مسارات الأزمة السورية، ابراهيم مصطفى كابان، تحليلات استراتيجية

لتحميل الكتاب:
https://www.4shared.com/web/preview/pdf/9WddKu5bea?
أو :
https://de.calameo.com/read/005270298650c50b5c13a
لقراءة الكتاب :

 

أسم الكتاب:

مسارات الأزمة السورية

تحليلات إستراتيجية لــــ:

إبراهيم مصطفى ( كابان)

جهة النشر الإلكترونية

 

www.geo-strategic.com

contactgeostrategic@gmail.com

 

اسم العمل : مسارات الأزمة السورية

اسم المؤلف :ابراهيم مصطفى (كابان)

نوع العمل :تحليلات استراتيجية

رقم التسلسل: 80

الطبعة: الطبعة الالكترونية الأولى26–كانون الأول – 2019م

تصميم وتنسيق ومراجعة : ريبر هبون
الناشر: دار تجمع المعرفيين الأحرارالالكتروني

جميع الحقوق محفوظةللمؤلف

https://reberhebun.wordpress.com/

 

 

 

صدر للمؤلف

موجز في السياسة الخارجية لـ إدارة ترامب و(نظرة على الأحزاب السياسية في الولايات المتحدة الأمريكية) نشر إلكترونياً برعاية الجيوسترتيجي للدراسات/ ديسمبر 2017

المكونات السورية وسبل العيش المشترك ( خريطة الطريق .. الأقاليم الفيدرالية الجغرافية الديمقراطية) الطبعة الأولى الورقية تمت برعاية هيئة الثقافة في إقليم الجزيرة ودار شلير للطباعة والنشر قامشلو، حزيران 2018 /، وتم عرضها في معرض قامشلو الثاني للكتاب. الطبعة الثانية الورقية تمت برعاية مركز القاهرة للدراسات الكردية/ القاهرة شباط 2019 وتم عرضها في معرض أربيل للكتاب 2019 ومعرض القاهرة للكتاب/ إبراهيم كابان وفادي عاكوم.

ديموغرافية شمال سوريا غربي كرُدستان ( تاريخ – حقائق – أرقام ) تحت الطبع برعاية مركز القاهرة للدراسات الكردية وشبكة الجيوستراتيجي للدراسات 2020.

أستشراف وتحليل للأحداث السياسية والإقتصادية لعام 2019) ستراتفور الأمريكية، مراجعة وتقديم إبراهيم كابان.

إرهاصات ثورية في الشرق الأوسط ( “5” قراءات إستراتيجية)، صدر عن دار المعرفيين للنشر وشبكة الجيوستراتيجي/ حزيران 2018

الفهرست

أزمة الغاز في شرق المتوسط واللعب التركي بالنار

ليبيا ومفترق الطرق ………………………..70

التخبط الأمريكي بين الانسحاب والعودة لـ سوريا……………………74

جعل تركيا بيضة القبان والتصارع حول استمالتها ؟!……………….76

إدارة ترامب بين كماشة الافتقار وممارسة السياسة الخارجية

وفنون القضايات الاستراتيجية……..79

المستنقع الذي ينتظر النظام التركي…………………………………….81

هل سوف نشهد موت المعارضة السورية الدراماتيكي

بين فكي المصالح التركية والتخلي الدولي عنها ؟…………………….86

فرز المجموعات المسلحة وتوجيهها من قبل الاستخبارت التركية….87

المعارضة السورية في مهمة تكوين دويلة تركمانية شمال سوريا…..89

الفائدة الروسية من المخاوف التركية في الشمال السوري…………..93

عوامل تكوين المخططات التركية لغزو الشمال السوري…………….95

تقاطع المصالح بين الروس والأتراك

نتيجة للتنافس الأمريكي الروسي في سوريا …………………………..97

الخاسر الأكبر من المخططات التركية………………………………..104

هلا ثمة خلاف إيراني روسي أو منافسة تركية إيرانية في الأفق؟…..106

المزاج الدولي حول سوريا وما يتخمض عنه…………………………109

الفهم الروسي لمزاجيات النظام السوري………………………………116

توطئة

لايمكن قراءة المشهد السوري بمعزل عن الأزمات المتصارعة التي تعصف بالشرق الأوسط، لاسيّما وان هذه المنطقة الحيوية تجذب باستمرار شهية القوى الكبرى للتنافس عليها، لِمّا تحتويه من ثروات أحفورية وأكبر احتياطي النفط في العالم، وتجلب بذلك النزاعات بين هذه القوى وحلفائها المحليين من الدول الإقليمية، والأحزاب والتيارات المحلية داخل كل دولة، وبالتالي تكون المنطقة ساحة للحروب والمواجهات المفتوحة، وسوقاً ثميناً للشركات الناهبة بغية صرف منتجاتها، مقابل الاستحواذ على مقدرات المنطقة.

لقد دأبت القوى الكبرى على إدارة المنطقة وفق سياسة التوازنات والمصالح، وفق الخطط والتكتيكات التي توفر لها الأرضية السياسية والعسكرية والشعبية، مما تحولت جميع المجالات البحرية والبرية والجوية إلى ممرات لتنفيذ أجندتها، واستخدمت في ذلك القوى المحلية ” الأنظمة “، التي أحكمت قبضتها على الشعوب، ومن اجل الحفاظ على سيطرتها تحولت إلى آليات تنفيذية للقوى الكبرى، حتى أصبح الشرق الأوسط مجرد ساحة حرب كبيرة يستهلك فيها المقدرات لشراء الاسلحة والأدوات العنفية التي جلبت القتل والدمار والخراب.

ولعّلَ الأزمة السورية وما نتجَ عن الربيع ” الشرق الأوسطي ” والشكل الذي استقر عليه كل موقعة أبتداء من تونس ومصر وليبيا وصولاً إلى اليمن وسوريا ولاحقاً الجزائر والعراق وإيران وتركيا ولبنان، أظهرت الواقع الذي عانت منه المنطقة ودفعته الظروف الموضوعية إلى المواجهات، وظهور قوى مختلفة أبعد من أن تكون متطرفة تم استخدامها من قبل الأنظمة الحاكمة، وأخرى انطلقت من المظاليم التي عانتها وحاولت الاستفادة من هذه التطورات، مقابل فوضى كبرى افتعلتها الأحداث وأدوات الانظمة، وكان ذلك كافياً بان تدخل عموم الشرق الأوسط في نفق مظلم زادت من وطأة شرور الأنظمة وأدواتها العنفية التي أصبحت أكثر شراسة في ظل الفوضى وتوفر التغطية الدولية على أعمالها الإجرامية.

إن أهمية تحليل الحدث السوري من بوابة ما تفرع عنه من أزمات وحرب أهلية واشكاليات وصراع دولي وحجم المناقصات التي تمت على حساب السوريين، لهو مفتاح لفهم الأزمات في الشرق الأوسط، وبالتالي المتغيرات والسيناريوهات المتوقعة للوضع السوري. لهذا فإن التفاعلات الدولية التي أنتجت بدورها الخلافات العميقة، والمواقف السياسية المتشنجة، وحالات الصراع المقيت على تضمين المصالح الإستراتيجية لكل طرف من الكعكة السورية، والاصطفافات التي تمت وأبرزت بدورها أهمية الحضور والمشاركة في تحديد مسارات الأزمة السورية، إلى جانب البروباغندا التي تم استخدامها في استمالة الأنظار إلى سوريا كغطاء لجميع القوى المعنية في تغييب الكثير من الاحداث الدولية والقضايا الحساسة، هي في المحصلة مسائل مفروضة على الواقع السوري، وبالتالي أتمت دورتها الطبيعية لاستكمال الاحداث ومفرزاتها.

فإن توسعة رقعة الحدث السوري وتفاعلاتها أنتجت الكثير من التحولات في المحيط الإقليمي والدولي، ولم تقل وطأتها في الداخل السوري عن المحيط الذي أستمال أيضاً إلى التفاعل سلباً أو إيجاباً مع ما شهدته، حتى أصبحت المسألة السورية دولية بامتياز، وكأننا أمام بوابة تطل على جميع المشاكل الدولية، ويشارك في إدارتها القوى الكبرى التي تحكم بالاقتصاد والجيوش والأسلحة الفتاكة.

ولم تكن ذلك ببعيد عن الدول الإقليمية لسوريا، والتي تدخلت بعضها بجيوشها وعتادها بغية تمكين مصالحها بالقوة عبر بعض القوى المحلية، لاسيّما المجموعات المسلحة التي ساهمت في تثبيت نوعية التعبئة الموجهة من قبل تلك الدول في زيادة وتيرة حالات التنافر والتشرذم، إلى جانب ظهور المنظمات الدولية في صورة سلبية متوحشة لا تقوى على إدارة الحلول بشكل حقيقي دون الإعادة إلى القوى الدولية المتصارعة في سوريا، والتي تسببت بدورها في زيادة الأزمة وتطويرها لتأخذ مجرى آخر نحو رعاية تدمير البنية التحتية لسوريا، وإفصاحها المجال للدول الإقليمية في العبث باقتصادها وأمنها.

ولعلّنا في ظل هذه المعمعة والأساليب المستخدمة من قبل جميع أطراف الأزمة بـبُعدها المحلي والإقليمي والدولي لصيرورة الاشكاليات، ودون إجراء تشخيص دقيق لنتائج الحرب الأهلية السورية، ودوافعها، والقوى الإقليمية والدولية الراعية لها، لن نحصل على الشكل الصحيح للتحليل والقراءة المستفيضة، وهو ما يستوجب ملامسة الحقائق وتطوراتها، وطبيعة النتائج الفعلية على الأرض ومفرزاتها، والتدرج في المسارات المتعددة والناتجة عن الارتباط الواضح للوضع السوري مع ما تشهده المنطقة ككل، وصولاً إلى عمق الدول الإقليمية ومخططاتها، وضرورة فهمها، وعلاقتها مع الدول الكبرى التي بدورها تنطلق من الدفاع عن مصالحها بالدرجة الأولى، وحماية حلفائها في المنطقة. ويستوجب ذلك قراءة في ذهنية تلك الانظمة والحكومات وطبيعة توجهاتها حول الأزمة السورية، ومدى تأثيرها في سير الأحداث.

خلال هذه السياقات يمكن الحصول على القراءة العميقة للوضع السوري، وفهم أبعادها الاستراتيجية كما يجب، ومسبباتها المحلية، ومسببيها الإقليميين والدوليين. لأن الحدث السوري أصبح ظاهرة عالمية ونموذج لأسوأ الحروب الأهلية الطويلة التي تشهدها المنطقة.

كيد أن ما نتج من أحداث عنيفة خلال السنوات التي شهدت ضراوة الحرب الأهلية السورية، ربطت بشموليتها بالمشهد الشرق الأوسطي ككل، لِمَ لها من ارتباط بالمصالح الدولية التي جعلت من سوريا بوابة لإظهار خلافاتها وتفاهماتها.

– لا بدَّ أن زيادة وتيرة الصدام العسكري بين القوى المحلية السورية ناجم عن تعبئة إقليمية ادارتها تركيا وحلفائها مقابل صراع دولي أدارتها الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا والاتحاد الأوروبي بعد تدخلهما العسكري المباشر في سوريا ، وتسبب ذلك في تعميق هوة الشرخ الثقافي والسياسي داخل المجتمع السوري في ظل عناد النظام لإعادة البلاد إلى ما قبل الأزمة، وإصرار المعارضة في توجيه وتدمير المنظومة الاجتماعية بين مكوناتها الدينية والقومية التي أصبحت هوائية بفعل التناحرات الدولية على سوريا، وبالتالي ليس من السهل التغلب على الكم الهائل من الإشكاليات الناجمة عن هذه الظروف، ولا يمكن بعد ذلك التكهن بحلول مناسبة وسريعة. لذا فإن تجميع الحرب الأهلية السورية خلال مسار واحد مسألة غير منطقية وبعيدة عن الموضوعية في قراءة الأحداث، لأن تعدد مسارات الأزمة السورية وما نتجت عنها من أحداث يومية تستوجب فهم المسببات الرئيسية على المستوى المصالح الدولية والإقليمية قبل التعرج إلى طبيعة علاقة الأطراف المحلية السورية مع القوى الإقليمية والدولية.

إن تسارع الأحداث اليومية أفرزت الكثير من المعطيات السياسية والعسكرية على الأرض، ويتطلب منا ذلك التعمق في فهم الصورة الصحيحة، لأن القوة الكبرى هيمنت على مجريات الأحداث، وبثت عدد كبير من الاحجية التي تحتاج إلى فكها وتحديد مساراتها.

البُعد الأول

شكلت المجموعات المحلية السورية ( النظام وقواته والمنظمات المسلحة الشيعية– المعارضة بشقيه المتطرفين والمظلة السياسية – الإدارة الذاتية وقواتها – سوريا الديمقراطية) أداة حربية بيد الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا وتركيا وإيران.

وتشكل معاً دائرة نزاع مستمرة بين الأطراف، وأفرز ذلك واقع جغرافي وسياسي وعسكري، وتم تغيير هذا الواقع بفعل دولي وإقليمي، ولم يملك أي طرف قراره الكامل وإن كان بعضها تبنت الأجندات الكاملة لدول الجوار، والمعارضة السورية كانت مجرد أداة منفذة للمشاريع والمخططات التركية، وقاتلت ضد الكرد بالنيابة عن الأتراك في سبيل حماية الأمن القومي التركي وإقامة حزام عسكري بعد إجراء التغيير الديموغرافي بقوة السلاح التركي.

تقود المعارضة السورية حركة أخوان المسلمين، وهم الجناح السياسي والعسكري للاستخبارات التركية في سوريا، وتركز أعمال هذه الحركة على تنفيذ المخططات التركية، وبما أن الأهداف التركية تركزت على محاربة الوجود الكردي في الشمال السوري، فإن هذه الحركة دخلت في خدمة الأجندات الإيرانية والنظام السوري والأتراك، وبذلك وجهت دفعت المعارضة السورية بعيداً عن النظام السوري الذي دمرّ 60% من المناطق عرب السنة.

البُعد الثاني

تدخلت معظم الدول الإقليمية في الأزمة السورية سواء من خلال المشاركة في دعم الأطراف أو دعمها من خلال تقديم الأموال أو التغطية على أفعالها، وتركز التدخل التركي في دعم المجموعات المعارضة وتدريبها وتوجييها وفق مصالحها الخاصة، وساهمت في القضاء على المعارضة الداخلية التي كانت نشطة في معظم المدن الكبرى، وخلال عقد صفقات مع النظامين السوري والإيراني برعاية روسية سلمت تركيا معظم المجموعات المسلحة للنظام تحت يافطة التفاهمات والمصالحات، بينما جمعت البقية من المسلحين على الحدود مع سوريا، حيث قامت بتنظيمهم وتدريبهم وتسليحهم بمعرفة النظام السوري وروسيا والإيرانيين لمحاربة قوات سوريا الديمقراطية. بينما كان لتدخل حزب الله اللبناني والميليشيات الشيعية من العراق وإيران الأثر البليغ على مجريات الاحداث، حيث نجحت في إعادة تنظيم قوات النظام السوري وخوض المعارض الطاحنة في معظم مناطق التماس. فيما اعتمدت قوات سوريا الديمقراطية في بنائها العسكري والإداري على القوات الأمريكية، وتسبب ذلك في دخولها بصراعات كبيرة مع معظم القوى الأخرى” روسيا – إيران – النظام السوري – النظام – تركيا – المعارضة “، واتفقت جميع هذه الأطراف على محاربة قوات سوريا الديمقراطية، وتوحدت أهداف الأطراف، لدرجة أصبحت المجموعات المعارضة السورية تأتمر بأوامر النظام السوري بشكل غير مباشر من خلال غرفة الاستخبارات التركية السورية الإيرانية لمحاربة الكرد.

وكانت التفاهمات حول إجراء التغيير الديمغرافي في سوريا بين الأطراف إحدى المرتكزات التي باشر الجميع بتنفيذه، بحيث يسمح للاتراك في احتلال بعض المناطق الكردية في سوريا وإجراء التغيير الديمغرافي فيه لصالح العرب السنة والتركمان، وبذلك يتم توطين العرب السنة في الشمال السوري بعد تهجير الكرد منها، ويتسنى بذلك الفرصة للنظام في الإبقاء على مناطق سيطرته التي أصبحت فيها المكونات بعدد متساوي، حيث أصبح العلويين والشيعة بحجم عرب السنة، بعد أن نزح ثلث السوريين نحو الخارج، والثلث الآخر سيتم توطينهم في المنطقة الكردية الممتدة بين محافظة إدلب إلى الجزيرة.

البُعد الثالث

حضور الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا لم يكن بمحض إرادة الاطراف المحلية، إلا أنهما تحصنا بوجود قوة محلية تحتاجهما، والمصلحة المتبادلة هي كانت نقطة الارتكاز بين الأطراف، إلا أن الوجود الروسي لم يكن لأهداف مؤقتة، وإنما إستراتيجية أتخذتها الادارة الروسية مقابل التدخل الأمريكي التكتيكي. وفي المحصلة تخلت الولايات المتحدة جزئياً عن تغطيتها لقوات سوريا الديمقراطية لصالح الغزو التركي، مقابل استمرار روسيا في تكريس إعادة النظام.

بالنسبة لروسيا المسألة السورية مصيرية بعد فقدانها معظم الدول التي تغولت فيها الولايات المتحدة الأمريكية بعد سقوط الاتحاد السوفيتي، بينما تركزت السياسة الخارجة الأمريكية على الوجود المؤقت في سوريا، والتنازل لصالح روسيا مقابل عدم خسارة العلاقات مع تركيا، فيما تعمقت العلاقات التركية مع روسيا على حساب الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي، وكان لذلك التأثير المباشر على الحلف الناتو، الذي أصبح جسماً متهالكاً أمام الرغبات التركية في اختراق مواثيقها.

البُعد الرابع

التنازل الأمريكي للتمدد الروسي في سوريا من البوابة التركية كانت نتيجة لسياسات سلبية مارستها إدارة ترامب، وأظهرت بذلك السياسات الخارجية الأمريكية في أسوء حالاتها، وإن تدخل الكونغرس وتعالت الأصوات داخل المؤسسة العسكرية والسياسية الأمريكية بوجه تلك السياسيات، إلا أن ذلك جاء متأخراً أمام الخيارات التركية في اتخاذ العلاقة مع الروس أستراتيجية.

الاستغلال الروسي للخلافات الأمريكية زاد من تمترسها داخل المشهد السوري من البوابة التركية، والهدف الروسي كانت توجيه دفة السياسة التركية نحوها بعد زيادة الهواجس التركية حيال التطورات الكردية في شمال سوريا، ومقابل عدم فهم الأمريكيين لهذه التطورات بسبب التدخل المؤقت في سوريا، ركزت روسيا بتعميق العلاقات مع تركيا مقابل إزالة هواجسها المتعلقة بالكرد، فكان تسليم مناطق عفرين ومن ثم توجيه تركيا روسياً إلى الضغط على الأمريكيين في تحديد خيارهم حيال الكرد، وكان الخيار الأمريكي هو الانسحاب الجزئي وترك المناطق التي تطلبها تركيا، لتصبح الاشكالية التركية الروسية حول التدخل في هذه المناطق، فيما يدرك الروس حجم هذا البُعد الأمريكي للمسألة، فكانت الاتفاقية الروسية التركية حول التدخل التركي لمناطق محددة تريدها تركيا.

مدخل إلى الشرق الأوسط

لم تعد سياسة التدخل العسكري المباشر لتغيير الأنظمة بالقوة مسألة محببة لدى المؤسسات العسكرية والسياسية الأمريكية ، لاسيّما الإدارات الجديدة التي تلت جورج بوش الابن، حتى ان نفوذ المحافظين ودعاة خوض الحروب داخل الكونغرس والحزبيين ” الديمقراطي والجمهوري ” أصبح في تراجع كبير بعد حرب أفغانستان والعراق وما أخلفهما من مستنقع انعكس بشكل سلبي على الاقتصاد الأمريكي.

لقد كانت تلك القرارات الحربية باهظة الثمن بالنسبة للسياسات الخارجية، وكلفت الولايات المتحدة أموال طائلة، وكبدتها خسائر فاضحة.

إلا أن توفير البديل عن التدخل العسكري أنوجد كنتيجة للهيمنة الاقتصادية الأمريكية على معظم الدول، وآلية مناسبة وناجعة في الحصول على أية تغييرات داخل البلدان دون التكاليف بالأموال والدماء. وهو ما تركز عليه إدارة الرئيس دونالد ترامب في الحصول على المكاسب دون خسائر، ويمكن رؤية ذلك بشكل واضح في السياسة الخارجية الأمريكية، ولعلَّ خطابات ترامب العلنية إتجاه معظم دول في شرق الأوسط تظهر هذه الحقيقة. وإن كانت هناك تدخلات عسكرية خفيفة لتدعيم مصالح محددة كما يحصل في سوريا، إلا أنها تأتي من قبيل الحفاظ على المصالح الاستراتيجية فقط، وليس خوض حرب كبيرة مشابه للتدخل العسكري في أفغانستان والعراق. كما أن القواعد العسكرية الأمريكية التي كانت جزء من المصالح الاستراتيجية تدفع تكالفيها، باتت اليوم تندرج في إطار ” لولا هذه القواعد لكانت هذه الدول تتعرض إلى حروب مدمرة من دول أخرى “، وهنا مثال الخليج العربي والبعبع الإيراني الذي أصبح أكبر مساعد لتوفير التغطية على السياسات الأمريكية الجديدة، أي قواعد لتأمين الأمن والأمان إلا أنها ليست مجاناً، أي على الدول تقديم المال مقابل خدمات أمريكا في حمايتها.

خلال حملته الرئاسية انتقد دونالد ترامب تورط الولايات المتحدة في حروب الشرق الأوسط ، ومنذ توليه منصبه لم يغير من لهجته، وظل يكرر في كل مناسبة اختلاف سياساتها الخارجية عن سلفه أوباما“.

فعلياً لا مصلحة لإيران في نزاع واسع النطاق تدرك أنه لا يمكنها الفوز، وتشكيلها آلية الخوف على الدول العربية توفر للولايات المتحدة حاجة هذه الدول الدائمة إليها، كما أن إسرائيل راضية عن العمليات المعايرة في العراق ولبنان وسوريا وغزة لأن أذرعة إيران توفر لها بشكل دائم عملية التدخل العسكري متى تشاء في هذه البلدان والمناطق، وتبقى هذه الدول والمناطق تحت رحمة السياسات الخارجية الإسرائيلية، لكنها بنفس الوقت تخشى مواجهة أكبر قد تعرضها لآلاف الصواريخ الإيرانية إذا ما تم إخلال في هذه المنظومة المركبة من قبل الولايات المتحدة الأمريكية.

المملكة العربية السعودية مصممة على الدفع ضد إيران ولكن دون مواجهتها عسكرياً، بالرغم من عدم توفر أية آليات مفيدة للولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل في خوض أية نزاعات عسكرية مباشرة مع إيران، فإن الظروف الملائمة لحرب شاملة في الشرق الأوسط هي أضيق من أي وقت مضى في الذاكرة الحديثة، والأمريكيين واعيين لمسألة خطورة أية حرب شاملة في المنطقة، حيث سيتعرض أمن إسرائيل إلى خطر كبير في الوقت الذي تتعرض المصالح الأمريكية الإستراتيجية إلى عبث لا مثيل له. ولماذا أساساً تتعرض؟ وما فائدة الحرب الشاملة التي سوف تتسبب بتدمير منشآت النفط والغاز ؟، لطالما إيران بتهديداتها المستمرة لا تخرج عن النطاق العربي، وتحركاتها تنتج حالة صدع مع العرب مقابل دفع المشهد العربي إلى التحالف مع إسرائيل، وبنفس الوقت تدفعهم إلى شراء الاسلحة الثقيلة باستمرار من المصانع الأمريكية والأوروبية التي تديرها شركات متعددة وضمنها إسرائيل، وبذلك توفر إيران الكثير من الخدمات لإسرائيل والغرب. ويمكن فهم مقبرة اليمن للأسلحة الخليجية خير شاهد على خدمات إيران للأمريكيين، حيث تنزف ترسانة الأسلحة الخليجية في الحرب مع الحوثيين الذين يتبعون لإيران على حساب تدمير اليمن ومستقبلها، وتدفع بالخليج إلى دفع الأموال الطائلة لشراء الأسلحة وبنفس الوقت الحاجة إلى الحماية الأمريكية التي أصبحت مقابل الأموال وليست بالمجان كما كانت في السابق.

أصبحت للسياسات الخارجية الأمريكية في الشرق الأوسط هدف محدد، افتعال الأزمات، ضرب الأنظمة والقوى الصغيرة ببعضها بغية دفعها إلى الحاجة الدائمة لها، وتقديم الحماية لها تقابله الحصول على المال، ومحرك هذه الأزمات بالنسبة للدول العربية هو النظام الإيراني.

تعارضات مفيدة

عندما يتعلق الأمر بالشرق الأوسط، كل السياسات تصبح ساحة للتحولات الدراماتيكية وفق النفوذ الدولية، ويمكن أن ينشب أي تعارض بين المصالح ” الحلفاء والمنافسين” في أحد الأماكن لعدد من الأسباب.

بالكاد لاحظ العالم نقطة محورية للإيرانيين في التنافس مع السعوديين وفهم وفق الترويج للحدث إن الحرب على الأبواب وقد تكون حافزًا محتملًا للتدخل العسكري الأمريكي الأعمق في المنطقة، إلا أن المعالجة السياسية الأمريكية للمسألة لم تكن بمستوى طموحات الخليج العربي، وكان ذلك دافعاً للأمريكيين في الضغط على الخليج العربي من أجل دفع المقابل المالي لضمان أستمرار الوجود الأمريكي في منع الإيرانيين وأذرعتهم من العبث بأمن المنطقة. ويمكن التأمل في هجوم 14 سبتمبر 2019 على منشآت النفط السعودية وطبيعة تفاعلها وترويجها من قبل جميع الأطراف المتنافسة، سنجد إنه من الممكن نظريًا أن يرتكبها الحوثيون، وهي جماعة يمنية متمردة، جعلت من ولاية الفقيه الإيراني إنتماءً وبعداً طائفياً لها، وكجزء من حربهم مع المملكة من جانب إيران ، وهو بطبيعة الحال رد فعل على العقوبات الأمريكية المنهكة، أي بمعنى ممارسة نوع من الضغط الإيراني على العقوبات الأمريكية من خلال الادوات الإيرانية الكثيرة في المنطقة، والمسألة سيان على الميليشيا الشيعية في العراق. وبذلك فإن قررت واشنطن القيام بعمل عسكري ضد طهران، فقد يؤدي هذا بدوره إلى الانتقام الإيراني من حلفاء الولايات المتحدة في الخليج، أو هجوم حزب الله على إسرائيل، أو عملية ميليشيا شيعية ضد أفراد القوات الأمريكية في العراق. وبالمثل فإن العمليات الإسرائيلية ضد الحلفاء الإيرانيين في أي مكان في الشرق الأوسط قد يؤدي إلى سلسلة من ردود الفعل على مستوى المنطقة. نظرًا لأن أي تطور في أي مكان في المنطقة يمكن أن يكون له آثار تموج في كل مكان، فإن الاحتواء الضيق للأزمة يتحول بسرعة إلى ممارسة غير مجدية، وهذا ما يظهر لنا إن فكرة الحرب الشاملة في الشرق الأوسط مسألة غير ممكنة وبعيدة عن منطق الأحداث.

 إن قمع النظام السوري للانتفاضة الشعبية، وهو أكثر وحشية من التجارب السابقة ولكن بالكاد هو الأول في تاريخ المنطقة أو حتى تاريخ سوريا الحديث ، وتحوليه إلى مواجهات عنيفة بين النظام والمجموعات المسلحة، دفعت بالقوى المحلية والدولية إلى التدخل المباشر في الأزمة السورية، وتحولت إلى مواجهة دولية تجرها عشرات البلدان، لقد أسفر ذلك عن مقتل أكبر عدد من الروس على أيدي الولايات المتحدة في دير الزور، ودفعت كل من روسيا وتركيا وإيران وإسرائيل إلى حافة الحرب، وتوسع الصراع ليستوعب عدد كبير من الدول الإقليمية كـ قطر وتركيا والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة ومصر فحسب ، بل تجاوزت وتمددت إلى تدخل روسي وأمريكي كقوتين تقسمان القوى المحلية السورية إلى جانب فرض هيمنتهما على القوة الإقلمية الضالعة في الحدث السوري.

التفسير الواقعي لمثل هذه التحولات هو أن الشرق الأوسط أكثر مناطق العالم استقطابا، لأمتلاكها الخصوصية الأحفورية، وكذلك احتوائها لنزاعات على شفى التفجير الدائم، ومن المفارقات أنه أكثرها تكاملا، بمعنى اللعب في مساحاتها سياسياً وعسكرياً لا يتطلب العناء، ولكن بنفس الوقت يشكل تهديداً مباشراً في تغيير الموازين. هذا المزيج – جنبًا إلى جنب مع هياكل الدولة الضعيفة رغم هيمنتها الأمنية، والجهات الفاعلة غير الحكومية القوية تنشأ من رأس الهرم القوى الحاكمة، والتحولات المتعددة التي تحدث في وقت واحد تقريبًا – يجعل الشرق الأوسط أكثر مناطق العالم تقلباً، وقابلاً للانفجار كقنبلة موقوتة.  هذا يعني أيضًا أنه طالما بقي موقعها الإقليمي على حاله، فإن طبيعة التعامل الأمريكية مع الأحداث ستكون حساسة للغاية، وهذا واضح من خلال التناقضات والتقاربات الأمريكية – التركية، التي ظاهرها اشكالية يفهم منها صراع مرير، وباطنها قوى تدافعية تجعلهما يسيران في نسق واحد، لا تخرج بموجبها تركيا عن الدائرة الأمريكية وأبعاد سياساتها الاستراتيجية في التعامل مع الأحداث داخل الشرق الأوسط.

إن توجيه أية ضربة أمريكية دون حسابات دقيقة ستكون لها عوامل سلبية كبيرة لاسّيما عندما تكون بعيدة عن التشابك الإقليمي المكلف، وفي نهاية المطاف، فأن السؤال ليس بشكل رئيسي ما إذا كان ينبغي للولايات المتحدة أن تنفصل عن المنطقة. كيف ينبغي لها أن تختار الانخراط: دبلوماسيًا أو عسكريًا، عن طريق تفاقم الفجوات أو تخفيفها؟.

الشرق الأوسط المعاصر يترعرع على سلسلة من الانقسامات العميقة، ويتقاطع بين أربعة مسارات الأكثر أهمية، إيران والسعودية، وبين إسرائيل وخصومها، وبين الكتل السنية المتنافسة – بطرق خطيرة يمكن أن تكون متفجرة، وصراع عنيف بين السنة والشيعة.

تمثيل خصوم إسرائيل الحاليين بشكل رئيسي من خلال ما يسمى بمحور المقاومة: إيران، النظام السوري، حزب الله، حركة حماس، الحركة الحوثية، ويتصاعد الصراع في الساحات التقليدية في الضفة الغربية وغزة، بين المجموعات الموالية للدول العربية السنية، بينما تتبع غزة للمصالح الإيرانية، ومؤخراً التركية أيضاً، حيث تشن إسرائيل بشكل روتيني القوات الإيرانية والجماعات المرتبطة بإيران في سوريا ولبنان وغزة، وتستخدم حزب الله والكتائب الإيرانية في سوريا كحجة مستمرة لشرعنة التدخل العسكري وتوجيه الضربات الجوية، وشهدت سوريا ضربات إسرائيلية على مناطق حساسة قيل إنها لحزب الله والكتائب الإيرانية، حيث تواجه إسرائيل حزب الله المدجج بالسلاح المدعوم من إيران، بينما غياب معظم الدول العربية عن خط المواجهة يجعلها أقل تأثيراً في الحدث السوري، وهو ما فتح المجال أمام القوى الشيعية في التمدد بين طهران وبيروت.

وكانت للتحركات التركية في سوريا سبباً رئيسياً لغياب القوى العربية السنية، حيث استخدم النظام التركي قوى المعارضة السورية بشقيها المسلح والسياسي لغير الثورة السورية بعد تجريدها من العلاقات مع السعودية والإمارات ودول الحلف العربي ما عدا قطر التي تحالفت مع النظام التركي ودعمت المجموعات المسلحة والمتطرفة التي تديرها الاستخبارات التركية.

بالنسبة الدول العربية تم دمج الصراع الإسرائيلي الفلسطيني على هامش المعارك الأخرى، لأن التهديدات الإيرانية أصبحت أكثر خطورة من الصراع الإسرائيلي الفلسطيني.

تعطي المملكة العربية السعودية أولوية لتنافسها مع إيران، ويستغل كلا البلدين الصدع السني – الشيعي لتعبئة الشارع العربي والإيراني ، لكن في الواقع تتأثر سياسات القوة، وشد الحبل من أجل النفوذ الإقليمي الذي يتجلى في العراق ولبنان وسوريا واليمن ودول الخليج.

بينما تشهد الخلافات السنة – السنة تطورات فعلية، ومواجهات عنيفة وإن كانت تجري بالوكالة في عدة مواقع، حيث تتنافس مصر والمملكة السعودية والإمارات العربية المتحدة مع قطر وتركيا صراعاً مريراً على تمثيل السنة، ويكمن الصراع الحقيقي في الجوهر حول الدعم التركي القطري للجماعات المتطرفة وحركة إخوان المسلمين التي تعبث بأمن المنطقة وتعمل على زعزعة أستقرار الدول السنية ” الخليج العربي – مصر – ليبيا “، احتلال أجزاء من سوريا والعراق، وتبني الدولتين لتيارات الإسلام السياسي في المنطقة، لاسيّما دعوة النظام التركي إلى إحياء السلطنة العثمانية بعد سيطرة حزب العدالة والتنمية التي تحولت إلى الحاضنة الارتكازية لجميع المجموعات المتطرفة والإخوان المسلمين.

إلى جانب الاستقطابات الناجمة عن الصراع في المنطقة، ولدت التجاذبات بين القوى التي كانت مختلفة، وهنا ساهمت الاختلافات الكبيرة في ولادة التقاربات الضرورية، ويمكن إدراج شبه التقارب الإسرائيلي مع الدول السنية في مواجهة إيران مقابل تقارب تركي مع الإسرائيليين في مواجهة الدول العربية السنية، وتقارب قطر مع تركيا ضد مصر والسعودية والإمارات والبحرين، وتقارب إيراني مع الأتراك، جميع هذه التجاذبات والتناقضات أصبحت بحكم الظروف أمراً واقعاً، تتفاعل الدول جميعاً على الاستفادة منها وإقامة تحالفاتها الاستراتيجية في مواجهة التهديدات التي تواجهها، إلا إن ما يجعل الأمور أكثر خطورة هو عدم وجود قناة ذات مغزى بين إيران وإسرائيل، ولا توجد قناة رسمية بين إيران والسعودية، والدبلوماسية حقيقة ضئيلة تتجاوز الخطابة بين الكتل السنية المتنافسة.

مع تقاطع خطوط الصدع هذه بطرق معقدة، تنسجم التجمعات المختلفة أحيانًا مع بعضها البعض ضمن سياقات محددة، وتعود لتتنافس من جديد في أوقات أخرى.

ومن المفارقات التي شهدتها الأزمة السورية هو عندما كان يتعلق الأمر بالسعي إلى الإطاحة بالرئيس السوري بشار الأسد، كانت السعودية والإمارات تدعمان الجهود التركية القطرية، وعندما وقع الاختلاف بين الأطراف نفذت تركيا وقطر عمليات التصفية بحق المجموعات التي كانت تدعمها السعودية والإمارات، مما يعكس وجهات نظرهم المتباينة حول الدور الصحيح للإسلاميين، ولكن تلك الدول اتخذت مواقف معاكسة بشأن مصر، حيث استثمرت الدوحة وأنقرة بكثافة لدعم الحكومة التي كانت تقودها جماعة الإخوان المسلمين، في الوقت الذي عملت فيها السعودية والإمارات على إسقاطها، وكان ذلك إسقاطاً للمشروع التركي القطري في أسلمة الأنظمة العربية لصالح مشروع تمدد السلطنة العثمانية الجديدة، وقد نجحت السعودية والإمارات في إسقاط المشروع الإخواني بمصر، بينما تخشى تركيا وقطر التهديدات السعودية أكثر من الإسرائيلية، وتدعمان حركة حماس التي تعطي الذريعة الدائمة للإسرائيلين في شن العمليات ضد الفلسطينين، وتمثل حركة حماس وأخواتها في مقاطعة غزة خطاً للمصالح التركية القطرية، ومساهماً في زعزعة الأمن الفلسطيني، وتلعب دوراً سلبياً لصالح الأجندات غير فلسطينية، في الوقت الذي تلعب فيها حركة حماس على حبلين في آنٍ واحد مع الأتراك والإيرانيين.

تتفق حركة حماس مع النظام السوري في خيار ما تسمى بالمقاومة، بينما تدعم الجهود التركية في دعم الجماعات المتطرفة الداعش والقاعدة وحركة إخوان المسلمين.

بوابة الاشكاليات في الخليج العربي

تتبنى قطر عملياً السياسات الأمريكية في الشرق الأوسط، وتضمن بذلك التغطية الأمريكية على تصرفاتها السلبية تجاه دول الخليج، إلا أن العلاقات القطرية التركية تضمن للنظام التركي بعضاً من التغطية الاقتصادية والسياسية الدولية، لاسيّما سياسات الخارجية الأمريكية، وأن كان ذلك غير ثابت بسبب التغييرات الدائمة للإدارة الأمريكية، وبذلك تتطور سياساتها الخارجية ولا تبقى ثابقة حيال المنطقة. بينما الغاية التركية تتركز حول استخدام قطر في عدة قضايات تتعلق بالتمدد التركي نحو الدول العربية، تضعيف السعودية والإمارات وبالتالي مصر، أي بأمول قطرية تدعم تركيا المجموعات المتطرفة، وفوائد وجود هذه المجموعة تُعاد للخزنة التركية، كما هو الحال في ليبيا وسوريا، وطبيعة إدارة تركيا للمتطرفين والاستفادة منهم، وبنفس الوقت استمرار الولايات المتحدة في غض النظر عن التصرفات التركية، بالرغم من عداوة الدول الغربية والولايات المتحدة لمنظمة القاعدة، وشنت هذه الدول حروباً من أجل القضاء على المجموعات المتطرفة، إلا أنها مدعومة من تركيا في شمال غربي سوريا، ومع ذلك تغض الولايات المتحدة والدول الأوروبية النظر عن وجودها، وهذا يفسر لنا طبيعة التصرفات القطرية في دعم هذه المجموعات، والعلاقات الأمريكية القطرية التي أصبحت نقطة ارتكاز في الشرق الأوسط.

حجم القطر البري لا تعطيه أية أهمية من الناحية الجغرافية، إلا أن وجود أكبر قاعدة عسكرية أمريكية في قطر تعطيها أهمية كبيرة، لأن تلعب دوراً تنافس فيه مصر والسعودية، وهذا مؤشر واضح لطبيعة الاشكاليات التي وقعت بين قطر ومعظم الدول العربية، بعد أن تحولت قطر إلى بوابة لزعزعة أمن الخليج والدول العربية، وتقربت من تركيا التي تقود بدورها المنافسة على زعامة الدول السنية. وتركيا بالعموم استفادت من التجربة القطرية في توجيه الإعلام نحو الشارع العربي، وإن كانت قطر بدفع من الولايات المتحدة الأمريكية أسست شبكة الجزيرة فأن التجربة التركية تركزت على غزو إعلامي من نوع آخر، المسلسلات والبرامج الموجه للشارع العربي في تقليد المجتمع التركي، وحقيقة نجحت تركيا في ذلك كما نجحت قطر من خلال شبكة الجزيرة التأثير على الشريحة الواسعة داخل الشارع العربي، إلا أن التغطية الأمريكية خففت من قوة هذا التوجه حتى تخفف من قدرة قطر الإعلامية بعد التطورات الاقتصادية الكبيرة التي أوصلت بقطر إلى مستوى السعودية ومصر والإمارات، أي أن عامل التوازن الذي يتحكم به الأمريكيين لا يعطي لدولة محددة لعب دور شامل على حساب الأدوار الأخرى التي سوف تبحث عن خيارات وتجدد سياساتها الخارجية، ولربما تكون على حساب جزء من العلاقات مع أمريكا، وهذا واضح من التوجهات الخليجية الجديدة نحو بناء آفاق العلاقات مع الروس، بسبب تصرفات إدارة ترامب حيال هذه الدول، ويمكن فهم التقارب السعودي الروسي الجديد من هذه البوابة، وقد تشهد المنطقة علاقات خليجية صينية وهندية وروسية أو مصرية روسية أعمق في المرحلة القادمة، بينما كانت هذه العلاقات مجمدة لعقود طويلة بسبب التغطية الروسية على أفعال وتصرفات إيران في المنطقة العربية والشرق الأوسط ككل.

البحث الروسي المستمر عن مناطق تجارية لبناء العلاقات، هو الخيار الأكثر وضوحاً للسياسة الخارجية الروسية، لاسيّما أن الإنتاج العسكري الروسي أكثر فعالية لدى الدول الشرق الأوسط التي تخوض صراعات عديدة قد تتسبب بمواجهات حربية سواء بشكل مباشر أو من خلال الأدوات المحلية، والمشهد اليمني والسوري والليبي نماذج عينية لما ستؤل إليه الظروف مستقبلاً في دول أخرى، والروس يدركون مدى استعداد هذه الدول في الحصول على الأسلحة الحديثة، لاسيّما وإن البعبع الإيراني يشكل خطراً فعلياً على الدول العربية السنية، وبنفس السياق تشكل تركيا خطراً كبيراً على الدول السنية نفسها، وتدرك روسيا أهمية الدول الخليج العربي، وكان العائق أمام تطور العلاقات معها هي إيران، لهذا ستركز روسيا على إجراء تقارب إيراني لهذه الدول، أو تخفيف تغطية البعبع الإيراني من أجل إعطاء المساحة للتواصل مع الدول العربية.

دول الخليج العربي مجبرة على تطوير قواعدها الدفاعية دون الاعتماد الكامل على التغطية الأمريكية، لأن إدارة الرئيس دونالد ترامب ركزت على مسألة تقديم الحماية مقابل المال، وبذلك ما فائدة المال دون وجود السلاح إن غابت التغطية الأمريكية؟، والأمريكيين استخدموا لضمان صيرورة هذه الاستراتيجية ” التهديدات الإيرانية”، وربطوا وجودهم في حماية المنطقة بهذه التهديدات، لذا فإن الدول الخليج العربي باتوا يدركون خطورة هذه الاستراتيجية في ظل ممارسات إدارة الرئيس دونالد ترامب مع هذه الدول باستهتار وتهديدات وطلب المال علناً، بينما تجد هذه الدول أن بناء قوة عسكرية بمستوى القوة الإيرانية هو المهم، وروسيا تملك تلك الاستراتيجية أكثر من الأمريكيين بهذا الصدد، لهذا فأن استمرارية سياسات الخارجية الأمريكية بنفس السياق الذي وضعه دونالد ترامب سيكون له عواقب كارثية على هذه الدول وعلاقاتها بمصالح الولايات المتحدة، والمصالح الاستراتيجية الأمريكية في الشرق الأوسط، وإن لم تغير الولايات المتحدة الأمريكية طبيعة تعاملها مع ملفات المنطقة ستحجم بطبيعة الحال الكثير من استراتيجيتها مقابل المصالح الروسية التي تسير في نمو أكبر، لما يتكون من ثقة كبيرة بالروس أكثر من الأمريكيين، وكانت سلوكيات إدارة ترامب في التعامل مع الملف السوري وطبيعة انسحاباتها واستخداماتها للأطراف، وفتح المجال أمام الأتراك والإيرانيين في التوغل على حساب تحجيم الدور العربي، الدافع الكبير في إعادة الدول العربية من سياساتها حيال التصرفات الأمريكية.

نموذج للتبعية العميائية ومساراتها

السلوك السياسي لنظام ما غالباً يدل على بنيته التراتبية بشقيه الثقافي والإداري، وإن كان لغياب الديمقراطية والبرلمان وحقوق الإنسان في دويلة مثل قطر الأثر البليغ في تدمير الحياة الإدارية كمنظومة حديثة، إلا أنها على رأس القائمة التنافسية في الخليج العربي، وذلك أفقدها بطبيعة الحال التوازن والاحتكام للمنطق، بسبب ضلوعه في المشاريع الهلامية التي يقودها النظام التركي. هي عملية توريط السياسي لمشاريع خاصة ما، لاسيّما وأن المكاشفات التركية حول المشاريع الخاصة بها على حساب الدول العربية تفضح طبيعة الأهداف التركية الموجه لقضم أجزاء من الدول العربية، وهنا الفارق بين المشرع والخطط الاستراتيجية والمنفذ، والذي يدفع الفاتورة رغم أنه يدفع ذلك على حساب انتمائها الجغرافي والإقليمي والثقافي، بمعنى أدق يمكن فهم مشروع نظام الإسلام السياسي في تركيا موجه للتوغل داخل البلدان العربية لتفكيكها، والسؤال المحير: لماذا تساعد قطر في ذلك؟

ثبتت التوجهات التركية نحو التعمق في الأزمة السورية والعراقية؛ وكذلك التدخل في دعم المتطرفين في ليبيا وغزة، بالتزامن مع تكريسها الخلافات بين الدول العربية الخليجية وقطر، وإبعادها عن محيطها العربي، وتوجييها لخلق بلبلة مع مصر، وزعزعة الاستقرار داخل الجامعة العربية، خطورة التوجهات التركية في معاداة الشارع العربي وبغية تكريس الخلافات بين دولها، وعملياً تدرك قطر هذه الحقيقة، وبالرغم من ذلك تستمر في تنفيذ المخطط، مما أصبحت الرأس الحربة للمشاريع التركية، وتمويلها!.

أن استمرار الدعم القطري للجماعات المتطرفة ” الإخوان المسلمين ” في عدد من الدول العربية، والجماعات التابعة لـ ” منظمة القاعدة ” في سوريا وليبيا، أوجدت الأرضية المناسبة للأتراك في التوغل داخل الشارع العربي، والمستفيد الأول هو العامل التركي الطامح، وأمنه القومي على حساب الدول العربية وفي مقدمتها سوريا، حيث جعل النظام التركي من سوريا ملعباً عسكرياً لجماعاته المتطرفة في سبيل حماية الأمن القومي التركي وحدوده. بالإضافة إلى ذلك المساهمة القطرية الواضحة لإقامة الأتراك حزام أمني من المتطرفين بينها وبين العمق السوري، في الوقت الذي أفلتت تركيا يد الجماعات المتطرفة في الفتك بالجغرافية السورية وتدمير اقتصادها، عملت قطر على ترعرع هذه الجماعات لهذا الغرض،

بات يُفهم من السلوكيات القطرية وتصرفاتها العمل من أجل بناء حزام أمني تركي في العمق السوري على حساب العبث بالأمن القومي السوري، وبالتالي العربي “.

يمكن فهم المخططات التركية في استعادة أمجاد السلطنة العثمانية إلى المنطقة العربية، فالعقل الجمعي التركي لا يختلف في مسألة النظر إلى العرب والكرد وبقية الشعوب المنطقة على أنهم رعاة لدى السلطنة، ولم تتغير المخططات التركية للحظة حول أحقيتها في العودة إلى احتلال المنطقة بمسميات متعددة، ولكن مالذي يدفع قطر إلى الضلوع في هكذا مشروع لصالح الأتراك؟ وما هي الفائدة القطرية من ذلك؟

بالرغم من فشل معظم مشاريع الإسلام السياسي التي تلت ثورات الربيع العربي، وتحويل تلك الأحزاب إلى أدوات للقمع والتصفية وارتكاب الفواحش الأمنية بحق الخصوم، فأن سير قطر في خدمة السلطانية التركية المستحدثة أمر يبعث الاستغراب والتعجب.

إن التصرفات القطرية وتحركاتها إنما تأتي من بوابة الصراع على تمثيلية شق الإسلام السياسي داخل الشارع العربي، وكأن المنافسة داخل الدول العربية بين تيارين ” الإسلام السياسي – والقوى الديمقراطية “، وهو ما يتوافق مع طموحات النظام التركي الذي يحاول من خلال مجموعات الإسلام السياسي التدخل في الدول العربية، والتمكين في بلوغ السلطة، وهذا يوفر لها التبعية، وهو ما يسهل عملية استعادة السلطنة العثمانية المستحدثة.

تباعدات وتقاربات

مؤسساتياً تُعتبر منظمة التعاون الإسلامي في مستوى أدنى مقارنة مع الجامعة العربية التي هي بدورها أقل تماسكاً من الاتحاد الأوروبي، رغم توفير الرابط الديني بين الدول المنظمة، والعامل الثقافي والانتماء الديني والقومي الذي تتمتع به الجامعة، وهذا ما لا يتوفر في الاتحاد الأوروبي والجامعة أيضاً أكثر اختلالاً من منظمة الدول الأمريكية وأقل فعالية من الاتحاد الإفريقي، كما إنه لا يوجد أي كيان سياسي أو اقتصادي إقليمي تنتمي إليه الدول العربية، بينما الجهات الأكثر فعالية في الشرق الأوسط هي ( إسرائيل – التي تلعب دوراً بارزاً في مجريات التباعدات والتقاربات) بينما فعالية (إيران وتركيا ) تكمن في طبيعة سياستهما التوسعية على حساب الدول العربية، رغم الامكانيات الاقتصادية والأحفورية التي تتمتع بها الدول العربية تفوق الدول الثلاث، إلا أن وجه الخلافات والنزاعات البينية كانت لها اليد الطول في تعطيل أي تطور للعلاقات العربية واقتصادها العام دون الخاص، وسبل التكافل بين أطرافها، تسبب ذلك في تشرذمها على نحو تستفيد القوى الثلاث المتربصة بها منها.

ومع ذلك هناك العديد من التباينات بين الأطراف، حيث يسير الشرق الأوسط كمساحة جغرافية موحدة من الأيديولوجيات والحركات المنتشرة عبر الحدود، في العقود الماضية كانت ” العروبة والناصرية ” تطغى على العقل الجمعي للشارع العربي، واليوم ” الإسلام السياسي والجهادية”، بينما أصبحت حركة الإخوان المسلمين أكثر قدرة وانتشاراً، وأصبح لها فروع نشطة في مصر والعراق والأردن والأراضي الفلسطينية وسوريا وتركيا ودول الخليج وشمال إفريقيا، وخرجت منها حركات جهادية مثل “منظمة القاعدة ودولة داعش” تتبنى أجندة التطرف الديني وترفض الدولة القومية والحدود الوطنية تمامًا “.

يسيطر النظام الإيراني على أتباع المذهب الشيعي في إيران وداخل معظم الدول العربية من خلال الولاء الكبير من المنظمات السياسية الشيعية، بينما يجد النظام الإيراني الساحة العربية مرتعاً لدعم الميليشيات الشيعية المسلحة، وبناء منظومات عسكرية منفصلة عن الحكومات، كما الحال في لبنان والعراق واليمن وسوريا، مقابل ذلك سعت المملكة العربية السعودية إلى تصدير المذهب السلفي إلى دول المنطقة، ومولت السياسيين والحركات في جميع أنحاء المنطقة. ويكرس كل طرف الامكانيات المالية والإعلامية في مواجهة الطرف الآخر.

تتمتع وسائل الإعلام الموجهة من الطرفين قدراً كبيراً من الدعم، فيما تقود الدول السنية صراعاً بينياً يتمثل بالزعامة على العالم السني، وتقود شبكة الجزيرة حرباً مفتوحة ضد الدول العربية وتشويهها لصالح الأتراك، بينما الكثير من الوسائل الإعلامية الشعبية التركية والإيرانية تنظر إلى قطر باستخفاف.

حقيقة أن القوى المحلية الفاعلة تعمل كوكلاء ولاعبين مستقلين عن الحكومات تجعل من الصعب إثبات المساءلة عن العنف أو ردعه في المقام الأول، وقد يدعي النظام الإيراني أنه غير معني بهجمات الجماعة الحوثية على المملكة العربية السعودية، أو هجوم المجموعات المتأسلمة الفلسطينية على إسرائيل ، أو تهديد الميليشيات الشيعية العراقية لأهدف أمريكية محتملة، وقد تلوم المملكة العربية السعودية إيران بقيادة حرب معها من خلال أدواتها ” الجماعة الحوثية ” في اليمن، في الوقت الذي تتهم فيه إيران السعودية بالوقوف وراء أية هجمات عنيفة تنفذها جهات منشقة داخل أراضيها.

وبفعل هذا الصراع سيستمر النظام الإيراني بدفع حزب الله للسيطرة على القرار اللبناني، كما الحوثيين في تكوين جيب شيعي في الخاصرة الخليجية، بينما ستحرك تركيا أجندتها في استمرارية حركة حماس لخدمة إسرائيل ودفع المجموعات المعارضة السورية إلى التخلي عن أهداف الثورة السورية لصالح الأمن القومي التركي، إلا أن المنطقة برمتها مستقطبة ومتكاملة لصالح القوى الكبرى، وهؤلاء القوى المحليين هم مجرد أدوات وقتية لصالح المشاريع الكبرى حتماً، ومهمتهم محددة.

الوجه الداخلي لإيران

قد يجد المرء في الوهلة الأولى أن إيران دولة متماسكة من الداخل، إلا أن الواقع الأمني والداخلي والولاء المطلق من الحرس الثوري الإيراني وكذلك القوى المرادفة لها ” الباسيج ” لولاية الفقيه والمجموعة الحاكمة أظهرتها بهذه الصورة، في الحين تعتبر إيران أكثر الدول التي يُمارس فيها أبشع أنواع الاستبداد بحق شعوبها، لِما عليها من نظام طائفي وتركيبة أمنية تتفرع وفق منظومة أمنية قل نظيرها في العالم المتحضر. وخلال العقود الأربعة الماضية مارس فيها أدوات النظام أساليب التصفية العرقية بحق جميع المكونات، وإن كانت الحصة الأكبر من نصيب الشعب الكردي الذي عان الأمرّين ” الاضطهاد القومي والمذهبي “. بحكم أن الكرد أكثر الشعوب الإيرانية نشاطاً ونضالاً وتضحية في مواجهة آلة القتل المنظمة، وهي أسباب كافية لتوجيه النظام الإيراني استخباراته وأدواته القمعية إلى ارتكاب المجازر بحقهم وتصفية قادتهم، وملاحقة حركتهم التحررية. حيث شملت آلياتها التصفوية عموم الشعب من خلال الاعتقالات الكيدية وتطبيق إجراءات تعسفية من المحاكم الصورية والإعدامات اليومية، ناهيك عن تنفيذ مشاريع التفقير التي أبقت المناطق غير فارسية من إيران ” نسبة 95% تحت خط الجوع والفقر.

استمر النظام الإيراني بتوظيف قوانينه المذهبية في اللعب على التناقضات الاجتماعية بين الشعوب داخل إيران، وتوجيه الطاقات الاقتصادية للبلاد إلى التوسع والتمدد المذهبي في الشرق الأوسط بدعم جماعات وتنظيمات طائفية ومتطرفة، إلى جانب صناعة الأسلحة الثقيلة التي ساهمت في تكريس الفوضى والصراع الطائفي، والتهديد السلمي الإنساني في الشرق الأوسط، وبذلك وظفت كل طاقات البلاد في مشاريع ومغامرات عسكرية وسياسية في الوقت الذي كان يعاني فيه الشعب الإيراني الفقر والاضطهاد الممنهج الذي تمارسه الأجهزة الأمنية المتعددة بأمر من ولاية الفقيه ومجموعته الحاكمة، وهذا ما دفع بالشارع الإيراني إلى الغليان وتطور رفضه لممارسات النظام، حيث بدأت أولى التحركات الشعبية العامة عام 2009 لتكون أساس لتحركات لاحقة ظهرت مع نهاية 2017 ونهاية 2019، وإن كانت التحركات السابقة ظهرت ضمن سياقات الخلاف السياسي داخل أروقة النظام إلا إن النسخة الجديدة من التحركات الشعبية بقيادة الطبقة الكادحة التي تمثل الغالبية، وفي مدن ومناطق استراتيجية من إيران، أزاحت الستار عن الكثير من الحقائق التي كانت مخفية، في الوقت الذي كان فيه النظام يعتمد على تلك الطبقات، ظهرت هشاشة النظام وتأثيراته، لتتحول المظاهرات الضخمة من المطالبة بالإصلاحات إلى إسقاط نظام ولاية الفقيه.

المسار المحتمل

سواء نجحت التحركات الشعبية في إسقاط النظام الإيراني أو ساهم في تعديل بعض القوانين، مع احتمالية كبيرة في قمعها والقضاء عليها بالوسائل الإجرامية التي يشتهر بها النظام، إلا إن التطورات الشعبية داخل هذه البيئة الأمنية المنغلقة وبهذا الشكل الواسع في مواجهة أدوات القمع والعنف، لها أبعاد استراتيجية مؤثرة في طبيعة سيرورة النظام، ورسم ملامح جديدة بناءً على ضغط شعبي ستنتج في المحصلة عن تخفيف سطوة النظام وإستبداده، وإجمالاً يتطور هذا الحراك بسرعة فائقة، ويصنع لنفسه ” ذاتياً ” أرضية وبيئة ملائمتين لدفع الظروف كافة إلى إسقاط النظام في المستقبل حين يضعف بسبب الضغوطات الدولية أو العقوبات الاقتصادية، ويصبح النظام بين فكي التحرك الداخلي والهجمات الخارجية، حيث ستكون تلك العوامل كافية لتمكين شعوب إيران التخلص من النظام، ولا ننسى أن ذلك مرتبط بشكل رئيسي في قرار الدول الكبرى، لأن الواقع السياسي يؤكد عدم جدية الدول الكبرى في إنهاء النظام الإيراني، بينما يركز التحرك الدولي على إضعافه فقط، وما هو واضح خلال التطورات القادمة في حال أخفقت أية تحركات شعبية ضد النظام فإنه سيزيد من حالة الاحتقان لدرجة التحركات القادمة أعنف وأقوى.

ركزت الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها في الاتحاد الأوروبي على تحجيم الدور الإيراني في الشرق الأوسط حتى يعود إلى مربعه الأول، وتبقى في صراع دائم مع الدول العربية السنية بعيداً عن التوسع الذي أدى خلال السنوات العشرة الماضية إلى قلق كبير لحلفاء الولايات المتحدة والغرب في الشرق الأوسط، وعملية وقف التمدد يوفر على الشعوب الإيرانية أعباء الحروب الطائفية خارج البلاد، فبدل استخدام ثرواتهم ومقدراتهم الاستراتيجية في حروب همجية يقودها النظام الإيراني من خلال الجماعات المسلحة تحت العباءة الدينية، ستوظف تلك الامكانيات في تطوير البلاد والانفتاح على العالم وتأمين الظروف المعيشية الملائمة للشعب، وإطلاق الحريات العامة وبناء الديمقراطية التي توفر لشعوب إيران علاقة مجتمعية ودولية سليمة بعيداً عن القمع والقتل والتنكيل والمعتقلات والمحاكم الصورية والتصفية العرقية التي تتم بحق الكرد وبقية القوميات في إيران.

حسب المشهد فأنه لن يتم القضاء على النظام الإيراني بشكل كامل، ويعود السبب إلى الإبقاء على التوازن بين الشيعة والسنة في المنطقة، وهذا التوازن بطبيعة الحال يوفر حاجة هذه الدول إلى الأمريكيين والأوروبيين والروس، وبذلك توفر لهم بيع الأسلحة مقابل الطاقة النفطية والغاز والاستحواذ عليها، وهذا يعني أن التركيز العالمي فقط لإجراء عملية تحجيم وخلخلة داخل النظام وليس إسقاطه، على الأقل في المنظور القريب.

تزايد النفوذ الصيني– الروسي في الشرق الأوسط أعطى لإيران بعض التشجيع في الاستمرار بمشاريعها الخاصة، ولكن الثقة غير متكاملة بين الأطراف بسبب تصرفات إيران جعلت هذه العلاقة مصلحية أكثر ما تكون استراتيجية، بحيث تستخدم روسيا والصين إيران في مصالح معينة كما تستخدمها الولايات المتحدة الأمريكية في ملفات التوازن والسيطرة، ولكن السؤال المنطقي يفرض نفسه: هل حالة تصاعد التوترات بين طهران وواشنطن سوف تضمن لإيران وقوف الروس والصينين إلى جانبها؟ أم يعتمد النظام الإيراني على الاضطرابات الإقليمية ؟ هل ستتجاهل الصين التهديدات الأمريكية بفرض عقوبات وتشتري النفط الإيراني؟، لاسيما في أعقاب اتفاق تجاري محتمل مع الولايات المتحدة ويكون ذلك دافعاً في التزام الصين بمطالب واشنطن؟

رغم البروبغندا الإعلامية التي استخدمتها إدارة ترامب في رفع مستوى الحرب الكلامية ضد إيران، إلا إن التحرك الأمريكي اقتصر على تقليص الدور الإيراني فقط من خلال فرض عقوبات اقتصادية وتحجيم دورها في الدول الأخرى، بالرغم من قدرة الولايات المتحدة على توجيه ضربات موجعة لإيران، إلا إن الواقع العملي لسياسات إدارة ترامب أظهرت حقيقة الإبقاء على إيران كورقة ضغط مستمرة لإثارة البلبلة المستمرة في الشرق الأوسط، والفوضى التي تنجم عن سياسات إيران في مواجهة الدول العربية السنية أخلفت الكثير من المجال للهيمنة الأمريكية في المنطقة، وبنفس السياق عدم وضوح المخططات الأمريكية ونواياها حيال المنطقة شكّل الخوف لدى جميع الأطراف، وقد تحاول روسيا والصين جعل الإدارة الأمريكية تخفف العقوبات على إيران لمجرد إذعانها للسياسات الأمريكية في الشرق الأوسط.

مصير الانتفاضات في الشرق الأوسط

شهدت تركيا وإيران انتفاضات عنيفة ضد النظامين وصل لحد المواجهات العسكرية كما في الحالة التركية والمحاولة الإنقلابية في آب 2016 ونجم عن تقلبات سياسية استفاد منها النظام، بينما أخفقت المظاهرات المليونية التي اجتاحت معظم المدن الإيرانية نتيجة للعنف المركز الذي استخدمته أدوات النظام والولاء التام للجيش والحرس الثوري والباسيج للنظام، إلا إن الرغبة الدولية لم تكن لصالح المنتفضين في كلا الدولتين، واستطاع النظام التركي تحويل الإنقلاب عليه إلى آلية لتصفية الخصوم وزج العسكرين والسياسيين والحقوقيين ومن ألتف حولهم في السجون والمعتقلات، وعرضهم إلى التصفيات الجسدية، بعكس التوجه الدولي في دعم زيادة وتيرة الانتفاضات العربية لإعادة ترسيم مصالحها وفق نماذج جديدة في هذه البلدان، وبالتالي نجحت الدول الكبرى المعنية بمصالحها في الشرق الأوسط في توجيه الثورات الربيع العربي إلى آليات للسيطرة على هذه البلدات بشكل أكبر، وقد كانت تونس بداية الشرارة التي انطلقت أواخر عام 2010، استطاعت الانتفاضة الشعبية الإطاحة بالنظام في مشهد سريع وغير متوقع، لاسيما وأن هذا البلد كان على هوامش السياسة الإقليمية بالنسبة للدول الأخرى، إلا إن هذه المتغيرات الداخلية حولتها إلى حدث إقليمي ودولي، لتصبح بدورها المدخل الذي تفرع عنه باقي ثورات الربيع العربي، وبنفس المستوى توجهت أنظار الدول الكبرى التي لديها المصالح الاستراتيجية في المنطقة إلى اليقظة والخشية من أي تطور قد ينتج عن صعود المتطرفين إلى دفة السلطة في المنطقة. لقد أسس الحراك في تونس دافعاً شعبياً لدى باقي الجول العربية، لتصبح ليبيا في مواجهة التقسيم والحرب الأهلية، ووقوع مصر بين براثن جماعة إخوان المسلمين وتمترساتها الإيديولوجية، وانتقلت معها النيران إلى اليمن التي عادت بها التحركات الشعبية عقوداً للخلف لتقع بدورها في أعنف حرب أهلية، وبؤرة للنزاعات الدولية التي ساهمت في تفكيك المجتمع على أساس طائفي الدخول في الدهاليز المظلمة، وهو نصيب هذا البلد المطل على مضيق باب المندب الذي يشكل معبراً دولياً يتنازع حوله القوى الكبرى، وتشهد في ضفتها الأخرى “صومال” حرباً ضروساً لا تتوقف منذُ سنوات، ويكون كل هذه التحولات بوابة لصوملة اليمن، وشهدت سوريا حرباً أهلية كمتمم للمشهد العراقي سباقاً واليمني والليبي لاحقاً، إذ دخلت الأحداث في نفق مظلم مع إصرار النظام على البقاء بقوة السلاح وسلخ المخالفين معه، مقابل سيطرة المتأسلمين على المعارضة التي دخلت بشكل شامل تحت أجنحة المصالح الإقليمية، ليتم استخدامها وتطويرها على النحو الذي يخدم المصالح الأمنية التركية على حساب الأمن القومي السوري.

وفي الوقت الذي ضبط فيها الجيش المصري الفوضى وحجمت نشاطات جماعة إخوان المسلمين، استقرت الأوضاع في تونس لتصبح نموذجاً للديمقراطية الناشئة أمام ليبيا التي تدخلت فيها الأيادي الخارجية وأصبحت ملعباً تتمرس فيها الاستخبارات التركية والقطرية وبعض الدول الغربية في إنتاج بلد مقسم ومنهار، بينما تحولت اليمن بدورها إلى مزرعة خلفية للمشاريع الإيرانية من بوابة حركة الحوثيين، مقابل تنفيذ المملكة العربية السعودية والإماراتية عمليات عسكرية عنيفة لكبح جناح الذراع الإيراني.

إن تنفيذ السعودية والإمارت لعملية الحزم ضد الحوثيين كان الهدف منه تحجيم المد الإيراني في اليمن، والذي كان من شأنه تشكيل خطر كبير على الدول العربية في الخليج، لأن المجموعات الشيعية التي تشكلت ثلث الخليج العربي قد تتأثر بالتطورات الحوثية، والخشية السعودية – الإماراتية المشروعة جاءت كنتيجة طبيعية لوقف ذاك المد العدواني الذي إن تطور لامتدّ نحو الخليج، ولأسست فيها جيوب إيرانية لزعزعة أمن الخليج العربي، وحقيقة تنظر السعودية والإمارات إلى أن معظم التجمعات الشيعية في بلدان الخليج قد يتم استغلالها من قبل النظام الإيراني، ونموذج حزب الله اللبناني والحركة الحوثية في اليمن وكذلك المجموعات الشيعية المسلحة في العراق وسوريا خير مثال، وكان ذلك سهلاً تحقيقه في الخليج بيد النظام الإيراني إذا ما قوت شوكة الحركة الحوثية.

وفي سوريا استطاع النظام تحقيق تقدم في مساعيه لإعادة بسط سيطرته على مساحات شاسعة، ونجح في استقطاب النظام التركي إلى حظيرته بغية القضاء على المجاميع المعارضة المسلحة في الداخل السوري، وإخراجهم إلى المنطق الحدودية الغربية الشمالية، وترك مصيرهم للاستخبارات التركية التي وظفت هذه المجموعات لبناء حزام أمني تركي على الحدود من خلال اقحامها في الحرب ضد قوات سوريا الديمقراطية التي تتبع للإدارة الذاتية الكردية في الشمال السوري، وبذلك نجح النظام في التخلص من هذه المجموعات بيد تركيا، ومن ثم استخدامهم من قبل تركيا للضغط على الكرد لصالح عودة النظام إلى المنطقة الكردية، ونحج الأتراك في ذلك، ونجح النظام السوري في العودة الجزئية إلى هذه المناطق، لاسيما الحدودية، وهو ما تسبب في تحجيم الدور الذي لعبته الإدارة الذاتية، وبنفس الوقت ساهمت تفاهمات النظامين السوري – التركي في سحب القوات الأمريكية من الحدود بين البلدين، وانتشار الشرطة العسكرية الروسية، وإعطاء المجال للأتراك في التوغل داخل الأراضي السورية من خلال احتلال بعض الجيوب المهمة، وكذلك تسيير دوريات مشتركة مع الروس والنظام السوري، وهذا يعني كما ساهمت تركيا في تضعيف النظام وتدمير مناطق شاسعة من سوريا، عملت تركيا في القضاء على المعارضة لصالح النظام السوري مقابل تدمير المنطقة الكردية واحتلال أجزاء منها. وتظهر لنا هذه الحقائق مدى العلاقات التي كانت بين النظامين السوري والتركي خلال أعوام 2015- 2020 وهو ما تؤهلهما في إجراء اللقاءات الرسمية العلنية بين الطرفين، بينما كانت تتم بشكل سري وبرعاية روسية.

الحضور الأمريكي الدائم

حتماً ستندفع الولايات المتحدة نحو المشاركة في أية مواجهات بغية الحفاظ على مصالحها الاستراتيجية في الشرق الأوسط، وسياسة صفر حرب بعد التدخل العسكري في العراق لا يمكن أن تستمر، لأن هذه المنطقة على صفيح من المواجهات، وحتى تستطيع الحفاظ على استمرارية مصالحها يجب أن تشارك في الحروب أو على الأقل تدعم الأطراف التي تضمن لها الحفاظ على هذه المصالح، إن إزالة التهديد بالقوة هي إحدى الآليات التي تستخدمها السياسة الخارجية الأمريكية، ونموذج التدخل العسكري لمحاربة دولة داعش مثال على استمرارية هذا النهج الخارجي بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية، إلا إن التكتيكات الوقتية التي استخدمتها إدارة ترامب في سوريا جلبت لها اشكاليات كبيرة، وأثرت بشكل مباشر في هيبة أمريكا في هذه المنطقة الحيوية التي لا يمكن التنازل عنها لصالح الخصوم، والأمريكيين يدركون تماماً إن الخصم الصيني الذي يشكل أكبر تهديد مستقبلي على المصالح الأمريكية في المنطقة سينتفع حتماً برداءة السياسات الأمريكية حيال المنطقة، لهذا فإن استمرارية إدارة ترامب بنفس السياق للتعامل مع الوضع في سوريا أظهرت السياسات الخارجية الأمريكية على أنها ردئية وغير متكافئة مع تحرك الخصم الروسي – الصيني، كما أن تصرفات إدارة ترامب قللت من ثقة الدول الحليفة بها، وهو ما يشكل بدوره خطر كبير على صيرورة المصالح الأمريكية في الشرق الأوسط.

إن تقاعس إدارة ترامب عن التدخل في أية موجهات وفرت على أمريكا الكثير من الأموال، إلا أنها بنفس الوقت أضرت بالمصالح الاستراتيجية وما يهم الآن لإعادة هيبة الولايات المتحدة الأمريكية بعد هذا الاعتكاف حريق إقليمي أبعد ما يكون عن الحتمية، إلا إن الأنظمة في الشرق الوسط بدورها تحاول أن تتغاضى أي تصعيد، ولكن حتى العمل المضبوط بدقة يمكن أن يكون له تداعيات غير مقصودة وذات حجم كبير بالنظر إلى الديناميات الإقليمية، ولا يضمن أي دولة التصرفات التي تحتدم في الشرق الأوسط. قد تنشب صراعات مفاجئة بين الإيرانيين والخليج العربي نتيجة لهجوم عنيف من الحركة الحوثية، وقد توجه أذرعة إيران في لبنان وسوريا الصواريخ إلى إسرائيل للتخفيف عن إيران، أو ربما توجه المجموعات المسلحة العراقية الخارجة عن سلطة الدولة ضربات للواقع الأمريكية، أو تحشد تركيا قواتها إلى إقليم كردستان أو مناطق جديدة في روجآفا/ شمال سوريا.

يمكن للمرء أن يتخيل بسهولة كيف يمكن أن ينتشر أي من هذه الحوادث عبر الحدود ، حيث يبحث كل طرف عن الساحة التي تكون فيها الميزة النسبية أكبر”.

مع مثل هذه المخاطر المستمرة ، فإن النقاش حول المدى الذي يجب أن تنأى به الولايات المتحدة عن المنطقة وتقلل من بصمتها العسكري هو أمر مهم ولكن إلى حد ما إذا انكشفت أي من هذه السيناريوهات ، فمن المؤكد أن الولايات المتحدة ستجد نفسها متورطة ، سواء برغبتها أو لا، ويمكن فهم ذلك من عودة القوات الأمريكية إلى سوريا والسيطرة على منابع النفط والغاز بإتفاق مع قوات سوريا الديمقراطية، لأن ذلك يضمن لها التدخل السريع كعامل أساسي في الشرق الأوسط.

تتركز السياسات الخارجية الأمريكية في الشرق الأوسط على استمرارية النزاعات المحلية، وحاجة هذه الدول إلى الضامن الأمريكي في حماية نفسها من الأطراف الأخرى، ويمكن إدارك ذلك بشكل واضح طبيعة العلاقات القطرية الأمريكية والاستفادة منها قدر المستطاع في الصراع مع السعودية والإمارات. لا تمكن الولايات المتحدة أية دولة أو قوة في الشرق الأوسط على أخرى، لأنها تتعامل مع جميعها، وتستفيد من تلك الخلافات بين الأطراف، وقد سلحت ومكنت قوات سوريا الديمقراطية في شمال شرق سوريا كحليف استراتيجي وبنفس الوقت أعطت لتركيا كحليف إقليمي الضوء الأخضر في غزو بعض هذه المناطق على حساب حليفها المحلي “الكرد”، ويتضح تجنب إعطاء شركائها بلانش أو تمكينهم بشكل يتفوق أحد الأطراف على الأخرى، وهذا يعني تقديمها الدعم للخليج العربي في فتح جبهة حرب ضد الحركة الحوثية في اليمن وبنفس الوقت مطالبتها بوقف الصراع، وبذلك تعيق الجهود المبذولة في تدمير الاقتصاد الإيراني. وفي المسألة الفلسطينية تتحرك الولايات المتحدة بنفس السياقات، حيث اعترفت بقدس عاصمة لإسرائيل في الوقت الذي دعمت السلطة الفلسطينية بالإمكانيات. وفق هذه البرغماتية التي تتخذها السياسة الخارجية الأمريكية فإنه ليس هناك حليف مميز، وإنما الجميع حلفاء، والجميع بنفسى المستوى في التعامل، ومن يقدم المصالح أكثر من الآخر هو المحبب فقط بشكل تكتيكي، وهذا ما أفتقدته إدارة ترامب في بناء علاقات استراتيجية مع الأطراف، وتبني سياسة التكتيكات للتعامل مع الجميع.

لدى الإدارة الأمريكية مسارات عديدة في تعبئة النزاعات أو تخفيفها في الشرق الأوسط، ومنها تشجع السعوديين والإيرانيين للعمل على إيجاد حلول تكتيكية لتخفيف حدة النزاع، سواء بشأن الأمن البحري أو ملفات المتعلقة بالسلامة النووية والمناورات العسكرية، ومقابل ذلك سوف تعمل الولايات المتحدة على إنشاء هيكل إقليمي جديد وشامل من شأنه حماية مصالحها، والاستمرارية في الصراع بين الأطراف دون وجود معالجة شاملة، وبنفس الوقت عدم تطورها إلى الصدام المباشر، أي بمعنى استمرار النزاعات مع السيطرة عليها، وهذا يضمن للأمريكيين الحضور المباشر دون التكلفة بالخسائر، لأن حاجة هذه الدول إلى الضامن الأمريكي أوجدت هذا المشهد والمعايير للتوازن بين الأطراف.

لـفهم الأزمة السورية

تملك الولايات المتحدة الأمريكية آليات كثيرة للتحكم بسير الأحداث في سوريا، لاسيما تحركات جميع الأطراف المتناحرة، وتنسق استخباراتها مع جميع الأطراف بمستويات متفاوتة، ولا تفضل السياسة الخارجية الأمريكية طرف سياسي أو عسكري في الأزمة السورية على الآخر، بل تتعامل مع كافة القوى وفق مصالحها، ربما بمستويات أكثر أو أقل، إلا أنهم جميعهم يندرجون ضمن مشروع المناقصة الأمريكية، وكانت السياسات الخارجية لإدارة الرئيس ” دونالد ترامب ” واضحة في هذا المسار.

إلى جانب تغطيتها على تصرفات جميع الأطراف بإيجابياتها وسلبياتها، لا تتخلى الولايات المتحدة عن مصالحها القديمة المتجددة من خلال الأنظمة القائمة، والنموذج التركي واضح للعيان، إذ ركزت السياسات الأمريكية على خلق توازنات بين حلفائها المتناقضين، ويمكن لها أن تجمع بين خصمين على مائدة واحدة لطالما الجميع يلتزمون بالخطوط الحمر الأمريكية.

كانت التغطية التركية على المعارضة السورية لن تتم بمعزل عن الموافقة والدعم الأمريكي، والتدخل الروسي في 30 سبتمبر 2015 لم تكن لولا الموافقة الأمريكية في ذلك، لأن إدارة ترامب لم تكن في أجندتها التدخل العسكري لتغيير النظام السوري في سيناريو مشابه للتدخل في العراق وإسقاط نظام صدام حسين، ودون تدخل عسكري لحماية النظام أو ضبطه كاد المتطرفون يسيطرون على دفة الحكم، لذا فأن التدخل الروسي كان بطلب أمريكي ودعم إسرائيلي، وبذلك ضمنت الولايات المتحدة الأمريكية على إبقاء النظام السوري، كما حافظت على المعارضة السياسية والمسلحة برعاية تركية، إلى جانب دخله المباشر في شمال شرقي سوريا لمساعدة الكرد – وقوات سوريا الديمقراطية – في محاربة الداعش، ومنع التمدد الإيراني بطلب من الخليج العربي.

ان أستمرار المواجهات العنيفة بين النظام السوري المدعوم بالميليشيات الإيراني والسلاح الجو الروسي، والمجموعات المسلحة المدفوعة من الاستخبارات التركية والتمويل القطري، تسببت في تدمير البنية التحتية للدولة السورية، وبالتالي تفككت ترسانة الاسلحة المكدسة منذ السبعينيات والإكتفاء الذاتي من الزراعة والطاقة الأحفورية، وأدت ذلك إلى تضعيف كافة المؤسسات المركزية للدولة الشمولية لصالح المناطق التي فرضت بحكم ظروف الحرب واقع جغرافي جديد على الأرض، إلى جانب زيادة وتيرة الشرخ الإجتماعي بين المكونات السورية بعد فرزها على أساس طائفي وعرقي. وبذلك حافظت التغطية الأمريكية على بقاء هذا النظام في مستوى محدد دون أن يعود إلى سابق عهدها قبل الأزمة، وبنفس السياق أستمرت المعارضة على نحو تقليص وجودها دون القضاء عليها، بالرغم السلبيات الكثيرة التي أرتكبتها المجموعات المعارضة من خلال التصرفات الإرهابية والقتل والخطف والإرهاب الممنهج.

فيما أسست الولايات المتحدة الأمريكية لوجودها مناطق محددة في شمال وشرق سوريا، ومن ثم أدخلت بعضها في مناقصات مع الطرف التركي لإرضائه نسبياً على حساب الكرد وقوات سوريا الديمقراطية التي هي حليف مهم في محاربة الإرهاب.

إن الإخفاقات والانتصارات التي تحققت بالنسبة لجميع الأطراف السورية كانت بدفع من الولايات المتحدة الأمريكية، والعامل الإسرائيلي بهذا الصدد له دور بارز وأساسي لإدارة المسارات، لأن أمنها يعني إتفاق أمريكي روسي للقيام بدور الحماية لها، وروسيا بدورها ترعى المصالح الإسرائيلية بالدرجة الأولى، لهذا الأطراف المعنية مقيدة بهذه العملية، وبنفس الوقت تعمل على استمرار حالة التوازن القائمة بين الأطراف، دون إجراء تغيرات استراتيجية كبيرة في المشهد السوري.

دور الاتحاد الأوربي اقتصر على التواجد ضمن قوات التحالف لمحاربة الإرهاب، والبحث الأوروبي عن موضع قدم لها داخل التحولات الجارية في الشرق الأوسط أصطدم مع سياسات إدارة دونالد ترامب المتصرعة، والاستحواذ الروسي المميت، والاحتكار التركي المتشبث بالمعارضة، ولم يبقَ أمام الاتحاد، لاسيما فرنسا، تطور وجودها من خلال الطرف الكردي الذي لعب دور بارز في عملية القضاء على منظمة ” الداعش “، وألحقت الدول الأوروبية بـ فرنسا بعد أن أغلقت الأبواب السورية من قبل الأمريكيين والروس والأتراك أمامهم، فكانت المواقف الأوروبية تتضمن مستويين، الدخول في منازعة مباشرة مع تركيا، والرفض الناعم لسياسات تركيا، وفي كلا الحالتين تبلور الموقف الأوروبي الرافض لتحجيم دورها في الشرق الأوسط، لأن اعتكاف المسارات الحقت بالدول الأوروبية تضيقاً على مصالحهاً الاستراتيجية، في ظل الصراع الأمريكي من أجل مصالحها الاستراتيجية، والتمدد الروسي بفعل تركي على حساب مستقبل المصالح الأوروبية.

إن بقاء النظام السوري هو هدف إسرائيلي بالدرجة الأولى، لأن البديل عنه سيكون مجرد أدوات متطرفة بيد النظام التركي، وقد تشكل تهديداً على مصالح إسرائيل في ظروف ما، بالرغم من أن تركيا تدرك هذا التوزان، وتعمل على حماية إسرائيل وأمنها الاستراتيجي، لما لها تأثير على جميع الأحداث في الشرق الأوسط، وتصرفات الولايات المتحدة وروسيا والاتحاد الأوروبي في سوريا، وعلاقات تركيا مع إسرائيل عميقة جداً، ويكاد الاقتصاد الإسرائيلي في نمو مستمر بفضل التجارة المتبادلة مع تركيا، والكثير من التصرفات والسلوكيات التي تبديها تركيا حيال عدة قضايا، نابعة من الموافقة الإسرائيلية، وبنفس الوقت تنتج هناك بعض ردات فعل بين الطرفين على مصالح محددة، وأن كان النظام التركي يسير على تطبيق المخططات الإسرائيلية الخاصة، وتدرك تركيا عمق المصالح الاستراتيجية الإسرائيلية، وتكاد تكون المساهم الأول في تضعيف الدول العربية وتهيئة كافة الظروف داخل هذه الدول لصالح إسرائيل، لهذا كانت إسرائيل باستمرار تنفذ الضربات الجوية ضد النظام السوري وتضعيفه لصالح الأتراك وأجنداتها من المجموعات المسلحة السورية، بالإضافة إلى تهيئة الأجواء لتركيا في تنفيذ مخططاتها داخل الشمال السوري، ولا نستغرب أبداً من التدخل الإسرائيلي الدائم في تخفيف الضغط الأمريكي على تركيا.

لابدّ أن فهم وجود تحركات الإسلام السياسي في الشرق الأوسط هي الأكثر تواصلاً مع إسرائيل، والنظام التركي الإسلاماوي لا يتجزأ عن هذه التركيبة الجيوسياسية، وتكاد أن تكون آلية ضمان إسرائيلية في إدارة الكثير من الأحداث، ولكن تطورت هذه الحركات وهناك ظهور محتمل لحالات انفرادية متطرفة قد تشكل عملياً بعض التهديدات على أمن إسرائيل، لهذا فإن توجيه الجماعات المتطرفة نحو العبث في المنطقة العربية هو هدف تركي برعاية إسرائيلية، لأن الصراع من أجل السيطرة على المنطقة في شقه السني – السني يتم إدارته بين القيادة العربية والتركية، بينما الهدف الإسرائيلي يكمن في تشرذم المنطقة على نحو تضعيفها، وهو يضمن لها ان تكون سيدة المنطقة، وهو ما تخشاها من أي تمدد للأتراك نحو المنطقة العربية بشكل واسع، وكذلك أي تمدد فارسي نحو المنطقة العربية بشكل أعمق، بل الخيار الإسرائيلي الحالي والقادم سيركز على تقارب عربي سني مع إسرائيلي، وبوادر لتأسيس تحالف إستراتيجي مقابل إعطاء دور رعاية الإرهاب للأتراك من أجل زعزعة استقرار المنطقة، والنموذج الليبي وعملية تقسيمها ودعم المتطرفين في جزء منها، إلى جانب دعم جماعات الإخوان المسلمين في مصر وسوريا، ودفع قطر إلى زعزعة أمن واستقرار الخليج العربي، ويقابل ذلك إعطاء دور رعاية التهديدات للدول العربية إلى النظام الإيراني، الذي يوفر باستمرار تقارب عربي سني من إسرائيل، وهي عملية دراماتيكية تدار من قبل الاستخبارات الإسرائيلية – الأمريكية.

المعضلة الكردية في سوريا

تُفهم القضية الكردية في سوريا خلال محورين، طرح القضية ضمن الحل السوري الشامل أي إرفاقها مع جميع المسائل العالقة التي تحتاج إلى حلول ضمن إطار دستور جديد، أو بتفاهمات على شكل نتائج لحوار بين الطرفين الكردي والنظام السوري، وبالتالي يكون بمواد فوق دستورية، وذلك أيضاً ضمن إطار وحدة الأراضي السورية وبناءً على نظام لامركزي – يعطي صلاحيات الفدرالية أو الحكم الذاتي أو الإدارة الذاتية التي تقف بين الإدارة المحلية والذاتية، ويتفق حول الخيار الأول الكثير من الشرائح السياسية السورية لاسيما المعارض والنظام، بمستويات متفاوتة، البعض يرى بمنظور أن القضية هي مسألة وطنية بامتياز، وحلها تكمن في تطبيق النظام الديمقراطي في سوريا، بينما يجد غالبية الحركة السياسية الكردية والقوى المتحالفة معهم أن الحل يكمن في إدارة كل منطقة جغرافية ذاتها ضمن الحدود الوطنية لسوريا، على أن تكون لها صلاحيات واسعة، وهذه الرؤية طرحتها الإدارة الذاتية الديمقراطية ” المشتركة” في الشمال السوري” وهو صرح سياسي واجتماعي يضم عشرات الأحزاب الكردية والعربية والسريانية “.

ينظر النظام السوري إلى القضية الكردية على أنها مسألة حقوق مدنية وثقافية، بينما تتفق المعارضة السورية مع النظام في النظر إلى القضية من باب مجموعة حقوق بسيطة يتم النظر فيه بعد الانتهاء من النظام، واتفق الطرفين على الرفض الكامل لأي إدارة أو حكم ذاتي أو فدرالية للكرد في سوريا، علاوة على ذلك كان خطاب النظام في الكثير من المناسبات كان أفضل من أداء المعارضة التي تحولت إلى لسان حال الخطاب التركي حيال القضية الكردية، ومن المفارقات أن دوافع الخصمين ” النظام السوري – والمعارضة التي تغلبت عليها حركة إخوان المسلمين ” متفقين حول التعامل مع القضية الكردية من بوابة الرفض لأي حق سياسي إداري، وهو بطبيعة الحال نتاج لمرجعيات إيدولوجية التي تغلبت على تفكير الطرفين الذين خرجا من بوتقة الحزب البعث القوموي، وتسبب في اضطهاد الكرد طيلة ستة عقود، بينما يتفق الأتراك والنظام السوري على أن مسألة منع ظهور أي وضع كردي خاص في شمال سوريا يكون مشابه لما تم في شمال العراق ” إقليم كردستان العراق “، لهذا فأن المعارضة السورية بما أنها رهن التحكم الاستخباراتي التركي، بالإضافة إلى خلفياتها الأيديولوجية المتصلة بالفكر البعثي وحركة الإخوان المسلمين المعادية للقضية الكردية، فأنها تقود رأس الحربة ضد الوجود الكردي، وتكرارهم لمسألة محاربتهم للإدارة الذاتية من أجل منع حكم ذاتي كردي كان واضحاً حجم الغّل الذي يحملونه تجاه الكرد، مقابل امتلاك النظام لنفس المشاعر حيال القضية الكردية، وطروحات النظام السوري لحلحلة هذه المعضلة تركزت على منح حقوق ضمن إطار ضيق لا يتعدى الحقوق المدنية والثقافية المقيدة وفق الإدارة المحلية الموسعة.

بينما طرح الكرد من خلال الإدارة الذاتية الديمقراطية وكذلك قوات سوريا الديمقراطية حلاً رسمياً للقضية الكردية، بناءً على الواقع الموجود على الأرض، بحيث تكون هناك خصوصية للإدارة الذاتية ضمن صلاحيات ومواد دستورية توافق عليها الإدارة والنظام، وبنفس الوقت تكون القوات العسكرية ” قوات سوريا الديمقراطية ” جزء من الجيش السوري على أن يكون عمله وخصوصيته كجزء من خصوصية الإدارة الذاتية، وبما أن النظام السوري تعامل في بداية الأمر مع هذا الطرح بالرفض، تنافست المعارضة مع النظام في رفض أي وضع كردي في شمال سوريا، بل تحولت إلى أدوات حربية للنظامين السوري والتركي لاحتلال 60% من المنطقة الكردية في الشمال السوري.

الفهم الأمريكي الروسي للتطورات الكردية في سوريا

القيمة الكردية ظهرت عندما حاربت القوات الكردية بشكل جدي منظمة داعش المتطرفة، في الوقت الذي تحالفت فيها معظم المجموعات المعارضة بشقيها السياسي والمسلح مع الجماعات المتطرفة، والدافع التركي لذلك هو أسلمة المعارضة المعتدلة لغاية دمج المجموعات المتطرفة بينها، وقد نجحت تركيا في ذلك مقابل التراجع الأمريكي عن تدريب وتسليح المعارضة، وآخر محاولة أمريكية في تدريب هذه المجموعات باءت بالفشل نتيجة لانضمام العناصر التي دربتها أمريكا إلى الجماعات المتطرفة مع بداية الهجوم الذي شنته منظمتي داعش وجبهة النصرة على شمال وشرق حلب أواسط 2014، والبرنامج التدريبي الذي نفذته القوات الأمريكية لتدريب المعارضة السورية بمعرفة ورعاية تركية أُخفقت تماماً نتيجة للتوجهات التركية في أدجلة المعارضة ودمجها مع المتطرفين. إذ أن الأمريكيين حاولوا الدخول عسكرياً في سوريا من خلال المجموعات المعارضة قبل اللجوء إلى وحدات حماية الشعب الكردية، وكان ذلك دافعاً منطقياً بالنسبة للأمريكيين في اللجوء إلى الكرد في الوقت الذي تعرضت فيها المنطقة الكردية إلى هجوم ساحق أواسط خريف 2014 حيث كادت أن تحتل تركيا من خلال آلية منظمة داعش إقليم كوباني بعد الاستيلاء على كامل محافظة الرقة وصولاً إلى منطقة تل أبيض الحدودية، وشرق حلب ومنبج إلى الحدود التركية من ناحية جرابلس والباب، حيث ترعرعت هذه المنظمة بشكل واسع برعاية الاستخبارات التركية وشملت ذلك إجراء علاقات تجارية بين الطرفين، وفتح العمق التركي لعناصر ومسؤولي هذه الجماعة في جعل المدن التركية الحدودية مقرات لاستراحة عناصرها، وممر ترانزيت لنقل المتطوعين من المطارات التركية إلى سوريا، بالإضافة إلى المشافي التي عالجت جرحى داعش، إلى جانب صفقات النفط والآثار التي تم نقلها إلى تركيا بشكل منظم، ولأكثر من عامين كانت تركيا تستفيد من هذه الجماعة ولا تجد فيها تهديداً على أمنها.

كادت هذه المنظمة أواسط الشهر التاسع من عام 2014 تسيطر بشكل كامل على إقليم كوباني وأجزاء حيوية من المنطقة الكردية في سوريا، ولولا التدخل الأمريكي وتقديم الدعم الجوي والمعدات العسكرية إلى وحدات حماية الشعب الكردية لسيطرت هذه المنظمة وبرعاية تركية على معظم الشريط الحدودي.

يمكن تفسير الأحداث بهذا الشكل المنطقي، أنقذت القوات الأمريكية الكرد من براثن داعش والمخططات التركية، وقدمت لهم المساعدة المطلوبة، وبالتالي إنهاء الهيمنة التركية على كامل الشمال السوري، لأن سيطرة داعش كانت تعني عملياً الاحتلال التركي، وفي الحقيقة لم تكن هناك خيارات كثيرة أمام الكرد في سوريا سوى الاستعانة بالقوات الدولية وفي مقدمتهم الولايات المتحدة الأمريكية في وقف مد دولة ” داعش “، إذ أن تدخل القوات الجوية الأمريكية وشن عمليات جوية عنيفة على مواقع داعش، وإنزال أسلحة وذخائر لوحدات حماية الشعب، وكذلك سهلت عملية وصول البيشمركة من إقليم كردستان العراق إلى كوباني، هذه التطورات ساهمت بشكل مباشر في تحول وحدات حماية الشعب من منطق الدفاع إلى خطوط الهجوم المباشر، التغطية الجوية التي وفرها التحالف الدولي حولت الوحدات الكردية إلى الهجوم على مواقع داعش في مناطق حساسة، إلى أن تحررت كامل منطقة منبج وعاصمة داعش “مدينة الرقة” والطبقة وريفها، وتحرير السدود المائية والمنشآت الزراعية والنفطية إلى تطهير المنطقة الكردية الواصلة بين إقليمي الجزيرة وكوباني، وصولاً إلى غرب وجنوب الحسكة، حتى أن تم القضاء على قوة داعش الفعلية ومناطق سيطرته على الأرض بالمواقع النفطية والغاز في شمال دير الزور، وجاء النصر الأعظم في بلدة باغوز، لتبدأ معها عمليات ملاحقة قيادات داعش إلى أن تبين لجوء معظمهم إلى تركيا أو المناطق الحدودية التي تسيطر عليها المجموعات المسلحة التابعة للمعارضة.

الدور الذي لعبته استخبارات قوات سوريا الديمقراطية في ملاحقة قيادات الداعش ساهمت بشكل أساسي في مقتل زعيم المنظمة ونائبه والعشرات من مسؤولي داعش بقرب الحدود التركية في إعزاز وجرابلس، حيث السيطرة التركية وقواعدها العسكرية، وكذلك الكشف عن وجود المئات من عناصر داعش الذين انضموا لمجموعات المعارضة السورية بمعرفة ودعم النظام التركي، وشوهد الكثير منهم في معارك تل أبيض ورأس العين وكذلك بين المجموعات المتطرفة التي تسيطر على إقليم عفرين بدعم تركي.

وقد ساهمت العلاقة التي نشأت بين الولايات المتحدة الأمريكية والكرد إنتاج تفاهم قوي في رسم سياسات جديدة يستفيد منها كل طرف بطريقته، وطبعاً لم يكن يحصل ذلك بمعزل عن الوجود الفرنسي ودوره وتأثيره على مجريات الأحداث في المنطقة الكردية وعموم شمال شرق سوريا، حيث تطور مفهوم الإدارة إلى مستويات أكبر بالتزامن مع زيادة وتيرة التقارب الكردي مع التحالف الدولي لمحاربة الإرهاب، كما أن تطور العلاقة بين مكونات المنطقة الكردية والشمال والشرق السوري الذي أنتج في وقت مبكر عن تأسيس قوات سوريا الديمقراطية من أبناء المنطقة، وكانت تلك مساهمة حقيقية في زيادة الثقة بين التحالف الدولي والجانب العسكري في الإدارة الذاتية، وخلال سنوات 2015 إلى سبتمبر 2019 تكونت نمط مستقر لهذه العلاقة، لدرجة دفع الأمريكيين وحلفائهم الأوروبيين قوات سوريا الديمقراطية نحو تمكين بنيتها العسكرية وتنظيمها.

مع كل مرحلة تطورت فيها هذه الشركة تكون مزيداً من الهواجس لدى الطرف التركي، إلى أن خيّرَ النظام التركي الأمريكيين بينهم وكرد سوريا، لقد وضعت تركيا جميع إمكانياتها وعلاقاتها التاريخية مع الأمريكيين والاتحاد الأوروبي في إطار الضغط عليهما من أجل التخلي عن الكرد وقوات سوريا الديمقراطية، لدرجة تعميق أواصر العلاقة مع الروس على حساب حلفائها في تحالف الناتو، وكلما رفض الأمريكيين والأوروبيين الانصياع للمطالب التركية أقدمت تركيا على تعميق علاقاتها مع الروس، وتوقيع صفقات الأسلحة التي زادت من تعميق الخلافات مع الأمريكيين والأوروبيين، وبالتالي الدخول في صراع مرير داخل حلف الناتو.

لم يكن سهلاً على الأمريكيين التخلي عن أهم حليف وفر لهم الإمكانيات في سوريا، إلا أن الإستراتيجية الروسية لعبت دوراً محورياً في استمالة الطرف التركي من خلال فتح المجال للجيش التركي في غزو إقليم عفرين، وبذلك تجاوت روسيا مع المخاوف التركية في محاربة الكرد، فيما الوعود الأمريكية بوقف الدعم لقوات سوريا الديمقراطية لم تتحقق، بل أن تدفق السلاح الأمريكي إلى المنطقة الكردية وشمال شرقي سوريا زادت من الهواجس التركية، وكان ذلك سبباً في تقسم الرأي العام الأمريكي بين الكونغرس والجيش الداعم للكرد، وإدارة ترامب التي استمالت إلى الأهداف التركية بشكل جزئي، وكان ذلك سبباً رئيسياً لسحب القوات الأمريكية من الحدود، والاتفاق مع الأتراك في غزو مناطق محددة بين رأس العين وتل أبيض بعمق 30 كلم، وبنفس الوقت حاول الأمريكيين الإيقاع بين الأتراك والروس، لأن الروس سارعوا إلى التدخل في المناطق الحدودية بالاتفاق مع قوات سوريا الديمقراطية، وانتشرت القوات النظامية في المناطق الحدودية مع تركيا، ليصبح التحرك التركي والنظام السوري وبغض النظر الروسي نحو الضغط على قوات سوريا الديمقراطية في التوجه إلى النظام السوري، بالرغم من أن الاتفاقيات الضمنية تعطي المجال للأتراك في احتلال المنطقة المحددة، ولكن الروس استغلوا هذه التحولات وثبتوا حضورهم وقواعدهم في مناطق شاسعة في المنطقة الكردية وشمال شرق سوريا، ومن الطبيعي أن يحاول الروس التقرب من الكرد في عملية بناء الثقة، في وضع مشابه لعلاقة الروس مع النظام السوري، إلا أن التحرك الروسي سوف يكون ضمن عملية إرضاء النظام وتثبيت حضوره في المنطقة الكردية مقابل إرضاء الكرد في إجراء حوارات وتفاهمات بين الأطراف، إذ أن الروس على ثقة تامة في مسألة عدم التخلي الأمريكي عن هذه المنطقة والكرد وقوات سوريا الديمقراطية، لهذا سيكون التعامل الروسي والنظام السوري مع الكرد بشكل يضمن تفاهماً غير صدامياً، وربما يرضي الطرفين بشكل جزئي.

فشل المحاولات الأمريكية لإرضاء الأتراك

المحاولات الأمريكية ومناوراتهم في إرضاء الكرد والأتراك في آنٍ واحد باءت بالفشل أمام المخططات الروسية الرامية إلى تقليص الوجود الأمريكي في سوريا، ومسألة الجمع بين حليفين متصارعين في الحالة الكردية التركية غير ممكن بعد تحقيق الروس للأهداف التركية مقابل رفض أمريكي، ومسألة التضحية بالأتراك وتمكين الروس من اختراق عزلتها الدولية وكسر جدار حلف الناتو حول الاتحاد الروسي أمر غير وارد في السياسة الخارجية الأمريكية، وكذلك التخلي عن الكرد في سوريا أمر خطير للغاية وتهدد سمعة الولايات المتحدة وحلفائها، وقد يفتح المجال أمام الروس للمناورة أكثر حول العراق والخليج العربي في ظل التوكل الإيراني وحلفائها أذرعتها في الشرق الأوسط على الدور الروسي، لذا فأن المساحة الأمريكية محددة الآن في الشرق الأوسط، ومصالحها مهددة أيضاً إذا تخلت عن البطاقة الكردية، وهو ما يتطلب مناورة جديدة قد تنجح أو تفشل في تحييد الأتراك عن العلاقة مع الروس، ولكن مقابل ذلك يجب عليها تقديم بعض الضمانات والصفقات للطرف التركي، والصفقة المربحة الوحيدة بالنسبة الجانب التركي هو تحجيم دور الكرد في شمال سوريا، وهذا غير ممكن بالشكل الذي يتمناه الأتراك في ظل ظروف والمصالح الأمريكية التي تتعرض للأزمات في الشرق الأوسط، وخسارة الشمال السوري يفتح المجال أمام المصالح الإيرانية للترعرع من جديد، وسيناريو العراق بعد تحريرها من نظام صدام حسين خير مثال على الاستفادة الإيرانية من التصرفات الأمريكية غير عقلانية، وذلك يشكل أيضاً خطراً حقيقياً على جميع الأطراف ومنها الخليج العربي الحليف الاستراتيجي للولايات المتحدة الأمريكية والأوروبيين، ويعتبر خللاً كبيراً في التوازن للصراع السني – الشيعي الذي يحتاجه الدول الكبرى في عملية إلهاء الطرفين ببعضهم حتى تكون إسرائيل في أمان، بالإضافة إلى الطاقة الأحفورية التي يستحوذ عليها الأمريكيين في الشرق الوسط، وكذلك تصدير الأسلحة إلى دول الشرق الأوسط والتي تقود صراعاً مع التمدد الإيراني، وكل ذلك يوفر ويعيد للخزانة المالية الأمريكية والغربية مليارات الدولارات. إذاً مسألة تصور فتح المجال للأتراك في استحلال كل شيء أمر غير منطقي وفق القراءة الموضوعية للأحداث، لهذا فأن المسار الممكن تحقيقه هو بناء خلل داخل تركيا حتى تخفف من تصرفاتها السلبية تجاه المنطقة، وكذلك تغيير سلوكيات الإدارة الأمريكية لتعامل مع الحلفاء في الشرق الأوسط والكرد في سوريا، وهذا قد يضمن بعضاً من الهدوء وتقارب وجهات النظر.

التحولات الاستراتيجية في المنطقة الكردية

ركز النظام السوري خلال عقود على بناء الاشكاليات الثقافية بين المكونات السورية، وبسبب غيابه طيلة 8 سنوات عن المنطقة الكردية وشمال شرقي سوريا فتح المجال أمام المشروع الذي تبنته الإدارة الذاتية في التقارب والتفاهم بين المكونات على مبدأ العيش المشترك، وقد نجح الكرد في التطبيق الجزئي لهذا المشروع، وفتح آفاق التفاهم بين المكونات الأخرى وهو ما زاد مت حظوظها في توسعة التفاهمات بين الكرد والمكون العربي، وبالتالي توحدت المنطقة الكردية مع المنطقة العربية إلى جانب المكونات الصغيرة الأخرى التي تعيش في هذه المنطقة كالسريان وغيرهم، وقد أقامت الإدارة الذاتية مشروعاً سورياً مصغراً وجديداً وفق عقد اجتماعي جديد بين مكونات المنطقة، وفي الحقيقة أن وجود مشروع بهذا النموذج يشكل خطراً على التكوينة الأيديولوجية للنظام السوري، وكذلك المعارضة المتأسلمة، لهذا ركز خطاب النظام السوري على إطلاق تسمية الكرد على هيكل الإدارة الذاتية وقوات سوريا الديمقراطية، لأن الترويج لذلك سهل التقرب من القبائل العربية المتحالفة مع الكرد في الرقة ودير الزور ومنبج، ومقابل نجاح الإدارة الذاتية في استمالة شرائح عديدة من الشارع العربي في المنطقة، وظف النظام أجنداته البعثية وبعض الشرائح داخل القبائل العربية في إجراء التقسيم داخل المجتمع العربي في هذه المنطقة، وحاول من خلال طرح فكرة الحوار مع الكرد لوحدهم أيضاً حافظاً لدى تلك الشريحة في أن تعمق تقسيمها داخل المنطقة، وبالتأكيد هذه المعضلة تنذر بخطر محدق في المستقبل إذا لم يعيد النظام النظر في سياساته العدائية للكرد.

وهدف النظام كان الاستفراد بالكرد وحدهم سواء من خلال الحوار معهم ضمن أطر محددة أو إجهاض تنظيمهم، إلا أن الظروف الدولية لم تسمح بذلك، ولم تكن هناك رغبة دولية في إعادة تكرار النظام كاملاً بالشكل الذي كان عليه قبل 2011، لذا التراجع الأمريكي والانتشار في بعض مناطق شرقي نهر الفرات تسبب في وقف مخططات النظام السوري، وبنفس الوقت أدخلت المنطقة في صراع كبير بين القوى الدولية والإقليمية، “حيث الحضور الأمريكي والروسي والتركي والإيراني والنظام والجماعات المتطرفة المدعومة من الاستخبارات التركية” في هذه المنطقة شكل ما يشبه قنبلة موقوتة قد تنفجر في أية لحظة، لا يستطيع النظام فتح جبهة كبرى للقضاء على الإدارة الذاتية، ولا تستطيع تركيا احتلال كامل المنطقة الكردية أو الشريط الحدودي، وروسيا بدورها تفهمت الدور الأمريكي الذي لن ينتهي في هذه المنطقة بقرارات إدارة الرئيس دونالد ترامب، بينما الجميع متفق على تحجيم الدور الإيراني، إذاً في ظل هذه المعمعة الجميع عمل من أجل الحفاظ على نفوذه، إلا أن الدور الأمريكي – الروسي قد يضمن للكرد بعض الصلاحيات ودور مستقبلي في سوريا، وقد تزداد مع التحولات السياسية الجديدة داخل المؤسسة السياسية الأمريكية، وروسيا ستحاول التقرب من الكرد دون السماح للنظام باجتياح المنطقة، لأن حجم العتاد والقوة التي تتمتع بها قوات سوريا الديمقراطية لا يستهان بها مقارنة مع امكانيات النظام السوري، وإن الخسائر والأزمات الاقتصادية التي تعصف بالنظام تحتاج إلى سنوات طويلة للنهوض بها، لاسيما وأن الرغبة الأمريكية في إجراء تحولات استراتيجية لسياساتها أيضاً ضمنت بعض الحوافظ والقوة للإدارة الذاتية.

يفهم من حركة الانسحابات الأمريكية النسبية من بعض المواقع في الشريط الحدودي خلال 2019 أدخلت الروس في عملية التفاهم مع الأتراك وإبعاد شبح الاحتلال التركي الشامل للمنطقة الكردية، والدور الذي لعبته روسيا في هذه المسألة ضمنت لها وجوداً قوياً في هذه المنطقة، بينما كان محرماً عليها سابقاً، فالعملية بمجملها أنتجت ظروف جديدة، بعضها مفيدة لصالح الإدارة الذاتية، والبعض الآخر يشكل خطراً على مستقبل هذه المنطقة.

سوف تختار أمريكا في المحصلة تمكين مصالحها في الشرق الأوسط من البوابة السورية على حساب جميع الأطراف، وتحقيق ذلك لا يتم إلا من خلال الأطراف الرئيسية في الحدث السوري، وقد كان ذلك دافعاً حقيقياً حينما نسقت مع الكرد، وتكلفت بأموال طائلة في محاربة داعش، وهذا يعني لا يمكن ببساطة أن تتخلى عن هذه الساحة التي تخصها قبل الأخرين، لاسيما وأن تهديدات الإرهاب تتنامى كل فترة دون القضاء الكامل عليه، كما إن فتح المجال للفراغ دون وجود قوات عسكرية سوف يتسبب بمزيد من الفوضى واشكاليات كبيرة، وبالتالي سوف يستغل الروس وحلفائه المعاديين لحلفاء أمريكا هذه الظروف ويزيدوا هيمتهم التوسعية على حساب الدول الحليفة للولايات المتحدة وأوربا، وفي مقدمتها الدول العربية السنية التي تعاني من التمدد الإيراني، هذه الدول التي دفعت الأموال الطائلة للأمريكيين من أجل المساعدة في تحجيم الدور الإيراني وحلفائها المحليين في عدة دول، وكذا إسرائيل التي تخشى هذا التمدد، وإن كانت إيران تقدم خدمات استراتيجية لإسرائيل حول دفع الخليج العربي إلى التحالف مع إسرائيل إلا أن التمدد الإيراني وقيادتها لمجموعات مسلحة خطيرة حول إسرائيل تشكل خطراً على المدى البعيد.

هذه الظروف الدولية والإقليمية والمحلية تشكل حافظاً كبيراً لإتخاذ سياسات أمريكية جديدة في سوريا، وهي ستكون بطبيعة الحال بوابة لرسم خطط مناسبة بشكل أفضل في الشرق الأوسط، ولعل الحديث حول إقامة حلف عسكري بين الدول الحليفة لأمريكا بمعزل عن تركيا وإيران وروسيا والنظام السوري قد يكون بديلاً لوجود حلف الناتو في الشرق الأوسط، ويكون مانعاً لأية سياسات مناهضة للولايات المتحدة، وحامياً لمصالحها ومصالح الدول الحليفة لها، والتخلي الأمريكي عن سوريا لاسيما حلفائها المحليين ” الإدارة الذاتية وقوات سوريا الديمقراطية والكرد ” لصالح التمدد الإيراني أو الاحتلال التركي سوف يشكل لدى الدول الحليفة لها انعداماً للثقة بها، وهو ما يؤكد لنا أن الانسحاب لن يحصل بالشكل الذي تتمناه تركيا، وهذا يعني التغيير في الموقف الأمريكي سوف يجلب مزيداً من القوات والدعم لقوات سوريا الديمقراطية، وبالشكال الذي يضمن الاستقرار.

ستشهد سوريا تطورات جديدة، وقد تكون ضمنها هدوء برعاية أمريكية روسية، ودور روسيا محور في رسم خريطة سياسية جديدة بين الأطراف، لِمّا لها تأثير وكلمة الفصل في الأزمة السورية.

مسار لبنان والعراق واليمن

ربما لا يختلف الكثيرون حول مسألة الاشكاليات الطائفية التي تعانيها لبنان والعراق واليمن وسوريا، ونقاط تفاعلها السلبية التي استطاعت من خلالها الدول الإقليمية خلق الأزمات بين المكونات التي بنيت عليها هذه الدول، إلا أن عمق هذه الاشكاليات تكمن في تضخيم الوجود الإيراني من خلال تسليح المجموعات الشيعية السياسية وتكوين قوى مرادفة داخل كل دولة خارج سلطة الحكومة، وإبراز ذلك في كل مفصل، لأن التلويح بالقضايا الطائفية والأثنية تعطي الشرعية الشعبية لأصحابها، وتكون الحكومات والجيوش في هذه الدول وفق معيار تكريس النفوذ الإيرانية من خلال الطائفة وبنفس السياق أن عملية تقليص هذا التضخم ينتج شرخاً بين المكونات، وتدخلها في ميزان المواجهات العنيفة كما في الحالة اليمنية واللبنانية وإن كانت طبيعة كل صراع في هذين الدولتين تجري بمستويات متفاوتة، إذ أن في اليمن هناك دعم عسكري قوي للطرف الآخر، بينما في لبنان هناك تعقيدات كبيرة جداً لوجود أكثر من 5 فرقاء يفرض حزب الله هيمنته على لبنان بالقوة، وأيضاً العامل المسيحي ” بشقيه” له دور بارز في لبنان وكذلك السنة والدروز ، حيث تشكل هذه الأطراف قوة سياسية متناقضة مع بعضها، وتدخل أحياناً في تفاهمات سياسية ومن ثم تختلف، وحتى داخل البيت السني هناك صراع على السلطة وكذلك داخل البيت المسيحي والدرزي والشيعي . وحقيقة المسار اللبناني هو الأكثر تعقيداً، لأن هناك تراكمات من الحروب الأهلية والتداخلات الإقليمية، وكذلك النفوذ الإيراني والنظام السوري يكاد يندرج في جميع المسائل المتعلقة بفك وربط الحلول والمشاكل اللبنانية.

إن عملية تقليص النفوذ الإيراني في المنطقة هو مطلب جمعي بين الدول العربية وإسرائيل، والدور الذي يلعبه الأمريكيين في عملية شرطي الحلول اختار مسار الضغوطات من خلال تقليص الكتلة الإيرانية داخل الدول الشرق الأوسط، وبنفس الوقت فرضت العقوبات الاقتصادية، وإدراج أذرعة إيران في كلاً من لبنان واليمن وفلسطين وكذلك سوريا على قائمة الإرهاب.

إن حرب اليمن شكل بوابة للولايات المتحدة الأمريكية وروسيا في الحصول على الأموال وبيع الأسلحة للأطراف الخليجية، وبالنسبة للأمريكيين والأوروبيين فأن الحركة الحوثية توفر لهم مبيعات ضخمة من الأسلحة، وتدفع بالدول الخليجية إلى الاستعانة بالأمريكيين لأجل حمايتهم من التهديدات الإيرانية، وبذلك استمرارية الضغوطات الإيرانية وتفرع أذرعتها في المنطقة ” إذا كانت مضبوطة ” هي بمثابة باب مفيد للمصالح الاستراتيجية الأمريكية، وكذلك روسية بحكم أنها تحالف إيران، وتستفيد من ضغوطاتها على الدول العربية التي تحتاج دائماً إلى السلاح والعتاد الحديث للتحضير من أجل أية حرب طارئة مع النظام الإيراني، وشهدت العلاقات السعودية الروسية انفراجاً في هذا المسار حيث تسعى الدول الخليجية إلى شراء منظومة أسلحة حديثة من روسيا إذا ما غضبت الولايات المتحدة الأمريكية، أو لربما تغير من سياساتها تجاه حلفائها بعد فقدان الثقة التي أوجدتها إدارة دونالد ترامب حيال المنطقة.

لهذا فإن نصيب لبنان من وراء الصراعات الطائفية هو المحاصصة للأموال وهدر لثروات البلاد، وكذلك تفشي المحسوبية والتصفيات الطائفية التي تنفذها الاستخبارات المتنوعة، بينما اجتاحت المجاعة اليمن وأدخلت في عملية الصوملة الجديدة.

إن مسألة اقتلاع جذور إيران من العراق وسوريا مسألة غير ممكنة على الإطلاق، بحكم أن التركيبة العسكرية والسياسية في هذين البلدين فصلت وفق مزاجيات النظام الإيراني كما لبنان واليمن، وقد صرف النظام الإيراني أموال طائلة على بناء هذه المنظمات خلال العقود الثلاثة الماضية، وتبعية هذه الحركات للنظام الإيراني ناتج عن أيديولوجية طائفية، ومسببات أعمق من أن تهتز أمام أية ظروف سياسية أو عسكرية، وأي تهديد للمصالح الإيرانية المتمثلة بهذه الحركات المنظمة والمسلحة في الدول الثلاث ” حزب الله اللبناني – الحركة الحوثية اليمنية – الاحزاب الإسلامية وجيش البدر وغيره في العراق ” والمجموعات المتطرفة في غزة، هي في الواقع منظمات متمكنة وقوية ومسلحة داخل هذه الدول، وهي مستعدة أن تقود الحروب العنيفة أمام الدول في سبيل الدافع عن مصالح إيران، وهي أساساً نظمت من أجل هذا الغرض، وتفضيلها للمصالح الإيرانية على المصالح الوطنية توضح مدى ارتباط هذه المجموعات بالنظام الإيراني، وبالتالي مسألة القضاء عليها أمر غير منطقي، والسبيل الممكن لحلحلة هذه المعضلة تتمثل بتقليص دور هذه الجماعات من خلال دعم الحكومات الشرعية، وفرض عقوبات مركزة على رأس الهرم ” النظام الإيراني ” الذي يمد هذه المنظمات بالسلاح والأموال، وبنفس الوقت تقوية القوى الديمقراطية الأخرى في هذه الدول حتى تتمكن في تكريس الحياة الديمقراطية وحقوق الإنسان.

إن آلية فرض العقوبات والتضييق على حلفاء إيران داخل بعض الدول في الشرق الأوسط تأتي بالنتائج المثمرة أكثر من خوض الحروب، لأن العمليات العسكرية جلبت تماسكاً بين الجماهير والمنظمات داخل الطائفة الواحدة، وأساساً المستفيد الرئيسي من أية حرب ضد أية مجموعة مسلحة أفادتها في التفاف الجماهير حولها ضمن الطائفة، وفي الواقع ظهرت الحركة الحوثية في أقوى حالاتها، تملك الأسلحة الثقيلة والصواريخ ، بل وتصنع الأسلحة الحربية، وتحصل على دعم إيراني اللامحدود، والأمر سيان في لبنان حيث يسيطر حزب الله على القوة العسكرية ويملك الأوراق السياسية الضاغطة التي تغير مسار جميع القضايا الداخلية، بينما التجربة العراقية أكثر صعوبة أمام سيطرة الميليشيات المسلحة الشيعية على الحكم والمقدرات الاقتصادية، حيث وقعت الثروة الأحفورية بيد هذه الميليشيات الموالية لإيران، بينما في سوريا اتضح أن تركيبة النظام قائمة بدعم ووجود العنصر الإيراني، واصطفاف العنصر السني حول المجموعات المسلحة السنية تحت يافطة الثورات، زادت من تماسك الحكومات الموالية لإيران، والنموذج السوري على رأس القائمة.

النظام السوري وهزّات الاقتصاد المتوقعة

عملية التآكل بين أقطاب النظام السوري، بدأت فعلياً مع تصفية خلية الأزمة في دمشق بتاريخ 18 تموز 2012 ، والتي مهدت بدورها في زيادة الانشقاقات داخل المؤسسة العسكرية السورية، ودفع بالمشهد إلى رفع مستوى المواجهات بين النظام والمعارضة التي انطلقت نحو تأمين مستلزمات الحرب، سواءً من تركيا أو بعض الدول الخليجية، وبالكاد تفاعلت بعض دول الخليج العربي مع دفع المعارضة إلى تقليص دور النظام العلوي في سوريا، أخذت تلك المجموعات المعارضة المدعومة من الخليج إلى التقلص بفعل تركي، وتبلورت مخططات تركية لأجل غزو الشمال السوري من بوابة تصفية المعارضة القريبة من السعودية والإمارات لصالح تقوية المجموعات المتحالفة معها، حتى تكون جاهزة لتطبيق خططها بمعزل عن الدول السنية العربية، فيما أعطت المجال لترعرع المجموعات التابعة للقاعدة والمدعومة من قطر، حتى تضمن بذلك تركيا المال والدعم، ونفذت تركيا عمليات نهب وسرقات كبيرة للمنشآت والنفط والمعامل والمصانع والحبوب من خلال منظمة ” داعش ” وجبهة النصرة، والكتائب التركمانية، والمجموعات التابعة لحركة إخوان المسلمين وبينها حركة أحرار الشام، وساهمت بذلك في ضرب عصبة الاقتصاد السوري حتى يضعف النظام لدرجة اللجوء إلى إسرائيل التي بدورها دعت روسيا للتدخل.

هذه العوامل أثرت بشكل واسع في الجانب الاقتصادي لمناطق المعارضة، في الوقت الذي ظهر فيه النظام كقوة اقتصادية لا يُستهان بها في الحرب، لاسيّما الدائرة الحاكمة التي تملك الثروات الطائلة من الأموال والذهب والآثار داخل سوريا وفي الخارج، سواءً بشكل مباشر أو من خلال تجار ومصادر خاصة تضمن عدم تجميد تلك الأموال أو تلاحقها عقوبات، بالإضافة إلى الاحتياط الذي كان يملكه النظام من خلال شركات ومعامل في الداخل السوري، والتي بدورها تملك أرصدة جميع المشاريع الكبيرة والصغيرة، بحكم أن أصحابها يتبعون بشكل مباشر إلى دائرة الحكم في دمشق، وقد ظهرت عوائل مقربة من رئيس النظام السوري بشار الأسد، حكاماً للمال والثروة والبنوك والمعامل والمصانع والتجارة الداخلية والخارجية، مما توفر للنظام طاقة مالية هائلة توفر له الحماية من أية أزمات اقتصادية.

وحقيقة نجح النظام السوري خلال الأزمة السورية في الحفاظ على المستوى المالي المتوسط رغم ظروف الحرب والحصار والضغوطات والعقوبات.

دفع النظام السوري لـ 7 سنوات معاشات معظم الموظفين في مناطق سيطرته وسيطرة قوات سوريا الديمقراطية والمعارضة المسلحة،

ومن المفارقات التي تظهر القوة المالية لدى هذا النظام هو استطاعته من إدارة الظروف المالية بالرغم من فقدانه السيطرة على منابع النفط والغاز والسدود المائية، وكذلك خروج مناطق زراعية شاسعة عن سيطرته، ومع ذلك ظل يسيطر على الوضع الاقتصادي بشكل متوسط، مع فقدان القوة الشرائية أو عمليات التصدير والاستيراد بسبب الحصار وطرق التهريب.

ووفق المنطق العسكري، فأن النظام السوري لم يفقد قوته العسكرية بشكل كامل لأنه كان يملك القدرة المالية ومصادر الصرف، إلا أن إطالة أمد الحرب ألحق الضعف الكبير بالاقتصاد، ودفع بالنظام إلى عملية التآكل الداخلي من خلال تجريد الدائرة الحاكمة لبعض التجار الأغنياء المتواجدين في الحلقة البعيدة، والذين كانوا محسوبين على النظام، ومن ثم تطور الحال إلى عملية التصفية المالية داخل الدائرة الحاكمة، وقد نفذ النظام عمليات التجريد من الأموال لعدد كبير من الشخصيات الهامة داخل الدائرة الحاكمة، واستولى على أموالهم التي ساهمت في بقاء النظام على قدميه، وذلك كان كافياً لفترة ما يمنع الاقتصاد من الانهيار، بالإضافة إلى ذلك ضخ النظام الإيراني وبعض الأطراف العراقية وكذلك حزب الله اللبناني أموالاً وعتاداً ومجموعات كبيرة لإنقاذ النظام السوري، وحقيقةً نجحت هذه الأطراف في إنقاذ النظام من الانهيار العسكري والاقتصادي، إلا أنها في المقابل سيطرت على بعض مفاصل النظام السوري، في سيناريو مشابه للعراق، بعد أن سقط نظام صدام حسين على يد قوات التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية، استفادت إيران وأذرعتها من العملية، وبالتالي سيطروا على جميع مفاصل الدولة.

وهو السيناريو الذي انتظره الإيرانيين وحلفائه في العراق ولبنان من أجل سوريا، إلا أن التدخل الروسي في سوريا ووقوفها عقبة أمام هذا المخطط أعاد خلط الأوراق من جديد، في الحين كانت إيران وحلفائها ينتظرون مصيراً مشابهاً للعراق في سوريا، تحولت جميع القوى المعنية بالشأن السوري إلى محاربة الوجود الإيراني وحلفائها، والعمل معاً لتحجيم دورهم، وكان ذلك كافياً لإدخال النظام السوري في معمعة داخلية بين أجندات إيران وروسيا، والصراع من أجل السيطرة على النفوذ.

إيران التي وفرت للنظام السوري مع حلفائها في العراق ولبنان إمكانيات اقتصادية وعسكرية هائلة، لم توفر مقابل ذلك الأمن لإسرائيل، التي بدورها دعت روسيا للتدخل، لأن الأمريكيين لم يكونوا واضحين في رؤيتهم حول سوريا، بل أن الخطوة الإسرائيلية حققت استراتيجية خاصة بها على مساريين الأمريكي والروسي، وأدخلتا في وقت متقارب إلى سوريا، أحدهما لقطع الطريق أمام المد الإيراني في الشرق وتقزيم الدور التركي في الشمال، وتعظيم دور النظام السوري في المناطق الأخرى. وكان ذلك تبلوراً واضحاً لظهور تقسيم ميداني، أي أن جميع الأطراف تهيئت للاقتتال الواسع، وبذلك أصبح الملف السوري متداولاً على مستوى المصالح الدولية، ومشابهاً لسيناريوهات التدخل الأمريكي أو الروسي في العراق وأفغانستان وأوكرانيا، إلا أن حساسية الوضع السوري بالنسبة لأمن إسرائيل، ومخاوف حلفاء أمريكا في الخليج العربي من التمدد الإيراني، ومشاكل تركيا التي تبحث عن قيادة العالم السني على حساب الدول العربية السنية، جميع هذا العوامل فرضت سيناريوهات جديدة، وتعامل دولي مختلف، تركز في الحفاظ على الوضع السوري ضمن سياقات ربط وضبط الأمريكي الروسي برعاية إسرائيلية وإرضاء الدول العربية السنية.

ويفهم من هذا الواقع أن المشهد السوري بشموليته متفق عليه بين القوى المؤثرة فيها، وبنفس الوقت تجري منافسة طاحنة بين الأطراف، والعامل الاقتصادي هو الأبرز في إظهار مسارات الأزمة السورية بشكل حقيقي، إذ أن أكبر المتضررين من تقليص الدور الإيراني في الشرق الأوسط هو النظام السوري، وأن كان الروس هم الأكثر ارتياحاً من هذه العملية، بحكم أن النظام الإيراني يطرح نفسه كـ قوة منافسة تملك مشروعاً طائفياً لها في المنطقة، وبذلك تشكل إيران وأذرعتها خطراً على المصالح الاستراتيجية الروسية، وتقلص الانفراد الروسي في السيطرة على المساحات البرية والبحرية وبعض المنافذ الثروات الأحفورية في سوريا، لهذا روسيا في وضع مريح جداً من تقليص الدور الإيراني، لاسيما وأن الطرف الأمريكي هو الذي يقوم بهذا الدور، وهذا يعني إيران مجبرة تتعامل مع روسيا في جميع الأحوال من منطق الضعف والحاجة، لأن المسببون في زيادة الخناق على الوجود الإيراني هم أمريكا وحلفائها من العرب، وبنفس الوقت خَسَرَ النظام السوري الكثير من الدعم الاقتصادي، وعملياً كان يصعب على النظام الحصول على السلع والمواد بأسعار مناسبة، وجرّاء ذلك فقدت الليرة السورية قوتها الشرائية، وبذلك ارتفعت أسعار الدولار بشكل كبير، مقابل ارتفاع أسعار السلع بشكل أكبر، وفَقدَ السوريين الحد الأدنى من المواد الغذائية والوقود، وانهارت الليرة بشكل كامل أواخر 2019، وتسبب بطبيعة الحال في انهيار الاقتصاد السوري، مرفقة بغلاء شديد أثر بشكل مباشر في قوت السوريين.

إن هذه العملية برمتها تكون دافعاً مناسباً لتجحيم دور هذا النظام وقوته وسيطرته، بعد أن كان متقدماً في ميادين الحرب بدعم روسي، إلا أن الروس غير قادرين على إحياء الليرة السورية دون الحصول على مقابل، سواءً كان ذهباً أو نفطاً، والعامل الأخير لا يمكن توفيره بشكل واسع لأن الأمريكيين بسطوا سيطرتهم على منابع النفط والغاز، وأصبح 75% منها خارج سيطرة النظام السوري.

إن تقليص الدور الإيراني أثرَ بشكل مباشر على الوضع العراقي واللبناني، وبالتالي بوابات سوريا الشرائية تدخل في أزمة كبيرة، وكلما زادت الأزمة في الجوار تفقد الليرة السورية قدرتها أمام الدولار، وهذا يعني أن تواصل الأزمة في الجوار تؤدي في المحصلة إلى انهيار كبير في الاقتصاد السوري، وإعادته لنصابه يحتاج إلى حلول تتمحور حول دفع المزيد من الذهب أو المال للقوى المهيمنة على الوضع السوري.

وعملياً بحثت الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا عن مصادر قوة النظام المالية من أجل الحصول عليها، في عملية تجريده وإعادته إلى مسار معين، وأعتقد أن الأزمات الاقتصادية التي واجهت النظام وسوف تواجهه في مراحل أخرى سيتم التغلب عليها من خلال ضخ الذهب لإعادة التوازن، ولا زال يملك النظام السوري كميات من الذهب والثروات سيضطر إلى الكشف عنها ودفعها لتخفيف أزماته في كل مرحلة، وذلك أفقده السيطرة على المجال الجوي والبحري والثروات الاحفورية التي باتت كلها في عهدة الروس والأمريكيين عبر مناقصات رسمية ومفروضة.

أزمة الغاز في الشرق المتوسط واللعب التركي بالنار

الكثير من النزاعات التي تحتدم في الشرق الأوسط تتمحور حول الاستحواذ على الثروات الأحفورية ” النفط – الغاز “، ومؤخراً دخل مسار المياه ضمن القائمة التي تزيد من المنافسة والنزاعات، والأزمة المصرية الأثيوبية حول سد النهضة الذي يقومه أثيوبياً على نهر النيل سوف تسبب في زيادة التوتر بين البلدين وضمنها السودان، وهذا ينطبق على الاستغلال التركي لمياه نهري الفرات والدجلة في ظل استمرار الحرب الأهلية السورية، ورفع مستوى الاشكاليات في العراق بين المكونات نتيجة للتحركات الشعبية، أي أن أهم مصادر المياه في الشرق الأوسط تشهد تطوراً في النزاع حولها. بالتزامن مع هذه التطورات يشهد شرق البحر المتوسط صراعاً ناشئاً قد يكون الأبرز خلال 2020، حيث تدخل العنصر التركي في زعزعة الاستقرار داخل البحر الأبيض المتوسط من أجل الحصول على الحصة التي تفقها تركيا نتيجة لقلة النفط والغاز داخل تركيا وبنفس الوقت المسافة المحتملة التي تحق لتركيا التحرك داخل البحر المتوسط لا تملك الثروة الأحفورية، ويقابل ذلك الاشكاليات التي تزداد بين جزيرة قبرص وتركيا حيال المجال البحري المسموح لكل طرف، والنزاع اليوناني التركي المحتدم، إلى جانب التفاهمات المصرية اليونانية القبرصية، وفرضية التوافق الإسرائيلي مع هذه الأطراف لتحجيم الدور التركي، والتجاوزات التي تنفذها إسرائيل باستمرار داخل المجال البحري اللبناني، والسيطرة الروسية على المجال البحري السوري، ومحاولة دفع الأتراك لخلق قلقلة مع الاتحاد الأوروبي من بوابة قبرص واليونان، ودفع الأتراك للميليشيات الليبية الموالية لها في إجراء تفاهمات معها لتكثيف الحضور التركي داخل المتوسط.

العملية برمتها تتمحور حول التحرك التركي من أجل قطع الطريق على جميع الفرقاء والمتحاورين، محصنة بالدعم الروسي الذي يعطي للأتراك المجال في خلق الاشكاليات من أجل الحصول على حصتها مقابل الخط الروسي المتوفر من خلال تركيا بين البحر الأسود والمتوسط.

أوروبا تبحث باستمرار عن حلول لأزمتها في الحصول على الغاز والنفط، والبحر المتوسط مخرجاً مناسباً لتحقيق ذلك، وبما أن الروس يملكون الكمية الأكبر من الغاز وبيعها لأوروبا فأنهم سيحاولون بشتى الوسائل خلق القلاقل أمام الاتحاد الأوروبي في البحر المتوسط حتى يضمن الروس التحكم بمبيعات الغاز لأوروبا، والشرطي الذي يقوم بهذا الدور ستكون تركيا، التي لا تخسر شيء من كل هذه العملية، وهي تدرك أن المسائل تفضى بحلول على الأقل تعطي لتركيا بعض الفوائد، فهي بكل الأحوال مستفيدة، وروسيا بذلك تكون الرابح الأكبر، لهذا سوف تدعم المساعي التركية، لأنها تصب في مصلحتها بكل الأحوال.

ومن الطبيعي أن يتكون تحالف أوروبي عربي مقابل المساعي التركية الروسية، والعامل الأمريكي سوف يكون القاضي في أية نزاعات أو تفاهمات، وإن استمرت السياسة الخارجية الأمريكية بنفس الوتيرة فأن أوراق الضغط على الدول الرئيسية داخل الاتحاد الأوروبي ستكون قاضية لدفعها إلى تفاهمات جديدة مع الطرفين الروس والأمريكيين، أو خلق البديل بالقوة، وبالتالي ستبتعد تركيا أكثر عن الاتحاد الأوروبي، وهذا يشكل عامل خطر كبير على الدول الغربية، لما تملكها تركيا من شبكات متطرفة تهدد أمن أوروبا.

إلا أن القوى العربية الحليفة مع الولايات المتحدة الأمريكية هي الأقرب إلى الاتحاد الأوروبي، وهذا يعني ستكون هذه التفاهمات أمام الأطماع التركية جزء من تقارب عربي أوروبي في البحر المتوسط، وتحرك أمريكي لصالح تطوير عمليات حلف الناتو لصالح حماية أمن أوروبا، وستكون تركيا هدفاً غير مباشراً لحلف الناتو، وستشهد الخلافات بين الاتحاد وتركيا توتراً داخل البحر المتوسط، إذا ما استمرت تركيا بنفس السياسات العدائية، وهذا أيضاً يمكن تغييره إذا تغيرت السياسات التركية الخارجية بعامل داخلي قد يكون من خلال انقلاب عسكري أو انتخابات سياسية تفرز معطيات جديدة داخل تركيا تقربها من أوروبا مجدداً، وهذا بالمنظور القريب غير متوفر مع إمكانية وقوع تغييرات داخل تركيا نتيجة للسياسات الخارجية الخاطئة التي مارستها إدارة “رجب طيب أردوغان”.

الحضور الأمريكي الأعظم في البحر المتوسط يمثل من خلال حلف الناتو، ويعني ذلك أن المصالح الأوروبية الأمريكية مهما اختلفت لا تخرج عن سكة العمل المشترك في معظم القضايا، وإذا ما نظرنا إلى الحدود العسكرية لحلف الناتو مع روسيا في أوروبا الشرقية إلى أفغانستان وباكستان والهند وكوريا الجنوبية واليابان، سنجد النزوع التركي عن الحلف يشكل سابقة قد تدخل بتركيا إلى آتون الاشكاليات الداخلية إذا ما تطورت تحركاتها داخل البحر المتوسط، ولكنها بذات الوقت يمكن أن تهدأ من تحركاتها داخل البحر المتوسط إذا ما قبلت أوروبا بدعم مساعي تركيا في إنجاز مخططاتها شمال سوريا وفي ليبيا، وفي الواقع تركيا تحرك جميع الأوراق الضاغطة على جميع الدول في الشرق الأوسط حتى تبعدها من سوريا، والمشهد في الخليج العربي وعملية زعزعة استقرار المملكة العربية السعودية والإمارات من البوابة القطرية، وكذلك الالتفاف حول مصر ومحاولة التدخل في السودان وخلق الفوضى في ليبيا من أجل توجيه مصر إلى التحضير للتطورات في البلدين بعيداً عن تركيا، وتهديد أوروبا بإرسال الإرهابيين وزعزعة استقرار الوضع في البحر المتوسط. في الواقع تستخدم تركيا هذه الأوراق لغرض الحصول اتفاقيات مع هذه الدول والتخلص من عبئ الضغوطات التي تتلقاها نتيجة للسياسات الخارجية السيئة لإدارة ” أردوغان “، إلا أن الاستمرار بهذا الشكل لن يوفر لتركيا الاستقرار، لأن بوادر تكوين مناهض لسياسات تركيا الخارجية تزاداد داخل الشرق الأوسط وفي الاتحاد الأوروبي، وداخل المؤسسة العسكرية والسياسية الأمريكية، وقبل كل الأطراف، الخلافات سوف تزداد داخل حلق الناتو، وقد تتسبب ذلك في تحجيم دور تركيا بشكل كبير جداً إلى درجة تجميد عضويتها، وبذلك تكون تركيا فريسة سهلة للتحركات الروسية، لطالما شكلت تركيا هاجس لصالح حلف الناتو أمام الأطماع الروسية، والفائدة سوف تنعكس إيجابياً أيضاً على تركيا إن تحالفت مع روسيا، ولكنها ستكون نموذجاً جديداً لإيران وكوريا الشمالية، وستلاحقها العقوبات والمشاكل، وتركيا لا تستطيع أن تتحمل مثل إيران وكوريا، لأن المنافسة الداخلية لها دور كبير في إجراء التغيير الداخلي، وبالتالي تطورات خارجية لن تكون لصالح روسيا.

ليبيا ومفترق الطرق

إيطاليا تتسابق من أجل فرض مصالح خاصة، وتعتمد في ذلك على طرف محدد ( ميليشيا السراج ) من الفرقاء الليبين، وهو ما يتقاطع مع المصالح التركية التي تدعم نفس الفريق المعتمد إيطالياً، وبذلك يتفق طرفي حلف الناتو حول دعم المجموعات المسلحة في طرابلس. بينما يتخذ الأمريكيين موقف الحياد وخلاص تصرحاتهما ركزوا على نقد الطرفين وإضفاء الشرعية على الطرفين دون الميلان لأحد الفرقاء الليبيين، وهذه السياسة ناتجة عن ضلوع أطراف كثيرة في الأزمة الليبية، ولديهم علاقات مع الولايات المتحدة الأمريكية، إذ أن الاعتماد المصري والخليج العربي وبعض الدول الأوروبية على الطرف الثانية ( حكومة حفتر ) لهم التأثير على الخيارات الأمريكية حيال أزمة ليبيا، وهنا نتفهم الموقف الأمريكي الضبابي من المسار الليبي وترك الساحة للأطراف الإقليمية في تسيير النزاعات التي تتم بيد الفرقاء الليبيين، أي الحرب بالوكالة لصالح جميع الأطراف.

تدعم تركيا وقطر الإخوان المسلمين والجماعات المتطرفة طرابلس، وتعقد معهم الاتفاقيات الدفاعية والاقتصادية، والتدخل التركي يحصل بعد الدعم التركي لجماعة إخوان المسلمين في مصر، ومحاولة زعزعة الاستقرار فيها من خلال المجموعات المتطرفة التي نتجت عن هذه الجماعة، وبذلك نفذت تركيا عملية الالتفاف حول مصر، بينما تدخلت مصر في دعم حكومة حفتر التي انبثقت من البرلمان الشرعي في البلاد، وتدعم الإمارات والسعودية هذا الاتجاه ضد المجموعات ميليشيات السراج.

العملية بمجملها تتركز على تقاسم ثروات ليبيا، والاستحواذ عليها لصالح كل طرف، لاسيما تركيا وإيطاليا اللتان تحتاجان إلى النفط والغاز، وكذلك تركيا تريد أن تسيطر على خطوط نقل النفط من شرق المتوسط إلى غربها، بحكم لا تملك تركيا الطاقة الاحفورية، وكذلك إيطاليا، ويحتاجان إلى الاستفادة من ليبيا، وتحويل تركيا إلى شرطي داخل البحر المتوسط بغية الحصول على حصة من النفط على مرور النفط والغاز.

وبذلك نفهم أن حلف الناتو النشط في البحر المتوسط لن يتدخل لصالح القوى التي تعارض التواجد التركي والإيطالي، وبذلك سوف تستغل إيطالي وتركيا هذا المجال في دعم ” ميليشيا السراج “، ومقابل ذلك لن تستطيع ” حكومة حفتر ” القضاء الشامل على ” ميليشيات السراج ” بالرغم من الدعم الذي تلقاه من مصر والسعودية والإمارات وبعض الدول الغربية الأخرى. إذاً نحن أمام مفترح طرق وتعدد مسارات لا يمكن حلحلة هذه الاشكالية لطالما المحرك الأساسي لهذه النزاعات يبحث عن مصالحه الخاصة، وهذا يعني ليبيا مقبلة على التقسيم، واستمرار الأطراف في شراء الأسلحة مقابل فتح المجال للأطراف الطامحة في الثروات الليبية.

الدول الجارة لليبيا هي الأكثر تأثراً بهذه التحولات الجيوسياسية، لأن استمرار النزاع والتقسيم سوف يؤثر بشكل مباشر على هذه الدول، لاسيما جمهورية مصر والجزائر وتونس وكذلك تشاد ونيجر، ولهم الأحقية في منع الدول الخارجية في زعزعة الاستقرار في المنطقة، وسوف تتحرك هذه الدول بالإضافة إلى الخليج العربي دون قطر باتجاه اجراءات احترازية في تقوية ” حكومة حفتر ” لتحرير طرابلس من يد الميليشيات، وأن كان المزاج الدولي، لاسيما الموقف الأمريكي سوف يستمر على نحو الضبابية.

الوجود الروسي حضر لأهمية التطورات في ليبيا، لاسيما وإن المساحة الكبيرة التي تستحوذ عليها ليبيا على البحر المتوسط وكذلك الطاقة الأحفورية التي تملكها ليبيا، وهذا يعني أنها ساحة للنزاع وبيع الأسلحة والحصول على النفط والغاز. لهذا فأن روسيا تدخل في الأزمة وسوف تتحرك وفق استراتيجية دعم طرف في العلن ودفع الطرف الآخر في الخفاء من أجل استمرارية النزاعات والانقسامات.

التخبط الأمريكي بين الانسحاب والعودة لـ سوريا

باستغراب يمكن أن نتسائل ماهي الأسباب التي دفعت بالإدارة الأمريكية للعودة إلى سوريا ثانية والتموضع في شرقها حيث منابع النفط والغاز؟ رغم أن الرئيس دونالد ترامب تحرك باتجاه إنهاء هذا الملف كلياً بعد إقرار الانسحاب وتسليم ملف الحدود للروس والأتراك، ونفذ انسحاباً لمعظم الجنود، وتَركَ مصير الكُرد بين فكي الغزو التركي وعودة النظام السوري برعاية روسيا إلا أن هذا السيناريو لم يكن برضى المؤسسة العسكرية الأمريكية والكونغرس وتيارات واسعة داخل الحزبين الجمهوري والديمقراطي، وأدى ذلك إلى تشكيل لوبي مناهض لخطط ترامب، ومما لاشك فيه أن مستقبله سوف يكون على المحك، وقد تؤدي به هذه السياسات السطحية في التعامل مع القضايا الاستراتيجية المتعلقة بمصالح الولايات المتحدة في الشرق الأوسط، إلى خسارة الانتخابات الرئاسية القادمة، وربما تعرضه للمحاكمة، ووفق رؤيتهم فأن ما قام به ترامب عرض المصالح الاستراتيجية الأمريكية في الشرق الأوسط إلى تهديدات كبيرة على المستوى التعامل مع الشركاء، بالإضافة إلى تقليص دورها العالمي، وإظهار الولايات المتحدة بمستوى رديء في السياسية الخارجية، تفتقر إلى فنون إدارة المصالح أمام التصاعد الروسي الصيني.

ولعلّ الصراع الذي شهدته الإدارة الأمريكية بجميع مؤسساته نتج عن استراتيجية جديدة تتوافق بين مطالب البنتاغون وإدارة ترامب والمؤسسة العسكرية، وهو العودة إلى سوريا بشكل جديد يعطي المجال للعلاقة مع الحلفاء المحليين ” الكرد ” والتخلص من عبئ الضغوطات التركية في توجيههم نحو الروس، الذين بدورهم دخلوا في اشكالية قبول الاحتلال التركي للشمال السوري أو عدم قبوله، وسوف تكون لذلك تبعات، وبذلك يتبلور حالة انفكاك بين العلاقات التركية – الروسية، التي بدورها صارعت إلى عقد اتفاق مع الطرف التركي لإرضائها من جانب، وتقليص وجودها إلى اتفاقية أضنة المبرمة بين الأتراك والنظام السوري عام 1998م، وتجديد التنسيق حول جميع القضايا الرئيسية في سوريا.

جعل تركيا بيضة القبان والتصارع حول استمالتها ؟!

من جانب يمكن فهم العلاقة الأمريكية الروسية تسير ضمن نسق متفق عليه في توزيع الأدوار داخل سوريا، إلا أن ترجمة السيناريوهات على الأرض تظهر الاختلاف الكبير في وجهات النظر والتخطيط، بحيث كلا الطرفين لا يريدان أن يخسرا الطرف التركي، وذلك لأهمية الجغرافية التركية بحكم أن الروس استخدموا الأتراك في مسألة كسر حاجز الناتو الذي شاركت تركيا في سد التمدد الروسي جنوباً خلال العقود الماضية، وبهذه العملية يتم إبعاد الأتراك عن الاتحاد الأوروبي، وهو ما يفك منظومة الحصار المشكل حول روسيا، إلى جانب الحضور الروسي في البحر المتوسط من البوابة التركية، ودفع تركيا إلى القضاء على المجموعات المعارضة في المناطق الداخلية السورية، مقابل السماح لها باحتلال عفرين وتوجيه دفة المسلحين إلى محاربة الكرد في شرق الفرات بدلاً من النظام السوري، وبذلك تدفع بالعلاقة بين شركاء حلف الناتو ” أمريكا وتركيا ” إلى الطلاق السياسي إذا ما سمحت الولايات المتحدة للأتراك بغزو شرق الفرات، وجعل الأمريكيين بين نار المواجهة مع الأتراك، وهو ما سوف يكون كفيلاً بإبعاد الأتراك كلياً من الحاضنة الأمريكية الأوروبية، أو قيام الإدارة الأمريكية بالتنازل عن حلفائها المحليين ” الكُرد – قوات سوريا الديمقراطية ” وتنسحب من سوريا، وهذا يعني تخلص روسيا من الوجود الأمريكي في سوريا. وفي كلا السيناريوهين ستكون الولايات المتحدة هي الخاسر الأكبر في العملية، مقابل الترتيبات الروسية بوضع الأمريكيين في الفخ السوري وتقليص وجودهم في المنطقة، وتربح روسيا حليفاً جديداً ” تركيا “، و “كرد سوريا” بعد أن يبتعدوا كلياً عن أمريكا التي تخلت عنهم بموجب ” خيانة “، وبذلك يفتح الباب بمصراعيه أمام المصالح الروسية في الاستحواذ على المنطقة من البوابة السورية والبحر المتوسط، بالتزامن مع حلفائها المحليين في الشرق الأوسط ” إيران ” والتي بدورها تسيطر على العراق ولبنان وقطر.

إدارة ترامب بين كماشة الافتقار وممارسة السياسة الخارجية

وفنون القضايا الاستراتيجية

كادت إدارة ترامب أن ترتكب أكبر خطأ في سوريا بعد إعلانها الانسحاب الكامل، وسياسة دفع الأتراك إلى الاصطدام مع الروس حول غزو المنطقة الكردية لم تكن ناجعة أمام الأفخاخ الروسية المتعددة للوجود الأمريكي في سوريا، لقد تسببت ضبابية الموقف الأمريكي ورداءة سياساتها حيال سوريا وعدم وجود سياسة واستراتيجية واضحة المعالم، إلى التصرف باستهتار وعدم المسؤولية في الملف السوري، ويظهر ذلك عدم فهم الرئيس ترامب لعواقب خسارة الولايات المتحدة للملف السوري، الذي هو بوابة لكثير من القضايا الحساسة في الشرق الأوسط، لاسيما المصالح الأمريكية الاستراتيجية في المنطقة والتطورات الروسية واستخدامها للأتراك، والتصاعد الصيني في تغيير المعالم الجيوسياسية في الشرق الأوسط..

كما أن الإيقاع بالروس في مسألة الانسحاب من الحدود مع تركيا، وتسليم الملف إليها في مواجهة الغزو التركي أفضت إلى التصرف الروسي المباشر في التفاهم مع الأتراك الذين يخشون التهديدات والضغوط الروسية في سوريا أكثر من الأمريكي، وذلك لوضوح السياسات الروسية التي تجد من سوريا ملعباً لوجودها الدائم، ومن هنا كان الدافع وراء المؤسسات الأمريكية لرفض سياسة الانسحاب.

مع أن قرار الرئيس دونالد ترامب في الانسحاب أنهى التواجد الأمريكي في سوريا، إلا أن سياسة عرض المغريات من قبل الكونغرس والمؤسسة العسكرية غيرت مجرى الأحداث، ودفعت بالرئيس الأمريكي إلى تغيير خططه، والعودة إلى سوريا من بوابة حماية النفط والاستحواذ عليها، بحيث قطع الطريق أمام النظام السوري والشركات الروسية في الاستفادة منها، وكذلك تهدئة المؤسسات العسكرية والسياسية والكونغرس المتصاعدة ضد قرار الانسحاب، وإعطاء الإشارة لحلفاء أمريكا في المنطقة على أن الأمريكيين لا يتخلون عن حلفائهم في الشرق الأوسط، طبعاً تأتي هذه المحاولة من قبل الكونغرس والمؤسسة العسكرية للتغطية على إخفاقات سياسة ترامب.

ستكون لعودة القوات الأمريكية إلى شمال وشرق سوريا لاسيما منابع النفط والغاز وبشراكة مع الكرد والإدارة الذاتية وقوات سوريا الديمقراطية، فوائد مهمة بالنسبة لشروط ومجريات الحوار بين الإدارة الذاتية والنظام السوري، بحيث تكون ورقة النفط والغاز محمية من قبل الأمريكيين الذين يتحالفون مع قوات سوريا الديمقراطية، وبذلك فأن أوراق الضغط الكردية ستكون جديرة اقتصادياً في تقليص شروط النظام السوري.

عسكرياً سيكون هناك عمق استراتيجي لقوات سوريا الديمقراطية في تلك المنطقة، وبنفس الوقت فأن هذه المنطقة لن يتم تسليمها إلى النظام السوري والروس على أساس عودة النظام إليها والسيطرة عليها وإعادة الظروف السياسية والأمنية إلى ما قبل 2011. وبناء على هذا التصور الجديد فأن قضية عودة سوريا إلى كيان ملحق بسياسات النظام القمعية أصبح أمراً غير ممكناً في مستقبل سوريا، وأن لم يتوجه النظام السوري إلى حلحلة الاشكاليات مع الكرد وتطمينهم والاعتراف ببعض حقوقهم المشروعة فأن المشهد السوري قابل للتقسيم، بحكم امتلاك الكرد لورقة النفط والغاز التي لن يتنازلوا عنها حتى يجد الحوار مع النظام السوري طريقه إلى المسار الصحيح.

وحقيقةً نحن أمام تطورات جديدة سوف تشهدها سوريا في المجال السياسي والعسكري، إلى جانب تقليص التمدد التركي في الشمال السوري، لأن الروس سوف يعملون على تطمين الجانب الكردي وكسبهم من خلال الضغط على النظام السوري وقبوله ببعض شروط الكرد، وبنفس الوقت سوف يكون المشهد أكثر سخونة في الجزء الشمالي الغربي من سوريا، بحيث يتطلب من الروس إعطاء الضمانات للطرف التركي بعدم إعادة قوات سوريا الديمقراطية إلى عفرين، وبنفس الوقت ستكون قضية استعادة عفرين إحدى الشروط الأساسية للتفاوض بين قوات سوريا الديمقراطية والنظام السوري برعاية روسية.

وفي المحصلة أعتقد أن عودة الأمريكيين ستكون لها فوائد استراتيجية بالنسبة لقوات سوريا الديمقراطية، وتحصين شروطهم وحقوقهم في أية مفاوضات وحوارات جدية مع النظام السوري.

المستنقع الذي ينتظر النظام التركي

دفع النظام التركي الكثير من الأموال والصكوك للإدارتين الأمريكية والروسية كي تحصل على الضوء الأخضر في عملياتها العسكرية شمال سوريا بشقيها ” غرب الفرات وشرقها “، ووجدت الإدارتين من تركيا البقرة الحلوب التي تدفع المزيد من الأموال مقابل محاربة الكُرد في سوريا، وهذا واضح من خلال العمليات التركية التي تركزت على مناطق حيوية من الشمال السوري، سواءً في عفرين أو رأس العين وتل أبيض، والملاحظ أن الأتراك ركزوا على فواصل ذات أغلبية عربية في غربي الفرات وشرقها حتى تكون حاضرة بين المناطق الذات الغالبية الكردية، وهي بذلك تضبط ما تعتقده من أي تطور للمسألة الكردية في سوريا كحالة جغرافية إلا أنها مقابل إنجاز ذلك دفعت أموال طائلة من خلال عقد صفقات مع الطرف الروسي وشراء منظومة صوريخ حديثة، وبنفس الوقت دخلت في صفقات جديدة مع الطرف الأمريكي كي تكون متواجدة كحجر عثرة داخل منطقة نفوذين الأمريكي – الروسي ” شرق الفرات وغربها “.

دأب النظام التركي على استخدام المجموعات المتطرفة ” بقايا منظمة داعش، والقاعدة وشبكة إخوان المسلمين “، بعد أن غلبت تلك المجموعات بدعم وتدبير تركي على كافة المجموعات المسلحة للمعارضة السورية، في عملية إجراء التغيير الديمغرافي، بحيث يتم تجريد العرب السنة من المناطق الداخلية السورية لصالح النظام السوري والتمدد الإيراني، وتوطينهم في الشمال السوري بين المدن والمناطق الكردية، كإجراء واضح للسيطرة عليها بسهولة من خلال التمدد السني، والعامل الديني الذي يستخدمه النظام التركي في تأمين تبعية بين الشرائح الواسعة من الشارع العربي السني في سوريا.

وبسبب التكاليف الباهظة التي تكبدتها تركيا جرّاء الاتفاق مع الروس والأمريكيين في آنٍ واحد للتدخل إلى الشمال السوري، أستوجب إعادة الانتعاش الاقتصادي التركي المتردي نتيجة للخسائر الفاضحة في الشركات والبنوك، وتعرضها إلى هزة عنيفة نتيجة صرف الأموال التركية وفق مصالح النظام وحروبه الهولامية. لهذا فأن مسألة خوض غمار عمليات عسكرية أخرى خارج المناطق المتفقة عليها مع الأمريكيين والروس، سيكون صعباً بالنسبة للنظام التركي، لأن كل عملية تستوجب دفع المقابل، والدخول في مناقصات جديدة، وهذا مكلف بالنسبة للاقتصاد التركي، في ظل تراجع شعبية حزب العدالة والتنمية وحظوظه في الانتخابات القادمة، وخسارته لما كان يجنيه من البلديات المدن الكبرى كـ أستنبول وإزمير وأنقرة.

وبذلك فإن قضية شن عملية جديدة خارج المنطقة المحددة والمتفقة عليها ستكون باهظة الثمن، فتركيا دفعت مقابل عملية درع الفرات معظم مناطق المعارضة المسلحة للنظام السوري برعاية روسية، وعملية احتلال عفرين ” غصن الزيتون ” دفعت بموجبها مئات المليارات للطرف الروسي بناء على صفقات عسكرية، بينما دفع مثلها وأكثر للطرف الأمريكي مقابل احتلال ” رأس العين وتل أبيض “، وتسبب ذلك باستنزاف كبير من طاقتها واقتصادها، وخسر جراء ذلك أردوغان وحزبه الكثير من الشركات والمصالح الداخلية، وكان ذلك له تأثير مباشر في آخر الانتخابات التركية التي خسر فيها أردوغان ثلث شعبيته.

هذا يعني بالمنطق الإستراتيجي، أن أية عملية تركية جديدة سوف تقابله دفع أموال كبيرة للطرف الروسي الذي بات ينتشر على معظم الحدود مع تركيا في المنطقة الكردية من الشمال السوري، وبنفس الوقت يجب أن يدفع للطرف الأمريكي، وبالتالي تدخل تركيا بين فكي السنديانة الروسية المطرقة الأمريكية، وعملياً لا يمكن بعد ذلك خروج النظام التركي دون أن يصيبه نار هذه العلاقات المتزدوجة والمتناقضة في آنٍ واحد، وينتظرها مصير سيء كما يتضح في الأفق، بناءً على المقادير الجيوسياسية والمعطيات الاقتصادية، في تعامل القوى الإقليمية مع المصالح الدولية التي باتت تقاسم كل شيء مع القوى المحلية السورية والشرق الأوسطية. أي بمعنى تغيير واسع في ولادة مصالح جديدة وإدارة الأزمات المتعددة وفق الرؤى المستحدثة حول سوريا والشرق الأوسط.

لهذا فأن مسألة شن عملية تركية جديدة متعلقة بالاقتصاد الداخلي، ومقياس مغامرة جديدة قد يخوضها نظام أردوغان مرهونة بهذه البوصلة، والأمر لن يكون سهلاً على تركيا في المدى القريب، حيث التراجع الكبير في شعبية الرئيس التركي ” أردوغان “، ورفع رصيد المعارضة رغم تعرضها إلى تصفيات سياسية وأمنية وعسكرية، وتقوضت جهود أية تغييرات وفق مصالح حزب العدالة والتنمية كنتيجة لفقدان ثقة الشارع به، وهو السبب الرئيسي وراء تنفيذ الأدوات الأمنية التابعة لنظام أردوغان عمليات التصفية والاعتقالات داخل المؤسسات التركية السياسية والعسكرية والأمنية، لاسيما المعارضة الكردية التي تتعرض إلى عمليات التصفية المستمرة إلى جانب المعارضة التقليدية التركية التي تحاول كسب ثقة الشارع من خلال التراجع الكبير الذي أبداه حزب العدالة والتنمية.

الفواحش الأمنية والعسكرية والسياسية التي يرتكبها النظام التركي ستفتك به في المحصلة وبالتالي دخلت تركيا في نفق مظلم، والتي بدورها ستؤكدي إلى كوارث اقتصادية تلتهم نظام العدالة والتنمية وتفتك به.

سوف تشهد الأزمة السورية تقارباً في وجهات النظر بين أقطاب السياسة الأمريكية الروسية حول مسائل تتعلق بلملمة الأطراف السورية، بينما تباينات في الرؤية للتعامل مع الأتراك، كنتيجة طبيعية لتعامل الأتراك مع الطرفين في آنٍ واحد، وبنفس الوقت عدم استطاعة النظام التركي في الوفاء بدفع الأموال للطرفين، وهو ما سوف يخلق حالة شرخ بين الأتراك والطرفين، وكأننا أمام عملية استمالة الأتراك إلى الفخ السوري من البوابة الكردية، لتنزيفها وتجريدها من الامكانيات التي كونها النظام التركي خلال السنوات الماضية، وهذا يعني أن أية زيادة في القدرات التركية ستشكل تهديداً على أمن إسرائيل، وكذلك الخليج العربي الذي يدفع الكثير للأمريكيين من أجل توفير الحماية من الطرف الإيراني، وإن زادت القدرات التركية ستشكل بدورها أيضاً تهديداً على أمن المنطقة لاسيما أمن إسرائيل.

لعّلنا نستنتج أيضاً من هذه التطورات واقع التركي الذي تم استمالته إلى المستنقع السوري من أجل دفع النظام التركي إلى التقلص، حتى تتصاعد المعارضة وتغير الوضع السياسي الداخلي التركي في الانتخابات القادمة وبالتالي تطوير السياسات الخارجية التركية التي باتت في الحضيض نتيجة لتخبطات ” أردوغان”.

المراقب للوضع التركي عن كثب يدرك تماماً إنجرار النظام التركي إلى المستنقع السوري، وسوف يتسبب ذلك بعودة تركيا إلى المعتكر الأول، واقتصاد هش يحتاج دائماً إلى الحماية الأوروبية الأمريكية، وسوف تصعد المؤسسة العسكرية إلى دفة الحكم من جديد لأنها أكثر وفاءً للأمريكيين.

هل سوف نشهد موت المعارضة السورية الدراماتيكي

بين فكي المصالح التركية والتخلي الدولي عنها ؟

في الحين كانت منطقة الزبداني والقرى المجاورة لها بالريف الغربي من العاصمة دمشق، تعاني الحصار الخانق وفقدان تام للطعام ومياه الشرب، كان ما يُعرّف بـ كتائب جيش الإسلاموعبر شاشات التلفزة تستعرض قوتها علناً في الغوطة الشرقية، حيث كانت تمتلك العشرات من المدرعات والدبابات الثقيلة، وعشرات الآلاف من العناصر المسلحة، وتفرض سلطتها على جزء كبير من ريف العاصمة. مع إن الزبداني كانت أقرب إليها من أي منطقة أخرى، إلا أنها لم تتدخل لإنقاذها وفك حصارها، بالرغم من قدرتها على القيام بذلك لما لديها من قوات وأسلحة، وكانت تمطر بين الحين وآخر على الأحياء المدنية في العاصمة بالصواريخ، إلا أنها تركت أهالي الزبداني والبلدات الأخرى تحت رحمة سيوف وصواريخ حزب الله والكتائب الفاطمية والعباسية التابعة لإيران والبراميل المتفجرة التي كانت تطلقها طائرت النظام السوري التي أزهقت أرواح المئات من المدنيين.

ولم يكن ذلك ببعيد عن حمص التي لم تنفك حصارها وقتل أهلها بالرغم من سيطرة المجموعات المسلحة على ريفها والمنطقة الممتدة بين النبك ودمشق، وكذلك الجبال المتاخمة للحدود اللبنانية. كما أن فتح جبهة الساحل التي وصلت إلى مشارف القرداحة عاصمة النظام السوري الافتراضية ، تم إجهاضها من قبل النظام التركي الذي سلم مؤسس الجيش الحر الرائد حسين هرموش في عملية كشفت حقيقة التعاون الاستخباراتي بين النظام التركي والسوري آنذاك بقصد إجهاض تحركات المعارضة المسلحة التي فتحت داخل معظم المناطق مواجهات عنيفة كادت أن تفتك بالنظام السوري.

خلال سيطرة المجموعات المسلحة للمعارضة على الجزء الأكبر والحيوي من محافظة حلب ومدينتها الصناعية، لم يكن يتوقع قيامهم بتسليم مواقعهم إلى النظام السوري في صفقة تركية روسية، أظهرت حقيقة المخططات التي كانت تنفذها الاستخبارات التركية للقضاء على المجموعات المسلحة للمعارضة في المناطق الداخلية من سوريا، بغية احتكار تواجدها في الجزء الشمالي الغربي من سوريا، وفيما بعد تبينت طبيعة الصفقات التركية مع النظام السوري برعاية روسية إيرانية للتخلي عن المناطق الداخلية المؤثرة مقابل إجبار هذه المجموعات إما الدخول تحت مظلة النظام السوري عبر مصالحات استسلامية، أو التوجه إلى إدلب وجرابلس وإعزاز والباب حيث المعسكرات التركية التي تغير من وجهة بنادق المجموعات المسلحة، وإعادة تأهيلها وتدريبها وفق مصالح الأمن القومي التركي.

فرز المجموعات المسلحة وتوجيهها من قبل الاستخبارات التركية

كانت الأهداف التركية واضحة بعد القضاء على أي نفوذ سعودي وإماراتي بين المجموعات المسلحة السورية، وبمساعدة قطر وتمويلها استطاعت الاستخبارات التركية إجراء عملية فرز كامل للمسلحين، ودمجهم داخل الكتائب ذات التوجه الديني المتطرف، وبذلك ترعرعت نفوذ جماعة إخوان المسلمين وسيطرت على كافة المسلحين، ومع الاستفراد بقرار المعارضة المسلحة تم التخلص من بعض المجموعات أو العناصر التي كانت لها توجهات مختلفة عن المخططات التركية، في عملية تجريدهم أو اعتقالهم أو تصفيتهم أو تسفيرهم من خلال اللاجئين السوريين إلى أوروبا، أو حتى قتلهم كما حصل لبعض المجموعات التي تفجرت مقراتها وقتل قادتها، وعلى نحو تنظيم المجموعات المسلحة بدأت الاستخبارات التركية في توجيه دفة هذه العناصر على تحقيق ثلاث مسارات:

1- تدريب وتطوير المجموعات المسلحة التي استقدمتها بالاتفاق مع الروس والنظام السوري إلى إدلب وإعزاز وجرابلس والباب، ودمجها في الجماعات المتطرفة سلطان مراد التركمانيوإخوان المسلمين – الجبهة الشامية ( أحرار الشام وجبهة النصرة التابعتين لمنظمة القاعدة ) “، ومع الفشل التركي لاحتلال شمال سوريا المنطقة الكردية من بوابة منطقة كوباني و رأس العين سري كانيه بدأت بدمج الأفراد والمجموعات التي تخرج من مناطق داعش إلى تركيا وإلحاقها بمعسكرات التدريب داخل تركيا أو في مناطق سيطرة المجموعات التي جمعها في شمال غربي سوريا.

2- إدخال المجموعات المسلحة في عملية تفاهمات مع النظام السوري برعاية روسية وإيرانية، ووقف كافة الجبهات مع النظام، وتسليم أجزاء حيوية من محافظة إدلب وحلب بشكل تدريجي إلى النظام السوري عبر تمثيليات حربية، إلى جانب التركيز على المنطقة الفاصلة بين عفرين ومنبج، من خلال بدء عملية الفصل والتصفية والتغيير الديمغرافي بيد درع الفرات التركمانية“. حيث ركزت سيطرة الأتراك على الباب وإعزاز وجرابلس وقباسين، وأسكنتها بتركمان الأغور الحزب التركستاني وعوائل المجموعات المتطرفة من السوريين بعد إخراج الكرد منها.

3- إجراء صفقة احتلال عفرين مقابل الغوطة، وشاركت فيها روسيا وإيران والنظام السوري وحزب الله اللبناني، حيث تم رفع التغطية الروسية عنها لصالح الأتراك، مقابل بعض المناطق في حلب وإدلب وحول دمشق.

أنهى النظام التركي المرحلة الأساسية لسيطرتها على المجموعات المسلحة السورية، وكذلك المناطق الحيوية من الشمال السوري، وحققت بذلك الجزء المهم من أهدافها الاستراتيجية، ليس فقط قطع الطريق على الإدارة الذاتية من التمدد نحو عفرين، وإنما نفذ الأتراك عمليات التغيير الديمغرافي بحق الجزء الكبير من سكان عفرين الكرد، وتراجع الوجود الكردي في المنطقة من 99% إلى 30%، ليستوطن في الجزء الأكبر من المدينة التركمان وعوائل العناصر المسلحة القادمة من ريف دمشق وحمص وحلب.

المعارضة السورية في مهمة تكوين دويلة تركمانية شمال سوريا

في مرحلة جذب شرائح من العرب السنة في سوريا، استطاع النظام التركي اللعب على وتر المذهبية في الأزمة السورية، وتعبئة الشارع العربي من خلال أسلمة الثورة، وتوجييها، استخدمت الاستخبارات التركية لهذا الغرض جماعة إخوان المسلمين السورية، التي قامت بمهمة توجيه الشريحة العربية السنية المعارضة للنظام السورية إلى التبعية للنظام التركي وزعيمها أردوغان ، ونجحت في ذلك من خلال دعم الجماعات المتطرفة على حساب القوى الثورية السورية المعتدلة التي تشرذمت وأصبحت خارج اللعبة، وقد نفذت الاستخبارات التركية عمليات تعبئة الشارع العربي السني لإظهار التبعية العميائية لحزب العدالة والتنمية التركي، وهذه العوامل كانت كافية لإنشاء الشخصية والنفسية المناسبة، والتي اعتمدت عليها الاستخبارات التركية في إدارة مشاريعها الخاصة داخل سوريا.

كرست الاستخبارات التركية على الترويج لفكرة الأكراد الملحدين من خلال المجموعات المسلحة للإئتلاف المعارض، بينما روج لفكرة الأكراد كفار داخل المجتمع المتطرف جداً داعش – القاعدة “. ولم تكتفِ بهذه الدعايات، بل سارعت إلى إضافة فكرة الأكراد الانفصاليين ، حيث استطاع من خلاله إضافة هذه الصيغة في تغطية جميع الجوانب التي تلامس مشاعر جميع الشرائح المسلحين والمتطرفين، وكأن السوريين العرب السنة جديدي العهد بمعرفة الشخصية الكردية التي تعايشا معاً لعقود طويلة!. إلا أن الواضح قيام حركة أخوان المسلمين التي هي الأم لجميع الجماعات المتطرفة والكتائب والمجموعات المسلحة للمعارضة السوريةبتنفيذ المخطط التركي بحذافيره.

هذه العوامل التي أنشأتها الاستخبارات التركية دفعت بالشريحة العربية المعارضة للنظام إلى الدخول في نسق محدد كما خططت لها، وتحركت وفق المصالح التركية وأمنها القومي، وهو ما أفقدها التفكير بالمصالح السورية ووحدة أراضيها، وفي الوقت الذي وضعت نفسها تحت إمرة مشاريع الأتراك ضد سوريا، أصبحت أجندة لحفظ الأمن القومي التركي، وحولت هذه المجموعات سوريا إلى ساحة للتدمير والعبث بأمنها القومي، وخلقت فجوة عميقة بين المكونات السورية، وقد تصعب التعايش بين هذه المكونات بعد تعميق الشرخ والخلافات بفعل هذه المجموعات العنصرية والطائفية. سهلت هذه العوامل حل الكثير الاشكاليات أمام الأتراك في تنفيذ الجزء الأعظم من أهدافهم، ودفعت الاستخبارات التركية هذه المجموعات لتوجيه فوهة بنادقهم إلى الكرد، ونفذت كما خططت له، حيث ركزت هذه المجموعات على عملية التهجير والتصفية بحق مكونات الشمال السوري، وفي مقدمتهم الشعب الكردي، وبنفس الوقت ثبتت الاستخبارات التركية صبغة التطرف على المعارضة المسلحة بهدف تسهيل القضاء عليها بفعل دولي بعد أن تنتهي من استخدامها.

هنا ندرك حجم المخطط التركي اتجاه مسارات الأزمة السورية، حينما قامت استخباراتها بتصفية المعارضة السورية من خلال عقد الصفقات مع الطرف الروسي والنظام السوري، وأخرجت المجموعات المسلحة من العمق السوري إلى الحدود التركية السورية، وتدريبها وتسليحها وإقحامها في معارك ضد الكرد والعرب، والقيام بعملية التهجير القسري بحق سكان المنطقة من الكرد والعرب، وبعد تحقيق ذلك بدأت الاستخبارات التركية بتصفية المجموعات المسلحة التي استخدمها في احتلال جرابلس وإعزاز والباب والراعي وقباسيين وعفرين ونواحيها ورأس العين سري كانيهوتل أبيض كري سبيلتسيطر بذلك على نصف المساحة الحدودية مع سوريا بعمق 35 كلم، وبذلك سوف تسعى إلى إقامة كيان تركماني شبه مستقل في المنطقة، وبسط سيطرة ما تعرف بـ الجبهة التركمانيةالمتطرفة ومجموعاتها المسلحة والمشكلة من تركمان الأغور، الذين جاؤوا من الصين خلال حملات التطوع حيث فروا من التصفية العرقية التي تمارسها الصين بحقهم.

وتركيا بهذه المخططات تضمن وجودها في مناطق حيوية من الشمال السوري، وتتحكم بالمجموعات السورية السنية التي تقدم الولاء للأتراك، وتبرر وجودها في هذه المناطق تحت يافطة حماية التركمان والمعارضة السورية، وكذلك بحجة إقامة حزام أمني لحماية الأمن القومي التركي!. بالرغم من أن التركمان لا يشكلون في الشمال السوري 1%، إلا أنها استخدامت المعارضة المسلحة كـ شماعة لتهجير سكان المنطقة وتوطين التركمان الأغور وعوائل المتطرفين الهاربين من النظام السوري فيها.

إن استكمال الجزء الحيوي من المخطط التركي تم تنفيذه، وسوف تكمل بعدها الاستخبارات التركية الجزء الثاني من خلال عمليات التخلص من المسلحين العرب السنة الذين تم استخدامهم، عبر الاستمرار باستنزافهم في الحرب ضد قوات سوريا الديمقراطية أو النظام، ومن ثم قتل أكبر عدد منهم وخاصة القيادات عبر تفجيرات عنيفة تنفذها المجموعات التركمانية في مناطق الاحتلال التركي، بالتزامن مع إقامة مؤتمرات للمجموعات التركمانية، وتشكيل إدارة لهم لبسط سيطرتهم على مناطق الاحتلال التركي، وتشكيل كيان تركماني انفصالي على حساب وحدة سوريا والكتائب العربية السنية التي نفذت أجندات الاستخبارات التركية في احتلال مناطق الشمال السوري وقيامهم بارتكاب الجرائم بحق المدنيين وتهجير الكرد من المنطقة.

الفائدة الروسية من المخاوف التركية في الشمال السوري

شكلت تركيا خلال العقود الماضية عقبة كبيرة أمام التمدد الروسي في الشرق الأوسط، وكانت لها الدور البارز في القيام بمهمة شرطي الحدود أمام روسيا لصالح الأمريكيين والاتحاد الأوروبي من خلال حلف الشمال الأطلسي الناتو وخلال تطورات الأزمة السورية ونشوء المخاوف التركية حول تبلور وضع كردي خاص في الشمال السوري، والرفض الأمريكي الشفهي لعدم الانصياع إلى الأهداف التركية في استبعاد الإدارة الذاتية الكردية، اتخذ النظام التركي خطة رقم ب القاضية بتبديل الحليف التاريخي مع الروسالذين بدورهم احتاجوا تركيا في عدد كبير من الملفات المتعلقة بالنفط والغاز، وكذلك فتح المجال أمام الحضور الروسي إلى البحر المتوسط، وعلى رأس قائمة الفوائد الروسية تدمير المعارضة السورية المسلحة، واتضح فيما بعد أن تمثيلية إسقاط الطائرة الروسية من قبل الأتراك كان جزء من الاتفاق بين الطرفين، أو على الأقل نقطة الالتقاء، حتى يشرعن الروس والنظام التركي تعاملهما وتفاهمهما حول إجراء التقارب المفيد للطرفين دون مواجهة الغضب الأمريكي بالنسبة للطرف التركي، حيث تستفيد روسيا من الموقع الجغرافي التركي الذي يكسر حاجز حلف الناتو حول روسيا، ويستبدل الأتراك علاقاتهم مع الأمريكيين إلى الروس، وهذا يعني الابتعاد عن الحليف التركي التاريخي أوروبا ، إلى جانب شراء الأسلحة الثقيلة ومنها أس 400، ومصالح تتعلق بالغاز والبحر الأسود ومضيق إيجا، وحرية التنقل البحري والجوي العسكري الروسي في المنطقة. كل ذلك شكل دافعاً وضغطاً على الولايات المتحدة الأمريكية حينما اختارت العلاقة مع الكرد وقوات سوريا الديمقراطية على حساب العلاقات التاريخية مع الأتراك، بالرغم من تنفيذ الأمريكيين لتجربة دعم المجموعات المسلحة للمعارضة السورية من خلال الأتراك لمحاربة دولة داعش، وفشلت تلك المحاولة بسبب قيام تلك المجموعات في الانضمام إلى المجموعات المتطرفة ومنها داعش، مرفقة بالأسلحة الأمريكية وخبراتها التدريبية.

تركز المطلب التركي على إفصاح المجال لقواتها في التدخل العسكري إلى شمال سوريا مقابل جميع هذه الخدمات لروسيا، في الحين قسمت قوات سوريا الديمقراطية والإدارة الذاتية الشمال السوري بين العلاقة مع الأمريكيين شرق الفرات، والروس في عفرين، وكـردة فعل أقدمت تركيا على تقدم مزيداً من الخدمات للروس مقابل التخلي عن تغطيتهم لمنطقة عفرين.

يمكن فهم المسألة من باب التضخيم الروسي للوضع الكردي في عفرين حتى تكون آلية المساعدة مثيرة لدفع الأتراك إلى الإسراع لعقد صفقات مع الروس“.

وفي الحقيقة هذا ما حصل على أرض الواقع، وسحبت روسيا تغطيتها عن عفرين، بينما تحججت الولايات المتحدة الأمريكية والتحالف الدولي ضد الإرهاب، بعدم قدرتهم في التدخل بتلك المنطقة لأنها تابعة للسيطرة الروسية، وتردد على لسان المسؤولين الأمريكيين والأوروبيين القول على مسامع قوات سوريا الديمقراطية إن الروس باعوكم للأتراك ، فيما صرح المسؤولين الروس بدورهم إن الأمريكيين تسببوا في التدخل التركي بعد دعمهم للكرد ودفعهم إلى إنشاء دويلة!”.

عوامل تكوين المخططات التركية لغزو الشمال السوري

الصراع الروسي مع المصالح الأمريكية الأوروبية في الشرق الأوسط، بات واضحاً من خلال المشهد السوري المتأزم، لطالما يشكل حلف الناتو دائرة حصار حول روسيا ومصالحها، وتسبب ذلك في تحجيم دورها العسكري في مناطق الصراعات والنفوذ والطاقة، وهو ما يظهر لنا طبيعة الجهد الذي يبذله الروس في إضعاف هذا الحلف ومحاولة خلخلته من خلال استمالة أية قوة مركزية فيها، بغية خلق توازنات جديدة تمكن روسيا من إعادة نفوذها إلى الشرق الأوسط، وتكسر بذلك الحزام الممتد حول حدودها مع أوروبا الشرقية، مروراً بتركيا التي كانت تشكل جزءاً حيوياً من مخططات الناتو حول روسيا، وصولاً لباكستان والهند، إلى كوريا الجنوبية واليابان والتايوان. ولعل الأزمة السورية هيئت بعض الظروف والمناخ أمام الروس في إعادة تثبيت وجودهم داخل بعض المناطق الحيوية في الشرق الأوسط، وبناء مصالح جديدة تمكنها من تخفيف وطأة التحجيم الذي يفرضه الأمريكيين والأوربيين عليها من خلال حلف الناتو، لاسيما بعد سقوط الاتحاد السوفيتي وفقدان الروس علاقاتهم مع بعض الانظمة التي كانت في تحالفات وثيقة معها.

ومع تمدد النفوذ الغربية إلى أوكرانيا، وفقدان الروس أي نفوذ داخل الدول العربية التي تملك النفط والغاز بعد تدخل حلف الناتو في ليبيا واليمن وقبلهما الكويت والعراق وأفغانستان، والاستحواذ على الطاقة في الشرق الأوسط، فأن خشية الروس الآن من تمدد هذه المصالح أكثر في سوريا، التي يجدها الموقع المتبقي الوحيد لنفوذها.

ووفق مفرزات الحدث السوري اتضح سير تحجيم الدور الروسي من البوابة الكردية، بعد سيطرتهم والقوى المحلية المتحالفة معها وبالتنسيق مع التحالف الدولي لمكافحة الإرهاب بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية، على 75% من منابع النفط والغاز والسدود المائية في سوريا، وهو ما شكل تهديداً مباشراً للنفوذ الروسية، وإجبارهم على تقاسم المصالح مع الأمريكيين، لتصبح سوريا مقسمة فعلياً بين مناطق غنية تسيطر عليها الولايات المتحدة الأمريكية، أي بمعنى استمرارية عملية التحجيم للنفوذ الروسية في آخر معاقل تواجدها.

ومن هنا بدأت التحركات الروسية في خلق اشكاليات متعددة أمام النفوذ الأمريكي – الغربي، من خلال دعم وكلاء إقليميين في عملية ممارسة وتشكيل ضغوطات وتهديد لتلك المصالح، إلى جانب إثارة خلخلة داخل حلف الناتو من بوابة احد اهم قواها الفاعل تركيا، مستغلة المشاعر التركي المتفرعنة ضد أي تطور كردي في شمال سوريا.

الخوف التركي من تشكيل إقليم كردي محاذي لحدودها الجنوبية دفعها إلى توطيد علاقاتها مع الروس على حساب التحالف مع الأمريكيين والغرب، وتعتقد تركيا أن التطورات الناتجة عن الصراع السوري قد أفرزت وضعاً كردياً جديداً مماثلاً لما حصل في شمال العراق ونتج عنه إقليم فدرالي كردي، وأن الدول الغربية بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية تحاول من خلال الدعم العسكري لقوات سوريا الديمقراطية، إيجاد بديل لعلاقاتهم مع تركيا، وهو ما يشكل خطراً على الأمن القومي التركي ووحدة أراضيها وفق منظورها ، وسوف يكون ذلك دافعاً طبيعياً لتأليب الرأي العام الكردي في تركيا ودفعهم إلى المطالبة بنفس الحقوق، وبذلك تخسر تركيا حدودها بالكامل مع سوريا كما خسرتها مع العراق سابقاً، وتبدأ معركتها الداخلية مع الكرد ومواجهة عملية تفكيك تركيا .

من هذا المنطلق حاولت تركيا بشتى الوسائل إعاقة هذا المشروع، لاسيما بعد فشلها في إقناع الأمريكيين بالتراجع عن دعم الكرد، في المرحلة الأولية، والتوجه نحو استخدام القوة سواء من خلال مجموعات متطرفة للمعارضة السورية أو التدخل العسكري المباشر .

تقاطع المصالح بين الروس والأتراك

نتيجة للتنافس الأمريكي الروسي في سوريا

وظف الروس حالة التمعض التركي حيال الموقف الأمريكي الداعم لقوات سوريا الديمقراطية، بحيث يتم استخدام الأتراك في القضاء على المجاميع المسلحة للمعارضة، وتحوير وجهة هذه المعارضة إلى التطرف حتى تشرع للروس في الأوقات المتقدمة التخلص منها ببساطة، فيما فعلت روسيا خطة دفع تركيا إلى تسليم المناطق الداخلية من سوريا للنظام مقابل إفصاح المجال للاتراك في منع تكوين حكم ذاتي أو فدرالية للكرد شمال سوريا ، أو على الأقل تمنع أي تحالف غربي كردي في سوريا قد ينتج في المحصلة وضع كردي خاص في الشمال السوري، وبذلك يمنع الأتراك كل هذه التطورات، وبنفس الوقت تستفيد روسيا من جميع النتائج، وبالتالي:

القضاء على المعارضة السورية.

إنهاء اي دور للكرد – حلفاء أمريكا.

إبعاد الأتراك من التحالف مع الغرب والأمريكيين وخلق اشكاليات عميقة داخل حلف الناتو، على مبدأ فقدان ثقة الأطراف بالأتراك.

كل ذلك يتم تحقيقه من بوابة التحرك التركي، وهي مصالح مهمة للروس مقابل التخلي عن أي تغطية على الوجود الكردي في مناطق الانتشار الروسي، وطبعاً كانت عفرين في مقدمة تلك المناطق المستهدفة، باعتبارها تقع ضمن النفوذ الروسية، وهذه العوامل والمتغيرات سوف تجعل الولايات المتحدة الأمريكية امام خيارين أفضلهما أسوء من الآخر، وفي كلا الحالتين ستسبب في تقليص نفوذها إن لم تكن جدية حيال المسائل المتعلقة بحماية مصالحها وحلفائها في الحدث السوري.

يمكن تفسير المشهد من خلال تخيير الأمريكيين بين التخلي عن الكرد الذين وفروا لهم نفوذاً داخل سوريا، أو التخلي عن تركيا التي تخلق لها بلبلة في حلف الناتو، وكذلك تفتح الطريق أمام الروس في تكثيف نفوذها داخل الشرق الأوسط، في ظل عدم وجود صيغة تقاربية بين الطرفين الكرد الأتراك ، تبقى الخيارات الأمريكية ضبابية إلى حين تنفيذ بعض المشاريع التي تجدها مناسبة ومن ثم تختار من يحمي مصالحها، وبذلك لا يمكن دعم أحد الطرفين دون آخر، هذه الحقيقة تجلى في الموقف الامريكي أثناء الحرب التركية لاحتلال عفرين، وتبعاتها في إفصاح المجال أمام الأتراك لاحتلال رأس العين سري كاني وتل أبيض كري سبي“.

المحاولات الأمريكية في استمالة الأتراك دون التخلي عن دعم الكرد لن تجدي نفعاً أمام التعند التركي الواضح في رفض وجود وضع كردي خاص شمال سوريا، رغم التأكيدات الأمريكية الكردية في أن التطورات شمال سوريا ليست الغاية منها إعلان وضع كردي خاص، إلا أن مشروع الديمقراطية المنشود من قبل الإدارة الذاتية وتحقيق اتحاد شعبي بين المكونات السورية في الشمال شكلت تهديداً على الكيان القومي التركي الذي يخشى كثيراً دمقرطة الشرق الأوسط.

ببساطة قدمت روسيا خدماتها للاتراك وهيئت لها الوسائل والتغطية الإقليمية والدولية المناسبة، وأعطتها الضوء الأخضر في غزو جزء حيوي من مناطق الإدارة الذاتية الكردية، وذلك على مراحل بدأت باحتلال المثلث الفاصل بين نهر الفرات ومقاطعة عفرين، مناطق إعزاز، جرابلس، الباب ، وإقامة حكم شبه ذاتي للمجموعات المتطرفة بقيادة التركمان، وتمكينهم في محافظة إدلب، إلى جانب بناء قواعد عسكرية ونقاط حماية لهذه المجموعات المتطرفة، كل ذلك مقابل الأهداف التي ذكرناها.

صراحة الصفقة كانت مربحة بالنسبة للأتراك لطالما كل تفكيرهم ينصب لمحاربة أي وضع كردي في سوريا، مقابل المطالب الروسية في توجيه المعارضة إلى غير النظام، والتخلص من الكرد الذين يشكلون عقبة أمام الأستفراد الروسي بسوريا، لن لأن الوجود الأمريكي في سوريا مرهون بوجود مناطق سطيرة قوات سوريا الديمقراطية. مقابل التضحية التركية بالمعارضة السورية، وتحجيم العلاقات التركية مع الولايات المتحدة والإتحاد الأوروبي. ويمكن فهم المسألة من باب إن الروس عقدوا الصفقات لإنهاء الهواجس التركية على حدودها الجنوبية، مقابل القيام الطرف التركي بتحقيق جميع الأهداف الروسية في سوريا، وهذه العوامل توفر لروسيا إعادة بسط سيطرة النظام على الجزء الأكبر من سوريا، وإدخال الأمريكين والغرب في صراع حميم مع تركيا، ومن الطبيعي ان يضمن ذلك لجوءاً تركياً جزئياً للحاضنة الروسية، وتثقل الكفة الروسية وتوسع رقعة نفوذها أمام التراجع الأمريكي وتخبطها، وتقليص دورها وخسارتها.

وعملياً يمكن فهم نتائج هذه الوقائع من تبادل التصريحات واللقاءات بين المسؤولين الأمريكيين والأتراك، حيث أظهرت بوادر التنافس الأمريكي الروس في إرضاء وإستمالة كل طرف للأتراك، رغم عزلة نظام أردوغانإقليمياً ودولياً، وحقيقة دعم النظام التركي للجماعات المتطرفة، إلا أن مصالح الدول الكبرى دفعت إلى الصراع من أجل كسب ودّ الأتراك، والتضحية ببعض المصالح لإرضائها، بعكس ما يجب تحقيقه في ضرورة توجيه ضربة سياسية وإقتصادية لنظام التركي بحكم تشكلها خطراً إرهابي على أوروبا والشرق الأوسط.

يمكن أستوعاب مسألة إستخدام الروس للاتراك من باب المنفعة الكبيرة والنتائج التي أستفادت منها كلا الطرفين على حساب قوات سوريا الديمقراطية ومشروعها الديمقارطي الذي لاقى إقبالاً كبيراً بين المكونات المتعايشة في الشمال الشرق السوري، وقد بذلت وحدات حماية الشعب الكردية جهداً كبيراً في هذا السياق، بعكس مصالح الانظمة التي وجدت نفسها بصدام مع الأتراك في حال دعمت هذا المشروع. ولعلَّ الروس أدركوا جميع هذه الجوانب في الوضع السوري، وأستطاعوا توجيه دفة المسائل وفق مصالحهم الخاصة أمام الخيارات الأمريكية المحدودة، وكانت التضحية بالكرد هو الشيء السير لدى الروس والأمريكيين ضمن سياق التفاهمات والاستفادة الشاملة.

إن المحاولات الأمريكية ومناوراتهم في إرضاء الكرد والأتراك في آن واحد بائت بالفشل أمام المخططات الروسية الرامية إلى تقليص الوجود الأمريكي في سوريا، ومسألة الجمع بين حليفين متصارعين في وقت واحد غير ممكن بعد عملية غزو مقاطعة عفرين، ومسألة التضحية بالأتراك وتمكين الروس من إختراق عزلتها الدولية وكسر جدار حلف الناتو امر غير وارد لدى الإدارة الأمريكية، وكذلك التخلي عن الكرد في سوريا أمر خطير للغاية، قد يفتح المجال امام الروس للمناورة اكثر حول العراق والخليج العربي في ظل التوكل الإيراني وحلفائها المذهبيين على الدور الروسي. لذا فإن المساحة الأمريكية محدودة في ظل غياب إستراتيجية دائمة في الشرق الأوسط، ومصالحها مهددة أيضاً، إذا ما تخلت عن البطاقة الكردية، وهو ما يتطلب مناورة جديدة قد تنجح أو تفشل في تحيد الأتراك عن العلاقة مع الروس، ولكن مقابل ذلك سيقدم الولايات المتحدة بعض الضمانات والصفقات للأتراك، والصفقة المربحة الوحيدة بالنسبة للاتراك هي تحجيم الإدارة الذاتية الديمقراطية وتقديمها للأتراك على طبق مفصل وفق عقلية النظام التركي، وهذا غير ممكن بالشكل الذي يتمناه الأتراك في ظل ظروف المصالح الأمريكية التي تتعرض للأزمات في الشرق الأوسط، وخسارة الشمال السوري يفتح المجال امام المصالح الإيرانية في التمدد، وذلك يشكل ايضاً خطراً على جميع الأطراف، ويعتبر خللاً كبيراً في التوازن للصراع السني الشيعي الذي يحتاجه الغرب والأمريكيين والإسرائيليين في عملية إلهاء الطرفين ببعضهم حتى تكون إسرائيل في أمان، والطاقة التي يستحوذ عليها الأمريكيين وتصدير الأسلحة التي تعيد للخزانة الأمريكية والغربية مليارات الدولارات ستكون في خطر كبير أمام التمدد الروسي وتغيير وجهة الدول الغنية في الشرق الأوسط من التحالف مع الأمريكيين إلى التعامل مع الروس.

المشهد معقد جداً، والمعطيات الجارية على الحدود بين سوريا وتركيا عند نقطة سيطرة الإدارة الذاتية هي جزء حيوي لمفرزات هذه الأحداث التي نشهد بشكل درماتيكي حلقاتها. ولعلَّ العامل الدولي والظروف الإقليمية تفرض الكثير من المشاهد الغير متوافقة مع رؤية المشروع المنشودة في الشمال السوري، إلا أن النظر إلى طبيعة هذه المعطيات من باب شمولي امري سلبي في ظل المتغييرات الكثيرة، والفرعية التي يمكن الإستفادة منها خلال توظيف الكثير من المسائل للحيلولة دون إستمرار مجريات الاحداث كما يتأمله الجانب التركي، ويعود ذلك إلى المخططات الروسية الغير مستقرة ضمن خط سير إستراتيجي، بحكم إن الهدف الروسي يتركز على حجم الاستفادة من الاحداث وفق معيار القدر الممكن وعلى رأسها الإستفادة الإقتصادية، بعكس الأهداف الأمريكية التي تبحث عن تحقيق هدفين معاً بناء مصالح إستراتيجية مستقبلية لإستمرارية الإستفادة الإقتصادية الدائمة ، ويتفق القوتين على مسألة، تقاسم النفوذ، والتوسع المستمر، وبناء مصالح، وإقامة أنظمة تضمن إستمرارية تدفق الطاقة مقابل تزويد الحلفاء المحليين بالاسلحة، وطبعاً تغيرت الموازين مع سياسات إدارة ترامب التي حولت السياسة الخارجية الأمريكية إلى مسألة تجارية وفق قانون ربح وخسارة الآنية.

الأتراك تأملوا من خلال هذه التركيبة ان يقدم لهم الأمريكيين نفس الصفقات، والحديث حول مناطق محددة بين منبج والجزيرة جاء بنفس السياق، وقد تكون بمثابة رشوة أولية لبقاء تركيا في الوسط دون الميلان إلى الحلف الروسي كلياً، والأمريكيين مجبرين لإستمالة الأتراك إلى نحو تقديم أو توفير بعض الصفقات لإرضاء تركيا. وهنا العامل الروسي حاضراً لإقامة الصفقات والسمسرة على أية منطقة سورية مقابل تحقيق اهدافها المتعددة. وفي حال حدث بعض الظروف الطارئة على المشهد السوري ستتوقف روسيا عن دعم المساعي التركية، وهو بتحييد الكرد من التحالف الأمريكي، إلا ان الفائدة منهم لن تكون بحجم إستخدام تركيا ضد حلف الناتو وتهديد أوروبا ومصالح أمريكا.

صراحة الروس يتقنون السياسة أمام الأمريكيين والغرب المتقاعسين في فهمهم للاحداث، وإن كان ذلك بشكل مؤقت، ويبدو إن البوابة السورية تشهد حرباً عالمياً ثالثاً، وإن كانت ذلك بوسائل مختلفة في ظل النزاعات العنيفة بالوكالة.

من هنا جاء التقارب التركي من روسيا بعد التباعد الأمريكي الأوروبي المؤقت عنها، وكان ذلك دافعاً للاتراك في تطبيق مخططات خبيثة تتركز على عقد صفقات مع الروس والنظام السوري على حساب وحدة الأراضي السورية وسلامتها الامنية، بالرغم من تنفيذ المعارضة السورية بشقيها السياسي والعسكري الجزء الأعظم من المخططات التركية، والذين جندوا وجودهم لخدمة الأهداف التركية وامنها القومي على حساب سوريا وأمنها الأستراتيجي .

الروس عموماً عرفوا كيفية توظيف وإستغلال الأهداف التركية في عملية تقاطع مصالح بين الطرفين يشارك فيها الجانب الإيراني الذي بدوره يخشى أي تطور للقضية الكردية في سوريا.

مشاعر الأتراك – والفرس حول القضية الكُردية متبادلة مع النظام السوري البعثي الذي لا يقل شراسة البقية حيال الكُرد، لا سيما العقل الجمعي للنظام السوري الذي يحلم بالعودة إلى سابق عهده، ما قبل 2011 في السيطرة على كامل البلاد الحديد والنار.

الخاسر الأكبر من المخططات التركية

قد لا يدرك إقليم كردستان العراق حجم الكارثة التي نجمت عن نجاح الأتراك في احتكار توريد نفطها، ومنع فتح أي منفذ لها إلى العالم، في ظل الحصار الرباعي الذي فرضته الدول الثلاث إيران – تركيا سوريا والعراق من بوابة حقوق المركز على الإقليم، ودفع قيادة الإقليم بأحزابها المسيطرة إلى الحاجة الدائمة لتلك الدول التي ترفض وجود وضع كردي مستقل في العراق، إذ سيكون له التأثير المباشر على كردهم ويدفعهم إلى التوجه نحو المطالبة بنفس الحقوق لديهم.

شكل الاحتلال التركي لغرب الفرات – شمل غربي سوريا – تهديداً مباشراً على مستقبل إقليم كردستان، وقلصت من توجهاتها نحو الاستقلال، وكان الهدف الأول للأتراك هو تدمير الجانب الاستراتيجي للإقليم حتى تبقيها تحت رحمته.، وربما القراءة السطحية للمسألة لا تظهر حجم كارثتها الاستراتيجية، ولكن التمعن في عمق المخططات التركية تظهر حقيقة التحرك التركي في تدمير مستقبل إقليم كردستان العراق قبل الإدارة الذاتية الديمقراطية في سوريا.

تلت محاولات إقليم كردستان العراق من أجل الاستقلال عبر الاستفتاء الذي تم بتاريخ 25 سبتمر 2017 تحرك تركي سريع لقطع الإمداد الاستراتيجي لها، واعتمدت على ممارسة الضغوطات الاقتصادية مقابل تحرك إيراني في تحريك الميليشيات الشيعية في العراق لغزو مدينة كركوك 15 أكتوبر 2017، وكانت تلك نقطة ارتكاز للاستخبارات التركية الإيرانية في التحرك لمنع أي تطور كردي في المنطقة، وتجلى الاتفاق بين الإيرانيين والأتراك برعاية روسية في احتلال منطقة عفرين بتاريخ 18 آذار 2018، لتستكمل بذلك الجزء الحيوي من الاتفاقيات التي تبلورت حول الكرد، وإن كانت إيران ظاهرياً في سوريا وعبر موقفها الرسمي غير متناغم مع الخطاب التركي الواضح في محاربة الكرد، إلا أن فكرة الدول الضامنة حول سوريا تركزت على هذه النقطة بالنسبة لدولتين، بمعزل عن المخططات الروسية الرامية إلى تطوير مصالحها وهيمنتها في سوريا.

هذه العوامل والتحركات كانت كفيلة لهذه الدول في إخفاق أي تطور للقضية الكردية في المنطقة، وجرت ذلك في ظل صمت أمريكي وأوروبي، تم القضاء فعلياً على أية محاولة لوجود مخرج بري لإقليم كردستان إلى البحر المتوسط، وتسمى أيضاً كريدور إلى البحر المتوسط، فنتج عن تدمير استراتيجية كردية مستقبلية في التواصل مع العالم بمعزل عن الدول التي تحتل كردستان، وبقي إقليم كردستان تحت رحمة المنظم التركي والمراقب الإيراني، وإن كانت تركيا هي المستفيد الأكبر من هذه العملية، بحكم سيطرتها على خروج ودخول النفط الكردي من إقليم كردستان العراق، وصكوك النفط بقيت بيد الناهب التركي الذي يستحوذ عليها، ويحتكر نصفها كضرائب، والنصف الآخر يعيدها إلى إقليم كردستان على شكل عطايا، على أن البنوك التركية تتحكم بهذه الأموال، وهذا ما قاله الرئيس التركي أردوغانأثناء استفتاء إقليم كردستان: الحنفية بيدنا في أنقرة إن أردنا إغلاقها سيموت مسعود البارزاني وشعبه من الجوع.

هل ثمّة خلاف إيراني روسي أو منافسة تركية إيرانية في الأفق ؟

من الطبيعي أن تتنافس الأطراف الإقليمية والدولية على تمكين مصالحها في سوريا من خلال القوى المحلية، إلا أن ثمة قوى دولية لا يمكن تجاوزها، أو العمل دونها في مسارات الأزمة السورية، وإن كانت دفة الملف السوري وحلولها باتت بيد الطرف الروسي الذي يستطيع التعامل مع جميع الأطراف بطريقة مختلفة عن الأمريكيين الذين لم يستطيعوا التناسق بين حلفائها المحليين والإقليمين، والنزاع التركي الكردي نموذج للإخفاق الأمريكي أمام الحلول الروسية المجدية في التعامل مع الملف.

يكسب الطرف الروسي نفوذه في سوريا وفق حسابات الربح وحجم الخسارة، ويدير مشاريعه ضمن مربعات ترضى عنها إسرائيل، وعملية المنافسة مع الإمريكيين لإرضاء إسرائيل لم تنجح بعد أن اعترفت الولايات المتحدة بشكل رسمي بمدينة القدس أورشليمعاصمة لإسرائيل، إلا أن الصفقة الروسية مع الأتراك لم تكن أقل شئناً من النجاحات الأمريكية بهذا الصدد، مقابل التسليم التركي للمشاريع الروسية والمساهمة في تكريسها، إلا أن ذلك لم يكن بمعزل عن الأهداف الإسرائيلية والإرضاء عن مجريات الأحداث التي باتت واضحة من خلال دفع القوى الكبرى إلى تقسيم المنطقة على شكل مصالح استملاكوليس لإرضاء الأطراف السورية، وبنفس الوقت تضعيف الجميع لإنتاج نظام وإدارات ضعيفة يسهل التحكم بها جعل من الروس الطرف المرضي عنه إسرائيلياً، وبطبيعة الحال هذه التطورات قد لا يتوافق مع الأهداف الإيرانية وحلفائها في الشرق الأوسط، حيث استخدم الإيرانيون بدورهم الروس في إنقاذ سوريا من المجموعات العربية السنية، وفتح الطريق البري بين طهران وبغداد وصولاً لدمشق وبيروت، ويعني ذلك بالنسبة للإيرانيين بسط السيطرة على هذه المنطقة، على غرار نتائج حرب العراق التي دخلت في الحاضنة الإيرانية، لأن الإيرانيون يتمددون في المنطقة وفي جعبتهم مشروع شيعي واضح على حساب الدول السنية، أي لديهم إرادة منافسة مع القوة الدولية، لاسيما روسيا التي ترفض وجود شريك آخر لها في سوريا يستحوذ على القرارات وبنفس الوقت يستفز الإسرائيليين والغرب والدول العربية السنية.

التدابير الروسية في الانفراد بالوضع السوري كان دافعاً لها بتحريك الأتراك نحو مواجهة أمريكا وبنفس الوقت دفع الدول العربية السنية وإسرائيل بمواجهة إيران، وكل ذلك في سوريا من خلال تكريس فزاعة الخطر الكردي على تركيا والتهديدات الإيرانية الشيعية على الدول العربية السنية.

وحقيقة الأمريكيون لم يعرفوا اللعبة بهذه التقانة التي تحركت فيها روسيا، ويرجع ذلك إلى عدم وجود مخطط أمريكي استراتيجي، وكانت تحركاتها في سوريا مجرد تكتيكات وقتية للقضاء على داعش، ومن دون مبالاة انسحبت من سوريا وأبقت على قوات محددة في مناطق معينة.

التصرفات الأمريكية في سوريا تشابه إلى حد ما خططها في العراق بعد إسقاط نظام صدام حسين، إلا أن الضغط الذي مارسته الدول الخليجية عليها في ضرورة قطع الطريق على التمدد الإيراني وعدم إفصاح المجال أمامها كما حصل في العراق أوجدت ورقة أمريكية رابحة في الحصول على كميات كبيرة من أموال الخليج.

وهنا اتفقت جميع الأطراف الدولية على تقليص الدور الإيراني في سوريا ولبنان والعراق، وإن كان مركز هذا التقليص في سوريا، والمستفيد الأهم من هذه العملية هي روسيا وانفرادها في السيطرة على الأزمة السورية، وبنفس الوقت الولايات المتحدة الأمريكية لحصولها على أموال طائلة من الخليج العربي، وإيران هو الحاضر الغايب دائماً في المنطقة، لاسيما في سوريا، لأن النظام السوري عملياً جزء لا يتجزأ من المحور الإيراني، إلا أن تقليص الدور الإيراني تحقق، والجميع استفاد منه، حتى بعض الأطراف داخل النظام السوري.

المنافسة الإسرائيلية الإيرانية أوجدت الكثير من ردات فعل إيجابية على إسرائيل، إذ أن بعض الدول العربية تجاوزت إشكاليتها مع إسرائيل وتشكل هناك شبه حلف بينهما ضد إيران، وبذلك وجود التهديدات الإيرانية أصبحت ضمان لتقارب عربي إسرائيلي.

ويظهر لنا أيضاً المنافسة على سيادة الشرق الأوسط بين الإيرانيين والإسرائيليين، وبنفس الوقت المنافسة بين إيران والدول العربية السنية، إلى جانب الصراع السني – السني بين الدول العربية وتركيا ما عدا قطر التي تتحالف مع تركيا لاستكمال مشروع جماعة إخوان المسلمين الذي يعادي مصر والسعودية والإمارات بقية الدول.

وفق المشهد نجحت روسيا في بسط سيطرتها على المصالح الإيرانية في سوريا، وأصبحت إيران خارج الدول الفاعلة في المشهد السوري، وبموافقة كافة القوى الضالعة بالحدث السوري. ويمكن أن نسميه أيضاً تحويل النفوذ الطائفية الإيرانية في الشرق الأوسط إلى آليات لتحقيق بعض الأهداف الروسيةبينما تنشد إيران مشروعاً توسعياً للسيطرة على الشرق الأوسط، ويتفق الروس والأمريكيين على تحجيم دورها خشية على أمن إسرائيل، إلا أن روسيا ظلت تركز على عدم فتح المجال أمام طرف ثالث يتقاسم معها الكعكة السورية، وبنفس الوقت تجدها روسيا أحد أذرعتها الاستراتيجية في تهديد المصالح الأمريكية، وليس شريكاً في الاستحواذ على المصالح والثروات، بينما النظام الإيراني أكثر من يقدم للأمريكيين الكثير من الخدمات، وتدرك روسيا مدى قوة إيران وامتلاكها لترسانة من الأسلحة المتطورة – وميليشيات الطائفية تستخدم كقنبلة موقوتة داخل عدد من الدول العربية.

داخل هذه العجقة المصلحية تظهر لنا مدى طبيعة السمسرة التي تقيمها روسيا على حساب سوريا، بغية توسيع مصالحها في الشرق الأوسط والتي لن توافق بالضرورة مع المصالح الإيرانية، في ظل تحويل النظام السوري إلى موظف للمصالح الروسية في قاعدة حميميم.

المزاج الدولي حول سوريا وما يتخمض عنه

ظل الرئيس النظام التركي أردوغان يكرر إن الأمريكيين وعدوه بتسليم هذه المنطقة له إذا ما يتم القضاء على منظمة داعش، وكانت الغزوات التركية تتأجل لهذا السبب، بينما كانت الولايات المتحدة الأمريكية تؤكد على إنها في علاقة مع قوات سوريا الديمقراطية من أجل محاربة الإرهاب، كان يبعث من الخطاب التركي والغموض الأمريكي الكثير من السيناريوهات المخيفة بالنسبة لصيرورة الوضع في شمال شرق سوريا، وطبيعة الإدارة الذاتية التي تفاعلت مع الوعود الشفهية للأمريكيين دون النظر في ماهية عقلية الإدارة الامريكية وأسالبيها في السياسة الخارجية، وعلاقتها مع الوضع السوري، إلا أن الإدارة الذاتية والقوات الكردية لا تلام لأن الوجود الأمريكي كان له فوائد كثيرة، ومنها القضاء على التهديدات الكبيرة لداعش الذي كاد أن يسيطر على معظم روجآفا مع غزو كوباني بتاريخ 15.9.2014، حيث أن التدخل الأمريكي وتقديمه المساعدة للقوات الكردية كان أساساً لكسر هجوم داعش وتحويله من إلى عمليات الدفاع وصولاً إلى القضاء على آخر جيوبه في ناحية باغوز في دير الدور بتاريخ 19 آذار 2019.

الضبابية في مواقف الأمريكيين كان واضحاً لعدم وجود استراتيجية محكمة تعني بتطورات الوضع السوري، وتأثر نتيجة لذلك موقع حلفائها الكردفي الخارطة السياسية والعسكرية السورية، كما إن الظروف التي أخلفتها السياسات الأمريكية غير مجدية خلال السنوات الستة الماضية حالت دون تطوير موقفها، وتسبب ذلك في تراجع نفوذها بشكل كبير أمام التمدد الروسي، والروس في تحالف استراتيجي مع الصين، القوى الصاعدة القادمة التي تخشى منها أمريكا، وأيضأً روسيا التي تخشى بدورها مستقل التطور الاقتصادي والصناعي والتكنولوجي الصيني الذي قد ييبتلع روسيا ودول النمور السبعة الأسيوية الاقتصادية، بالرغم من التحالف الروسي مع الصين، إلا أنها أيضاً تخشى الصعود الصيني السريع على حساب بقاء الاقتصاد الروسي في الاعتماد على بيع السلاح فقط.

لعب الرئيس الأمريكي دونالد ترامبدور التاجر الذي يريد الحصول على المال بأي ثمن كان، وشكل هذا التوجه هاجساً لدى حلفاء أمريكاء في الشرق الأوسط، لاسيما الدول الخليجية الغنية، مقابل ذلك تصرف ترامب بسلوكيات غير مجدية في التعامل مع حساسية مخاوف الدول العربية، إذ أن الضامن الأمريكي كان دائماً القوة الاستراتيجية لحلفائها في المنطقة، والمسلك الذي تبناه ترامب خلق فارقاً سلبياً على هذه الدول التي باتت تخشى التصرع الأمريكي أمام الهدوء الذي يمارسه الروس وكذلك الهند والصينين، وإن استمرت الإدارة الأمريكية بهذا الشكل ستخسر الكثير من المصالح الاستراتيجية أمام القوى الصاعدة، لهذا فأن ما تمخض عن تصرفات إدارة ترامب استوجب مراجعة دقيقة وعميقة من قبل المؤسسات العسكرية والسياسية وكونغرس ومجلس الشيوخ، ونتج عن ذلك تحجيم تصرفات الخارجية لإدارة ترامب، وتحجيم انتخابه مجدداً كرئيس للولايات المتحدة الأمريكية، وهذا يعني إن مسألة فوز ترامبفي الانتخاب القادمة غير ممكن في المنطق السياسي الأمريكي، وطبيعة تعاملاتها في السياسة الخارجية ومصالحها في الشرق الأوسط.

إن تعامل إدارة ترامب مع الملف السوري مثال على سلوكياته السيئة في تناول السياسات الخارجية للولايات المتحدة الأمريكية، وتسبب في فقدان الثقة لدى الكثير من الحلفاء في الشرق الأوسط، وبذلك تراجعت الهيبة الأمريكية كقوة عظمى، لاسيما أن معظم حلفاء الولايات المتحدة باتوا يخشون كثيراً من المناقصات التي أقامتها إدارة ترامب في سبيل الحصول على المال مقابل التخلي عن الحلفاء ..

ساسة الأتراك ظلت تكرر بين أعوام 2016-2019 أن ترامبأتفق معهم على تسليم شمال شرق سوريا المنطقة الكرديةإليهم بعد أن تنتهي قوات سوريا الديمقراطية من داعش، وعملياً وقع ذلك، وتبين أن ترامب ضالع في هذه الصفقة، بالرغم من الجهود والتضحيات التي قدمتها قوات سوريا الديمقراطية في القضاء على داعش.

الأمريكيين والاتحاد الأوروبي ليست بوارد مواجهة عسكرية مع الأتراك أو الروس في سوريا من أجل الكرد، وبنفس الوقت لا تملك روسيا القدرة في ذلك، وتركيا هي الورقة الرابحة لكلا الطرفين دون الاتحاد الأوربي، لهذا نشهد بشكل متواصل رد فعل أوروبي ضد السياسات الأمريكية والتصرفات الروسية، وتبحث عن موضع قدم لها في الكعكة السورية.

الفائدة الروسية من هذه المعمعة تركزت على خلق أزمة انعدام الثقة داخل حلف الناتو، ودفع مكوناتها إلى تهميش تركيا في برامجهم العسكرية والاستراتيجية، وهذا كفيل بارتماء الأتراك في الحاضنة الروسية، لحاجة الأتراك المستمرة في مواجهة أية مشاريع مستقبلية لتفكيك الشرق الأوسط وتركيا.

في ظل التهديدات التي أطلقها أردوغان بين فينة وأخرى ضد الاتحاد الأوروبي، في ملفي اللاجئين والإرهابيين، تسبب برفض أمريكي أوروبي لأية عملية روسية في إدلب، رغم سيطرة الجماعة المتطرفة على المدينة ومناطق شاسعة من ريفها، وهي مجموعات معادية للولايات المتحدة الأمريكي وأوربا، لاسيما وتنتمي الجبهة الشامية جبهة النصرة – أحرار الشام – درع الفرات جزء من منظمة القاعدة، ويفهم هنا إن ملف اللاجئين السوريين كان يشكل خطراً كبيراً على أوروبا، بعد أن دست الاستخبارات التركية بمجموعات من المتطرفين المدربين بين اللاجئين السوريين، وقد أرسل بعضهم بالفعل إلى أوروبا لتنفيذ مهمات إرهابية حينما يطلب منهم ذلك، وعلى الأغلب ستنفذ ذلك لطالما الاصوات تتعالى داخل البرلمانات الأوربية وحكوماتها.

لهذا السبب وقفت امريكا والاتحاد الأوروبي وراء منع وقوع حرب لإستعادة ادلب دون ان تكون هناك ضمانات سورية لوقف تدفق اللاجئين. ويمكن فهم المشهد بهذا الشكل: الأتراك يهددون امن أوروبا باللاجئين السورين الذين وفق تصورهم مجموعة إرهابيين سيدمرون أوروبا؟ والأمريكيين والأوروبيين خشية من ذلك منعوا الروس والنظام السوري في إطلاق عملية الدخول إلى أدلب، وهذا يساعد تركيا على الاستمرار في رعاية المجموعات الإرهابية في الشمال السوري.

هدد الرئيس النظام التركي الدول الأوروبية بفتح باب الإرهابيين واللاجئين إليها إذا ما توقفت عن انتقادها للغزو التركي على الشمال السوري ومحاربة الكرد.

حقيقة إن الروس يستخدمون التكتيكات الجيدة لتوطيد سياساتهم في الشرق الأوسط من البوابة السورية، وخلال هذه المعمعة يحاولون تحقيق هدفين رئيسيين،كسر شوكة حلف الناتو بيد ثاني قوة فيها تركيا ، وقطع أية تواصل بين الدول الغربية والمنافذ الطاقة في الشرق الأوسط دون الرعاية الروسية“.

روسيا تريد أن تبقى الحنفية في موسكو دائماً، وتبقى حاجة الغرب للطاقة من البوابة الروسية بإستمرار “.

لذا الأمر لا يبعث للإستغراب، فهذه هي السياسة التي تحصل، وتنتج معطيات لها مفرزات متعددة، وهو ما يستوجب الكثير من التحليل.

الدول العربية التي تخوض صراعاً مع إيران تقربت من قوات سوريا الديمقراطية، لأن هذه القوات الوحيدة التي يمكن لها خوض عملية تحجيم الوجود العسكري الإيراني من البوابة الشرقية لسوريا. إلا أن هذه الدول لا تجعل من دعم قوات سوريا الديمقراطية هدفاً إستراتيجياً لها، بحكم إن هذه الدول لا تملك الإستراتيجية المستقبلية للمشهد الشرق الأوسطي بمعزل عن الولايات المتحدة الأمريكية ولاحقاً روسيا، وهي في حاجة مستمرة إلى النظر للتحركات الأمريكية ومن ثم التحرك وفقها، وعلاقاتها مرهونة بالمصالح المشتركة مع الأمريكيين والإتحاد الأوروبي.

التقرب الروسي مع الأتراك خلق فجوة كبيرة بينها وبين قوات سوريا الديمقراطية، وهذا يعني أي تقرب أو إعتراف من قبل الروس وأجنداته النظام السوري بالإدارة الذاتية الكردية سوف يبعدها عن الأتراك، ويتسبب في عودة الأتراك للحاضنة الأمريكية الأوروبية، لهذا لا يمكن الثقة بالروس وسياساتهم، والتعامل معهم يجب ان يكون تكتيكياً لأن لا أستراتيجية روسية في التعامل مع الكرد.

الدول الغربية لن تنفرد في أي دعم حقيقي لقوات سوريا الديمقراطية، فوجودها بسوريا مرهون بالاتفاق مع الوجود الأمريكية، وبذلك لا يمكن التعول على الموقف الأوروبي بشكل قوي، إلا أنه يجب تعميق العلاقة بين الكرد والدول النافذة في الاتحاد الأوروبي، وخاصة فرنسا التي لها دور أممي مميز، وثقل كبير داخل حلف الناتو، والتحالف الدولي لمحاربة الإرهاب.

الأمريكيين لن يدخلوا في دائرة إنهاء علاقاتهم مع الآتراك لصالح العلاقات مع الكرد، وهنا يجب أن ندرك تماماً طبيعة السياسات الأمريكية الخارجية التي غالباً ما تخلق علاقات متنوعة حتى بين خصمين في وقت واحد، وهذا يرشدنا إلى تأويل الخطوات القادمة للتحركات الأمريكية، وأعتقد إنها ستتجه نحو خلق فوضى جديدة على حساب حلفائها في سوريا، وقد تكون ذلك بوابة لتهيئة الاجواء والتقارب بين الأتراك والكرد في سوريا، وعملياً إبعاد قوات سوريا الديمقراطية عن الحدود مع تركيا بشكل كامل سيكون كفيلاً بدحر الحجج التركية، مقابل تعزيز الأمن من خلال الشرطة والمجالس المدنية التي لن تكون بعيدة عن النفوذ الروسية ووجود الجيش النظام السوري على الحدود.

سوف يتجه التحالف الدولي نحو تمكين ضبط الحدود من خلال الروس، الذين بدورهم أحرجوا الأمريكيين في الاتفاق مع الأتراك على رفع التغطية عن مناطق نفوذهم – عفرين – لصالح الغزو التركي، ودفعوا الأمريكيين أيضاً إلى خسارة حليفهم المحلي بعد رفع تغطيهم عن الحدود مع تركيا والسماح لها بعملية احتلال رأس العين وتل أبيض.

من خلال أنتشار الشرطة العسكرية الروسية سيتم قطع الطريق عن تشكيل قوة دولية لحماية الحدود بين سوريا وتركيا، وهذا متفق عليه بين الروس والأتراك، والأمريكيين. وهذا يعني تقليص الدور الأوروبي في سوريا من خلال التحالف الدولي الذي سوف يحافظ على النفط والمناطق القريبة منها في شمال شرق سوريا وبزعامة أمريكية.

بينما سيقتصر الدعم الأمريكي لقوات سوريا الديمقراطية في مناطق محددة، وتشكل بنفس الوقت ورقة ضغط على النظام السوري والروس كي لا ينفردا بهذه القوات، وبذلك لم تخسر الولايات المتحدة الأمريكية علاقتها مع تركيا على حساب الكرد. والسياسة الأمريكية هذه لاقت رفضاً كبيرة داخل المؤسسة العسكرية والسياسية الأمريكية.

الفهم الروسي لمزاجيات النظام التركي

وظفت روسيا حالة التمعض التركي حيال الموقف الأمريكي الداعم للكرد في سوريا، فوجدت هذه التحولات الدراماتيكية بين الأتراك والأمريكيين فرصة لإستمالة النظام التركي إلى الحاضنة الروسية، بحيث يتم إستخدامه في تحجيم المجاميع المسلحة للمعارضة، وتسليم المناطق للنظام السوري مقابل إفصاح المجال للاتراك في منع تكوين حكم ذاتي أو فدرالية للكرد. وبدات روسيا بتنفيذ مخططها من بوابة فتح المجال للاتراك في إحتلال عفرين، وبذلك حققت الجزئية التي تحتاجها تركيا بعد تنفيذ عمليات تسليم المناطق وسحب المجاميع المعارضة من المناطق الحساسة في سوريا، وبنفس الوقت عمقت روسيا الشرخ بين الموقف الأمريكي والأطماع التركية، وبذلك تستفيد روسيا من جميع النتائج المتوقعة:

القضاء على المجاميع المسلحة للمعارضة في المناطق الداخلية.

إضعاف الكرد وإجبارهم للإبتعاد عن الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي في حال رضخت أمريكا للمطالب التركية.

إجراء عملية طلاق عسكري بين الأتراك والأمريكيين والاتحاد الأوروبي. هو ما يشبه بـ إلتقاط عصفورين بحجر واحد ، وهذه العملية بطبيعة الحال ستؤثر على مكانة تركيا في حلف الناتو، وقد تدفعها إلى التحالف مع روسيا بشكل أعمق، على حساب الحلف الذي تم كسر حصارها التقليدي حول روسيا من البوابة التركية.

لقد نجحت روسيا فعلياً في التحكم بالسياسات التركية في سوريا من بوابة تحقيق رغباتها لتدمير المنطقة الكردية غربي نهر الفرات، وخلقت بذلك شرخاً كبيراً بين الأتراك والولايات المتحدة، ليصبح النظام التركي أحد أبرز الأدوات الوجود الروسي في سوريا، وعصاها الغليظة ضد الوجود الأمريكي الأوروبي التحالف الدولي لمحاربة الإرهاب“, ويمكن القول إن الأتراك – الشرطي الأمس للمصالح الأمريكية ضد أي تمدد روسي – أصبح جزءاً من الهالة الروسية تتحرك لتحقيق الرغبات رغباتها في ضرب المصالح الأمريكية والأوروبية المتمثلة بقوات سوريا الديمقراطية.

هذه التحولات التركية وضعت الولايات المتحدة امام خيارين أفضلهما أسوء من الآخر، وفي كلا الحالتين تسببت بتقليص نفوذها، لكونها لم تكن جادة حيال المسائل المتعلقة بحماية مصالحها وحلفائها في الحدث السوري.

ويمكن رؤية المشهد من خلال تخيير الأمريكيين بين التخلي عن الكرد والشمال السوري الذين يوفران لها نفوذاً داخل سوريا، أو التخلي عن تركيا التي خلقت لها بلبلة في حلف الناتو، وكذلك فتحت الطريق امام الروس لتكثيف نفوذهم داخل الشرق الأوسط.

في ظل عدم وجود صيغة تقاربية بين الطرفين الكرد والأتراك، فشلت الولايات المتحدة في اقناع حليفيها المضي قدماً نحو إرضاء كلا الطرفين دون إشكاليات، إلا أن حجم الشرور التي تحملها تركيا حيال كرد سوريا حالت دون تحقيق الهدف الأمريكي، ونتج عن ذلك إشكاليات متعلقة بالسياسات الخارجية للولايات المتحدة الأمريكية، وتعرضها إلى هزات كبيرة داخل الشرق الأوسط، لا سيما إن العدو التقليدي روسيا على عتبة تحقيق اهدافها كاملة في سوريا، بعد أن أدخلت النظام السوري في مديونية طويلة، عقدت معها اتفاقيات تمتد لـ 50 سنة سلمت من خلاله النظام السوري الكثير من المصالح الاستراتيجية. مقابل دخول السياسات الخارجية الأمريكية في ازمة داخلية بين الأطراف والمؤسسات العسكرية والإستخباراتية والسياسية والحزبية الأمريكية، وتسارع كبير في المواقف والسياسات والتحركات في سوريا، وقد كانت بهلوانية لدرجة توفير الأرضية المناسبة لإيصال التمدد الروسي إلى شمال شرق سوريا دون عناء بعد أن كانت محاصرة في مناطق النظام.

أضف تعليق