكرية.

كما هو الحال لدى النظام الإيراني الذي خلق المشاكل للوجود الأمريكي في أفغانستان من خلال دعم المتطرفين. مما تظهر لنا التفكير والتوجهات نفسها في كلا البلدين، بالتزامن مع إستخدام ذلك في لبنان، ودعم الجماعات المتطرفة في خلق الإشكاليات التي تساعد في هيمنة حزب الله وعودة النظام السوري من

خلال اجندته من اللبنانيين.

في كل الحالات التي سبقت ثورات المنطقة العربية والشرق الأوسط أستخدمت الانظمة الثلاثة السوري – الإيراني التركي نفس الاساليب للتعامل مع الوجود الأمريكي في العراق وأفغانستان، وحافظت هذه الانظمة على زعماء المتطرفين داخل سجونها وعند الحاجة أطلقت سراحها وأستعانت بها في تنفيذ المخططات.

تطور الداعش من تنفيذ العمليات الإرهابية إلى السيطرة على المساحات ..؟

تعود أصول هذا التنظيم الى العام 2004، حين شكل أبو مصعب الزرقاويتنظيما أسماه جماعة التوحيد والجهادوأعلن مبايعته لتنظيم القاعدةبزعامة أسامة بن لادنفي حينها، ليصبح ممثل تنظيم القاعدة في المنطقة أو ما سمي تنظيم القاعدة في بلاد الرافدين“.

في العام 2006، خرج الزرقاوي على الملا في شريط مصور معلنا عن تشكيل مجلس شورى المجاهدينبزعامة عبد الله رشيد البغدادي. قتل الزرقاوي في الشهر نفسه من اعلانه، وعين ابو حمزة المهاجر زعيما للتنظيم في العراق. وفي نهاية ال2006 تم تشكيل تنظيم عسكري يختصر كل تلك التنظيمات ويجمع كل التشكيلات الأصولية المنتشرة على الأراضي العراقية، إضافة الى أنه يظهر أهدافها عبر إسمه… “الدولة الإسلامية في العراقبزعامة أبو عمر البغدادي. وسرعان ما توسع نفوذ هذا التنظيم وعديده، ليصبح من أقوى الميليشيات المنتشرة والمقاتلة على الساحة العراقية.

وفي عام 2010 تم قتل أبو عمر البغدادي مع أحد قيادات التنظيم أبو أيوب المصري في منطقة الثرثار، ليتم بعد ذلك إعتقال الكثير من عناصر التنظيم في العراق.

لم تكن ظاهرة الداعش حالة غريبة في مناطق ظهوره بين العراق وسوريا، لنشوء هذا التنظيم بعد سقوط النظام البائد، وتنفيذه عمليات إرهابية أودت بحياة المئات من المدنيين، وله أتباع ومؤيدين في سوريا

33

وتركيا، بحكم تلقيه الدعم المستمر للقيام بنشاطات متطرفة لصالح الانظمة الثلاثة. وإن كان ذلك الدعم من الانظمة أو شرائح متأثرة بالفكر المتطرف، إلا انها كانت كفيلة بإستمرار وجود هذه المنظمة

المؤلفة من عدة جماعات ومتطوعين محليين وأجانب، حيث كانت هذه المنظمة مشكلة من ثلاث تيارات أحدها قادم من أفغانستان بمعرفة ومساعدة النظام الإيراني، وآخر بدعم وتدريب سوري وتركي، والثالث من فلول البعث الذي تلقى الدعم من سورياً وتركيا. ولعلّ سبب توفير الحاضنة الشعبية لهذه المنظمة يعود إلى البُعد المذهبي، وتأثير هذه المناطق بفكر البعث. وهو ما تبين اكثر مع سقوط نظام الطاغية صدام حسين، وإنضمام البعثيين إلى التنسيق مع المتطرفين، ومن ثم الإنضمام إلى صفوفها، لتزيد معهم الحاضنة الشعبية التي كانت تنطلق منها الشعارات القوموية للبعث، بالإضافة إلى ردة فعل من تلك الشرائح حيال ممارسات الجماعات الشيعية العراقية، وكان ذلك كفيلاً في دفع وإلتفاف تلك الشرائح حول التكفيريين الذين أستغلوا تلك ردات الفعل وحالة الغليات ضد الحكومة في بغداد.

النظام السوري أستغلت تلك العوامل جميعها حتى يكون له حضور وأجندة تحكم بتلك الجماعات، مقابل العلاقات الإيرانية مع القاعدة وتسهيل وصول عناصرها إلى العراق، وبحكم العلاقات بين الاتراك والشرائح السياسية السنية التي شاركت بالحكومات في بغداد وكذلك العلاقات التركية مع فلول البعث الذين أندمجوا مع تلك الحركات المتطرفة، فتحت أمام الاستخبارات التركية بناء أجندة خاصة لها بحكم الاجندات الإيرانية والسورية داخل هذه المنظمات المتطرفة والقوموية. وهذه الأنظمة فتحت المجال أمام المتطوعين في دولهم ومن خلالها أرسلوا رجال الامن، وكذلك فتح خطوط العلاقات الخاصة، رغم إن التعاون التركي السوري الإيراني الإستخباراتي كان في أعلى مستوياته، إلا ان إختراق كل طرف لهذه الحركات كانت مستقلة حتى لا تكون هناك تضارب في وجود أجندة كل طرف.

هذه التركيبة البنيوية لازمت وجود هذه الجماعات خلال السنوات الـ 2003-2011 إلى حين تهيئة الأرضية المناسبة في تطوير عملها ونشاطاتها الإرهابية والإستعانة بها من أجل تنفيذ عمليات إرهابية لصالح الدول الثلاثة، ومن ثم تهيئة الأجواء لها من أجل السيطرة على مساحات شاسعة من العراق وسوريا، في عملية تقاطع مصالح والفائدة المتبادلة والمتجددة بين جميع الأطراف.

  1. أستخدمت إيران منظمة الداعش في السيطرة على المناطق السنية وخاصة النفطية ومنها الموصل والرمادي وكذلك الحدود مع سوريا، حتى تكون الفائدة مستمرة، سواءً في تهيئة الاجواء لسيطرة الحشد
  1. 34
  2. الشعبي والحرس الثوري الإيراني والجيش العراقي الموالي في السيطرة على هذه المناطق في ظل القضاء على الشرائح التي تخلق المشاكل للسيطرة الإيرانية وتتواصل مع الخليج العربي وكذلك الأتراك.
  3. أستخدم النظام السوري منظمة الداعش في فتح المجال له بالسيطر على كافة مناطق مسلحي المعارضة، وتحويل الثورة السورية إلى وجهة إسلاماوية تبرر للنظام محاربته والتغطية على جرائمه بحكم إنه يحارب المنظمات الإرهابية المتطرفة.
  4. بينما الفائدة التركية تمحورت حول توظيف هذه الجماعة في إحتلال روجآفا – شمال سوريا ، ومحاولة القضاء على التطور الكردي.

الدول الثلاثة أستعانت ببعضها في تنفيذ أجندتها، وفي الوقت الذي تحقق ما خطط له إيران والنظام السوري، فشلت المخططات التركية بعد التدخل الأمريكي والروسي على الخط، وإعلان الحرب على منظمة الداعش، وإستعانة كل طرف بحليف محلي / وحدات حماية الشعب الكردية – قوات نظام بشار الاسد/. وفي سبيل قضاء الروس وقوات الاسد على المعارضة دفعت روسيا بالاتراك إلى تسليم المعارضة المسلحة مقابل السماح للأتراك في منع توسع قوات سوريا الديمقراطية في توصيل شرقي نهر الفرات مع مقاطعة عفرين.

المخطط الداعشي

تدرك الجماعات المتطرفة إنها مخترقة من قبل أجهزة الاستخبارات الدولية، ولكنها تحاول ان تستفيد من الأرضية التي تقدمها الأنظمة الإقليمية لها، وما تهيئت من عوامل متعددة للداعش بين العراق وسوريا، وظفتها هذه الجماعة لإقامة شبه نظام في مناطق سيطرتها، متأملة بإستمراريتها في حال بلغت القوة والإمكانيات، وتهيأت لها الظروف المساعدة في ذلك.

أدار منظمة الداعشمجموعة من قادة منظمة القاعدة قدموا من أفغانستان بمعرفة النظام الإيراني، ومجموعات كبيرة أنضمت للداعش ووصلت إلى مواقع هامة بدعم النظامين التركي والسوري، وما يتضح من طبيعة إدارة الداعش ومخططاتها الحربية وخطابها وإعلامها وحجم إرتكابه لجرائم بشعة، إنما يظهر إمتلاكهم لتجربة خوض حرب نفسية من خلال أدوات التطرف والعنف المركز، ومما لا شك فيه إنها كسبت ذلك خلال عملياتها الإرهابية السابقة في العراق وأفغانستان.

حجم تواجد الإستخبارات التركية والإيرانية داخل منظمة الداعش اخرج طموحات هذه المنظمة من محتواها وأهدافها التي سعى إليها لإقامة نظام خاص به، إذ أن توريط الداعش من قبل الأتراك في فتح جبهة مع الإدارة الذاتية الديمقراطية، عطلت مساعي الداعش، بعد أن كانت تتمدد في المناطق السنية في سوريا والعراق، وطبق فيها نظاماً وحشياً اتسم بالعنف والدم وأرتكبت المجازر الشبيهة لمجاز الأتراك بحق الأرمن والكرد خلال العقود الثلاثة الأولى من القرن العشرين.

35

الشرائح الإجتماعية القابلة لتعبئتها نحو التطرف، والتكفيرين الذين تدربوا في أفغانستان وكسبوا خبرة في قيادة الأعمال الإرهابية، والدعم والتدريب والسلاح الذي قدمته الأنظمة الثلاثة تركيا – سوريا إيران كانت كافية لظهور منظمة الداعش.

الضربة التي تلقاه منظمة الداعش بعد قطع المساحة البرية مع تركيا، كسرت قوتها وحجمت إمكانياتها، بعد ان تحولت وحدات حماية الشعب من الدفاع إلى مراكز الهجوم وتشكل بموجبها قوات سوريا الديمقراطية التي أفقد الداعش التوازن بعد إستمالة شرائح واسعة داخل مناطق الداعش إلى التطورات التي حصلت في الشمال السوري لصالح القضاء على الداعش من طرف وتهيئة الأرضية المناسبة لتجاوز محنة السوريين.

ماهية الأهداف التركية في إستخدام الداعشضد الإدارة الذاتية الديمقراطية

منذ بداية الصراع السوري تكون لدى الأتراك فكرة إن الحرب الأهلية السورية ستفضي إلى تكوين وضع كردي خاص في الشمال، وهذه التطورات ستشكل خطراً على أمنها ووحدتها الداخلية، لوجود كتلة بشرية كردية كبيرة لديها سوف تتأثر بهذه التطورات، وتترجم ذلك إلى زيادة مؤيدي حزب الشعوب الديمقراطية، لاسيما وإن التأثير الفكري والنهجوي بين كرد تركيا وسوريا كبير جداً، وإحتمالية حصول ذلك متوقع وفق المنظور التركي. وبناءً على تلك المخاوف وضعت تركيا خططها ومشاريعها لإجهاض المشروع الناشئ في شمال سوريا، وبرزت التحركات والسياسات التركية في عملية إعاقة هذه التطورات من خلال استخدام أذرعها من المتطرفين والمجاميع المسلحة للمعارضة السورية، ولعل اتخاذ المعارضة السورية الأراضي التركية معقلاً لعملها وتحركاتها سهلت أمام الدولة المستضيفة عملية التحكم بها وفرض أجندتها عليها

ومن ثم توجيهها وفق مصالحها الخاصة، وهذا ما رأيناه في توجيه المعارضة السورية فوهة بنادقها بإتجاه مناطق الإدارة الذاتية، تاركة بذلك في الكثير من مفاصل الثورة السورية مواجهاتها مع النظام، فأصبحت المدن الكردية عفرين كوباني – الجزيرةبالنسبة لهذه المجاميع أهم من دمشق وحلب واللاذقية وحمص وحماه ودرعا. وبذلك دخلت الإدارة الذاتية الديمقراطية في مواجهات عنيفة مع الكم الهائل من المجاميع المسلحة والمدفوعة تركياً، وطول الازمة السورية بعد تسليحها وجهت نصف قوته وإمكانياتها نحو محاربة الإدارة الذاتية.

  1. مرحلة تطبيق الحصار على روجآفاما قبل الداعش

الوقائع أظهرت تحرك مجاميع المعارضة المسلحة بقيادة جماعتي جبهة النصرة وأحرار الشام التابعين لمنظمة القاعدة ، وبتوجيه تركي إلى إغلاق كافة مداخل ومخارج مناطق روجآفا – شمال سوريامع الداخل السوري، بالتزامن مع التحرك التركي وفرض حصارها الكامل على طول الحدود، والسيطرة على

36

التجارة والمواد الغذائية والتحكم بالإسعار، كل ذلك بغية إدخل الادارة الذاتية في حالة إستنزاف. إلا أن عملية الاعتماد على الطاقات الذاتية من قبل الإدارة، وإبداع طرق تأمين وخلق الظروف الملائمة للمقاومة أفشلت تلك المحاولات، ولم تنتج ذلك عن إعاقة مشروع الإدارة الذاتية، وإن كانت الظروف المعيشة دفعت ببعض سكان روجآفا إلى النزوح نتيجة للحرب العنيفة ورفع الأسعار، إلا أن روح المقاومة والتحدي خلقتا حصون منيعة في سيكولوجيا الشارع الكردي ودفعه إلى خلق الظروف لتأمين الحاجيات المطلوبة.

  1. الداعش التركي ومستنقع كوباني

بعد فشل هذه الجماعات المتطرفة في إحتلال روجآفالم تنجح تركية بموجبها في إعاقة مشروع الإدارة الناشئة، فكان لا بد من تشكيل معوق جديد وأكثر فعالية على الأرض، ويساهم في تدمير البنية الناشئة من خلال حرب عنيفة كما تخيله الأتراك. وبحكم العلاقات التركية السابقة مع الجماعات المتطرفة في العراق، وإستمرار هذه العلاقة إلى مراحل متطورة تتعلق بتنسيق كامل مع تحركات الداعش في العراق وسوريا، أستعانت الاستخبارات التركية بـمنظمة الداعش ومدها بالعناصر المتطوعة والاسلحة والمعلومات الإستخباراتية التي تساعد على توسع دائرة سيطرة هذه المنظمة، وساهمت إيران والنظام

السوري من خلال أجندتها داخل هذه المنظمة في تهيئة الاجواء المناسبة لها سواء داخل العراق أو سوريا، وكلاً استخدم الداعش لمصالحه الخاصة. فقد كانت كوباني الحلقة الأضعف وفق المنظور التركي، بحكم موقعها الجغرافي الوسط بين كوباني وعفرين التين تبعدان بنفس المسافة، ويسيطر الداعش بدعم تركي على التقاطعات بين كوباني والمقاطعتين بعد إحتلالها المناطق العربية لمنطقة تل بيض وجرابلس ومنبج، وإعلان مدينة الرقة مركزاً لأعمالها الحربية، تنطلق منها الداعش في التوسع، والتواصل البري لمسافات طويلة مع تركيا. وكانت ساعة الصفر التي أطلقتها الاستخبارات التركية والتغطية الكاملة لعمليات الداعش في إحتلال ريف كوباني ومن ثم أجزاء من المدينة. ولعلّ اختيار كانتون كوباني – الفراتكنقطة أساسية لعمليات الداعش الكبيرة لم تأتي بمحض الصدفة، وإنما كان مخططاً له بشكل معمق داخل الدوائر الإستخبارات التركية، التي سهلت عمليات منظمة الداعش وتنقلت عناصرها داخل تركيا بين نقاط جرابلس وتل أبيض.

وقد رصدت المصادر الإستخباراتية الأمريكية والروسية وكذلك الإعلام كيفية تقديم الاتراك الاسلحة الثقيلة للداعش أثناء معارك كوباني، وفتح أبواب المشافي أمام جرحى الداعش.

إلا أن المفاجئة كانت صادمة بالنسبة للأتراك حينما أبدت وحدات حماية الشعب الكردية مقاومة شرسة جذبت لها القوى الكبرى بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية، التي زودت بدورها هذه القوات بالاسلحة بالتزامن مع الضربات الجوية وقدوم عناصر من بيشمركة إقليم كردستان تحت الضغط الأمريكي على تركيا. هذه العوامل ساعدت في تدمير القوة الهجومية للداعش، وقُتِلَ عدد كبير من عناصره، وتراجع إلى خارج المدينة لتصبح في خطوط الدفاع أمام التقدم الكبير للوحدات.

37

تركزت خطابات أردوغانوالمسؤولين الأتراك أثناء معارك كوباني على قرب سقوط المدينة، وكانت الاستعدادات التركية لما بعد إحتلال الداعش، حيث تحول الحدود السورية – التركية إلى سوق تجاري بين الاتراك والداعش، ونقل كبيرة للنفط إلى تركيا مقابل السلاح والمستلزمات الحربية والغذائية.

بعد فشل المخططات التركية لإحتلال كوباني، تكررت محاولات الداعش في كانتون الجزيرة وتقدمه إلى

ضواحي ريف مدينة سري كانيه /رأس العين/ والطريق العام بين الحسكة وتل تمر بغية احتلالها، إلا أنها فشلت هناك أيضاً، وأصبحت روج آفا في حالة شبه حماية جوية من قبل طائرات التحالف بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية، مقابل إنضمام قوات سوريا الديمقراطية بقيادة الوحدات الكردية إلى التحالف الدولي لمحاربة الإرهاب.

وتلك كانت نكسة لمخططات الأتراك وإستخدامهم للداعش في إحتلال شمال سوريا.

بعد تحرير المناطق التي توصل تركيا بـ الداعش ساهم ذلك في تحجيم التبدال التجاري والدعم والاسلحة المقدمة من تركيا إلى هذه المنظمة، وشكل ذلك كارثة للطرف التركي والخشية من سقوط الداعش في ظل التقدم الذي ابداه قوات سوريا الديمقراطية، إلا ان أسطورة الداعش سقطت تماماً بعد ان نجحت القوى المحلية بدعم التغطية الجوية الأمريكية الروسية، وبذلك أسدل الستار عن أكبر منظمة إرهابية ظهرت بمعرفة ودعم الأنظمة الإقليمية.

38

القراءة الثالثة

الأسباب الإقليمية والدولية

التي ساعدت تركيا في إحتلال مقاطعة عفرين..

الصراع الروسي مع المصالح الأمريكية الأوروبية في الشرق الأوسط بات واضحاً من خلال المشهد السوري المتأزم، لطالما يشكل حلف الناتو دائرة حصار حول روسيا ومصالحها، وتسبب ذلك في تحجيم دورها العسكري في مناطق الصراعات والنفوذ والطاقة، وهو ما يظهر لنا طبيعة الجهد الذي يبذله الروس في إضعاف هذا الحلف ومحاولة خلخلته من خلال إستمالة أية قوة مركزية فيها بغية خلق توازنات جديدة تمكن روسيا من إعادة نفوذها إلى الشرق الأوسط، وتكسر بذلك الحزام الممتد حول حدودها مع أوروبا الشرقية، مروراً بتركيا التي كانت جزء من قوى الضغط على الروس، وصولاً لباكستان والهند، إلى كوريا الجنوبية واليابان والتايوان. ولعل الأزمة السورية هيئت بعض الظروف والمناخ الجيوسياسي امام الروس في إعادة تثبيت وجودهم داخل بعض المناطق الحيوية وبناء مصالح جديدة تمكنها من تخفيف وطأة التحجيم الذي يفرضه الأمريكيين والأوربيين عليها من خلال حلف الناتو.

ومع تمدد النفوذ الغربية إلى أكرانيا، وفقدان الروس أي نفوذ داخل الدول العربية التي تملك النفط والغاز بعد تدخل حلف الناتو في ليبيا واليمن وقبلهما الكويت والعراق وأفغانستان، والإستحواذ على الطاقة في الشرق الأوسط، فإن الخشية الروسية الآن من تمدد هذه المصالح اكثر في سوريا، التي تجدها الموقع المتبقي الوحيد لنفوذها

ووفق المفرزات الحدث السوري أتضح سير تحجيم الدور الروسي من البوابة الكردية، بعد سيطرتهم والقوى المحلية المتحالفة معها وبالتنسيق مع التحالف الدولي لمكافحة الإرهاب بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية، على 75% من منابع النفط والغاز والسدود المائية في سوريا، وهو ما شكل تهديداً مباشراً للنفوذ الروسية، وإجبارهم على تقاسم المصالح مع الأمريكيين، لتصبح سوريا مقسمة فعلياً بين مناطق غنية تسيطر عليها الولايات المتحدة الأمريكية، أي بمعنى إستمرارية عملية التحجيم للنفوذ الروسية في آخر معاقل تواجدها. ومن هنا بدأت التحركات الروسية في خلق إشكاليات متعددة امام النفوذ الأمريكية – الغربية، من خلال دعم وكلاء إقليميين في عملية ممارسة وتشكيل ضغوطات وتهديد للمصالح الأمريكية

39

الغربية، إلى جانب إثارة خلخلة داخل حلف الناتو من بوابة احد اهم قواها الفاعلة.

تركيا

الخوف التركي من تشكيل إقليم كردي محاذي لحدودها الجنوبية دفعها إلى توطيد علاقاتها مع الروس على حساب التحالف مع الأمريكيين والغرب، وتعتقد تركيا إن التطورات الناتجة عن الصراع السوري قد أفرزت وضعاً كردياً جديداً مماثلاً لما حصل في العراق ونتج عنه إقليم فدرالي، وإن الدول الغربية بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية تحاول من خلال الدعم العسكري للإدارة الذاتية في روجآفا – شمال سوريا، إيجاد بديل لعلاقاتهم مع تركيا، وهو ما يشكل خطراً على الأمن القومي التركي ووحدة اراضيها وفق منظورها ، وسوف يكون ذلك دافعاً طبيعياً لتأليب الرأي العام الكردي في تركيا ودفعهم إلى المطالبة بنفس الحقوق، وبذلك تخسر تركيا حدودها بالكامل مع سوريا كما خسرتها مع العراق سابقاً، وتبدأ معركتها الداخلية مع الكرد ومواجهة عملية تفكيك تركيا.

من هذا المنطلق تحاول تركيا بشتى الوسائل إعاقة هذا المشروع، لا سيما بعد فشلها في إقناع الأمريكيين بالتراجع عن دعم الكرد، والتوجه نحو إستخدام القوة سواء من خلال مجموعات متطرفة للمعارضة السورية أو التدخل العسكري المباشر كما حصل في عفرين

تقاطع المصالح بين الروس والأتراك نتيجة للتنافس الأمريكي الروسي في سوريا

وظف الروس حالة التمعض التركي حيال الموقف الأمريكي الداعم للإدارة الذاتية، بحيث يتم إستخدام الأتراك في القضاء على المجاميع المسلحة للمعارضة وتسليم المناطق للنظام السوري مقابل إفصاح المجال للاتراك في منع تكوين حكم ذاتي أو فدرالية للكرد شمال سوريا تكون حليفة للأمريكيين والغرب، وبذلك تستفيد روسيا من جميع النتائج، القضاء على المعارضة السورية، إنهاء اي دور للكرد – حلفاء امريكا، وإبعاد الأتراك من التحالف مع الغرب والأمريكيين ضمن حلف الناتو، وكل ذلك يتم تحقيقه من بوابة التحرك التركي، وهي مصالح مهمة للروس مقابل التخلي عن أي تغطية على الوجود الكردي في مقاطعة عفرين. وهذه العوامل الجيوسياسية سوف تدع الولايات المتحدة امام خيارين أفضلهما أسوء من الآخر، وفي كلا الحالتين ستسبب في تقليص نفوذها إن لم تكن جدية حيال المسائل المتعلقة بحماية مصالحها وحلفائها في الحدث السوري، ويمكن رؤية المشهد من خلال تخيير الأمريكيين بين التخلي عن

الكرد والشمال السوري الذين يوفران لها نفوذاً داخل سوريا أو التخلي عن تركيا التي تخلق لها بلبلة في حلف الناتو وكذلك تفتح الطريق امام الروس في تكثيف نفوذها في الشرق الأوسط، في ظل عدم وجود صيغة تقاربية بين الطرفين الكرد الأتراك ، تبقى الخيارات الأمريكية ضبابية، ولا يمكن دعم إحدى الطرفين دون آخر، ويمكن رؤية هذه الحقيقة من خلال الموقف الأمريكي لما يحصل في مقاطعة عفرين

المحاولات الأمريكية في إستمالة الأتراك دون التخلي عن دعم الكرد لن تجدي نفعاً امام التعند التركي الواضح في رفض وجود وضع كردي خاص شمال سوريا، رغم التاكيدات الأمريكية الكردية في ان التطورات شمال سوريا ليست الغاية منها إعلان وضع كردي خاص، إلا ان مشروع الديمقراطية المنشودة من قبل الإدارة الذاتية وتحقيق إتحاد شعبي بين المكونات السورية في الشمال شكلت تهديداً على الكيان القومي التركي الذي يخشى كثيراً دمقرطة الشرق الأوسط.

ببساطة قدمت روسيا خدماتها للاتراك وهيئت لها الوسائل والتغطية الإقليمية والدولية وإعطائها الضوء الأخضر في غزو جزء حيوي من مناطق الإدارة الذاتية، وذلك على مراحل إبتداءً من إحتلال المثلث الفاصل بين نهر الفرات ومقاطعة عفرين، وإقامة حكم شبه ذاتي للتركمان في منطقة جرابلس وإعزاز والباب ، وتمكين الأتراك من إقامة قواعد عسكرية في إدلب، كل ذلك مقابل الأهداف التي ذكرناها. وصراحة الصفقة مربحة بالنسبة للاتراك مقابل المطالب الروسية التضحية بالمعارضة السورية، وتحجيم العلاقات مع الولايات المتحدة والغرب، وهذه العوامل توفر لروسيا إعادة بسط سيطرة النظام على الجزء الأكبر من سوريا، وإدخال الأمريكين والغرب في صراع مع تركيا، وسوف تكون ذلك بوابة للجوء التركي إلى الحاضنة الروسية، وبذلك تثقل الكفة الروسية وتوسع نفوذها أمام التراجع الأمريكي وتقليص دورها وخسارتها للحليف التركي.

إن فهم هذه المسألة من بوابة التصريحات الأخيرة بين المسؤولين الأمريكيين والأتراك، واللقاء الأخير لوزير خارجية الولايات المتحدة مع القيادة التركية أظهر بوادر التنافس الأمريكي الروس في إرضاء وإستمالة الأتراك، رغم عزلة نظام أردوغانإقليمياً ودولياً، إلا أن مصالح الدول الكبرى دفعت إلى الصراع من أجل كسب ودّ الأتراك، والتضحية ببعض المصالح لإرضائها، بعكس ما يجب تحقيقه في ضرورة توجيه ضربة سياسية وإقتصادية لتركيا بحكم ممارساتها في دعم المجموعات المتطرفة حول العالم، وتشكيلها خطر إرهابي على أوروبا والشرق الأوسط.

يمكن أستوعاب مسألة إستخدام الروس للاتراك من باب المنفعة الكبيرة والنتائج التي أستفاد منها الطرفين على حساب مشروع الأمة الديمقراطية، التي لاقت إقبالاً كبيراً بعد مقارعتها للإرهاب وبذل وحدات حماية الشعب الكردية جهداً كبيراً في هذا السياق، بعكس مصالح الانظمة التي وجدت نفسها بصدام مع الأتراك في حال دعمت هذا المشروع. ولعل الروس أدركوا جميع هذه الجوانب في الوضع السوري، وأستطاعوا توجيه دفة المسائل وفق مصالحهم الخاصة أمام الخيارات الأمريكية المحدودة

إن المحاولات الأمريكية ومناوراتهم في إرضاء الكرد والأتراك في آن واحد بائت بالفشل أمام المخططات الروسية الرامية إلى إلى تقليص الوجود الأمريكي في سوريا، ومسألة الجمع بين حليفين متصارعين في آن

41

واحد غير ممكن بعد عملية غزو مقاطعة عفرين، ومسألة التضحية بالأتراك وتمكين الروس من إختراق عزلتها الدولية وكسر جدار حلف الناتو امر غير وارد لدى الأمريكيين، وكذلك التخلي عن الكرد في سوريا أمر خطير للغاية، قد يفتح المجال امام الروس للمناورة اكثر حول العراق والخليج العربي في ظل التوكل الإيراني وحلفائها المذهبيين على الدور الروسي. لذا فإن المساحة الأمريكية محددة الان في الشرق الأوسط ومصالحها مهددة أيضاً، إذا ما تخلت عن البطاقة الكردية، وهو ما يتطلب مناورة جديدة قد تنجح أو تفشل في تحيد الأتراك عن العلاقة مع الروس، ولكن مقابل ذلك سيقدم الولايات المتحدة بعض الضمانات والصفقات للأتراك، والصفقة المربحة الوحيدة بالنسبة للاتراك هي تحجيم الإدارة الذاتية الديمقراطية وتقديمها لهم على طبق، وهذا غير ممكن بالشكل الذي يتمناه الأتراك في ظل ظروف المصالح الأمريكية التي تتعرض للأزمات في الشرق الأوسط، وخسارة الشمال السوري يفتح المجال امام المصالح الإيرانية في التمدد، وذلك يشكل ايضاً خطراً على جميع الأطراف، ويعتبر خللاً كبيراً في التوازن للصراع السني الشيعي الذي يحتاجه الغرب والأمريكيين والإسرائيليين في عملية إلهاء الطرفين ببعضهم حتى تكون إسرائيل في أمان، والطاقة التي يستحوذ عليها الأمريكيين وتصدير الأسلحة التي تعيد للخزانة الأمريكية والغربية مليارات الدولارات في صيرورة دائمة.

أنا أدرك تماماً إن المشهد معقد جداً، والمعطيات الجارية في عفرين هي جزء حيوي لمفرزات هذه الأحداث التي نشهد بشكل درماتيكي حلقاتها، ولعلَّ العامل الدولي والظروف الإقليمية تفرض الكثير من المشاهد الغير متوافقة مع رؤية المشروع المنشود في الشمال السوري، إلا أن النظر إلى طبيعة هذه

المعطيات من باب الكلية الغير مستقرة للاحداث، والفرعية التي يمكن الإستفادة منها خلال توظيف الكثير من المسائل للحيلولة دون إستمرار مجريات الاحداث كما يتأمله الجانب التركي، ويعود ذلك إلى المخططات الروسية الغير مستقرة ضمن خط سير إستراتيجي، بحكم إن الهدف الروسي يتركز على حجم الاستفادة من الاحداث وعلى رأسها الإستفادة الإقتصادية، بعكس الأهداف الأمريكية التي تبحث عن تحقيق هدفين معاً بناء مصالح إستراتيجية مستقبلية لإستمرارية الإستفادة الإقتصادية الدائمة ، ويتفق القوتين على مسألة، تقاسم النفوذ، والتوسع المستمر، وبناء مصالح، وإقامة أنظمة تضمن إستمرارية تدفق الطاقة مقابل تزويد الحلفاء المحليين بالاسلحة.

الأتراك يتأملون من خلال هذه التركيبة ان يقدم لهم الأمريكيين نفس الصفقات، والحديث حول منبج جاء بنفس السياق، وقد تكون بمثابة رشوة أولية لبقاء تركيا في الوسط دون الميلان إلى الحلف الروسي كلياً، والأمريكيين مجبرين لإستمالة الأتراك إلى نحو تقديم أو توفير بعض الصفقات لإرضائها. وهنا العامل

42

الروسي حاضراً لإقامة الصفقات والسمسرة على أية منطقة سورية مقابل تحقيق اهدافها المتعددة. وفي حال حدث بعض الظروف الطارئة على المشهد السوري ستتوقف روسيا عن دعم مساعي الأتراك، وهو بتحييد الكرد من التحالف الأمريكي، إلا ان الفائدة منهم لن تكون بحجم إستخدام تركيا ضد حلف الناتو وتهديد أوروبا ومصالح أمريكا

صراحة الروس يتقنون السياسة أمام الأمريكيين والغرب في سوريا، وإن كان ذلك بشكل مؤقت، ويبدو إن البوابة السورية تشهد حرباً عالمياً ثالثاً، وإن كان ذلك بوسائل مختلفة ونزاعات بالوكالة.

من هنا نجد التقارب الروسي التركي بعد التباعد الأمريكي الأوروبي من تركيا، والسبب الرئيسي في ذلك مشروع الأمة الديمقراطية في الشمال السوري، التي تجدها تركيا غريمتها، وكان ذلك دافعاً للاتراك في تقديم وتسليم معظم مناطق المجاميع المسلحة للمعارضة السورية إلى النظام مقابل تجميع المسلحين في إدلب وغربي نهر الفرات، وتوفير الظروف التي تمكنها من تعطيل التطورات الكردية في الشمال السوري. والروس عموماً عرفوا كيفية توظيف وإستغلال الأهداف التركية في عملية تقاطع مصالح بين الطرفين يشارك فيها الجانب الإيراني الذي بدوره يخشى أي تطور للقضية الكردية في سوريا، وكذلك النظام السوري الذي يحلم بالعودة إلى سابق عهدها في السيطرة على كامل البلاد على نحو الشكل الذي كان قبل

إندلاع الثورة السورية. ويمكن فهم ذلك من خلال التنازلات الكبيرة التي أقدمت عليها تركيا مقابل السماح لها بإحتلال كافة المناطق الممتدة بين نهر الفرات ومحافظة إدلب، بذلك تمنع فتح كريدور لوصول الإدارة الذاتية الديمقراطية إلى البحر أو على الأقل تشكيل إقليم موحد في الشمال السوري على كامل الخط الحدود التركي مع سوريا، وبذلك تمنع أي منفذ كردي على العالم، وإجبارهم على تمرير النفط أو التواصل مع العالم عبر تركيا حصراً، أو النظام السوري. مقابل قيام روسيا بالسمسرة على سوريا والتضحية بها في سبيل إضعاف حلف الناتو. وعلى هذا يجتمع الطرفان، بخلاف التمدد الإيراني الذي بات يشغله تنسيق الطرفين.

هل ثمة خلاف إيراني روسي أو منافسة تركية إيرانية في الأفق ؟

الطرف الروسي يدير مشاريعه ضمن الدوائر الجيوسياسية التي تسمح بها إسرائيل، وعملية المنافسة مع الإمريكيين لإرضاء إسرائيل لم تنجح بعد أن أعترفت الولايات المتحدة بشكل رسمي مدينة القدس عاصمة لإسرائيل، إلا أن الصفقة الروسية مع الأتراك لم تكن أقل شئناً من النجاحات الأمريكية في إستمالة إسرائيل مقابل التسليم التركي للمشاريع الروسية، ولكن ليس بمعزل عن إرضاء الأهداف الإسرائيلية التي باتت واضحة من خلال دفع القوى الكبرى إلى تقسيم المنطقة وتضعيف قوتها وتجريد الانظمة والحركات المسلحة الكبيرة من أسلحتها الثقيلة التي تهدد أمن إسرائيل، وهذا ما لا يتوافق مع الأهداف الإيرانية وحلفائها في الشرق الأوسط، حيث إن الإيرانيين بدورهم استخدموا الروس في إنقاذ سوريا وفتح الطريق البري بين

43

طهران وبغداد وصولاً لدمشق وبيروت، وتعني ذلك بالنسبة للإيرانيين بسط السيطرة على هذه المنطقة، على غرار نتائج حرب العراق والإستفادة التي حصلت عليها إيران، وهذا ما لا يمكن تحقيقه في سوريا، لأن الأهداف الروسية ترتكز على عوامل إستراتيجية للإسرائيليين تأثير اعظم في بنائها، مقابل أدوار روسية في تركيا. وهو ما جعلت روسيا تنافس الإيرانيين في سوريا، وإن كان ذلك بشكل غير مباشر. ويظهر لنا أيضاً التنافس الإيراني الإسرائيلي وعملية التغطية والتسهيلات بين الطرفين، مع وجود منافسة على سيادة الشرق الأوسط، حيث أصبحت إيران القوة الطائفية الوحيدة التي تنافس إسرائيل وتملك قوات الردع.

وفق المشهد تحاول روسيا بسط سيطرتها على المصالح الإيرانية في سوريا والعراق ولبنان واليمن،

وتوجه قدراتها إلى تمديد المصالح الروسية بالطاقة، أي بمعنى تحويل النفوذ الطائفية الإيرانية في الشرق الأوسط إلى آليات لتحقيق الأهداف الروسية. بينما تنشد إيران مشروعاً توسعياً للسيطرة على الشرق الأوسط، ويتفق الروس والأمريكيين على تحجيم الدور الإيراني في المنطقة، لعدم فتح المجال أمام طرف ثالث يتقاسم الكعكة السورية معهما، بينما تجدها روسيا أحد أذرعتها الإستراتيجية في تهديد المصالح الأمريكية، أو على الأقل حصارها، لإمتلاك إيران بالإضافة إلى ترسانتها من الاسلحة المتطورة حركات وتجمعات ضخمة لا تقل تسليحها عن مستوى الدول، والنماذج القائمة كحزب الله اللبناني والحركة الحوثية في اليمن والجماعات العراقية المسلحة التي تتحكم في شؤون الدولة، ومعظم القوات الرديفة للنظام السوري.

تستفيد روسيا من وجود الإيرانيين لتهيئة الظروف أمام مصالح موسكو الشاملة والدائمة في سوريا، ولكن تصطدم بمصالح إيرانية التي تنافس مصالحها، وهنا تكمن مسألة تنافس الطرفين الغير معلنة، والروس أذكياء لا يريدون تكرار التجربة الأمريكية في العراق وتقاسم الإيرانيين مع الأمريكيين طاقات العراق المتعددة، بل السيطرة الإيرانية الكاملة على العراق بعد عملية غزو محافظة كركوك، لهذا يحاول الروس تأجيج المشاعر المذهبية في الخليج العربي لدفع الأمريكين والأوروبيين لممارسة الضغط على الوجود الإيراني في سوريا ولبنان حتى يتم تحجيمها، والمستفيد من ذلك الروس، وأيضاً وجود المنافسة الروسية الإيرانية الغير علنية تفيد إسرائيل، لأن هذه المنافسة تدفع بالروس إلى الحضن الإسرائيلي وتوفير مزيداً من الضمانات الروسية لأمن إسرائيل.

وظهرت على الساحة السورية أيضاً ردة فعل الإيرانيين حيال التقارب الروسي التركي، لأن الإيرانيين يعتبرون الأتراك بمثابة أكبر منافس لهم في الاستحواذ على النفوذ داخل الشرق الأوسط، سواء من منطلق مذهبي أو إقتصادي. ويمكن فهم المسألة أكثر خلال نتائج أحداث عفرين وتدخل اللجان الشعبي السورية

44

خارج الإرادة الروسية. ورؤية هذه الأرجحية بشكل أوضح تكمن في معرفة هوية اللجان الشعبية الرديفة للنظام السوري، حيث يغلب عليها الصبغة الإيرانية، وهذا يؤكد على وجود الصراع العميق على المصالح داخل سوريا بين الروس والإيرانيين، لأن الروس أقاموا صفقة مع تركيا على حساب مقاطعة عفرين الكردية، ليس فقط من أجل تسليم مناطق في إدلب والغوطة الدمشقي للنظام، وإنما تتعلق تلك

الصفقة بمسائل أبعد من سوريا تصل لمستوى بيع أسلحة ثقيلة لتركيا وخلق إشكاليات داخل حلف الناتو. لهذا لم يكن سهلاً في مجريات الغزو التركي على مقاطعة عفرين، فرض حظر جوي لمنع الطائرات الحربية التركية في قصف المقاطعة، لأن أمر ذلك كان منوطاً بالهيمنة الروسية على أجواء مناطق سيطرة النظام، والطائرات الإيرانية لا تستطيع التحرك على الاجواء السورية في ظل التوافق الروسي الأمريكي بدعم الإسرائيلي السعودي في تقليص الوجود الإيراني داخل سوريا.

داخل هذه العجقة الجيوسياسية تظهر لنا مدى طبيعة السمسرة التي تقيمها روسيا على حساب سوريا، بغية توسيع مصالحها في الشرق الأوسط والتي لن توافق بالضرورة مع المصالح الإيرانية، في ظل تحويل النظام السوري إلى موظف للمصالح الروسية في قاعدة حميميم.

45

القراءة الرابعة

ماهية الأحداث السورية بين المصالح والتقسيمات

  1. التقسيمات الجيوسياسية في سوريا

خلال مراحل الثورة السورية المتواصلة استطاعت الأطراف الدولية والقوى العظمة الحاكمة في المنطقة سواء التي تدعم النظام السوري أو التي تبنت المعارضة دفع واقع الحدث والصدام العنيف في البلد إلى دائرة مصالحها الخاصة، وإجبار السوريين على تعمق علاقاتهم مع تلك القوى الكبرى بسبب الحاجة إلى السلاح والإمكانيات من أجل الإستمرار في المواجهات والحرب الداخلية سواء بشكل مباشر مع الدول الكبرى أو من خلال بعض الأنظمة المسيَّرة من تلك القوى الكبرى في المنطقة، بالإضافة إلى دفع جميع الأطراف السورية تمهيد الطريق أمام تلك القوى للتحكم بها وسيرها وفق مصالحها، وبنفس الوقت دفع سوريا إلى واقع وظروف قررتها تلك القوى الكبرى ورسمت لها بعد انطلاقة الثورة السورية بشهور قليلة بعد أن استطاعت نفس القوى السيطرة على مصر وليبيا وتونس واليمن وصومال والعراق والسودان سابقاً، ودفع حراكها الى إسقاط الأنظمة الناجمة عن الثورة وخلق وضع بديل وخاص يدخل جميعها في خانة مصالح تلك القوى التي زادت من تحكمها في الشرق الأوسط.

فالقوى العسكرية الناتجة عن الوضع السوري ما هي إلا وليدة المكونات السورية القائمة على الإختلاف والاتحاد القصري، حيث عمد النظام البعثي خلال العقود الماضية على ممارسة كافة أنواع التفرقة بين المكونات، بغية تسهيل السيطرة عليها وفرض حاكميته الدائمة، لتظهر تلك التناقضات مع أول صِدام بين هذه المكونات، لتبرز بشكل واضح عزوف هذه المكونات وإنطوائها على نفسها في دفع الحالة السورية إلى واقع عسكري أستطاع كل طرف بناء قوته في مناطق محددة، لتصبح سوريا فعلياً منقسمة هذه القوى. حيث أصبح النظام يمثل الطائفة ( العلوية ) فعلياً، مقابل تمثيل المعارضة وجماعاتها المتطرفة الوجود السني، فيما أصبحت الإدارة الذاتية ممثلاً فعلياً للكرد والقوى المتحالفة معهم من العرب والسريان، في الوقت الذي أخذت فيها الدروز موقفاً قريباً من العلويين إلى جانب المسيحيين والإسماعيليين والمرشدية الذين أحتموا بالنظام خوفاً من الإمتداد الجماعات المتطرفة.

هذه المكونات العسكرية التي أفرزت خارطة سياسية جديدة لسوريا دفعت بها نحو التقسيم الفعلي بدعم من القوى الكبرى التي وجهت بوصلة الاحداث نحو هذا تحقين وتعميقها لدرجة دفع هذه القوى المحلية إلى حضن القوى الإقليمية التي سيرتها لتحقيق أهدافها، وسيناريو إستلام وتسليم المواقع والمناطق بين النظام

46

والجماعات المسلحة تم بتوجيه تركي في سبيل الحفاظ على أمنها القومي من خلال إحتلال المنطقة الحساسة بين نهر الفرات ومقاطعة عفرين، وتجميع معظم الفصائل المسلحة في هذه المنطقة لتحقيق هدفين، إجراء تغيير ديمغرافي للمنطقة، وتجهيز هذه الفصائل ودفعها إلى خلق نزاعات دائمة للإدارة الذاتية الديمقراطية في روجآفا – شمال سوريا.

هذه القوى كلاً فرض وجوده بقوة السلاح على مناطق سيطرته وتقود عملية تنظيم شؤون المناطق المسيطرة عليها، وبذلك فرضت واقعاً جديداً يثبت عملية تقسيم سوريا، لتتهيئ واقع تقسيم سوريا بين المصالح الدول الكبرى، ويتكرر النموذج العراقي في سوريا، وكل طرف يحصل على حصته من الكعكة السورية.

اللاعبين الدوليين المهيمنين على الوضع السوري وجهوا دفة الاحداث إلى نحو تكريس مصالحهم، وبذلك لن يكون سهلاً بأي شكل من الاشكال جلاء تلك القوى الكبرى، لطالما نتجت الاحداث تكريس مصالحهم، وسوف يكون ذلك ثابتاً خلال السنوات القادمة، مع إتفاق تلك الدول ضمنياً على تقسيم المصالح في الشرق الأوسط .

جرت العملية منذ البداية على استنزاف جميع الأطراف، وتنفيذ الفرز السكاني للمكونات ومناطق تواجدها، وأوكلت إلى منظمة الداعش إنجازه لتلك المعضلة، ممع تكريس التقسيم الفعلي على الأرض، ليأتي بعد ذلك الدور على تثبيت الموجود حتى يتسنى لتلك القوى التدخل بشكل مباشر لتقسيم المصالح بينها، ويتكون بعدها واقع جغرافي جديد ومصالح مشتركة بين الروس والأمريكيين لجعل المناطق المقسمة مستعمرات تحت الطلب، وسوقاً لمنتوجاتها وشركاتها، وإن كانت روسيا الأسرع في تحويل مناطق نفوذها إلى مواقع لإجراء الصفقات والسمسرة عليها.

إن قضية خلق أسواق جديدة للبضائع والأسلحة هو الهم الأكبر للشركات التي تحكم في روسيا وأمريكا، وهو ما يفرض مسألة التوافق بين الطرفين، وإن كانت الولايات المتحدة تستعين ببعض الدول الغربية وفي مقدمتها فرنسا وبريطانيا، لم تتوقف روسيا في تهيئة الظروف داخل الشرق الأوسط للشركات الصينية، لتصبح سوريا بوابة جديدة للقوى الكبرى في تحويل الشرق الأوسط إلى سوق كبير وحقل خاص للنوعيات الجديدة من تجارب الاسلحة وإستهلاك المنتوجات المتنوعة.

فالمنطقة مقبلة لواقع جديد وما هو على الأرض في سوريا سيتم تثبيته ، وكل طرف سيدعم حلفائه من المكونات السورية لتكريس التقسيم.

  1. الخليج العربي وإحتمالية التوجهات الجديدة في سوريا

خلال المراحل الماضية من الحدث السوري اعتمدت المملكة العربية السعودية بعض الحركات والتجمعات في إظهار حضورها على المشهد السوري الداخلي، وهيمنتها على بعض مفصل المعارضة المسلحة، وعلى رأس

47

تلك الجماعات والكتائب ما يعرف بـ جيش الإسلام، الذي أتخذ من المناطق الحساسة داخل سوريا مرتعاً ومراكز لتحركاتها وعملياتها، لاسيما ريف محافظة دمشق، إلا أن التوازنات العسكرية والسياسية الجديدة بعد الإتفاقيات الروسية – التركية لإخلاء معظم مناطق المعارضة لحساب النظام، وفتح المجال أمام الأتراك في منع الكرد التواصل مقاطعتي كوباني وعفرين وإنتهاءً بإحتلال المنطقة بأكملها، إلى جانب طبيعة العمليات الروسية العنيفة، والاتفاقيات الأخيرة مع الأمريكيين حول المسائل الأساسية في سوريا، جعلت الكتائب والجماعات المسلحة تتراجع كثيراً في عدة نقاط هامة، لاسيما في دمشق وحمص وحلب والتي كانت مراكز تحرك الكتائب التي دعمتها السعودية، وبذلك فإن المناطق التي سيطرت عليها سابقاً هذه الكتائب في عمق مناطق النظام بات غير موجودة نتيجة لخروج أعداد كبيرة منها بعد التنسيق والاتفاق مع النظام بوساطة روسية إلى مناطق ريف إدلب، والتي بدورها تسيطر عليها جبهة النصرة وأحرار الشام / جبهة فتح الشام/ التابعتين لمنظمة القاعدة المتطرفة التي بسطت سيطرتها على كامل محافظة إدلب وبعضاً من ريف حلب بدعم وتسليح تركي، والتي لا تسلم مناطقها لأي فصيل آخر لاسيما الاتفاق الأمريكي الروسي على قصف مواقع الداعش والنصرة، وبذلك فإن رصيد ما يعرف بجيش الإسلام أصبح ضئيلاً جداً، تراجعت إلى درجة لن يجد هذه الكتائب مكان للسيطرة عليها في ظل الإتفاقيات الشاملة بين الأتراك والروس.

  1. الصراع على النفوذ

تحجيم سيطرة الجماعات المدعومة من السعودية وعملية تضعيف الرصيد السعودي في مناطق المعارضة وتراجع سيطرته على الفصائل الرئيسية، إلى جانب استمرار دولة قطر في التحكم بجبة النصرة وأحرار الشام، والتدخل التركي في جرابلس وبسط سيطرتها على إعزاز وبلدة الراعي والباب وصولاً لمقاطعة عفرين، وتحويلها إلى محميات تركية خاصة، وتنفيذ التغيير الديمغرافي لأكثر من 700 قرية وبلدة كردية لصالح جماعات متطرفة والحزب التركستاني. إلى جانب توسع قوات سوريا الديمقراطية وسيطرتها على كامل المنطقة شرق وشمال نهر الفرات، من ضمنها مدينتي الرقة والطبقة وكامل شمال محافظة دير الزور، ومعظم آبار النفط والغاز، مقابل سيطرة النظام السوري على معظم مناطق المعارضة بإستثناء أجزاء من محافظات إدلب ودرعا وحلب. مع تسهيل التركي – القطري للجماعات المتطرفة وحركة اخوان المسلمين في القضاء على النفوذ السعودية والإماراتية بشكل كامل.

  1. التقارب التركي الإيراني دافعاً لتوجه السعودية إلى روجآفا

مشهد المعارك العنيفة التي وقعت في عدة مواقع بين قوات سوريا الديمقراطية ونظام بشار الاسد خلال معارك الرقة ودير الزور، والتفوق الذي أبداه الكرد والقوى العربية والسريانية والآشورية والتركمانية المتحالفة معهم في تحجيم وجود النظام في مدينتي الحسكة والقامشلي، أظهرت أرجحيه عدم وجود علاقات

48

بين نظام بشار الاسد والكرد، وتلك الهالة الإعلامية المضادة والبروبغندا التي كانت تتغنى بها المعارضة السورية والأتراك حول وجود علاقات بين الكرد والنظام، تبين إنها مجرد إستراتيجية اتخذتها تركيا لتوجيه المعارضة ضد الكرد وشمال سوريا، واستخدام الائتلاف والكتائب المسلحة لأغراض ومشاريع خاصة بالأمن القومي التركي، وليس مشروع وطني سوري لإنقاذ البلاد، وهو ما أراح الخليجيين عموماً والمصريين والسعوديين والأردنيين بشكل خاص. إلى جانب التقارب التركي الإيراني وإعادة تطبيع العلاقات مع النظام السوري والهلال الشيعي الممتد من طهران إلى بغداد وصولاً لدمشق وبيروت. وهو الهاجس الذي يدفع بالخليجيين وعلى رأسهم المملكة العربية السعودية إلى خلق تحالف مع أي طرف رئيسي في سوريا وإعادة ترتيب أوراقها حتى لا تكون خارج اللعبة السورية. وبما إن المعارضة أصبحت ضعيفة بحكم التأثير التركي نتيجة للعلاقات مع روسيا، فإن الخيار السعودي سيكون التوجه نحو الكرد وإن كان بشكل غير مباشر، وكلما تعمقت العلاقات بين إيران وتركيا فإن السعوديين سيبحثون عن حليف جديد له القوى على الأرض في سوريا وبنفس الوقت يدعمهم الأمريكيين والتحالف الدولي لمحاربة الإرهاب، بما إنه ليس هناك مؤثر حقيقي في المنطقة فإن من مصلحة السعوديين وحلفائها التقرب من الكرد في ظل التحالف الأمريكي مع الكرد وترعرع قوة وانتشار مناطق سيطرة قوات سوريا الديمقراطية.

تدرك المملكة العربية السعودية إن مساحة سيطرة الولايات المتحدة الأمريكية تكمن في مناطق سيطرة قوات سوريا الديمقراطية، وإن ثقة التحالف الدولي شعبياً وحكوماتباتت راسخة في هزيمة منظمة الداعشعلى يد قوات سوريا الديمقراطية، المشَكَلة من المكونات الرئيسية داخل الجغرافية السورية، كما إن طبيعة إدارة روجآفا والقوات الموجودة باتت هي القوى الرئيسية المدعومة من حلفاء المملكة العربية السعودية، وإنه ليس من المنطق أن تعادي المملكة حلفاء حلفائها، إلى جانب طبيعة التواصل السعودي مع الداخل السوري من خلال العشائر العربية في محافظتي دير الزور والرقة، وهي مناطق سيطرة قوات سوريا الديمقراطية، وإن خسرت المملكة تلك المناطق فإن وجودها سوف تقتصر فقط في مناطق صغيرة جداً داخل محافظة درعا، وهي مناطق بعيدة عن أي تأثير على التمدد الإيراني في الصحراء السورية. لهذا إن المملكة العربية السعودية والإمارات أضطرت في التعامل مع الإدارة الذاتية وقوات سوريا الديمقراطية، وإن لم تتواصل بشكل مباشر مع الإدارة، فإنها تواصلت من خلال الوجود الأمريكي في شمال سوريا.

49

القراءة الخامسة للأرشفة

تركيا بين فكي الدولة العميقة والحركات الإسلامية المتوحشة

حقبة الانقلابات العسكرية في تركيا

بعد سقوط الخلافة العثمانية وسيطرة الجيش على مقاليد الحكم أصبحت المؤسسة العسكرية هي الحاكم في البلاد، مما توفر لها المساحة الكافية في قيادة البلاد ووضع قوانينها ورسم سياساتها، فيما إن تطور الحراك الحزبي ومعها الحياة السياسية استدعت التخفيف من سلطة المؤسسة العسكرية التي لم تجد سوى افتعال الاضطرابات والمشاكل في الشارع التركي بغية تحويل الجيش إلى المنقذ الذي ظل يسيطر على الحكم طيلة العقود السابقة، وسنجد ذلك جلياً من خلال الانقلابات التي حلت بالبلاد خلال أعوام 1960 – 1980 وكانت أبرزها في / 1960- 1971-1980/، كما تدخلت في عام 1997 عن طريق مذكرة عسكرية، وفي جميعها استطاعت المؤسسة العسكرية كبح جناح أي تطور وتصعيد للتيارات اليسارية الراديكالية والجماعات الإسلامية، تحت ذريعة الحفاظ على المسار العلماني للدولة التركية ونهج مصطفى كمال آتاتورك، وطبعاً نجحت في تمكين قبضتها على الحياة السياسية، وتوجيهها وفق المعايير التي تحافظ على سلطة العسكر.

انقلاب 1993 وجرائم الدولة العميقة /إرغينكون/

شهدت تركيا أوائل التسعينيات القرن الماضي اضطرابات سياسية وأمنية وعنفاً شديداً نتيجة لتطور حدة الحرب والمواجهات بين الجيش التركي وحزب العمال، ومني الجيش التركي بخسائر عسكرية كبيرة وضرباً في اقتصادها وبنيتها السياحية، مما دفعت الظروف بالحكومة ومعها مجموعة من كبار الضباط الجيش والسياسيين والإعلاميين في البدء بعملية سلمية مع الكرد عام 1993، إلا إن الدولة العميقة المخابراتية كانت رافضة لتلك الخطوات، وبدأت بسلسلة من عمليات التصفية في صفوف الحكومة وعلى رأسهم مقتل الرئيس التركي / تورغوت أوزال / وعدد من الضباط والصحفيين الداعمين لجهود

السلام.

50

أثناء المحاكمات التي جرت في 2008 بحق بعض المتهمين في قضية ضبط عدد من القنابل والمتفجرات العائدة لمنظمة /إرغينكون/ العنصرية، أظهرت طبيعة الجرائم الوحشية المنظمة بحق أبناء القومية الكردية في تركيا، وإجهاض عملية السلام بين الكرد والأتراك.

وحسب التحقيقات: إن الشريحة العسكرية والأمنية الرافضة لإيجاد حل للقضية الكوردية في تركيا تحركت من خلال ذراعها الإستخباراتي الدولة العميقة /إرغينكون/ في إجهاض عملية السلام المطروحة من قبل رئيس الحكومة تورغوت أوزال وبعض السياسيين والضباط، من خلال انقلاب سري داخل مؤسسات الدولة بهدف منع التوصل إلى تسوية سلمية (وحماية العلاقات السرية بين الجيش التركي، وأجهزة الاستخبارات بما فيها منظمة استخبارات جاندارما (JITEM) وعمليات مكافحة حرب العصابات، وقيادة حزب الله الكردي المعروف بإسم / قورجي/ ، والمافيا التركية.

ووفق التقارير الإستخباراتية وعدلية : كان فكري ساغلار، عضو سابق في اللجنة البرلمانية التي حققت في فضيحة سوسورلوك التي بدأت تسليط الضوء لأول مرة على الدولة العميقة التركية، وواحدًا ممن قدّم مثل هذه المطالبات، واصفًا إياها بـ انقلاب عسكري سري.

وكشف فكري ساغلار عن مجموعة كانت تسمى بـ جماعة العمل الشرقية / إرغينكون/ مسؤولة عن عدة اغتيالات في 1993، منها اغتيال القائد العام لقوات الدرك التركي، أشرف بتليس (17 فبراير)، والرئيس التركي تورغوت أوزال 17 أبريل(،والجنرال باهتيار أيدين (22 أكتوبر)، واللواء السابق سيم إرسيفر (4 نوفمبر). وبالإضافة إلى اغتيال الشخصيات الرئيسية التي تدعم عملية السلام.

وحسب التقارير: إنها حدثت عدة مجازر تحت مسمى إستراتيجية التوتر“. ، ومجزرة سيواس، ومجزرة باسباغلار في بداية شهر يوليو، وعدة مجازر أرتكبها الأتراك في المدن والأرياف الكردية في جنوب شرق البلاد.

خلال السنوات العشرة الماضية كان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان وحزبه العدالة والتنميةيقودان صراعاً ماراتونياً داخل أروقة المؤسسة العسكرية والأمنية التركية، بغية إضعاف سيطرة العلمانيين الذين لطالما توقفوا خلال العقود الماضية أمام تمدد التشكيلات السياسية الذات الخلفية الإسلامية، قبل أن يتمكن حزب العدالة والتنمية الفوز بالانتخابات البرلمانية سنة 2002، وشكلت بذلك أول حكومة بعد سنوات من المعانات على يد المؤسسة العسكرية الكمالية والتيار العلماني، مما أتيح لها إجراء تغييرات دستورية تمكنها من تعزيز وجودها داخل المؤسسات المتعددة، وتخفف رقابة

51

العسكر والأمن المكلفان بحماية العلمانية التركية، عبر تضعيف تدريجي لسلطة العسكر، وتمرير قوانين دستورية داخل البرلمان تمكن العدالة والتنمية من محاسبة بعض تصرفات الجيش. ومما لا شك فيه إن الإبقاء على المؤسسة العسكرية بحرسها القديم كان يشكل عائقاً أمام أطماع الإسلاميين في إعادة تركيا إلى حكم شبيه بالخلافة العثمانية، وهو ما دفع بالعدالة والتنمية بزيادة وتيرة سيطرتها بعد الفوز بدورات متتالية في الانتخابات البرلمانية والبلديات سنوات : (2007-2011-2015)، إلى جانب فوز الحزب بالرئاسة الجمهورية سنوات (2007 عبد الله غول– 2014 رجب طيب أردوغان) ونسبة الذين انتخبوا لحزب العدالة والتنمية في الانتخابات الأخيرة 2015( 49.48%) أي إن نصف سكان تركيا من الذين يحق لهم الانتخاب انتخبوا حزب العدالة والتنمية، وبذلك فاز حزب العدالة والتنمية بالانتخابات التشريعية والرئاسية والبلدية، وهو بطبيعة الحال ساهم في تقلص سيطرة الجيش والعلمانيين الذين لطالما كانوا يسيطرون على مقاليد الحكم والعسكر خلال الـ 80 سنة الماضية.

انقلاب 15 يوليو 2016

في مشهد يعيد إلى الأذهان طبيعة الانقلابات العسكرية التركية السابقة، ظهرت دبابات ومدرعات عسكرية ثقيلة ليلة 15 يوليو 2016 وسط شوارع مدينة أستنبول العاصمة أنقرة، ليعلن بعد ساعات قليلة على القناة الرسمية التركية التي تم الاستيلاء عليها من قبل الانقلابيين، إعلان انقلاب عسكري على سلطة حزب العدالة والتنمية، وإنشاء مجلس السلم من أجل أن تكون الهيئة الحاكمة في البلاد، وتم قطع الطرقات الرئيسية، وفرض حظر للتجوال في أنحاء البلاد، إلى جانب إغلاق المطارات والمجال الجوي، وتحليق مكثف للطائرات والمروحيات التابعة للسلاح الجو للتغطية التامة والإذعان بنجاح الانقلاب بشكل كامل.

وفق الداخلية التركية: إن المشاركين في العملية كانت القوى الجوية بطائراتها ومطاراتها العسكرية، والقوى البرية بأسلحتها الثقيلة، ومئات الضباط والجنرالات إلى جانب ألاف الجنود، وخلال ستة ساعات أستطاع الجيش السيطرة على العاصمة أنقرة ومدينة اسطنبول بالكامل، وانتشرت المدرعات في مداخل ومخارج المدينتين الكبيرتين المكتظتين بملايين السكان والمتواجد فيهما إدارة ومؤسسات الدولة العسكرية والأمنية والمدنية، وسيطر الانقلابيين على هيئة الأركان، والداخلية، والقنوات التلفزيونية الرسمية للدولة، ومبنى البرلمان، وأستخدم الانقلابيين الطائرات الحربية في السيطرة على الأجواء الجوية، مع انتشار كثيف للجنود والدبابات وسط الشوارع، ومعظم المطارات العسكرية

52

والمدنية ومن بينها مطار اسطنبول وأنقرة الدوليتين وقعتا تماماً بيد الانقلابيين، إلى جانب مطار قونيا العسكري الكبير، وقاعدة أنجرليك، والمرافق العسكرية الأخرى في العشرات من الولايات التركية. وفي بيان رسمي بثتها القناة الرسمية أعلن الجيش التركي / الانقلابيين/ سيطرتهم على البلاد من خلال فرض حالة الطوارئ والأحكام العرفية، إلى درجة لم يبقى وسيلة بيد الرئيس التركي طيب أردوغان ووزرائه للاتصال مع العالم الخارجي سوى الظهور بالهاتف على إحدى القنوات الموالية له ليدعوا الشعب التركي بالخروج إلى الشوارع لفرض الانقلاب، مما تأكد للعالم سيطرة الانقلابيين وإسقاط سلطة العدالة والتنمية تماماً.

وصرحت الوزارة الداخلية التركية: إن طائرتان حربيتان للانقلابيين رافقوا الطائرة التي أقلت أردوغان من مدينة مرمريس إلى اسطنبول. وفي تصريح آخر أكدت الوزارة: إن الانقلابيين قصفوا الفندق الذي كان يقيم فيه أردوغان بعد مغادرته أو قبلها، إلى جانب سيطرتهم على مطار آتاتورك الدولي في اسطنبول. ورغم سيطرة الانقلابيين على المجال الجوي لتركيا وكانت بيدهم الرادارات الجوية والطائرات الـ إف 16 والحوامات الحربية المتطورة، لم يستطيعوا الكشف عن طائرة أردوغان التي جاءت من مرمريس إلى مطار أستنبول، في الوقت الذي سيطر أردوغان بطائرته المدنية على مطار آتاتورك الواقع بيد الانقلابيين وتحاصره دباباتهم!؟

كل هذه الإمكانيات وقعت بيد الانقلابيين، وخلال 6 ساعات تم تنفيذ الانقلاب بنجاح تمام. فيما وبشكل مفاجئ صباح اليوم التالي تغيرت الأحداث كلياً، وتحول أردوغان إلى بطل منقذ لتركيا، وهو يقود المظاهرات وسط اسطنبول، واختفت الطائرات من الأجواء التركية، وظهر رئيس الأركان في اليوم التالي بصحة جيدة بعد أن تناقلت الجهات المسؤولة التركية عبر القنوات والتصريحات باعتقال رئيس الأركان على يد الانقلابيين. ليكشف لنا زيف العملية بمجملها والسيناريو الرديء الذي آلت لها العملية.

النتائج العملية وتصفية الخصوم وعملية التزاوج بين القوميين والعلمانيين وحزب العدالة والتنمية..

من خلال مجريات الأحداث والوقائع التي رافقت عملية الانقلاب يتضح وجه الأحداث وأبعادها والأطراف التي استفادت منها، والفوائد التي صبت لصالح حزب العدالة والتنمية، وهو ما يظهر لنا القائم بعملية التدبير في مجملها، والدافع وراء ما حصل بالضبط، حيث تشير مفاصل العملية والجهات المستفيدة منها إلى وجود يد لنظام العدالة والتنمية في كل ما حصل، والتي عملت على تحريك النزعات الانقلابية لدى الخصوم، ودفعهم للقيام بتحرك ضد الحكومة المؤيدة من الإسلاميين الذين يشكلون نسبة 50% من البرلمان، في الوقت الذي

53

جهز فيها العدالة والتنمية قدراتها وإمكانياتها العسكرية والأمنية إلى جانب مجموعاتها المرادفة لإفشال عملية الانقلاب من داخل الجيش. كما يمكن قراءة ذلك من خلال عدة عوامل وتحركات عسكرية وقعت أثناء عملية الانقلاب، وتبين لنا مدى وصول العملية إلى درجة النجاح والتنفيذ، ومن ثم فشلت بشكل مفاجئ وغير متوقع.

فكانت النتيجة بدء عملية تصفية واسعة من قبل أمن والجيش والجماعات التابعة لحزب العدالة والتنمية بحق الخصوم داخل جميع المؤسسات، ونفذ الأمن التركي الموالي لحزب العدالة والتنمية عملية تطويق لأماكن الضباط والجنود الانقلابيين، إلى جانب إطلاق يد المسلحين والجماعات المرادفة والمشكلة من أعضاء ومناصري حزب العدالة والتنمية، وشهدت لحظات تسليم العساكر لأنفسهم حالات ذبح ومجازر على يد تلك الجماعات. وخلال 24 ساعة تم إلقاء القبض على الآلاف الجنود والضباط والقضاة والمسؤولين والجنرالات المتقاعدين ومسئولين رفيعي المستوى في الدولة، ليتبين لنا بشكل واضح إن جميع من أطالهم الاعتقال كانوا ضمن لائحة أعدها حزب العدالة والتنمية خلال السنوات الماضية بحق ما يسمى الكيان الموازي كما صرحت الخارجية الفرنسية بذلك في اليوم السابع للإنقلاب. وبذلك أتاح المجال الكافي للعدالة والتنمية في تصفية من يقفون عثرة أمام مشروعها لإعادة الخلافة العثمانية.

والذين شملتهم الاعتقال والتوقيف والفصل من الضباط والعساكر والشرطة والأمن، ومن قطاع الوظيفة والعمل والمرافق المدنية وقطاع التعليم والقضاء، تجاوز خلال 5 أيام فقط أكثر من 70 ألف.

فيما إن عملية إقحام الشعب وإخراجه للشارع بحجة إفشال الانقلاب كانت خطوة ذكية من الجهات المخططة للعملية في إيقاع الخصوم داخل الجيش ومن ثم كسب الشرعية والشعب لإفشال تلك العملية.

وبذلك فتح المجال أمام نظام أردوغان في التخلص من المؤسسة العسكرية التي لطالما كانت تقف حجر عثرة أمام أطماع الإسلاميين في التحكم بأركان الدولة، وتكريس سلطة أردوغان الذي يطمح بصلاحيات كبيرة لرئاسة الجمهورية، وتأمين بقاء سيطرة حزبه.

ومن أجل القضاء على مصادر دعم الخصم، سارع أردوغان وحكومته إلى مطالبة الدول الغربية وأمريكا في تسليم أعضاء جماعة فتح الله غولن، وهي طريقة ذكية لدفع تلك الدول إلى لجم تحركات هذه الجماعة في الخارج. وبذلك يطمأن أردوغان ونظامه في القضاء على أية مخاطر تقف أمام بسط سيطرتهم بعد إضعاف سلطة العسكر تماماً بحجة الكيان الموازي.

كما نتج عن ذلك تلاحماً بين رواد الدولة العميقة في تركيا وتيارها (الحركة القومية) والكماليين (حزب

الشعب الجمهوري) مع حزب العدالة والتنمية.

إسلاميو تركيا بين مطرقة الجيش وسندان العلمانيين

54

خلال العقود الأربعة الماضية أسس إسلاميو تركيا عدة أحزاب، تفاعلت بعضها مع الحالة السياسية السائدة في البلاد، والبعض الآخر تم إجهاضها من قبل المؤسسة العسكرية والتيار العلماني الحاكم، وتسبب ذلك في مواجهات وصراعات تلقى إسلاميو تركيا مصيرهم بين المحاكم والتهديد والحظر.

  1. مع التحولات السياسية والعسكرية في تركيا بعد السبعينيات، فتح المجال أمام الطرق الصوفية بعد ترعرع نشاطاتها والإتحاد فيما بينهاالتوجه نحو تنظيم أول حزب سياسي في 1970 تحت أسم (النظام الوطني) الذي ترأسه نجم الدين أربكان بعد إتحاد بين طريقته الصوفية والحركة النورسية.
  • بعد تسعة أشهر تم حل الحزب بقرار قضائي من المحكمة الدستورية بأمر من قائد الجيش محسن باتور.
  1. لم يستسلم إسلاميو تركيا بعد حل حزبهم الأول، حيث قاموا بتأسيس حزبهم الجديد (السلامة الوطني) على أنقاض مشروعهم السابق، وكانت بداية عام 1972 انفراجا سياسياً في البلاد استفاد منه إسلاميو تركيا بعد إجراء بعض التغييرات في برنامجهم السياسي الذي أصبح أكثر تمازجاً مع العلمانية المنشودة، وخفف عنهم بذلك الضغوطات وتوفر لهم المساحة في المشاركة بالانتخابات التشريعية سنة 1974 والفوز بخمسين مقعداً، مما أتيح لهم المشاركة في الحكومة الائتلافية مع حزب الشعب الجمهوري .
  • في 1980 تزعم قائد الجيش كنعان إيفرين انقلابا عسكرياً أطاح بالائتلاف الحاكم وأعاد القوة للتيار العلماني، وشكل مجلساً للأمن القومي، وعطل الدستور وحل الأحزاب من ضمنها حزب السلامة الوطني الذي تم اعتقال مؤسسها وقادتها.
  1. بعد انقضاء ثلاثة أعوام على الاعتقالات التي طالت الإسلاميين واليساريين، بدأت في تركيا موجة انفتاح على الحريات في عهد حكومة توركوت أوزال، وتم الإفراج عن قادة إسلاميو تركيا، وسنحت لهم الفرصة ثالثة لتأسيس حزب جديد على أنقاض تجربتيهم السابقتين، حيث شكلوا نهاية عام 1983 حزب الرفاه، الذي شارك في نفس العام بالانتخابات، ولكنه لم يحصل سوى على 1.5% من الأصوات، وخلال 12 سنة أستطاع الرفاهالتطور بعملها والفوز بالأغلبية في انتخابات التشريعية 1995 بـ 158 مقعداً، ليترأس حزب الرفاه ورئيسها نجم الدين أربكان حكومة ائتلافية مع حزب الطريق القويم.

55

تم حظر الحزب في 1998 بتهمة أسلمت المجتمع وانتهاك علمانية الدستور .

  1. لم ينتظر إسلاميو تركيا كثيراً فسارعوا إلى تأسيس حزب الفضيلة في ديسمبر 1998 وخاض الانتخابات ودخل البرلمان بقيادة نجم الدين أربكان .

وشهدت البرلمان التركي صراعاً ومواجهات بين الإسلاميين والعلمانيين وصل إلى حد إسقاط عضوية البرلمان عن النائبة المحجبة للحزب مروة قاوقجيوإسقاط جنسيتها التركية ونفيها خارج البلاد.

تم حظر الفضيلة الإسلامي في 2001 من قبل المحكمة الدستورية العليا بتهمة محاولة إنشاء دولة إسلامية في تركيا وتهديد نظامها العلماني .

صعود الإسلاميين والسيطرة على مقاليد الحكم

قبل حل حزب الفضيلة من قبل المحكمة العليا التركية في أنقرة سارع مجموعة من برلمانيي الحزب إلى الانشقاق عن الحزب، وإعلان حزب /العدالة والتنمية/، تحت شعار التجديد في حزب الفضيلة. وكما هي العادة خلال الثلاثون السنة الماضية كلما تم حظر نشاطات التيار الإسلامي أو حل أحزابهم صارعوا إلى تأسيس حزب جديد، وهذا ما قام به برلمانيي حزب الفضيلة الإسلامي تحت مسمى الانشقاق من الحزب. ولعل التجارب السابقة للتيار الإسلامي وخلال عمليات الصراع مع المؤسسة العسكرية والعلمانيين كسبهم الخبرة في تطوير أدائهم السياسي، وأدواتهم التنظيمية، والتي كللت بنجاح كبير في انتخابات 2002، وحصل الحزب على/363/ مقعد في البرلمان من مجموع المقاعد/550/ وصوت للحزب/ 10808229ناخب /، مما أفصح المجال لـ إسلاميو تركيا في توسيع نشاطهم وتطوير تحركاتهم، واستغلال الظروف والمناخ والمال لكسب ود

شرائح واسعة من الشارع التركي، معتمدة في ذلك على رأسمالية السوق والتوجه نحو أوروبا، وانعكس ذلك على انتخابات 2007، حيث زاد الحزب من أنصاره ومؤيديه أضعاف، ليكون نسبة المصوتين له /16327291 ناخب/، وشكلت بذلك الحكومة، إلى جانب سيطرة الحزب على منصب رئيس الجمهورية بتولي عبد الله غول، فيما زاد عدد المصوتين للحزب في انتخابات 2011 إلى / 21399082 ناخب/، ليبدي بعد ذلك عن تراجع شعبيته في انتخابات يونيو 2015 وفق المصوتين للحزب إلى /18864864ناخب/، بعد أن أستحوذ حزب الشعوب الديمقراطية الكردي على عدد كبير من المصوتين، إلا أن الحكومة والرئاسة التركية وبحجة عدم اكتمال النصاب لتشكيل الحكومة أعادت العملية الانتخابية في نوفمبر 2015 ليعود إلى القمة من

56

جديد بعد عملية قيل إنها مشبوهة ومزورة وفق التقارير الإخبارية والسياسية الكردية والحقوقية التركية، وحسب الإحصاءات صوت /23669933 ناخب/ بنسبة 49.48% .

  1. بعد تقديم دعوة من قبل الجهات العلمانية لحظر نشاطات حزب العدالة والتنمية واتهامه بـ أسلمت المجتمع وتشكيل خطر على العلمانية والكمالية، رفضت المحكمة الدستورية في 30 يوليو 2008 بأغلبية ضئيلة دعوة بإغلاق مقرات الحزب، في الوقت الذي وجهت المحكمة تحذيرات إلى الحزب وتهديده بفرض عقوبات مالية عليه وحرمانه من نصف التمويل الذي يحصل عليه الحزب من خزانة الدولة.

تعقيدات الصراع وطبيعة الصدامات

شهدت تركيا خلال السنوات العشرة الماضية فصولاً من الصراع بين الطرفين، استفادت خلالها العدالة والتنمية في دفع الشارع التركي إلى التدين، ونجحت بتقديم العشرات من الضباط والجنرالات إلى المحاكم بتهمة التخطيط لإجراء الانقلاب والمؤامرة ضد الحزب الحاكم، في عملية انتقامية نفذها العدالة والتنمية لإضعاف الخصوم، إلا إنها كانت محاولات خفيفة جداً أمام هيمنة التيار العلماني المسيطر على أركان الجيش وقوى الأمن، ولم تتوفر لدى العدالة والتنمية المبرر الكافي في إجراء عملية التصفية الشاملة التي يحتاجها للسيطرة على الدولة والمؤسسات.

بحسب التصريحات الغربية: إن لوائح بالأسماء المتهمين في المحاولة الانقلابية الأخيرة كانت معدة مسبقاً لدى حكومة العدالة والتنمية.

مما تبرز أرجحية التخطيط لعملية الانقلاب الجديدة من قبل حكومة العدالة والتنمية نفسها، للإيقاع بما يسمى الكيان الموازيللدولة داخل المؤسسات. وهو ما يظهر طبيعة توزيع التيار المعارض له داخل مؤسسة الجيش والشرطة والأمن والوزارات، ليكون عملية تصفيته مشروعاً، لاسيما وإن ما يعرف بالكيان الموازي يشكل تهديداً على حزب العدالة والتنمية بعد الانشقاق الأخير بين أردوغان وجماعة فتح الله غولن المقيم في الولايات المتحدة الأمريكية والذي اختلف هو وجماعته مع أردوغان وحزب العدالة والتنمية بسبب دعوات أردوغان لإعادة الخلافة العثمانية، ويحكم هذا الأخير على شرائح واسعة من الجيش والأمن والمؤسسات بشكل غير مباشر داخل تركيا، وتلاحمه مع العلمانيين والجيش شكل خطراً كبيراً على سير ترعرع سلطة أردوغان وحزبه، وبسب وجود هرم تنظيمي وعسكري كبير له كان لا بد من عملية كبيرة لإجهاض مشروع غولن في الإطاحة بأردوغان، وهذا ما برز في مجريات الانقلاب الأخير للجيش.

الدولة العميقة والكيان الموازي والجماعات الرديفة لحزب العدالة والتنمية

57

إن طبيعة إفشال عملية الانقلاب الأخير بشكل درماتيكي يثير الشبهات والشك حول الجهة المنفذة، بعد أن ظهرت نتائجها التي دفعت بالمشهد إلى تمكين الجهاز الأمني الموالي لسلطة العدالة والتنمية في التخلص من عدد الأكبر للخصوم، وفتح الطريق أمام أردوغان وحزبه التحكم بأريحية في الجيش والأمن بعد السيطرة على البرلمان والحكم.

فيما إن فقاعة الكيان الموازي الموالي لجماعة فتح الله غولن يقابله جماعات مرادفة لحزب العدالة والتنمية لا تقل قوة وحجماً، وأصبح له جذوره وتمدده وتأثيره الكبير داخل تركيا، حيث قامت سلطة العدالة والتنمية خلال سنوات حكمها في صناعة لوبي من /أخوان المسلمين/ الأتراك، كمجموعات عسكرية ودعوية مرادفة لها داخل جميع المؤسسات، وتملك هذه الجماعات القدرة والإمكانيات الاقتصادية والعسكرية الهائلة ودعم لا مثيل له من الشارع التركي.

  1. الكيان الموازي

في 17 ديسمبر 2013 ألقي القبض على عشرات الأشخاص، من بينهم رئيس بنك خلقالمملوك للدولة بتهم الفساد، حيث بدأت معها التحقيقات الإعلامية والمحاكم التركية في فتح ملف فساد حكومة العدالة والتنمية، مما وضعت الأزمة أردوغان في مواجهة مع السلطة القضائية.

وهو ما دفع بأردوغان وحزبه وحكومته إلى إلقاء اللوم على ما يسميه الدولة الموازيةالتي يقودها فتح الله غولن زعيم حركة الخدمةوحليف أرودغان السابق . وبدأت من هنا موجة من الاتهامات والصراع بين الطرفين حيث يسيطر غولن على المئات من الشركات والمعاهد والمدارس والجوامع وينتشر مؤيديه وعناصره في الجيش والشرطة والأمن والوظائف بشكل واسع.

  1. الدولة العميقة

بتاريخ 21.4.2016 ألغت المحكمة العليا التركية قرار محكمة الجزاء الثالثة عشر في أستنبول حكماً صادراً عن محكمة الجزاء الثالثة التي وصفت قضية أرغنيكونعلى أنها تنظيم إرهابيواعتبرته غير صائب. وتحركت الدائرة السادسة في المحكمة العليا نحو إلغاء قرار المحكمة الثالثة بهذا الشأن، واتهمت المحكمة العليا المحكمة الثالثة بالضغط على المتهمين أثناء التحقيقات.

بذلك حمت المحكمة العليا هذه المنظمة الإرهابية المرتبطة بالجيش والاستخبارات التركية، والتي ارتكبت جرائم بشعة في المناطق الكردية داخل تركيا، وتسببت في إجهاض عمليات السلام بين الكرد والترك خلال الثلاثين السنة الماضية. والدولة العميقة، الكيان الذي يضم العلمانيين والقوميين

58

المتطرفين المعادين للقضية الكردية والتيار الإسلام السياسي في تركيا، من جيش وشرطة وقضاء وإعلاميين وبيروقراطية

59

المراجع العامة

  • كتاب: سقوط العثمانيين الحرب العظمى في الشرق الأوسط / يوجين روغان

  • كتاب: خط في الرمال بريطانيا وفرنسا والصراع على الشرق الأوسط / جيمس بار

  • مجموعة دراسات وأبحاث حول الفوضى الخلاقة “.
  • موسوعة ويكيبيديا العالمية
  • المرافعات الخمسة للمفكر والفيلسوف الكردستاني الأممي عبد الله أوجلان
  • كتاب: ذهنية الإرهاب لماذا يقاتلون بموتهم“/ جان بودربار – جاك دربدا – إد فولبامي – امبرتو إبكو.
  • كتاب: داعش من النجدي إلى البغدادي/ فؤاد إبراهيم
  • كتاب: تنظيم الدولة الإسلامية ( داعش ) إدارة التوحش/ عبد الله حمد الأرزق
  • كتاب: داعش خرائط الدم والوهم/ محمود الشناوي
  • كتاب: داعش الكتاب الأسود/ فادي وليد عاكوم
  • كتاب: تنظيم الدولة الإسلامية .. من اين جاء هؤلاء/ فواز جرجس
  • كتاب: داعش من الزنزانة إلى الخلافة/ احمد عبد الرحمن مصطفى
  • كتاب حقيقة تنظيم الدولة داعش/ أبو سفيان عمرو سادات الكرداسي
  • كتاب: داعش (تنظيم الدولة) في عيون الشعوب/ للدكتور سامر أبو رمان
  • كتاب: عالم داعش ، تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام/ هشام الهاشمي
  • كتاب: داعش ” ماهيته، نشأته، إرهابه، اهدافه، إستراتيجيته “/ مازن شندب

  • كتاب: تنظيم الدولة الإسلامية .. الأزمة السنية والصراع على الجهادية العالمية/ حسن أبو هنية و محمد أبو رمان

  • كتاب / في النظام الإسلامي السياسي / دكتور محمد عمارة
  • كتاب / تركيا الإرهاب والأقليات النوعية / مجموعة باحثين
    • ، برنامج بلا حدود، قناة الجزيرة، 24 نوفمبر 1999م

    • http://cutt.us/GH0Or

    • نجم الدين أربكان.. صانع أسس تركيا الحضارية

    • http://cutt.us/2qBQS

    • ما هي “الدولة الموازية” التي يحاول أردوغان تفكيكها؟‎

    • تطورات الحياة السياسية في تركيا

    • الدولة العميقة… تعريفها ونشأتها

    • http://cutt.us/MTdN/


      المؤلف في سطور

    • إبراهيم مصطفى (كابان)

      • باحث إستراتيجي كردي من مواليد سوريا/ كوباني 1980

      • معتقل سياسي سابق بين أعوام 2007-2011.

      • مدرب دولي للتنمية البشرية في البورد الألماني، ومشرف دوراتها في ولاية نوردن راين فيست فالان“.

      • حاصل على دكتوراه فخرية من المركز الثقافي الألماني الدولي.

      • حاصل على شهادة تقدير من منظمة السلام العالمية لخدمته في حقوق الإنسان.

      • باحث إستراتيجي في المركز الكردي للدراسات /سابقاً/ بوخم – ألمانيا.

      • رئيس تحرير الموقع الجيوستراتيجي / http://www.geo-strategic.com

    1.  

أضف تعليق