مواسم الحروب، صالح جبار خلفاوي، قصص

لتحميل الكتاب:
https://www.4shared.com/web/preview/pdf/MOI1zfaCca

لقراءة الكتاب:

اسم العمل : “ مواسم الحروب

اسم المؤلف : صالح جبار خلفاوي

نوع العمل : قصص

رقم التسلسل : 44

الطبعة: الطبعة الالكترونية الأولى-25 آذار – 2018م

تصميم وتنسيق : ريبر هبونالناشر: دار تجمع المعرفيين الأحرارالالكتروني

جميع الحقوق محفوظةللمؤلف

حقوق نشر الكتاب محفوظة للمؤلف والنسخة الالكترونية ملك لدار تجمع المعرفيين الأحرار الالكتروني

https://reberhebun.wordpress.com/

لنشر أعمالكم يرجى الاتصال بـ :

reber.hebun@gmail.com

2

صالح جبار خلفاوي*

مواسم الحروب

قصص

3

اللحية الكثة

أدركت أنه مجرد مهرج لسيرك بلحيته الطويلة / تقتضي الامور أن يكون غير ذلك / التي خالطها الشيب نزع جلده وحيا ؤه معا أبدل ملابسه ذات الإيحاء الديني بملابس أخرى/ الابدال عالم أخر من سياقات مختلفة / لكنه ظل محا فظا على عباراته السابقة. يتحدث عن الحلال والحرام يتودد بلسان مثقل بالود والتخضع الزائف لا يحاول كشف ما يبطنه ..

صادفته بالأمس / المصادفة أمر لم يحتسب / منهمكا يكتب على ورقة سمراء أردت رؤية ما يكتب فلم أشاهد سوى كلمة (شكوى)في رأس الصفحة .

أنهى الكتابة نهض بعصبية واضحة ألقى شكواه / بث المشكلة طريقة مفتعلة للتعبيرعن السخط المكتوم / لرجل يجلس قبالته أخذها منه طواها ببرود تابعت ما حدث مع( السيد) الذي يجاورني / المجاورة أنواع تتجسد حسب الافتراض / بدا ممتعضا مما يحصل بادرني قائلا :

عجيب أمر هؤلاء , كل يوم تجده يتلون بلون

من تقصد ؟

وهل غير هذا أل..

لم يكمل عبارته لأنه يأنف / حين يأنف يغض الطرف / من العبارات البذيئة أستمر يتحدث .. واضعا ساقه اليمنى على اليسرى

أتساءل .. كيف أستطاع أن يخدعنا هذه الفترة ؟

تحدث بانفعال واضح:

هل نحن من السذاجة ليستطيع رجل مثله أن يستمر بخداعنا ؟

فوجئت بزعل (السيد )/ الزعل هنا سياحة في مساحة التبرم / على صاحب اللحية الكثة طلبت منه أن نخرج من القاعة لأبعده عن التوتر إزاء ما حصل في القاعة المزدحمة / الازدحام لايقبل القسمة على المصالح المتشظية /

في الخارج الاشياء تحمل لونا باهتا من الإرث الثقيل الذي طوى المدينة برمتها حتى لم يعد هناك مايساوي النظر أليه . / حين تحتوي السلع صدأ التعري ينتاب البضائع أهمال المتبضعين مرة في الجرح المنكفىء وأخرى في قيمة الشيء /

4

تعفنت الأصوات بنداء لا طائل منها سوى البضائع الرخيصة والمسروقة من مخازن الدولة التي استبيحت بهمجية مفجعة

تطلع إلى الوجوه التي لوحتها الشمس في داخله شيء يحترق بلا هوادة المعاناة تضطرم داخله / لاحد لها / لم أعثر على وسيلة أفضل من الاستمرار متحدثا معه قلت متسائلا :

ما الذي بدل سلوكه ..؟ / يتبدل السلوك حينما تشخص الاهتزازات بتوالي مفجع /

أطلق زفيره بصوت عال / اشتعلت في الجهة الاخرى اطلاقة طائشة / سحب نفسا عميقا من لفافة تبغه / تختل المسارات حيت تلامس الانشغالات شعور الاستغراب / لمحناه يعبر الشارع بسرعة بقوة لا تتناسب مع هيئته بدا كمن يتحدى مجهولا يطارده ../ دائما مطاردة المجهول تعني الجهل المتبرعم أو محاولة المعرفة/

هز صاحبي يده ممتعضا بعد تجاوزنا المسافة الممتدة بين المجلس البلدي ومحلات المرطبات الجو خانق جراء الحرارة المرتفعة فكرت في احتساء شرابا باردا لكنه أشعل لفافة تبغ ليشعرني بأن لا رغبة لديه بذلك عاد يقول :

ألا تتذكر كم كنا نحترمه ؟

شخصا بمواصفاته من السهل تبدل سلوكه كنت ألمح دائما لديه حب الظهور

صحيح .. ما تقوله

ليس الجميع يفعل ذلك يوجد من لا يتحمل حتى كلمات الإطراء

حاولنا الابتعاد عن الضجة والضوضاء مع استمرار فحيح المناداة على السلع المتناثرة فوق الإسفلت والتراب . الأزقة المترامية بانسياب توحي بالخوف من الأسلحة المشهورة بيد الأطفال / كرنفال للفوضى العارمة يتمرى على الوجوه الكالحة / لاح قرص الشمس بلونه البرتقالي متوهجا يميل نحو الغروب ./ المغيب أختفاء قاسي /

عدنا إلى بداية الطريق الباعة يجمعون حاجياتهم يحملونها بعربات صغيرة . بانت بقع العرق على ملابسهم الرثة .

فجأة برزأمامنا أبدل ثيابه بأخرى رثة يدفع أمامه عربة مملؤة بقناني الغاز / يمارس مهنة الاشتعال لا يكتفي بالقوت اليومي / حين اقتربنا منه أشاح وجهه صارخا :

غاز غاز / الغاز اشتعال لا تعرف نتائجه المبهمة /

بدا كمن أصيب بمس من الجنون . استدرت رأيت (السيد ) يضحك بمليء شدقيه قائلا:

يريد أن يوهم الآخرين بأنه يعيش على كده

ضحكنا بصوت مسموع / السخط والانتهاك مفترض بطقوس مضطربة لتبديد الحيرة / واصلنا السير نحو الجامع الذي لاحت مأذنته من بعيد .

5

الاغماضة

الشمس ترسل أشعتها فوق الموجات المتحركة على سطح النهر المضاء ببريق دافق تمضي السيارات مسرعة دون توقف عند المنعطف تقل الاندفاعات لتتهادى نحو وجهتها بعزم . .

في الطرف الاخر يمتد الحائط الخراساني بتعرج واضح لمسافات طويلة يتلوى مثل سوط ملتهب يخفي وراءه عالم مبهم . .

نسج خيوط الصورة المبتكرة في حواسه التي عادت اليه أحس بسريان الدم في عروقه من جديد أنتبه لملابسه البالية والتي كانت براقة قبل الان .

الاشياء تتوهج بشعاع يهمي على الامتداد المستمر من أعمدة الجسر الغارقة في عتمة الظل حتى البناية الرابضة أمامه بمواجهة الشاطئ المطلي بلون النهار .

ترك رجليه تهبطان على مهل لكنه لم يغير وضع استلقائه تأمل الفتاة الواقفة أمامه أدرك أنه يمتلكها ويستمتع بها كوعاء لحفظ سلالته . .

أشتاق لأخيه الكبير تذكر حادثة البارحة فعاوده الالم ينخر جسده بصمت أستحضر صورة زوجته الراقدة في فراشه مع عبد أسود ينهض الدم في عينيه مازالت المرأة تقف أمامه بدلالها .

أزعجته أبواق السيارات وجلوسه مكشوفا في العراء مالت الشمس نحو الزوال صخب المكان يرتدي الهدوء توترت عضلاته مسح وجهه الداكن من قطرات العرق المتشبثة بصدغيه أعاد تثبيت عمامته المتسخة .

حاولت الفتاة استعادة طراوتها وممارسة ليونة جسدها الرشيق بغنج أشاح وجهه المترب عنها قال بصوت أحس يصله من دهليز خارج حنجرته المتحجرة في نجمة تحتفي بهمس سماء صافية

صور مضجرة حكايات لم تنتهي تخرج من صندوق طلاسمه طقوسا سرية ونقوشا تحوي ألق الخيال . السلطة , نظام الحكم الذي كان بأعلى قمته النساء العبيد , الاماء , رجال العسس وتمرد زوجته في غيابه :

لقد سئمت

لم تعلق المرأة على عبارته ظل أتقاد الالوان يجعله يتحسس الفجوات المفتوحة في كوة رأسه الغارق بين طيات العمامة الازلية . .

فكر بالخطيئة تنهض وسط الفزع تكسر القيود بجرأة نادرة تعيد تركيب النسيج للحكام والحاشية لتنبت في ركام البقاء . يسل سيفه تطل أمامه شبابيك القصر المشرفة على بستان أخيه تريه محنة الفسق

6

يغمض عينيه تتهادى سلاسل طويلة من الزناة والمغتصبين خيول ممتطاة تجري بلا توقف سرف دبابات تخط النشيج على اسفلت الشوارع الموشاة بالرداء الأسود .

حاول النهوض اهتزت تحته صخور تحرك شظايا الجمر فتنجذب نحوه الاشجار سفح النهر يجاور قدميه تمنى لو أن النهر يجف ويخرج الاسرار .

مدينة ميتة يتوغل فيها صراع يهدد الاحياء بالانقراض تفز الطيور من بين يديه يتوسل الاغماضة يفارقه الحلم .. يتمتم :

شهرزاد

تطالعه بعيون مسكونة بالفراغ ثقب الوشم يفغر فمه الفجوات تتلاشى بجسد يترسب كحجر في قاع المياه المنسابة . تحتويه الاشنات والطحالب القواقع والصدفات .

خلف الجدار الاسمنتي تستمر حركة أخرى غامضة تتداخل فيها الشرفات تسكن ثم تضج وجوه تغطي وجوه وطائرات الهليكوبتر تحلق في السماء تدور في أتجاهات تسحب الضوء نحو المغيب .

فرك عينيه , خاطب جاريته :

أني بحاجة للنوم , لا توقظيني غدا

7

الثآليل

رحت أحك ظاهر يدي بقوة حتى أحمر الجلد بعدها شعرت بالنعاس .. لم أعد أشعر بشيء .. تتلاشى صور النهار في عتمة الليل حين يطوي أراجيح الأمل تتدافع الذكريات المخزونة تحت وسادة تحمل هم رأسي المتخم بأمور لا حصر لها

تمتد أصابعي تحت صدغي أتحسس جدار جمجمتي وتتراءى خطوط بيضاء تزحف الى جدار الشمس حيث ينهمر الضوء بلا انقطاع ..

تكتوي الأحاسيس بلهب يغطي مساحات لخرائط توقظ الندوب على جسد يمتد بأتساع الوطن ..

يلعق تواصل الجلد المفروش على حجارة الحضارة المبنية من رموز باهتة ومبهمة لا تتناول سوى مسلة تحكي تأريخ لا ينتهي .. من دوامة النبض يوميء بسريان الحياة..

واجهني بوجهه المزروع عليه ابتسامة وحنك دقيق لما عرف معاناتي .. تعاطف معي استل من الرفوف الموضوعة خلفه قنينة دواء قائلا :

أنها تفيد حالتك

ما بين الغفوة والحلم نهضت ليلة كاملة بنجومها التي تبرق في الفضاء كلما تومض نجمة .. يكون لها في جسدي أثر .. يتلف أعصابي الموجوعة..

احتجت أن أقول للصيدلي البشوش :

لا أحتمل هذا الدواء

وجعي في القلب حين يكون القلب مضخة لا تدفع في أوردتي سوى حفنة دماء .. تبقى مشاعري مستلبة وأمنياتي مستلقية على ظهر الجدب النابت في طين الهوس حاصدا أصراي لحياة أفضل

ما زال الحلم يتمرغ في وحل رأسي والنجوم تضع في المسامات ألمها المدمن..

كيف يجرؤ من أحمرت عيناه من البكاء على وقف تداعي حقائق كانت ثابتة زمن تحول لهوس يبني حضارة عمياء .. حاملا أصرار الوجوه المخفية خلف أقنعة بلا ملامح تشي بالآتي.. لا عرق يهتاج فيها ليكشف خلل الجينات بطفرتها الوراثي

أسلمت رقبتي للجلاد لكنه أستغفر ربه .. لما رأى شيب لحيتي يلمع تحت ضوء القمر .. تذكرت احمرار يدي ووجه الصيدلي البشوش حين ناولني (التيزاب) على أنه دوائي..

8

تحجر الدمع في محجر عيوني سكينة الجلاد تبتعد عن عنقي في ظلمة لم أعهدها خشيت أن يرجع فرفعت بصري نحو السماء شاهدت النجوم ترفل وتترك في مسارها حجر من نيازك ملتهبة على الخوف المتسربل بدثار اللوعة أمتلاءت هياكلي حين سبر أغوارها الخواء !

افترشت الحصى وشواهد القبور حملت في قيعاني سيقان النخل المقطوعة الرؤوس..

عند آذان الفجر حركت قدمي لكنها كانت ثقيلة كأني لم أمش منذ دهور .. زحفت على بطني أسحب بمرفق ذراعي أضلاعا متخشبة بطن ضامرة من الجوع سيقان لا فائدة ترجى منها

أحبو نحو النهر القريب عسى أن أبل عطشي برشفة ماء لأرتوي .. ألمح التراب يئن بلا ندى..

من يرفع يده الساعة للدعاء ؟

ليأتيني بغيمة تهطل بجرارها الضوء يملاء الأرجاء المح الشاطئ يصافحني من بعيد أسرعت أتدحرج نحو المياه..

يتوثب داخلي سريان الحياة .. أهتف في سري :

سأشفى .. ويتعافى بدني لا أعيد للنخل بهجة السعف حين تطرزه الرياح ..

أهفو على الماء يبللني .. أرى صورتي

على وجه النهر يستفزني هول المنظر ..

الثآليل تطفو على جسدي كالطحالب.. تسرق نضارتي .. أبدو عجوزا مهشما يأكله الجرب

رحت أفرك ظاهر وجهي بقوة حتى أحمر جلدي .. وبقيت يقظا لا يراودني النعاس

9

آنية الصفيح

سئمت أبي هذا الرجل الطويل والأنيق ببدلته الكحلية لم يعرنا اهتمامه ترك لنا الحبل على الغارب يتسلل الى خارج البيت ماضيا لمواعيد لا تنتهي يقضي وقتا طويلا في اسواق العطارة يتبضع المنشطات دائب البحث عن الاصباغ السوداء ليدهن شعره الكثيف

غرفة نومه تطل على مؤخرة المنزل من خلال نافذة متسخة الزجاج محاطة بإطار داكن / الستائر وضعت بإهمال على جانبي عمود أبيض يتراكم عليه الغبار / في الزاوية القريبة منه وضع دولاب الملابس يحوي ملابسه وأسراره .

أنانيته المفرطة أبقتنا بعيدين عنه نعاني شظف العيش الذي لم يتحسسه معنا نظل نبحث عن لقمة خبز جافة نثوي بها جوعنا المتمرد وسط طريق النفاذ للديمومة المتأرجحة بتواصل متقاطر مثل لحن أنية الصفيح تحت المطر .

اذا أطل العيد نرقع ثيابنا بعناية مخافة الشماتة فيما كانت أمي تخرج في الغبش لبيع الشاي عند كراج المدينة حيث الطرق الملتوية بحزن الاسفلت / تبقى تتابع بعينيها الذابلتين عيون سرقت أنوارها واخرى وقحة نظراتها مريبة , ثقوب ملونة خضراء , بنية , سوداء , وزرقاء بلون التمائم لكنها تبعث على الرعب / لا تمل من التحديق رغم أنها حامل في شهرها الخامس , لم تتوقف عن الحمل مذ وعيت على الدنيا المتشظية في عظامنا ودوائر أحلامنا التي لا تنتهي /

فحولة أبي مثار أعجاب المحيطين به , اذ ما أنفك يواعد البغايا ويناسل أمرأته باستمرار , لم تضجر من أفعاله , أراها تكتم رغبتها فيه من خلال أيماءاتها الصريحة , تفعل ذلك رغم هزالها المطوي بعباءتها الحائلة اللون , في أحد الإيام اكتشفت أبي يواعد جارتنا من نافذة غرفته وحينما رأته لم تكترث للأمر , رغم حملها والطفل الذي تحمله بين يديها لم يفطم بعد .

يئست من صبرها المتجذر مع الجوع الذي يدفها لتدب تحته مثل كائن مجهول مهووس مشدودة اليه برغبة جامحة لاتنطفىء , قررت التحدث أليها :

لماذا لا تنجبين لنا أبا غيره ؟!

ضحكت بقهقهة عالية , أمسكتني من أنفي وقالت :

كبرت .. أنظر الى شاربك , حركت الزغب النابت فوق شفتي العليا بأصابعها الخشنة فتت داخلي عالم البراءة والدهشة . في الليل تقيئت مياها لزجة , فقد نمت فحولتي بتسارع مضني . نبرات صوتي تخشن ما جعلني أتحسس صلابة أعضائي / صرت أغضب لأتفه الأسباب وأطالع الصور المعلقة على خزانة أبي / في العصر رأيت جارتنا تمد رأسها من وراء السور الواطئ الفاصل بين دارهم وشباك حجرتنا , حاولت مغازلتها ضحكت بغنج حركت جسدها المثير / أعصار حرك مسامات غرائزي وانهمر الدبق /

10

طلبت مني الصعود الى سطح منزلنا المجاور لدارهم الاضطراب وأرتعاشة أعضائي تفضح اصطكاكك أسناني سعيت أليها كالمخبول أذوب في ضجيج يطوقني ليفضح / نتوء عهر أبي /

فتحت باب الغرفة الجاثمة فوق بئر السلم , جذبتني بقوة نحو الداخل / أوصدت العتمة حواسي لم أعد أسمع سوى الفحيح /

تعرينا تحت سقف الوهن اضطجعت ملامحي تحت الوابل المستعر هلامة الموقف ترديني أصغيت السمع

/ أصوات أقدام واثقة تصعد الدرج / توقفت اللعبة الصبيانية اللزجة هبت نسمة من أسفل الباب الموصد تجمع الهواء في رئتي المحاصرة تغير طعم فمي أنطفأت الرغبة زحفت نحو ملابسي المبعثرة لأضعها على جسدي المحموم .

شاهدت أبي يقف أمامي ببدلته الكحلية رفسني بقدمه صاح غاضبا :

من أين لك هذه المهارة ؟! أضاف

انهض وابحث لأمك الجائعة رغيف خبز تسد به جوعها

انقطعت أنفاسي لملمت / بقايا أفعالي / هبطت مذعورا منه عند استدارة السلم لمحته يفك أزرار قميصه سمعته يقول لها :

سئمت هذا الولد فمنذ أن بلغ سبقني لجميع البغايا

11

ذات الرايات

انسحبت بجسدها الممتلئ وقوامها القصير منكمشة نحو نافذة السيارة أخرجت(كيس الكرزات ) كسرت اللب تحت أسنانها ( قطعت أسراب اللاشيء بوعي مبهم )

ظلت تحدق بالبنايات والمارة داخلها يتمطى الغضب – تمارس عدوانية مفرطة توقفت السيارة صعد شاب بدا لها وسيما بلحيته الخفيفة عصرت في جوفها حبات الاكتراث تبادلا نظرات خاطفة عطر اللاوعي يضمخ الفجيعة حين تستحيل خانات الخلوة رمادا تذروه الرياح على امتداد البصر الخابي في محجر العيون الوقحة

استسلمت لنظراته الصمت نافورة السكون صاح السائق بغضب :

باب الشرقي على النهضة ..

الشمس تطبع بصماتها على الشوارع الفسيحة تمتد لتستقر فوق قميصها الموشى بحروف صينية فوق الجيب المتشبث بنهدها المكتنز يفك طلاسم جوع قديم ليشي النزق حين ينهار تحت وطء الحاجة الملحة .

تهتز السيارة لما تتغير سرعتها مال جسديهما إلى الوراء حرك كوعه لامس خاصرتها استشعر سخونة الجسد ينوء ثقل الخواء انفجرت المعالم ضاعت التضاريس تسرب الوجع بين الأضلاع لينبىء عن نفاذ الصبر .

أعادت لحظة ماضية خابت أمالها من أخر وصال مع الزوج بقت حائرة ساحت ذروة الانفعال – ألقت الربطة – بان شعرها تحت وهج الشمس لون الحناء يدمي كتفيها رعشة تسري في كيانها .

عض الشاب شفتيه من الوله تطلع السائق في المرآة أدار زر المذياع صدحت أغنية بإلحان صاخبة ظل بتابعها بنظراته

هدأ محرك السيارة صعدت طالبة جامعية ملابسها الضيقة تفضح حدود الجسد الذاوي جلست قبالتهم وضعت على ساقيها النحيلتين محفظة الكتب أخرجت جهاز الموبايل اعتدلت بجلستها راحت تتحدث :

…………………………………………

…………………………………………..

خابت امالهما فكرت المرآة بزوجها الذي عافته تجرجر أفكارها في فضاءات العدم الزوج الثاني مل عشرتها كابدت مشقة التأرجح بين مدن خاضت مع ناسها لقمة الحرام ..

ترك الشاب يده تنزلق أسفل بطنها مس أعلى الفخذ انتبهت الطالبة أبعد يده مالت المرأة نحوه بعد أن رمقت الفتاة الجامعية بنظرة حادة .

12

تطلعت إلى وجهه ركزت نظرها على شعرات لحيته سألته:

ماذا تعمل ؟

استدار شاهد عينيها الواسعتين يطوقهما الكحل لاح في وميضهما انكسار وتحت الجفن الأسفل انتفاخ من سهاد مضني

مدرس تأريخ

توقفت الطالبة عن حديثها ابتسمت لهما بتودد عادت المرأة الحانقة / تقضم حبات الكرزات /

ساد بينهم صمتا مطبق

السيارة تصعد جسرا يؤدي إلى خط المرور السريع تتصاعد السخونة من هيكل السيارة السائق يشتم سائقا عاكسه في السير

حاول الشاب تذكر صورة ما .. قفزت في ذهنه صورة هلامية عن امرأة تغوص بأقدام تعرت من فرط التجشم .

في الكراج تفرقوا فيما بقي السائق يستمع لأغانيه الهابطة مع ذات الرايات ..

13

رداء الأفاعي

وقفت أمام باب الحجرة ظلت تنظر باتجاهي حيث اضطجعت فوق السرير ما زالت غاضبة من الشجار.. قالت بصوت جاف:

ـ هل أعد لك العشاء ؟

أشحت وجهي نحو النافذة يشتد ألمي من البرد تتكور المدينة تحت الليل الهابط عنوة الغرفة الضاجة بضوء المصباح الزيتي تئن بصمت الخزانة المعتمة تقبع بمواجهة السرير.

شعرت بالاختناق حاولت فك الأزرار كانت مطبقة على شعر صدري الكثيف كأنها تشبثت بأضلاعي. جسدي يتحلل في أنفاق مظلمة لم يكن سهلا خلع القميص بقيت دهرا أحمله على كتفي، أنوء بثقله يتحور داخلي زواحف منقرضة تبعث من جديد.

في منتصف الليل حين يسكن الدبيب وتهدأ النبضات أستشعر به قد تعب من الترسب بالدواخل الداكنة يتحدث معي بشجن مفجع عن العناد المؤلم الذي يؤدي للتقاتل ثـأر الدم المسفوح القمصان المخضبة بالدماء قرقعة السيوف صهيل الجياد حروب لن تتوقف نيازك تهبط في أفاق قاحلة تمائم عجائز تستعيد طلاء الخرز الملونة. تحسست الزر الأعلى القريب من رقبتي تململ من مكانه أنزاح إلى الخلف انفرجت الياقة قليلا تنفست بعمق من جميع مساماتي..

في الصباح يستيقظ النهار على الربيع ينحسر البرد من مفاصلي تدخل المرآة بأنفاسها الغاضبة في جو الغرفة المشحون تطلب مني استبدال قميصي الذي أرتديه أرفض بحشرجة متقطعة من حنجرتي اليابسة تمضي إلى الدولاب تفتح بابه بصرير موجع تأخذ حزمة ملابس ترجع دون أن تلتفت نحو السرير.

احتجزت الذاكرة لعوالم الطيف المبنية في وهاد القرى المترسخة عند حدود الأراضي الممتلئة أزاهير في الموسم المتفجر بالضوء تذهب جارتنا بحثا عن أردية الأفاعي بين الإعشاب والأشواك الممتدة في مساحات مترامية بلا انحسار تجمع كمية منها تعود لتجففها تحت الشمس تضع الخليط مع عجينة الحناء ثم تبيعه للصبايا المتباهيات بشعرهن المنسرح الطويل.

عانيت كثيرا من الأزرار المطبقة على عظام صدري أهتز جسدي بقوة كأن سائل صمغيا يقاوم ترسب أعضائي ألم لا يطاق يقطع أوصال الهيكل الممتد فوق السرير بكيت بشدة شاهدت أمي تصرخ بألم أبي ينتشلني من المهد محاطا بالتمائم القمر في المحاق غيوم سوداء تدفعها الريح. سكون غريب يغطي المنزل فقد رحلت المرآة لم تبق ألا العتمة والصراصير تبحث عن الديدان.

14

انفتحت الأزرار بان صدري وبطني العاريين القميص ينسل عن كتفي يفارقني إلى الخارج شعرت بالضيق لفقده تختلط الألوان في عيني أستنشق رائحة مبهمة تكتنف المكان دبيب سرى بين أضلاعي وأحتوى خاصرتي أفزع مما يطرأ..

تطلعت في المرآة ملامح وجهي تغيرت .. فقد استطال راسي جحظت عيناي فيما أخذ فكي يتوسع بشراهة صرت أتلوى مثل افعوان.

نما جلد الأفعى على أحشائي بسرعة غاص في جوفي جوع قديم فغرت فمي إلى أقصاه راودتني رغبة عارمة في الانقضاض على الجرذان المذعورة أحسبها وليمة جيدة.

فكرت في الذهاب وراء الرداء الذي عافني زاحفا أتحسس ندى الأرض الرطبة أتلمس التراب الهش تحت حراشفي.

مرقت من فتحة الباب ظلام دامس يطبق على الأرجاء تهيأت لإطلاق صرختي الأولى مضيت مبتعدا نحو الحقول نجوم بعيدة تومض بحياء استدرت مصغيا السمع لم أكن أسمع حولي ألا.. فحيح.

15

سلالة الخشب

بقيت دهرا أتطلع أليهم أراهم يتقاتلون لأجلي لم أدرك أن لي ميزة متفردة تجعلهم ينفقون الغالي والنفيس للاستحواذ علي

سمعت من أبي عن جده , أخبرنا :

كان جده السابع عشر مع الخليفة العباسي حينما خاطب أبنه :

( الملك عقيم لو انك نازعتني على هذا .. ) أشار نحو جدي :

لقطعت الذي فيه عينيك

عجبت نحن الآن كثر نتوزع في البيوت والمقاهي وأحيانا يتم وضعنا في سرادق بشكل متراص

يأتي الناس أفواجا نتحسس مؤخراتهم يبقون بعد ألقاء ثقل أجسادهم علينا يشعرون براحة كبيرة واسترخاء أنها عملية مقبولة لديهم الجميع يفعل ذلك الصغار الكبار النساء والرجال .

مثلما الناس مقامات نحن أيضا لدينا مقامات وأشكال هندسية مختلفة تحدد سلالتنا . حدثت لدينا طفرات وراثية أدت إلى تغيير مثير فخرجت قوالب بلاستيكية تتوالد بلا انقطاع لكني أحمد الرب كوني من سلالة لها تأريخ معروف

استطاع البعض من أقاربي تأسيس منبرا له تبرقع بقماش أخضر تتبارك الناس بحواشيه صارت لهم قدسية نحسدهم عليها .

سمعت أخيرا أن مشاكلهم عديدة لأسباب مختلفة نبقى نحن في منأى عنها لان الصراع حولنا لا يوازيه شيء أخر .

غالبا ما أشاهد في الأفلام المصرية ممثلين يتشاجرون بالكراسي يعمدوا لتحطيمها كان منظرا مؤلما وحزينا ما يجري لأبناء جلدتي .

هذه الأيام اختلفت الموازين لم يعد أحد يأبه لمعاناة أخيه الكل غارق بهمه الخاص أتذكر بعد وضعي في صالة وثيرة جوار بار لشرب الخمر أشاهد عند الأمسيات القاعة تكتظ بأصناف مختلفة من الرجال المتأنقين منهم من أرتدى بزة القتال نساء يفوح منهن عطر فواح أخريات ارتدين ملابس عسكرية أيضا رائحة الخمر تنتشر في الأجواء , الموسيقى الصاخبة تشعرني بالدوار .

الوضع يوحي بالثقة المرح يتطاير فوقي , القبلات المتسرعة تتم مع المواعيد برطانة لم أعهدها من قبل .

كأنهم أتوا من سديم بعيد لم نتعرف عليه بعد لكن أقسى ما أعانيه عندما يندلق الخمر على جسدي أو تسكر أحداهن لا تسيطر على اضطراب معدتها فيندفع القيء نحوي .

16

في الفترة الأخيرة جاء أحدهم ووضع حذائه على ظهري ليشد ( ألقيطان ) حزنت وتألمت كثيرا في صباح يوم لا أنساه حضر رجل طويل القامة حليق اللحية والشارب قال لشخصين يتبعاه بذات الرطانة التي لا أفهمها :

أشار باتجاهي عرفت أنه يقصد ني

قلت محدثا نفسي :

لابد أنه رأى تأثري الشديد فقرر نقلي إلى مكان جديد لكني فوجئت بظلمة الغرفة المهجورة التي صارت مأواي أنها تنضح بالرطوبة لاشيء فيها يوحي بالألفة حتى في هذه الخلوة لم أتخلص من المتطفلين .

يحضر المزيد منهم أراهم مذهولين يتحدثون عني بتعجب أحيانا بأسف المحهم من خلال فتحة الباب يروحون يجيئون ذات مرة دلف الحجرة رجلين يتحدثان ( بالعربية ) أشار أحدهم قائلا :

هذا الكرسي من سلالة الخشب المعروفة

جلس الثاني أفرد يديه كأنه يريد الطيران طلب من صاحبه التقاط صورة فوتوغرافية تحسست مؤخرته بهدوء أطلق بوجهي صوت مزعج بعدها شممت رائحة كريهة .

ضحك المتطفلان بصوت عالي مضيا بعدها نحو الباب سمعتهما يقولان بعد أن استدارا باتجاهي :

هذا هو الكرسي الرئاسي

17

صدى العصي

داهمني الخوف ارتعاش ساقي يفضح ضعفي الرهبة تمد خيطا رفيعا يفصلنا عن الرحيل أوالبقاء في آتون البؤس .. بقيت مطرقا بصمت وذهول

تطلعت بوجه أخي شاهدت دموعه تنحدر على وجنتيه تبلل لحيته .. سمعته يتلو آيات قرآنية بثبات.. وجهه رائق بصفاء روحي يفيض عليه بعيدا عن الاستلاب والخواء المتمترس في الأرجاء..

أخرجنا من قفص الاتهام بشدة تجمعنا وسط قاعة فسيحة تحوي جنود مدججين ومساطب خشبية بلا طلاء الجدران عارية الامن صورة الرئيس .. انتبهت لمدى المأساة التي حلت بنا فيما بقي صوت أحدهم يجهش بالبكاء بصوت عال ..أولئك المحيطين بنا بدو مبتهجين راح أحدهم يستهين بنا ضاحكا:

خونة .. تظنون أنكم أبطال ..

تابع بنشوة غريبة في التشفي دفعنا نحو سيارة السجن المتوقفة امام البوابة الحديدية بلونها الكاكي . الشمس تعكس اشعتها على البناية الرابضة بصرامة مضجرة الاشجار المزروعة بين المبنى والسياج الخارجي تجفل تحت وهن مضطرب لااعرف له معنى سوى الخراب يتأكل في جوفي .. سمعت صوتا يصرخ:

أسرعوا أولاد ..

أراد العسكري المتهور أنهاء عمله باستخدام ألفاظ نابية يبدو أنه أدمن عليها استهتار واضح بمشاعرنا المنهارة .. بعد رحلة لم تستمر طويلا في ظلام العجلة الصندوقية المحكمة الاغلاق

جمعنا في رواق طويل كلمات الجلاد ترن في رأسي المثقل بينما صورة وجه شقيقي الذي فارقني لحظة دخولنا البناية الكئيبة لم تغادر مخيلتي كان يومىء لي بأشارات لاأفهمها ربما وقع الصدمة أفقدني التركيز..

زج بنا في معتقل مزدحم ليس فيه مكان يسع جسدي الناحل اضطررت بعدها الجلوس وسط السجن مع الكم الهائل من المعتقلين المتكدسين بلا شفقة

أيقنت أن رحلة المعاناة بدأت بدون هوادة تحدثت مع نفسي ( لابد من التكيف للواقع المرير ربما لسنوات لاأعرف مداها , أوقد تنتهي رحلة العمر قبل أن تنقضي .. )

فكرت/ قد أكون انتهيت من جلسات التعذيب والصراخ المستمر من روائح الأعضاء المحترقة جراء الحوامض التي تسكب على أجسادنا .. لكن حتما هناك معاناة من نوع اخر تترسخ وسط المتاهة التي ترسم خطاها في كل منعطف ..

تابعت بنظرات منكسرة السحن المحيطة بي لم أكن مطمئنا لأحد وسط هذا القلق المفرط اشتقت لرؤية أخي الذي اختفى ربما إلى الأبد .

18

ذرفت الدموع شعرت بالد بق يكسو جسدي الذاوي رائحة العفونة تملء الفضاء الموحش جعلتني أغرق في حزن سرمدي وتوق للنفاذ ..

أقترب أحدهم مني في عينيه التماعة حادة الشيب كسى لحيته خاطبني بعبارات ودودة :

هل الأخ جاء منقولا من زنزانة , أم ماذا ..؟

كلا .. محكوم بالمؤبد ..

مسكين

تابع حديثه أصابعه تعبث بلحيته :

غداً سيرسلون في طلبك سيتم طرح أسئلة مبهمة حاول تجنبها بذكاء

أصغيت أليه باهتمام واضح .. لكسره حاجز الرعب الذي انتابني شعرت به صاحب خبرة في عالم السجون سألته مستفهما :

كيف أحاول الإجابة كما قلت بذكاء ؟!

حدق في عيني/حدقته المخبولة تتقافز فيها صور لاحصر لها / أضاف مسترسلا :

أذا سألوك هل تحب المشمش .. أجبهم : لاأحب المشمش بل أحب نواتها ..

أردف قائلا : هل فهمت ؟!

ما زال عمودي الفقري محنيا من كثرة الجلوس دون أن اتكأ على شيء يسعف ظهري أو حتى التمدد على الأرض المكتظة بالأجساد ..!

رحت امضغ حديث الرجل المبهم .. ترى ما يقصد من كلامه معي ..؟ تابعته عائدا لمكانه في الزاوية البعيدة لاحظت احترام السجناء له يبدو انه يفرض شخصيته على البقية

تأرجحت صور مبعثرة في ذاكرتي المتعبة عن الليالي التي أقضيها ساهرا لاقتناص لحظة معينة أستطيع فيها الخروج مع أخي لنخط الشعارات المناوئة على حيطان الحي .. في الصباح نرى ردة الفعل البادية على وجوه المارة رعب ازلام السلطة تشنجهم عصبيتهم الواضحة يكيلون السباب لمن فعل ذلك يمسحون كتاباتنا بالاصباغ ..

لم أفكرفي الهروب كنت مصرا على المضي لنهاية الشوط .. في المقابل كانوا أكثر أصرارا على مطاردتنا بدون تراجع وعزيمة لاتعرف الكلل ..

زمن طويل من التحدي اللذيذ كنا نسافر معا إلى مدن بدت لي مجهولة وأسماء لم أتعرف عليها بسهولة لكنها تتقاسم الهم معنا كرغيف الخبز تعرفنا على أسماء سرية كثيرة كلمات سر أصبحت جوازات عبور نحو الممنوع ..

19

شيقة تلك الأيام مكتنزة بالحوادث حلوة رغم مرارتها تبقى محفورة في جدران الذاكرة رغم المعاناة ..

انتبهت للموقف المتأجج الصراخ يعلو بهذيان ينزف سطوة الآخرين بدت واضحة المعالم في سلوكهم ليبدو مثل قاطرة ضخمة تسحب بقايا أناس تركوا خلف الشمس بلا رحمة .

بدأت آلف المكان والناس المحشورين فيه .. حتى أصبحت جزءا من الحركة البطيئة للعبادات المستمرة والأحاديث الدينية المتواصلة .. أنها تنسيني معاناتي والضغوط النفسية جراء العيش وراء أسوار العتمة ..

اكتشفت نسيج الحركة التي تتغلغل في الموقف ( يحيى ) يدير المجموعة بإشارة منه الأمور تسير وفق ما يريد ..

يجلسون على شكل حلقات ليتحدثوا بهمس مريب ينهضوا لصلاة الفجر بنشاط واضح جوا من النقاء وسط الركام المتشبث .. بعد فترة لم أستطيع تقديرها أخبرني أحدهم :

مبروك .. قررنا أدخالك معنا ..

لم أفهم عبارته كنت منشغلا ببعض حاجياتي قال ذلك ومضى مبتعدا عني نبعت داخلي تساؤلات عديدة .. لكني فهمت أنهم أطمأنوا لمكوثي معهم أرادوني عنصرا يستطيعون الوثوق به ..

لم أهضم علاقتهم فقد كان خضوعهم المطلق ل( يحيى ) يبدو ساذجا من تقبيلهم يده كل صباح بينما يقف مزهوا وسط القاعة كأنه صنم ..

ثقوب روحي تتسع كهوة ثوب با ل , من نافذة الوهم , رأيت جداول عذاباتي تمتد على مساحات ,التأرجح المتأزم , بين ما يواجهني من أحباط , طقوسهم الشديدة الوطئة , حين أخبرني عريفهم :

عليك بتحقير نفسك

قلت مستفهما : كيف .. ؟!

أشار بيده نحو المرحاض قائلا :

اذهب الى هناك وضع بعض الفضلات على وجهك .!

صعقني الطلب أنه نوع من الجنون صيغة من صيغ الإذلال المقيت .. أشمئزت نفسي لم أعد أطيق البقاء معهم أزاء إصرارهم في الجو المشحون برعاف لايتوقف هلوسة لاتنتهي

أدرك أن ضغط السجن يجعل من نزلائه أكثر كآبة و يأساً من الحصول على الخلاص .. لم أع أن الانحراف يصل لهذا المدى .. واجهتهم بعدم الإذعان لأوامرهم .. اصطدموا بعنادي ما أشعل الشجار بيننا ..

نقلت الى عنبر أخر بعد حجزي انفراديا وفي الردهة الجديدة كان المكان نظيفا بطريقة غريبة أستوقفني رجل في الخمسينات من العمر .. قصير القامة تعلو قسمات وجهه علامات تنم عن طيبة مع دماثة خلق عال لا يتوانى من أداء أي عمل

20

لمرات عديدة كان يغسل ملابسي رغم عدم قبولي يصر بتوسل مخجل أستسلم لطلبه .. رغم شعوري بالخجل الشديد ..

أراه في الليل يستمر بصلاة لا تنقطع حتى الهزيع الأخير .. كسب احترام الجميع بتواضعه الجم .. ثقتهم بمقدرته كسبت رضاهم .. كان بمثابة لولب يجمع الكل حوله من خلال أحاديثه المستمرة وثقافته الواسعة ..

يحمل صفات جميلة زاده الشيب وقارا .. في صباح يوم غابت ملامحه رأيت أخر القاعة ستارة من شراشف النزلاء متدلية أشبه بخيمة وقف أمامها رجلين للحراسة ..

تطلعت في عيني زميلي المجاور لعلي أعثر الإجابة على ما أرى أستغرب الحدث مثلي .. تقدمنا نحو الرجلين القابعين أمام الستارة لنعرف ما يدور.. أجاب أحدهم

الرجل الخمسيني في خلوة مع ربه ..

من يصدق الخرافة لابد من القناعة بها .. ليعرف أهمية ما يعمل .. حدثت نفسي ,وتطلعت لما يجري أمامي , أنها أسطورة قادمة من عالم خرافي لتحاك في رأس واهن من الإحساس بالمهانة ..

انحطاط تفكيره سيجعله يخرج علينا ببدعة تمليها عليه حالته النفسية المتعبة فالسلوك الشاذ يبدو مألوفا لوقع المعاناة ..

سمعت نحيبه يتصاعد ببطء ثم يشتد وسط صمت السجناء لم نكن نسمع سوى بكاؤه .. ظل ينشج لفترة طويلة قام بعدها للصلاة بصوت عال ..

استمر على المنوال عدة أسابيع بقيت معي مجموعة صغيرة نتابع المشهد المثير للجدل أعتقد نا مثل هذه الأمور عادية جراء الحجر والمعاملة القاسية مع الشعور بالمهانة يولد إفرازات تطفو على السلوك للتعبير عن حجم الاضطرابات التي يعيشها المعتقلون ..

ازداد ضجيج الرجل الخمسيني صلواته بدا أنها لاتنتهي أبدا ..

كان يستمر بالحديث في خلواته بصوت واضح وجلي عن الخلاص الذي لابد له من المجيء .. يصرح بقرب قيام الساعة ..وأنه الرجل الموعود للقيام بالمهمة الإلهية

في ظهيرة قائضة أرتفع صراخ الرجال المحيطين به .. بتكبيرات تهاليل صلوات مجلجلة الرجل الخمسيني ويصرحون أضحى المنقذ..!

ساد ارتباك مفزع أيقنت أنه بدء تصدير الجنون في قاعة هوى عليها الفزع المخيف بعضهم أعلن قناعته ليسري شعور مفعم بالريبة التي ستقودهم للهاوية المحققة

21

عزمت على مواجهة التخبط بعنف يجعل المخبول يصحو ليعرف خطأ مسعاه .. تحركت مع مجموعة صغيرة نحمل عصي غليظة خبأناها لحسم الانحراف الذي يدك أطنابه في الفناء المكتظ الموحش من الغربة والخوف حين تهاوت العصي على جسده ..

صرخ مستغيثاً .. لم يشفع صراخه حتى يعلن توبته .. إزاء تخلي المحيطين به بعدما رأوا إصرارنا بالضرب المتتابع .. صاح المعتوه قافزاً وسط القاعة

التوبة .. التوبة كنت أكذب ..

وسط ذهول دهشة الصدمة البادية على الوجوه البليدة من فرط الانحطاط الذي يأسر تفكيرهم .. لم يبق سوى الرجل الخمسيني ممدداً يتلوى من فرط الألم الموجع وصدى صوت العصي يرن وهي تلقى على الأرض..

22

الخنزير

كنت أسمع جدي ينادي أبي يأمره :

اذهب وأطفأ الخنزيرة ..

يمضي أبي ممتثلاً يعود متأخراً بعد صلاة العشاء يسأله :

هل أطفأتها ..؟

يهز رأسه بالإيجاب يمضي بعدها الى حجرته .. عندما كبرت تم سوقي لخدمة العلم في معسكرات التدريب المضنية شعرت بغربة مفجعة بدا الفتور يعتريني لم أعد أرغب بالخروج الى ساحة العرضات في أحدى المرات تأخرت عن التعداد الصباحي نهرني الضابط قائلا :- لماذا تأخرت يا خنزير .. ؟!

ساح الغضب في أنحاء جسدي المتبرم حين رجعت الى القاعة تمددت على (اليطغ) كنت ما أزال مضطربا من تعنيف الضابط ..

تنساب الأحلام لتراودني بصور شتى .. تهتز في هلام ذاكرتي تنفتح فجوة الذاكرة يأخذني أبي معه الى حقل قصب الذرة الذي يقف متطاولا في الأرجاء نمضي معا وسط السيقان المتنامية على كتف ترابي تظهر فجأة بين النبات المتشابك فسحة أرض عارية من الزرع انتصبت فيها ماكينة صغيرة خضراء اللون يمتد منها ذراعا يغور باطن الأرض فيما الماء يتدفق بغزارة من الفتحة العلوية المنصوبة فوقها

سمعت أبي يقول : – لنطفأ الخنزيرة ..

سحب عتلة في الجانب الأيمن منها هدأت المضخة توقف الضجيج وانقطع الماء من فمها المفتوح دوما

بعدها سمعنا خشخشة سيقان القصب صاح أبي وهو يهرول نحو الجهة المقابلة باتجاه الصوت الصادر قائلا :

انه خنزير

سمعته مرة أخرى يقول : – أنه صغير لابد أنه ظل طريقه ..

لونه بلون التراب حجم رأسه لا يوازي بدنه له ذنب صغير كأنه منشة جدتي المصنوعة من الخرق البالية تستخدمها في طرد الذباب وقت النوم

رأيت فتحتي أنفه الواسعتين وبوزه الذي بدا كأنه قالب حلوى.. بقي أبي يحمله بحذر بين فترة وأخرى يضغط على خاصرتيه فيطلق اصواتا مضحكة من مؤخرته .. حينما دخلنا البيت حدثت جلبة في الفناء رفع جدي رأسه من سجادة الصلاة وأمر بحزم : – أخرجه من الدار وأستطرد

23

ما هذه النجاسة .. ؟!

كان الصبية ينظرون أليه بدهشة مفزعة وهو يخور بكى الصغار نهض الجد القى الحيوان خارج الدار .. رجع يتحدث بصوت مسموع :

نجاسة هذا الحيوان تنبع من أنه لا يرفع رأسه الى السماء , وأنه ديوث لا غيرة له ..

صوت صافرة يشق سمعي فتحت عيني بصعوبة أشعة الشمس تطل من الشباك المقابل لفراشي لاحظت القاعة خالية من الجنود لم يكن سوى العريف يقف الى جوار الضابط وهو يطلق صفارته كأنه في ملعب كرة

لمحت منخري العريف لم أدر لم قفز الى ذهني , مشهد أنف الخنزير كانا بنفس الاتساع .. هكذا حدثت نفسي أحسست بنجاسة المكان ثم شاهدت الضابط وقد تدلى رأسه على صدره , قلت في سري لابد أنه لايرفع رأسه الى السماء ..

هكذا كنت أفكر , فيما راحا يملاءان القاعة بالصراخ والوعيد .. تركتهما ومضيت الى بيت الخلاء , لحقني العريف , دخل في أول مرافق صادفته سمعته يصدر اصواتا سمعتها قبل ألان في حقل القصب , حين كان والدي يضغط على خصري الخنزير ..

فتحت فجوة رأسي فاندلقت الذكريات متسارعة , تتدحرج بلا توقف .. لتملي فضاءات تتمايل بحثا عن صورة افتقدتها لما تطوي السنون تجاعيدها

بعيدا عن الخنازير حياتي تمتلئ ألفة .. أفكر في المضي حيث ملعب الصبا نتقافز بمرح وحبور ..

ترى هل بقي وقتا آخر للعب ..؟ هل ما زالت عقارب الساعة متوقفة تبحث عن يد حانية تدفعها للحركة . أم إن الجمود يتسرب في معطف غابات الأحلام .. ليلثم خد الأراجيح المتروكة مع غبار النسيان ..

صارخة أتت من بين سيقان القصب أرى أختي بظفيرتيها المتطايرتين تهرع نحوي :

خنزيرة كبيرة تبحث عن خنزير صغير ..

ينتابنا الهلع , اصرخ فيها :

لاتقف إمامها استديري جانبا , أختبئ خلف خنزيرة الماء

ظل الخوار يتصاعد صوت الماكنة لايتوقف , هذيان يحمل أوصالنا المرتجفة , خوفا من المفاجئة ..

تظل ألام تبحث عن وليدها المفقود بلونه المشابه لحصيرة السعف التي نسجتها امي .. نبقى وسط الذهول نصرخ :

من يخبر الحيوان الهائج , لا شأن لنا بما يجري .. ؟ لكنه حيوان أبكم .. لايعي ما نقول ..

24

المربعات

وضعت في الزاوية العليا أخر مسمار، علقت عليه قطعة القماش الممتدة على طول حائط الغرفة، ساح لون أبيض من النافذة المطلة بزجاجها المتسخ نحو الواجهة الامامية الى الباب الموارب

تأملت الجدار مكسو بالنسيج سحبت السلم الذي أحضرته لأجل المهمة صعدت عليه شرعت بوضع الخطوط المستقيمة رجعت بتأن للخلف ..

هرشت راسي بأصابعي الملطخة بالوان الطلاء الداكنة بحثت عن فكرة توصلني للهاجس المرسوم في مخيلتي ..

رسمت صورة الشمس في المربع الاول القريب من الباب المفتوح الشمس ترسل اشعتها نحو الافق، حيث الشباك القابع تحت الضوء المنهمر بلا انقطاع توهجه يسلب العصافير طمأنينتها حين تأوي الى النخلة المتشبثة بين سيقان الكروم.

تتمرى اللوحة داخلي هلام يحوي أفكاري .. صور الوان الطيف تمزق شبكة الوهم تسحب مع الوهج المتنامي سلاسل ذكريات واقع اليم ..

عصف مستمر يتساءل عن احمرار جفني؟

تصبح الفكرة لوحة واللوحة سهاد طويل يختصر الامسيات .. يتبعه هزال بدني الموجوع من سر الافق المحصور بين المربعات المرسومة بعناية على الشاشة البيضاء ..

في المربع الذي يقع تحت قرص الشمس المنيرة ترأت لي خالتي الجميلة وعشاقها صور منثالة ببريق يخطف عشاق بابعاد ًصامتة .. فقدت اول عشاقها عام النكبة .. كان ملاذها المفقود .. لكنها لم تستسلم للحزن..

أبتعدت عنه بقوة، صادقت عشيقا أخر أنزوى عنها عام النكسة .. حزينا مثل شوكة برية بلا أمل يحدو اليه .. يلوك الحكايات للأشباح الجاثمة على قبره المهجور

عادت باصرار تبحث عن عشاقها لكنها تفقدهم باستمرار لتختفي وراء الالوان .. ولم يعد يسمع منها غير النحيب..

يزحف الضوء نحو المربع المجاور تبرز عمتي العجفاء .. تعيش بين الغيلان تجمع الجماجم .. تصنع منها أكوما لتجفف الامل ..

تملك سحنة بلا ملامح محددة وجهها يتلون في كل اوقات اليوم والليلة عند الصباح تكون مبتهجة .. في الظهيرة تمسك راسها وتصيح متألمة بوجع:

(بخار معدتي يتصاعد يملأ دماغي.. أه لو استفرغت)

25

أثناء الغروب تذبل مثل فاكهة نضجت على الاغصان بدون قطاف حينما يحل الليل تسحب الاصباغ معها لتتقيأ عظام الموتى..

أهجع مع أمي بسكون في المربع الذي يليها تختصرنا المخاوف والظنون .. نبحث عن منفذ يبعدنا عن غيلان عمتي تمضي بحذر شديد صوب شرفة منارة لكن سياط الظلام تعمي لمعان الضوء نبقى معلقين في فضاء موحش كذرات غبار نحلم بتدفق الالوان على أجسادنا الطافحة ..

فأرى أبي، فارع الطول النجمات تلهث على كتفيه يرفض الحروب يعبر الضفة الاخرى تلاحقه حرائق غابات النخيل تمتد أيادي مظلمة تسقط من كتفيه النجوم.

أسمع نباح كلاب يطلق الرصاص يترنح أبي أنادي أمي أراها تجثو على ركبتيها تتوسل عمتي المستغرقة في مقعدها تطوي ساقيها مشيحة وجهها نحو خالتي.

تستيقظ يدي العارية تطوح بالفرشاة أقف في حضرة الفجر أمسح ندبة الخوف أخدود عميق يحفر ذاكرتي يتلاطم على ضفتي عقلي وخيالي أنتهي في المربع الاخير صوتا ينحدر بصخب، تتجلى فيه مداهمات مستمرة تستلب ضفة العقل الشمس تشرق لكني لا أرَ الاشياء

يتكرر التكوين في اللوحة تزحف الالوان نحو النافذة تختلط الاحاسيس عندي احاول رسم وجه أبي مكتملا متناسقا أعيد ترتيب بيتي، خالتي لا تعف .. عمتي تزداد شراسة .. تخطف الاطفال تبقر بطون الحوامل..

أركب غيمة الخيال .. يطوف رأسي في عالم الوهم بلا قرار .. ويسكنني الفزع.

26

مواسم الحروب

أحسست به يتأوه أمسكت رأسه البارد لم يشأ التحدث معي تركته ومضيت نحو الباب الموارب , خاطبني :

لماذا نهضت باكرا ؟

شبعت نوما

ضحك مستهزأ وأجاب :

ما زا ل أمامك رقاد طويل

في الليل حين رجعت شاهدته مزويا عند ركن الغرفة , تمددت على ظهري استيقظ راح يقلبني على جمر الأحلام الممنوعة جاست معتدلا استغفرت ربي , عدت للنوم ثانية جاءني طوق أفكاري المزدحمة في مجرى أيامي نطق :

ألم اقل أنك لا تستطيع البعاد عني

في الهزيع الأخير من الليلة التي لا تنتهي , دس قضبانه في حشية الفراش يتلصص على أنفاسي تكلم بصوت مسموع قائلا :

أنا السلطان الذي يمنحك الراحة فكر لو انك اضطجعت على الأرض ماذا سيحصل لأعضاء جسدك المنهار تحت وابل العبء اليومي لكني لا أعطيك ما تريد , حتى تجعلني خازن أسرارك .

أشحت وجهي عنه لم تكن لدي رغبة في التحدث فجأة أنتفض استطالت قوائمه الحديدية

هزني بعنف ثم ألقاني على البلاط , متذمرا :

في النهار تسعى بلا أمل وحين تأوي إلي تتبرم : – من جاء بي إلى المكان الموبوء ؟

كنت أعيش في المعسكرات البعيدة حيث الجميع يتناوب على احترامي وطلاء جسدي يتكرر بين فترة وأخرى أضاف بحسرة :

لقد كنت عزيزا

يعدها حدث زلزال ضرب المدينة هاجت الناس حملوني إلى أكواخهم لم أكن سعيدا معهم يتحدثون طوال الليل عن سرقاتهم يسمونها ( حواسم ) يبقون جالسين على قفاي دخان سكائرهم يملا الجو أشعر بالاختناق من ثقل أجسادهم دوائر الدخان ما انفكت تتراكم طبقات على الطلاء الندي

سحب قوائمه للداخل هبط على الأرضية بمواجهتي تكلم بنبرة ساخرة :

27

بعدها أخذوني لشارع رئيسي مزدحم وضعوني وسط الطريق شعرت بالدوار من أبواق السيارات وعوادم المحركات

حياة تبعث على القرف بعدها أتيت أنت حملتني على قفاك المحدودب وأنفاسك المتقطعة لتضعني في زاوية تداعياتك المستمرة لأبدو مثل ( الخروب ) وحيدا بلا أصدقاء يواسوني .

نهضت حاولت سحب قوائمه إلى الأمام , لكنه أبى , عاملني بعناد , أخرق قلت :

انهض

وبنبرة متوسلة : أرجوك أريد النوم

ضحك مستلقيا على بطنه , قال بعد إن رمقني :

إلى متى يبقى خمولك الأبدي ؟ مستشريا في أوصالك , أراك في أحلامك , تمضي جذلا , وتقول أننا أصحاب حضارة عريقة

احتجت القول :

هل كنت تتجسس على أحلامي ؟

أبدا لقد كنت تتحدث في نومك أضاف :

انك في النهار صامت وفي الليل مهذار أوجعت رأسي من كثرة كلامك ..

حاولت رفع الفراش الملقي بإهمال لأعيده مكانه شاهدت ( هارون الرشيد ) أمامي متكئا على وسادة وثيرة حوله العسس أمامه الجواري والقيان عيناه مملوئتان حبورا جارية رومية تنثني بين يديه .

أردت سؤاله : هل هو الذي خاطب الغيمة الماطرة :

( أمطري فأينما تمطرين خراجك لي )

قبل أن اسأله , تركني ومضى , ناديت في الظلام : ياجدي .. ياجدي , يا مولاي يا هارون الرشيد , تعال وانظر فخراجنا يذهب لجيوب البيزنطية أرجوك أرجع

قفزت قوائم السرير المستلقي باستقامة رفعت الفراش فوقه سمعته يقول :

لاتحزن .. اقتل حزنك بالنوم

في المنام رأيت ( عبدا لله ) أخر ملوك الطوائف يبكي اقتربت منه أمه تقف جواره تؤنبه قائلة :

28

ابكي مثل النساء , على ملك أضعته

سألته : كيف أضعت الملك , هل هو كرة قدم ؟

صرخت العجوز في وجهي عاد الليل يرسم خطوطه المظلمة على بريق العيون الخابية من الضجر . تساءلت :

من يعيد الملك وقد أضاعه عبدالله ؟ !

29

اللوحة والمسمار

أعطتني ألوانها اشرأبت في قميصي , أصباغ متناثرة .. مابين صورة الجواد الجامح والاشجار المتناسقة خلفه خطوط تمتد بين الوان وظلال معتمة في الفسحة البيضاء أسترخت ظنون الوهم في خاصرة الجدار صمتت لم تعد تكلمني ..

لم تنفع الايماءات بيننا فقد تسرب من الحائط همس السكون .. أغلق لغة الحوار تسكن اللوحة أمامي تجاورني أنها رفيقة ساعاتي المضنية تحركت الاغصان في الصورة هبت نسمة من الشباك القابع خلفي من عهد ( العباسيين ) لايتململ من رسوخه أبدا لم تغلق مزاليجه .

ظل قرونا طويلة معبرا لضوء الشمس وللنسمات الهادئة في مجرى الريح كانت لطخات الالوان تتأرجح في ضوء عيوني أرادت أن تستعير بهجة الاشراق لكنها بقيت خابية رغم طيف الشمس المتحرك في الحزم المنارة وسط كوة الغرفة المسجاة فوق أطار اللوحة .

ما يزال الحصان يعدو بلا صهيل ولهاث أحلامي المنتشاة من فرط أصباغ ينابيع الاستلهام تترك ندوبا مثل الاصابع على مد البصر .

زحفت فوق سمرة جسدي صارت وشما يغطيني .. حاولت مرارا أن أختبىء من هيجان اللوحة لكنها أنتزعت بشرتي وسمرتني بمسمار على الحائط نزلت اللوحة من الجدار على أرض الحجرة أفترشت خطوط الوانها ,بقيت أحدق بها علها ترحمني وتشدني نحوها .

نضطجع على السرير الارض المخضرة تمتد الى الافق فيما الخيل ترمح .. بلاأنقطاع وكأن المسافات غارت

من يشد من ؟

لوحة غناء أم رجل معلق على الجدار ؟!

تعلقت بثوبي جذبتني أليها كدت أسقط لولم يكن المسمار قد تشبث برقبتي لهويت قرب النافذة العتيدة وعبر على جسدي جيش التتار بلا رحمة كانوا يزحفون بأحذيتهم الثقيلة نحو ( بغداد )

يجوسون خلال الدروب لايفهمون أيماءاتي أحست الصورة بحرجي دمعت عيناها سال دمعها بلل السرير أختلط مع الالوان البراقة فاستحال الى رماد .

اخذت قبضة منه وضعتها على جرح رقبتي المجزوزة من المسمار . نطق الجرح متؤها من الالم تذكرت أمي التي رحلت في العام الفائت تركتني وحيدا أكابد لاأجد صدرا أهفو أليه .. أشكوه آلامي ..

مرضت قبل رحيلها , جف ضرعها هتفت داخلي متعجبا ( أو يجف ضرع الام ! ) بعدها أنتشر لون الرماد على السرير

30

والحيطان المبللة بالذكريات ..

سقف المطبخ ينز جوعا في الصالة عشعش الحزن السرمدي أنتبهت مازالت اللوحة تحدق في عيوني تقدمت بأتجاهي فكت أزرار قميصي نشرت أضلاعي على الجدران سحبت أصابعي كورتها مثل ريشة راحت ترسمني من جديد

خجلت من التعري تحت وطأة ألم المسمار المتشبث بفقرات عنقي وتساءلت :

(مافائدة الرسم وأنا المصلوب على لوحة الجدار )

الشباك الموارب تزدحم فيه قوافل الهاربين الى فردوس الغربة . من يستطيع غلق مزالجه ؟ ! من يوقف شراسة الاستباحة ؟! حين تصير اللوحة رساما والرسام لوحة .

من يعيرني عقله .. ؟!

لابحث عن حلا يرشدني وأغلق أزرار قميصي أرجع اللوحة الى جدارها أسحب المسمار من عنقي .

بكت أمي طويلا لما جف حليب صدرها , قالت :

لم أعد نافعة لأي عمل

أشفقت علي وشدتني من رأسي الدمع يتلألأ من عينيها , جاءني صوتها :

كيف ستعيش بلاضرع أمك .. ياولدي ؟

أجبت أجابة الولد العاق :

سأرحل الى مفازات المنافي

تغيرت لهجتها أستحالت عيناها جمرتان متقدتان ظلت مسحة الحزن والغضب تطفو على صوتها وصرخت بصوت هز كياني :

من سيعتني بأختك وأخيك , من يوقف عهر أبيك , مازال والدك مراهقا مذ عرفته .. يعيش دوامة العشق والخبل .

31

الــــذبـيحـــــة

جلست على الارجوحة تهزها بارتداد ظهرها المحدودب مدت ساقيها لامست الارض الاسمنتية بنعليها السوداوين وثوبها البني

قالت :

حينما يحل العيد .. نذبحه .

قرب السياج المبني بالطابوق أمتدت أغصان شجرة توت عتيدة بأوراقها الوارفة الخضراء تغطي قسما من الحائط حبات التوت الناضجة تسقط بأهمال فوق الثيل المزروع حول الساق .

في نفس النقطة ربط خروف صوفه الابيض يغطي مساحة جسده أحاط عينيه الداكنتين وأذنيه المتهدلتين لون قهوائي شمل بوزه المستدير ومنخريه كثافة لونية بقتامة واضحة يبدو من سلالة حيوانية متميزة حين حك جذعه المتماسك بالشجرة القابعة بسكون .

في اليوم التالي أختفى الخروف بحثت عنه طويلا في الخارج لم أعثر عليه حينما رجعت لاحظت الباب الجانبي المطل على الزقاق الفرعي الممتد نحو الشجيرات البعيدة فتح عنوة

بالقرب من تلك الاجمة يأتي راعيا وأغنامه بدا معجبا بخروفنا حين كنت أذهب لرعيه يظل الراعي الغريب يراقبه بأستمرار يقترب منه يشم رائحة فضلاته يمسك مؤخرة ظهره بقوة

يتمتم : ( أنه سمين )

يبقى يتابعه بنظرات مريبة يحتفي مع الهجير والاشواك بقدميه العارييتين رمل يغوص بين ثنايا أصابعه متسربلا بدثار يغطي ملامحه الجافة من سخونة الهواء .

لابد أنه سرق

قلت لأمي التي غضبت بتبرم قائلة :

من فعل هذا أنه أبن حرام

سرير الوالدة يقبع في الجهة المقابلة للباب المفتوح جوار ( كومدي ) خشبي بلون الصاج يحوي علب الادوية الوصفات الطبية التي أعتادت عليها .

فوق الحائط علقت سجادة نقشت عليها صور مجموعة من راقصي ( الفلامنكو ) بدو مبتهجين قرأت المرأة في نظراتهم شماتة موجعة تحسست أصوات الايقاع المنبثة من كعوب أقدامهم التي تطرق الارض بقوة مع صيحات الانتشاء , بقيت النساء في الصورة مستلقيات بغنج حتى تنتهي طقوس الرقص الماجنة لتبدأ بعدها الوليمة ..

32

ينتشر الضوء وقت الضحى يصل الغرف الداخلية يتكور في الصالة حزم منارة تتراقص فيها ذرات الغبار ..

أسترخت المرأة ملقية ظهرها المحني على الفراش تركت يدها اليسرى تتدلى لتقلب خرزات المسبحة بكسل حدقت بمجموعة الراقصين رفعت أحدى الراقصات ثوبها بيديها بان ساقيها عاريين لونهما أبيض يشبه صوف الخروف عادت تسمع طرق الكعوب يزامنه طرق الباب المقفل على أهله .

مضيت رافعا أطراف ثوبي الابيض بيدي النحيلة طالعني وجه شرطي بدين يتصبب عرقا بادرني:

هل سرق منكم خروف ؟

نعم ..

طلب مني الذهاب معه لاثبات ذلك في المحضر صاحت المرأة :

مال حلال

دخلت البناية المسورة من جميع الجهات , لمحت الخروف مزويا في الركن البعيد وضعت أمامه كومة برسيم ..

فصلت بيني وبين الضابط الجالس منضدة وضع فوقها أوراق حافظة أقلام متنوعة وراءه تقع نافذة مشرعة على الفناء الخلفي الغرفة عارية الجدران ألا من لوحة أعلانات كسيت بقماش أخضر علقت عليها أوراق تتطاير جراء النسمات التي تدخل من الشباك أحتجت التنفس بعمق لما كان الرأس الحليق لضابط الشرطة يستدير نحو الدولاب يبحث في مجراته ( مازالت الام تراقب راقصي الفلامنكو ) .

خارج المكان تتراصف زهريات بلا أشجار من نوع بسيط تتوسط الطريق أكياس النايلون تتشبث بالاسلاك الشائكة الأوساخ نمتد على الارصفة .

داخلي يشتعل ألم مفرط من عدم المبالاة التي يواجهني بها وأقول:

هل أخذه معي ؟

لا ..

يحتبس الهواء في رئتي أسمع قرقرة بطني نظرات الراعي الغريب تلاحق الخروف يطمع بأمتلاكه .. مارس الضابط سلطته المطلقة عاد الى الدولاب يقلب أوراقه ..

لماذا ؟

رجع بكرسيه المتحرك الى وضعه المعتاد هشم الصبر في صدري صعد بخار الوجع أمام عيوني أحس باضطرابي قال :

أنه مبرز جرمي !

33

اسـقـــــاط

عبثاً حاولت التخلص من الهاجس الذي لازمها صوت يبدأ همهمة يسري

من أحشائها صاعدا ببطء ثقيل .. ليشمل قفصها الصدري فتنتابها رعشة الغثيان

أحست بأحشائها انقلبت رأسا على عقب في صدرها صا ر الصوت دويا هائلا :

آ أ أ أ

قفز زوجها مذعورا من السرير , رآها تتلوى فقال :

مابك .. يبدو أن الألم شديد

هزت رأسها بوجع مقيت .. بكت , كانت خصلات شعرها متهدلة بلا عناية يعتصر تقاطيع وجهها الذابل الوجع أيقن أنها تعاني ألاما مبرحة سمع صوتها من بين ركام الوجع :

أحشائي تتقطع .. أحشائي أرجوك

للمرة الثالثة تحصل لها حالة إسقاط الجنين .. ترى أي نحس يلازمها تحدثت داخلها .. أيوب رجل مثل كل الرجال يريد ولدا وخلفة .. إذا سكت طوال الفترة الماضية فلا يمكن أسكا ت أمه ..

لأنه أخر العنقود تريد الفرح برؤية أولاده .. أدركت بحسها الأنثوي بخفوت بريق الحب المذوي في عينيه مثل شمعة تذوب .

يجب أن لاأدعه هكذا ..

قالت العبارة داخلها تقدمت نحوه ..همست :

أيوب ..

استدار قابل وجهها الذابل القد الممشوق صار هزيلا سحنتها صفراء أبتعد عنها الى الشباك حيث الحديقة الصغيرة أمامه .. تطلع للسدرة العتيقة تمرق بين أغصانها طيور وعصافير تسقسق جذلة .. بينما ظلت

نضال تقف خلفه تمضغها الأحزان غصة مريرة في فمها .. تدعوها لأن تبوح :

أيوب لقد تغيرت كثيرا .. منذ حالة الإسقاط لم تعد كسابق عهدك .. أستمرت .. أنا نضال .. نسيت ما تعني لك ..

كمن لايسمع دون أن يرد تركها مضى خارجا ..ظلت واجمة لاتدري ما تفعل سوى أن تخرج صندوقا صغيرا من خزانة الملابس نقشت حاشيته بلون غامق ..

34

جلست على طرف السرير ألقت محتوياته أمامها .. صورهم , هداياه الصغيرة .. القلادة الغريبة الشكل كم عزيزة عليها لقد جاء بها من الشمال حيث كان يعمل ..

لاشيء أسعد من هدية الحبيب محملة بعبق أنفاسه .. قلبت ذكرياتها .. صورة زفافهم يجلس جنبها ببذلته السوداء ربطة العنق التي أهداها له صديق ما تزال تذكرملامحه السمراء ..

يبدو خيالها جامحا لحبها الأول أيوب الذي صا ر يتركها كثيرا لفترات طويلة .. أحست حبه

يجد ب لامناص له من التفكير بزوجة آخرى تأخذه منها لم تعد الظنون والخواطر التي تتأجج داخلها تجعلها طبيعية في سلوكها مع المحيطين بها ..

في لحظة فكرت بأن تنهي المأساة تجازف بالانتحار .. خوفها الغريزي منعها من الإقدام على الخطوة ..

قررت الخروج من بوتقة الجحيم نحو الهروب لمكان آخر .. لتنسى ما تعانيه جراء الضغوط النفسية تكاد تهد كيانها المضطرب تحت سيل الهجر والأفكار المتضاربة حيث صدمتها لاأباليته ..

وجدت نفسها مع الحقيبة الكبيرة على الرصيف فكرت بجدية :

أبي رجل يفيض أنانية و محي الحنان من صدره مذ تركنا وتزوج بأخرى بعد وفاة أمي .. أخي الوحيد لاأقد ر البقاء عنده أكثر من يومين بسبب غيرة زوجته التي لاتطاق ..

لم يبق سوى أختها الساكنة في أطراف المدينة الواسعة لابد أنها ستقضي يومها بالذهاب والعودة لعملها الذي سيبعد كثيرا فكان عليها الذهاب لأنه الحل الآني ..

كان الاستقبال رائعا من الأخت وزوجها بيتهم الصغير لابأس من النوم في حجرة الأطفال .. بعد مرور اليوم الأول شعرت أنها تفقد الكثير فلا أشياء خصوصية ما تملكه مشاع لابناءأختها

بدت تتقيد لأنها تعيش على مساحة حريتهم كانت تستحي من الذهاب للحمام لابد من الصبر.. حتى يأتي أيوب ويتصالحا .. يأخذها وهم يشعرون بأن حبهم يتجدد

يقضيان أمسيتهم بود , يحملون طعام العشاء من أحدى المطاعم يكملون السهرة تحت ضوء الشموع في بيتهم مثل عشاق هدهم الفراق ..

شمس الظهيرة اللاهبة أشعرتها بجفاف بلعومها و رأسها يتدلى على صدرها من الجو المختنق الد بق يغزوها مثل غراء يطبق على جسدها فيجعلها تحس بأنها كرة تتدحرج ..

أقتربت من البيت شمت رائحة الألفة والمودة زال شعور التعب حينما لمس كيانها برودة المنزل .. فيض الحنان ينابيع باردة تتدفق نحو قلبها المتسارع الضربات ..

أدركت بحسها لابد أن زوجها حضر أو أتصل بهم حين لقت أختها بوجه ضاحك سألتها :

35

ألم يحضر أيوب ..؟

لا.. لم يأت , دعيك منه ..هل ..؟

لقد مضى شهر على وجودي هنا .. ولم يأت.. ليصالحني !

الرجال جميعهم هكذا .. تعالي ..

أنه لم يفعل هذا معي أبدا ..

عاودها الشعور بالتعب والغثيان فأنسحبت لغرفة النوم ألقت رأسها فوق الوسادة ..

السكون يغلف البيت لعب الأطفال مبعثرة بفوضى من الغرفة لتمتد الى الممر المقابل أحست بخواء معدتها صداع ثقيل يدق رأسها نهضت من رقدتها بكسل ذهبت للمطبخ لتعد طعامها .. خدر يتمدد في جسمها رن جرس الهاتف كانت أختها تعتذر منها لانهم خرجوا دون أخبارها

رتبت الصحون لتتخلص من ضجرها فوجئت بورقة مطوية .. شهقت وهي تقرأ .. أحست معدتها تكاد تنفجر من الهلع ..

كانت ورقة تبليغ من المحكمة بوجوب حضورها بشأن قضية الطلاق التي رفعها أيوب ..

36

العجلة

تذكرتني سميرا ميس البارحة أرسلت جندها في طلبي مضيت محاطا بالدرك صوت احتكاك أسلحتهم يدخل الرعب في قلبي حينما اقتربنا من باحة القصر ترجل قائد الفصيل اصطحبني إلى سيدته . .

قدمني إليها ومضى رحبت بي المرآة المحاربة لمحت في عينيها بريق من لا يكل الحروب قالت بنبرة أحسست بها الفخر :

أنظر ماذا صنعنا ؟

شاهدت عربة بدائية , وضع لها إطاران من خشب ولف حوله ( لإستيك ) هرء وضع ما بين الإطارين برميل خشب رص بعناية مد من العتلة الرابطة ذراعين نحو حصان جامح

صاحت بصوت جهوري :

ماذا تقول ها نحن أول من صنع العجلة في التاريخ

كتمت ضحكة مستهزئة احتجت أن أقول :

سيدتي أيتها المحاربة الشرسة إن عربتك لم تعد تنفع مضى زمنها عربة بائع ( النفط ) لها مواصفات أفضل من دبابتك المضحكة .

بقيت تتبختر بمشيتها حول خصرها , لف حزام قوي يتدلى السيف من جانبه تحركت بقوة وسط الساحة الغاطسة بالشمس المحرقة الغبار يرسم ملامح القسوة تقذف سوطها نحو الحيوان الهائج داخلها تشع فكرة دك حصون الأعداء .

يعد انتصاف النهار عادت من جولتها الجند ينتشرون في الأرجاء الجميع في حالة التأهب خاطبتهم :

هذا مفتاح النصر .. أشارت نحو العربة استمرت في خطابها المعلن :

سنمضي نحو بابل وبعدها إلى سومر , لأصبح ملكة الجهات الأربعة

فكرت أنها أرسلت في طلبي ,حتى تستمع لما أقول فقلت بصوت خفيض :

سيدتي المبجلة , لاتستطعين فعل ذلك

صرخت باستنكار :

ماذا تقول ؟

37

في سالف الزمان وجدت بيضة , كبيرة على شاطىء دجلة الشمالي يقال أنها سقطت من ( رخ ) مهاجر أقاويل أخرى تقول أنها هبطت من السماء ظلت سبع أعوام تنازع الأنواء يخافها الناس لأنها تصدر اصواتا مرعبة في ليلة سكنت فيها الريح وغاص القمر في المحاق تكسرت قشرة البيضة انبثق سائل احمر لزج غطى الساحل انتشر بين البساتين صبغ الجدران ملأت السماء صرخة عظيمة فقد ولدت سميراميس ..

يئست من إقناعها رجعت إلى البيت لم تعد لي رغبة بالبقاء معها لأنها لاتفقه مااقول

من القصر إلى بيتنا مسافة تمتد فراسخ عديدة لااستطيع تحملها لجأت لاستعارة العربة كانت أفضل وسيلة للتنقل بعد ضياع معالم الطرق المعبدة فلم تعد هناك أسس للحضارة ..

لكني عانيت من مشكلة وضع الحصان أمام العربة والتفكير الأجوف .. نريد الدنيا تدور على إطار بالي وصو ت احتكاك الأسلحة يدخل الرعب في قلبي ..

38

الذاكرة الرخوة

تذكر حين شاهد ذرات الغبار المتراقصة في حزمة الشمس البارزة من كوة العقل المجفو بمرارة الاحساس وعدمية الاشياء التي تؤسس لألية بناء حضارة الوحل .

صدق ما لاتراه عيناه مرتديا أسماله البالية متأبطا جرائده القديمة . أوحت له الد نيا بزهوها كأن التأريخ لم يتحرك منذ الف عام , تسأل :

متى تتوقف قرقعة السلاح ؟

( المغول في بغداد ) من يملك جرأة التحدي ويلقم فم المرارة صخرة الافحام . أراد أسعاف ذاكرته الرخوة بحث عن لحظة عطف تشي التأرجح الانساني حين يتساوى السيد مع العبد

تسأل داخله مرة أخرى :

متى حصل ذلك ؟

تساؤلاته أعترفات يقرأها / في المدرسة الابتدائية / حين نزف جلده دما من (المشك) داوته يدا خشنة بصم ملح يشفي الجروح والندوب المتكورة .

طيش المشاعر / نزيف رداءة / تجرف ركامات الاحاديث المعلقة على مفاصل منسابة فوق الوهم لتنبت جرارالتداعي للحظة الذهول , على حافات واهية لأحلام تذوب .

نبش ماضيه تمطى مع ( سمراء ) التي عافت زوجها لأنه لا يجيد احتراف الأشعار تعاطت معه ألذ ساعات الانجراف , تطالبه بقصائد تعيش معها بصمت مطبق هوس يجعلها شغوفة برسالة تأتي على هاتفها المحمول , تتوسل :

أرجوك .. أسقيني من رحيق لاينضب

يبقى زوجها يتابعهما بغضب ( متى تنتهي نوبة الجنون ؟ ) يتواعدون في الاحياء البعيدة , ربما لايعرفنا أحد في بغداد الجديدة , أظن لوذهبنا الى المزا رات .. لايمكن أكتشاف لذائذنا .

( يتوقف الرتل العسكري , الفوهات مصوبة نحو الاجساد , يجمع خيوط أنسياب حاجاته المبعثرة ونقطة صغيرة توقفت عندها الساعة بعقاربها كشوكتين بريتين تهوى لعبة الوخز ( ربما الضمائر)!

لملم هلامات أفكاره , تعب من مشاويره , طقطق فقرات ظهره وعنقه , همس بصوت أجترحه :

كم تحمل هذه الاكتاف من عبء ثقيل ؟

39

يئن بلا ألم , ترى هل يوجد ألم بلا وجع ؟ ساوم عضلات قلبه بلفافة دخان , بحث عن أمنية مجهولة في دهليز يقبع خلف تجاويف رأسه , دار في حلقات صاخبة )

ينتبه أنه مدرس متوسطة لايعي غير النشرات الجدارية وأجادة النحو بشكل يجعله يتربص أخطاء المحيطين به .

حمل هذيانه المتأزم , بين كتب مصفوفة , ومحفظة لاتفارق خياله الناضب , تعلقت أصابعه بحبات المسبحة , الرتل يتحرك , أبتعدت الفوهات والعيون المختبئة خلفها تنفس الصعداء فكر بصمت :

( قد لاأحتاج حفنة الكتب التي ملأت رأسي ضجيجا .. حتما سأجد دواء للمشك )

  • المشك / تشقق جلد اليدين والقدمين

40

اللعبة

انتهت اللعبة ..

قال ذلك وهو يحزم أوراقه بدت في عينيه بريق دمعة حاول جاهدا إخفاؤها ..

ترى هل كان جادا في مقولته .. أم هرب من الموقف المحرج أعطى تبريرا واهيا لما كان يدور من تداعيات مستمرة .. تتلاشى خلالها صور استمرت لعقود طويلة ..

كل شيء مرتبك في وضعه حين غادر المكان الكبير الواسع .. تتابعه أضواء عدسات التصوير لتسجل لحظة هروبه المفزع غاب بعدها في الشوراع المتفرعة..

لم يقل سوى كلمتان .. ليطوي تاريخ من عصور الوجع المخيف .. هوى في لحظة خرافية عالم أسطوري

انتهت الخرافة ..

أختصر بكلماته سنوات عجاف من الرعب والأوهام التي لا تصدق أغلق الباب على أحداث متلاحقة تكتم الأنفاس ويصعب حصرها ..

أنه جزء من اللعبة التي أنهاها .. فقد كان لاعبا أساسيا متصدرا للوحة نسجت بعناء لهيكل فولاذي أنهار وصار مجرد ذكريات هشة لا يحب أحدا اجترائها ..

أوقدت شمعة صغيرة في زاوية حجرتي تلمست في العتمة أعواد الثقاب كنت أبحث عن فجوة في الجدار , أحسست لمرة واحدة على الأقل أنها فجوة في عقلي ..

حاولت مرارا .. فشلت لأني لم أعثر على الصورة التي تركت فراغا في الحائط لابد أني لازلت تحت تأثير النوم الثقيل أو إنها مجرد أوهام ..

شعرت بملمس بارد وصقيل أنه مذياعي الصغير .. هتفت :

آه لعله ينقذني

الحشرجات التي يصدرها تقلقني لم أسمع شيئا أو سمعت أشياء لم أتعود عليها .. خيل لي أن الوقت هو الثانية صباحا لم أدر لم قفزت في ذهني أغنية قديمة تقول :

( نامت كلوب الناس كلبي شينيمه .. )

رجعت أتطلع نحو الجدار لم أر ما أبحث عنه .. أتكئت على الوسادة رحت أعيد ترتيب ذاكرتي بهدوء لكني أخفقت فالصور تهرب مني ألا هذا الوجه القلق وشفتيه المرتجفتين ..

41

كنت أريد سماع المزيد لكنه اختصر المشهد ثم غادر.. بقيت كلماته ترن داخلي بدون توقف رشحت من ذاكرتي أسئلة لاحصر لها ترسخت علامات استفهام بلا أدنى جواب ..

لمحت عينين تطلان من فجوة الجدار همست برعب :

إنها عيناه لابد أنه عاد من جديد !

حينما يرجع ستكون المأساة أكبر .. دمعت عيني من الخوف المتسرب في أشلائي المبعثرة وسط الظلام الذي يلفني أرتفعت سحابة الخور تحا صرني

فجأة أنبثق تيار الكهرباء ليضيء ما حولي .. لم تكن الصورة معلقة في مكانها المعهود شظايا الزجاج ملقاة على الأرضية أمام باب الغرفة الصورة العتيدة ممزقة ..

سرى صوت في المذياع يقول :

انتهت اللعبة ..

أدركت حقيقة ما حصل اللعبة ختمت .. شعرت برغبة شديدة بالعودة للنوم وأخذ قسطا من الراحة فقد أنزاح الهم الثقيل ..

42

المسافر

سيري لا تتوقفي اندفعي في أرض لا تركد لحظة مخافة أن يمتصها الاستقرار .. تراك مثلي لم يعد يهمك شيء ..

لا ترعبني حرارة الشمس لأنها تذوب بمنشفتي المبللة .. ! أمضي بعيدا فنحن لا نعرف أي قدر يساق لنا .. ؟

أمنحي الأجواء الصافية أنفاسك المحترقة .. الوجوه التي , ترحل معنا , تحمل كآبتها , في صندوق أصرا رها , تستمر الرحلة إلى النهاية/ قد تكون مفجعة واحيانا سعيدة وبينهما فاصل لايحتمل الانتظار / .. عروقي النافرة , لاتحمل غير دم ساخن وذكريات ..

تؤرقني الصور, يكفي أن تعدو / مثل نمر جريح أو غزال مطارد في جميع الاحوال لايمكن أن تحصي ألانفاس / في مخيلتي تتناثر مع غبش بارد ندى يسيل , فوق صخور تزرع المكان لهبا بلا ظهيرة قاسية تتكسر مثل الأحجار ..

خبئيني مثل أم روؤم / بعيدا عن غبار يغسل جمجمتي صافحي الامتداد من هنا حتى سرة الكون حتى ترتعتش الجذور بنشوة التجلي ..

حينما يعود الليل من رحلته .. تتكوم ضحكات أطفالي الصافية .. بكاؤهم اللذيذ حين يعطشون بعد حلم مخيف.. ابتساماتهم تمر قادمة من وحي الصراخ المرح الليل يملاء البيت .. أمهم ترتجف بصوت يجيش عاطفة :

كل يوم ينامون عند الساعة الثامنة مساء ..

نهرت الطفل الكبير طلبت منه الذهاب إلى فراشه .. صاحت به :

لقد تأخرت كثيرا .. يا بني

/ حينما يتأخر عن موعده تحزن .. تبقى معلقة على وهم ألامل تحاول اللهو بلعبة ألانتظار المملة .. تعاود النظر الى ساعتها فات الوقت ولم يحضر تتسلى بأدعية تحفظها تقول :

حتما سيعود .. لأنه وعدني / الوعد مسؤلية متشنجة /

الولد يبكي يريد البقاء .. تسحبه من يده يتملص منها , يهرب مسرعا يلقي جسده الغض جواري أضحك معه بصوت عال .. يغضبها سلوكه تخلع نعليها تحاول سحبه مرة أخرى يلثغ :

أريد المكوث مع أبي ..

( أمضي فبعد هذه الرحلة يجب أن لا نتوقف .. عند المساء نصل أليهم .. أرجوك لا تخذليني أطوي المسافات لم يعد أحد يستمع لكاهن الصبر ..

تعجلي مثل حمامة تطير لعشها .. ما هذا.. ؟ ! رباه أنها تنزلق تتخلى عني تقودني للهلاك .. يالها من لعينة لم يعد المقود يستدير الإطار الأيسر أنفجر أرى الهاوية تفتح فمها الواسع )

43

شعور مرير

ثمة شعور غامض / الشعور هنا علامات لاتتوقف عند حد معين / يراودني حين تدنو مني بعينيها الذابلتين حزن أكيد في شفتيها الموحيتين بالجرأة ..

دنت مني / لابد ان الدنو لايحمل البراءة / رأيت قميصها الوردي موشى بصور بيضاء على جانبه الأيسر أهملت ازراره من الوسط بان نهديها يضجان بشهوة خصبة / حينما تكون الشهوة خصبة سيكون الحصاد وفيرا / تصورت أني أضمها بلهفة .. لم تدعن أذهب بعيدا في خيالاتي صرخت بوجهي :

ألحق بيتنا يحترق ..

هرولت ورائها / مأساتي تكمن في الهرولة خلف الاشياء لأني لم أتعود مذ كنت طفلا في الركض أمام الاشياء / اهتزاز عجيزتها جعلتني لاأفارق تصوراتي المنزلقة في عتمة أنفاسها اللاهثة ..

تجمع حشد كبير من الناس أمام الدار دفعت جسدها وسط الزحمة بينما وقف زوجها بنظارته السميكة مرتديا فانيلة متسخة قائلا ببرود :

إنه تماس كهربائي

تحدث ببروده المعهود / بين بروده والتماس الكهربائي وصل لايمكن أغفاله / بدت شعرات رأسه واقفة .. الدخان يتصاعد من زاوية صغيرة / ما أكثر زوايانا التي تقع .. / خلف الباب صرخت المرآة بحرقة :

أطفئوها بالماء ..

حملت سطلا مليئا بالماء راح يتساقط من جوانبه لعدم استقراره بيدها .. صاح أحدهم :

لا .. أنها كهرباء ستقتل كل من في الدار

هربت النسوة المتجمعات يتصايحن / صياحنا ليس أحتجاجا بل هو شعور بالضعف والمهانة / لاذت الأخريات بعيدا عن مكان الحادث .. دنوت منها حيث مازالت واقفة امام النار المتقدة شعرت بقدماي مبتلتان انتبهت كنت حافي القدمين / قدماي العاريتين تبصمان على التراب بالخذلان والتراجع /

احتك صدري بزندها العاري لما أخذت السطل رميته بعيدا نحو سور الحديقة قبالة الباب المحترق سمعت صوت أرتطامه بالجدار الشرر يتصاعد من الماكنة الصغيرة ..

دفعتها بيدي / الدفع يكون لأسباب / كي أخرجها ضغطت براحتي على أسفل كتفيها تحسست طراوة جسدها / الطراوة أعلان مبهم عن القسوة التي أعانيها / عاودني نفس الشعور المجهول أندفعت أمامي بقوة حتى خالطت عجيزتها .. / من الصعب فك الاختلاط لأنه يعني البغي / أخرجتها لصحن الدار صاحت النسوة غاضبات :

44

اتركيه يحترق .. ياأخيتي .. المهم سلامتكم

كأنما دفعنها بهذا الكلام للعودة ثانية نحو المكان المشتعل .. / العودة عنوان للاطمئنان / استدارت واجهتني بصدرها النافر مسكتها من ذراعها نهرتها بكت بكاءا مريرا تعبيرا عن قلة الحيلة قربت رأسها من صدري علها يهدا غضبها المتأجج ..

أدركني ذلك الإبهام الذي رافقني لكن حزنها الشديد واندفعها باتجاه هسيس النيران / من يشتري اشتعال بلا جمر ؟ / جعلني أشفق عليها وعلى نفسي أيضا ..

مازال زوجها واقفا بشعره الرمادي اللون يفتح عينيه اللزجتين ويغلقهما بصعوبة خلف نظارته الندية بالدمع والعرق سمعته يقول وهو يسعل

ستأتي سيارة الإطفاء ..

ظلت قابعة في صحن الدار بعيدا عن النيران التي بدت تخبو حولها النساء منخرطة في نحيبها المر .. / دائما نحن ننتحب حتى في الافراح /

رغبة عارمة تجتاحني لما نظرت أليهم شعرت بثمة حزن يعتصرني تلألأت في عيوني دمعة ساخنة .. حملت السطل القيته بإهمال مضيت مبتعدا عن المكان الضاج من الصخب ..

45

عطر التراب

لم يدرك حقيقة ما تفوه به .. بقي ظله يقرع الحائط المواجه للشباك المطل على باحة الدائرة حيث انتصبت شجرة ضخمة تتحرك أوراقها بانعكاسات متباينة تحت أشعة الشمس ..

أنمحى وجه الرجل الجالس أمامه وظل وقتا طويلا ساهما كأنما يحدق في فراغ .. أستدار خارجا من الغرفة التي أبتلعت ملامحه الجافة سمع صيحة تناديه لم يلتفت خلفه هبط صوت حذائه يفرقع على الدرجات التي خيل أليه أنه يغور عميقا في بئر السلم . أقترب منه بصيص ضوء أضاء المساحة الممتدة نحو الباب الرئيسي ظهرت أمامه أمرأة متشحة بالسواد سألته بلهفة :

هل أنجزتها .. ؟

شد سترته بقوة كمن يريد أغلاق أزرارها تردد في الاجابة لكن المرأة العجوز بقيت مصرة على سؤلها ..

أرتجفت أصابعه ضرب الارض بقدميه عبر الشارع الفسيح والمزدحم فقد فشل في أقناعه .. زجر نفسه وهو يعيد ما جرى بينهما .

أنطفئت رغبة بددت أجنحة بصره المعلقة على المعاملة التي نساها في الطابق الثاني أحس أن كرامته أهينت لقد نال منه وأبى الرضوخ لأبتزازه ومحاولاته المتكررة لتقديم الرشوة ..

لأول مرة يذوق طعم الهزيمة فهو ثائر على فشله الذي غمره بالظلمة انه رجل فاسد تعود أستغلال كل شيء لذاته ..

شعر أن زمنه أنتهى .. أعاد للمرأة نقودها / ثمن المعاملة التي خطط لتمشيتها بطرقه الملتوية .. /

بقي الموظف رابضا في / نسيج متماسك يفشي خدوش عناده بلا تراخي / ممسكا بزهو يتراقص مع أوراق الشجرة المطلة من الشباك الموراب تتلاعب ألأضواء والريح الصاعدة في سماء الغرفة تمعن في تحريك ألأوراق الجاثمة على المنضدة

لتصنع التوقير والعناية لسيد جدير بالأحترام / لأنه حرر دواخله من السقوط في الهاوية / بلهفة النزاهة يشمها مثل عطر التراب عند هطول الغيث على وجه ألأرض

في ملامسة تعتاش على أفق يعانق شروق لايتعب ..

النشوة عنده تصل الى رغبة مفعمة بالنفاذ تستحضر شخوص تلتقط معاني مفردة الجناحين على أطر من الصراحة المطلوبة مع النفس ..

46

الفراغ الصوت الاول

متى تقضم تفاحة ادم .. تهبط في شرنقة الرجم ويمضغها الفراغ , يلوك أحلامها الغافية على عتبات التمني .. من حيث تأتي تعود , حاملة حقائب اليد ببدنها الممتلىء , وقوامها القصير ..

مسكونة بمظاهر الفزع , يتمطى عند أول تصادم الى غضب لايحتمل . تخوض في اللاشيء , بوعي مبهم , تصنع لنفسها وليمة الشك لتمارس عدوانيتها المقيتة ..

تزرع الخواء, الذي تعانيه وتحسب أنه الامتلاء . يتشتت في بوصلة الانفراج عهر الخطيئة . من يوصد باب اللاشيء ؟! ويجمع حبات الاكتراث في حقيبة التمنيات ..

عطر اللاوعي , يضمخ فجر الفجيعة , حين تستحيل , خانات الخلوة , الى رماد , تذروه الرياح , على امتداد , البصر الخابي , في محجر العيون الوقحة

من حيث تأتي لاتعود والصمت نافورة السكون .. يمسك عصب التداعي , حتى لاتسيح , في ذروة الانفعال ويفكك طلاسم الجوع القديم ليشي بأنواع النزق المنهار , تحت وطأة الحاجة الملحة .

وقارورة الصبر فاضت , لتنوء بثقل الخواء .. وتنفجر كل المعالم ضاعت التضاريس هزل بدنها. وتشظت ولائم عدوانها راحت تستجدي العتبات المترامية علها تحضى بموطىء قدم وتعود ..

تعرت قدماها من فرط, التجشم في المسافات وتسرب الوجع , بين الإضلاع , لينبئ عن نفاذ الصبر المتكور في صفحات الهم المتراكم عند حافات الروح المتهاوية تحت عصف الوله ..

من يعيد اللحظة الماضية..؟!

خابت كل الآمال المرجوة , ولم ينفع التدافع , نحو وليمة التصالح..! بقيت حائرة كأنها تقف بين فكي أفعى .. والافاعي حين تلدغ لاترحم الملدوغين ..تفز في طريق ( الصد ما رد ..) تحملها نتانة التودد للماضي السحيق درب القهقرى وعر , تسلكه بخذلان , تجرجرها فضاءات العدم تعود الى أول المشوار.. لزوج عافها ويتركها زوج مل عشرتها.. خالية الوفاض , ليس سوى سلة التوسلات .. تلقيها تحت قدميه فقد تعبت , وكابدت مشقة التأرجح , بين مدن , خاضت مع ناسها , لقمة الحرام ..

فكرت بلحظة التصادم , كانت ساعة أتقاد .. أفقدتها التوازن , شعرت بهشاشة موقفها, رغم قسوة الكلمات التي تطلقها وبصوت شق فضاء السكون المطبق ..

تزدريه بألفاظها .. لكنها تخشى صمته .. فقد كان شامخا , دون أن تهتز عروقه .. وعيناه تلسع اضطرابها المدمن في

47

ارتجاف الفوضى العارمة , لم يكن مثل الذين صادفتهم

أساءت اختيار الوقت المناسب , ظنت أنها بفعلتها .. تكسب الجميع , تفرق الجمع , وظلت وحيدة , وسط نجيع صلا فتها .. ساحت في فراغ موحش , لم تعد تسمع , سوى صدى نحيب رجعها .. المتلاشي في أعضائها المرتجفة تحت ركام الوهن .

تحاول الاتصال , بمن تعرفهم .. لكنهم أوصدوا أبواب التواصل , ولم يشأ احد أن يعرف , ماذا يحصل بعد ألان فالريح تصفر عند أعتاب الجرح الذي مافتئ يهمي دوائر من وجع ..

أختبئت في بريق زيفها..تماطل مع نفسها المشروخة في خيالات المسكنة.. عسى أن ترضي من تلتقي به وتكشف تعرضها لعطب أصاب مسارها . وتنتظر الفرج المأزوم في فراغ روحها..

48

الفراغ – الصوت الثاني

طوق الأسورة يحيط بمدى التوق نحو الولوج الى عالم الطمأنينة .. التأوهات تحرق صدري والناس تعيش في بهرجة ألاشياء لاغير التماع زائف يحاصرني كم أتمنى الهرب الى النفاذ الذي لاتطاله يدي وشم يصرخ في مساماتي أنين يسكن سفوح حنيني وأتساءل :

من يستطيع أن يدحرج صخرة بأمنية ؟ من يوقظ قبرا بصرخة ..؟هنا يحل النزع ألاخير لترنيمة الوداعة ..

أكتب على جدران البرد (تضيء شموسي ) وينحت في جوف ألامل صورة لعالم لفه الخراب فيا للتداعي الكل يبحث عن الانفلات والهروب لضفة الزيف أريد أن أنأى عن وهم القش تحاصرني الاسئلة ؟ وتضرب حولي أستارا من الوجع المضني لأنهم لا يد ركون سر الهاوية فهم يتدافعون حول الحفرة المهلكة ..

يجب أن أضع حدا للمهزلة فليس كل ما يتمناه المرء يدركه هكذا نطقت الحكمة .

حدثتني معالم أختفت الى الابد عن خضاب أقطفه من خضرة يانعة وأريج فواح في عنفواني الجذل التائه في محرقة ألاخرين

حوار خافت كدفىءمواقد الفحم في ليالي الشتاء مرثية تنافق حواس الاكتراث الانانية تمشي في طريقي كعربة امنيات أضع أزهار الادمان على تاج قلبي أهفو لحلم علقته في ركن خلي ليسدل عني مهرجان الضياع من يرى البناء الشامخ يذوي يحزنه تدافع الانهيار ومن يعش وسط الحقيقة يهرب من أتون الأساطير

لقد عقمت أنوثتي جراء أحباطاتي شيىء يوقظ داخلي عري الهزيمة ومذ عرفتك كنت أثمي الذي أبوأ به في وهج السهرات الخابية

وحدي في الظلام ألعن ضعفي حتى تألفت مع ألاثم وأختلطت بعظمي دماء ك فصرت عروقي المنبثة في مشاعري المدنسة ولدت كائنا جديدا يحيا على صوتك يشتاق لآلق السهاد في زحمة عينيك المتعبتين من حلم يفيق على شهقة النسغ حين تمتص رحيقي

يحاصرني حبك كرداء السهرات الصمت المتعب ولهف ألانتظار قائمة طويلة من الرغبات الممنوعة ووحدك تأسر وجيب قلبي أسمع صوتك في صحو ذاكرتي:

هل يجب أن افصح ..؟

تمنيت لو أنك تفصحين ..

في حفلات التتويج وعلى أصوات المحتفلين راياتك تغمرني لأني وجدت فيك سر ضياعي تساءلت عن ليالي الجذل المنسابة على صفحة عمري الهاربة أسمع صوتا في نقش مخيلتي :

49

كم يأ سرني عشقك ..يارجلا تشظى داخلي مرايا

الفراغ – الصوت الثالث

من تناسل الاحزان ولدت ورما في خاصرتي كنت وثن خرافي ينبع ألم يهمي بلا أنقطاع جعلتك تعيشين مترفة في شرفات يتثاءب الكسل المبهم فيها رغم انك زرعت داخلي أبجدية خوف ينمو في وريد مسائي المشبع هما . وتخبو مساحات الامل حينما حسبتك حبات قمح على سويق قلقي المترع وجلا .

صمتك يرشح لحنا يخترق ذهولي المطبق فقد عرفت أنك تخفين عني شيئا .. لذا كتمت أنفاسي وحصرتها في زاوية مظلمة لأن اعواد ثقابك مطفئة .

من يكسر زجاج الصمت وعقلي مجفو بمرارة الاحساس , وانت منغلقة على افعال تحاصرني بلاهوادة .. صار حبنا أجترأ فلملم اليباب خجلي بعدما جاوزت العقد الخامس فمن يشتري مني صحوة الخريف ؟

تركتك عند أخر مصباح يهمي تعبا على الرصيف الذي تعارفنا فوقه , وبعدها أنحنى ظهري , لكن أشتياقي أليك ظل كسرب يحتوي عصافير الفجيعة .

أصحو من جديد على بئر أحزان ينقاد عنوة لأنينك الموجع والمنساب عبر زمني الاخرق ليوقد فوق الضلوع شمعة تكشف أني زوج مخدوع .

الفراغ – الصوت الرابع

أيقنت أنك ملاك فتحت لك قلبي فابحرت وأهديتيني نظرات أشعلت أحراش جوفي فنسيت أوجاعي وكانت عيناك بؤرة من نار لسعت عظام جمجمتي فحسبتك دافئة كشمس الشتاء وأمرأة من كريستال .

لكني في العيد أكتشفت ضحكاتك مع المحتفلين حينما رقصت للحب ألاجوف وعري الكلمات الوقحة لاتتوقف عن النزف الماجن وبقي جسدك متشرنق بحبال الشهوة .. فمضيت ولم يعد هناك ما يجمعنا .

تحاولين رسم طلاسم لي حتى توقفين أفة الظنون .. لم تعد تنفع تعاويذك فقد فككت رموزك العصية .. يا من تجرأت ودست على ندوبي المتكورة فوق عشب لقاءنا فلا تنحري قرابين النذور لأن وليمتك الفاخرة صحت على حشرات العالم السفلي .

لاشيء يوقف هدير صخبي فأن عوالمك نزق بلا أردية حياء وملمسك الناعم ما عاد يغري شباك روحي . أحجار أفكاري السوداء ترسبت في حجرات القلب . أطوي أوعية التمائم على غابات روحك المتوحشة التي وطئتها أقدام الغرباء لم يعد صوتك ينفذ الى بقاع قبلاتنا الباردة .

نضبت ينابيع الجفوة وجرحي فاغر فمه وعرفت أن لا أثم بلا خطيئة .. صار زادي حنظل ودثاري جمر يجرجرني

نحو خواء مهترأ لاأيقن أن الزوج الثاني في أنسحابه الاخير لايتمرد على السرير الخاوي

50

أضف تعليق