تجمع المعرفيين الأحرار -ينشر كتاب-وجدانيات بيرويا- للمعرفية السورية-ماريا كبّابة

 

16387031_1800760720188874_5849185434267960106_n

 

17820091_1316863891727824_2066186245_o

 

IMG-20170405-WA0013

لتحميل الكتاب ، يرجى الضغط على الرابط التالي:
https://www.4shared.com/web/preview/pdf/BDQ_R9nyca

لتحميل إصدارات تجمع المعرفيين الأحرار:
https://www.4shared.com/account/home.jsp#dir=h45exNMs

اسم العمل: وجدانيات بيرويا

اسم المؤلفة: ماريا كبَّابة

نوع العمل: نصوص

الطبعة: الطبعة الالكترونية الأولى7نيسان-2017م

الناشر: تجمع المعرفيين الأحرار

رقم التسلسل : 14

جميع الحقوق محفوظة للمؤلفة

حقوق نشر الكتاب محفوظة للمؤلفة والنسخة الالكترونية ملك لتجمع المعرفيين الأحرار

https://reberhebun.wordpress.com/

لنشر أعمالكم يرجى الاتصال ب

reber.hebun@gmail.com

2

ماريّا كبّابة

وجدانيات بيرويا

BEROYA`S SYMPATHIES

وقائع

3

مقدّمة:

ماريّا عاشقة حلب الجديدة .. كتبتْ

لأنّها صارتْ جزءاً من حلبوحلب صارتْ جزءاً منها ،

إنّها كاتبة الحبّ الأبديّ.. الحارق – المديد ، باعث

النشوة الدافعة إلى الإبداع الجريء في هذا الزمن

الرديء الصعب، امتشقتْ القلم لتتحدّث بلسانه

عن الحبّ الذي لا ينتهي ولا يغرق في مرارة الحرمان .

سيف النقاد المحيي زياد مغامس

4

إهداء إلى بيرويا حلب

حبي الأول والأخير، منك استشعرتُ المحبة وانطلقتُ لأنثرها رياحين.

للسيدة التي ما أحنت رأسها يوماً لأحد رغم صعوبات الحياة لك إحترامي وحبي إلى روح أمي.

إلى أخي شهيد الوطن اقدم لك كتابي أحبك بشير كبابة ولروحأخي جورج ولأبي رافع عبود

لأختي دوللي كبابة

وللأب منير سقال

وللأديب سمير طحّان

ماريّا كبّابة

5

أرى الثبات

أن لا شيء بالحبّ ثابت

لكن الحب الراقي

حب باقي

في الوفاق

وفي الفراق

من كتاب أراك/ سمير طحّان

يا أنقياء الكفوف

رصّوا الصفوف

يا طاهري القلوب

أجمعوا الشعوب

أنتم الجيل

الذي سيحقّق المستحيل

وسيخلّص سوريّا

وسينقذ البشريّة

من الإرهاب والهمجية

من كتاب سَرْيون / سمير طحّان

6

ماريّا كبّابة

أسحر ربابة

تعزف للغصن

فيُطربه اللحن

ويبدأ يتكاثر

ويتناثر ويتطاير

فيغدو غابة

تسلب السرابا

فيفيض شرابا

سمير طحان

7

إباء

اقتلوا

ما طابَ لكم قتلنا

اقتلونا

ما دامتْ فيكم نقمة

هجّرونا

اصلبونا

دمّرونا

عطّشونا

جوّعونا

دماءنا تهدرون

أجسادنا تقطّعون

لكن

أرواحنا تبقى حيّة

تلعنكم

إلى ما بعد الأبدية

على تحريرنا أقسمتم

يا للكذبة المفضوحة!

يا عبيد أسيادكم

8

من آل الرمال والحجر

وحثالة البشر

اسمعونا

ومنكم حّررونا

نحن الشعب

نركب الصعب

أرواحنا أبيّة

تأنف من الهمجيّة

وسترّحلون

وستنتهون

لأنّنا شعب يصنع الحياة

ولا يخشى الممات

9

احتمال أكيد

تتلبّد السماء بالغيوم السوداء. بعد صمت مقيت، يعلن أنّه سيسافر غداً.

الجو ينذر بهبوب عاصفة قوّية من أجلنا معاً، من أجل حبنا سأسافر غداً، انفجرتْ العاصفة بغتة.

شعرتْ بأنّه يُظهر أمراً ويخفي آخر. راح البرق ينهش أديم السماء المدلهمة. وجمتْ كأنّها تحمل هموم العالم كله.

الرعدُ يقصف. يقترب ويضمها فتحسّ أنّهما يفترقان إلى الأبد.

قطرات المطر توشك أن تنهمر.

إذا رحل فلن ياخذني إليه ولن يعود ابداً. ثوانٍ وتحّول المكان إلى بحيرة مغرقة.

الإناث الغربيات ستجعلنه ينسى حتى نفسه.

قليلاً وتجرفنا السيول. مغريات الحياة الغربية ستدخله في نفق لا ينتهي.

السيول تحوّلنا إلى خرق بالية.

أنا أندفع إلى الداخل إلى الجذور وهو ينجرف إلى الخارج إلى وهم الزهور.

تُرانا خطّان متوازيان لا يلتقيان

أم إن إنشالله يلتقيان؟

10

استراحة المحاربِ

قطرة دمّ

سالت مِن فم

على جسّد مُحطم

ظنها قطرة عرق

مسحها واستغرق

حِسبها قطرة مطر

أزاحها وتأكد أنّه انتصر

القطرة صارت قطرات

فتيقن أنّه على وشك الممات

ابتسم

والرضى على وجهه ارتسم

مطمئنًا على بلاده

وهو يرى أحد أحفاده

لبندقيته قداستلم

11

أطلال

توقّفْ لا تقترب مني…!

ابتعدعن هذا المكان.

كفاك تقرّباً وإشعالاً ثم تهرباً

أذكر يومها أنّك جئتَ إلي، وقاربتني وهمستَ في أذني كلمة غامضة،لم اسمعها جيداً، لكنّي ألتقطتُ معناها وبالتالي عشتُها.

كلّ أنوثتي اختلجتْ على وقع مسمعها وأطرقتُ خجلاً منتظرة أن تعيدها مرّات ومرّات .

وعلى إثرها شعرتُ كأنّني يمامة تعلو في سماء زرقاء صافية، وكلّما علوتُ في الفضاء، أصابني الدوار.

دائماً تعود كلماتكَ ، لتعيدني من جديد إلى التحليق

عندما تقترب شفاهك وتسمعني تلك الكلمة، تخالجني أحاسيس نابضة يأخذ قلبي بالخفقان.

وأتذكّر كلمة صديقتي لي :احذري صنف الرجال…!

ولكنني أفضّل هذه المرّة أن أعيشّ معك وأتنشّقكَ وأشّمك لا يوجد هناك ما يمنعني من التحليق

في خيالي السحري .

وأثناء تحليقي، ألتقي بأصدقائي طيور الحبّ.

ونهيم عبر المحيطات وتمتزج الأمواج، لتشكّل قصيدة عشق أبدية وأجد حبيبي وقد تحوّل إلى نسر واخذ يحلق ويطير وهو ينتظرني لأتبعه.

لكن سرعته الكبيرة، جعلتني أتأخّر عن اللحاق به وعبثاً أحاول لملمة نفسي التي توقفّت فجأة، على مشهد غريب.

فقد عاد النسر إلي ثانية ليمسك يدي وفي هذه الأثناء، تجرأتُ ومددتُ يدي علّني أتنشّقه، أحضّنه أو حتى امارس بعض طقوس الحبّ مثل ليليت.

13

تركني أسائل نفسي لماذافي كلّ محاولة للوصول إليه يبتعد عنّيويعود ثانية ليقترب مني ؟

لم يبذلْ جهداً ليتملكني ، يا لهذه الحقيقة المؤلمة !

فقد كنتُ منتشية، فكلّما اقتربَ مني ، أعاد علي كلمة أو بضعة حروف، أغدَقها في أذني كانت تأتي على مسمعي برداً وسلاماً وأتركه ثانية، ليعيدها مرّات ومرّات حتى تفور عليه قدريوأتوقف هنا أتأمله غير مصدقة إلى أن أجدُ هذا النسر، قد تحوّل إلى طائرٍ أسطوري مهيب، بملامح صلبة قاسية كجلمود صخر.

وتأخذني الرغبة بالهروب، وأتساءل هنا أين كلماته المحببة إلى نفسي؟

أين تلك الكلمة التي طالما أحببتها من شفتيه الهامستين؟

لماذا تحولتْ إلى كلمات لا معنى لها ولا رحيق؟

وهنا تتوقف رحلتي الخيالية فتفقد اليمامة جناحيها واعود على الأرض اسعى ، إلى حيث الوهم الذي لا يكاد يتحول إلى واقع حتى يرجع وهّماً ، ولكنني ماأزال أنتظر تلكَ الكلمة اللذيذة، التي لم أسمعها قطُ ومع ذلك،فهمتها جيداً، وأنا اتساءل واه عجباً لماذا يخاف نسر من يمامة؟

13

أغنية وطن

أشاب أنت غرير

في فضاءِ الكونِ

يبحث عن لونِ

أم شيخ انتَ خبير

قدْ ارتوى من الأيام

وأكتوى بالآلام

وما تزال لديه أحلام

أجوهرة أنتَ نادرة؟ٌ

صاغتها عبقريةُ فنّانة ماهرة

فجاءت آيةً كاملة

وتحفة شاملة

أم أنتَ نبع لا ينضب

يشفي كلَّ عاشقٍ يتعذّب؟

أحبيب أنتَ يفيض بروعته

ليلتصق بحبيبته

ويحكيا إلى آخر الزمن

حكاية وطن

أم أنتَ مقاتل

14

لا يهاب المخاطر

يحلُّ كلَّ المعاضل

ويسرُّ كلَّ الخواطر؟

أيّها الوطن

يا من الكلّ احتضنْ

أنتَ كلّ ذا وذاك وذلكَ

إليكَ تأخذُ كلَّ المسالك

أنتَ الحياة

يا مجرّةَ المجرّات

أنتَ الأمّ والأبُ

أنتَ الرب

فلا كنتَ دوني أنا

يا أنا

ولا كنتُ

دونكَ أنتَ

يا أنت

15

افتخار

تحتَ خيمة

تحتَ سقفٍ مستعار

أنامُ الليلة أنا

مثل غيمة

دون دار

منفيّة الآن أنا

وآهٍ يا أميمة

كان اسمي افتخار

صار اسمي نازحة

يا للعار

ما أبعد اليوم عن البارحة

كنتُ نحلّة بين زهور

صرتُ نملة

بين قبور

أعيش همّا

أحيا جهنّما

بعدَ جنتي

بينَ أحبّتي

16

أينَ كنتُ ؟

أينَ ساصير ؟

أبدًا، ما حلمت ُ…!

لهذا المصير

تُرى سنطلع؟

من هذا الدمار

تُرى أرجعُ !

وبيتي لم تمسسه نار!

17

الإسعاف الصريع

عندما سمعتْ ليلى، صوت الانفجار الهائل، الذي أحدث هزّة كبيرة في المكان أصابها ذعر شديد، خشيتْ على أولادها، فمكان الانفجار على ما يبدو قريب من مسكنها، قفزتْ من على كرسيها لدى مصفف الشعر وأطلقتْ لرجليها العنان. أثناء سيرها مالَ الحذاء بها وكادتْ أن تقع على الأرض، تماسكتْ ولكن آه كاحلها ألتوى ، صرختْ من الألم : لا بأس تابعتْ سيرها متثاقلة ، حين وصلتْ إلى حيّها وجدت أهالي الحي مجتمعين، تجاوزتهم ودون أن تسمع ما يقوله لها بعضهم تابعتْ ودخلتْ البناء الذي تقطن فيه.

ظلمة حالكة تسود المكان صرختْ آه ركبتها اصطدمتْ بالجدار، وأحستْ بدم ساخن يسيل، تابعتْ صعودها ، وصلتْ إلى الطابق الأول ارتطمتْ بباب حديدي تورّم وجهها لا بأس ذلك لن يمنعها من الاستمرار ، تابعتْ الصعود سواد المكان جعل الرؤية لديها شبه مستحيلة فلم تلحظ الدرج المكسور، فانزلقتْ ووقعتْ آه كتفي. أنخلع كتفها، لا بأس لم يبقَ الكثير لأصل، استفاقتْ وتابعتْ الصعود باب الممر الحديدي كان مفتوحاً طبعاً ظنته الحائط، يداهاالتوتا ويبدو أن تمزقاً قد أصابهما، وهنا فقط كان الصراخ حاداً آه وأخيراً هاهي عند باب المنزل وضعتْ المفتاح في المكان المخصص وفتحتْ الباب تهاوت أرضاً.

موجة من الضحك سادتْ العائلة عندما اقترب الأولاد من والدتهم، كانتْ ليلى قد غابت عن الوعي، دقائق وسيارة الإسعاف حضرتْ ولكن لتنقذ من ؟

18

الثلج الأسود

حلم طفل صغير لا يتعدى لعبة أو قطعة حلوة يأكلها، سميح كان حلم حياته أن يرى الثلج الأبيض ويستمتع باللعب فيه، لم يتجاوز عمره السنوات الخمس .

كما يبدو أن هذا الحلم سيتحقق ، فبعد أن نزحتْ العائلة من حلب إلى لبنان واقامت في أحد المخيمات اصبح بالإمكان أن يرى سميح الثلج ويستمتع بوقته !

لقد وعدته أمه بذلك، للمرّة الأولى تشعر الأم بأنّها حانقةعلى هذا الثلج كيف لا وقد تسبب بقتل العديد من الأطفال. وحدثت كوارث جماعية لأن أغلب العائلات تظللهم سقوف قماشية مهلهلة!

لماذا أتيتَ في مثل هذا الوقت، أيّها الثلج؟

ألّا يكفينا ما نقاسيه من هموم وأوجاع حتى تثقل كاهلنا بمزيد من المعاناة !

آه لقد جئنا بالثياب التي علينا لم نستطع أن نحضرثياباً صوفية أو أغطية .

لقد أحالتنا الحرب إلى كتلة من الهموم حولتناإلى جماعة منكسرة مقهورة ، هالني مظهر النساء والأطفال حالة من العشوائية نعيشها وسط زحمة الموت!

في إحدى هذه الخيام يسكن الشاب خالد مع أفراد عائلته المؤلفة من خمسة أفراد، من حلب انطلقوا ليبدؤوا حياة سعيدة أو هكذا اعتقدواترك بيته بعد أن دُمّرتماماً انسلخ عن ذَكرياته وحبيبته، ليأتي للسكن في إحدى الخيام مع والدته ووالده وأخويه الصغيرين كان يعمل نجاراً في حلبولكنه الآن يعمل ايّ شئ وكلّشئمن أجل لقمة العيش فقط لقمة العيش !!!.

لم يلقَ ترحيبًا كبيرًا حين وصل لمخيم اللاجئين السوريين في لبنانكان مجرد رقم.

صباح كلّ يوم ينطلق مع أخويه الصغيرين للعمل هذا الصباح لم يستيقظ عمر …!

نادته الأم لكي يرتدي ثيابه ويذهب مع أخويه ولكن دون جدوى صرخ خالد بهعلّه ينهض عمر..عمورة هيا قمْ ! لقد تاخّرنا.

حين نظر خالد إلى وجه الطفل عمر رأهجثة هامدة زرقاء باردة لقد حصده الثلج!

صُعق من هول المفاجأة ، صرخ بملء حنجرته،اختنقت كلماته و تهاوى معه هل يعيد الصراخ الأموات إلى الحياة هيهات؟!

19

بقي عمر جسدًابلاروح انفطر قلب الأم غماً،حين نظرتْإلى خالد ايقنتْ بأن هناك كارثة قد حصلتْ طفلها المدلل فارق الحياة …! لا غير معقول… (خاطبتْ نفسها).

لقد اعتادَ عمر أن يدّعي النوم أحيانًا خصوصًا عندما يحين وقتَ العمللكنه هذه المرّة لا يدعي .

آه من هذه الحقيقة المأساوية هل عليها أن تتقّبلها :إنّ فلذة كبدها قد فارقها لقد رحل ..الثلج الأسود أفقده حياته! آه صغير أنتَ بعدعلى الموت !

صرختْ صرخة ألمّ ومرارة سمع كلّ من في المخيم صرخة الموت تلك!…مات عمر.. لا ..لا يمكن أن يغيب،نداءات وصرخات وآهات ولكن دون جدوى! .

سارع أبو خالد بعد سماعه بالفاجعة،ركض ليحمل ضناه فلذة كبده،علّه يجد مكانًا يدفن فيه طفله.

حاول الأب أن يأخذ جسد عمر ليصلّى عليه ولكن الأمّ حاولت منعهوبصرخة عمتْ أرجاء الخيمة وصل صداها بعيدًا جدًا.

وبصعوبة استطاع الحصول على جسد طفله،من بين أحضانها.

سارعَ خالد لمساعدة والده تحت وطاة الصدمة.

عاد أبو خالد وولده من الخارج بعد أن أخذاالتصريح بالدفن من مفوضيّة اللاجئين.

ساد صمتُ مطبق داخل الخيمة،قطعه ابنها سميح الذي اقترب من والدته محاولًا تعزيتها،ضمته إلى صدرها وقفتْ بعنفوان واصرار وأمسكتْ بيد سميح قائلة:

هيا بني هنا الثلج أسود، سنعود إلى حلب فعسى ما يزال هناك الثلج أبيض.

.

20

الجمعة الحزينة

المكان: السليمانية الزمان: الجمعة 10/4/2015

1-ظهور ابن الإنسان الأسود

في جمعة مهيبة ،حلقتْ الروح، كطيور الهامة عالياً ثم رفرفتْ حولي واختطتفتني وقبل أن تاخذني بعيداً رأيتُ سبعة أحياء، بسبعة أبنية قريبة أو بعيدة عن بعضها ورأيتُ باب السماء مفتوحاً و إذا بأصوات خلفي كصوت البوق. ألتفتّلأنظر إلى الصوت الذي يخاطبني . كان يصرخ عالياً يشبه ابن الإنسان يرتدي ثوباً أسود طويلاً يصل إلى قدميه وشدّ إلى صدره زناراً ذهبياً وشعره أسود معتم عيناه كلهب النّار، يحمل في يده اليسرى سبعة مفاتيح لسبعة أبنية وسبعة بيوت.

فلمّا رأيته ارتميتُ عند قدميه كالميتة ، وقد تعجبتُ من رؤيته المكان، وخشيتُ من تبعات عمله على أصحاب هذه البيوت لكنه أشار مطمئناً.

وقال: لا تخافي على نفسك، كنتُ ميتاً فأنبعثتُ حياً حان وقت العمل، كما ترين مفاتيح البيوت شرّ لا بد منه .

2- تنين الشرور السعيد

ورأيته يتجه إلى مائدة طعام، وشاهدتُ نفسي وقد خرجتْ من جوفي صرخات مدوية تبعتها آهات تحولتْ إلى نداءات كره وحقد على هؤلاء الذين تكالبوا على جنتنا الصغيرة..

بعد أن رأيتُتنيناً يخرج من تلك المنطقة بسبعة رؤوس ينفث سمومه وكانت رائحة عفنة تخرج من فيه وهو في غاية السعادة كلّما وجدته سعيداً. تصيبني حسرة مؤلمة وأتحول إلى هيكل بعد أن تفرغ عروقي من الدماء من شدة التأثر وأجد أن جسدي بكليته تحول إلى أوردة وهذه الأوردة أخرجتْ دماء سوداء غاضبة حاولتُ بصراخي أن أتوجه بخطابي لكل من حول نعيمنا إلى جحيم.

ألا تكفيكم أجساد أبنائنا وأطفالنا الذين تحولوا إلى فتات وأشتات ؟

ألم تشبع بطونكم وتصاب بتخمة من لحومنا؟

ألا تشعرون ولو بألم بسيط لسماعكم صرخات أنّات أمهاتناالثكالى ؟

ألم تمتلى خُزائنكم من كنوزنا؟

21

آه كم أتمنى أن أضع أولادكم تحت صخرة لتشعروا بنا

آه كم أتمنى أن أبقر بطون نسائكم ؟

3- مائدة الجوع

ثم أشاهد ذلك الشيخ الأسود يتجه إلى مائدة الطعام وأجد على المائدة سبعة أنواع من الأطعمة وسبعة أكواب وسبعة صحون وتقدم ليأكل من الأنواع السبعة، ولسبب ما لم يستطيع إكمال طعامه ، غضب وطلب مني أن أساعده في ذلك وأكد بأنّه : لولا عطشي وجوعي، لما حصلت على الماء والخبز ولولا شّر الإنسان وكراهيته وجشعه، ما جئتُ اليوم!

وتختنق الكلمات في جوفه ويحاول متابعة الطعام ليكمل عمله.

4- أكواب الهمجيّة

ثم تتلاحق الأصوات كأنّها زلزال يصيب المكان أو هو أشبه بصاعقة وأجد هذا الإنسان وقد ازداد بريق عينيه وتتحول إلى جمرات ووجدتُ قوته قد أصبحتْبسبعة رجال ، ضحكاته تملأ المكان وأشاهد بعد ذلك أنّه يحضر سبعة أكواب ويملؤها بدل الخمر، دماء حمراء يريد تناولها دفعة واحدة.

5- أوقيانوس الفناء

لحظات وأشعر بأن هناك أجساداً تتساقط وجثثاً تتزايد سبعة سبعة وتتكاثر أشلاء البشر في هذا المكان وهذه الأشلاء تلتصق بجدران منهارة وتتطاير أجسادها وأجد المكان وقد تحول إلى بحر من الدماء، حيث أكباد حرى تنزف ومن حين إلى أخر أسمع نداء استغاثة من الجهات السبعة وأسمع أصوات الأمهات تعلو وتعلو مستغيثة واسمع نداءات أباء تتزايد.

6- صحوة الموت

ولكن ماالذي حدث في هذا الحي وفي هذا اليوم المقدس؟

لماذا تتهدم المنازل وتتهاوى على رؤوس أصحابهاالآمنيين ؟

وأسمع نحيب أطفال مصابين، هناك أحلام تتلاشى ومستقبل يكاد أن يختفي. تنتابني موجة رعبأبنية مدمرة وحضارة عمرها من عمر آدم تكاد أن تختفي.

22

هنا فقط أشعر كأن حقداً مبهماً ، ينمو داخل أروقة جسدي فأنا أقبع تحت هذا الجدار واجد أن روحي تغادرني، نظراتي الأخيرة جالتْ في المكان كلّ ما يحيط بي دمار وخراب دماء وأشلاء أطفال واجساد تفتتْ.

موت أسود يخيم، صرخات مؤلمة جارحة، حيث البكاء والعويل وصرير الأسنان، يبدو أنّه يوم القيامة .

وصلتني بعض الأصوات من الخارج، عشرات الأجسام الغريبة ، تحلّ على تلك الأبنية السكنية

7- ظهور ابن الإنسان الأبيض

هنا أرى ذلك الشيخ الأسود يظهر ويختفي.

وأكاد أسمع صوت بوق أعلى من صوت هذا الشيخ الأسود وأرى أن شيخاً بوجه أبيض ولحية بيضاء يرتدي ثوباً ابيض يغطي قدميه ويحمل بين يديه سبعة أكواب فيها البلسم الشافي، يحاول أن يقترب من تلك الأبنية ويدنو شيئاً فشيئاً من بعض الأطفال ويسقيهم البلسم كان بعضهم يستجيب له وأجده يؤكد : بأنّه أيضاً كان ميتاً فعاش وأنه جاء ليعيد ما دمره ابن عمه .

وكان هذا الشيخ الحكيم يتنقل على فرس رائعة الجمال ويدخل إلى بعض الأمكنة، حيث تنتشر فيها روائح كريهة عبر هواء ملوث مخنوق بآثار ما خلفته تلك الأعتدة السامة.

8- الشعب المصلوب

و تتوالى رؤياي وأرى ابن الإنسان الذي صلّبه طغاة الأرض قبل ألفي عام، ها هي ذي تتكرر نفس الصورة لأجد الجمعة الحزينة الحلبيّة أرى شعباً يُصلب ويموت ويحرق على أيدي تجار البشر.

9- الزلزال الأخير

وتتابع الرؤية وأرى الزلزال الأخير شديد القوة، ومع خيوط الصباح الأولى يتحوّل النهار إلى ليل مظلم وتأخذ المياه شكل الدماء وتسير بغزارة أكبر.

وشيئاً فشيئاً يغيب الشيخ الأبيض ، ليعود ذلك الشيخ الأسود ليجعل من المكان موطئاً لقدمه، ليتابع حلمه الأسود في إخفاء مظاهر البشرية السمحة عن وجه الأرض.

10- الوجه الآخر للقمر

فجأة أرى الشيخ الأبيض قد استقام ووقف ثانية رغم معاناته من الجراح التي أصابته وكان يحاول

23

ترميمها ، حيث كان يتجرع الألم واثناء ذلك كان يحدث نفسه قائلاً:

الحياة كذبة إنّها حلم لا نستفيق منه إلاّ عندمانصطدمبالموت ، لا يمثل الموت الآن سوى تلك اللوحة المخيفة التي طالما حاولنا الابتعاد عنها،في تلك الأثناء فقط أجد الناس يطلبون الموت فلا يجدونه بل أجد الموت يهرب منهم.

11- تآلف المختلفين

وأثناء رؤيتي تلك يقطع الشيخ الأبيض أحلامي ليصرخ بصوت زلزل كياني،يصرخ فيّ ويدعوني للنهوض للعمل معه بدل النحيب والعويل يمد يده اليمنى . ليعطيني كتاباً صغيراً مفتوحاً ويطلب مني أن اقرا ما فيه لأنّ كلماته ستدخل الطمانينة إلى نفسي وحين اقرأ جملة : حانتْ ساعة الحصاد!

في المشهد الأخيرأسمع صرخات هؤلاء تتحول عبر المدى إلى روحين تستقبلهما الأرض وأجد حديقة خضراء مزهرة.

وبعد قليل يطل علينا طفل وطفلة، يمسك كلّ منهما بيد الآخر وشعاع نور يسطع من جهات سبع يحملان المفاتيح نفسها التي كانت بحوزة الشيخ ذي اللحية السوداء، الذي أصبح رماداً ولكن تحولتْ المفاتيح إلى شعاع أمل قوي وشيئاً فشيئاً تتحول الأحياء إلى جنان وتشرق شمس يوم جديد على أناس يبحثون عن الجهة الثامنة.

24

الحقائب

سقط حيّ سيف الدولة، فبدأتْ رحلة نزوحي حملتُ بعض الحقائب واتجهتُ وعائلتي إلى حيّ الشيخ مقصود، أيام ودخل الإرهابيون حيّ الشيخ مقصود، فحملتُ وعائلتي بعض الحقائب على وجه السرعة واتجهتُ إلى حيّ الأشرفية. بضعة ايام ودخل الإرهابيون حيّ الأشرفية.

الأن أنا أستغيث طالباً منكم ملجأ لي ولعائلتي فهل من مجيب؟

اذهبْ حيثما تشاء وكيفما تشاء، ولكن لا تبقَ في حيّنا بعد الآن !

فعلى ما يبدو أن رجلك جرّارة للإرهابيين!

25

آمين

هنيئاً أبا صقّار

رديئاً أبا صقّار

قتلته وهو يدافع عن بلاده

وشققتَ صدره وأكلتَ فؤاده

هنيئاً أبا صقّار

لقد فُقتَ الوحوش

فحتى الضواري في يأسها

مهما تطوش

لا تأكل بني جنسها

تبّتْ يداك أبا صقّار

وستُلقى إلى النار

وسيلبسك العار

بينما سُيكّلل بالغار

ضحيتك حامي الديار

إلى أبد الأبدين

قولوا

آمين

26

أوهام

واهم

منْ يعتقد انّ الحروبَ لا تنتهي

وموهوم

من يظنّ أنّ السلام لن يزدهي

وهمان

من يؤمن أنّ الإرهاب

يمكن أن يسود

وهيم

من يفكر بانّ السراب

بالماء قد يجود

متوهّم

من يخالُ أنّه بالتطرّف

سيصل إلى الكمال

ومستوهم

من يحسب أنّه بالتخّرف

سيحقق الآمال

واهم

27

من اغترب

وظن أنّه من الأمان اقترب

وموهوم

من تهرّب

وحسب أنّه من السلام تقرّب

وهمان

من رحل

ورأى أنّه إلى الحرية وصل

ووهيم

فبعد أن كان في بلده معرفة

صار نكرة في سجلاتٍ مقرفة

متوهّم

من يجد في الغربة كلّ فرح

بل سيغمره اقصى الترح

ومستوهم

من يزعمُ أنّه خارج الأوطان

سينعم بالعز والمجد والسلطان

واهمة

كلُّ أمِّ ترى أنَ ولدها لها

وأبداً لن يتركها

وموهّومة

28

كلُّ حبيبة ترى حبيبها معها

ولنْ يهجرها

وهمان

كلُّ من بلا قلب

ويحلم بأنّ أحداً سيتسوّل منه الحبّ

ووهيم

وغريرٌ كلّ مغرور

ينتظرُ ان يلقى بزهوه السرور

واهم

قولوا له هيهات

من يؤمن بتوقفِ الحياة

وموهوم

فالحياة تستمرّ

وأبداً لا تستقرّ

وهمان

كلّ إنسان

يعتقد بتوقف الزمان

ووهيم

فما من بشر

قادر على إيقاف القدر

متوهّم

29

من يؤكد أن في المال إنقاذ

وفي الرفاهية ملاذ

ومستوهم

من يحسب أنّ البذخ حضارة

والترف نضارة

توهموا أنّكم تعرفون الحياة

مهما توهّمتم فالموت آت !

30

*بيرويا

أين هم ؟

أين أصواتهم، لترعد في المكان ؟

اين قاماتهم ، لتحدث اثراً في الأرض التي يمشون عليها؟

اين أطالسهم، لتبهج الناظرين؟

أين مآكلهم، مشاربهم، لتبعث الهناء في النفوس؟

أين عطورهم، لتضمّخ ارجاء الحيّ؟

كيف تحولتْ المدينة المفعمة بالحياة إلى أرملة وصارتْ قاعاً صفصفاً.

تبكي بكاء حارقاً ودموعها على خدَّيها .

كيف لا وقد فرغتْ البيوت من أهلها، من محبّيها من اصدقائها من جيرانها الكل غادروا المكان

اقفرت المنازل وأوصدت الأبواب، زال عن حلب كل بهاؤها، عذراواتها متحسّراتْ يشعرن بالمرارة .

هل أصبحتُ مُزدراة، يا جميع عابري السبيل! توقفوا انتظروا تأملوا فيما إذا كان هناك ألم اشد من ألمي.

كيف سمحوا لأنفسهم أن يسرقوا احلامنا ومستقبلنا !

بيرويا نظراتها التائهة وهي تقف شامخة يحيط بها الدمار، جدران منزلها انهارت ، معالمها تكاد ان تختفي ولكنها أصرّتْ على البقاء بيرويا لن تغادر دارها، لن تتحرك من مكانها، قيد أنملة، إنّها سيدة حكيمة عجوز منفردة باقية ، رحل كل السكان بعد أن دخلها شراذم الدخلاء ولكن كيف نسمح لهم باستباحة اعراضنا وأملاكنا ونغادر هكذا .

آه ابكي على داري !أم على وطني ! أو على هؤلاء الأبناء الذين حادوا عن العقل والمنطق السليم.

هذه أنا باكية وعيناي تذرفان الدموع، ابتعد عني كل هؤلاء المعزّين، لقد ملتْ عيناي من الدّموع

31

وفاضتْ احشائي بالألم فحين تجولتُ في المكان هالني الشكل الجديد للمدينة ، المدينة القديم

الحديثة.

آه .. جميع أعدائنا فتحوا علينا أفواههم القذرة، نفثوا روائحهم العفنة وسمومهم المميتة فحل بنا الرعب والهلاك فليحتضنوا المزابل !

*بيرويا: اسم حلب في عهد سلوقس نيكاتور مؤسس الإمبراطورية السورية وبيرويا مسقط رأس فيليب والد الاسكندر جاءت منها جاليات أسست حلب من جديد عام 330 ق. م ويطلقون اسمها على بناتهم

المرجع : مخطوطة دفتر النسوان/ سمير طحّان

هل أسمح لهم أن يضعوني في زنزانة ويدحرجوا عليّ حجراً؟

هل أسمح لهم أن يزيلوا تاريخنا ؟

هل بسبب خطايا بعض الأبناء نسمح ان تُهلك حضارة، لقد تاهوا كعميان في الشّوارع وتلطّخوا بالدّم حتى لم يعد احد يطيق أن يلامس ملابسهم هيا مزقوا قلوبكم لا ثيابكم!

ولكن هل سنسمح أن ينتقل ميراثنا إلى الغرباء وثرواتنا إلى الأجانب !

آه لقد صرنا كايتامى لا أب لنا ولا أمّ، لكننا كنا وسنظل (باقين أبقى من الأيام وأبقى من السنيين )

وهنا علتْ أصوات من بعيد بعض الحكماء يهتفون أصوات تقترب أكثر فأكثر( تختلط أصواتهم بأصوات آخرين )

بتُ أسمع الصوت بوضوح وكلّما اقتربوا مني استمتعتُ بتلك الكلمات راجعون راجعون واصوات ترتفع أعلى فأعلى عائدون عائدون عائدون يا حلب وتم العناق بعد الفراق وراحوا يسألونها .

بيرويا كيف لم تغادري مع المغادرين ، بعد هجمة الإرهاب علينا ؟

فاجابتْ كيف أغادر واولادي تحت الأنقاض !

لا تخافي أيتها الأرض ! وصدحتْ تهتف ، راجعون راجعون وشاركها العائدون منشدين :باقون باقون ها إنّ ابناءك الذين ودعتهم قادمون من المشرق والمغرب مجتمعين

32

متحدين بكلمة واحدة في أحضانك باقونبيرويا يابنتسيريون هنا باقون.

بينيلوب عصرية*

مرّة بعد مرات

تكاد تطّفرُ بنعيمه العبرات

يقف امامَها مذهولا

متوسلاً خجولا

يطلب منها الغفران

وأن تتناسى ما كان

مرّة بعدَ مرّات

يقدم لها باقةً زهرات

إنّه يخون…!

حدسُها الأنثوي لا يخيب

إلى متى الخيانة عليها تهون ؟

وهذا ليس بحبيب

قبلاً كانت تتسامى

وبحبّ تحضنه وتتعامى

لكن تتالي الزهرات

جرح كبرياءها

وهدر كرامتها

وإذا بها ذات مرّة

تسبقه وتقدم له زهرة…!

33

بينيلوب: زوجة أوليس بطل الأوديسة اشتهرت بأمانتها*

بيوت من رمال

1- نهاية المطاف

بدم بارد، قامتْ بتنفيذ قرارها، طعنتْه عدة طعناتٍ مميتة، أوّلها في القلب وآخرها في إحليله.

بضحكة صفراويّة مميتة، أخذتْ تمسح السكين ، شيئاً بلسانها ومرّة بثيابها، قبلّته مسحتْ رأسه مررتْ يدها على شعره وبكلمات قليلة، تكاد لا تفهم غمغمتْ: إما أن تكون لي وحدي أو فلترحل!

2-مرآة الصحراء المتحولة

ليل ونجوم، سحابات سوداء تُطل وقصة تبدأ من حيث لا ندري.

كلُّ ما ندركه أن نهاراً قد رحل وليلاً حلّ، يحمل بجعبته العديد من الأحجيات، التي تبحث عن حلول لها دون أن نصل في الكثير من الأحيان إلى اجابات مقنعة.

الكثير من الأشخاص يعمدون إلى العراء،إلى الصمتإلى الحكمةبكلّ ما فيها من عبر.

مع نفحاتِ الهواء الساخن وحيث الرمال المتوحشة كوحشة المكان، ترتفع مع كلّ عاصفة رمليّة مؤلّفة لوحة معقدة الألوان من صنع ذاتها بذاتها.

تتمازج الألوان بشكل متناسق، وإذا نظرتَ إلى السماء، تجدها بشكل مختلف عن الحالة التي اعتدنا مشاهدتها عليها وتشكلتْ كأنّها قصيدة بديعة، متكاملة الموازين والقوافي.

وبمرورك عبر هذه البيداء والأعمدة حيث الصحراء هنا بلهيبها تأكل أولادهاوتعكس حالة كل إنسان معرفي.

3- الأمور الأساسية في الحياة

وحتى السحالي والعقارب تتراكض تخرج من السُك لتعود إليه، لا أحد يمكن أن يعلم ماذا تفعل إلا هي نفسها .

34

هنا لا تجد ظلاً يحمي إلّا ظلّ السماء التي تظلّلك بلونِها الرمادي وإذا أمعنتَ النظر، تجد من بعيد

أشجار النخيل الممتدة بلا نهاية وأمامك الغزلان تتسابق مع أترابها. كنتُ أستمتع بمشاهدتها وهي

تتقافزعلى بعضها البعض الآخربغية التلقيح وكنتُ اشرح له كل هذه العملية من لحظة محاولة الذكر إغراء الأنثى حتى تمام تلقيحها وكان بداية الأمر يخجل وتحمرّ وجنتاه ومع مرور الوقت اعتاد على هذه الأمور الجوهرية لاستمرار الطبيعة.

4- متعة العزلة

بين هذه المرايا العاكسة المنعكسة اعتادت المرأة الجلوس في هذا المكان في العراء، تخرج يومياً من قريتها للتطرف بعيداً، لتتأمل الصحراء بكلّ صمتها، بوحشتها، حتى بأشواكها، كانت تجلس ساعات دون أن تشعر بمرور الوقت!!

5- لذة التواصل

كانت تقضي معه الساعات الطويلة، في تلاحم خاص مع كثبان هذه البوادي، يمارسان بعض الطقوس الخاصة حيث كان يحلو له أن تمرر يدها وتلامس شعره شيئاً فشيئاً تنخفض اليد لتصل حتى إحليله،في بعض الأحيان .كان يشعر غالباً بنشوة لذيذة ولكنها سرعان ما تشعربنوع من الخجل فتتابع تدريبه في ترويض النفس على مواجهة الحياة، لقد أرادته عموداً في هيكلها.

6-سطوة حواء

في هذا المكان ألقتْ عليه النظرة قبل الأخيرة، لتودعه، ربما شعرتْ بأنّه سيكون الوداع الأخير.

بعاطفتها الأنثوية، أيقنتْ بأنّه راحل إلى حيث اللاعودة

لكنها رفضتْ مجرد التفكير في ذلك الأمر.

7-الطبيعة الغلابة

طالما حاولتْ إبعاده وعزله عاملته بأنانية ولكن منذُ مجئ هذه الفتاة إلى قريتنا تغيرتْ الموازين بشكل كامل.

استشعرتُ الخوف منها، كانتْ جميلة فاتنة جاءتْ لتعلم في المدرسة ولكن ما الذي أتى بها في هذا

35

الوقت بالذات؟

أذكر حين التقيا صدفة، أثناء مرورها بالقرب منّا نظر إليها ملياً حتى شعر به كلّ من كان يمرّ في الطريق، أما أنا فقد أصابتني نوبة عصبية غاضبة فقمتُ بتمثيل دور المغمى عليها، يومها ضمني وقام ببعض الحركات الطبية البسيطة، لمساعدتي ، آه كم كنتُ سعيدة بتلك اليد التي تلمسني، ولكنه فجأة، كأنّه أيقن مكري حين نظر في عينيّ، رفع يدهوساعدني على النهوض.

يومها أحسستُ بأنّني خسرته، كنتُ أقنع نفسي بغير هذه الحقيقة، تأكدّتْظنوني حين بدأ يتهرب من مشاركتي بتلك الطقوس الساحرة.

8- صدمة الواقع

كان يقضي الساعات الطويلة معها يتسلّيان ويقضيان سويّاً بقية النهار.

في إحدى الأمسيات صارحته بالأمر فأنكر بل تهرب من الإجابة وكنتُ أعلم بأنّني يوماً ما سافقده وأنّه لا بد أن يطير بعيداً عني.

9- ظهور الفينيق المولود الوالد

للمرّة الأولى أستشعر الطمأنينة من لقاء هذا الفنيق الجارح، بعد أن كنتُ سابقاً أضيق ذرعاً به.

مرّات ومرّات حاولتُ التهربَ من نظراته الثاقبة أعتقد بأنّه أدركَ هذه الحقيقة ، وأدرك أنّه ابنُ الحياة ولا بدَّ له من أن يذوب فيها عاجلاً أو آجلاً.

أذكرُ أنّه جاء إلي وابتسامته تعلو وجهه، قائلاً : أمي لقد قررتُ الرحيل ! مع أنّني كنتُ أتوقعها ولكن فضّلتُ أن أتهربَ من سماعها.

كان وقعها على أذني محزناً ثقيلاً جداً تمالكتُ نفسي، منعتُ دموعي بقوة من الانهمار حفاظاً على كرامتي أمامه .

قلتُ له : أمتاكد من رغبتك تلك؟

نعم أمي، دعيني أكتشف الحياة على طريقتي الخاصة، لقد تلقيتُ الكثير على يديك، حانتْ ساعة الفراق .

10- استقلال المخلوق عن الخالق

هنا أخذتُ احاولُ أن أسمعَ الأصوات المكتومة في داخلي.

36

حين نطقَ الكلمة الأخيرة، تمنيتُ لو تنشقُّ الأرض وتبتلعني ! اقتربتُ منه، لكنه ابتعد بنفور أحسستُ به!

في تلك اللحظات عاد مجدداً هذا الفينيق إلى مخيلتي، وادركتُ الآن فقط سبب معالمه القاسية، حيثُ لا رحمة فيها ولا صفاء.

استسلمتْ لرغبته في السفر ظاهرياً، ولكن ناراً تشتعل في داخلها، حتى لم تسأل أين أو مع من سيسافر.

11- الفطام النفسي

ليلتها لم يغمضْ لها جفنُ، حتى بزوغ الخيوط الأولى من النهار، حقيبته كانتْ صغيرة ، لم يأخذ الكثير.

لم أشعر برغبة في البكاء والصراخ، كمثل تلك اللحظات حين ضممته إلى صدري، تمنيتُ لو يعود ثانية إلى رحمي!

ولكن سرعان ما طبعتُ قبلة طويلة على خده، أحسستُ به وهو يحاول التخلص مني ليسارع في الخروج من المكان.

12- آلام الجُذمور

انتابتني غربة مقيتة شعرتُ أثناء مغادرته، أنّه يكاد يقتلني، يمزقني، ربما أنا السبب!

وهأنا الآن وحيدة مرّة ثانية، كنتُ أعلم علمَ اليقين بأن هذا اليوم سيأتي.

يالي من امرأة ضعيفة منكسرة، ولكن لا؟

كلّ ما بنيته كما يبدو كان قُصوراً على الرمال، لم يبقَ سوى ذكريات وآلام وحسرة وبقايا أمّ، تنتظرُ كفنها لم تعد لي رغبة في الحياة حتى صغيري قرر الرحيل، سيتركني لتنهشني الوحدة وهذه الغربة هي من أسوأ أنواعها.

13- بداية المطاف

إلاّ أنّني بتُ أمقتُ كلّ شئ حتى هذا البيت الذي بنيناه معاً أنا ووالده.

لقد رحل أيضاً من فترة زمنية طويلة وإلى الآن لم يعد!

38

لم أسمع عنه شيئاً، حاولتُ أن أسكّن عواطفي ثم لجمتها، بقيتُ مدة من الزمن أتساءل عن السبب

الذي دعاه ليهجرني ويترك ابنه دون معيل، يبدو أنّه ملّ الفقر .

أذكر أنّه حمل نفس حقيبة ابنه وألقى على مسمعي بضع كلمات ورحل، سخرتُ يومها، من هذا الرجل الذي تحولتْ الحياة عنده لمجرد تفاهات يحب عيشها.

تابعتُ حياتي كمربية في مدرسة القرية ومسيرتي في تنشئة طفلي.

كنتُ له الأبُ والأم، لا كنتُ له السجّانة والعاشقة!

ولكن كنتُ أمنحه كلّ شيء، لماذا هجرني الآن؟

ما سبب ذلك؟

عندها فقط تسارعتْ الأفكار في رأسها، قبل أن يختفي عن أنظارها، طلبتْمنه أن يقترب منها، أن يعود.

لم يرغب بذلك شعرتْ به، وهو يحاول أن يقول لها : سأتاخر عن الحافلة، لكنه عاد أمام إصرارها ، أما هي فكانتْ قد قرّرتْ، ولكن ماذا قررتْ؟

39

تعال صدّق

المكان: خلف جامع الرحمن الزمان: 15/6/2015

سكون يطبق على المكان، صدمة وذهول، لقدانهار البيت وتحطّمكل ما فيه من أثاث، الأسلحة الفتاكة بكلّ أنواعها حلّتْ علينا طوال يوم الأثنين .

عدة أبنية سقطتْ عند جامع الرحمن، شهداء ارتقوا وجرحى بالعشرات ودمار في الأبنية والممتلكات.

آه يا حلب كم تقاسين؟

آه أيّتها المدينة الضحية !

ولكن صبراً أهالي حلب صبراً.. هذا ما كانتْتتمتم به الشابة جميلة وهي واقفة ، تنظر إلى آثار الدمار الذي لحق ببيتها وبالذات حديقتها التي هي جزء من حياتها.

لحسن حظي يبدو أن الخسائر في اثاث المنزل فقط، فرحة ممزوجة بحسرة وألم .لعمري ما رأيت مثل هذا الدمار في حياتي ! ما هذا الحقد غيرالمسبوق؟

يا للهولغير معقول إنّها امرأة عجوز طارتْ من البناء المقابل وحطتْ على رجليها فوق أرض ِ الحديقة، كأنّها هرة! هل أنا في حلم أم علم نعم أنا في علم ؟

صرختْ العجوز بذهول أين أنا؟

وما الذي أوصلني إلى هذا المكان؟ كنتُ جالسة في منزلي أتابع بعض البرامج التلفزيونية.

أخذتْ تتحسس رأسهاويحي !… أين الحجاب يبدو أنّه طار أيضاً! هيا من فضلك أعطني حجاباً وبدأتْ تتحسس جسدها يا لحسن حظي لم أصب بأذى.

تابعتْالعجوز موجهة خطابها للشابة ، لا بأس سوف أكمل ليلتي عندكم واعود صباح اليوم التالي إلى منزلي.

ولكن ما بك أّيّـتها الشابة وأمسكت بيدها ولكن دون جدوى، الشابة من هول المفاجئة، أُغُمي عليها ثم ما لبثتْ أن اسلمتْ الروح .

العجوز وهي عائدة إلى منزلهاترددحكاية غريبة بنهاية أغرب…!

40

تيّـــــــــــــــــــــــــــــــا

1- الطبيعة المتعاطفة

صباح مظلم أسود، كانتْ السماء غاضبة، معلنة رفضها لقوانين الإنسان الجائرة، الغيومالداكنة تخيّم تغطّي الفضاء. كلّ ما يحيط بناتكتنفه العتمة أو أحالته الطبيعة إلى كتلة حالكة.

تبدأ الأمطار حلماً،وتتحول إلى سيول جارفة، تكاد تقتلع كلّ ما يصادفهاحتى الشمس فضّلتْ أن تختبي في خدرها العاجي،لم تجرؤ على اظهار حُسنها خشية أن يصيَبها شرر.

كلّ ما في الطبيعة في تلك اللحظاتِ، فضل الاختباء حتى أسلاك الكهرباء، انكمشتْ على نفسِها الأشجار أصابها ذعر لا مثيل له، الرياح العاصفة أخذتْ تعوي .

أعواد الزهور الرقيقة لم تتحمل غضب الطبيعة فاقُتلعتْ من جذورها وتطايرتْ بالهواء أو استقرت تحتَ ارجل المشاة فلا مكان للضعفاء هنا . حتى للطبيعة فلسفتها !

2- القدر المختار

فقط تيّــا كانت تستقبل تبدل الطبيعة بروح بطولية ولكنها الآن مجبرة على التخلي عن أسلحتها بعد أن كانت تواجه كلّ تحّدياتْ العصر وشرورها حتى وهي في أخر لحظات حياتها تقف لتواجه الموت بروح مشبعة بالتساؤل.

سقوطها يشبه سقوط الآلهة أو شجرة السنديان ترفض أن تنحني إلّا شامخة شموخ هذه الأرض وتمطر مخيلتها بأحداث متراكمة من مدة زمنية طويلة تحاول لملمة أحزانها عبر ربع قرن مرّ كئيباً محزونًا، لا تتخلله سوى لحظات فرح عندما ولد هذا الطفل الذي أصبح الجزء المضئ من حياتها.

فبعد استقرار الرصاصة في أعلى جمجمتها،وقعت أرضاً ولم تعدْ تستطيع أن تأتي بحركة. تناثرَ شعرها الذهبي الطويل. وافترش الأرض فكان يبعث بعض خيوط نور، أما عيناها فقد تاهتا دون أن تستقرا في مكان محدد. في تلك اللحظات ظهرت ملامح وجه ولدها الحبيبالذي كانت تحتضنه وتلامس بفمها العذب جبينه ، في حين كان يغطّفي نوم ملائكي وحتى زوجها التي اعتادت أن تتهرب من النظر إليه، بعد الخيانات المتكررة التي تقاس بعدد رشفهلفناجين القهوة، احست بعطف أنثوي تجاهه قبل ان تخرج من المنزل يومها .

الطاقم الطبي المتواضع الذي كان يرافقها لم يستطع تقديم أي عون سوى محاولة رفعها بهدوء.

41

وتركها على لوح خشبي منعاً لأي مضاعفات قد لا تحسب عقباها، ولكن هذا لم يمنع تلك الدماء

القرمزية،من أن تأخذ مكانها لتغطي جسدها الساخن

3- غريرة ومُغرِّر

.تذكر تيّا عبر شريط الذكريات الذي كان يمرّ أمامها وكأنّه يحدث تواً .

حين أقدمتْ على مغامرة الزواج، رغم المعارضة التي واجهتها تزوجتْ بعد قصة حبّ حالمة.

تذكرْ في بداية قصتها. معه حين كان يرسل إليها رسائل عذرية بنكهات عذبة وكعادتنا دائمًا نفكر بعواطفنا وننسى أن نستعمل عقلنا أو نتجاهله، في الكثير من الأحيان، وغالبًا ما نقع بعد ذلك فريسة للوهم: وهم الحب ، حين نعتقد بأنّنا نحب بالطريقة الصحيحة في حين أنّنا بعيدون كلّ البعد عنه.

إصراره في جعلها دميته المفضلة، جعل منه ساحرًا أو شاعرًا يلتمس الكلام المنمق الجميل الذي لو سمعته الصخور لذابت عشقًا، ولكن حظها العاثر الذي وضعه في طريقها، جعلهاتقع بسهولة في تلك المصيدة، مصيدة: الحبّ المزعوم. ورافق ذلك كلماته المعسولة التي كانت تطرق أسماعها في كلّ لقاء حيث كان يؤكد لها بأنّ حياته لا قيمة لها دون الهواءالذي تنفثه دونها،بل ولم يعد يستطيع العيش دون أنفاسها العطرة الحارة..

تذكر أنّ كل كلمة كانت تسمعها ، كانت تجعل أحاسيسها تختلج فتذوب عشقاً وربما غروراً.

وزاد من غبائها الأنثوي، أنّها أحست حين غاب في أحد الأيام دون سبب موجب ولا تبرير منطقي، شعرت وكأنّ الزمن قد توقف فعاشتْ لحظات توتر وقلق وهي تنتظر ان يظهر فقط لترى وجهه وتطمئنعليه.

نداء استغاثة اطلقته، علهاتدرك سبب غيابه عنها وأخذت الذاكرة تمطر وتمطر معها الأفكار المتزاحمة بأخبار سيئة وأخرى متسائلة عن سبب غيابه .

فاجأها الواقع المتغير الذي أحدثه غيابه .

عندها فقط أحست أنّها لا تستطيع العيش بدونه يومها بقي أكثر من ساعة وهو يحدثها عن سبب غيابه: كان طيشُ شباب لا أكثر …!

42

4- صحوة مُتأخرة

قالتْ :بعد تلك الحادثة أصبحنا جزءاً، من مقعد الحديقة العامة القريبة من الحي،كنتَ تقرأ لي أخر إبداعاتك الشعريةوأذوب بتلك الكلمات الساحرة،نتلمس ضعفنا حيث كانت تأخذنا الآهات بعيداً وتختلط الشهقات،بالخوف من أن يرأنا أحد.

جميلةٌ تلك العواطفُ الخجولة التي كانت تصدر مني ولكن كم كنت غبيةً:حين كانتْ عواطفك الملتهبة ،تحاول أن تغريني ، كانت تجربتي في الحب فطرية، كيف سمحتُ لك بأن تدخل إلى قلبي وتصنعَ لنفسك مسكناً فيه؟ كيف لم أكتشف أنّك بسعة تجربتك وغموضك كنت تحاول ان توقعنيفي فخ الغرام؟كيف لي أن أدرك؟ وانا لا خبرة لي في الحياة، كاأغلب بنات عصري نستسلم عند اول كلمة حبّ أو شوق، لم تحتج إلى وقت طويل أيّها الغادر، لكي تتصيدني، كلما أتذكر أنّني مجرد لعبة استهويتها ، وأحببتَ أن تمتلكها، لتجعلني في صندوق ممتلكاتك ، أشعرُ بضيق شديد ورغبة ملحة في كره صنف الرجال لكني لا استطيع فأبي ايضاً من جنس الر جال وقد كان اباً رحوماًكيف لم أنتبه يومها ؟ ربما كنت استدركت خطاي، كيف لم أدرك بأنك لست النصف الثاني الذي كنت أبحث عنه؟

5- العاطفة الُمدَهوِرة

مرّة فقط شعرت بأنّك لست نصفي الآخر وكان ذلك صدفة حين أمسكتَ يدي لتقبلها وقتها رغبتُ بسحب يدي من فمك لأنّك لا تستحقني ولكنك كنتَ قوياً ومتسلطاً فلم أستطع التملص منك فاستسلمتُ لك .

أحداث اخرى مرت بي كنت خلالها أستطيع أن أكتشفك على حقيقتك، ولكن عاطفتي كانت في تلك الأوقات هي المسيطرة على كامل حياتي. ولم أترك لعقلي أية فرصة لكي أسمعه أو حتى أناقشه.

ولا أستطيع أن أنكر، أن شعوري العقلاني كثيرًا ما كان يتابعني عبر شكوكه التي يرسلها لي عبر شريط نهاية كل يوم حيث كان يحثني على المزيد من التريث في عواطفي الفطريةالتي كانت تنفلت مني أحياناً وتجدني قبل نهاية المساء قد صممت على استدراك طفولتي ولكنغالبًا ماكانتْ تزول تلك الرغبة في انتظار اليوم التالي.

6- الوفاء الغبي

اوهام وأوهامعشتها معك قبل ان نقدم على تلك المغامرة التي تسمى الزواج، بالرغم من

42

خيالاتي وأحلامي الكبيرة وحيث أنّنا لم نكن نملك المال الكافي ولكن بمعجزة استطعنا شراء

منزل متواضع صغير، كنت أعتقد بأنّ دفأه سيحول عجزًنا المالي إلى جنات وبروحي المتمردة استطعنا شراء بعض الأثاث إلى أن أخذ شكله النهائي الجميل بعد سنوات قليلة من تدبيري ودهائي تمكنت من جعله أقرب إلى قصر جميل، ولكنني لم أنتبه إلى مكرك ودهائك .من خلال كلامك المنمق الذي كنت تسمعني إياه مع أن الكثير من المقربين . كانوا يحاولون بطرق ما أن يشعرونيبخيانتك ولكن فرحة مزركشة خائبة كانت تعمي بصيرتي حينها.

7- المغيبة عن الواقع

حادثة صغيرة: كان لها الأثر الكبير في كشف حقيقتك التي لطالما حاولت التهرب منها حين تقف نفسي المرهفة وتحاور مكنوناتي العقليةوكنتُ ضمنيًا أدرك بأنّ هناك حقيقة ما يومًا ستتكشف .إلى أن كان ذلك اليوم. الذي عـدتَفيه وأخطـأتَفي لفظ اسمي، حتى أنّكَ لم تتنبه !

بل وتابعت محادثتي .

يومها فقط. بدأتُ أقلب الحوادث وبعض الأمور التي حاولتَ تمررها دون وعي مني: عندما كنتَ تقطع مكالماتك فجأة حين أدخلُ الغرفة وبعض النسوة اللواتي كنتَ تتبادل معهن نظرات مريبة وذلك حين كنا نضطر للقيام بزيارة ما، غالبًا كنت ترفض أن نقوم بالسير معًا معللاً أنك تغار عليّ وكلمة السرّ التي كنت تضعها، على هاتفك الجوال ومصروف المنزل الذي انخفض بشكل كبير وأسفارك المفاجئة وغيرها وغيرها من الحوادث، التي لم أعرها أي إهتمام إلا بعد عدة سنوات، من زواجنا،منذ أن أكتشفتُ بأنّك رجلٌ غادرٌ.

8- جحيم الخنوع

يومًا ما أذكر بأنّني زرتُك في مكان عملك ووجدتُ عندك إمراة بكامل أناقتهاوكنتَمنتشياًتبادلهانفس النظراتْ التي كنت تبادلني إياها عندما كنتُ معشوقتك المفضلة فرائحة عطرها، يكاد يملأ مكان عملك، في تلك الأثناء لاحظتُ توترك وغضبك من وجودي، لحظتها كنتَ جارحًا بكلمات قلتها لي وبسرعة أعلنتُ تراجعي وانسحابي المهزوم، لأحتفظ ببقية كبريائي أمام نفسي على أقل تقدير. وتعددتْ خيانتك لي، حتى أنك اعترفت لي بأنّك ضعيف جدًا أمام صنف النساء، وحاولت أن تبرر خيانتك، لي بعبارة أصبحتُ أمقتها كثيرًا

اعتبريني مريضًا !وحاولي مساعدتي.

كلمات بسيطة كان يلقيها على مسمعي ، ثم لا يلبث أن يغادرني ليكون مع فتيات، أو نساء

43

متزوجات كان يمضي بعض الأوقات معهن متنقلاً من واحدة إلى أخرى.

وكنتُ أدرك بحدسي الأنثوي الذي جرحته، بأنّك مقدم على مغامرة جديدة، أو أنّها تزعجك، من خلال تصرفاتك البلهاء في المنزل حيث كنتَ في الكثير من الأحيان تحتال لأفتعال مشاجرة ما، أو تقوم بقذف أي شيء وتحطيمه.

لكنيكنتُ أكتشف مراوغتك وكذبك من خلال نظراتك لي وتهربك من المواجهة أو الحوار خشية أن تفضحك عيناك، كم كنتَ مثل طفل مراوغ بنظرات تائهة مكشوفة !

عندها فقط تذكرتُ أنّ جرح الجسد قد يشفى أما جرحَ الروح من يشفيه ؟

9- القبول الإيجابي

وفضلتُ أن استجمع قواي وأحاول ترميم نفسي ومتابعة حياتي من خلال تربيتي لطفلي الوحيد وإعادة التلاحم مع مكونات البشر الذي جعلني بغروره وتسلطه الذكوري، اقطع تواصلي مع كل ما يمتُّ بصلة لمجتمع أو مكنونات بشرية.

10- تسامي المخدوعة

وهكذا عدتُ للعمل ثانية مع الجمعيات الإنسانية وأخذت أتعمدُ الخروج مع الأطر الإسعافية التي تقدم المساعدة ، لجرحى الحرب في الساحات العامة او حتى تحت الأنقاض، بداية الأمر كان الرعب يتملكني والفزع من هول الكوارث والأخطار التي نتعرض لها يوميًا أثناء تقديم العون والمساعدة للقتلى والجرحى و سرعان ما اعتدت الأمر وبدأت حياتي تأخذ منحىً أكثر قيمة وجدية وصرت تلك المرأة الشماء التي تدخل معترك المعارك، دون اسف أو وجل من نهايتي التي قد تأتي خلال إحدى المجازفات الإسعافية.

11-البحث عن المعادل الموضوعي

ورميتُ وراء ظهري أثناء ذلك كل ما يمتُ للماضي بصلة، بكلّ مكنوناته الجارحة وبدأتُ اشعر بتلك المراة التي توقفتْ لمدة ربع قرن أو أكثر عن الحياة لتعيش لرجل ظنته نصفها الأخر واخيراً انتفض ذلك الفينيق من جديد ليبحث عن النصف الآخر بطريقة مختلفة هذه المرّة والذي يمكن أن يكون عملًا أو حالة او حتى صديقًا.

حكمة خاطئة تعلمناها وحاولنا الحفاظ عليها لمدة طويلة، بأنّ الزوج هو النصف الثاني للمرأةولكن بعد تجربتي المريرة في الحب والخيانة ، بعد الوهم والحقيقة ، بعد الذل والهوان ،

45

أدركتُ بأن في الحياة الكثيرمن المنعطفات التي تضعنا في حالة كينونية خاطئة.

عندها فقط بدأتُبالبحث عن النصف الآخر من حياتي وأخذت محاولة إثبات جدارتي بالعمل الإنساني لتقديم المساعدة لكل محتاج حيث أدركتُ بأنّ نصفي الآخريمكن أن يكون ذلك الأب الذي حاول حماية عائلته فقدم روحه من أجل إنقاذهم من الدمار الذي لحق بمنزله ونصفي الآخر هو كل امراة تقدم فلذة كبدها من أجل وطن غالٍ أحاله جماعة من الهمج إلى كتلة من الدمار ونصفي الأخر هو ذلك الجندي الذي ترك حبيبته ليشارك في اقتلاع جذور الشرّ التي لحق بوطنه ونصفي الآخرهو ذلك الطفل الذي جعلته الحياة فجأة المعيل الوحيدلأخوته بعد أن فقد والديه، وأصبح مسؤولًا عن أكباد طرية كل ما تحتاجه بعض لقيمات لتسد جوعها

12- عروس الكمال

هنا شخصت عيناها وجمدتا، رفرفتْ روحها عاليًا، ربما هي المرّة الوحيدة التي اختارت أن تبدأ حياة جديدة، مع نصفها الثاني ولكنها قبل موتها قالت لهم : ألا يكون يوم وفاتي يوم حزن بل يوم فرح وبهجة اليوم فقد ولدت لأعيش من أجلكم في الحياة التي أعتقد أنّها حياة كاملة فطالما بحثتُ عنها

45

جرح ينزف

المكان : مخفر الشرطة في حلب الزمان: 2015

سجّل سيدي هذه الشكوى قام زوجي أحمد، بتهديدي بقنبلة يدوية وسرق خمسين ألف ليرة سورية !

ترددتُ أول الأمر عن تقديم شكوى كونه من اللجان الشعبية !

قام كاتب المخفر بتسجيل الشكوى كاملة. بعد أن وقعتْ على الشكوى انصرفتْ .

وقد وعدها المسؤول خيراً.

بعد عدّة أيام تم إحضار أحمد إلى مخفر الشرطة بدأ باستجوابه !

أنت المدعو أحمد .

نعم سيدي

السيدة حرمك رفعتْ شكوى ضدك !

أحمد مندهشاً ! شكوى ..لماذا ؟

تقول فيها إنّك قمتَ بتهديدها وسرقتَ منها خمسين الف ليرة سورية.

هل هذا صحيح ؟

سيدي أنا لم أسرق منها شيئاً ولم أقم بتهديدها.

استشاط الضابط المسؤول غضباً وصرخ، قائلاً: أحضروا السيدة على وجه السرعة !

الزوج والزوجة يتواجهان أمام الضابط ، هنا أكدتْ الزوجة بأنّه فعلاً لم يسرق منها شيئاً ولم يهددها!

يا إلهي ما هذا …! صرخ الضابط المسؤول ، ابتسامة ماكرة بدتْ على وجه أحمد نعم سيدي لم اسرق منها شيئاً ولكنها حين دخلتْ إلى غرفة نومنا وجدتني وأختها في سرير واحد!

46

جواز السفرِ

*

أصيبَ سمير بحالة هستيريّة وأخذ يصرخ ويضرب الباب بكلّ ما أوتي من قوة إلى أن خارتْ قواه فوقع أرضاً فاقداً الوعي من الجوع والتعب.

على وقع خطوات أقدام يهبُ من مكانه، أصوات الأرجل، تقترب شيئاً فشيئاً، ينكمش على ذاته، ليلتصق بأحد الجدران المعتمة، التي تُرك فيها لعدة ساعات، ظنها دهراً، زاد خفقانقلبه، لحظة فتح الباب ودخل رجل وانتظر الثاني عند المدخل وبلمح البصر أمسك بسمير مخاطباً إباه، هل تريد الخروج؟

أوماْ سمير برأسه علامة الموافقة .

هات ما معك من المال ؟ بسرعة البرق مدّ يده إلى جيبه وأخرج بعضاً من الدولارات وقدمها للرجل خمسمائة ستمائة سبعمائة دولار هذا كلّ ما أملك .

تلهفها الرجل وضرب سميراً على رأسه وركضا .

أما سمير فبقي مغمياً عليه لمدة وحين استيقظ ، وجد الباب مفتوحاً نهض متثاقلاً والدنيا تدور به، استندً على الجداركان واجماً توقف ثمأطلق لرجليه العنان ، اخذ يركض ويركض وسرعان ما أدرك أنّه وقع فريسة لعملية احتيال منظمة .

**

حين بزعتْ شمس اليوم التالي وجد نفسه مطروحاً أمام قارب صغير . وقف واستقام وننفض الغبار عن سرواله واستقل القارب مع بقية الركاب وأبحر.

***

لقد اراد سمير الانضمام إلى أسرته زوجه وابنتيه ، اللواتي هاجرن إلى السويد عن طريق البحر بطريقة غير شرعية وبجوازات سفر مزورة، استغرقت الرحلة عدة أيام ،وقد عانتْ الزوجة من سوء المعاملة ومن محاولات كثيرة للتحرش بها و بابنتيها وسرقتها!

47

لن تنسى أبداً كيف نمنَ مع المختلين والمعتوهين و المهربين، كلّ هؤلاء اجتمعوا على سفينة

واحدة، كلّ ما تذكره بأنّهن كنَ يتناوبن في النوم، تنام إحداهن وتسهر الأخريات بالتناوب

وهكذا أمضينَ الرحلة وصولاً إلى مرافئ السلامة،هناك قامت بتسليم نفسها وابنتيها إلى السلطات المختصة.

وُضعتْ الزوجة والابنتان في ملجأ فيه الكثير من الأفارقة والأشخاص المهاجرين من بلاد كثيرة وبخاصة البلدان الفقيرة.

تذكر أنّها بمثل هذه الأوقات تجلس في مكتبها لتؤدي واجبها الوظيفي ، كانت تشغل مركزاً مرموقاً، ويعمل تحت تصرفها طاقمٌ من المهندسين والعمال .

اللعنة على تلك الحرب، التي جعلتنا نترك حياتنا وبيوتنا.

عندما لفظتْ الجملة الأخيرة،اصابتها موجة من البكاء ، فمنذ مدة قصيرة ،اكتملبيتها الذي أمضتْ سنوات وزوجها لأكماله من مدخراتهما أحياناً أومن القروض المصرفيةأحياناً أخرى ، ومع الأسف لقد ضاع كلّ شئ، بثمن بخس لم يراعَ فيه عرق السنين .

كيف سمحتْ لهذا التاجر أن يبيع أحلامها ببضعة ليرات؟

كيف استطاعتْ ان تتخلى بسهولة عن مملكتها ؟

اسئلة وأسئلة تتوارد إلى ذهنها ولكن ذلك الموت التي كانت تحصده، اسلحة الدمار، من جعلها تسارع لكي تبتعد قبل أن تصيبها تلك اللعنة أو تدمر عائلتها.

بصعوبة بالغة لفظتْ الكلمات الأخيرة، لتدخل في حالة من التعب الذهني النفسي.

****

بعد أن وصل سمير إلى السفينة و صعد إليها، لم يجد له مكاناً ، يقف فيه

كانت مكتظة بالمهاجرين.. لم تكمل السفينة رحلتها فقد هاجت عليها أمواج مجنونة وأغرقتها مع مهاجريها، الذين ابتلعتهم مياه المحيط .

48

حبٌّ مقتول

كانا يلتقيان على طريق المدرسة، يتجاذبان اطراف الحديث عن كلِّ شيء وعن لا شيء . أحياناً يتقاسمان فطوريهماودائماً لا يتأثران بحالة الطقس فأهتماماتهما تتجاوز البرد القارص والحرّ الشديد. وكانا يتزوران بحكم الجيرة ويتعاونان في إنجاز الواجبات المدرسية ويتبادلان دواوين الشعر والقصص والروايات ويتحاوران في مجريات المسلسلات التلفزيونيّة والبرامج المتنوعة مرّت السنون وشبّا على الألفة الطيبة وذات يوم قالتْ لها أمها:لا تختلطي بالكــفرة .

بعد الآن ممنوع أن تمشي أو تزوري غير من هم منا وفينا ومثلنا.

صعقتها قراراتُ أمها المفاجئة !

لماذا لم يسبب الاختلاف اي خلاف حتى الآن ؟

وما الذي جرى حتى صارت أمَها غريبة الأطوار إلى هذه الدرجة؟

شيئاً فشيئاَ، اكتشفتْ أنّ أمها قد انتظمتْ في دوّرة تكفيريّة وتحولتْ إلى داعية إرهابيّة متطرفة وأنّها قد تجبرها قريباً على الالتحاق بجهاد النكاح.

الفتاة فضلت أن تكون مع حبيبها فهربت بعيداً معه وحملتْ الأمّ بندقية لجهاد السلاح نهارا وجهاد النكاح ليلاً وراحتْ تبحث عنهما لتنفيذ حكم الشريعة فيهما ولم تنفذ حكم الشريعة على نفسها أوّلاً.

49

حزام ناسف

لا يعلم لماذا الآن فقط تتزاحم الأسئلة في رأسه.

هل بعد أن يقوم بتفجير نفسه، ستستقبله الحورّيات؟

هل بعد أن يصبح أشلاءً ستقابله الحوريات وقد تطاير إحليله وتناثرتْ خصيتاه؟

هل الجنّة ستنتظره، بعد أن يمارس القتل الجماعي ؟

أسئلة تمنى لو يلتقي الشيخ ليتمكن من الحصول على إجابة واضحة عنها.

سمع مرّة بأنّ المؤمن يحشر بعد موته بجسدهالذي مات عليه، الأعور يُحشر أعور والمخصيّ يحشر مخصيّاً.

لقد عاش حمزة ضمن عائلة كبيرة العدد تسعة أخوة،بدخل محدود فوالده بائع جوال، يعتمد على بيع الخضار على عربة خشبية يجرها بنفسه، يذكر أنّه كثيراً ما نام بمعدة خاوية، لم يتمكن من إكمال تعليمه .

منذ طفولته كان يأخذه والده ليساعده في عمله ، وهكذا شبّ وهو لا يدرك من الحياة سوىالخضار. وهذا المسجد حيث يتلقى علوم الدين على أيدي بعض الشيوخ المتطرفين .

يوماً بعد يوم ازداد تعلقه بتلك الفلسفة الدينية الخاطئة.

فشيخه لا يمكن أن يخطئ أو يكذب.

لقد ازدادت في الآونة الأخيرة الخطيئة وكثر الفجور وعلينا ردّ هؤلاء الناس إلى دينهم القويم، ولو بحد السيف ! هذا ما كان يردده الشيخ في عظاته المتكررة على مسمع الجميع. حمزة الذي ما توقف يوماً عن زيارة هذا الشيخ ، هاله الأمر في البداية عندما قال مرّة جملته الأخيرة ولو بحد السيف !

كثرتْ زياراته للمسجد ولشيخه وجاء يوماً عند والده، ليقول له بأنّ فرصة عمل ذهبيّة قد توفرتْ

50

له و شيخه الفاضل قد أمن له هذا العمل و عليه الاستعداد للسفر.

لم يّكثر هذا الوالد من الاستفسار، بل شجعه .

وكانت الفرصة تدريبات على السلاح وبدأ بالقيام ببعض العمليات ، المال أخذ يجري بين يديه، سعادته لا توصف وخصوصاً حين تمّ تزويجه ، من إحداهن.

ولكن بعد عدة أيام أخبروه بأنّ عليه أن يقوم بعملية انتحارية بحزام ناسف، لإعادة بعض الأشخاص إلى تعاليم الدين القويم. هكذا لقنوه !

أمضى ليلته الأخيرة بين حوريات أرضية، مارس معهن جهاد النكاح وفجأة خطر بباله سؤال غريب ، لذيذ هذا النكاح. ما الجديد الذي سأجده عند حوريات الجنة؟

وينهره ضميره هنا، أن توقف عن هذا الكفر يا رجل!

سيارة فخمة تسير وسط السوق، آه لو يعلم ماذا تخفي في جُعبها!

موت قادم لا محالة، لا تغرّنكم فخامة السيارة ومن بداخلها !

تحمل في تلافيفها وباءاً ودماراً توقفتْ وسط أكبر تجمع في المدينة ، لينزل وبخطوات ثابتة مصممة يجول بناظريه على هذا الكم الكبير من البشر أطفال ونساء شيوخ وشبان، كلّ يعمل يبيع يشتري، خليّة متكاملة. على وجه الشقي ترتسم ضحكة صفراوية مقيتة ، أقتربَ أكثر فأكثر.

وبينما هو يضغط على الزناد، وقعت عيناه على وجه والده الكهل وأخيه الصغير، انفجر الحزام وتناثرتْ الأشلاء أشلاء الشهداء صاعدة إلى السماء وأشلاؤه إلى جهنم وبئس المصير.

51

الخدمة الإلزامية
*

هناك خيط ما بين الحلم والحقيقة،أمنية حياته تحققتْ حمزة الذي طرق جميع الأبواب منأجل السفر أخيراً هاهو في فرانكفورت، عبء ثقيل كان يجثم على صدره

أخيراً هرب من الخدمة الإلزامية، كان يردد، مالي ولهذه الخدمة لألتحق بها !

نهايتي المحتومة كانت ستكون الموت !

لن أكون لقمة سائغة في فم الإرهاب!

بعد كلّ هذا الجهداستطاع أن ينال شهادته العليا ولكن من أجل حرب قذرة .

هل عليه أن يذهب ليقاتل ! ياللمهزلة.

محبوبته وفاء أيضاً شجعته على السفر وسوف يطلبها في أقرب فرصة.

هنا سيعاني قليلاَ ولكن لا مشكلة سوف أزيل جميع العواقب التي تواجهني نعم سابدا من جديد بصحبة وفاء.

**

أمجد الذي بإطلالته المهيبة وكلماته البسيطة وألفاظه الفخمة، دخل إلى مكتب صديقه ، كعادته صباح كل يوم ليتبادلا الأحاديث اليومية للمرّة الأولى لم يكن سعيداً ملامح الحزن ترتسم على وجهه.

تابع أمجد ليقول إنّ حبل الود مع حبيبته قد انقطعتْ، أمجد الذي أحبّ وفاء تعاهدا على الزواج ، كان مهندساً تخرج حديثاً تفوقه الدراسيجعلتْ وظيفته لدى الدولة سهلة المنال. أكمل دراسته نال درجة الدراسات العليا بمرتبة الشرف وبدأ بالتحضير لنيل شهادة الدكتوراه ولكنها الحرب التي شنتْ على بلده، جعلته يعيد ترتيب الأوراق لا بل الألويات .

هل عليه أن يتزوج

أم يتابع دراسته

52

أم يسافر

أم يلتحق بخدمة العلم؟

وفاء كانتْ ترغب أن يرحل،هكذا أصبح يعيش في متاهة محيرة.

***

المشرف على حمزة لم يصدق بأنّه من سورية لقد كان شعلة ذكاء ذكاؤه لفت إليه أنظار المشرفينومنحه تسهيلات كبيرة!

في وقت قصير نسبياً تمّ قبوله في إحدى جامعات فرانكفورت بل وتم منحه إعانة ماليّة كبيرة وأخذ لاحقاً يساعد في بعض البحوث الخاصة بالجامعة.

كان المشرف يردد عليه عبارة : ” نحن أبناء عمومة” !

في البداية لم يكترث حمزة للأمر ولكن حين وجد نجمة داؤود على مكتبه لم يثره الأمر كثيراً .

****

لم يستغرق أمجد وقتاً طويلاً في اتخاذ قراره، قام صباح اليوم التالي بعد أن أعد بعض الحاجات الضرورية، ودع الأهل وركب الحافلة فقد قرر أن يتطوع في الجيش العربي السوري.

سنوات تمضي، لتعود وفاء للاتصال بأمجد، متوسلة أن يسمعها، أخبرته أن حمزة بينما كان يقوم بنزهة مع صديقته الحميمة ابنة المشرف اليهودي الجنسية في إحدى المنتجعات إنحرفت السيارة بهما وتوفي على أثرها .

لقد كانت تتحدث والحسرة تملأ قلبها شيئاً فشيئاً بدأت تذكر أيامهما معاً وتتمنى لو تعود ثانية أعطته رقم هاتفها وعنوانها إذا رغب في التواصل معها.

أمجد الذي أجل كلّ مشاريعه الشخصية من أجل الوطن .

تُرى أيظل الوطن شغله الشاغل ومحور حياته؟

أم أنّ للغرام إلزام يقلب الموازين ويغير الثوابت وللأنوثة مغانط تشحن الخامل وتجذب من لا ينجذب!

53

رحيل

إلى روح أغلى الحبايب إلى أمي

قرّرتُ أن أرحل

لا أريد لأحدٍ أن يزعلْ

سأودّع أحبابي

سألملمأغراضي

سأغلق أبوابي

على الحاضر والماضي

قرّرتُ أن أرحل

رغمَ رفضكم أجل

سأسافر بعيدًا

رويدًا رويدا

ابقوا عند حُسن ظنّي

لا تبحثوا عنّي

البحثُ بلا فائدة

عنْ الراحلين رحلةَ اللاعودة

شبعتُ من السوء

أريد انْ أنعم ببعضِ الهدوء

سأغادر نفسي همّي

لألتقط بقايا جسمي

54

يكفيني يا حياتي

لقد أتممتُ مهمّاتي

لنْ تعودوا تروني بينكم

لكنّي سابقى معكم

إلى الأبد

روحًا بلا جسد

وبعدَ ايام

الحرة قلبُها دليلها

طواها الرغام !

وتمّ رحيلها..

55

سهرة

حبيبتي: اشتاقكِ شوقَ الأرضِ للمطر

شـــــــــــــــــــوقَ الليل للقمر

حبيبي: اشتاقكَ شوق العصفورِ للشجر

شـــــــــــــــــــــوقَ العود للوتر

متيّمتي: دنا الليل فتعالي نتـــــــــسامر

نشـــــرب نخبَ حبّنا ونتخامر

متيّمي: بل هلمّ بقيةَ النــــــــــــــــــهار

نتبــــــــادل الأشـــــــــــــــعار

حبيبتي: أجلي الشـــــــعر حتى الصباح

وهيـــــا نغرق في بحار الراح

حبيبي: دعني أتمتّع وحدي بالســــــحْر

فالشـــــــــــــــــعر أجود الخمر

56

شجرة الوطن

قف تمهّل

لا ترحلْ

الذي يرحل يموت شوقًا

أنا في حضن أمي سابقى

واذوب عشقا

قد أشقى

وقد لا ألقى

ولكن لا

لا لا

سابقى

أجل

لن أرحل

قف تمهل

لا ترحل

يريدون لنا الهجرةَ

ترهيبًا!

بعناقيد الموت المعلقة

58

ترغيبًا

بدنان السموم المعتقة

أجل لن نرحل

تتهاوى الثمرات

ثمرة ثمرة

تتناثر الزهرات

زهرة زهرة

تتساقط الورقات

ورقة ورقة

لكن تبقى الشجرة

الشجرة تبقى

ونحن سنبقى

وسيبقى الأرقى

لأنّ الوطن ابقى

تريّث لا تتعجّل

تمهّل تعقل

خير لك أن تموت عشقا

من أن تموت شوقا

59

طفرة

في ليلة شاتية

نجومُها غافية

زهرةٌ مخمليّة

فُتنتها قرمزيّة

تُهفهفُ حريرَها

لآلىء عبيرَها

بزغتْ

الأرض سطعتْ

والسماء لمعتْ

كوكب فائق

صاغها مبدع خارق

لوحةً بشريّة

تحفةً كونيّة

وسجد مذهولاً بروعتها

وركع

مأخوذاً بكمال هيئتها

وصاحَ آه يا حياتي

غالاتيه

60

إيه يا غلطتي إيه !

تباً لي كيف أمام السماء

نذرتُ

ألا اقارب النساء ؟

نذرتُ ألا أحبّ

آه يا رب

اصعقني أنا المجنون أنا بجماليون *.

*بجماليون :فنّان أسطوري قبرصي نحت تمثالاً لفتاة اسمها غالاتيه وعشقه وكان قد نذر ألا يُعاشرامرأة طيلة عمره.

60

عصفوران

عصفوران نزحا

والعراء التحفا

قرب حاوية أرتميا

وبرقعةِ قماش مهلهلةٍ تغطّيا

اخذَ الأخ يدلّكُ أخته

لعلّها تختزن حرارته

عصفوران مكوّمان

في زاويةِ مهملان

أحدٌ من المارّة لم يلتفت إليهما

كأنّهما

حجر

أو بقايا شجر

لهفَ قلبي عليهما

واه

آه لو اقدر أن ارعاهما

ويا لحرقةِ نفسي على بلد

ما للولد فيه من سند

62

وأيّ مستقبلٍ لوطن

أبناؤه ياكلهم العفن؟

عنقود الشهداء

تُرى هل كان سمير يدرك انّه يلعب بالكرة للمرّة الأخيرة؟

حين قام بجمع الورق بين يديه وكوره وزينه ولونه وجعله كرةً زاهيةً .

راح يلعب بها كعادته أمام منزله، بمشاركة أصدقائه، وفجأة حدث شيء ما ! توقف سمير مندهشاً.

لماذا يتطاير الشرر من عينيه؟ ويسارع دون خوف ليقترب من ذلك الغريب

هناك إرهابي يحاول التحرّش بأمه التي صفعته على وجهه فافرغ رصاص مسدسه في رأسها.

ما أمهلها الوقت لتستنجد وكانت نظراتها على طفلها ويداها تمتدان إليه عساها تعانقه العناق الأخير.

ركض سمير وقذف الإرهابي القاتل بتلك الكرة الورقية، لامست الكرة وجه المجرم فانفجر حقده الدفين وأفرغ رصاص بندقيته في جسد الطفل الغضّ الأبيّ.

ارتمى سمير وهو يتخبط في دمائه على جسد أمه وكأنّه يريد أن يلتحم بها .

تراكض أهل الحي ليمسكوا بذلك الشقي، الذي أدرك أنّ سلاحه وسط هذا الاجتماع الشعبي لن ينفع فبادر إلى الهرب.

صوت تعالى من فم عجوز صائحاً:

لا تخافوا يا أبنائي، إنّهما حبّتان انقطعتا من عنقود الشهداء الذي لاينتهي ولا يفنى أبداً!

فكلّما سقطتْ حبة، طلعت عشرات، بل مئات ، بل آلاف الحبّات . تعالوا لننّصب سمير وأمه آلهة سلام وننظّف حيّنا من شوائب الدخلاء، ليعود جميلاً كاملاً بحباته المتراصة كما كان!

63

عهد

باسم الجمالِ تُشوّهون

باسم الخيرِ الشرور تُمارسون

باسم الحقِ الباطل تتبعون

باسم المحبةِ تُبغضون

باسم الحريةِ تستعبدون

باسم الدين تُكفّرون

باسم الإنسانيّة تتوحّشون

باسم السلام

تزرعون الخصام

ويحكم يا بعض البشر

يا خيراً منكم الحجر

رغم القدر

لنْ نصمت عن جرائمكم

وستعود عليكم مساوئِكم

الجامع الأموي الكبير سيذُيقكم سوء المصير

ديرصيدنايا سيرُيكم المنايا

غار كسب سيُصيبكم بالعطب

زروعْ الجزيرة سترميكم بالكوارث الكثيرة

64

زيتون إدلب سيلعنكمْ من المشرق إلى المغرب

نواعيرحماه ستسقيكم الآه تلو الآه

أمواج البحر ستبليكم بالقهر

وقلعة حلب ستريكم العجب

عهداً علينا نحن السوريين ستبقون عندنا ولكن مقبورين .

65

قبل وبعد

قبل الأزمة:

1-الخانومات الحلبيّات

سيدات الصالونات

غزالات الصبحيّات

سلطانات الكافتيريات

عارضات أزياء وموبايلات

وإكسيسوارات

وميكياجات

وبرفانات

وآخر صيحات الموضة

وآخر صرعات الفوضى

من بلوزات وسراويل

يدخنّ السيكارات والأراكيل

وفي الجوار مع طاولات الصغار

سيريلانكيّات وحبشيّات وفيلبينيّات

طبعاً الخانومات

نجمات المجتمعات

كواكب البلاد

66

لا وقت لديهن لرعاية الأولاد

طبعاً الخانومات

دائماً مشغولات

لا يضيعن وقتهن بإعداد المأكولات

مكالمة صغيرة

وتِحضرُ وجبات كثيرة

طبعاً الخانم سيّدة زمانها

وزوجها يرأها ست النسوانا

يرأها ولا يُصدّق

ولإرضائها أعماله يُعلّق

2- العاملات الحلبيات

مشغولاتْ طوال الوقت

يعملنْ بصمت

مضحيات مكافحات

متفاتيات مخلصات

يعانين المرّار

لأسعاد الكبار والصغار

قليلات الكلام

كثيرات الاحترام

بعد الأزمة:

1- الخانوماتْ الحلبيّات

67

أغلبهن عصابيات

تركن أزواجهن والبيوت

اسرعن إلى بيروت

وبكل أناقة

وبكلّ لباقة

صار لكلّ واحدة

رقم وسعر وبطاقة

وشهرة ماردة

طبعاً كنّ معتادات على السهر

وعلى الشرب والسمر

معتادات على البوّدرة والحمرة

والزي المناسب للنمرة

الرخصنة المغرية للزبون المنتظر

2- العاملاتُ الحلبيّات

أخواتُ رجال

صرن مناضلات

علاوة على رعاية الأطفال

حاربن الدواعش

مرتكبي الفواحش

وقاومن الإرهاب

زارعي القتل والخراب

68

وشاركن في تخفيف العذاب

عن كلّ مصاب

فلهن السلام على مرّ الأيام .

قبل وبعد

3-قبل الأزمة:

أفندنيا الحلبيّ

على الدلال ربي

ينام حتى الظهر كالطاووس

يأكل لوناً على كلّ ضرس من الضروس

شيخُ العشاق

عنده بكلمة الزواج والطلاق

كلّ حديثه عن النسوان

هن فتنته إلى آخر الزمان

يقضي عطلته مجاناً في المحلّق

وعيناه قدود الحسناوات تتسلّق

الزوجة الثانية تحضر له المأكولات

69

الثالثة تجهّز لأركيلته الجمرات

الأولى تكش عنه الحشرات

وأمه تروي له الحكايات

يتعطّر بالمسك والعنبر

ويتعنتر

ويعيش افراح ألف ليلة وليلة

يا له من خيلة

3- الموظّف الحلبي

نزيه شهم أبي

يقضي العمر أمام المكتب

لا يكلّ ولا يتعب

همّه إسعاد أفراد العيلة

بعد الأعباء الوظيفية

يهرع إلى الأعمال الإضافية

يسحب المدخول بمشقة

ويحسب المصروف بدقة

ومع ذلك كالعادة

دائماً مرهون على الزوّادة

يأكل بلا انزعاج

70

ما تقدمه امرأته بابتهاج

ويعيش راضياً

إلى خير الجميع ساعياً

4-بعد الأزمة:

أفندينا الحلبيّ

لعب شيطان الحرّية

لعبته الزكيّة

من تنبل صار إلى غبي

صار قائد كتيبة

وملأ بالدولار الحقيبة

تأتيه الغنيمة تلو الغنيمة

ويدعى إلى الوليمة بعد الوليمة

وعلى دماء الشهداء الزكيّه

يحتفل ببطولات خياليّة

يسلب وينهب

بكلّ همجيّة

ويسرق ويحرق

بكلّ وحشيّة

ويقتل ويفتل

71

ويبرر بعنجهيّة

إنّها الحرية

يا لشروره العميمة

ويالنهايته الوخيمة

4- الموظف الحلبي

يأنف من الغزو والسبي

حلتْ الأزمة

فشدّ العزم

ورغم أنّهم خربوا داره

وخطفوا وقتلوا أولاده

فأفترش العراء

بعد امتلاء مراكز الإيواء

لم يتوانَ عن المساعدة

ولا عن المساندة

وظل يساهم في إنقاذ الضحايا

ورفع البلايا

لك كلّ التحيّة

يا مثال الوفاء والأريحيّة.

71

قرار وجودي نهائي

اتخذُ التآلف ملاذاً. كم أفضل البقاء خارج الزمن، دون حدود، دون تفاصيل!

إنّي التزمُ مخالطة الجميع، علناً علّها تعيدُ إليّ ما فقدته.

هيهات أن يعود من لم يذهبْ بعد!

لماذا أفضلُ المؤانسة؟ أفضّلها حتى لا تتحول كلمة حبّ إلى مجرد مصطلح نتبادله دون أي معنى.

حتى لا ينقلبُ الحبّ إلى مجرد قربان على مذبح الموت، حتى لا تقترب النهاية بكارثة البغض والقطيعة.

حتى لا تفقد كلمة الحبّ رونقها الجميل. وحتى تعني شيئاً لكل موجود، أنا أحبّ المؤانسة.

لا يوجد سؤال دون جواب في الحبّ.

في الحبّ نحيا إلى الأبد، ويحيا فينا كلّ من نفقده، مؤقتاً أو دائماً بالحبّ يمكث البعيد قريباً منا ويظل الغائب حاضراً بيننا.

مع الحبّ يستحيلُ الافتقاد

أبداً لا يعجز الحبّ عن التفكير للوصول إلى الحلول المناسبة، ولذا سأظل أتشبث بالألفة ولن أتورع عن اعتبار الوداد ملجئي الأول والأخير.

73

قيثارة وطن

أعزف كلَّ الألحان

على أوتار الوجدان

لعلهم يستشعرون الحبّ

فلا أسمع غير طبول الحرب

أحمل مفتاح الصول

لفتح العقول عسّاهم يتركون التعصب

فلا أجدُ غير التصلب

في أنغامي انسجام

في أنغامي وئام

أنغامي مرهفة

لكنها تصطدم

بنفوس متكبرّة متعجرفة

فتنعدم

ألحاني ليست كالألحان

إنّها هينمات عشق وهيمان

تصدها برودة قلوبهم المقيتة

74

وكآبة أفكارهم المميتة

رغم الخذلان

سأظل أعزف للإنسان

ألحان الأمان والاطمئنان

فعالمُنا بحاجة إلى ما يبهج الأطفال

ليصيروا أحسن الرجال

وأعظم الأبطال

75

كلّ شيء

أرملة نازحة أم لستة أبناء، اضطرتها ظروفها لامنتهان الدعارة بصفة شغّالة فراحتْ تدور في الشوارع وتتبادل عنوانها ورقم هاتفها مع عنوانين وهواتف الزبائنالمحتملين .

صادفتْ شاباً وسيماً تظهر عليه مظاهر الثراء فتبادلا العنوانين وأرقام الهواتف، مرّت الأيام وخفّ الطلب عليها فقامتْ تبادر وذهبتْ إلى بيت الشاب الوسيم ودقّتْ الباب .

فتحتْ الباب امرأة في العقد الخامس من عمرها، فحيّتها وسألتها :

هل نور موجود ؟

ذهبتْ المرأة إلى ابنها النائم وأيقظته وقالتْ في الباب امرأة تطلبك، صحا مذعوراً وقال ولسانه يتلجلج. آه لقد تذكرتُ إنّهاالشغّالة.

طلبتُ منها المجئ ظناً مني انّك ستسافرين لزيارة أختي في بيروت فأنت لم تغادري المنزل منذ وفاة أبي قبل عامين، غضبتْ الأم وقالتْ : تعلم بأّنّي لا أحبّالشغّالات، إنهن ثرثارات وسارقات، أفضل شغالاً ! وهرعتْ إلى الباب وسألتْ الطارقة : ألا تعرفين شغالاً شاطراً يعمل كلّ شئ ! أجابتها المرأة :

طبعاً أعرف هناك أخيشغّال من الطراز الأول . ويقضي كلّ الحاجات ابتسمتْ الأم وقالتْ ، حسناً أرسليه غداّ في التاسعة بعد أن يذهب ابني إلى الوظيفة ووصّه أن عليه أن يعمل كلّ شئ ها! كلّ شيء

76

كوابيس طفل حلبي

نظراتٌ تائهة حائرة شاردة، أنفاس لاهثة متعبة، يقف في زاوية بعيدة، رياحُ تعصف في المكان .

أتربة أسمنتية ، أكياس من التراب تشكل حواجزَ.

من أين أتتْ تلك الحواجز؟

لماذا تغيرتْ ساحة الحطب وساحة فرحات وصارتا إلى ركام، إلى حواجز، إلى حطام، إلى مقبرة؟

لماذا تمنعه والدته الآن من التردد على جدته، بعد أن كان يقضي الأيام عندها، بل وأين جدته الآن؟

كان يتحين الفرص ليمضي اوقات عطلته عندها.يتنقل بين كنيسة الروم والموارنة والأرمن، ليذهب عند صديقته فرح، حيث يطلقُ صافرته، ثوان بعدها وتجدها وقد وقفتْ أمامه، بجدلتي شعرها الطويل الأسود ووجه جميل أبيض، طفولة ساكنة حالمة، يمسك بيدها ويبدآن رحلة التنقل سوياً، بين تلك الكنائس، أحياناً كانا يدخلان لأحد المطاعم الفخمة، هناك لتبادل التحية مع بعض المجموعات السياحية أو يحشرها في زاوية معتمة ليطبع قبلة ناعمة، على وجنتها، كانت بداية الأمر تغضب وتحاول منعه ولكن بمكنوناتها تجدها تطير فرحاً.

لقد جعلها أميرة على قلبه !

ولكن حتى فرح لم تعد في المكان كانت من أول صافرة تنزل، ما بالها هي أيضاً؟

الكنائس تهدمتْ وسرقتْ كنوزها، نهبتْ لماذا؟

لم نعد نرَ من الكنائس إلّا الأعمدة فقط .

تعبَ من كثرة الأسئلة ومن تلك الأشكال المحطمة، استسلم للنوم.

رأى كنيسة نوتردام في باريس تحرقها داعش!

وكنيسة القديس بطرس في روما تحرقها جبهة النصرة!

77

وكنيسة القديس بولس في لندن صارتْ قاعدة للقاعدة!

وكنائس أوربا وأمريكا انتفتْ من الوجود ورأى إرهابيين يغتصبون فرح ورفيقاتها وهو يهجم ليخلصها!

آه ما هذه الأصوات، ما الذي يحدث ؟

بناء تحطم، التراب غطى جسمه، مرر أصابعه الصغيرة على جسده، غير معقول !

صرخ، رقص فرحاً لقد نجوتُ من الموت ؟

هذه المرّة أيضاً ولكن من يدري أين ساصير في المرّات القادمة؟

77

ينتقل من النافذة إلى الشرّفة

كأنّ هذه الساعة واقفة

نزق عابس يفتحُ خزانة الملابس

من الأسود تتشاءم

ومع مزاجها لا يتلاءم

ربما تحبُّ الأزرق

بحرُ من الحبّ فيه تغرق

يطلبُها على الهاتف الجوال…!

وفجأة يقطع الاتصال

إنّها تحبُه مهما لبس

وابتسم بعدما قد عبّس

معه ثمن قطعة حلوة واحدة فقط

ومع ذلك اغتبط

سنأكلها سوية

بالحبِّ كلُّ لقيمة هنية

لقاءُ

يزدادُ خفقانُ قلبِها

تضيقُ الأرضُ بها

تصيرُ فراشة سكرى

تطيرُ من زهرة إلى زهرة

أبتسامُتها لا تفارقها

كأنّ فرح الأفراح يعانقُها

إنّها تتلهف

وأبداً لا تتخوف

شعرُها مصفف

زينتُها مكتملة

على الفتنةِ مشتملة

ثوبُها جذاب

سحرُها خلاب

عطرُها يعبق

فيها كلّ ما يعشق

وبزهو غزيروراحَ يحفظُ الأشعار الغرامية

ليغازلها بها في لحظاتهما العاطفية

حان موعد اللقاء

بدأت المسير

حانَ موعدُ اللقاء

79

وألتقيا يا للهنّاء

قابلًها بأجمل أشعار الغزل

وكأنّ صاعقاً عليها نزل

قالتْ : أحبُّ النكاتُ

فطارتْ من رأسه كلَّ الأبيات !

تبخرتْ الأشعار

واصابه الدّوار

وإنتهى المشوار

قبل ان يبدأ

وما يزال من نفسه يهزأ

ظنها ذهباً لا يصدأ

فإذا هي تنك وأردأ

ماء الحياة

صبية نازحة، كلّما طلبتْ عملاً طلبوا منها جسدها بالمقابل، بعد تفكير عميق قررتْ أن تحترف العهر، قبضتْ ثمناً معقولاً لبكارتها ثم اختارتْ سعراً أدنى من المعهود لتستأثربالزبائن.

مرّة كانتْ السوق كاسدة رأتْ مجموعة من الشباب الأثرياء جالسين في مقهى على شاطئ البحر فتقدمتْ من أحدهم وقالتْ له. خمسمائة ليرة!

نظر إليها بإعجاب وقال : خمسمائة ليرة؟

حرام ! قولي خمسة آلاف!

كلّ هذا الجمال بخمسمائة ليرة ؟

ابتسمتْ وقالتْ : حسناً هات ! تفضل !

نظر إليها شذراً وقال : هات !

بل هاتي !

الذكر يصرف طاقة ليعطي ماء الحياة

والأنثى ترتوي به إذن هاتي ! الأنثى يجب أن تدفع والتفتَ إلى اصحابه وسألهم اليس كذلك يا شباب؟

فردّ الجميع بصوت واحد كذلك ونصف.

80

مأتم قطة

لي صديق متمسك بحلب بالجسد والروح ، ألتقينا يوماً في أحد المقاهي على وقع موسيقى هادئة كنت وصديقي نتبادل أطراف الحديث وقال لي بأنّه مسافر، علائم الحزن على وجهه.

لقد رحلتْ .. ! لقد ماتتْ !

أوصالي ارتعدتْ، جمدتْ الدماء في عروقي من الذي رحل، من الذي مات ؟

أعاد الكرة .. ليقول: لقد ماتت نانسي.

ومن هي نانسي سألته؟

إنّها قطتي المدلّلة !

لحظتهابللتُ ثيابي ببقع من القهوة ربما من المفاجأة أو من الدهشة

سالتُ، كيف حدث ذلك؟

قال : سقطتْ قذيفة هاون بالقرب من بيتي، على أثرها هربتْ القطط العشرون جميعهاباستثناء نانسي الجميلة الشقراء التي عادتْ ولكن كان يبدو عليها التأثر وتوجّب أخذها للطبيب البيطري وبعد إجراء الفحوصات اللازمة تبين أنه نتيجة حساسيتها المفرطةأصابها تمزق في أمعائها .

وبعد عملية جراحيّة شارك فيها عدة أطباء نجحوا في انقاذها، قاطعته وماذا بعد! ما سبب وفاتها؟

آه لقد كلفّتني الكثير من المال .. ومع ذلك كنتُ أتمنى أن تبقى حية ترزق؟

ما حدث أن أحد البياطرة أعطاها جرعة مخدر زائدة.. ففارقتْ الحياة !

آه ما هذا الإهمال .

ومع هذا سأعيدها إلى الحياة لقد وضعتها في براد مّجمد وساذهب إلى بريطانيا لتحنيطها، فذكراها باقية في عقلي وروحي!

كم اشتاق إليها ؟

علائم حزن تعلو وجهه، عند سماع رنين جرس الهاتف إنّها شقيقته تصرخ لقد استُهدف بيتناثانية

81

بقذيفة وعلى إثرها توفت ْ القطة سوسو التي ألتقطتها منذ أيام !

مرثاة سيما

المكان: العزيزية الزمان :26/2/2015

1

يوم مشؤوم

كأنَ القيامة ستقوم

صورةٌ ذلك الغروب لا تفارقني

وبكلّ تأكيد لن تفارقني

كانت الخامسة عند الأصيل

مفاجأة من العيار الثقيل

كان اليوم خميس

أسطوانة من إبليس

أسطوانة من أساطين البغض

سقطتْ على الأرض

الجميع سمعوا الصوت

الكلّ خافوا الموت

ألتفتُ وسيما

82

بكلّ قوة وعزيمة

الأسطوانة تتدحرج

والكلّ هلعاً يتحرج

الأسطوانة تقترب منا

آه لو تبتعد عنا

الدمّاء تفور

والشارع يغور

يا إلهنا !

الأسطوانة تنفجر أمامنا

2

بين يديه سقطتْ سيما

يا للصدمة الأليّمة

يا للوقعة اللئيمة

احتضنها

شظيّة اخترقتْ رأسها

وشظايا تناثرت على جسدها

وشظيّة شقّتْ معصمه

تناسى ألمه

حَضَنَها وحَمَلَها

83

يريد إنقاذها

تكاد تلفظ آخر أنفاسها

ركض وعدا

يطلب المساعدة

صاح

ذهب صياحه أدراج الرياح

وضاعتْ جهوده سدى

كمْ غيّرتْ الناس الحرب!

وتملّكه الهم والرعب

كيف صارتْ عزائم البشر رخوة؟

أين النخوة؟

وانهمرتْ دموعه

حبيبته تموت أمامه

على جسدها تستولي رجفة

وهو لا يجد سبيلاً إلى المشفى

وفجأة

آه لمّا تمتْ بعدْ المروءة

أحسَ بأنّه عاجز

84

هرع من أحد الحواجز

جندي حمل سيما عنه

وجندي ربط زنده

هلّلو هلّلو

وأخيراً إلى المشفى وصلوا

نعتذر عن استقبالها

مهما يكن حالها

أسرعوا إلى مشفى حكومي

إلى مشفى عمومي

اقتحم الجندي الباب ببسالة

وصاح يا للنذالة

هاتوا أحد الأطباء

وإلا أقمتُ الأرض على السماء

آه وأوّاه

واسفاه

إلى أن وصلتْ الطبيبة

كانتْ قد ماتتْ الحبيبة

85

3

ذرات روحينا ستظل ملتحمة، كمْ اعتدنا التنزه في الأماكن المزدحمة!

كم كنا ندور!

كم كنا نزور!

أقرباؤك أقربائي

أصدقاؤك أصدقائي

وصحا في اليوم التالي

كان في المشفى يُهذي

صاحَ: لا أبالي

حزني ألمي يغذي

لا تتشاكلوا معي

أجروا لي العملية بتخدير موضعي

يجب أن أغادر موقعي

لأشارك في تشيع جنازتها

أنا الذي أحببتها

ولو قدرتُ لأحييتها

وسأظل أحبّها

وشاركَ في حمل نعشها

كانتْ في حياتها خفيفة الظل

وفي موتها خفيفة تظل

قصيراً كان عمرها …

86

ومعبدي صار قبرها

4

لماذا أنتِ بالذات

تفقدين الحياة

لماذا رأسك الصغير بالذات

يصيبونه؟

لماذا عقلك الكبير بالذات

يسحقونه؟

لماذا لم تصل تلك الشظايا

إلى غيركِ من البرايا؟

صغيرة على الموت!

مبكّراً ما يزال الوقت

5

الموت يأتي دون استئذان

لا ملجأ لي غير الأحزان

انا أتنفسها

روحها مبثوثة في الهواء

أشمّ عبيرها

اذوقُ رحيقها

من زهرات

87

على قبرها نابتات

وبهاؤها يختلف الفضاء

صار عنواني هذا القبر

وأجدني في نهاية الأمر

طوال الأزمنة

أرتاد الأمكنة

التي كنا نرتادها

خصوصاً غابتنا

حيث تمتْمحبتنا

6

آهة تدحم آهة

يأتيني صداها

ويسبح في الخواء

نورسان سعيدان

يغيب أحدهما في مجاهل السماء

ويظل الثاني

تائهاً

والهاً

يغرق في الأماني

7

88

الماضي بالحاضر بالمستقبل يختلط

أعرف بمن سأرتبط

سيما تبتسم لي بلا مجاملة

إنّها في عالم الحرية الكاملة

يوماً ما

ستاخذني إليها

أنا الذي أحيا عليها

البارحة دفنتُ نعشها

واليوم أعيش وذكراها

وغداً أيام جديدة سنعيشها.

89

مفاتيح

يوماً ما كانت هذه الأوراق الصفراء، التي أدوسُ عليها الآن جزءاً هاماً من شجرة وارفة .

كانتْ ضمن هيكل عميق لا يدركه، إلاّ من عايشها، ضحتْ بذاتها لتنتهي هذه النهاية المفجعة!

يوماً ما كانتْ هذه المفاتيح التي حمّلتني عبْء المحافظة عليها جزءاً من أفراد وعائلات يسكنون ما وراء أقفالها.

وتفوح رائحتُهم من كلّ أرجائها ولكن اليوم اختفتْ همساتهم وروائحهم .

ولمْ يعد هناك سوى أطلال لأشخاص ٍ وأجسادٍ .

يومها فقط، أيقنتُ أنّك تحاول التملصّ للتخلصّ مني ، عندما كنتَ ترشفني بعينيك، حيث تذوب

نظراتنا وتقضي بقية الليل محاولاً إسعادي كنتَ تهمسُ لي بكلمات دافئة، تستقرُ بخلجان نفسي، ترتعد أنفاسي و تأخذني شهقاتك وعبيرك بعيداً، كنا نهيم في عتمة الليل على شواطئ الحب، كثيراً ما كنا ننسى أنّ الليل بدأ بخيوطه المعتمة ، يعلن بدء رحيله عندما كانتْ أصابعك تداعب ضفائري ، تمر تلك الأنامل الساحرة على عنقي لتدغدغني وتنخفض شيئاً فشيئاً لتتلمس تضاريس جسدي ، تصيبني قشعريرة، لهفة أو رغبةٌ عارمة في أن تضمني وتأخذني في رحلة حبّ قصيرة تمارس فيها طقوس عشقٍ طويل، حيث تتعالى الآهات معلنة احتراق الشتاء البارد، وبدء حرارة مرغوبة : حرارة ربيع مزهر، وتتلاعبُ بي تلك اليدان لتشعراني بأنّني امرأتك الوحيدة.

ويصيبني الغرور، فأحاول في لحظة ماأن أتهرب منك علني أُدخل الغيرة إلى قلبك ولكنك غالباً ما تجرني إلى عالمكَ السحري عالم يمتلئ بعواطفَ ملتهبة، تظل تشتعل وتشتعل، حتى نصل إلى نهاية المطاف عندئذٍ تكون قد اصبحتَ في حالة ضعف هستيري، بعدَ أن تكونَ قد أسعتني ، وأدخلتني في نشوة محببة، وفجأة هكذا وبعدَ كل ذلك الاندماج الجسدي، اجدكَ تأتيني ويدكَ مغلقة وبداخلها سلسلة مفاتيح، تفتح ذكريات راسخة وتختفي هكذا لتحولني إلى حارسة لبيوت صماء بجدران باردة، فبعد أن كنتُ البيتَ وشمسه وقمره.

تحولتُ إلى خزانة أمسيات مضتْ دون رجعة ، أحرس خلالها جدراناً معتمة لا طعم لها ولا لون، ماذا قلتُ ؟ دون رجعة ؟

لا !

90

أكيد سترجع أيّها المقفل المغفّل، ستعودُ فمفاتيحكَ معي !

مكالمة هاتفيّة

صوت زلزل المكان صادر من جهة حيّ السريان الجديدة، حيث تسكن إحدى قريباتي، رنّ الهاتف.

جينو: ألو هيلدا، لقد سمعنا بأنّ هاوناً قد نزل في منطقتكم، الحمدالله على سلامتكم

هيلدا: صحيح، لقد كانت اسطوانة غاز. عليهم اللعنة فقد أصابت عدة أشخاص، قُتل على اثرها شخصان.

جينو: لقد تعبنا، ما هذا الإجرام، كلّ يوم هاونات واسطوانات،كلّ يوم قتلى وجرحى إلى متى الانتظار؟

هيلدا: ماهذا الصوت، الذي دوى؟ جينووو ماذا حدث ؟ ألو جينوألو ألو

توفت جينو على أثر هاون دمر منزلها .

أعتقد بأنّ حلب ستدخل موسوعة غنتس،لأنّها ستضرب الرقم القياسي في عدد القذائف التي تلقتها في عام واحد وفي عدد المنازل التي تدمّرت في شهر واحد وفي عدد الضحايا الذين سقطوا في يوم واحد.

90

موقف بطولي

كان هناك شعور أهم من الحبّ يملأ كيانها،الاطمئنان .. تذكره حين كانت تحني رأسها على كتفه القوية،شعور لا يمكن أن يطفئه ..سوى اللهيب ذاته الذي أشعله ..هنا فقط يهاتفها النجم المنسرب من السماء خشية أن يقف عائقاً في طريق وصالهما.

تذكر حين كان يغيب عنها، تشعروكأنّها تاهتْ أو تشردتْ إلى أن يعود إليها بعد أن تطفر الدموع من عينيها ،كانت تشعر بأنفاسه تغازلها لحظة وتجد أن يده تتسرب إلى بحر الهوى وأثناء ذلك كانت أنفاسه تنتشر على خدّيها ووجهها كانتْ تلك الأحاسيس تنهمر على كيانها وتزداد شوقاً على شوق عندما كان يلامس يديها كانتا كالثلج تذوبان عشقاً وهياماً.

ولكن هل أصبح كل هذا الحبّ ماضياً؟

هل يمكن أن تتحول كل تلك العواطف إلى مجرد ذكريات ؟

وهي التي ما ألت طريقة إلا وأنتهزها من أجل اشعال نيران الوجد في قلبه منذ أن كانا على مقاعد الدراسة إلى أن تخرجا وأنهيا دراستهما.

سعادة ميتة مقيتة لا يمكن ان تستمر طويلاً كانت فترة الخطوبة من أجمل ايام حياتها ولكنه الآن أنضم لأداء خدمة العلموأثناء إحدى الطلعات صادف أن انفجر به لغم أرضي، فقد على أثرها بصره.

آه يا لحسرتي !

هل أنت مستعدة للتضحية ؟

صوت من الداخل يجيب مالَكِ ولهذا العاجز !

آه اختنقت الكلمات .. ولم تعد تستطيع إكمال حديثها.

الآن عليها أن تختار . فبعد أن كان يختار لها، حتى صغائر الأمور الآن عليها أن تقرر قراراً مصيرياً !

91

ربما بعد الآن لن تشعر بنبضات انوثتها معه ولا بتدفق الحياة، ربما لن يأخذها بين ذراعيه ولن

تشعر بعد الآن برائحة أنفاسه أو ملامسته .

وهنا أحستْ برعشة قوية ورغبة في أن يضمها ، في أن ترتمي بين أحضانه وتشعر بذراعيه .

ابتسامة علت وجهها حين رمت بنفسها على صدره واندست لتستمتع بتلك الأنفاس المرهفة ضحك وأعاد عليها جملته المعتادة جميل شعرك وهو مسترسل ولكن ليس بالحبّ وحده يحيا الإنسان خاطبها بهذه الكلمات وأضاف هامساً العواطف وحدها لا تكفي لبناء زواج ناجحلا يمكن أن نتابع حياتنا!

بعد الآن هيا أرحلي سأكون صديقك المقرب ولكن يستحيل أن نكون زوجين فبعد الآن أصبحتْ إعاقتي تقع على عاتق الدولة في مساعدتنا ومساندتنا نحن ضحايا الحرب ولا يمكن أن أجعلك تتحملين عبيء أنا المعاق وعبء بيتنا وأولادنا وحدك.

لن تستطيعي الاستمرار في حبي، بل ستكرهينني دعينا نفترق الأن أحباء، قبل أن تحدثي شرخاً في قلبي فيما إذا افترقنا لاحقاً!

موقفك نبيل ولكن أنا ارفض أن لا أقابل نبلك بنبل أعظم ! تابعي حياتك، بدوني فهذا خير لك ولي

92

هزّيمو

معشوقتي: خطر خطر

ينهمرُ كمطر

من رصاص وقنابل

كأنّها مناجم

تحصد الأرواح

في كلّ مكان

تتزايد الأكفان

ويعلو النواح

رائحةُ الدمار والدم

تُغطي شذا الحبّ والسلم

نَتن نَتن

صار مستنقعاً هذا الوطن

ما عاد لي فيه مكان

ساهاجر قبل فوات الأوان

قبل أن أصير في خبر كان

معشوقي: يكفي يكفي

لنْ أدعْ الأوهام تلفّني

ولا المخاوف توقفني

سأضع قلبي على كفي

وأكمل المسيرة دون قلقٍ ولا حيرة

93

لا عليك قرارك منكَ وإليك

هاجر غادر

سيحزنني الفراق

لكنالزمن سيئّد الأشواق

هاجر غادر

عبير دماءِ شهدائنا

سيُطهّر بلادنا

ويُعيد بسمتنا

ويُفرّج كربتنا

يزيل العنصرية النجسة

والطائفية الدنسة

عن هذه الأرض المقدسة

صبراً فشعبنا لمْ ولن ينيخ

وليعودوا إلى كتب التاريخ

معبودتي: أيُّ تاريخ

وفوق رؤوسنا الصواريخ؟

ألا تخافين الإرهاب؟

منذ متى تعشقين الخراب؟

وإلى متى سيسعدك العذاب؟

هل تتنازلين عن حبّنا

عن لحظات ضعفنا

94

عن لقاءاتنا ؟

كيف ترمين أمالنا

أحلامنا مستقبلنا؟

عجباً لك يا سيدة عمري!

لا أصدّق أنّك يمكن أن تهجري !

تعالي نبدأ من جديد

في بلد آخر سعيد

معبودي: عجباً ؟ ولمَ العجب !

وأنتَ من قرر الهرب

صارت بلادُنا محرقة

بالكوارث مُغَرقة

يريدون تفريقنا

تقسيمنا وتمزيقنا

وعلينا أن نتلاحم في الحروب

لا أن نفكر بالهروب

فَابقى كالرجال

ولا تهرب كأشباه الرجال

ابقَ لنعيدَ البناء

ونُعزّز الثقة في الأبناء

* * *

95

ينفجرْ كقنبلة

ويبتعد

وهو يرتعد..

دون حتى أن يودّعها بقبلة..

* * *.

لم تشعرْ بالمرار

لقد أخطأتْفي الاختيار

رأتْ فيه سمرة الوطن فعشقته

وخيراتُ الأرض فمجّدته

وقوة الآلهة فخشيته

لن تشعر بالمرّار

ليستْ أول امرأة أخطأتْ في الإختيار

وليس أخر الرجال

الذين يخيّبون الآمال.

 

96

هنيبعل

دموع تنهمر وعيون تتشقق تعباً وإرهاقاً، تستسلم للأقدار تلك الشخصية التي أركعتْ وأرهبتْ أوربا بقوتها قديماً، بعد غزوها إنّه هنيبعل القرطاجي.

تحول من فارس على صهوة جواده، ليصبح دمية صغيرة بخيط، بمعالم صارخة تشع بطولة وقوة.

لكن ماالذي حدث؟

لقد وقعَ أرضاً فسيدة البيت التي قامتْ بترتيب وتنسيق شجرة الميلاد، لم تلحظْ أن تمثال الشموخ، تمثال هنيبعل قد سقط ارضاً ويحتاج إلى أحدٍ يرفعه ويعيده إلى الشجرة.

هنيبعل ينتظر إطلالته سنوياً، ليخرج فرحاًولينشر السعادة على أهل البيت وزوّاره .

ولكن حين انقطع خيطه، أحس بأنّ دوّره انتهى وسيكون مصيره في صندوق معتم مقفل قديم وفي مكان مظلم باردٍ أو ربما في حاوية قمامة.

حين ساورته هذه الهواجس، فزع وكأنّ مصيبة قد حلّت به، تملّكه الحزن وانهارت دموعه سخيّة.

حاول أن يرفعَ رأسه، أن ينادي أو يصرخ لينقذه أحد.

ولكن ما من مجيب…!

أطلَّ صباح العيد وكلّ شئ في مكانه : التماثيل، الملائكة والأجراس تزيّن الشجرة وحتى المغارة تضئ فرِحة، تبتهج وهي بأكمل روعتها.

مع إشراقة شمس يوم جديد، تراكض الأطفال، ليتسلّم كلّ طفل هديته حيث وضعتها سيدة البيت، لتدخل الفرحة إلى قلوب هؤلاء الأطفال.

لكن يا للأسف طفلٌ ضيف مفاجئ، لم يجدْ اسمه على أية هديّة.

97

وجد هنيبعل فانتشله وحمله بين أصابعه الصغيرة وأخفاه في جيبه خشية أن يضيع منه وليمنحه بعض الدفء.

أسرع إلى سيدة البيت فرحاً، بهديّتها كانت واجمة حانقة، وفي نفس الوقت خجلى، من الضيف الصغير.
قبلّها شاكراً إياها على هديّتها الجميلة، صائحاً، لقد درستُه في كتاب التاريخ!

لقد حلّ هنيبعل المشكلة حديثاً كما حلّها قديماً!

ورحل سعيداً مع طفل احبّه ليشاركه العيد وليحلّ ضيفاً في بيت جديد.

فلنزيد من عدد الهدايّا، لأطفال قد يأتون إلينا بغتةً!

واقع خيالي

ابحثْ عنّي

فأنا ضالتّك المنشودة

أحببني فأنا استحقّ أن أكون محبوبة

اجعلني ما شئتَ

حيثما شئتَ

وقتما شئتَ

وإذا تُهتَ عني

فاعلمْ أنّك لا تستحقّني

أنا ما تهتُ عنك

أنا انتظرتُك

وحين رأيتكَ

انتشتْ روحي بكَ

هفتْ نفسي إليك

98

وصرتُ أموتُ عليك

عسى تأتيني

وتُصبحَ فارسَ أحلامي

علّكَ تضُمّني

تهشّم عظامي

واه أسفاه

واه وأوّاه

فجأة انحرفتَ شعرتين

ومشيتَ خطوتين

وأمسكتَ بيد صديقتي

هنا علمتُ أنّي التي

يُسمّونها مخبولة

او بالأحرى مخيولة

تبّاً لي

وسحقاً لقلبي

لا بل تبّاً لك

وسحقاً لعقلك

فأنت غيرُ جدير بي .

99

وحدةٌ كونيّة

يغيب في هذه اللحظات المنطق العقلي لكلّ ما حدث لي، أكاد أحلّق عبر فضاء سرمدي. بلا نهاية ولكنها ومضةوأجدني أسقط أرضاً لألتصق بأرض صخرية قاسية.

أرغبُ في حالتي هذه أن ألازمَ شعوري الكينوني الذي يتّسع.

للمرّة الأولى أجد نفسي. في حديقة متآلفة مع أشواكها وكلاب تلاعبُ قططاً ! وطيور تغرد على أفواه بنادق الصيادين. حتى الحشرات تلاطفني.

للمرّة الأولى أجدُ نقيقَ الضفادع محبباً بعد أن كنتُ أمقتُه.

للمرّة الأولى أتمنى أن أتنشقَ أبغضَ الروائح الواخزة.

للمرّة الأولى أتشوّقُ أن أتلمس جلودَ القنافذ.

للمرّة الأولى أجدُ البحيرة القذرة قريبة إلى نفسي،حتى الظلام بتُ أهواه وأتمناه في وضح النهار.

للمرّة الأولى أحس بأنّي أستشعرُ لواعج الحبّ، لون الحبّ، رفيقَ الحبّ، شذا الحبّ، ملمس الحبّ وطعمَ الحبّ.

يا للانسجام !

يا للتناغم الساحر!

ليس في الكون اي تعارض. تعالوا نصنع الحبّ ! هيا فنحن لسنا بحاجة سوى إلى معرفة أنفسنا والثقة بذواتنا.

100

وطن بلا اوسمةإلى قلعة حلب الثانية ! سمير طحّان

في زمنِ الحربِ

لا نُسأل كيفَ ،أولماذا

كنتَ في زمن السلّم

ناطحة سحابٍ أرجواني

قررتَ في الحرب أن تكونآلهةسلام

أصبحتَ نصفَ جسّد

ونصف آلهة ،وكلَّ الإنسّانية

لأنّكَ قمةٌ قررتُ التسلّقَ علّني أصلُ إليكَ

لأنّك نهرُ رغبتُ الارتشافَ منك علنّي أرتوي

ولأنكَ سميرُ قررتُ السهر معكَ

ولأنّكَ أديبُ أحببتُ التعلمَ منك

ولأنّك مبدع

وسهل

وصعبُ المراس

وطيبّ

دمروكَ

قطعوك

أحالوك إلى أمثولة

101

وحكمةٍ وعظات

لجأتُ إلى ثنايا وجِهكَ

إلى تقاسيم جسدكَ

ولكنّني وجدتُ فيك

وطناً استباحوه

أرضاً أضاعوها

جبالاً أحرقوها

فلا تشتكِي

بعد يا سمير

فقد اصبحتَ وطناً

أصبحتَ أنشودة

فلا تعجب بعد يا أسطورة

إذا لم يكن للوطن أوسمة ؟

فأنتَ الوطنوأنت الأوسمة.

102

ولادة جديدة

تُحقّق أمالي

وأدوس آلامك

تزيد أفراحي

وأفاقم أحزانك

تحبّني تتفانى في إسعادي

وأطمع فيك وأتمادى في استغلالك

وذات مرّة دون وعي

قصّرتَ معي فزجرتُكَ ونهرتُك

وأطحتُ بك

يا لي من امرأة ناكرة ومتصلبة

غيابك يُشقيني

صرتُ أحبّك

ما من حبيب مثلك

يا لكَ من حبيب مثالي يا لك؟

عودُتكَ تحييني

أنقذني من الأحزان

هبني متّسعاً من الزمان

أريدُ أن تغفر لي

أخاف مما قد يحصلُ لي

فماذا إذا المنيّة غيّبتك

103

وأبعدتك عني

أُقسم ان أتبعك

فانتظرنيانتظرني

104

ويستمر النفاق

اعتادتْ زينة يومياً أن تمارس هوايتها المحببة في الاستمتاع بأشكال مجوهراتها الثمينة، التي قامتْ بشرائها أو قبولها كهدايا لقاء جهودها في أعمالها الخيرية !

طوبى لك زينة!

كم عدد العائلات التي ساعدتها؟

كم عدد الفقراء الذين قدمت لهم ما يحتاجونه من مساعدة؟

كانتْ زينة تقضي معظم يومها في المعبد، تكاد لا تخرج منه، إلا لتعود إليه ، أثناء ممارسة الشعائر الدينية وجهها يلامس الأرض خشوعاً وإيماناً.

إزدادتْ شعبيتُها كثيراً في الحرب الأخيرة، كيف لا وهي من الشخصيات القليلاتاللواتي رفضن مغادرة وطنها. رغم الإرهاب والدماء والدمار.

لقد اعتادتْ حياة الرفاهية والغنى الفاحش .إنّها تنفق الجزء اليسيرمن التبرعات على بعضأعمال الخير وتحتفظ لنفسها بالجزء الأكبر!

ولكن من أين لها هذه الأموال ؟

أصبحتْ السيدة الأولى في الإرشاد اكتشفتْ أخيراً أن لديها موهبة الخطابة الدينية وهذه المهنة ،تحتاج إلى القليل من الجهد لتكسب الكثير من المال.

كانت تقوم بتوزيع الإعانات بمعرفتها الشخصية وإشرافها المباشر.

آه كم ترهقين نفسك يا زينة ،آه كم نحتاج إلى أمثالك !

كثرتْ في الآونة الأخيرة محاضراتها ومواعظها، بشكل كبير، كيف لا وقد ازدادت أرصدتها المصرفية.

105

وفي صباح أحد الأيام اعترضتها امرأة ، تحمل طفلها الصغير وهي تحضنه بين يديها، تخشى عليه من العوز وبيدين مرتجفتين خشنتين كقطعة من الحطب حيث قستْ عليها الحياة بعد أن غيب الموت زوجها الذي أُصيب إصابة مميتة عندما كان يتابع عمله، سقطتْ عليه قذائف الموت فأردته شهيداً بل وتم سرقة أملاكهم.

مسكينة تلك المرأة!

لقد سمعتْ عن زينة وعن أعمالها الخيرية فأرادتْ طلب المساعدةفأنتظرتها أمام بيتها مدة من الزمن وحينما رأتها تخرج، اقتربتْ منها الشابة بخجل ألقتْ عليها التحية وانتظرتْ أن ترد بأحسن منها ولكن زينة رمقتها بنظرة ماكرة لن تنساها أبداً، لقد قامت بتفحصها بشكل دقيق من قمّة رأسها إلى اسفل قدميها .

وبابتسامة خبيثة أعطتها بعض المال وسالتها :

هل تستطيعين الاستغناء عن طفلك مدة من الزمن؟

ذُهلتْ الشابة من سؤالهاولم تجبْ.

تابعتْ زينة : لا بأس سأساعدك بعد أسبوع نلتقي في هذا المكان وفي نفس الزمان.

واستدارت وتابعت سيرها، بينما الشابة توسمتْ خيراً وبكلمات الشكر وعبارات الإطراء ودعتها.

أكملت زينة يومها وكانتْ محاضرتها لليوم عن ضرورة مساعدة المحتاجين، كلماتها دافئة ناعمة صفق الحضور بحرارة حالاً قامت بعض سيدات المجتمع بمنحها الأرصدة المصرفية!! طبعاً من أجل إنفاقها في أعمالها الإنسانية . كيف لا وهي التي عرفت بجودها وكرمها.

ولا تعلم زينة لماذا ظهرتْ ملامح الشابة فجاة وهي تستلم الشيكات، مسحتْ دموعها الحنونة، دموع التماسيح!

وفي اليوم المحدد حضرتْ المرأة ووقفتْ منتظرة زينة وعندما لاحتْ في الأفق أشرق وجهها.

بكلمات قليلة قدمتْ زينة ورقة عليها عنوان، لتلتحق بعملها ولكن هذا العمل في بيروت ويستدعي

أن تكون ذات قوام جميل وشكل رشيق وتبرج مضئ طوباك زينة يا مخلّصة اليتامى ومنقذة الأرامل.

106

يوم حلبي

أم جوجو لحظِها السعيد رزقــتْ بثلاثة صبيان وحتى بداية الأزمة كان الجميع بصحة وسعادة أم جوجو مخاطبة ابنها البكر .

حبيبي جوجو قمْ يا روح أمك إنّها الخامسة صباحاً الفرن مزدحم .

جوجو: أف ..مامي خلي غيري يروح ..

الأم :لا عيني لا أنت اليوم دورك يلا.. روح مامي يلا عملتلك الزوّادة قنينة مي وشطيرتين.

جوجو: ليش مامي بس تنتين ما بكفو ..بدي أربع ايه بجوع لأنوع دوري رقم خمسين شوفي أيدي، هيك حطولي.

الأم: أيه منيح يعني بترجع بسرعة ، خمس ست ساعات .

جوجو: لا ليصير دوري ..بتجيني السكتة لأنو شي بجي من اللجان بياخد لعشر أشخاص وشي صاحب الفرن بخبي وشي..

الأم😦بس بس عيوني لا تحكي شئ مو ناقصنا مشاكل مع حدا خلص اسكتْ)

يلا ابني خود أكلاتك وروح، انتبه من الهاون !

وتوقظ حبيب قائلة :يلا نور عيوني صارت الساعة السادسة صباحاً يلا حتى توقف في دور البنزين لأنو خلص البنزين من عنا مشان المولدة. خود أكلاتك ويلا

حبيب: لا مامي ما بدي ..بدي مصاري، بستحي أكل رح أشتري جاهز .

ابنها الأصغر سامر الآن دوره بتعبئة بيدونات المي .

تخاطبه الأم يلا سامر روح قلبي المي خلصتْ ! ويصرخ فزعاً، فالبارحة قام بتعبئة أكثر من مئة ليتر، ليش مامي خلصت المي !!!

الأم : حبيب غسلتْ وحستْ واتحممتوا !

سامر مخاطباً نفسه والله رح أتاخر على رفيقتي ، شو أعمل!

107

وهيك ما بقى لأم جوجو غير أبو الجوج الذي أرسلته لجلب السلّة الغذائية ولكن أم جوجو اختفتْ فجأة وين راحتْ؟

أكيد راحتْ لتوقف بدور النسوان مشان تأمين جرة الغاز. وهات لترجع بقى!!!

وهيك بيخلص يوم ويحل اليوم الثاني وعيلة أم جوجو بدوام كامل عالمي والبنزين والخبزوالغاز ناطرين الفرج لأهل حلب من العالي بلا درج!!!

شكر وتقدير

كتابي هذا حقل ألغام لأنه ينفجر محبة وسلام من النوع الأدبي المحبب، روحي ترفرف عبر كلّ كلمة فيه ، أتمنى أن يبصر النور، ليصل إلى مختلف أنحاء العالم. كل الشكر للأشخاص الذين قدموا لي الدعم الماديوالمعنويلإنجاح كتابي:

أبدا شكري الخالص لأسطورة هذا العصر والزمان لا بل لأيقونة حلب ، الذي ما توقف قط عن مساندتي ومساعدتي ليبصر كتابي النور .

أحببتُ أن أشكرك، لا املك الكثير لأقدمه لك رعبون محبتي وتقديري كل إحترامي لك أستاذي الأدبي، العالم والباحث والأديب والشاعر الحلبي العالمي سمير طحّان

واحب أن أتوجه لك أمي أيّتها الراقدة الحية ، واقول : لم تغادريني أبداً، فأنت مثالي الأعلى حبي لك إلى بيرتا مرجانة كبابة.

شكري الخالص لأبي الروحي، لقد كنتَ لي البوصلة التي توجهني . الأب منير سقال

محبتي لعائلتي الصغيرة على دعمها ومساندتها وتحملها لتقلبات مزاجي وأخصهم أختي دوللي كبابة التي ما ألت تشجعني أحبك. وأختي مرسيل كبابة وزوجها جوزيف حجار وأولادهم جورج وميري وجيمي وأخيبييروزوجته تريز دعبول وابناء أخي بيرتا وزوجها ميشيل غسّالة وولدهم يوسف وميري وعبدالله كبابة.

ولأحبائي من الأصدقاء الذين كنت أقرا لهم وأطلب مراراً وتكراراً أن يستمعوا لكتاباتي ولكل من ساهم في تحفيزي للكتابةومساعدتي ولكل المتابعين: اميلين جبور– تريز زادكيان محمد مفيد مهروسة إيمان حموي

وشكري الجزيل للفنانة حلا مهروسة .

108

وشكر من القلب لسيف النقاد المحيي الأستاذ زياد محمد مغامس على التدقيق والتقديم والتعقيب

ماريّا كبّابة

الشاعريّة والواقعيّة في

وجدانيات بيروياللكاتبة ماريّا كبّابة

دائماً حلب، حبنّا الأعمق والأكثر تجذراً، أن تكون كاتباً / كاتبة في هذا الزمن الصعب يعني أن تملك ذاكرة خلفية للمكان الذي ترى جزئياته منطبعة على صفحات الذاكرة، أن تكون كاتباً يعني أن تكون جريئاً تؤمن بجدوى القول، عندما نستطيع إخراجه من العدم إلى الوجود، عندما تحرك الحروف بذبذبات حبّ حانية، لا تحددّ لها مساراً مسبقاً وتتركها مرّة تنيرنا بالزي الذي نشاؤه بعفوية .

أن تطرح نفسك كاتباً يعني أنّك تمتلك زمام قول يتفلّت من بين أصابع كثيرين ويشعرك برعشة أحياناً وقشعريرة في أحايين أخرى .

بين يديّ عجينة أديبّة، لكنها عجينة إسفنجيّة تتأطّر بالمكان الذي توجد فيه بل وباللحظة التي تنطلق بها فتبدو بالشكل الذي نرأها عليه، الشكل الذي قد يتوافق أو لا يتوافق مع الشكل الذي تريده الكاتبة المبدعة ماريا التي رأت نفسها تعوم في تيار جميل قاومت أمواجه طوعاً فهي تارة شاعرة، وأخرى قاصة، وهناك ضوء خافت تبدو فيه صحفيّة، وهناك وهناك . وكيف يمكن لمتابع أن يتابع هذا الدفق الشعوري الوخز الجارح حينا الباعث على الفرح في لحظات يفر منها الواقع والواقع .. لا تمكن مقاربة هذا الإبداع الشعوري إلاّ بمنظور النص؛ النص الذي يحمل جمالية الشعر وأفقه الرحب وخياله الحامل إلى السمو والمجد والرفعة والخلود، والحامل بين شاطئيه واقعية النثر الذي يعيدنا إلى الواقع الذي نستمد منه المنطلق ويحملنا إلى الاحتمالات . وإن كان لا بد من تقديم يليق بهذا الإبداع الذي يسمو وتسمو به كاتبته ويضعها في مصاف الأديبات اللواتي ما فتئت المأساة التي نعيشها تفجّر كوامن الإبداع وكنوز العطاء في نفوسهن وحوّلتهن خيوط المأساة إلى باحثات عن زهر نار تحرق الشر وتزيّن جدار القمر وتعطر شغاف القلب وتباريح الروح، وهذا التقديم سيقتصر على كلمات بسيطة هي فيما أرى

1- خصب الشاعرية: إنّ قلباً يملك مثل هذا الإحساس بالألم، ومثل هذا الفرق في جو الدمار

109

والدماء ويعبّر عن جزئيات ما يرى بهذا الفيض الكلمي الجميل لا بدّ أنّه يمتلك عاطفة ممزوجة

بشاعرية تطلّ برأسها في النصوص التي أطلّت بعتبات حاملة إلى البعيد ، كاستراحة المحارب الدافعة إلى السؤال متى وكيف يستريح وهل من راحة إلاّ بالنصر الذي لا يأتي إلاّ بالدم الذي هو طريق النصر فليمت المحارب مطمئناً لأنّ النصر آت.

“… فتيقن أنّه على وشك الموت.. ابتسم والرضى على وجهه ارتسم .. مطمئناً على بلاده، وهو يرى أحد أحفاده لبندقيته قد استلم..”

إنّها شاعرية مرتسمة على صفحات ذاكرة تحيا في حب الوطن وحبّ الوطن من أرقى أنواع الحبّ ومثلها نصّ أغنية وطن التي نسجت من هذا الحب الذي لا ينضب فهو كما وصفته .

( أنت كل ذا وذاك وذلك، إليك تأخذ كل المسالك، أنت الحياة

يا معجزة المعجزات

أنت الأم والأب ..أنت الرب

فلا كنت دوني أنا يا أنا .. ولا كنت دونك أنت يا أنت ..)

هذا الامتزاج الجميل الذي يظهرأنّ الوطن هو الذات هو الكلّ ولو كان الوطن الهاً لعبدته الكاتبة التي تملك حساً شاعرياً وصدقاً جعلها تقدّم نصوصها الشعرية،كافتخار التي تجسّد الوطن بشاب محبوب تبادله المشاعر والأماني بأسلوبية بسيطة لكنها شافّة تنفخ فيها بمزمار لحن السعادة في أثير الثواني القادمة ، ونص آمين المتحدّث عن فعل إجرامي احترقت له نفس المبدعة وقدمته بطزاجته وكيفية حصوله كواقع لا كوهم ، ويؤخذ على نصوصها التي لبست لباس الشعر خلوّها من الإيقاع الذي تتكئ عليه قصائد النثر الحديثة ، لكنها كتابة مؤثرة ببساطتها ووقعها على النفس، وثاني ما يلحظ في هذه الوجدانيّات :

الواقعية: فأحداث الوجدانيات عموماً واقعية ، وهي ملتقطة بملقط لا يعلق بين يدين إلاّ كلّ ما هو واقعي فما نسجت كلاماً حول واقع أسطوري أو متخيلّ ، إنّها نسجت حكايا رأتها رأي العين التي دمعت وهي ترى الحجارة والحضارة تتقوض، وعبّرت عمّا رأته بواقعيّة امتزج فيها شيئان واقعية الحدث وواقعية اللغة منظور إليهما بمنظور ذاتي، وهذا قبس من نص بيرويا وهو الاسم القديم لحلب :” بيرويا تقف شامخة يحيط بها الدمار، جدران منازلها انهارت معالمها تكاد أن تختفي ولكنها أصرت على البقاء بيرويا لن تغادر دارهاهذه أنا باكية وعيناي تذرفان الدموع ، ابتعد عني كلّ هؤلاء المعزّين ، لقد ملّت عيناي من الدموع وفاضت أحشائي..” على أنّ الوصف

110

تجاوز هذا الإيجاز وكان أكثر تحديداً في الإتيان على زمانه ومكانه، خلف جامع الرحمن 15-6-

2015 مخفر الشرطة في حلب 2015 وهكذا هي صفحات دامية أملاها الواقع وثبتتها الكاتبة بعدستها الرائعة كما هي دون تزييف أو تجميل، أما المقاطع الأخرى التي شكلّت لوحات قصصيّة كانت عبارة عن خلفيات ملونّة لأحداث كانت العواطف سادت، لأمنيات لا يرجى لها أن تغيب ، فكانت من الجمال الذي نترك الغوص في أبعاده للمتابع الحب، وفي الحبّ عاشت زمناً وقدّمت ما، قد يكون حبّاً لكنه حبّ على أية حال إنّها تباريح نفس تحبّ الجمال في كلّ شئ وتنفر من البغضاء والتعاسة حيث كانت .

قد يؤخذ على المبدعة عدم طواعية جملتها ، وعدم تمكنها من السبك المؤثر، وقد يثقلها الخطأ النحوي أحياناً، لكنه كلّ ذلك يمكن تلافيه ويمكن تجاوزه في الأعمال القادمة وفي المراجعة ونتركها للقراء بحلاوة وتفردّ ما نسجت ونأمل أن نرأها مع المبدعات المشرقات، والبقية قد تأتي بما هو أجمل والسلام ختام.

سيف النقاد المحيي زياد محمد مغامس

حلب ظهيرة الخميس 30-7-2015

111

أضف تعليق