كتاب الحب وجود والوجود معرفة – ريبر هبون – فكر

لتحميل الكتاب يرجى الضغط على الرابط التالي:
https://drive.google.com/drive/my-drive

أو من خلال الرابط على موقع شير فور :
https://www.4shared.com/web/preview/pdf/egVVLgE5iq?

أو عبر موقع كلاميو :
https://de.calameo.com/read/005270298ed8188575af9

لقراءة الكتاب أون لاين من خلال موقع تجمع المعرفيين الأحرار يرجى الضغط على الرابط التالي :

الحب وجود والوجود معرفة

*ريبر هبون

فكر

المحتويات

*- الحب وجود والوجود معرفة

*- الإهداء

*- مقدمة

*- تمهيد

*- العقل المعرفي الشرق أوسطي بمواجهة القمع

1- دور الإعلام المهيمن

2-نظرة لواقع التنظيمات الكوردستانية

3- حقيقة الربيع العربي

4- صعود الميكافيليين الجدد

5- تفتّق جذور الطائفية والعرقية

*- الإرادة المعرفية في مواجهة القمع

1-ثنائية الأنا والآخر

2- نظرة فلسفية حول التنازع

3- الكتابة الأدبية كوسيلة مجابهة

4- نظرة في الموت

5- السلطة الأبوية والضغط الاحتكاري

*- الإرادة المعرفية في مواجهة الإسلام السياسي

1- نظرة في فهم الألم

2- التطرف ومواجهته

3- ترابط الإسلام السياسي والقوموية المتعالية

4- مآلات العنف وأثره على المجتمع

5- جدلية الحب والحرب الكوردستانية

6- جدلية الموت والكراهية

7- الموت

8-صراع الموت والحياة

*- الاقتصاد في خدمة الوجود

*- البناء المعرفي مستقبل الوجود

*- العولمة المعرفية

*- الفردية المعرفية ومعركة التغيير

*- المشروع المعرفي والتشويه الثقافي

*- المعرفة حقيقة في ظل الوجود

*- المعرفية عقيدة الوجود الواحد

*- المعرفيون بمواجهة الخوف في غربي كوردستان

1- وهم المجتمع

2- نحو تشكيل الفردية المعرفية

4-الشموليون مصدّروا الأزمات

*- المعرفيون في كوردستان الشمالية

1- المجتمع والإرهاب الدولي

2- في نقد القوموية التركية

3- الإعلام القوموي وتشويه النفس

4-جدلية الصراع لإثبات الهوية

5- نظرة لتركيا

*- المعرفيون وإشكالية الحرية

*- المعرفيون والأحزاب الشمولية

*-المعرفيون وإشكالية المقدس

*- المعرفيون والقائد الرمز

*- المعرفيون والمجتمع

*- المعرفيون والمؤسسات

*-تأملات معرفية

*-تجمع المعرفيين لصون الوجود

*- حرية الفكر المعرفي بمواجهة التجهيل

1- التهويم النفسي

2- المجتمع والفساد الإيديولوجي كوردستانياً

3-جدلية الإنسان والمكان

*- حول الشرق الأوسط وسبل الحل

*-سبل معرفية لمناهضة العنصرية الاغتراب والشمولية

1-طبيعة النظم الشرق أوسطية

2- محاولة لفهم الاغتراب

3- تأثير البيئة الجديدة على الوافد

4- الهوية الاستعلائية بمواجهة الهويات المنكوبة

5- مناهضة العنصرية وبروز المجتمع المعرفي

6- نظرة في طرائق تشكل الاستبداد السياسي

7- نظرة في الاعتقال السياسي

*- الخلاصة

الإهداء:

إلى زهرتي قلبي اللتين تفتحتا في أيلول

بيلجين وبيلفين

إلى من قالت لي اكتب

عن الحب وجود والوجود معرفة

إلى هبون

مقدمة

لأزيد من سبعة أيام لم أتمكن بالفعل من تمحيص الكتاب المتين الذي نسج بين المعرفة والحب نسيجاً يصعب اختراقه.

“الحب وجود والوجود معرفة”. بعيداً عن القيود بعيداً عن قتامة الواقع وتسلط المأفونيين لمقاليد السلطة .

الحياة التي تهبك اللاشيء، وتمنحك ملعقة البؤس بسخاء هي ذاتها من تمنح فرصة البوح بما في القلب في تلك الغرفة المعلقة فوق السحب القرمزية.

“فالحلم والحب هما البداية، وهما مقود الصراع ضد الفساد المهني، الأخلاقي، السياسي وهكذا”.

” الليل والنهار آيتان للبشر، وأهل القرية روادهما،كبار القرية يتسامرون لآذان العشاء ثم ينامون،الشبان يسيرون بطقوسهم للسمر حتى ساعات الفجر ثم يهجعون،مغامرات الصبيان تعدت القرية الممتدة إلى خارجها، الجبال الوعرة الممتدة باتساقها كانت أعشاشاً للصقر والعقاب والشاهين، والعسل الأسود البري كان في أعلى الجبل،شهوة نيل العسل كانت رهاناً بين الصبيان.”

فهل تبقى شهوة نيل العسل بإطار الشهوة التي تنقضي بمجرد قضاء الوطر ونيل المنال أم يُعهد إليها بالاستدامة والنماء والنقاء؟

الأصل في أنَّ التحول أقوم من التغيير وأكثر قدرة على البقاء، فالتغيّر يفيد العودة إلى نقطة البداية والتحول يعنى بنشوء مواد جديدة وهيئات تتسم بالجدة والغرابة وسياقاً معرفياً يعنى بنقض الواقع والهرامة بالنظريات كافة وحتى الكونية منها، فالمطلق لم يعد الأصل، فالأصل هو البحث والتطوير ونقض المطلق ونظرياته.

فبما تنادي فيه الطروحات الفكرية والعلمية اللاحقة والناقدة للتوجه الحالي بضرورة التأسيس لمرتكزات جديدة في التوجه الإنساني، تحدد فعالياته وأنشطته وتستند إلى الحقائق العلمية اللاحقة التي تمَّ التوصل إليها، والتي نقضت وقوضت المرتكزات السابقة التي استند إليها التوجه الحالي، وعلى رأس هذه الحقائق العلمية الكمومية، وما توصلت إليه البيولوجيا الحيوية والعلوم الإيكولوجية من حقائق جديدة متناقضة مع الحقائق السابقة المفسدة للطبيعة وكيفية تكون الحياة فيها، والتفسيرات الدينية اللاحقة لماهية الكون ودور الإنسان فيه الملتقية مع الحقائق العلمية اللاحقة.

إذ لم يعد بالإمكان الاستمرار في التوجه الحالي الذي أدى إلى استنزاف الموارد الطبيعية وأحدث الخلل في التوازن الطبيعي.

إنَّ ما يستشرفه بالفعل ريبر هبون بالكيفية التي سيتم فيها إحلال العصر الثقافي مكان العصر الاقتصادي سواء من حيث البناء النظري والمفهومي أو من حيث الأدوار والوظائف والايديولوجيا؛ إذ يشعر المعرفيون باستطاعة الثقافة لأن تهيء للأشياء بشكلها الصحيح عن طريق تزويدها بأطر فعالة للتنمية والتي تحدث بذات السياق، تزويد الوسائل الأكثر فعالية لتحقيق التوازن والتناغم بين الاقتصاد والبيئة وبين المنافسة والتعاون وبين الاستهلاك والمحافظة على الموارد وبين الناس والتكنولوجيا وبين العلمية والإنسانية وبين المادية والروحية.

فالدور المحوري للمعرفة والثقافة في المشترك والاستدامة والتي لا يجب أن تخضع لآليات السوق فكل عمل ابداعي يبنى على مساهمات تراكمية تعود جذورها إلى آلاف السنين، ولابد من تحول السياسة إلى الانخراط الدينامي بالمتناقضات من أجل خدمة الصالح العام فدمقرطة الحكم تتطلب صقل القدرة على الحركة بين المتناقضات المحلي والكوني، الفرد والجماعة، الانسانية والبرية، وأنّ الأصالة المعمقة تتطلب معرفة ذاتية ومناقشة مفتوحة، ومواجهة الخبرات المغايرة بانفتاح، وربط الجزء بالكل وربط الفعل المعني بالصورة الأكبر من أجل تحديد الفعل الصحيح؛ فالحرية لا يمكن ان تمنح على إطلاقها فهي ككل الفضائل تصبح نقيضة عندما يتم السعي لها بمعزل عن نقيضها فبدون مجتمع صحي وحدود لا يكون هناك فرد حر.

كما يقول اينشتاين صاحب النظرية النسبية أنّه ” لا يمكن حل مشكلة أو مسألة ما بنفس طريقة التفكير التي قادت إليها “،فما علينا سوى الانطلاق من إدارة المعرفة إلى خلق المعرفة التي بدورها تجسد العمل المعرفي، فإن كنا ندور في فلك العولمة فهذا بحد ذاته قصور لا تفرد، فقد قادت العولمة كما أفرزت الكثير من البحوث إلى مقاييس سكونية ثلاث تمثلها النظرية الاجتماعية هي: الكوني مقابل المحلي، والتجانس مقابل الاختلاف، وتوزع النفوذ مقابل تركزه، ومن هنا تبرز أهمية الطرح المعرفي التنموي التحولي بأنّه تعددي تحرري ناقد وتوعوي وأخلاقي ويركز على الثقافة والطبيعة ويتسم بأنه شمولي تكاملي يغطي كافة الأوجه المهمة في الصيرورة التنموية السياسية والاجتماعية، والثقافية، والاقتصادية، بطريقة تداخلية علاوة على ربط الأوجه التنموية بالإيكولوجيا السياسية،والتركيز على أسس العدالة والمساواة والتعاون والتوزيع المتكافئ لمكاسب التنمية.

هذا السعي نحو التحول الذي يعنى بتطوير الفرد في المنظمات والمجتمعات، يجب أن ينطلق بطريقة تكاملية من الضمير والوعي بالثقافة والطبيعة وبإيجاد متسع لعملية التطوير هذه للفن والأخلاق والعلم من أجل رفعة القيم الفردية والحكمة الجماعية والمعرفة الفنية.

ولمّا كان المعرفيون هم الأبرز في تحمل مسؤولية السياق الثقافي والتنموي والذي يولد مخزوناً معرفياً قادراً على البناء والاستدامة من فهمهم ووعيهم واستشرافهم للمستقبل الذي تدور في فلكه كافة المعتركات والمتناقضات وقيم التخلف والاستبداد وخطاب الكراهية والسقم الفكري،ولما كان المفكر ريبر هبون في كتابه الذي أمضى فيه أزيد من ثماني سنوات سبر فيها أغوار الواقع وفنّده بسياق فكري ناقد، والفرادة التي يتميز فيها ،السعي نحو الحل وليس الاكتفاء بإبراز الواقع العقيم إنما بقدرته على تخصيبه بأفكار خلاقة ولادة قادرة ليس فقط على التكيف بل بالقدرة على الخلق والإبداع، ولابد من أن نعي أن البنى الاجتماعية تعتبر المحرك الحيوي أو المعيق لأي إطار تنموي أو فعالية اقتصادية أو تكنولوجية فإن إدراك التغيرات الاجتماعية المطلوبة لتحقيق فعالية في التغيرات التكنولوجية والمكننة والجوانب المادية الأخرى؛ تعتبر شرطاً أساسياً لنجاح الخطط والفعاليات والاستراتيجيات بالإستناد إلى المصادر المعرفية وتطوير نموذج وعاء المعرفة.

رولا حسينات

19حزيران 2021

تمهيد:

أول ما يعيه الكائن الحي إدراكه للوجود، والإنسان يدرك ذاته من خلال الوجود، فهو الأرضية التي ينشأ عليها المجتمع ومنه يستقي معاييره ومثله من الرابط الأوحد الذي يربط الانسان بالوجود قبل اكتساب الأشياء وهو إدراك الحب عبر نمو الاحساس ، وذلك أن إحساس المرء بالمحيط يبدأ من إدراكه للجسم وفهمه للنفس وإيمانه بالحياة، والايمان نتيجة طبيعية تتم عن طريق مراحل يمر بها الموجود ، ليتأكد من حقيقة المثل الناجمة عن الحب الذي يمثل الوجود المتقن الجميل، ومن خلاصة الاحتكاك به نتجت المعرفة وترسخت ماهية الحب من خلال الصراع لأجل انتصار القيم الطبيعية والأنظمة والقوانين الضامنة لبقاء الجماعات البشرية وترويض سلوكها لأجل اكتساب المعرفة و مدى استعمال الأدوات الموجودة التي ابتكرت بفضل المعرفيين من اكتشاف النار واستعمال الحجر وبناء البيوت والزراعة ومروراً باختراع الكهرباء والهاتف إلى ثورة الحاسوب والانترنيت، مما اتضحت علاقة الانسان بذاته وتحسنت من خلال الآخر والعالم عموماً.

فقد الانسان ما يربطه بالوجود و المعرفة، نتيجة استحكام غرائز السلطة به، مما أبعدته عن الكينونة المعرفية التي هي الرسالة الحية والواضحة في الحب وممارسته فاستبدله أحياناً كثيرة بمفاهيم مبتدعة معادية للأصل النقي الذي يعود الانسان إليه وهو الحب ، فقد هذا الرابط فبدأت مفاهيم الصراع لأجل الصراع مكان نشر قيم الحب من خلال الحضارة التي أنقذت العالم من توالي عهود التوحش والبربرية، فبدأت عصور الارهاب ، وأضفيت عليها صفة المقدس الذي هو غطاء يخفي مضمون الصراع الأساسي وهو السيطرة والهيمنة الاقتصادية والبحث عن أراض جديدة لتجميع الثروة.

ثمة صراعان أنتجتهما البشرية في احتكاكها بالوجود، صراع المعرفة المتمثلة باقتران العلم بالأخلاق، ضد الجهالة المتمثلة باقتران العلم بالتحلل، فالسلطة استخدمت المثل والأديان والقوميات مروجة القوالب والرؤى الضيقة لتنتج مفهوم الثابت، والمعرفيون وجدوا في الأخلاق وسبر العلم تحولاً في مسيرة الانسان نحو الأفضل ،فنشأ ذلك الصراع بين الثابت والمتحول، المحافظة والتغيير، الأصالة والتقدم وكلها مرتبطة بالصراع الكبير الحقيقي وهو صراع المعرفة والجهالة.

والوجود إثر هذه الصراعات الدموية استُنزف فبدأ يتجه نحو مزيد من التصدع والتلوث والكوارث التي انتجتها أنانية الانسان من خلال الحروب والابادات واستخدام الأسلحة المحرمة (الهولوكوست1) (هيروشيما2) (حلبجة3).

بالمقابل فإن الوجود يتجه للمدنية , الإعمار ,الجمال ,الفن والخير من خلال التمسك بالقيمة الجامعة للإنسانية على اختلاف لغاتها وأنماطها وسلوكياتها في الحب التي هي نبض المعرفة الخالدة، حيث الحب والمعرفة توأم الوجود.

فالأحاسيس ،الادراكات ، الفهم، الإيمان، الحدس ، التأمل، التفكير، والتساؤل مفاتيح معرفة الوجود،وإن هذه المفاتيح نتاج ارتباط الكائن الانساني بالوجود من خلال الحب الذي يمثل لدى الانسان المفاتيح التي من خلالها بدأ الانسان سبر الوجود لأجل المعرفة.

والاحتكاك الحضاري الذي ابتدعه الانسان المعرفي كفيل بدوام الحياة الصحيحة لمعرفته باستعمال الأدوات بعد عناء،ونتيجة رغبته وطموحه فقد مرَّ بمعوقات وعثرات إزاء احتكاكه المستمر بالوجود ، فما وصوله لقيم النور إلا لمروره بمحاولات جمة وتصديه المستمر لوهم الإخفاقة ولوباء الجهل والغرور والأنانية .

فقد أدرك بطبيعته الانسانية ميله للإشباع التام كي يتحرر من الجوع الجسدي والجنسي ويبدأ بالبحث عن الفضائل ، من هنا نشير بأن مفاهيم اللجم والكبح سبَّبت في تضخم العقد الداخلية لدى الناس وأعاقت تحقيق رسالة الحب و سبر المعرفة في الوجود.

إن المعرفة هي الجامعة التي ينضوي تحتها كل البشر ،تتقلص من خلالها تناقضاتهم العرقية والبيئية والجنسوية والعقائدية لصالح إقامة المؤسسات والاتحادات التي تكفل لعموم الأمم فرصتها في الرفاهية والاستقرار وتأمين الحاجات من خلال مكافحة الجوع والارهاب والأمية والأسلحة المحرَّمة ومنع الاستغلال والمتاجرة بالانسان وتحقيق متطلبات العائلة السعيدة التي تجسد الاستقرار النفسي الذي يمثل أقصى درجات تماثل البشرية بالشفاء.

إن رسالة الحب التي بشَّر بها الانسان العاقل تجسدت بالحضارة الفكرية والعمرانية والفن ومثلت الحقيقة المطلقة الشاهدة على كدح المعرفيين، والحقيقة المطلقة هي الوجود في وحدته .

حيث كانت لنظريات الاقصاء دوراً سلبياً وخطيراً ومساهماً في جرِّ الانسانية لويلات الحروب والمجاعات وتوالي عصور الجهل والانحطاط، وأخذت حروب الانسان الأناني بتجفيف ينابيع الحب والمعرفة على حد سواء،فاستشرت مفاهيم التطرف في الدين والمذهبية والطائفية وأوبئة العنصرية والشوفينية وما شابه ذلك وباتت وسيلة تقويض للانتماءات الروحية والفكرية لدى المعرفيين في الوجود وأضفت على البشرية المزيد من الجهل الروحي والفكري ومزيد من التخبط والضياع والانزواء في النظريات الجغرافية والاقليمية الضيقة .

إن هوية الانسان المعرفي الجديدة هي المعرفة التي تمثل الحياة الجديدة وبداية طور نهاية المعاناة والتمتع بالحريات لتصبح المعرفة الجامعة الشاملة التي تنضوي تحتها خصائص الشعوب على أرضية الوجود الذي يتساوى فيه المعرفيون في الحقوق والواجبات ،من خلال طرح أنموذج (الكونفدراسيون) لتحقيق السوق الاقتصادية الكبرى التي تتكافل من خلالها طاقات المعرفيين المنتجين لتحقيق القوة والرفاهية و طموحات الانسان الراقية والمبدعة وإحياء الجمال والأدب والعلم لأجل خدمة الوجود وديمومته.

ويمثل الحب القوة الخفية المبدعة والخارقة والتي تستمد جل طاقاتها من التنظيم المتناسق في الوجود ذاته حيث يتجلى الله ، المعبود الجميل والأزلي،وفق مسماه القديم الشائع المتجلي في صور الوجود ومحاسنه وتقاسيم الطبيعة الساحرة، لذا فكل ما يحسه الانسان من بهي وجميل يسبغ عليه صفة السامي فما الحب سوى سعادة وصفاء ذهن النفس الانسانية التي تميل بطبيعتها لفعل الخير وعشق الحرية المشتقة من درجة تمتع الانسان بالمزايا والخصائص التي يستمدها من الطبيعة.

الانسان المعرفي لا يلغي وجود الكيانات والقوميات والخصوصيات في الحياة فمبدأ وحدة الوجود هو التنوع ، وشمول النظرة لا يلغي بالضرورة النظر في التنوع والغنى الوجودي الذي يستمد منه المعرفي جل طاقاته، لكن للمعرفي الغاية القصوى التي يصر على التشبث بها من وراء هذا التنوع وهو السعي للمعرفة وصون الوجود، فلا يتعصب طالما لا حدود للمعرفة، ويجد في التنوع الإنساني إثنياً ودينياً وعرقياً خصائص محكومة بالتطور عبر العصور والأزمنة واختلاط الأجناس وتأثير البيئات على سلوك الجماعات، ويبحث عن إيجاد البدائل من الحلول والأفكار الجديدة التي لا يتوانى عن طرحها،ولا يجد ضيراً من البحث والتقاء المعرفيين الذين يعيشون في كل بقاع الوجود الشامل، الذي يتعدى فهم واضعي الحدود والجغرافيا والطبقات.

فالإنسان المعرفي هويته في المعرفة ،إنه يجد في تعلم اللغات وسيلة للتواصل مع الذين تتجسد من خلالهم حقيقته الجديدة الأزلية، الداعية لخدمة الوجود وتحقيق رسالته في المحبة فلا يقف عند دين أو حزب أو قومية أو طائفة، يؤمن بالتنظيم الطبيعي ولا يضع نفسه عبداً مأجوراً في خدمة فئة ما.

الانسان المعرفي ثائر على مفهوم الحزبية الضيقة والتقولب بكافة أشكاله ويؤيد الاتحادات التي تتم لأجل ترسيخ المرونة في التفكير، ويؤمن بالانسان الجندي والقائد في آن معاً، يؤمن بالنقد إيماناً تاماً ويرسِّخ مفاهيم الحوار والجدل نحو تطوير الأفكار والوصول للأفضل، يقدس الحب والفنون الانسانية التي تخدم الوجود والتفكير المعرفي ويعمل لأجلها من خلال التمسك بالمعرفة، يدين بالحب كمسلك وبالمعرفة كهدف أقصى وبالوجود كانتماء.

والحب هو ممارسة الأخلاق التي تمثل أولى مهام الانسان المعرفي في الحياة كونها تمثل قوميته وعشقه للحياة.

إن توالي نظريات القوة والعنف خنقت لدى الانسان أسمى مواهبه ومدركاته وجعلته يقتل لأجل أن يخلِّف أضراره وبشاعته على الوجود الذي يمثل الملاذ لصيرورة حياته ، فشاعت مفاهيم التخريب وتعطيل الفكر، وباتت أداة لتزييف الحقائق واللعب بالعقائد ، وقد أدى التحجر إلى قولبة الانسان وتحنُّطه وعجزه عن إدراك المعرفة وإحدى مهام الانسان المعرفي الحقيقية هو استئصال ذهنية التطرف والمغالاة منعاً من الاستبداد والفساد والوقوع في أفخاخ المفاهيم الضيقة المعادية لقيم الحب والمعرفة والنور.

المعرفة انحياز مطلق للحب والجمال ورفض للاستغلال والاقصاء ، وتحرير الانسان من كل ما يخنقه أو يقف حائلاً في مسيرته التطويرية من خلال تمثله بالأخلاق وإعماله للعقل واستثمار الطاقة في خدمة القيم التي تنبع من الوجود ، والقيم مصدرها تآلف العقل مع العاطفة في خضم الوجود.

إن احدى غايات المعرفة في الوجود هو ابراز التعايش والذكاء الراقي والتسامح ضمن التنوع البشري وتغذيته بالتعاون والمحبة وسبر الحياة من خلال العمل والنظام.

العقل المعرفي الشرق أوسطي بمواجهة القمع

إن استعراض المرء لملامح حياته بمنهجية وبأسلوب مركز هو جزء من المراجعة لظواهر المجتمع وأثرها على سلوكياته وتطواراته, وبلغة مسؤولة يستطيع أن يتعامل مع نواقصه بروح النقد ليبين أثر البيئة عليه , أثرها الكامن في اختياراته أيضاً , إن استعراضنا لملامح حالاتنا المسبقة هو بمثابة إيغال مباشر لما يعتري المجتمع برمته عبر نوافذنا الذاتية، فعلاقة الفرد والمجتمع علاقة إشكالية , تجسد ما سمي لاحقاً بالتاريخ الذي يختزل العادات والتقاليد ونظم الحكم, فالمجتمعات التي تم إهمالها وإقصاؤها بالتدريج , هي تلك المجتمعات التي أهمل فيها الفرد المبدع وهمِّش وحُصر في بوتقة من الإهمال والصراع النفسي مع أقرانه من ضعاف العقول وبسطاء المدركات , حيث تم تغييب الفكر المعرفي كلياً عن جماعات آمنت بالتماثيل والسجود للشيوخ والأولياء والقادة العسكريين , والشخصيات الأبوية , وهذا ما تجسد في ملامح المجتمع الشرق أوسطي , كون هذا المجتمع عانى الكثير من سيطرة الفكر الغيبي المتخذ من الدين ببعده الطائفي , والقومية ببعدها الإقصائي الشوفيني وسيلتي بطش وتغييب وتحكم , حيث تم إخصاء الحياة الديمقراطية داخل أذهان شرائحها, واستبدلت بذهنية الخضوع والتبعية المستدامة.

فاستشراء النفعية السائدة في أوساط مجتمعات تعاني من غرق سفينتها وتوهان دفة حياتها إثر فساد ساستها , هي من جعلت مساحات أرضها وكامل مواردها , إرثاً خالداً لما يسمى بالاستعمار الخارجي , حيث من الطبيعي أن يتم ملء الفراغ داخل مجتمعات افتقدت لأسلوب ومنهجية الفكر الناقد , وبالتالي ترسخت فيها روح الولاء للقادة (المنقذين).

إن البحث في كيفية انتاج ذوي العقول عملية مضنية تقتضي التأثير المعرفي المنسق بين عديد المعرفيين الذين يريدون محاربة التجهيل وهي بالتالي جملة من مبادرات وأعمال مختلفة تصب نحو مصب واحد وهو التأكيد على معالجة ما تم إهماله والتعاطي مع الإشكالات بمنهجية وروح تنسيق , بين كل الباحثين عن المعنى في رحلة الإنسان العاقل الأزلية في ركاب الصراعات المضنية مع محاكم التفتيش التي تفصح عن وجهها بأشكال جلية , وذلك يجعلنا في اختبار صعب يكمن في مدى انتصارنا للحقيقة المتجسدة في حماية المكتسبات التي تعاقدت على صونها كل تلك الجهود التي واجهت قوى الخرافة والقمع , إزاء أصوات تنادي ولا تزال للخلاص من شبح الحروب التي أفرزتها التحالفات المدمرة لقوى تعتاش على دمار وتمزق المجتمعات والمثال الجلي هو عملية الربيع العربي , التي كانت بمثابة إعادة قيم الوحشية والبربرية بصورة حديثة , وتصدير الرعب والأزمات الاقتصادية الخانقة والهجرات المتلاحقة.

ناهيك عن الأزمات التي تمخضت عن هذا الربيع الدموي والذي تمثل عن تجديد آليات القمع إزاء الأصوات المطالبة بالدمقرطة وحرية التعبير والرأي في الحياة السياسية , ذلك سبَّب عودة أجواء الخوف من المستقبل وساهم بشكل كبير في الاغتراب الفردي حيال المعرفي المدرك الذي يترقب أفول الحياة القمعية , وعودة الحياة التي تستقي من الحضارة , الكثير من القيم الخامة التي انتجت تلاقحاً فكرياً , جعلت المجتمعات تتجه نحو الإعمار والرفاهية والتحول عن نهج الحروب وقمع الحريات التي تسبب مع الوقت الانفجار كنتيجة سلبية, هو الانفجار العظيم الذي نتج عن تراكمات أخطاء السلطة تجاه المجتمع , الأمر الذي سبب الفوضى بكافة أشكاله الاغترابية , فقد فشلت مجدداً رهانات الحل والتحول الديمقراطي لشعوب اعتادت القمع والتصفيق للأقوى , ومعارضاتها مصطفة إلى جانب عدو الحكم , حيث نشهد تنافساً بين السلطة والمعارضة نحو أيها يظفر بالولاء للقوى الاقليمية , على حساب شعوبها في الشرق الأوسط , فلا نجد سلطة شرعية منتخبة ولا معارضة شرعية معبِّرة عن المجتمع , وذلك أسوأ ما يمكن أن يكون , والذي أنتج مع الزمن تخبطات شتى ناجمة عن فراغ او انعدام رؤية لحل يلوح في الأفق , فالمشاريع الاقليمية تفتعل أزمات مجتمعية , وتفرز نتائج وخيمة على العالم برمته وتنذر بمخاطر مستقبلية.

ان المشكلات المتلاحقة التي تعانيها المجتمعات المكبلة بأغلال القمع والخوف ناجمة عن ضيق رؤية الحكام للمستقبل , حيث لا شيء قائم ومترسخ , وكلما ازداد القمع ازداد الخوف ومن هنا يمكن ان نشير ان هذا لا ينحصر في خوف السلطوي من زوال أسباب بقاءه في الحكم فحسب , وإنما انعكاس هذا الخوف كسيكولوجيا داخل كافة شرائح المجتمع .

دور الإعلام المهيمن :

التعاطي الرديء مع المجتمع يسبب انعدام الثقة والبون الشاسع ما بين الفرد ومدركاته والقيم المعرفية , أيضاً تنتج أزمة المصطلحات نتيجة التشتت وعدم التحري والدقة , مما يسهل على الإعلام المهيمن التحكم بسهولة بهذه المجتمعات التي تعرضت لإخصاء معرفي , يسهل إيجاد جماهير متقبلة لأي خطاب يروج لها عبر وسائل الإعلام , ولاشك أن ذلك بات أمراً شائعاً , فتعدد وسائل إنتاج الخبر , وقلة إطّلاع الفرد داخل هذه المجتمعات , يسبّب إنتاج سلوك متذبذب قهري , غير قادر على صنع عقل تحليلي ناقد ومتفحص , وإنما انشاء عقل ممتص ومتقبل , وقادر على تكرار ما يتم ترويجه فحسب , حيث يستمر لجوء الإعلام لصنع أخبار ومعلومات أكثر مبالغة ودهاء , إزاء استمرار تك العقول على امتصاص كل ما يتم ترويجه عبر غطاء وستار متين يتمثل بمحاكاة الذائقة الشعبية.

إن ذلك الوهم هو ما ينخر ملياً في السلوكيات ويتحول لمفاهيم غرائزية , ويتمذهب الأفراد به , مما ينجم عن ذلك من استساغة للخضوع والتسليم به , حيث يتم الانصهار وذوبان

الخاصية المجتمعية عبر الانصهار الذي هدفه زوال القيمة والخاصية , حيث نرى أمماً عديدة جعلها الانصهار القسري بلا لغة وبلا خاصية وتدريجياً أمة بلا أرض , فالذوبان في البوتقة العرقية الحاكمة هو نتيجة أخيرة يتم عبرها نجاح إلغاء الهوية الحقيقية , مقابل انتصار الثقافة السلطوية ومجموع قيمها , نظراً لكونها ثقافة مهيمنة بالقوة , مثالاً هيمنة اللغة الانكليزية على العالم لتكون اللغة العالمية الأكثر انتشاراً , كون هذه اللغة كان أوائل الناطقين بها إنكليزاً , استطاعوا فرضها عبر قرون من الإبادة والصهر والاستعمار , ويتم فرض اللغة عبر الدين و الذي جعل السيطرة على الأراضي وتوسيع الملكية سهلة عبر إقحام اللغة العربية والتقاليد البدوية في الدين وهكذا يتم ابتلاع الأراضي بسكانها الأصليين , وفيما بعد وعلى غرار ما سبق حاول العثمانيون فرض اللغة التركية أثناء فترات مكوثهم وهكذا , فانتشار اللغات مرتبط بالسيطرة , واختفاء ثقافات لصالح بروز ثقافة واحدة هو السلطة القامعة الفارضة للهيمنة بأشكال ومسوغات عديدة.

في الوقت الحاضر برز الإعلام ليؤدي وظائف تفوق الوسائل التقليدية المتحلقة حول القوة , ليستمر الصراع على ذات الوتيرة وعبر إشراك القوة العسكرية لاستمرار احتكار الثقافة والأرض والفرد والمحافظة على ما هيمن عليه الأسلاف المحتلون (بروز التصارع بين المحور السني – تركيا ضد المحور الشيعي إيران ) إلى جانب طموح أحفاد الاستعمار القديم (أمريكا, روسيا,تركيا، إيران) وتصاعد التنافس نحو التسلح والتنافس الصناعي (كوريا الشمالية, الصين, إيران).

وحينما تغدو الآلة الاعلامية مجرد وسيلة لتعميق الهوة المجتمعية , ويتم ضرب منظومة الحياة ومفاهيمها الخامة لصالح الاتجار بالقيم , وذلك تعبير عن حرب شاملة ضد قيم الحياة الأولى التي لطالما عمد المعرفيون لصونها , بيد أنها مستهدفة من قبل أرباب المافيوية الاقتصادية التي تعمل وبكل جهد على دحر الحياة القائمة على الانصاف , وأمام ذلك فللمعرفيين أبناء الوجود مهام جمة تتلخص في الحفاظ على حيوية المواجهة وبروح فكرية أخلاقية , فالصراع الأزلي بين أنصار الحياة النقية وأنصار التشويه والقبح تتجلى في كل زمن , ولو جمعنا كل الصراعات على اختلاف مسبباتها ونتائجها وأشكالها وحيثياتها لاستطعنا تلخيصها بصراع واضح وشامل بين قوى التنوير وقوى الجشع , والمعرفة تنتصر على الدوام لصالح القوة التي تعمل لإحياء الجمال والخير والحق , أمكن لنا أن نقول أن جبهات النور ما تلبث أن تنهض , متجلية بكفاح المعرفيين الشاق والطويل لصنع حياة مبنية على المساوة والرفاهية , من خلال دوام الجهد وصدق المسعى , ولعل المظلومية التي تلاحق الإنسان المبدع في ظل منظومة القمع والتهميش مستمرة والصراع لأجل رفع هذه المظلومية واستبدالها ببيئة نظيفة للابداع دائم ولا يتوقف ولا ينحصر في بقعة جغرافية معينة من الوجود.

نظرة لواقع التنظيمات الكوردستانية :

إن تربية البؤس الفكري لدى غالب التنظيماات النفعية موروث استبدادي قديم رعته الأنظمة الأبوية عبر التاريخ ولا عجب في ذلك فمعظم التنظيمات الكلاسيكية الشرق أوسطية والتي تربت في كنف منظومة الاستبداد والتي نجحت هذه الأخيرة في اختراق صفوفها استخباراتياً , استطاعت وبجدارة خلق روح الخواء فيها وجعلتها مجرد قوالب نمطية لا حياة فيها ولا روح ابداع , لذا فبقاء هكذا تنظيمات خاوية هشة , هو لأجل دوام الضعف والتجزئة والحيلولة دون إنقاذ المجتمعات من الاغتراب النفسي الهائل الذي رسخته منظومة التجهيل عبر قمعها وإحياءها لأنماط مرضية غير قادرة على أن تبني , بل أن وظيفتها هو المزيد من التصدع والتشرذم إلى مالانهاية , لأنها ببساطة لن تستطيع التغلب على تلك الأنماط الجامدة التي زرعتها السلطة القامعة فيها , وبالتالي تغدو وسيلة ضامنة لتجزئة المجتمع وإفراغ مستنيريها على الدوام ولاشك أن ذلك يمثل تآمراً على المعرفيين والمجتمع عبر أمد بعيد غير منظور ويسبب انعدام ثقة بين كافة شرائح وفئات المجتمع لتغدو مجرد آذان طيعة لما تريده قنوات الإعلام التحريضية التي تروج للموت والحروب الطويلة الأمد لأجل دوام التحكم والهيمنة لتلك القوى المهيمنة التي تعتاش وتزيد من بقاءها من خلال تلك الفئات التي تزرع الشقاق داخل المجتمع وهذا ما يتجسد بصورة جلية في داخل المجتمع الشرق أوسطي عموماً والكوردستاني خصوصاً.

حقيقة الربيع العربي :

إن معظم الحروب التي تشن على الشرق الأوسط منذ أن تم إصدار فرمان استبدال الأنظمة القعمية بنظم أخرى , جرى التفاوض حول كيفية تغيير هذه النظم بنظم أخرى تستجيب لمتطلبات القوى التي تشن الحروب الاقتصادية الواحدة تلو الأخرى بغية استنزاف هذا الشرق الأوسط , المنطقة الحلم تاريخياً والتي كانت حلم المهيمنين قديماً عبر الفتوح الاسلامية و الحروب المقدسة (الصليبية) والغزو المغولي ومن ثم العثماني, وكانت حاجة في العهد المعاصر لدى الدول الصناعية التي تنافست على تقاسمها في فترة الحربين (الاستعمارالأوروبي ) وتوقيع اتفافيات حولها أشهرها سايكس بيكو,والتي راحت من خلال بداية عهد (الربيع العربي4) بمحاولة استبدال واقع بآخر عبر التبشير بمعركة الحرية والديمقراطية , واستبدالها أخيراً بالحرب الشاملة الدولية ضد الإرهاب الجهادي , وكل ذلك لتغطية الهدف الاقتصادي غير المعلن والمتمثل بإيجاد مصادر وموارد شبه دائمة متمثلة بهيمنة القطبين الواضحين المتجسد بأمريكا وروسيا ولواحقهما الإقليمية المتمثلة بدول الجوار , التي رأت في سوريا الرجل المريض الذي ينازع , والذي يجب أن تتوزع الحصص فيه , لتكون النهاية لسايكس بيكو5 قديم وبداية لاتفاق أمريكي روسي , وحالة المد والجزر التي تشهده تقاربهما من جهة وتنافرهما من جهة أخرى وأمام ذلك نحن أمام مشهد حرب لا تكاد تتوقف , حتى يتم تسوية التفاوض وتقاسم التركة القديمة , وأمام ذلك نشهد تدفقاً هائلاً للنازحين إلى أوروبا , في حين نشهد خروجاً لبريطانيا من الاتحاد الأوروبي وتصاعد اليمين الشعبوي المناهض للاجئين, ودعما تركياً قطرياً للجماعات الجهادية التي وصل خطرها لأوروبا , كل ذلك نتيجة تفشي الحرب الاقتصادية والبحث عن مصادر وموارد , ومناطق نفوذ تسعى كل الدول المجاورة من سوريا لإيجاد متنفس لها وموطأ قدم , ولذا أصبح الإنسان الشرق أوسطي إما نازحاً أو مجرد ضحية ومادة رخيصة لوسائل الإعلام , حيث ظهر الاستغلال والتدمير في أبشع صوره , مما يضع العالم اليوم على محك حرب وشيكة , حيث يفرض ذلك على كل دول العالم خرائط متغيرة ديموغرافياً وليس ببعيد أن يبدأ سباق التسلح وإعادة تشكيل الجيوش تحسباً لتصادمات كبيرة لا تتوقف وتتشعب باستمرار ,من خلال استمرار انتاج الأسلحة غير التقليدية والتسابق على إنتاجها.

صعود الميكافيليين الجدد :

يستسلم الساسة الشرق أوسطيون رغم تمايز بيئاتهم القمعية لمفاهيم ميكافيلية شاذة, في استنادهم لثقافة تنظيمية تحايلية مشوهة , غايتها برمجة الجماهير لخطاب شعبوي يمهد لتكوين خلايا نمطية مستنسخة عن أفكار الزعيم الروحي أسوة بالشخصيات الطائفية والمرجعيات الدينية , الهدف من ذلك هو إفراغ كل محتوى ذي معنى , إذ ان العلمانية كمعنى ليست كالتي يكرس لها الساسة على أرض الواقع , وذلك ينطبق تماماً على أصحاب المرجعيات الدينية التي ادخرت كل الخطابات المتشنجة لصالح استثمارها في الحرب وتحقيق الأهداف النفعية ,و يشهد رواد الربيع العربي تنافساً وتسابقاً فظاً على انتاج التطرف كل حسب موقعه , وإنشاء ديكتاتوريات واهنة, وقادرة على أن تكون النموذج الأسوأ , فتأملنا لديكتاتوريات القرن العشرين في العالم العربي يعطينا نتائج متناقضة تجتمع بعبارة كلية وهو تحقيق مطلب الانفجار العظيم لشعوب اعتادت الركوع والقمع عبر عقود , الأمر الذي جعلها تنتقل لطور الديكتاتوريات الجديدة المبنية على الفوضى وتفتيت الجغرافيا , واستثمار التطرف في أوساط النخب الشابة , فالشرق الأوسط بات يزرح بالميليشيات , والسبب يعود لتحكم الساسة المتحايلين على مفاصل الحياة السياسية على نحو هائل , مستفيدين من إبعادهم للمتنورين أصحاب الملكات الابداعية , أعداء الميكافيليين الجدد , إن صح التعبير, يمكن أن نعتبر أن الميكافيليين الجدد هم المشوهين للميكافيلية التي قرأنا عنها في كتاب الأمير لنيقولا ميكافيلي6 , إنهم لون مشوه وشاذ لها , إذ أنهم فاقوا الميكافيلية غطرسة واستخداماً لكل شيء دامي وقذر لأجل الوصول للغاية .

ان استغلال كل شيء لأجل الغاية هو الذي راح يعبر عن نفسه من خلال الإعلام , الاعلام الذي بات الطاحونة التي تقود الحروب الميدانية , وتتحكم بمصادر الخبر والتأثير والتي تعتبر الحلبة التي يتنافس عليها الساسة في كل الميادين والصعد.

فأصل كل تقهقر مجتمعي يرجع إلى فساد المنظومة الفكرية والعقائدية فيه وبقاء هذا الترهل دون إصلاح أو محاولة تغيير .

تفتق جذور الطائفية والعرقية :

إن ممارسة العنصرية والإقصاء الديني والقومي هو لترسيخ التفتت الاجتماعي والقضاء على مكتسبات الحضارة التي ظهرت على يد المعرفيين , للحيلولة دون تآلف المجتمعات مع بعضها البعض , فالحرب السورية مثلاً شهدت توطد هذه النزاعات الاجتماعية التي مبعثها الانقسام الاجتماعي الناتج عن تصارع مذهبي تاريخي تم إذكاء شرارته ميدانياً عن طريق التسليح الذي أفضى عن حروب وخلافات متشعبة ومتصلة بأزمات مجتمعية خارج الحدود السورية لدول الاحتقان الطائفي في عموم الشرق الأوسط , والمثال القريب جنوب ووسط العراق , وصراع الطوائف اللبنانية المتمثلة بتوطد الزعامات المحلية المسيحية أو الاسلامية والتي شكلت نواة الهلال الشيعي7 , كل ذلك يشير أن محرض الصراعات يتم تغذيته عبر الدين وتأويل ذلك مرده لغياب وطمس التفكير النقدي بين النخب الشابة , ومحافظة الحكومات القمعية على تقاليد الاحتقان منعاً من تماسك المجتمعات وجعلها فقط وقود حروب اقتصادية تستنزف الأرض والموارد والمؤسسات, حيث الإعلام المتخلف جداً والمحرض على العنف والعزلة بأشكالها الجلية التي مجدت المازوشية الفكرية المتمثلة بتقاليد الحزب الشمولي, خليفة التقاليد الدينية اللاهوتية , والتي مارست صنوف الاستعمار الذهني , وكبلت جهود المعرفيين السائرين دون هوان وتخاذل نحو صيانة أمن مجتمعاتهم وإخراجها من ساحات الحروب العبثية , مواجهين بذلك الاعتقال والتجويع وموجات التجهيل والاغتيال.

لقد تعرت عيوب هذا المجتمع المستعد بذائقته الممتصة لتقاليد القداسة ليكون أنموذجاً لكل تطرف عدا أن يرتقي ذهنياً , وحصدت منظومة الاستبداد الشرقي مازرعته عبر عقود من الاستعباد وترسيخ العزلة في مجتمعات لا تجيد سوى التصفيق والهتاف , ظناً منها أن الثورات تأتي عبر أروقة المعابد وصيحات الخارجين منها.

فغالب أهداف تلك الثورات المذهبية يصب في تبديل السلطة دون تغييرها جوهرياً وفي ظل غياب الصوت الشعبي وبقاء شرائحه تحت وطأة القصف والنزوح فلا يمكن الحديث عن أي بوادر إقامة نظم ديمقراطية بحدودها الدنيا , وطرح أي مشاريع مستندة إلى فلسفة حقيقية , سيبقى ضمن حدود المحاولة لإعادة الهوية الحقيقية للمجتمع الشرق أوسطي , ففي ظل ابعاد المعرفيين , أصحاب الملكات الابداعية وعدم إشراكهم في عملية التحول الديمقراطي , يبقى أي مشروع حيز الأطروحة النظرية مالم يتم إشراك الجميع بخاصة الشريحة المستنيرة غير المرتهنة لأي خطاب حزبوي مبتذل.

الإرادة المعرفية في مواجهة القمع

النقد برمته ليس باباً يتسع للحديث من خلاله عن كل شيء، يغزو فضول الساعي لمعرفة ما قد تخبئه الحياة إلى جانب العديد من الأزمات التي تتشبث بالطبيعة البشرية لتكون بداية للدخول في شتى المفاهيم الموغلة في العمق الإنساني على مسرح التناقض ، ففي خضم تجربة الكتابة تتآلف القيم والمعايير في نسبيتها والحقائق بجوهرها لتشكل الإيقاع الذي ينشد للفن وجوهر الحياة والفن هو جودة اللعب على حد تعبير(كروتشه8) .

إن كشف الآثار المرضية في الطبيعة البشرية هو جل ما يشتغل عليه المعرفي في بيانه الإنسان وتعامله مع المادة لا كوسيلة تعايش سلمي إنما كغاية تمحو قيم الإنسان المتعلقة بالفضيلة التي هي مبدأ أولي طبيعي في تغيير الحركة التاريخية التي تتجه باتجاه وضع حلول للإنسان ،لرؤية واقعية قائمة على بناء الإنسان من الداخل ووضع الحلول الكاملة لا أنصاف الحلول في بث القيم البشرية العادلة من جديد بين المجتمعات البشرية على اختلاف طبقاتها،حيث يجسد الصراع مدى الإنقسام البشري والتفاوت بين المجتمعات المتقدمة التي تبتكر الأشياء وتفكر دائماً باستخلاص بدائل حياتية في حياتها ومسيرتها عموماً وبين مجتمعات ما تزال تعتمد البساطة والبدائية في التعايش مع الأشياء وافتقارها إلى آليات التعايش الجديدة والرقي في التفكير و اتساع الهوة بين الغني الطامح والفقير المتلاشي أي التابع ، فالانغلاق ضد حيوية الأفكار، وهو الحائل دون أن تنهض القوى الخلاقة لتسمو بالحياة وترقى لتكون انطلاقة لأفكار عليا نهضوية تستقيم من خلالها الحياة المتجلية بطاقات أفرادها، بيد أن طبيعة الصراع ما بين الآمر والمأمور، ظلت عثرة في إعداد جيل يعتنق قيم النهضة طواعية، ولكن العائق أمام سمو الإنسان بحياته، هو التعسف والإكراه، حيث الإنسان طاقة لا متناهية إن أحسن ضبطها وتقويمها بما هو ضروري، فسوء الترشيد والاستثمار ، ينجم عنه الإحباط والفشل، على عكس التحفيز لما له من نتائج إيجابية قادرة على قلب معادلة الحياة الصعبة لحياة أكثر يسراً وإبداع وطاقة.

حيث لابد من العمل على مبدأ التأثير الوجداني إلى جانب بروز الفكر المتقد بما يحمل من لذاعة وقوة، ولعل الانفجار الشعبي في ماهيته استجابة لمنطق التغيير الحتمي، إذ تحبط القسوة معنويات الذات، وتجعلها في حالة استنزاف نفسية، ناهيك عن جهود الأفراد في العمل وبذل الجهود على عكس القائمين على الإدارة ، تتنازعهم شهوة السلطة فتفقدهم مرونتهم الجوهرية .

ولاشك أن لتأثير الإيديولوجيات الشمولية دوراً في زعزعة استقرار المجتمع، وذلك بتحكمه بالفرد، وحصر ذهنيته بالشعارات ،والأدعيات وما هنالك من طقوس تنحو منحى التسليم بمقتضيات الحاكم وشؤونه دون منازع، إلى جانب تجسيد روح الخواء داخل الشخصية، إثر تعليبها، وجعلها تعيش داخل دهاليزها الخرافية، دون أن تفكر بفداحة الركون لرواسب السلطة ومفاسدها، وتحكمها بالعقل الفردي، وإقصاءه ، بل إخصاءه، وكذلك فإن خواء ذهنية الفرد واتخاذه قطيعاً ، يؤدي لبروز العاهات النفسية وشيوع مظاهر الفوضى والاغتراب المزمن.

ثنائية الأنا والآخر :

يحرص سارتر9 في جعل الآخر جحيماً،كون الإنسان لا يمكنه إنقاذ نفسه من تساؤلاته وآلامه ، حيث يبحر في الوجودية ، ليجد أن الآخر يمثل للمرء العائق، وبكل الأحوال يبذل المعرفي المبدع مجهوداً في ظل أي خطاب أو نص يحمله للمتلقي ليبرهن عن ذات المشكلة الوجودية التي تؤرق مسارات حياتنا برمتها، إذاً فالإنسان الوحيد من يحمل خياراته إزاء الوجود المعلن ويتحمل نتائج اختياراته ونعوته، تجاه الأشياء والظواهر، وكما أن الآخر يشكل العائق المثالي لصيرورة حياتنا برمتها، غير أننا ندين له بالفضل ، كونه الحلقة الأهم في تعرفنا على ذواتنا وكيفية الأخذ بها في الحياة، جدلية الذات والآخر في سياق البحث عن المشكلات الوجودية، ومعرفة المدى المجدي من الخوض فيها، ولعل وجودية الوجع في ذاكرتنا تتدخل في نظراتنا الجدلية لحتمية مسار الحياة القائمة على الارتقاء للفناء ، ولكن ديمومة الماضي في الإنسان تزداد تأصلاً وما تلبث أن تطفو على السطح ، وفي حديثنا عن سارتر وبيان مقولته أن الآخر يمثل الجحيم ، دلالات هامة فهنا قال سارتر في مسرحيته (الجلسة السرية) إنالجحيم هم الآخرون “.

الآخرون الساعون لإثبات منهج حياتهم، وكذلك لإغراق ما في جعبتنا من أهوال وعوائق يزرعونها جاهدين في طريقنا وهكذا فإن المسعى الإبداعي الذي نبثه في دواخلنا يمهد لجدلية الأنا والآخر على نحو مفصح أكثر،فنقول أن العاشق مثلاً يطمح إلى أن يرى ذات المحبوب تتلاشى في ذاته، بينما في صميم المشهد الواقعي نجد أن الأفكار تتهافت لصنع مذهبها الحي بعيداً عن الرؤى الوجدانية المباشرة، فلاشك أن الرغبة في الحل والاحتكام لمنطق أن الحياة هي خليط من مفاهيم غير مستقرة، وأحلام تغزو المرء ، وما تلبث أن تنال منه قسطاً يسيراً من التأمل، مما يجعل الذات المبدعة تحاول جاهدة للوصول بالحقيقة الإبداعية إلى مبتغاها الهادف ، وهو صناعة طرائق مفيدة من الارتقاء بوعينا التحصيلي الناتج عن خبرات وحوافز وإمكانات نتبادلها من جوهر هذا التنازع ، ففي موضوع سعي المحب للتوحد بجزأه الآخر وهو ما يشبه علاقة المبدع بأدوات إبداعه ومن ثم بوجوده ، بيئته ومشكلاتها، فلا شك أن ذلك يتحقق بعملية الإندماج الكلية مع تلك القضايا لتصبح العامل الأقوى للإبداع،فالاندماج مع الذاكرة هو غير ذلك الاندماج المتحقق في العلاقة الوجدانية بين الرجل والمرأة،ولكن يوم يتحقق هذا الأندماج، يفقد العاشق شخصية من كان يحب، ويستعيد عزلة (الأنا)، نجد أن الأنا هنا هي المفصحة عن خيارات الذات في تشظيها وبحثها الدائم عن حلول لوقائع تتوسط الماضي والنزوع الاستشرافي للمستقبل، ثم إن كان الحب يعني رغبتنا في أن نحب، فهو يعني أيضاً انقيادنا نحو سبر ماهية الارتقاء للأفضل في طلبنا الخير الأقصى بمسماه الواقعي، فالهاجس الإبداعي برمته يمعن أكثر في إشكالية الذات والآخر، واصفاُ في الآن ذاته سعي الذات للتوحد بالآخر وجدانياً ،فهو يعني أيضاً أن يريد الآخر حبنا له أي أن يكون في حاجة إليه، من هنا تتحقق جمالية المسعى ، وكذلك يتحقق الشرط الإبداعي في البحث عن الحياة التي يرتقي لها المعرفيون في المسير بهذا الموج المجتمعي نحو حقيقة الوجود الحر المحكوم بالجمال، رغم جدلية التنازع القائمة في كل ركن وصعيد وتحكمه بكافة المسارات والميادين المختلفة،إذن فوجود العاشقين هو في تنازع دائم، كأي وجود آخر، فكلما كان الإمعان في ذاتنا عبر مرايا الوجود ، كلما بانت حقيقتنا الجميلة أكثر واتسعت باتساقها وتناغمها مع الطبيعة، هكذا يكون الوعي بالجمال خالصاً، وتكون للحكمة دلالتها، كون الحكمة هي ابنة الجمال الكامن في الوجود ، ولا يتحقق وعينا بالوجود دون إيغالنا بالسحر في هذا العالم المكتظ بألغاز النشوة الخلابة ، عبر التجوال في مداه المطلق، للتعرف على الذات ،وهكذا فالوجود الذي بدا لنا كأنه النعيم المقيم لا يمكن أن تنجلي خباياه ،لو لم يكن ثمة وعي فردي هو الأنا، الأنا التي تعمل وتكدَّ وتقرأَ وتسبر الأغوار، فهذا يشكل حقيقة نشدان المعرفي للخلاص من قيود المفاهيم المتحجرة، ولا يدرك المرء نعيم الانسياق لمطلب الحب ، دون التأمل في مجريات الزمان والمكان في توأميتهما، حيث السر الأجمل في استدعاء الجوانب المتعلقة بالفن والعلوم الإنسانية، ينبجس كل شيء من خلال جدلية الفرد والطبيعة، في خضم الموجودات، ويبان ذلك المجتمع في ظل الترابط المحكم بين أنسجة الإبداع الحي المقيم في الوجود ، وبين مطلب الذات الفردية في التقصي والإبداع والإيغال بعيداً نحو الجمال، وما النقد إلا جزء مكمل من العملية الإبداعية، وهو تماثل آخر ووجه مقابل لجدلية الفرد والطبيعة، الوجود والموجود، المبدع للنص، والموغل للنص، الفلسفة وشارحها،فهذه الثنائيات المتقابلة، تستكمل فصول بعضها الناقصة، حيث أن النقد يتغذى على النص الجاهز، وحيث أن القيمة الإبداعية تنجلي بتمامها حين الإيغال التحليلي التأملي في ثناياها، وهكذا دواليك.. هنا إشارة مهمة للآخرين الذين يحولون بيننا وبين حياتنا وتأملاتنا، حيث يبقى وجودهم الجحيم المهدد لكل ما نحتاج ترتيبه لحياتنا، ولاشك أن ذلك العائق الذي يقف بين الذات والتأمل الخالص، هو الذي يتحول مراراً إلى جحيم وشر، بسبب وجود الآخرين، غير المدركين لجهود المرء لصيانة الروح، وتنظيم دوافعها واحتياجاتها، غير الآبهين للجمال الذي يكمن في الجموح للطبيعة ، والاستفادة من مزايا الجمال، هذا ما جعل الغضب والحنق هو النتيجة التي تتصدى لقوى القبح والتشويه، التي تقف حيال أفكارنا وأحلامنا وطموحاتنا في تلوين حياتنا بالجمال والتأمل والمعرفة الدؤوبة.

جدلية وجود المبدع إزاء العائق البشري و العلة الكامنة إزاء صيرورة الإبداع ونقاءه، حيث نجد سارتر يرى في الآخر العلة ، ويرى وجودنا كذات عالة عليه ،فيقول سارتر: “..الغير هو الآخر، الأنا الذي ليس أنا..”وهنا تتكون الرؤية المعرفية نحو تحسس مفاتن الجمال، والانغماس في مدلولاته الحميمة، والانقياد إليه، يهبنا آليات دفاعية تتلخص في إبداء الحرص عليه، إزاء فئة تستعبد هذا الجمال، وتقصيه، لماذا التنازع؟!، هنا يمثل في الحقيقة الهدف من الصراع وتلك الجدلية الوجودية، حيث ثمة فئتان ، فئة مرهفة مبدعة تسوس حياتها عبر اعتمادها الحياة الفطرية، وما يتخللها من إيمان بجملة قوانين ، عبرها يتم تنظيم الحياة بمثالية ، وهذا ديدن الباحثين عن حياة أكثر هدوء ومعنى في الصميم الذاتي، مقابلها فئة منفعية تؤمن بالاحتكار، والسلطة ، كونهما أس حياة هذه الفئة ومبلغ اهتمامها، إذ أن الجمال بالنسبة لها هو حيازة الأشياء، وتجلي الجمال هو في الربح والنفوذ، إذاً هناك مذهبان متمايزان واعتماداً على حجة (تحليل لغوية) تتمثل في تأويل وتفسير كلمة (ليس) نجد أن الحياة لا تعاش إلا على مبدأ التنافس والغيرية، في تقديم مذهب على مذهب، وكذلك اللعب المكشوف على وتر أن البقاء للأجدر، الزخم الإبداعي في تصادم مع العبقرية النفعية، وجل مطمح العلوم الإنسانية ، أنها تبحث عن الإنسان خارج دائرة العلم المرتبطة بقيود العقل وتصوراته، وكذلك بعيداً عن الجنوح العاطفي في اعتماد الوجدان كميزان لتصحيح المسارات المغلوطة التي اعتمدها البشر في أطوارهم التاريخية المليئة بالمغازي والعبر في تطويعهم الفكر لأحد تصورين إما الاسترشاد بالعقل المطلق أو العاطفة المطلقة التي لا تؤمن بأن المعرفة قادرة في جوهرها على استيعاب كل شيء، حيث يستنتج سارتر أن هناك عدم وانفصال وتباعد بين (الأنا) و(الغير).

إن الحروب التي تشن على الأنظمة شرق أوسطية بزعم تغيير أنظمتها ، هي في الآن ذاته تحمل في جوهرها استبدال المأساة بواقع يتخلله الضجيج والافتراء والفوضى، في إشارة إلى أن التغيير لا يفرضه الخارج، بل تقف خلفه الإرادة الجماهيرية الواعية، فالإدراك لضرورة التغيير هي حاجة المجتمعات، لكن القوى الخارجية من تتلاعب بخيوط اللعبة ظاهرياً، حيث الصراعات التي لا تكاد تتوقف وتهدأ، و الواقع السياسي المتلظي بنيران الاستبداد والتدخل الخارجي، فإدراك المعضلة الحاصلة في جذور المجتمع المكبل بأغلال الوصاية وتفشي علل السلطة في مؤسساته، هو المرجو في عملية إنتاج النص الإبداعي، وقد تم اعتماده ، لجعل تجسيد الواقع والفكرة الممثلة الحل، هو جل الحيز الذي يشغله النص ، الشارح لمظاهر التفسخ والتشرذم وغياب البوصلة، فأي إدراك يقف عند مستوى الجسم وما هو ظاهري، يصبح معه الآخر مجرد موضوع أو شيء، لكن في واقع رصد معاناة المجتمع، كان لابد الإشارة إلى أبعاده النفسية، ومآلات النظام القمعي داخل بناه ، والفوضى الحاصلة التي رافقتها الصراعات الخارجية، والحديث في ذلك الموضع طويل وشائك ،وفي الحرب تتضاءل إمكانات السعادة الهادئة، فيصبح التأمل في المكان المدمر، والاحتجاج على الانتهاكات التي استقرت تماماً في قلب الذاكرة، حديث الشجون أبداً وكلها طرق لمدواة تلك الكرامة المستباحة تارة عبر سياط الجلاد ، وتارة أخرى بسبب الحرب التي ما انفكت تدور رحاها لتفتك بالآمنين،حيث يتم التقاط أفخم صورة لأبشع لقطة جريمة مبتكرة، نجد التركيز على معاناة المرأة في الحرب، كونها تحتمل كل تداعيات ونتائج الحروب التي يصنعها الرجال، ذود النساء عن الأبناء الجرحى، اعتماداً لتجسيد علاقة الإنسان بالمكان، علاقته بالآخر، وكذلك نظرة المجتمع للمرأة من كونها المخلوق الأكثر تحملاً لغطرسة الحروب، مما يستدعينا هنا للنظر إلى الحدث استناداً لتعامل الإنسان معه ، كمغزى لتلك العلاقة بين الأنا والغير حيث يقول سارتر: “..أن العلاقة بين الأنا والآخر هي علاقة تشيُّؤية ما دام أن كلاً منهما يتعامل مع الآخر فقط كجسم أو كموضوع أو كشيء، لا تربطه به أية صلة.. والرصد للحدث انما هو بحث عن هذه الجدلية برمتها، وكذلك عقد تقابلات وروابط فيما بينهما، إيجاد المغازي في تقابلاتهما، وإخراج المشاهد لساحة التأمل، فلا ينظر للجانب الدرامي إلا من سياق جدلية الذات والآخر، كونه العاكس لحالات الإنسان وأطواره المختلفة مع ما يقابلها من سبر نحو ماهية الترابط الفكري الكامن وراء عرض المشاهد، وإبداء المواقف المباشرة تجاه الحوادث الحاصلة في المجتمعات ، والمتحكم بمصائرها، وطرق تفكيرها وآليات بثها لاعتقاداتها، ولاشك أن العلاقة المكانية منحصرة في جدلية الثنائيات، وما بينهما من علائق وعوائق متباينة، وإن تم ذلك البحث عن القرائن التي تحصر علاقات المجموع في سياق الجدلية التي تعم كافة الموجودات على اختلافها، فلا تفصح الكتابة فحسب عن الحديث في نتائج الجدلية الجارية في الوجود بقدر ما تحاول نقل ذلك كحصيلة تجارب للإنسان ضمن سياق التعاطي الدقيق للعلوم الإنسانية برمتها كونها تجعل من الإنسان المحور والغاية الأساس لفاعلية وجودها.

لنتأمل مقولة يوحنا جـ. استوسينجر10 في كتابه لماذا تذهب الأمم إلى الحرب،كلا الطرفين سيدَّعون أن الأخلاق هي مبرر قتالهم. وهو ينص أيضاً على أن الأساس المنطقي لبداية الحرب يعتمد على تقييم مفرط في التفاؤل لنتائج القتال (الإصابات والتكاليف)، وعلى التصورات الخاطئة لنوايا العدو. “

المقامرة هي التي أودت بالمجتمع إلى نفق هاوية غير معلنة ، قادتهم ليكونوا وقوداً لجشع أرباب الاقتصاد ومافياته، وهذا ما يحيلنا للعودة لسارتر حين قال : الأنا لا يدرك الغير كما هو في ذاته، بل يدركه كما يتبدى له ضمن حقل تجربته الخاصة، وهذا يعني أن نظرة الأنا للغير هي نظرة اختزالية وإسقاطية، فضلا على أنها نظرة سطحية ترتكز على كثرة متنوعة من الانطباعات الحسية، ولا تنفذ إلى أعماق الغير من خلال الاقتراب منه والتعاطف معه..” وجوهر القضية هو دوام التصارع وتغليب التوجهات على أخرى، ضمن اللاحل، حيث يتهافت البشر على التشبث بقناعات على حساب إنكار أخرى، ويعمد المتحكمون لتسعير هذا التنازع وفق مصالحهم وأجنداتهم، وهكذا فالنظرة تجاه الغير هي حقاً كما رأها سارتر اختزالية بمعنى أنها متمحورة في نطاق الأنانية العملية المتشبثة في ماهيتها بقناعات تسيرها.

نظرة فلسفية حول التنازع

يلتقي الخصوم و الأبرياء ليساعدوا بعضهم بالتزامن مع حرب بعضهم بعضاً، ليتم إثبات خيرية الإنسان في ماهيته، من كونه في الجيش مجرد مأمور، يعيش تناقضاً لاذعاً بين أن يكون ذلك الآتي لإنجاز مهمة حسب الطلب والأوامر، وبين أن يكون ذلك الإنسان الذي ما يلبث أن يستيقظ ليعبر بصدق عما يخالف المهمة ، وهو أن البشرية في احتضار واستنزاف جراء حروب عبثية لا تجلب سوى الدمار العام لجميع الأطراف، حيث الوجود سفينة ، ودمار جزء منها لو بسيط يعني فناء من على ظهرها، فالانتصار للإنسان يعكس في مضمونه ثقافة عالية المستوى، ويتجلى من خلالها إرث الحضارة العاقلة التي بشر بها المعرفيون منذ الأزل، واستطاعوا صونها عبر اعتمادهم على التواصل الفكري وتدشين أواصر الحب عبر أسسه المتينة، بالتزامن مع أفعال السلطة المولعة بالحروب والاحتكار الربحي، فعقد الأواصر الفكرية المشتقة أساساً من العلوم الإنسانية يعطي دلائل يمكننا اختزالها فيما يأتي:

  • إيجاد البديل الحقيقي عن مظاهر التنازع الإيديولوجية التي سادت الخطاب القومي، والمذهبي، وإبراز قيم الحياة الفعلية عبر البحث عن خيرية الإنسان وطبيعية دوافعه الأولى، فيما لو تجلت، حيث اعتمدت الكتابة المعرفية على إظهار النداء الروحي الجمالي الخارج من مدركات الإنسان المعرفي في إنهاء الكوارث التي تتم بيد الإنسان.
  • تتضمن أيضاً التعريف بالإمكانات الفعلية للإنسان في مواجهة العوائق التي تحول ما بين ذاته وقناعاته الطبيعية، ولاشك أن التعاطي الإنساني للمأساة، والتعاطف معها، هو نشاط حقيقي وجداني لممارسة الطمأنينة المفتقدة في زمن الحرب والتصارع الوحشي .
  • الاعتماد على التعريف بجودة الفعل الإنساني المتأتي من روح الطبيعة التي يجسدها الإنسان الساعي لعقد الأواصر الطبيعية بينه وبين الضحية، عبر تجسيد مظاهر هذا التعاطف الأمر الذي أحالنا لتفسير الدوافع التي تقف وراء عملية صناعة الخير، وهو إحقاق الجمال الكامن لدى الإنسان الطبيعي..
  • السعي وراء فعالية الطبيعة الخيرية لدى الإنسان، وتغليبها ، على دوافع الرغبة والهيمنة التي يتم استثمارها لاستنزاف موارد الشعوب والتحكم بها، والانتصار ما أمكن لقيم السلام الحقة.
  • بيان حقيقة السلم الطبيعي المستوطن نفوس الجماعات الهاربة من البطش والتي تشكل المرأة النسيج الرئيسي المتأثر بكل انهدام على مستوى المعايير الأخلاقية المنتهكة في الحروب، وكذلك خلق الحلول الواجب العمل بها ، لتخليص المجتمعات من إفلاس المنظومة الربحية، لهثها وراء المنافع على حساب الدمار على كل المستويات.

الكوارث المحتملة على الجماعات الفقيرة هي بمثابة الألم الأكثر تجلياً، فهم يندفعون لمواجهته بأبسط ما لديهم من إمكانات، لكن الأمر الأكثر ألماً هي عقلية المتنفذين الجاثمين على صدورهم، المنكبّين على أرزاقهم واحتياجاتهم، بدلاً من أن يقفوا إلى جانبها، وهذا ما يجعلنا نذهب للتحليل حول صراع الطبقات الاجتماعية ، في تفسيرنا لتلك التداخلات فيما بينها ، والتي تفرز فيما بعد هذا الانقسام الاقتصادي والاجتماعي والصراعات من باب عرض الفلسفة السياسية الماركسية الساعية بدورها لمعالجة هذه الإشكالات التي تصيب المجتمعات منذ القديم، حيث أن الحكومات هي وسائل معاداة لحياتها وعملها ولعل كارل ماركس11 وفريدريك انجلز12 هم من أكدوا الإنتشار العالمي لهذا المفهوم، حيث أشاروا مراراً في حديثهم عن هذا الموضوع الكبير بتمثلهم لنتيجة أن هذا الصراع المعقد هو محرك التغيرات الإجتماعية والتاريخ الحديث.

تجسيد حقيقة هذا التنازع الرهيب بين أرباب القوة والفئات المنكوبة ، تلك المعانية من الفقر وشظف العيش، والشرخ الطبقي يشيرإلى حقيقة أن الحكومة الاستبدادية القائمة هي من تعزز الهوة بين الطبقات، ولعل اللعب على وتر التحايل المكشوف على المجتمعات المنكوبة هو الأمر الذي يسهم في خلخلة المعايير والقيم الأخلاقية داخل المجتمعات بشكل عام، مما نجد السلطة إزاء ذلك تقوم ببث ونشر تصرفاتها السلبية داخل أوساط المجتمع وفئاته ، حيث تحول بعضهم إلى تابعين لها، وهؤلاء التابعين يقومون بأداء مهمة أكثر شناعة منها، إذ أنهم يقومون بتحويل النهب والسلب إلى قانون مستدام ، وهذا هو الأبشع والأسوأ في تاريخ المجتمعات، ناهيك عن الفقر لما له من تداعيات ونتائج كارثية في حياة المجتمعات، مما يجعلها في حالة قلق واغتراب كلية ، عن القانون الضامن لحقوقها الطبيعية.

الشعب هو المسؤول عن فساد مرؤوسيه، وصمت الجماهير قادها لتكون كالقطيع الذي يذعن لرعاته، حيث تلك السلطة هي التي تلتف حولها مظاهر محاباة الأقارب، والمحسوبيات، الأمر الذي يجعل من باقي الفئات تعاني الحرمان ، إثر تفشي الرشوة والابتزاز، وتحول المدن لمحميات مافيوية يديرها متنفذون يمارسون سطوة النفوذ والاحتيال، ولاشك أنهم على الجانب الآخر منشغلون بنشاطات إجرامية أخرى كالاتجار بالمخدرات وغسيل الأموال والدعارة ،ضياع الحقوق والجهود في تلك المؤسسات الخامدة من أي حراك ونهضة وإنعاش، فالسلطة قامت بتلقين بعض فئاتها بحب التبعية والمحاباة، وكذلك عمدت عبر رجالات الدين إلى جعل الطاعة العمياء للمرؤوسين من طاعة الرب، وهكذا تم تحقيق مبدأ التبعية الخالصة بين الجماهير وسلطاتها، لهذا فالمجتمع يتحمل أوزار الظلم الواقع عليه ، لعجزها عن تفهم عللها، حيث تصوير الذل القائم يعتبر بحد ذاته مدخلاً لرؤية نقدية لا تكاد تتوقف ، فغاية الكتابة الحقة هي تحريضها للعقل على التمرد والقفز للأمام،فانغماس الذات في نواقصها، لاسيما وإن كانت غارقة في أتون السياسة وأعرافها، أمر يعم الذهن في أقصى ساعاته، لاسيما وإن كانت هذه الذات تعي الحياة الطبيعية دون التواءات وانحرافات فردية عن قيم الحياة الخامة، فهي الأكثر تعرضاً لحقيقة الألم الواقع ، فالحوادث على الدوام تؤثر في موازين العمل، وتشي عن الصراع الذي تتناقله الأجيال عبر أطوارها المختلفة ،حيث تعرِّف دائرة المعارف الأمريكية13 الصراع بأنه: “حالة من عدم الارتياح أو الضغط النفسي الناتج عن التعارض أو عدم التوافق بين رغبتين أو حاجتين أو أكثر من رغبات الفرد أو حاجاته،لكنه هنا بالمعنى السلطوي بات يعكس ذروة الاحتقان والتنازع حيث أن الصراع بين طرفي القضية المتخم والجائع ، له دلالة طبقية بعيدة ، فانعدام التوافق والتوازن في حياة الفئات وانقسامها على احتكار القوت هو ما أفضى لحقيقة هذا التنازع الخطير ، فالحديث حول الكفاح يمثل المطلب الأكثر معيارية في حياة التنظيمات بيد أن التنافس على الألقاب والأوسمة أيضاً بادٍ ،حيث يأخذ الصراع أبعاداً متعددة تعكس عدة رغبات يدور بعضها في فلك الكفاح الجماهيري، وأخرى غايتها كسب المواقف ولفت الأنظار حول ردات الفعل ومعطياتها في المعنى السياسي العام ، فالأفراد والجماعات ماضية في تدشين هذا الصراع سلوكاً ومبدأ، والجبهات متعددة منها ما هو بمواجهة الخارج، ومنها ما يتم داخل الحزب الشمولي ذاته بمعزل عن التحديات الخارجية، ولعل الوجهان المختلفان للصراع الداخلي والخارجي متشابكين ومتداخلين بأشكال معقدة ومتباينة، وبجميع الأحوال فالصراع يتركز في النهاية بين طرفين يشتركان في القوة ذاتها والعنفوان ذاته في إتمام هذا التنازع القائم ، عاكساً بمجمله صراع الطبقات سياسياً أو قبلياً أودينياً ، واللا توافقية هي التي تطفو على السطح في كل ميدان ففي قاموس الكتاب العالمي14، فإنه يعرف الصراع بأنه معركة أو قتال ، أو بأنه نضال أو كفاح ، خاصة إذا كان الصراع طويلاً أو ممتداً“.

إن الانزياح نحو الحب والوجدانيات عموماً هو بمثابة البحث عن السكينة المفقودة في زمن يتداول النزاعات دون معنى، لعل في ذلك اجترار تلقائي للصراع دون وازع، الأمر الذي يشكل للإنسان رغبة مستدامة للخروج عن هذا الصراع، والبحث عن معنى آخر خارج هذه الدائرة المعقدة، فالتشبث بالحب هو الملاذ الأخير الذي يمكن للمرء أن يوظفه ليتفادى شبح الإحساس بالمرارة وانعدام الأمل.

الكتابة الأدبية كوسيلة مواجهة :

النزوع نحو الخلاص الذاتي، أمر لابد منه إن ضاقت السبل في مواجهة الزيف وروّداه، ففي ظل عسف وتجبر السلطات القامعة لا خيار للمجتمع إلا بقبول أحد شيئين وهما الرضوخ أو الانتفاضة، إذاً فالكتابة الأدبية لا تخلو من هواجس تنتاب الأعماق ، تحرّض على التأمل بحيثيات المشهد وما يبعث من إحساس بمشقة الواقع وضيق أفق الحل ، وكذلك الترنح في طيات المشاعر الوجدانية، لتكون بمثابة الشرارة الكامنة في رحلة الإنسان باتجاه الخلاص ، فما يواجهه من بطش محاكم التفتيش وسطوتها، هو ما يزيده من المواجهة ويرفع في داخله آليات المواجهة ، حيث أن قوى التغيير ما تلبث أن تواجه رغم كل الخيبات الألم والمرارة إلى جانب العزم والإصرار على التحدي لرؤية عالم أفضل جمالياً وأخلاقياً ، فالكتابة هي تمجيد معنى مواجهة المعاناة وضغط السلطة القامعة على الأفراد ، هي الشأن الأكثر قيمة على عكس كتّاب السلطة ممن يلهثون لتمجيد الزعامات والثناء عليها،وذلك هو المغزى من العمل الإنساني ، وهو النزوع للمحافظة على السلوكيات المحمودة ، إزاء العسف والجور الحاصل في مختلف المناخات الحياتية، إشارة أن منظومة الاستبداد تحاول إفراغ مجتمعاتها من ثوابتها ، مما يسهم في إنتاج نوع خطير من الفوضى واختلال النظم الأخلاقية ، مما يجعل التفتت وشيكاً في ميادين الحياة كافة، حيث ثنائية الفساد والاستبداد، اللذين تمارسهما السلطة عبر تأسيسها لمنظومتها القائمة على تفتيت المجتمع أخلاقياً، الأمر الذي يسهم في إركاعها وصهرها بمفاهيم نفعية استهلاكية تنمي فيها روح القطيعة عن القيم الطبيعية، لتصبح الأخلاق في خطر، حيث تسعى هذه المنظومة باستمرار لتجديد أساليب قمعها وإقصائها، تلبس أحياناً لبوساً قومياً، بمسعى مزعوم أنها تحمي القومية وتمجدها في شخصها، وأحياناً تتجلى بلبوس طائفي بمزعم حماية الطائفة من خطر الفئات الأخرى ، إلا أنها تحافظ على بقاءها تحت شتى المسميات والمزاعم، وأجهزة الإعلام بالنسبة لها، آليات رقابية تحريضية، وحتى من هم في زنازنها هم مخيرون بين أن يتعاملوا مع السلطة أو يبقوا في معتقلات الرأي، بلا صوت أو صدى، حيث أسهمت هذه المنظومة بصنع المأجورين ممن لا رأي لهم إلا وفق ما تشير السلطة لهم بالقول أو الصمت، وهذا الوضع يكاد يضيق بتلك المنظومة ومستقبل دوامها في الحكم، بسبب توالي الأزمات الاقتصادية عليها، وكذلك احتقان الجماهير، ممن تشكل وقوداً للإنفجار، إثر التفاوت الكبير الحاصل في الدخل المعيشي للناس، ووجود تلك الفئة الفاسدة المتحكمة بالموارد الاقتصادية والمال العام، حيث دخلت في تحالفها مع السلطة، لإبقاء هذه الثروة في حوزتها، ناهيك من أن هذه السلطة تنسق أمنياً مع سلطات أخرى تجاورها، وتناصبها أيضاً عداء المجتمع ، حيث إن تفجر الوضع في دولة، فإن الدول التي تجاورها وتناصب سلطاتها العداء إزاء الجماهير، سرعان ما تصل النيران إليها أيضاً، بيد أن تلك العوائق هي وليدة المجتمع الأبوي، الذي هو بلا شك وجه آخر لمنظومة السلطة السياسية القامعة،فالعوالم الوجدانية الحارة لا تنفصم عن القضية الأساسية التي ينتصر لها على الدوام، وهو تحرير الإنسان من أسر الاستبداد والتفسخ، والذهنية الأبوية الوليدة عن تقاليد وأعراف جائرة، تجد السلطات القامعة ببقاءها، وسيلة لدوام الغطرسة والجمود ، عبر تغييبها لمنطق الحرية والتمدن، لصالح العبودية والتمزق المجتمعي، فالسلطة إذ تحارب في المجتمع روح التنوير والنهضة، فهي في الآن ذاته تقمع الحب بين الرجل والمرأة، عبر التقاليد والأعراف البالية، تقضي على بناء العائلة القائمة على الحب والاختيار الطوعي، وذلك من خلال العائلة الذكورية المحاربة للحب والحريات إجمالاً، إذ تعتاش على إقصاء المرأة عن الرجل، لتبقى الذكورية بمثابة الوجه الساطع للاستبداد، وجذوره التاريخية الضاربة بعمق في المشهد السياسي الشرق أوسطي، حيث تتجذر الذكورية كنظام عبر صيانتها للتقاليد والأعراف، فهي السلطة التنفيذية العليا في داوم تمزيقها لشمل المجتمع عبر إبعادها للمرأة عن الرجل، مما يصل بنا لنتيجة أن هذا المجتمع فاقد للحب ولثقافته دون دخول للتعميم ، إنما لو عدنا لوطأة الأعراف الطبقية، وحقيقة التنازع القائمة فطرياً بين البشر، لرأينا أن الشرق يعاني أكثر من معضلة محاربة الحب، ذلك أن وجوده يعني وحدة العائلة والمجتمع، ولكن محاربته، يفيدنا لحقيقة النظم القابعة على صدور المجتمع ، من خلال انعدام العاطفة الموجودة بين عموم الأفراد في خلايا العائلة إلا ما قلّ، وقليله متشبع بنسبية بمنطق الحياة العصرية، وقليل من مساواة جوهرية، ولطغيان النفعية في أوساط حياتنا المشبعة بضياع الحقوق، نجد أن الحب يكاد يبتعد، حيث يغترب الأفراد ذاتياً عن المجتمع، ويصبح التخبط سائداً، في حقل الحديث عن عالم الوجدانيات بين الرجل والمرأة، وصعوبة تقبل الحياة الحرة، والانقياد لنداء الأعماق، وعدم القدرة على تحقيق المتانة في العائلة، نظراً لابتعادها عن ثقافة الحب ، فقراءة ما بالداخل في سياق محاكاة الماضي لفهم تداعيات الحاضر وإشكالاته لأمر في غاية الأهمية لفهم مشاهد الحياة وظواهرها وأثرها على النفس والسلوك، بطريقة فلسفية أشد غوراً، للقبض على اللحظة الهاربة، والتي تستهوي الإنسان الحالم في العودة إليها ولو عبر تخاطر ذاتي، وأمام هذا المسعى ، محاولة للعبور بالأشياء التي يعيشها المرء بكل حنين ساعة العزلة، في نشدان دائم للنظام والعدل والسعادة، في عالم لا ينفك عن التنازع والذئبية، وكأنه لزام على المبدع أن يلوذ أبداً لعوالم الفن وتحسس الزهر في الطبيعة الخلابة، كبديل عن التغني بالشقاء والحزن، حيث أن مشكلة الوجود عصية الحل، غامضة الكنه، والطفولة تعد بلسم مضاد للاغتراب، بدليل النزوع الدائم لما مضى والتدبر فيه، وأيضاً التشبث بمضامين الإنسانية الحقة عبر التشاركية التي تعتمد على تبني الجمال والحق والخير كقيم لا بد من جلاءها والانتصار لها، إزاء كون بلا روح متمثل بالجهالة والأنانية والنفعية المفضية لمزيد من تصدعات وحروب، ولاشك أن نتائجها تستدلنا لشقاء المحب ، وعزلته، واغترابه الذي يكشف عن سجالات شاقة، فوراء الوصف المثالي للأبعاد الجمالية للحب والوجود ، تكمن المرأة ، حيث تشكل الجزء العصبي من هذا المجتمع، و الرجل في خضمه معني بالجانب الميكانيكي ، فالصراع السياسي، أعطى سمات معينة لطبيعة المجتمع في ظل السلوك المتبع في خلخلة نظامه الطبيعي

نظرة في الموت :

الموت ينطوي على كثير من الغموض، رغم تجليه، بهيئة مؤنسنة، متكلمة، ومنذرة على فعل إنهاء الحياة، بصورة تبدو كريهة ومزعجة، ومنه تنبثق حقيقة الولادة ، حيث يقصم الموت ظهر الوقت، فالفيلسوف الفرنسي بليز باسكال15 بمعرض حديثه عن الموت يقول :ليس هناك خير في الحياة إلا الأمل في حياة أخرى , ولا يكون المرء سعيداً إلا بقدر اقترابه من هذا الأمل ، وكما أنه لن تقع ضروب من سوء الحظ لأولئك الذين يمتلكون ناصية اليقين القوي في الأبدية ، فكذلك ليست هنالك سعادة لأولئك الذين لا يميلون لذلك “

حيث يجد باسكال في القناعة المتشبثة بيقين ما ، أو حنين للأبدية الكامنة في حياة أخرى، بمثابة احتمال للخلاص، في إشارة إلى السعادة التي يتمناها الإنسان في بزوغ الأمل ، فماذا عنى باسكال بهذا اليقين، إنه يعني الرغبة التي لا تنطفئ، وهو بدوره يقوده للسعادة، دون الانزواء في فخ الاحتضار المؤلم ، حيث تلك الأنفس التي لا تموت بل تعود لهيئتها الأصلية في التماهي بالوجود والموجود، حيث يرى الفيلسوف والرياضي الفرنسي رينيه ديكارت16- هذه الحقيقة حين تمثلها في ذاته فقال:

أعلم جيداً أن لك ذهناً متقداً وأنك تعرف جميع ضروب العلاج لتهدأ حزنك , لكن لا أستطيع الامتناع عن إخبارك بعلاج وجدته بالغ الأثر , لا في مساعدتي على أن أحتمل صابراً موت أولئك الذين أحبهم فحسب , وانما كذلك في القضاء على خوفي من موتي , وذلك على الرغم من أنني أنتمي إلى أولئك الذين يعشقون الحياة عشقاً جماً ، ويتمثل هذا الضرب من العلاج في النظرة إلى طبيعة أنفسنا , تلك الأنفس التي أعتقد أنني أعرف بوضوح بالغ، إنها تبقى بعد الجسم ،وإنها قد ولدت من أجل ضروب للفرح والغبطة، أعظم كثيراً من تلك التي نتمتع بها في هذا العالم , وانني لا أستطيع التفكير في أولئك الذين ماتوا إلا باعتبارهم ينتقلون الى حياة أكثر سلاماً وعذوبة من حياتنا , و إننا سننضم إليهم يوماً ما , حاملين معنا ذكريات الماضي ذلك لأنني أتبين فينا ذاكرة عقلية من المؤكد أنها مستقلة عن الجسم “

حين يتحدث ديكارت عن حالة الخوف من الموت، تبدو له الحياة أكثر مشقة برحيل من يحب، فبمقدار ما نحب الحياة، ونبتهج لها ، بمقدار ما نخشى على أنفسنا أكثر ، حين نفجع برحيل من نحب، كذلك هي الوحدة كشعور يرادف الموت، بل تحيلنا لمجالسته.

لننظر للفيلسوف الهولندي باروخ اسبينوزا17 في معرض حديثه للموت، توصيفه إياه، قائلاً : العقل البشري لا يمكن تدميره بصورة مطلقة مع الجسم , لكن شيئاً خالداً يبقى منه “ هنا يحوم الفيلسوف اسبينوزا حول هاجس الخلود مجدداً ، تحول هذا الجسد البشري لشيء محسوس آخر ، يكون تتمة للوجود ، إذ يعود لعناصره الكلية ويقول أيضاً: إننا لم نعز الى العقل البشري أي ديمومة يمكن تحديدها زمنياً, إلا بقدر ما يعبر ذلك عن وجود فعلي للجسم يفسر عن طريق الديمومة ويمكن تحديدها زمنياً , أعني أننا لا نعزو اليه ديمومة إلا بقدر ما يدوم الجسم , غير أن هناك بالرغم من ذلك شيئاً ما تقتضيه ضرورة خالدة معينة عبر ماهية الإله ذاته , وهذا الشيء الذي يتعلق بماهية العقل سيكون أزلياً بالضرورة “

حيث يعبر اسبينوزا هنا عن الأزلية ، خلود العقل، فناء الجسم ، تحوله، فالعقل البشري في مضمار هذا المعنى باق، إذ تنتقل بين الأجيال، عن طريق أفكار تتشبث بقيم الحياة لا الموت

  1. إصرار الإنسان المعرفي على انتزاع التشاؤم الأسود المكبل لحيوية الفكر والوجدان، ساعياً لإغاثة المكتئبين، المتقوقعين في قيعان النظرة التي تنحو لتمجيد الفناء وملحقاته من تعصب وعنصرية وكراهية الآخر.
  2. التعريف بعبثية الشعور بالخيبة، والعمل على تحسين صور الحياة الضاغطة على المفاهيم الطبيعية والملوثة لها، بإذكاء شرارة الحس الإبداعي لعيش الحياة بصورة ممكنة ومعبرة عن مواهب الإنسان المعرفي في الوجود.
  3. محاربة التخلف كونه الوجه الأكثر سوءاً للموت، والتسلح بفلسفة الحياة في أطوار المرء المتعددة لغاية الطور الأخير، المفضي للتدبر والتذوق من الخلاصة المستنبطة من فعل الحركة المديدة
  4. التعريف بأن جودة التفكير وجدته هو شكل فريد من أشكال الحياة غير المرئية والعمل عليها بصورة متقدة ، عبر الآداب والفنون والأفكار الحرة.

لننتقل الآن للفيلسوف المعرفي الألماني إيمانويل كنط18، لنتعرف على توصيفه للموت في إطار محاولته العنيدة في إثبات الخلود قائلاً : ليس الموت إلا القناع الذي يخفي نشاطاً أكثر عمقاً و أقوى مغزى وان ما يسميه القانون بالموت هو المظهر المرئي لحياتي وهذه الحياة هي الحياة الأخلاقية .. وما يسمى بالموت لايمكن أن يقطع عملي لأن عملي ينبغي أن ينجز لأنه يتعين عليّ أن أقوم بمهمتي فليس هناك حد لحياتي ,إنني خالد “

فخلود المنجز لدى كنط يتحدد في بيان القيم الأخلاقية التي يكشف النقاب عن هذا التصالح الوثيق بين المرء العامل وأعماله، حيث ذلك النشاط المفرز للحيوية، حيث تصبح فيما بعد عملاً يحتذى به، وشيئاً نفيساً يتجلى عبره الإنجاز الذي يحفل به المرء، ليكون بمثابة القوة التي يعملها لمعرفة الحياة الخالدة التي يؤمن بها وذلك عبر استمرار الحركة الرافدة لحسن المسعى، القادرة على بث الديمومة في الأعمال الحقيقية، البعيدة عن مظاهر التزلف والزيف والرامية لتحسين الحياة وفهمها بطرائق متعددة، تقف وراء ذلك القناع الذي أشار إليه كنط هنا ، وهو القناع الذي يخفي وراءه النشاط الغزير والإمكانات الكثيرة ولسان الحال هو أنه ثمة الكثير المنتظر تحقيقه ودوام المسعى والرسالة المعرفية لا تتوقف بل تتناسل من جيل لجيل وهكذا دواليك..، فنرى هيجل رائد الفلسفة المثالية يحدثنا عن تصالح الروح مع الذات قائلاً : إن الموت هو الحب ذاته , ففي الموت يتكشف الحب المطلق ,إنه وحدة ما هو إلهي مع ما هو إنساني , وان الله متوحد مع ذاته في الإنسان ,في المتناهي .. عبر الموت صالح الله العالم، ويصالح ذاته للأبد مع ذاته “

إذ تتجلى كل الإرادة الكامنة في الإتيان بالحياة كإبداع وحركة لحظة اقترابها من شبح الفناء، ولعل المطلقية في الموت، ناجمة عن مسعى المرء لتحييدها قليلاً ولرؤية ذلك العشق الكبير في استنطاق الوجود في لحظات ما قبل النهاية ، حيث أن علاقة الإنسان بالحياة هي أيضاً طريقة لمعرفة نقيضها،والتساؤلات لا تكاد تبرح الذهن، بحضور الموت أم بغيابه، وهذا يُبرز لنا الحب المطلق الذي نراه متجلياً في الموت لدى هيغل، لكنه لدى شوبنهاور19 دليل على ذلك العبث العقيم الذي لا ينفك عن الحياة وحقيقة الموت فيقول هنا: “ان المعاناة هي بجلاء المصير الحقيقي للانسان كما يقول انه يتعين النظر الى الموت باعتباره الهدف الحقيقي للحياة لأنه في لحظة الموت فإن كل ما تقرر حول مسار الحياة بأسرها ليس الا إعداداً ومقدمة فحسب و الكفاح الذي تجلى في الحياة على نحو عابث وعقيم ومتناقض مع ذاته تعد العودة من رحابه خلاصاً .”

فثمة ذلك التقابل ما بين القولين من حيث المعنى، ما توصل إليه شوبنهاور عن حقيقة تجلي الحياة على نحو عبثي عقيم ومتناقض، يفضي لنتيجة أن في الموت الخلاص من تلك الأهوال المتجسدة في التخلف المقيت والفقر والمرض والاستبداد الفاتك بالناس ، فمهما تجسدت بواعث التشاؤم، اتسعت بوابة الإرادة في الولوج للحياة، على الرغم من حقيقتها المفضية للفناء ، ولهذا فالإنسان معني بدورة الحياة، وانبثاق الحياة من رحم الموت، حيث لا العقل يستطيع الإجابة ولا الوجدان يستطيع أن يصوغ علماً بمفرده، ذلك أن القصور هو وجه المنجز الإنساني بعمومه لهذا يقول نيتشه هنا:ما من وقت ينقضي بين لحظة وعيك الأخيرة و أول شعاع لفجر حياتك الجديدة , ومثلما لمعة البرق سينزاح المكان , وذلك على الرغم من أن المخلوقات الحية تظن أنه انقضى مليارات السنين ولا تستطيع حتى أن تعيدها ,فاللا زمان وإعادة الميلاد المباشر يتناغمان حينما يتنحى العقل جانباً”

السلطة الأبوية والضغط الاحتكاري:

ما يجدر الحديث عنه هنا في معرض تطرقنا للاغتراب، الموت، الفساد، الاستبداد، خنق الحريات واستعباد الأفراد، ذلك الاستعباد المحاصر مفاصل الحياة الاجتماعية الغائصة في مستنقع الكبت إلى إشعار الانفجار، فالمأساة الحقيقية الملازمة للكلمة، هي في القمع الدائم لكرامة الإنسان وحريته، حيث تبدو الأجهزة الأمنية، مدعاة كبح ورعب للإنسان، بدل من أن يكون وجودها مدعاة أمان واطمئنان، حيث الأجهزة الرقابية التي توظف لقمع الحياة، والحريات على حد سواء، الأمر الذي أفضى لمشاعر السوداوية والتشاؤم والحنق الشديد إزاء واقع لم يتغير، إنه قدر الجماهير الرازحة تحت سلطان الخوف والرعب والفوضى القمعية، حيث أن قدرة الإنسان المعرفي الإبداعية تفوق ما لدى السياسي السلطوي من ذرائع لترغيب الناس بضرورات المعركة، حيث أن الرغبة في السلم تعني بكافة الأحوال الركون لمنطقها القائم على البناء والإعمار والوقوف عند حاجات الإنسان الأولية، وبالرغم من ألا حدود لعطاء وإمكانات الإنسان إن تم الوقوف عندها ورعايتها، بيد أن قدر المجتمعات المحاطة بأسوار متينة من الفكر الغيبي الديني من جهة، وتكبيل المنظومة الاستبدادية الشمولية لها من جهة أخرى، جعل العقل الشرق أوسطي في خمود وتقلص، جعل ذلك العقل يعيش في أسر الماضي، مما يختزل من حروب طائفية، قوموية، ترسخ ماهية الاحتقان السلطوي وحقيقة التنازع واحتكار المنفعة إلى مالانهاية، إلى جانب ضغط الرأسمال المحتكر، وخلقه للأنظمة القمعية من جهة، وتذرعه بتحرير الشعوب من ربقتها من جهة أخرى، لتخفي غاياتها الجوهرية التي تحارب لأجلها، وهي السعي لموارد اقتصادية احتياطية على حساب الشعوب وطموحاتها في أنظمة تحرص على رفاهيتها وتصون كرامتها في العيش المتكافئ،حيث يقابل الفساد حالة الاحتقان، كلاهما يكتملان في مشهد الحرب، وما ينجم عنه من تفكك للمجتمع، والقلق الدائم الذي يتصاعد شيئاً فشيئاً، ليطغى بتمامه، وليصبح المؤشر الفعلي لذلك التهدم .

حيث نلحظ الإشارات التي تفصح عن مكامن الذوات واختلافاتها استناداً إلى نظرية الأجيال حيث عرّف الفيلسوف كارل مانهايم2 الجيل لاحظ أن البعض اقترح أن مصطلح الجماعة أكثر صحة، لتمييز الأجيال الاجتماعية عن أجيال القرابة (الأسرة، المرتبطة بالدم) كمجموعة من الأفراد ذوي الأعمار المتشابهة شهد أعضاؤها حدثًا تاريخيًا جديرًا بالملاحظة في غضون فترة زمنية معينة

هذا التباين بين الأمزجة والأفكار على نحو تصادمي، بغية إجراء سفر دقيق وشامل لمكنونات الرؤى ما بين الأبن وأبيه، على نحو مقلق، يجسد لنا الشرخ الحاصل بين عوالم لا تكاد تتلاقى، في أجيال عقدت العزم على أن تكشف النقاب عن هواجس زمنها، رغم تزاحم السطوة الأبوية، وتعسفها، كل جدة مستهجنة، وتكاد توقع بالمعايير الأخلاقية التي نشأ عليها، انعكاساً لصراع كامن في العقلية القائمة على رفض الجديد والمحافظة على الوضع القائم، حال القوى التقليدية في الاستماتة للبقاء في ظل صعود قوى جديدة تستميت هي الأخرى في إبراز كينونتها المنتهكة في الميدان السياسي، فحسب مانهايم فإنه يرى أن تصاعد الوعي الاجتماعي المدشن لنهضة النخبة الشابة المرتبطة إجمالاً بالحدث يشكل استجابة للنضوج القائم في حقبة معينة ومكان معين، يكمن في إبراز تلك القوى المعنوية التي تتصاعد لتشكل الحدث الأكثر إثارة، وهي بالضرورة تعد المصدر الهام لصناعة الوعي المشترك القائم على التغيير الاجتماعي، يشير إلى ذلك الخوف الذي يعتري ذهنية الجيل المحافظ المستهجن للتغيير بأشكاله، هو في ذاته إشارة مبطنة لأنظمة الشرق الأوسط الأبوية البطرياركية، تلك التي تتخوف من التغيير والنهضة، وتحاربه بكل قوة، إنها حقيقة الصراع الأليم بين القوى القائمة والناهضة،وهي دلالة على انسداد مجاري الحوار بين الطرفين ما نجم عنه في النهاية ضياع البوصلة،و ترسخ الاغتراب الفردي، وشيوع انعدام الثقة، كل ذلك أثَّر على عملية التغيير والنهوض، حيث ثمة عوائق تحول دون التحديث، والمحافظة على المهترأ وغير صالح للحياة ، فالنوم في عباءة الماضي هو إفلاس راهن، وعجز عن مواكبة مستجداته، فبقاء التشرذم والاحتكام لمنطق القوة والتعنت يُذهب بالنتيجة تلك الطاقات المستفيدة من حصانة القديم، ، حيث أن الاحتجاج وبروز الحل بكم هائل من الحدة كان النتيجة عن ذلك الاقصاء والتعنت، ولعل عدم الاستجابة له مكّن روح الفوضى وإشاعة الشرور بين الناس.

فالتغيير الاجتماعي أمر حتمي لابد وأن ينشب لو بعد كمٍّ من الفوضى والصراع المأساوي بخلاف ما أشار إليه مانهايم من أن التغير الاجتماعي قد يحدث تدريجيًا، دون الحاجة لأحداث تاريخية بارزة،حيث أعطت السلطات القمعية مسوغات لقمع شعوبها المنتفضة،دون النزول لمطالبها، جعل من الإدارات الشمولية في حالة من الفوضى التي جعلتها في تفتت مستمر إيذاناً بزوالها مع الوقت، حيث أن التفسخ والشللية القائمة في مؤسساتها، سرعان ما تغدو نهباً لأطماع القوى الكبرى وجشعها، فتفاصيل المحن التي عمت المجتمعات، جعلتها أشبه بالقطيع المحتقن، والذي يتفجر على نمط غريب يقود بالنهاية لدمار كل شيء، فالشرخ الكبير بين المسؤولين والجماهير، يؤدي لتشكل هذه النظرة في رؤية المحكومين أنهم عبارة عن قطيع يطيع ويلحق برعاته، أما أن تتلبسهم روح التمرد والشكوى، فهذا ما لا يتوقعه ويتخيله المرؤوسون، إذ لا يمكن مفاوضة قطيع حيواني ، فالشعب بنظرهم ليس سوى ذلك القطيع المأمور، واستغرابهم تصرفات ذلك القطيع، هو بمثابة الحدث الأكثر جللاً، والذي قادهم إلى التفكير بإبادة القطيع، فقد خرج عن طبيعته المفترض أن تبقى عليها للأبد، هذا بوجهة نظر المتنفذين السلطويين، فهم يصفون كل انتفاضة بالجنون والخروج عن الجادة، وهكذا يستعر الصراع ، ليؤدي ذلك إلى التشتت والتبعثر كنتيجة من نتائج المماطلة والقمع الجائر، فالمنظومة التي تعج بممارسات الاستبداد والشمولية في هيكليتها ومؤسساتها، تنشأ فيما بين أفراد تعاقدوا على الرهبة والوجل، وانعدام الثقة، ولاسيما ذلك الاستبداد المحاط بأفراد تجمع فيما بينهم علاقات القرابة القائمة على حماية النفوذ، ويصبح هدفهم الكلي حماية السلطة ضد خطر تمرد المجتمع المحتمل،ولا يلجأ السلطوي إلى محاولات الإصلاح، لاعتقاده أن ذلك اعتراف مبطن بخوفه من الشعب، وأن تنازله لشيء معناه أن سيتنازل عن أشياء أهم هي من صميم حاجات الشعب وخصوصاً نخبه الشابة المستنيرة، فالسلطة تستعين أيضاً بالقداسة الدينية، إذ تبحث أبداً عن مبررات دينية من النصوص المقدسة تبيح لها بطشها وقمعها، حيث ثمة تلك العلاقة التوأمية ما بين السلطويين ورجال الدين، هم يحتاجون للنصوص المقدسة أبداً لتبرير سلوكياتهم، فقد عززت تلك النصوص سلطة الطاغية، مكنته في البقاء أكثر، جعلت النصوص منه وصياً على الدين والشريعة والحياة والمجتمع بأسره، ولاشك أن ازدياد الجماعات التبشيرية وكثرة التنظيمات الدينية تمثل الحاجة المتسارعة للسلطات لبقاء تجديد صلاحياتها، كونها خير معين لضبط سلوك الشعوب، ودوام مكوثها، حيث نجحت في استخدام العقائد الروحية في شن هجماتها على كل النقاط التي تحتاج تقسيمها وتثبيت أقدامها فيها، مهيمنة على المجتمع عبر نافذة الإعلام المرئي والمسموع، للحد من التفوق الذي لابد وأن يتلبَّس النخبة الشابة، لتكون الرادع لمخططاتها التخديرية في إيهام الجماهير وإخضاعها بوسائل تتصل بمفهوم القوة الناعمة، فلا شيء أصعب على المرء من البقاء مرتعد الأوصال والملامح إزاء مشاهد قاتمة.

،فالدعوة للحرب هو شأن السلطويين المستبدين في الذود عن قواعدهم ، فما حاجة الشعب للحرب؟!، وما هي مبرراته وغاياته بالنسبة لمنافع الشعب ، فما يحدثه الاستبداد والفساد من فوضى لا رجعة عنها، وتفكك مجتمعي، ينشب أظافره أولاً بالشعب مروراً بتنظيماته المحلية، وانتهاء بمؤسسات السلطة وأبرز أفرادها، حيث يعد الفيلسوف توماس هوبز أول من أشار إلى هذه الفوضى ، في حين ذهب أرسطو21للقول: “ان الانسان بطبعه حيوان سياسي يحب الحياة في جماعة سياسية منظمة فهو مدني بالطبع، ولكن الحرب هنا بين الجماهير والسلطات القمعية حرب وجود، لا تكاد تسفر عن نتيجة معينة ، لاسيما حينما تمر الانتفاضة الجماهيرية لتتصادم مع قوى تتداخل فيما بين السلطة والانتفاضة لتنقل ساحة الفوضى هذه إلى نطاق أوسع وأشمل يشمل التقاسمات الاقليمية كما في الأزمة السورية كأنموذج لذلك، حيث يأخذ حرب النفط وتقاسم الموارد طابعاً دموياً ، حيث إرهاص المشهد الثوري بتداخل المصالح الاقليمية وتحويرها للمسعى الجماهيري نحو حالة أكثر سوداوية ومأساوية ، والهدف هو تفكيك المجتمع وتدمير بناه إضافة لمؤسساته، في حين بيَّن الفارابي22من أن الانسان اجتماعي بطبعه وهو لا يبلغ كماله الا عند وجوده في مجتمع ، فتدمير الفرد وتكبيله بالدمار والخراب والعجز لهو تمهيد لإدخاله في حالة من فوضى غير منتهية ، وهو بالتالي محاولة للقضاء على التعاقد الفطري الطبيعي بين الجماعات، ولاشك أن ابتزاز الجماهير بقوتها هو دليل على تدمير مقومات نهوضها وتهديد لمعاييرها الاجتماعية ، حينما أكد هوبز بأن التربية تشكل عموداً أساسياً لبناء المجتمع السياسي المعافى،تلك الحرب لا تغدو في ظل الفوضى سوى استجابة لغايات الأطراف المتحاربة والتي تدعمها الدول المستفيدة من هذا التفكك، والانقسام المجتمعي إلى جانب نزوح أفراده، الأمر الذي يسهم في حرب الأفراد ضد بعضهم البعض لإبراز معالم حرب الكل ضد الكل، وهكذا تتعدد الأشكال لهذا الموت الواحد، مما يجعلنا نركن للتاريخ ملياً ونفحصه، لنجده المساحة المكتظة بأمجاد الحكام الشخصيين ومحاولتهم للإبقاء على سطوتهم ولو على حساب دماء الأبرياء، كأن الإنسان لم يعرف البناء والفن، ولم يقم بصنع ما يسمى بالحضارة، لتكون سمواً بالنفس، لا إذلالاً لها، فثقافة الحرب وأدبها إن صحت تلك التسمية ، هو تجسيد للويلات على نحو واقعي ومؤلم جداً، وكذلك محاولة استثارة روح الإنسان الذي تحول بينهم وبين الإنسانية هواجس التصارع والغلبة، حيث تغدو الحدائق وهماً أمام ألسنة اللهب المستعرة والقصف الذي يهبط يميناً وشمالاً، فالألم هنا ليس رديف اللذة، في تتبع جمال المكان،لكن نداء الحضارة والعراقة أقوى، من غرائز التوحش التي تطبع بها السلطويون وأثرياء الحرب وتجار السلاح

  • العودة لمسالك الصفاء والتمرس بثقافة الحياة كبديل عن امتهان الفناء وتدمير الموجودات البشرية والطبيعية
  • التأكيد على عظمة الموجود باقترانه بالمعايير الأخلاقية التي تنتصر لنداء الواجب، وفي ذلك تتحقق أواصر السلام بين الموجودات على قاعدة السلم البشري.
  • اتخاذ تدابير قيمة في ظل احتدام الصراع الغرائزي لتقاسم الموارد والنفوذ، وإبراز أدب ينتصر للسلام كحقيقة للتعايش السلمي بين الشعوب التي تجمعها الجغرافيا الحالية، دون إقصاء وتعسف بين بعضها البعض، بل بعقد اجتماعي يزيل مظاهر الاضطهاد والعنصرية فيما بينها
  • التأكيد على الجانب الخير للإنسان، أمام تحديات المشهد المرعب، والدعوة لكبح جماح العنف والسعي لحياة بديلة عن الدمار والتعسف، لتحسين التجربة الإنسانية وتعميمها في الحياة المعيشة.

نشوب تلك النزاعات لدرجة لا يمكن ضبطها أو وقفها بمثابة إفلاس حضاري تتقاسم أعباءه تلك الأطراف التي لا تستجيب للثوابت الإنسانية في حق الحياة، وإنما تذهب إلى البعيد إلى حيث الجشع وزيادة الأزمات وتفعيلها على حساب شعوب تعاني مرارة الواقع المزري بين فكي السلطة المستبدة، والفوضى العارمة، حيث نرى رفضاً لآليات الحكم المتمثلة في تمجيد التماثيل المتألهة ،فهنا يتجسد مذهب الاستحقار ما بين الرئيس وأعوانه، والتبعية لدرجة تقبل كل نعت وضيع، حيث أن الطقوس العوائدية الخاصة بحالة الاستحقار تمارس عن رضا وطيب خاطر بين من هو في أعلى الرتب ومن هم دونها بقليل، وفق حالة من انعدام الثقة، والقلق الدائم، من سعة النفوذ، أو الانقلاب المفاجئ، ولاسيما أن هالة التقديس التي تحيط بالقائد الرمز، منبثقة عن الرياء التام، والخوف على المنصب من زواله.

وليس العمل المعرفي برمته في هذا السياق مجرد استذكار للأقاويل والتعابير المتشابهة، إنما هو سبر للغة التي ضاعفت الإحساس بكل ذلك، إذ جعلت النقد حراً في مقارباته، واسترسالاته، وبذلك فإن المنهج الواقعي يبرز أكثر حدة حينما يعبر عن نقد الجماهير للسلطة، وللظواهر المضطربة،وكذلك لاستنهاض الثمرات الطبيعية لكفاح المعرفيين الشاق في مواجهة كافة الاضطرابات التي تعم البشر في ظل الحروب، وكذلك فإن الخوض في إشكالية الثقافة والدين، والأعراف، لهو محاولة للتمييز بين الطيب منها والسيء، في محاولة للتفريق بين ما ينعش الحياة الاجتماعية وما يجعلها في اضطراب، حيث لم يعزل الفن عن القيمة المتشبثة بالدفاع عن قيم الحياة والجمال والخير، وبالإشارة إلى عيوب السلطة الشمولية، وطرق إفسادها لكافة مؤسسات الدولة، ناهيك عن تغلغلها العنيف داخل المجتمع من خلال أنموذج الدولة القومية المذهبية التي من خلال تغطي على مآربها في البقاء في السلطة وتدمير قيم المساواة بين الشعوب، للحيلولة دون التحول الديمقراطي، وهكذا نجد أن المسعى وراء النقد الواقعي كان غايته، الإعداد للتغيير كفكر ممنهج، لا كانفعال صادر عن فعل البطش، تشابه الواقع وفق رؤيته في الحلم مع الواقع المعاش من ناحية الأدوات والأشياء واختلافها , وذاك انعكاس هام يعكس حالات الصراع للإنسان الساعي لتحقيق الرغبة من خلال النشاط وبث الحركة والعمل لإنجاب الحلم بتكامله مع الواقع وبتحقيق ماهية الانسجام بين عوالم الفرد الذاتية والواقعية من خلال وحدة الذات مع الجماعة ولعل القيمة المثلى لدى الإنسان هي العمل لأجل حلم وادع ومتكامل ومتألق ودائم يبعث على اليقظة بأن الحياة هو صراع فلا حركة دون استجابة إدراكية من قبل الجماعات البشرية لتنهض وتستكمل أداء واجباتها وبذلك فالهدف من اليقظة هو تحوير الواقع لجعل الحلم يأتي بعد عمل وسعي لا انفصام بين الحلم والحركة كفعل تأكيد وإثبات للمرء، من خلال مروره على مواقف نفسية متمخضة عن أوجاع سياسية , اقتصادية تتعلق بالفساد الممنهج , وهذه إشارات تعطينا الكثير من التساؤلات حول مجتمع يصل لذروة الخلل ومن ثم حينما يقع فيه ذلك الضغط الهائل , أو ما يعرف بالهبة أي الثورة , فإن الفوضى تصبح مصيره , ومن ثم تصبح تلك الثورة بمثابة الولادة التي تمر بمخاضات عسيرة لتنتج ما يسمى بالحياة الجديدة التي تتحقق من خلالها سيادة القانون على الجميع دون استثناء.

الحلم والحب هما البداية , وهما مقود الصراع ضد الفساد المهني , الأخلاقي , السياسي وهكذا, وبالتالي فإن رمزية الحب هذه متعلقة إلى حد ما بنظرية القوة هنا إشارة إلى الصراع ما بين الحلم والعسف , في تناوبهما للحياة بطرائق مختلفة ومستفزة, لتجسد لنا مقولة نيتشه23حين قال الوحدة لا تزرع شيئاً , إنها تجعل الأشياء ناضجة

تجنيد الذين يعملون حسب نواياهم البريئة هو الوسيلة لبقاء المتحكمين والآمرين في مراكز الصراع , والوقود بالطبع هم صادقوا النوايا , المغترون بالأوسمة والألقاب البراقة , والذين يعيشون ضمن المواجهة , ويتعسكرون في خنادق التصادم بغية تحقيق ما يبتغيه صناع الصراع بما يتناسب وتحقيق ما يبتغونه مستخدمين القيم الطبيعية كوسائل لتحقيق التنازع على الدوام.

الحديث عن الفساد والرشوة وتلك القضايا المألوفة في بلاد تعيش السذاجة كفلكلور وتراث , وتقتات البساطة على مبدأ القناعة في حدودها الأدنى ،وجود نواة تتحدث باسم التغيير والإصلاح والثورة الجذرية ولا تفعل مثقال نقير على أرض الواقع مما تهدف إليه على الورق ، حيث يتنبأ الفرد المعلول بأمراض مجتمعية ناجمة عن انتكاسات السلطة السياسية بوقائع يتبصرها ويدرك أنها واقعة لابد , وهذه إشارة إلى استفحال تلك الأخطاء والتجاوزات التي تقود للخراب الشامل , ليست الميثولوجيا غريبة عن قدر المجتمعات البائسة المحاصرة بأغلال دينية لاهوتية تحد من انعتاقها من خفايا ما وراء الطبيعة وفي معرفة أسباب توالي الحروب والهجرات التي جعلت العالم كما هو عليه غارقاً بالأحجيات القاتمة, فاللغة الدالة هنا تستدلنا على الحقائق وتقف حول إشكالات السلطة والفساد وطبيعة المجتمع وطريقة تكوينه النفسية وأثر البيئة عليها وكذلك تحولاتها التاريخية التي تعطي إحداثيات مهمة عن كيفية تواجد واستيطان سلطة عميقة الترسخ في حياة المجتمع , ففي كثير من الأحيان يقفز السجان من بين عديد المسجونين ليجمع من خلال تلك الكثافة البائسة ممن يساعده على إيجاد مواطئ قدم لتفسخات لا تكاد تنتهي وتتوالد باستمرار حيث تتواشج مع بؤس التفكير الاجتماعي العام إلى جانب البؤس الطبقي.

الولاء للسلف , التنبوء بما يحصل , هذا يعيد في أذهاننا نظرية ألفريد ادلر24الذي

كان من تلاميذ فرويد25ولكنه اختلف معه وكوَّن لنفسه رأياً مستقلاً وأصبحت له مدرسة في علم النفس لها أتباعها ، وتسمى سيكولوجية إدلر (( بسيكولوجية الفرد )) ولها تسمية أدق من هذه وهي (( سيكولوجية الفرد الاجتماعية )) حيث يهتم ادلر بالطريقة التي يعيشها الفرد في تكييف نفسه مع المجتمع، وتنطوي سيكولوجية إدلر تحت فلسفة أوسع ، العالم في تطور مستمر فهو يرتقي من الأدنى الى الأعلى ومن الضعف الى القوة ليعبر بذلك أيضاً لخلاصة مهمة وهي أن ظاهرة الارتقاء وجدت منذ أن وجد الإنسان ,وكذلك الشعور بالانتقال من قناعة متمثلة بعمل الخير إلى قناعة محاربة الفساد والظلم والكذب , هو تمجيد لثالوث الخير والجمال والحق , فالغريزة الإنسانية لدى الإنسان هي غريزة السيطرة إنه النمط الذي ألفته المجتمعات التي تستكمل مراحل أسرها لحين انعتاقها بالتدريج بما يسمى بعملية الارتقاء ,حيث يقول (إدلر) : ان أهم ما في الحياة العقلية هو الشعور بالنقص والعمل الدائم على التخلص منه والتعويض عنه بأسلوب معين خاص بالشخص يسمى نمط تتحدد شخصية الفرد فيه .

يقول الكاتب اللبناني المعرفي أمين معلوف26في مقدمة كتابه –الهويات القاتلةمن سياق الحديث عن مسألة الانتماء للاتجاه السياسي بما فيه من وعاء يحوي المنطلقات النظرية التي تلامس طموحات تحاول أن ترقى لمصاف الشعور بالمسؤولية الاجتماعية حيث يشير هنا :

عندما نحث معاصرينا على تأكيد هويتهم مثلما نفعل اليوم في أغلب الأحيان فما نقصده هو أن عليهم أن يجدوا في أعماقهم ذلك الانتماء الأساسي المزعوم, الذي غالباً ما يكون دينياً أو قومياً أو عرقياً أو أثنياً, ليرفعوه بفخر في وجوه الآخرين

بيد أن الانتماء لم يكن ذاك الإنتماء الذي حاول الساسة ذوي الأرواح الجوفاء تسخيره لأجل القفز والالتفاف على التطلعات والأحلام المشروعة التي تعزز رابطة الانتماء في الأعماق والتي أكد عليها أمين معلوف , إنها إشكالية الإنتماء للايديولوجية واستخدامها وسيلة نزوع واستبداد وغطرسة .

فالمعرفيون على اختلاف بيئاتهم القمعية ، يقومون بنقد السلطة الشمولية ويشيرون إلى تفسخها ، فتواطؤ رجال السلطة بأذرعها الاستخباراتية مع رجالات الأحزاب التي تسمي نفسها بالحريصة على الثقافة والجمال وكدح العامل ، ما تلبث أن تكون بمثابة قيد يكبل الشريحة المستنيرة ، تلك التي تعرضت للإقصاء والتهميش عبر التاريخ ، ولاشك أن العقلية الشمولية المستبدة لعبت دوراً مهماً في تفسخ المجتمع وإفراغه من قيمه الطبيعية عبر لعب دور الحارس والحامي للقيم .

عملية البحث عن التغيير المنشود في خضم عالم مبني على النقص والعجز الطبيعي أشبه بالبحث عن خلود بديل عن الفناء المعلن، والحديث عن الرموز وعلاقتها بالحضارة الإنسانية وتلاقح الحضارات البعيد عن وتر التنازع الإيديولوجي القائم على التصارع والطمس ، تطرح أمامنا إشكالية الثقافة وتصارعها في خضم الخلافات الإبراهيمية حول مركزية الحكم الديني ،ومسألة ارتباط الوعي الإبداعي بملكات التساؤل تجعل المتلقي أمام حالة من التلقي والانشداه، حيث الكثير من التوغل والسبر والتعمق دون الإفصاح المباشر في إشارة إلى الصراعات الإيديولوجية التي تقحم الدين تاريخياً لأجل التسيد والهيمنة ، مما تجلي أمامنا تلك الحقيقة التي تجزم أن المقدس هو بمثابة ترسيخ للعنف والتنازع ، وذاك التعصب القائم هو الذي جعل الحضارة الإنسانية في حالة ركود وجمود لصالح التخلف الفكري الذي قلّص من احتمالية تحقيق المطلب الإبداعي لمسيرة المعرفيين أو حتى أعاق دور المجتمعات الشرق أوسطية في البحث عن سبل تنميتها ورفع الأزمات السياسية عنها حيث يشير المعرفي الباحث إلى هذه المعضلة ويعمل في البحث عن جذور إشكاليتها استناداً للرموز القديمة القائمة على الجدران والأبنية التاريخية والأثرية والمساجد والمعابد الغابرة، إنها عملية اكتشاف مثلى لموضوعات فلسفية ومشكلات تخص إشكالية التفكير المحصورة ضمن ربقة الشريحة الحاكمة ، والتي تفني مالديها من طاقة أو وسيلة بغية الحفاظ على الخمود والعزلة الفكرية في مجتمعاتها، فالحديث هنا عن التصارع الابراهيمي بين الأديان يقودنا لحقيقة قيام أجهزة السلطة في إحكام قبضتها على منظومة اللاشعور الجمعي لدى مجتمعاتها وقادتهم بشكل غير مباشر لحراس ووكلاء على مذهبهم الاستبدادي في حكمهم استناداً لثبات التنازع الجوهري بين الأديان والمستند أساساً على النصوص المقدسة فالرؤية التي نسعى إليها باستمرار هو تلخيص ما للجدلية التي ترافق سير البشر وعظم ما يتعرضون له من مآسي ونكبات وعليه فإن الثقافة تحدد في خضم تعاريفها وتقاليدها تجارب الشعوب وسعي سلطاتها للهيمنة بأشكالها، وأحد أعند الأشكال هيمنة هي تلك التي تقحم الأديان في كل بغي وتسلط ،يفصح لنا النص القائم عن جدلية الاختلاف كحالة طبيعية مالم يتخللها جو من التنازع والخلاف الذي ينحو منحى الندية ومن ثم الصراع ، وكذلك يبحث عن علاقة الإنسان بالرموز ودلالتها وما توحيه من خفايا تظهر الجمال الكامن وراء تناسقها ومن ثم تثبت لنا جوهر النظام الهندسي القائم وأبعاده الحية والتي يتجمهر حولها المعرفيون لصياغة التآلف الشامل بين المجتمعات في سياق تلاقحها وتعارفها بعيداً عن أغراض الذين يحاولون احتكار المعرفة والجمال عبر ضخهم لسموم التعصب ، وتلك دلالة واضحة عن مكانة الحضارة في محاكاتها لكافة الأذواق والشرائح والمستويات ، وكذلك توضح لنا حقيقة أن البناء يتأسس على قاعدة المعرفة والمنفعة المتبادلة بعيداً عن مظاهر الاحتقان والتشويه ، ويركز على نقطة مهمة وهي المكان استناداً لعراقته وأصالته ، ولاسيما أن الفئات التي تعايشت مع المكان بزخرفته وهندسته هي وليدة نهضة لا تنحصر في العمران وتقاليده ، وإنما تقادمت الحضارة لتواكب الجهد المادي والمعنوي لدى الإنسان المتطلع قدماً للنهضة الحية و التي بدورها تحارب الخرافة والفساد الذين اعتمدت عليهما السلطات الظلامية عبر العصور، إذاً نحن بمعرض الكتابة التي تعتنق مذهب البحث والتنقيب لمزيد من الجدل وتحقيق الإثارة على مستوى التساؤلات ،ففي غمار هذا الصراع نجد الإثارة والمزيد من التصميم،هنا يتم مناقشة أفكار تتلخص حول حقيقة توافق المزعم مع الفعل ولتلك أيضاً قصة أكثر إحباطاً ، يتم إبخاس القيم وإفراغها من محتواها ليصبح كدح المعرفيين في هباء والخلل الذي اعترى الإنسان إثر هيمنة المنظومة الاستهلاكية على حياة المجتمعات وعكس ذلك على سائر تنظيماته التي حملت على عاتقها راية الأخذ بيد المجتمعات نحو الخلاص والحرية، وهكذا تغدو المعايير الأخلاقية سهلة التلاعب، تلوكها ألسنة الخطباء الذين يتلاعبون عبر سحر البيان والدعاية النفسية بعقول تتفيأ الحلم ، وتدرك أن الصراع لأجل الأفضل مرهون بتمثل الخير والعمل به تنظيمياً ، أما أن تغدو الآلية التنظيمية هشة ، وتصبح مطية للجماعات المستغلة ، عندها يعم الإحباط الكبير ليغدو الجمهور فاقداً للثقة ، بائساً غاضباً،فالانتصار للإنسان هو الهدف الحقيقي الذي تنتصر له معظم العقائد ، لكنها أسيرة الخيال مالم يتم تداولها منهجاً وسلوكاً ولم يتم الإيمان بها كخلاص ، أما الفساد المستشرى فمرده إلى ضعف في النفس وخلل في الفكر ، واغتراب عن المعايير الأخلاقية المزمع الانتصار لها في كل معركة، لكن الواقع يكشف عن قانون الربح والخسارة الذي يكشف العديد من مواقف اليأس والخذلان والمراوحة في المكان، حيث لا نجد هنا إلا توصيفاً لاذعاً للمعضلة الحية ، فاللهث وراء الزخرف والمادة أغنى عن الكفاح ، والحالة تعتمد إغراقاً في رصد المعضلة لا توصيفاً للفرد على نحو ملحمي ، وإن كان لابد من السعي دوماً للبحث عن أشخاص بيدهم خيار الخلاص ، الأفراد الذين يبحثون عن الحقيقة المعرفية وينشدونها كغاية للنضال لأجلها عاجزون أمام ضخامة الخلل ووحشة المسير في ظلام التبعية التي نخرت الداخل حتى العظم .

إن وعينا بالبيئة هو تجسيد رمزي في علاقتنا بأشخاصه ، ولاشك أن تجسيد قيم الحياة الاجتماعية والسعي لتحررها هو مطلب جمالي متأصل في الدفاع عن قيم الحضارة ضد قوى التشويه ، في ظل طغيان هذه المعادلة في حياة المجتمع المقهور.

إن سعي البطولات الفردية عموماً ضمن سياق مواجهة العنف والديكتاتورية عبَّرت عنه معظم الروايات والكتابات الواقعية ،عمدت إلى إذكاء جو الصراع ، وكذلك طرح حلول عن معضلات مجتمعية تلخص الحياة السائدة والتي يحدث فيها الاصطدام بين أصحاب المنافع وأصحاب الإرادات الواثقة المتطلعة قدماً للنهوض، متخذة مبدأ المواجهة والمساءلة كخيارين ينشد الأفراد من خلالهما لمذهب النظام.

فالسلطة السياسية الاعتباطية تسهم تماماً في تحريف الذائقة العامة للجماهير بمختلف طبقاتها وتسهم في عزلتها عن حقائق الحياة الحاضرة ومتطلباته من تنوير ومعرفة واجتهاد وتبصر نقدي، إنما يثمر عن ذلك التلازم العقدي بين السلطة والمجتمع عن نشوء جيل غارق في أوحال الفهم الميتافيزيقي الخاطئ للأديان وكذلك الأمية السياسية بل المراهقة بمعناها المتجلي ، الأمر الذي يفرز حالة انعدام الثقة وكذلك المازوشية المجتمعية والتي يمكن تعريفها على السياق التالي:

حالة من التفكك القيمي وانعدام الثقة بالمستقبل ، والولاء التام للأبوية المتجسدة في الطاعة العمياء لأولياء النعم، وما شابهها من رجال يتجسدون سلطوياً ، بهيئة الآمر العسكري، تساعدهم طبقة من رجال القاع ، ممن هم غارقون في التبعية المفرطة للقادة المتحكمين بإنعاش الأزمات المرضية داخل المجتمعات ، مما يحول دون أن تتنور معرفياً ، ليصبح هياجها فيما بعد على السلطة الحاكمة ، ظاهرة صوتية مليئة بانتفاضة مشوهة فيها من التمذهب والاحتقان الطائفي ، والنظرة العقيمة لإسقاط منظومة الاستبداد، مما تعطي للأخيرة حافزاً للبقاء ..مثالاً (أسلمة الثورة السورية، بقاء السلطة، وإشاعة محاربة الإرهاب ، المقصد منه إنهاء هذه الهبة الفوضوية لصالح دوام الاستبداد)يبان الإشارة للسخف والتكاسل الذهني عبر تجسيد مظاهر الزيف المعنونة بمقت ودهاء على ملامح لا تجيد سوى علك الشعارات ، والضحك على الذقون ، كونها ارتهنت للسلطة القامعة وباتت ذيلاً رخيصاً لها ، ولاشك أن ترسخ التصوف في تقاليد الأحزاب الشمولية ، هي من رسخت تصورات الاستبداد فيما بعد ، فأصبحت عوائق في طريق نهضة المعرفيين وارتقاءهم وتعاليهم على القوالب الإيديولوجية ، فلا يخضعون ولا يرددون كالببغاوات ، مما جعلهم إزاء محاكم التفتيش الحزبوية مذنبين على الدوام وخونة القضية والمبادئ ، فالمسعى الفردي للبناء تلزمه دعامة اجتماعية مسبوقة بوعي لفلسفة الحركة، وليست الانتفاضة فقاعة صوتية ، بقدر ما هي وعي ومسؤولية وتكاتف اجتماعي، ففي ظل هيمنة السلطة المستبدة والتي فرّخت عبر حكمها أحزاباً على شاكلتها ومجتمعاً خائفاً منها، وحانقاً عليها دون معرفة سبل الانتفاض عليها، إثر فساد تنظيماتها على اختلاف مسمياتها وغاياتها، الأمر الذي أسهم كنتيجة من بروز الاغتراب النفسي في أوساطها جراء تهميش مبدعيها وتجميد ملكاتهم ومدركاتهم ، وبات الخراب أخيراً الوجه الأكثر رداءة لها على الإطلاق ، أدت بها للوصول لنتائج خطيرة تتمثل في انعدام الثقة بينها و الجماهير ووصولها لمستوى مرعب من النقمة والاحتجاج، الأمر الذي هيأ لمناخ من الفوضى الضخمة ، من تفجر كبير يكشف عن طبيعة تحول المجتمع خلالها من طور التشتت والرهبة إلى طور الوعي والنماء ، حيث بإمكاننا تعريف الإرادة الفوضوية بأنها مسلك تتخذه الأحزاب الشمولية، منذ بدايات القرن العشرين ، للعب على الوتر الوجداني لدى الجماهير، لخلق إرادة عفوية آنية، تستنجد بفئات الشباب المراهقة، تعتمد على ترسيخ المراهقة السياسية، المتجلية في ترديد الشعارات المناهضة، واستثمارها على نحو مركز، بالتزامن مع تغييب كلي للعقل النقدي ، وإقصاء الفئة المستنيرة ومحاربتها عبر حملات التشويه والتخوين واتهامها بالتكاسل والدعوة للإصلاح، دون الانضمام للثورة، للوصول بالجماهير إلى حالة من التبلد والجمود والعزلة، بلوغاً بها إلى أنماط وقوالب جامدة ليس فيها أدنى احتمالية للخروج من منطق التدجين الإيديولوجي.

فبدخولنا لمضمون هذا التعريف ، يمكننا فهم آلية الربط ما بين الأصالة والإيمانيات التي تشكل حصيلة أعراف وتقاليد مجتمعية، أبرز حجم الهوة بين الحكومة والشعب، حيث يعيشان صراعاً ضارياً ، وتستحيل أن تكون هناك أي روابط أخلاقية بين منظومة تسخر كافة إمكانياتها لقمع الحياة الآمنة وبين المجتمع بأفراده وتنظيماته، حتماً تنتقل عدوى السلطة لداخل خليتها الصغرى ، الأحزاب، العائلة، لتغدو العلائق الاجتماعية محكومة بالرهبة والخوف وسيادة القيم الأبوية على نمط التفكير بعمومه،سيادة الذهنية المافيوية في سلك القضاء الاجتماعي ، ليصبح الأفراد مدانين في نظر هذه السلطات الباطشة ، التي عمدت للتلاعب بحقوق الإنسان وقيمه وكرامته الطبيعية (سورياالعراق)، الأمر الذي جعل من هذه المجتمعات باروداً يوشك أن ينفجر بعنف وبلا هوادة، فكل شيء مقابل المزيد من المال، والسيطرة على قوت الجائعين وزيادة إفقارهم مادياً ومعنوياً ، ذاك ظل ديدن السلطة الشمولية المستلة أنصالها فوق رقاب الشرائح الفقيرة، حيث تبحث المجتمعات المنكوبة والمحاصرة بأغلال التبعية لأوهام السلطة وأذرعها المتمثلة بالتفكير الميثولوجي ، الذي هو خليط أفكار دينية وميثولوجية أدت بالحياة إلى شلل روحي وفكري أرّق مسيرة الحياة لدى الجماعات المناهضة للعسف والجور، إذ لا حيلة سوى التوغل لميادين الحلم أو التنبوء ، إزاء وضع متفاقم يسير نحو المزيد من التعقيد وانسداد كوات الأمل..،نبحث في أزمة السلطة ، جذورها التاريخية، علاقة ذلك بالمنتوج العقائدي للمجتمعات، من عادات وتقاليد ودين، ونفحص المعضلات بعين الباحث،لجدلية المجتمع والآخر، الطامح للتغيير، وكذلك جدوى المسير لمواجهة الغبن المعلن، والفساد المرتدي ألوان البؤس الفاقعة، في إطار جدلية الصراع المتينة بين قوى المحافظة وقوى التغيير في استنادها لماهية التنازع الطبيعية القائمة في حياة المجتمعات أفراداً وجماعات، كحصيلة ديناميكية عن جدوى إيجاد الرفاهية ضمن نظام حقيقي يأخذ بيد المجتمعات ويلبي مطالبها ،و إمكانية الكشف عن النظام المؤسس على فهم حاجات المجتمع الطبيعية في ظل الذهنية السائدة والدفع بها إلى تغيير حقيقي لها سياقاتها الواقعية ، المتولدة في إطار البيئة، ففهم طبيعة الناس وسلوكها هو السبيل للدفع بها نحو الحياة الأفضل، فإبراز تراجيديا المجتمع في ظل منظومة التكميم هو بيان حقيقة أن المجتمعات تتعرض لدرجة من الانحلال وانعدام الثقة في أوساطها مبرزاً مجتمع الطبيعة (الريف) ومجتمع المدن الكبرى عبر تيارين متناقضين لا يلتقيان ، فدماثة وبساطة الإنسان الطبيعي ، لا تتقبل رعونة الاستبداد وفساد المتنفذين القابعين في المدن، وشح الحياة في الريف بسبب الفقر والاحتياج ساهم لحد بعيد في إبعاد الإنسان الطبيعي عن حياته المعتادة القائمة على التواصل البسيط القائم على الحس الشعبي والفكاهي والقناعات التي لم تتلوث بازدواجية الإنسان المقولب في إطار عوائد اصطنعتها منظومة الاستهلاك والجشع، كما أن الغوص في مذهب الفطرية وجعلها أساس كل نهضة هو الأنجع ، حيث أن البحث عن الإنسان المعرفي الغاية الجاذبة للأذهان، وفق صيرورة الأحداث المتسلسلة والتي تعكس لنا طبيعة هذا الوجود المتشعب بميادينه المتباينة ، والتي تكشف لنا بيسر جوهر الصراع الحقيقي ما بين قوى البناء والهدم ، أفكاراً تسعى عن كثب للولوج في ذات المتلقي المتبصر في مطلب الانتصار للوجود الطبيعي المتمثل بالوجود الوطن، وجدلية تأثره بالوجود الشامل ضمن إطار إبراز ثالوث الحقيقة الكلية وفق إثبات متلازم لجوهر أن الحب وجود والوجود معرفة، حيث أن فعل النهضة الساعي لجلاء الاستبداد يتمثل أبداً في المحاولات الهادفة لإيجاد نوع من الحرية والمثالية وتحريك النزوع الطبيعي للإنسان لإدراك فعل الخير والعمل به، و التأكيد على الترابط ما بين الإنسان المبدع والعراقة في المكان، ولعقد أواصر متينة بين الساعين لحماية مكتسبات الإنسان المعرفي لإشارة للرموز التاريخية التي تبرهن على عظمة فعل الصانع وتعاليه على كل مفسدة أو خلل، فهي تنحو مذهب البحث عن القيم الطبيعية في واقع ضائع، متخبط، يعاني فيه أفراده ، من صعوبة التفكير ، جراء جور المنظومة السياسية، وعجزها على مواكبة تغييرات الحاضر، إثر إفلاسها الأخلاقي، الأمر الذي جعل المجتمعات تعيش في ميادين الاغتراب عن ممارسة أدوارها في التأثير على المنظومة التي تدير شؤونها الحياتية، وهكذا قوبل المطالبون بالتغيير بالمزيد من العسف والاجتثاث، من خلال الآفة المتفشية في ربوع الشرق الأوسط، المتجلية في الاستبداد والذهنية الشمولية، من تمجيد لتماثيل الجلادين والامتثال الأعمى لهم ، الأمر الذي خلق داخل النفوس نقمة تتفجر ببطء ، وتعكس الأزمات الأخلاقية التي اخترقت أوساط المجتمع ومؤسساته، الأمر الذي يحيلنا لمراجعة تاريخ الحروب لما لها من نتائج كارثية، هذه المنازعات الناشبة بين السلطات فيما بينهما جعلت المجتمعات تعيش في اغتراب مزمن باعد بينها وبين الحياة القائمة على الإنتاج وضمان الحقوق ، ففي ذروة التنازع الخطير بين السلطات ، نجد إنتاج ديكتاتوريات متعددة ، جعلت المجتمعات وقوداً دائمة ، لميادين الاقتتال ، وما فتأ أرباب الإصلاح ودعاة التغيير الجذري في وضع سنن وأسس نهضوية لاستعادة الدفة ، بيد أن هذه الجهود لم تغني عن البلاء الأعظم ، فالاستبداد يعد الآفة الكبرى الواقفة في وجه المجتمعات من بلوغها لنهضة التعايش تحت سقف القانون المنصف، فاستمرار الآلة القمعية في سلوكها هذا النهج ، يضع البلد على محك فوضى هائلة، تودي به لمستقبل مظلم، إزاء بؤس السلطة ، عجزها عن مواكبة المتطلبات الراهنة والحاجات الأساسية لحياة المجتمع، في إشارة لعظم الصراع الكبير بين رواد الديكتاتورية المتمثلة بزعمها لممانعة العدو الخارجي، وتبجحها بتصديها للمؤامرة الكونية، وحملها للراية الاشتراكية ، إذ أثبتت انها تعمد لترسيخ الفاشية في صميم مؤسساتها، استماتة هذه السلطة في المحافظة على تقاليد الحكم الثيوقراطي عبر محاكاتها للعلمانية الزائفة، سعيها أيضاً لزرع بذور الاحتقان بين شرائح المجتمع، عبر تكبيلها لفئة المثقفين ، جعلهم إما مرتهنين لخطابها، أو مكبلين برقابتها الضارية، عبر بث القلق والاغتراب المزمن للفئة الشابة، وزجها في المعتقلات وممارسة صنوف التعذيب الجسدي والنفسي بحقها،خدمة لبقاءها ناقوس خطر كبير داخل المجتمع ، حيث تضاؤل الفعل الحركي المولد لعناصر التغيير، لصالح تنامي بطش السلطة وزيادة نفوذها، وحربها الحقيقية مع البيئة، حيث خلق التلوث والإضرار،و تحويل موارد البيئة الطبيعية لمشاريع تجارية تدر الربح ، حيث الجشع الذي لا حدود له، وبالتالي استشراف خطير لظاهرة الحروب الرأسمالية، واستنزاف موارد دول ودمارها، و الخوض في إشكالية خطيرة ناجمة عن القمع الذي ترتكبه السلطات المستبدة في استنزاف الشعوب ، إضافة لمواردها الطبيعية، فهذه الحرب هي حرب ضد الإرادات ، حرب ضد الأصالة ، العراقة، القيم الطبيعية، الحب, فخيار الإنسان النهضوي يتمثل في المواجهة بصلابة وإيمان، في سياق هادف مفاده ، أن زمن التعليب والتدجين الإيديولوجي شارف على الفناء، وأن الانتصار الوحيد المنشود هو في إحياء المجتمع الطبيعي بقيمه وأفراده الساعين نحو الأفضل .

الإرادة المعرفية في مواجهة الاسلام السياسي

نظرة في فهم الألم : ليس سلوك المرء نهج فهم الألم وتعريته مبنياً على رغبة ذاتية يميل لها ذوق وخيال المبدع أو الحالم، فيلسوفاً كان أم فناناً ، وإنما لصوق الفرد بمعاناته المقترنة بالجماعة ألزمه قسراً للتحليق في متن الألم، فالذات تبذل مجهوداً في ظل الحرب كي تنهض بأعباءها وأثقالها وتتخطى الاكتئاب ، لكنها ما تلبث أن تصطدم مراراً بصخرة العائق، فالموت حدث مؤثر في صناعة الفن ، وعنصر حيوي يدفع الفرد لبذل مجهود لفهم ما يدور في الحياة من صراعات ومنافع ، ففهم النفس الإنسانية نابع عن مدى تمترسها بحب الحياة ، والالتحام الشديد بالرغبات والعواطف والطموحات الإنسانية، ولعل حقيقة الصراع القائمة ترسخ مفهوم الأضداد القائم على إحقاق حق الحياة كبديل عن ثقافة الموت والتطرف الديني، وأهم ثيمة لاستمرار ذلك الصراع هو عشق الأرض وتمثلها في العاطفة والوجدان الذاتي من ثم العام كقيمة جمعية، بعيداً عما تقوله الإيديولوجيات السياسية، وإنما بغية تأسيس وعي إنساني، فإنه لزام على المبدع أن يخاطب الأذواق المختلفة بنداء الوجدان الواعي، وليس بما تقوله الخطابات السياسية التدجينية، فجملة المؤثرات اللغوية الإنسانية في حقيقتها تذهب لحل مشكلة الوجود ، ولعل مأساة الفرد في تصور الأديب ، أو المفكر ، تذهب إلى أبعد من أن تكون مجرد حدث، فكثيراً ما تكتظ الكوميديا بالمأساة ، أنها مزيج مركبات شعورية من سخرية وتهكم وألم وغضب، يجعلنا ندرك أنها آلية نقدية لمعالجة كل رواسب الحياة وتصدعاتها، فليست الشتائم إلا ردة فعل نفسية نابعة عن طغيان جانب الغضب والحيرة في شخصية الفرد، فالحب وجد ليذود عن نفسه في حياض الحرب، وكذلك الدمقرطة جاءت لتكون مناهضة للاستبداد والتطرف والعودة إلى الهمجية البدائية.

التطرف ومواجهته :

استطاع الكورد في غربي كوردستان (سوريا) وجنوبها (العراق) تحقيق النصر على داعش بمؤازرة التحالف الدولي، عبر تغطيتها الجوية وضربها لمواقع داعش وطرق إمداداته، بالتزامن مع تقدم القوات، ولابد بعد النصر العسكري أن يتعزز ذلك معنوياً داخل الناس،وما كان ذلك لينجح لولا الحافز المعرفي المتجسد بوعي المقاتلين بسلبيات التطرف ونتائجه الكارثية على الإنسان وحياته، هذا الوعي الدال على كفاح المعرفيين الشاق في سبيل المعرفة الحياة والإعمار، مقابل قوى تعمل على التدمير والقتل بلا هوادة، إذ يعد التطرف وبالاً على الفكر، المجتمع والجيل الناشئ ومعادياً لكل نهضة اجتماعية معرفية صحيحة، فكان لابد من تعرية المقدس وفهمه جيداً ومناقشته بطرائق أخرى ، فما الحروب والنزاعات الدينية الطائفية إلا وسيلة لقهر المجتمع واستنزافه، وهذا يدخل في سياق تجهيل الفرد، والآليات الدينية تسهم بسلاسة في تعميق الهوة بين المجتمع والقراءة في مختلف الإتجاهات الفكرية، وأحد الأسباب المعطلة لمكافحة التطرف الديني فكرياً هو سعي الجهات السياسية الدولية في استخدام الجهاديين كورقة ضغط على بعض الدول والجهات السياسية المتصارعة معها، وبذلك تتجاهل الاهتمام بالمكافحة الفكرية للتطرف، كونها ترى الأولوية في مصالحها ومنافعها، فضراوة الصراع هو نتيجة تواطؤ دولي واضح في مكافحة الإرهاب الجهادي، حيث لم تلقى مكافحة الإرهاب فكرياً أي اهتمام ، فباتت شعوب الشرق الأوسط من ضحايا هذا الإرهاب، وطغت لغة المصالح الاحتكارية لدرجة تواطؤها مع الإرهاب ذاته، فليس الإرهاب حكراً على جماعات معينة بحد ذاتها وإنما تمارسه دول ترعى الإرهاب جهاراً نهاراً وهي عضوة في حلف الناتو27 (تركيا) وكذلك نجد الدور السلبي لإيران بدعمها اللامحدود لميليشيات إرهابية كالحشد الشعبي28 وحزب الله29، والفاطميون30 وفصائل أبو الفضل العباس31 والحوثيين32 ، إذ لا جدية لدى مجلس الأمن أو الأمم المتحدة في وقف الجرائم والانتهاكات وإنما تتحرك حسب مصالح الدول المؤثرة، وحسب الفيتو33 الذي ترفعه بوجهها لتعرقل أي مسعى لحماية المدنيين .
التعصب الديني المذهبي سريع الولوج للمجتمعات التي تعرضت للعنف الدولي، فالأنظمة القمعية تهدد دوماً بأن بديلها هم الإخوان وتشكيلاتها المنتمية لجوهر فكر القاعدة، إذ ثمة صلة طبيعية بين إرهاب الدولة الذي يفسح المجال لفوضى حروب أهلية تسهم في تدفق الإرهابيين وكذلك السلاح، كما في أفغانستان والعراق، وأخيراً اليمن وسوريا، فالمدن المدمرة ، غياب الأمان وموت الشباب، كذلك تجنيد القاصرين ، كل تلك الأوبئة الناتجة عن الحروب الداخلية ، شرعنة الجنون كامنة في حقيقة التنظيمات المتخذة للمقدس ذريعة للتمدد والاتساع، مستفيدة من كم التجهيل الذي رعته النظم القمعية طيلة عقود متتالية من الإنقلابات العسكرية وحالات عدم الاستقرار التي رافقت القمع السلطوي وغياب العدالة والقانون ، وتحول الوطن لساحة فوضى يتقاسم مساراتها المسؤولون ورجال الأمن والمخابرات، في ضرب الإستقرار النفسي للفرد وخنق الأصوات المطالبة بالتغيير ورفع الطوارئ والأحكام العرفية، الأمر الذي ولّد احتقاناً شعبياً وتجهيلاً حقيقياً اتسع بتفاقم الفقر والبطالة وانتشار الفساد والمحسوبيات وتسلط العادات والتقاليد الذكورية، فالمتطرفون وإن أدركوا انحسارهم قريباً إلا أنهم لا يتراجعون عن قتلهم وبترهم للرؤوس، لأن ذلك وارد في صلب عقيدتهم، فالكارثة حتمية ولها سياقات مرتبطة بتفتت المجتمع الكوردستاني ومعاناته سياسياً بسبب ذهنية السلطة التي تمارسها الزعامات على نحو إيديولوجي مقيت يتسم بالتفرد وإقصاء المخالف، وكذلك وجود أزمة في ذهنية المعارضة، فهي ترتهن لأجندات الأعداء على نحو مباشر ، كل ذلك يمثل ثقلاً على كاهل المجتمع، ويجعله بمعزل عن الأمان الذي ينشده ويسعى إليه، حيث النزوح والموت والاشتباكات والحواجز على الطرقات، أفضى لمشهد مأساوي، فداعش حين تبطش فهي تستلذ ، والانتقام لذة مستترة تخفي سعي المتطرف الغريزي إلى التوحش والإجرام، إرضاء لاضطرابه النفسي.
وجب فهم المعضلة المتمثلة بتخلف أدوات مواجهة التطرف الديني وكذلك الإبادة الثقافية والابتعاد عن الروح القومية الجامعة من خلال التحليق في أوهام المشاريع الخفية في جوهرها نكهة العبودية وإقامة سلطات انقلابية جديدة هي بالأصل نتاج النظم القمعية المحتضرة، إلا أن الرهان الوحيد هو روح المقاومة النابعة من إرادة شعبية فتية تكافح لأجل بقاءها ونوعها العرقي ولونها الحضاري.

رغبة الشعوب في المقاومة والتشبث بإرثها الثقافي والوجودي أقوى من مؤامرات النظم القمعية والتي تسعى لتكون مكانها، فالحب هو المعادل الحقيقي للوجود الإنساني في ظل الحروب والأزمات التي تطال الشعوب، كل تلك العواطف المتأرجحة في واقع مجتمعات النزوح والحروب الأهلية، يشير إلى نوع من المقاومات يتم إبداءها بغية احتمال أطول للمأساة، حيث تربية الغباء من عمل الساعين لتسعير الحروب الأهلية وتعليب المجتمع، وبالتالي يسهل على الجهاديين اختراق المجتمعات وسحبها لمعاقلها، فالجهاديين الدينيين واليساريين ، يكادون يلتقون على قواسم مشتركة مرتبطة بتأليه الزعامات، وكذلك الاهتمام بالمجال الدعائي تحت مسمى التدريب أو الدورة الشرعية(غسل الأدمغة34) ، وقد أثبت الإسلام السياسي، كما أثبتت الإشتراكية السوفيتية ومشتقاتها في دول أخرى، أنها بؤرة لخلق أنظمة استبدادية مخابراتية غارقة في الفساد والاستبداد واستعداء المعرفيات والمعرفيين، وكذلك إنشاء مجتمع قوامه الخوف والاغتراب والعزلة الخانقة، حيث نجد الاشتراكيين الشرق أوسطيين قد انقسموا إلى قسمين قومي وآخر مؤمن باليسار ، وقد انكفؤا عن أنفسهم في بدايات الحراك الشعبي المسمى بالربيع العربي فكانت رؤاهم ومشاريعهم مواربة وظل همهم الوصول للسلطة، ولم نكن لنجد أن ثمة فرق بينهم وتلك النظم، وبالتالي عزف الإسلاميون على اسطوانة إقامة نظام إسلامي ومحاربة العلمانية ، فأودوا بالحراك الشعبي إلى الهلاك والاحتضار، فباتوا بيادقاً بيد الدول الإقليمية الداعمة لهم كالسعودية وقطر وتركيا وإيران، فالتصدي لخطر المتطرفين مثّل تحدياً لمكونات المنطقة، ولاسيما عزم تركيا العنيد في ضرب كل حالة تنظيمية كوردستانية ساعية لحياة حرة ديمقراطية، فنجد تعقيداً مستولياً على المشهد بالتزامن مع المعارك والاشتباكات المتلاحقة، وسبب انعدام الحرية الأساسية مرده استبداد النظام السياسي وإبقاؤه على التخلف، الأمر الذي يجعل من المجتمعات تواجه مصيراً مجهولاً في حال انفكاك العقد السياسي وتشرذمه وبروز التحدي التالي المتعلق بالفوضى والحروب الداخلية ، مثالاً مواجهة تنظيم داعش الإرهابي والذي يستخدم منتهى القسوة تجاه المجتمع، من هنا نجد نجاعة فن التأويل ومدى قدرته على التحليق والاستطراد بعيداً لفهم الواقع المجتمعي في غربي كوردستان ، ومن ثم فهم الكوارث الإنسانية المتلاحقة جراء غزو داعش لكوباني وارتكابه للمجزرة بعد تحرير المدينة بعد شهور، فالعنجهية العشائرية،والأحقاد المناطقية الكامنة في روح المجتمع، تخفي في دلالتها تخلفاً طبيعياً تم تقليصه بشكل نسبي بعد 2011، حيث تغير واقع المجتمع اثر انخراط المرأة بشكل كبير إلى جانب الرجل في حماية الأرض والمكتسبات.
لا يمكن للمجتمعات التي لم يكن لديها تجربة في خلق تنظيمات عنيفة أن تواجه الأذى الذي من الممكن أن تتعرض له، حتى النظام السياسي يحدد مستويات الاستعداد للعنف لدى المجتمعات، فحين يتم تجريدها عن العمل وابداء الرأي والتعليم الجيد، فإن ذلك يولد عندها حالة من النفور والاستعداء ومن ثم التهيوء للعنف ، إذا ما توفرت لها الأجواء ، وهي تنشط بوجود الفوضى، وتتغير تبعاً لذلك العقائد والتقاليد والعادات، ويصبح من الصعب لجم فورة الجماهير والتحكم بها إذ ما وجدت مساحة للتحرك من خلالها، ففي حين تنشغل السلطة بمواجهة التهديدات الخارجية الموجهة ضدها، تقوم الجماهير الغاضبة والمعارضة لها باستجماع قوتها لتقوم على نحو شرس في محاولاتها لتغيير طبيعة النظام، ورغم تلقيها القمع لأوسع نطاق، فإنها تحارب ولا تدخر وسيلة للإبقاء على فوضاها لحين يتم البت بتشكيل سلطة جديدة تنوب عنها، وهكذا نجد تعدد الأصابع الخارجية المتحكمة في ذلك لتقوم بوضع ثيمات لنظام سياسي جديد، وليد عن الأول ويحاول أن يكون جامعاً في قوانينه بين النظام المتهالك والقائم، كما قال نيقولا ميكافيلي 35بهذا الصدد بأن كل سلطة جديدة تبقي على بعض القوانين التي استعملتها السلطة السابقة للتحكم بالمجتمع، كتاب الأميرفالنظام السياسي الذي بالغ في عزلة غربي كوردستان ، عزلة مناطقها بعضها عن بعض، وترسيخ المناطقية بين الكورد، أراد أن يفتت المفتت، وكذلك هزيمة العرقية الكوردية والحد من تطلعها للامام، إلا أن ثقافة النهوض كانت لها بالمرصاد، فكانت حالة الاتحاد والوعي الاجتماعي قادرة على ترجيح كفة الحياة الديمقراطية مقابل هزلية الحياة الذكورية غير القابلة للتطور وإنما للضمور بتقادم المراحل ومستويات الإرتقاء المعنوي ، الأخلاقي والمعرفي.

ترابط الإسلام السياسي والقوموية المتعالية :

لقد عمّق الإسلام السياسي المتحالف مع النظام السياسي القومي في سوريا من الفجوات الاجتماعية وجعل العنف خبزاً للحياة والشتائم قاموساً لغوياً ،فرسوخ الحل عميقاً يكمن في حالة التصالح المبنية على تعرية الأزمات والوقوف عليها، فالمجتمعات المضطهدة هي مجتمعات تربي الكراهية وتنقلها كالأمراض المعدية، ومما نلحظه في المناطق التي تسودها أنظمة قمعية، نمط التفكير لدى الفرد والذي تحدده مؤسسات التربية والتعليم وطبيعة النظام العائلي، نلحظ أن المجتمعات المسحوقة ميالة للعنف والتنازع على نحو مضطرب، ونعزو أسباب ذلك لاستبداد المنظومة السياسية وفسادها وكذلك حقلي التربية والتعليم، حيث رأى أرسطو أن أسباب الحرب تعود إلى فكرة النزاع والتصادم في نفس الإنسان إلى جانب تأصل تلك النزعة في البيئة الاجتماعية، والدولة القمعية أسهمت في ذلك ونجحت فيه، وكذلك لابد من الإشارة إلى المستفيدين من عقلية التصادم والتنازع وتربية ذلك ، ترسيخه ليصبح أداة سطوة وترهيب، وسرعان ما تصبح مصدر إرهاب وتقويض بخاصة زمن الحروب الأهلية حيث تغدو الحدود أوهاماً، يتم فتحها على مصراعيها لتدّخل الدول الإقليمية المجاورة للدولة المحتضرة، ويتدفق السلاح من كل صوب وحدب، وتصبح الفصائلية ، حالة طبيعية، لاسيما وأن المجتمعات حينها تميل إلى التكتلات العصبوية الصغيرة في تعاملاتها اليومية، إثر

غياب عدالة المؤسسة أو قوانين مدعومة بقوة النظام السياسي، بإمكانها سد هذا الفراغ وإعادة الحياة إلى سابقها.
وكما أن نهاية كل نزاع هي الصلح ولهذا قيل أن الصلح سيد الأحكام، فكذلك نتيجة الحرب مهما طالت هي الاحتكام للسلم، إلا ان ذلك يتوقف على القوة المرجحة لأحد أطراف الصراع أما الوجع فيطال الأبرياء والعزل وحدهم.
فيرى جان جاك روسوبأن طبيعة الكون تقتضي وجود صراعات دائمة ، هذا يعني أن سيكون هنالك فسحاً رحبة لولادة روايات وأعمال فنية وفكرية، كون الإبداع وليد الحرب، والأفكار وليدة الصراعات، كما يرى توماس هوبز أن حالة الطبيعة هي حرب دائمة مما يفسر وجود الموسيقا والفنون الأخرى، وهذا يفسر ما ذهبتُ إليه فكرياً بوجود هذا الصراع العتيد بين قوى الإبداع وقوى الاحتكار السياسي الربحي، على الرغم من أن جهود الغازين تركزت على التوسع وإلحاق ممالك وممتلكات وأقوام لخريطتهم التوسعية ، كانت جهود المعرفيات والمعرفيين تتجمع نحو البناء وترميم ما تم استهدافه، كتطلع حضاري ، حاول النهوض أبداً بالإنسان بالرغم من الحروب والنزاعات المتفاقمة، والتي أثّرت على مجموع القيم التي يؤمن بها الناس والبسطاء ممن التزموا بالاعتدال وطلب الحياة بحذر دون إسراف أو إفراط، في طلب المغريات والسعي إليها بنهم، فواقع غربي كوردستان إبان إنسحاب قوات النظام السوري منها بات مسرحاً للصراع الوجودي بين أبناء الوجود الوطن ، والجماعات المتطرفة ، ذلك الصراع ولأهميته بات سجالاً أدبياً معرفياً ، أعدّ اللبنات الأساسية لنهوض المجتمع الكوردستاني وريادته في مواجهة التطرف والأمراض الفردية الناجمة عنه، لقد توزعت الأدوار بشكل تلقائي ، فالمتطرفون يتجمعون في حلقة واحدة وضمنهم ثمة فرَق تتخذ من الفروقات المذهبية وسيلة لممارسة العنف، وذلك ينطبق على الجماعات الأخرى، لا يعدم الناس وجود المسوغات التي تفتح لهم الباب للتصعيد والتنازع ، وبوجود الإمداد المادي والتجييش الإعلامي يستمر ذلك الصراع لتسعير المنطقة، وتوريد السلاح بكثرة، والهدف من ذلك السيطرة على الموارد والخيرات وإعادة توزيع الأدوار والأراضي، فتجديد الصراعات الدينية وإعادة إحياءها تقف وراءهما بقوة كل من تركيا وإيران، وهو تجسيد للأحلام القاتلة في الهيمنة على المنقطة المعانية لسبات معرفي.
فلكي تستمر صفقات السلاح ، وتتحقق الأرباح ويجني تجار الحرب ما يريدونه على المدن أن تتدمر ، على الإنسان أن يموت، هكذا تتم صناعة المخاضات والأزمات، لتتعمق وتتأصل، لترتفع مقابلها يافطات حقوق الإنسان والأمن الدولي، تتوطد الروح المذهبية والقوموإسلامية لصالح زلزلة القيم وتفتيتها، لنشهد موجات النزوح ، نتيجة تدمير البيوت والمنازل على رؤوس قاطنيها، وملاحقة الإنسان الأعزل ومحاصرته، لانتزاع لقمة عيشه، كل ذلك على مرأى العالم المتمدن ، يتدفق المتطرفون في كل مكان من شتى أنحاء العالم ، ليمروا بتركيا ويختموا جوازاتهم هناك فيدخلون عبر الحدود المفتوحة لذهابهم وإيابهم، كل ذلك لأجل إبادة الشعب الكوردستاني ومحو وجوده من الخارطة، لصالح توحش التعالي التركي برائحته الإسلاموية، فالحلول المكتوبة بالحبر لا مكان لتطبيقها في واقع هش يشهد خراباً وسوء في الأوضاع ، لتغدو الديمقراطية حلماً مزيفاً ، وتغدو الحقوق المنتهكة يافطات معلقة في الهواء، يتم عقد صفقات باسم حماية اللاجئين ، فيتم توطينهم في بيوت ممن نزحوا عنوة عن أرضهم ومثال عفرين التي بيعت إثر صفقة روسية تركية مقابل تسليم الغوطه واضح، تتم تصفية الحسابات الربحية المتعلقة بالنفوذ على حساب الضحايا ، إخراج الناس من بيوتهم ، دكها بالبراميل المتفجرة، نهب وسلب الممتلكات ، لتكشف التواطؤ الدولي لصالح الإجرام المتفق عليه، لهذا ولَّدت لدى المجتمع نفوراً منتظماً وهياجاً ممنهجاً سيأخذها من ضفة النقمة لضفة الهبة الوحشية الناجمة عن صمت مرقّع بخيوط من نسج العنكبوت.

مآلات العنف وأثره على المجتمع:

كارل ماركس36 رأى أن الكبت في جوهره نتيجة لتناقضات بين الحاجة للتطور الكامل للإنسان وبنية المجتمع المحدودة( ص 133 –ماوراء الأوهام – إيريش فروم) إذ أن الموت في سبيل التغيير في أصله عائد لتلك التناقضات ، والتي تفرض على المجتمع ظروف في غاية من المأساة والانحطاط لأجل تشبثه بوهم التغيير.
هناك موت يبيت له المرء سواء كان في هجومه على الآخر أو دفاعه عن نفسه ضد هجمات الآخر المتسلح بنظامه الخاص، وهنا يمكننا فهم العنف الدموي على أنه صراع احتكاري يتضمن اعتقاد الفرد بنقاوة عقيدته وأحقيته بقتل المنافس على الجهة المقابلة، فالأفكار بحاجة إلى مسدسات وقنابل لكي تبقى، وأقل الأدلة هو ما نشهده عبر التاريخ من حروب مقدسة وجماعات تقتتل وتخلق الإيديولوجيات كمبررات في القتل والنهب والسلب ، نفهم ذلك الواقع القائم، على أنه استنزاف لموارد الوجود بذرائع واهية تتعلق بتفسير الحق والقيمة الأخلاقية ، حروب لحماية قيم الله، أو الوطن ووراءها طالت يد المتصارعين الذين استعمروا وتوسعوا وبنوا ممالكاً وامبراطوريات مقابل تدمير ممالك أخرى قائمة واقتصادات، يقف الأدب هنا لنصرة الطرف المتصارع ضد نقيضه، وبارود التأثير البلاغي هنا هو جزء لا يتجزأ من معركة تفسير الحق والذود عن المعتقد المتصل بحفظ النقاء العرقي والإيديولوجي المرتبط بإرث الجماعة.
الحزن والموت يحددان طريقة الحياة في زمن الحروب الداخلية، وبيئة غير آمنة ، لا أحد فيها بإمكانه أن يأمن حياته، في ظل حالة التأهب النفسية ، نجد جموع الناس مضطربة ، آخذة حالة الاستعداد لمكروه قد يحدث، تحول المدنيون إلى عساكر، وتغيرت مناخات المجتمع فلم تعد تأنس بالهدوء الذي يسبق العاصفة، فمراسيم الموت باتت شيئاً مألوفاً، المراسيم على صدى الأغاني الحزينة الثورية، غدا الموت احتفالاً ومظاهر الموت تحولت إلى طريقة للتحدي والمشاركة في الحرب والصراع، ذلك طقس متصل بالحرب والتماسك بوجه مغتصب الحق والمعتدي على الأرض، الوسائل الدفاعية مباحة، والشعوب تقرر هنا أن تظل وتدافع عن هويتها لتظل راسخة بوجه الانطماس والاندثار، فالموت هو ضريبة الحياة الكريمة، وتجسيد ذلك مهم، ويجعل الإنسان مؤمن ضمنياً بطريقة الصمود تلك، فحين تتحقق الرفاهية ويتأصل الاستقرار لابد وأن يتخطى المرء كافة التحديات والمصاعب الملقاة في الطريق المحفوفة بالمخاطر والأعباء الجسيمة، فالحرية تحتاج لتدريب وتأهيل فكري وروحي حتى يضمن الفرد لذاته الروح الكفيلة بالعمل والنهوض ، فالقيم الطبيعية ليست مجرد أقاويل نظرية تسبح في بحور البيان، وإنما هي كيفية حياتية لإحقاقها وتجسيدها حياتياً ، كواقع لا يقبل المواربة والالتباس، والرواية الوطنية تقوم بتلخيص مجموع القيم المعرفية لتكون ترساً منيعاً بوجه التحلل والرهاب الذي تشنه النظم القمعية ضد الجماهير كي تعريها من الثقة والتحدي الذي يقف بوجه الآباء والأمهات، برؤيتهم لأبناءهم وفلذات أكبادهم وهم يتسابقون أفواجاً نحو الموت لنيل وسام الشهادة لأجل الوطن الحلم كوردستانوكذلك لانتصار قضية الديمقراطية كمعادل موضوعي وبديل عن العبودية والظلم الاجتماعي، فسعي الجماهير الهائجة هو لأجل التحرر الطبقي والمساواة، إزاء فئة تحوز على الثروة والسلطة مقابل فئات يفتك بها الجوع والجهل والفقر، إلى جانب الاعتقال والموت وتكميم الأفواه، فخسران أعضاء الجسد نتيجة الحرب كانت ثمناً باهظاً لقاء تأمين قيمة التضحية وإخراجها كقيمة لغوية ونقلها للواقع المعيش.

قصة ارتباط المعرفي بوجوده الوطني تجسدها الروايات والملاحم القديمة تاريخياً وهي حديث عضوي في الفلسفات، لهذا فتسليط الضوء عليها يعد قوام العمل الإبداعي ويعطي للمتلقي باعثاً على اليقظة الروحية المرتبطة بقضايا الأرض والدفاع عن التنوع والخصوصية لمجتمعات متعددة الأعراق والاتجاهات والمشارب، الحرب المدافعة عن الديمقراطية والمساواة حرب محقة ومهمة ولا تتم بمعزل عن التوثيق الأدبي والفني والموسيقي، فالموت بالنسبة للعاشق هو بعده عن موطنه وحبيبته، وهو أحد أشكال الموت الأكثر استنزافاً لروح الفرد، فلن يستطيع بالتأكيد صنع وطن في المنفى وإن كان الوجود واحد والمعركة واحدة، إلا أن للجغرافية خصوصية روحية لدى الفرد المبدع بصورة خاصة، فالمنفى هو اقتلاع المرء من منبته، اقتلاع بذرة تنمو في أرض خصبة ونقلها لمكان آخر غير موطنها ومناخها، فقد تنمو أو لا تنمو وقد يختلف طعمها إن أثمرت، وهذا يفسر وجود بعض الزراعات في بيئة دون أخرى، وكذلك ينطبق ذلك على المرهفين، إذ ليس بالضرورة أن ينتجوا خارج بيئاتهم وإن كانت القارة العجوز مثالاً أوروبا تتمتع ببيئة آمنة وداعمة لإبداع المعرفي الشرق أوسطي ، إلا أنها لن تستطيع تحقيق الراحة الروحية له والشعور بالارتياح الاجتماعي، كون الفرد يعيش في محيط غير محيطه، إذن في تلك الحرب الداخلية ، يولد تخوف طبيعي أن تفرض الهجرة على الكثيرين إلى جانب الموت في جبهات القتال، خسارة أكثر من إحدى عشر ألف شهيد في معارك أبناء غربي كوردستان ضد تنظيم الدولة الإسلامية الممولة تركياً وقطرياً، وهذا العدد يعتبر صادماً، ناهيك عن النزوح باتجاه الشمال الغني، وكذلك اللجوء للدول المجاورة وخاصة اقليم كوردستان العراق، فاتورة تلك الحرب الداخلية ولثمان سنوات باهظة ومؤلمة عدا خراب البنية التحتية جراء ضرب المدن، آخرها كان احتلال مدينة عفرين37 وريفها، وكري سبي تل أبيض38، وسري كانيه رأس العين” 39من قبل الإحتلال التركي ومرتزقته، ممن أطلقوا على أنفسهم المعارضة السورية بهيكليتها الأخوانية، ومآلات التدمير على النفسية والحياة الطبيعية للمجتمع، بيئة غير آمنة تكتظ بالجثث ورائحة الدماء ، والألغام والدور الخربة ، الأبنية التي باتت مقرات للقناصة والجدران المتداعية التي تحولت لدهاليز عبور المقاتلين من ضفة لأخرى، بيئة تعج بالأمراض وذلك مرده إلى حالة الاضطراب المتكررة بين حين وآخر والتأهب النفسي الدائم لنزوح على الأبواب، أو عملية عسكرية تركية وشيكة، مستقبل. غامض ، وأزمة إنسانية جلية أمام أنظار العالم وكاميراته.
إن ضريبة التوسع والسيطرة على الموارد بفعل ضعف سيطرة المركز على الأرض، هي تهجير الألوف وتوطين آخرين، وتبديل السكان المحليين بآخرين وافدين، حتماً ذلك يعود بالفائدة على الجهة المصدرة لأزماتها الداخلية للخارج، وتدار تلك الحروب بالوكالة من قبل الدول المجاورة لسوريا وعبر سكانها المحليين المغرر بهم إلى جانب تدفق الأجانب من كل صقع، كما حدث إبان الحرب الأهلية الاسبانية سنة 1936- 1939 فكان هتلر40وقتها قد اتخذ من اسبانيا ساحة لتجريب أسلحته كما يحدث في سوريا حيث لم يتوقف سوق السلاح ولم تتوقف مصادر توريده سواء كانت من روسيا أم إيران أم ألمانيا أو أمريكا ، أو كما حدث في اليونان 1944-1949 حيث استخدمت كل من ألمانيا وبريطانيا وكلاءهما من شعب اليونان وحصدت الحرب الأهلية حينها آلاف الضحايا، حيث تفقد الأفكار والإيديولوجيات تأثيرها وأهميتها مالم تأتي الظروف الحالكة وتنزع فتيلها لتشعل بها الجماهير عبرها أرواحها وتبث هممها ، فالحديث عن الإيديولوجية المعرفية مجدٍ حين يستهدفها أكثر الناس تضرراً من الحرب،هنا يمكن أن يتصافى الفن مع الإبداع الفكري، وتحلق طيور الفكر خارج السرب المألوف، كي تقبض على الصحوة النيرة وتنسخ منها على شاكلتها لترتب بها تفاصيل الهم الإنساني وتحيل الهواجس إلى نحول، حيث تسعف الأفكار تلك اللغة القادرة على حملها بيسر، والمنهج النفسي هنا يكفل لنا فهم الطبيعة الفردية وميلها للشاعرية والانطواء إثر كل حادثة يموت عبرها آخرون ، يكون لون الإنسان إزاءها مخطوفاً، يعم الشحوب في أروقة النفس، وتخطو الكتابة النفسية خطواتها الأولى لمعرفة الكوامن وما تحويها من غصص وأسرار تخص كيفية التعامل مع الحدث في أول نشوبه، حيث لابد من وجود عقيدة فلسفية تقف بالضد من مشروع الإسلام السياسي بشقيه المذهبيين، فكانت تلك العقيدة مستوحاة من فكر منظومة كوردستانية لها باع في الصراع الوجودي لأجل كوردستان واسمها الأمة الديمقراطية، التي وضعها أوجلان41، ظهرت على غرار النظرية الماركسية، فالذي يدفع الجهادي ليفجر نفسه ويقطع رؤوس أعداءه ويسبي نساءهم هو تأثير العاطفة وغريزتي الغضب والجنس، واللتين تجعلانه يهرول كالثور خلف الرداء الأحمر، حيث تعطيل العقل وإغفاله يعني المسير دون عينين والانقياد للعنف دون إدراك ، بفداحة القتل، يفسر حاجة صناع الموت لمغفلين وبلهاء يكونون وقوداً لأجل مصالحها ومنافعها البعيدة.
الموت الناتج عن الحرب هو الأكثر فداحة وضرراً على النفسية الاجتماعية، إنها تفتك بالداخل ، وتنتهك الأرواح ، وتلقيها على مسارح الصمت والشجن، فتمعن في إغراقها بويلات الماضي والأحداث الغابرة، آلام يصعب تجاوزها بيسر، تلقي بظلالها بثقل فينوء الكاهل عن حملها، وتصبح الأعماق كهفاً مهجوراً سوى بأطياف الموتى ونداءاتهم البارزة في اللاوعي والراقدة في الداخل ،حيث يعتبر الدين بمثابة المظلة العامة الوادعة التي يلتف الناس حولها على نحو مسالم وغير عدواني، حيث تحل الأوهام والأساطير في عقول الناس الذين لم يتسنى لهم الوقت بحكم ظروفهم إلا الاعتكاف على القراءة والبحث وتكريس النفس للمعرفة، فمن الطبيعي أن ينجذبوا للدين على نحو فطري دون أن يتمكنوا من قراءة كتابه جيداً، وإنما يمارسون تقربهم من الله على نحو عفوي ودون منهجية، لا يميلون للعنف وليس لديهم مشكلة مع الآخرين، إذ بإمكانهم التأقلم سريعاً كونهم لا يتعاطفون مع قناعاتهم الطبيعية على أنها إيديولوجية سياسية وطريقة تسوغ لهم العنف مقارنة مع البيئات العنيفة، فالذين نمى لديهم الدين بطريقة عنفية ، حالت دون أن يتأقلموا مع غيرهم مما يفسر استطاعة داعش أن تحتل بيسر المناطق ذات المكون العربي بيسر كون هنالك حاضنة شعبية لهم وأساس استعداءي يجعلهم قادرين على تشرب العنف واحتواء فكر القاعدة الجهادي، لهذا فهنالك فارق بين التدين الكوردستاني والتدين العربي ، فأحدهما فطري غير مؤدلج والآخر عنفي مؤدلج مقترن في السلوك والتمايز بين المحيطين، ليتشظى ذلك التدين إلى فئة تحارب التطرف وأخرى تنتجه وتحتضنه، إلا أن التطرف الديني لا حليف له ولا حاضنة حقيقية كونه يعتمد على ترويج القتل وتمجيده وإرغام الناس على رؤية مشهد قطع للرؤوس وبتر للأعضاء وصلب للبعض، كي يتم نشر الرعب والدماء وتلقين الجماهير على نحو فظ ومباشر للخوف باعتباره الوسيلة الأفضل لكبح جماح الناس وإلزامها بالخضوع إلى أمد، فالإرهاب يستمد فعاليته من منطق الإسلام السياسي التاريخي الذي ظهر في عصور مختلفة اتخذ منه الساسة السلطويون بالتحالف مع رجال الاقتصاد كوسيلة افتعال للأزمات وتطويع النصوص الدينية لمآربهم بغية زج العقل الفردي في المعتقل وإلزامه على الصمت إكراهاً بل والضغط على الفرد ليكون جزءاً مشاركاً في عملية الإرهاب، وهكذا يتم خلق الصراع ليستفيد منه الكبار ممن أرادوا ان تكون رقعة الشرق الأوسط ميداناَ لتبديل الخرائط وكسر الرؤوس المرفوعة في الهواء.
الحرب الناشبة في سوريا أحالت كل رقعة جغرافيا إلى ساحة تنافس وصراع نفوذ روسي أمريكي تركي إيراني، وبذلك لم يتعظ العالم المتمدن من تجارب الحروب السابقة التي أفضت إلى قتل ملايين البشر وتدمير بنى بلدانهم التحتية، وتشريد ملايين آخرين، ولعل الحروب بالوكالة تعد الأسوأ على الصعيد الإنساني، وهكذا فطبيعة الصراع وأدواته محكومة أيضاً بأن تتغير ، حين يتعلم المجتمع مدى حاجته للظهور بمتانة في مسرح الأحداث .

إن صناعة الواقع الأفضل عملية معقدة وصعبة وتحتاج لهذا التكاتف والتشارك المصيري في البروز الأقوى مقابل الغزو الوحشي الذي تتعرض له، ليتبين لنا تصارع قوتين إحداها ماضوية غارقة في بطون التاريخ وهدفها إعادة التاريخ المتغطرس لدفة الحاضر وعبر الإجرام ، والأخرى متشبثة بقيمها المستقاة من التعايش السلمي وعشق الحياة،رائحة الانعتاق من العبودية تتعزز بقيم الانفتاح المجتمعي على بعضه بعضاً في حقبة الحرب الداخلية المتجلية في التفاف الأفراد حول مصائرهم والذود عنها، وتتجلى أولى نزعات البروز للأمام من خلال الخروج عن نظام الدولة القمعية، والخروج بمظهر المنتفض ، لكن ليس بنمط عفوي وفوضوي، بل بطريقة منظمة وقادرة على تحويل الحراك إلى حالة راقية معرفية، ونبذ نظرية الحاكم المطلق أو السلطة الشمولية العاقرة والتي لا تنجب إلا الفوضى والدمار ،وهكذا تنهض التجارب الإنسانية في ظل النزاع لتتحول المجموعات المؤمنة بالتغيير لنواة إصلاح ، ويتعزز ذلك من خلال نزع فتيل الخوف من قلب المجتمع، بزرع الثقة في ذات الفرد واعتباره محوراً صحيحاً يمكن الاعتماد عليه في التغيير والبناء ـ

ومما لاشك فيه فإن الانتفاضة تتخللها مراحل تتضمن كبوات وانجازات تصب في النهاية لصالح المجتمع، مهما دفع من فاتورة باهظة في سبيل الاعتياد على التصادم مع قوى الغطرسة والجمود، لا بد من تطوير مفهوم الثورية وإلا كانت وسيلة لاجترار سلطة أكثر رعباً، فمعظم الاشتراكيين الذين تبجحوا بمفهوم الثورة ، تسلقوا على رغيف خبز الشعوب وسطوا على أحلامها في الدمقرطة والحريات، فأنتج أرباب الثورة ، مجلس قيادة الثورة (صدام حسين42) و أتوا بعد انقلابات حافظ الأسد43″ واضطهدوا المعرفيين وزجوا الجماهير في عزلة خانقة القذافي44″ فحصاد الاشتراكية الثورية في الشرق الأوسط بائس، لهذا نجد أن غربي كوردستان يمر بمخاضات جمة يسودها القلق من التهديد الخارجي، والانقسام الداخلي الكوردستاني بين معتد بتجديد التركة الاشتراكية ، وبين مرتهن لقرارات الاستخبارات التركية، ولا نجد ضوء يلوح في الأفق، لربما يسنح الضغط الدولي الأوروبي الأمريكي لميلاد تجربة غربي كوردستان على غرار جنوبها الفيدرالي، حيث أن أعظم الثورات تتمثل في تحطيم صورة الإله الدموي في تنظيم الدولة الإسلامية، وكذلك عبر مناهضة معقلي الإسلام السياسي بشقيها السني والشيعي والمتمثل في دولتي تركيا وإيران، ذلك لا يقع على عاتق الكورد وحدهم وإن كانوا رأس حربة التحالف الدولي45 في الشرق الأوسط، وإنما أيضاً شعوب المنطقة التي عانت تاريخياً من العثمانية46 والصفوية47 وذاقت سياط العبودية مراراً على يدها، حيث ها هي اليوم تنشب مخالبها بتوحش في كل مكان، بكل أحلام المجتمع ورغبته في رؤية هيكلية أفضل لحياته ، تخلصه من واقع الاستبداد القوموي، يبدأ المضي بلا توقف، لأجل تحقيق هذا الهدف، إن تحول العالم لقرية صغيرة بفضل عبقرية المعرفيين التقنية، تساعد على نقل كل شيء أمام أعين العالم عبر الكاميرا ووكالات الإعلام المتعددة، ولا شك أن ذلك يحدث بالتزامن مع الثورات الذهنية والقفزات النوعية ، فلا مجال للقوالب الشمولية إلا ان تنكسر أمام انفتاح العالم على بعضه بعضاً.

المعرفيون عولميون في روحهم ونظرتهم للحياة، وتنظيمهم يخلق عهداً جديداً من تبدل الخرائط والمفاهيم ، إنهم الآن على الطريق الصحيح في تدمير الوثن الحزبي والشمولي ووقف استشراس الرأسمالية المطلقة،على الرغم من أن العالم قرية صغيرة إلا أنه ثمة من يغرد خارج سربها، فيندفع بخياله التاريخي لرؤية امبراطوريات دينية وأخرى قومية، غير آبه بالواقع الذي ينزع للأمان والحياة الأفضل، فيجيش العواطف العنصرية إعلامياً ويحيي خطاب الكراهية، أما شيوخ الفتاوي فقد أسرفوا في الإمعان في غسل أدمغة القاصرين والفئات المعانية للفقر والبطالة، وأخذت تمعن في زجهم في معارك دموية وحشية، إلى جانب انتشار بيع السلاح من قبل الدول الكبرى كروسيا وأمريكا وألمانيا، غير آبهة بالكوكب الذي يعيش عليه ملايين البشر، إنها نتائج انعدام المسؤولية الأخلاقية لهذه الدول في تسويق الدمار والاستفادة من أزمات الشعوب بغية إشباع جشعها الربحي، فالعبودية ليست قدراً وإنما تحدٍ يقف بوجه الإنسان المعرفي ، الواهب المنتمي للوجود وبعناده الفكري وتجاوزه للحواجز فإنه يبصر وجوده نوعياً مختلفاً وفاعلاً ضمن المحيط الاجتماعي الذي ينتمي إليه، هذا الإيمان بالمعرفة والحب يرفع النفس ويجعلها في منأى عن الضياع والاغتراب، إن الانتصار على الوهم والعبودية يمثل مرحلة تشافي قصوى، تمكن الموجود الفاعل من التحرك بيسر ومواجهة الظروف الصعبة، تجعله يتجاوز ويرتقي دون أن يحيد عن الأخلاق المقترنة بالمعرفة ، كون القيم تشغل مساحة عميقة ورحبة داخل النفس الإنسانية وتجعلها قادرة على إتمام مهامها في التنوير والتنمية العميقة للآخرين الساعين للانعتاق من أسر الذات للذات، ومما لاشك فيه فإن النظام السياسي الاستبدادي هو من يجعل النفاق والبؤس والكراهية ألواناً تشوه روح المجتمع التائق للحياة الجيدة، والرفاهية المنشودة، وعليه فإن الانتصار الحق كامن في التماهي مع الجماليات، لتصبح جزء من كينونة الفرد الفاعل والمؤثر، مما تنفتح الآفاق. شيئاً فشيئاً على عملية الخلق والإبداع وفهم الحياة، فغياب الحضارة والتنافس المعرفي كان بسبب هذا اللهث الربحي والتفسخ القيمي، الذي جعل نداء العقل الإنساني يغرب لصالح هذا التوحش الرأسمالي الفظ ، والذي أربك معالم الحياة المجتمعية وجعلها مجتمعات مهددة أبداً بالتفكك والتفتت، وتحولها إلى وقود ارتزاقية خدمة لحسابات الدول الإقليمية ، فالمسرح البشري الكوردستاني يعج بفوضى متباينة رغم وجود تيار البناء والفداء الذي يحاول المضي بالمجتمع لتحقيق تطلعاته في العيش الأفضل، على الرغم من جوقة المنهزمين المنتصرين بالكلام والشاحذين للهمم بالشعارات، لهذا نجد الثورات في عالمنا مفرخة للطغاة والفاسدين، إن خيار العدميين أن يموتوا كالأشجار اليابسة غير المثمرة، وأن يقفوا حجر عثرة بوجه التغيير والأفكار الجديدة المناهضة لأفكارهم الرثة وخياراتهم الكلاسيكية

تعاد رسم الخرائط في المنطقة، وحينها لابد من أن تتغير التركيبة الديمغرافية ، وتصبح الحياة مضطربة، والمجتمع محتّم عليه أن يجابه وينظم نفسه احتراساً من أمواج التغيير الديمغرافي ووجود عداء اقليمي بائن لشعب كوردستان يفرض عليه التوحد، لكن ليس بوجود زعامات روحية تضع برامجها الإيديولوجية الحزبية على حساب الأمن الكوردستاني الاستراتيجي، إلا أن المعركة ضد التنظيم المتطرف ، رجّحت خيار المواجهة الميدانية بدلاً من الإنشغال بترتيب البيت الداخلي، إزاء توغل الجماعات الجهادية المندفعة داخل المدينة، والتي راحت تسن سيوفها لقطع الرؤوس دون رحمة، في كل زاوية وشارع وحي وقرية، راحت تدمر كل ما تصادفه، وفي تلك الظروف يقوم الناس بمختلف شرائحهم وأعمارهم بتجنيد أنفسهم لأجل مجابهة هذه الحرب الشرسة، حيث استعد الآلاف لمواجهة هذه الهجمة الغادرة ، والبعض التزم بالتشبث بتراب الأرض على أن يخرج منها، حمل السلاح والانضمام للقوات بات واجباً مقدساً، والتمسك بغريزة البقاء والملكية تحتم على الناس أن تتشارك في معركة الدفاع، ففي هذه الحالة لا شيء يلوح في الأفق سوى ما يتعلق بصون الحياة وضمان البقاء والملكية، يلتقي الطرفان ليحملان في داخلهما ايديولوجية ، أحدها توسعية تاريخية ترى في الدين وإعادة إحياءه سياسياً واجباً حتمياً يستدعي تدمير كل مخالف لها، والأخرى تحارب لأجل الأرض والوجودية المهددة تاريخياً بالانقراض والاندثار، ويتعلق ذلك بوجود الكورد كمكون قديم في الشرق الأوسط، فإحياء العسكرة الإسلامية يعني بروزاً للإسلام الجهادي كونه وسيلة أفضل لخلط الأوراق والتحكم بالموارد المائية والنفطية، فالعثمانية الأردوغانية تم تثبيتها بعد أن برز تنظيم الدولة الإسلامية48 وتوسع وانتشر بسرعة وكذلك أصبحت المعارضة السورية طعماً سهلاً للأسلمة الأردوغانية المفروضة عليها إلى جانب استفادة إيران منها ودعمها لشيطنة المكون السني واستهدافه طائفياً وبصورة مباشرة من خلال داعش الذي لم يستهدف الشيعة أو عناصر النظام السوري وإنما استهدف العرب السنة وحدهم، وكذلك تم توجيهه بدهاء نحو المناطق الكوردية في كل من جنوب كوردستان العراق ، وغربي كوردستان سوريا، وكذلك استهداف الكورد الإيزيديين49 في شنكال – سنجار ، وهكذا ظهر داعش كعامل أساسي لرسم معالم جديدة للشرق الأوسط الجديد، بصعود كوردستاني غير مسبوق كرادع أساسي وحليف قوي للتحالف الدولي في عملياته ضد داعش، بعد معركة تحرير كوباني على وجه التحديد،ترسم هذه الخرائط بالدماء دون أن يكون في حساب اللاعبين الكبار خراب المدن وخسارة الشريحة الشابة، فيكون إنهاء حرب داعش مقابل 11 ألف شهيد ، ويكون ثمن عفرين مقابل الغوطة50، ويكون سري كانيه وكري سبي مقابل إدلب، وهكذا تقسم مناطق النفوذ ويكون على اللاعبين الصغار تنفيذ السيناريو دون نقاش، وتلعب الدول الكبيرة لعبتها بواسطة القوى المحلية لتخوض حروباً بالوكالة، غرضها الحصول على المكاسب والامتيازات في دولة مصطنعة كسوريا التي باتت ميداناً راهناً لتصفية الحسابات، ذلك التنافس الدولي لا يتم إلا في دول منهكة مفتتة، وهذا المد التركي الإيراني ، يكشف عن تنافس متصاعد فيما بينهما، توجهها إليه كل من روسيا وأمريكا، وعبرها تنمو ظاهرة النزوح والهرب من الجحيم الدائر، فالأزمات السلطوية باتت جلية، والانهيار الاقتصادي يطل كشبح مخيف بات النتيجة المعلنة (قانون قيصر) والتي تعد وسيلة استكمال تنفيذ المآرب الدولية الذي هو نهاية المطاف بعد تفتيت المجتمع وإحداث الشروخ العميقة فيه فبعد نموذج الدولة المخابراتية، حدث التفتيت والانهيار، ويكون على المجتمع المسحوق فيما إن أراد البقاء أن يقف بمواجهة الفساد والاستبداد المافيوي الذي ستمارسه السلطات الوليدة عن تفسخ الدولة وانهيارها غير المعلن، نجد القرابين البشرية تتوالى والنزوح يستمر، والعجز الاقتصادي يطل كشبح مخيف، ويصبح اللهث خلف الصراع شيئاً ليس بالإمكان إيقافه، فالدول الاقتصادية لا يمكنها إخماد جشعها ورغبتها في توسيع نفوذها، لهذا فالذي يشعل النار لن يكون بمقدوره إطفاءها في أي وقت يريد، لهذا أصبح لزاماً على الدول الراعية للفوضى والأزمات في أن تمضي في طريقها ولعب أدوراها دون تراجع، ووعي الكوردستاني بقضيته أصبح أمتن من أي وقت مضى ، ولا تنهض الأمم مالم تتجاوز تلك التحديات المفروضة على وجودها، ولكي تبقى ويكتب لها الانبعاث فإنه ينبغي لها أن تستشرس في الدفاع عن مقدساتها وتحتل الجانب الأبلغ في رحلة الصراع نحو الأفضل .
إن التأمل في جوهر الصراع النفسي الذي يعتمل النفس الإنسانية يجعلنا نشهد صراع المتناقضات المتعلقة بالمزاج والعاطفة ، ناهيك عن الأفكار المحتدمة في العقل، كل ذلك يسهم تحديداً في رسم مسار الفرد وتحولاته السلوكية بوجود العائق في كل مكان، ففهم السلوك يندرج في إطار العوائد المستقاة عن البيئة وتعامل الفرد مع المحيط، استناداً لجملة المؤثرات الاجتماعية.
إن محاربة الإرهاب يعتبر عملاً صعباً يمتاز بجسامته وخطورته واستنزافه للموارد والبنى الفوقية والتحتية للمجتمع ، وبالنظر للمجتمع الكوردستاني ، نجده منهكاً بفعل عوامل الإبادة الثقافية والجسدية الممارسة عليه من قبل الحكومات القمعية القومية، ولديه وظيفة أكبر من إمكاناته ، تتمثل في مواجهة تنظيم الدولة الإسلامية ، ومدى قدرة الأخيرة في مخاطبة العقول بخطاب تاريخي إسلامي يجعل الجماهير المحقونة بإبر التدين التقليدي تلبي هذا النداء مستجمعة كل الشرور والجنون الكامن في نفوسها، فكما قال أرماندو تورنو51في كتابه أخلاقية العنف ص19 : “ أن الإنسان هو الحيوان الوحيد باستثناء الفئران وبعض الحشرات الاجتماعية، الذي يقتل بني جنسه بانتظام، ووفقاً لآراء بعض الانثربولوجيين ، لقد أصبح الإنسان سيد كل الحيوانات لأنه قاتل قبل كل شيء”هنا نجد جانباً آخراً من تعريف ليس بجديد يتسم به الإنسان، بكونه مجبول على الاستياء والغيرة، حيث يحاول التسيد بين المحيط الاجتماعي بأي شكل، لهذا يتخذ السلطوي من العنف والإيديولوجية وسيلتين للهيمنة وإنشاء النظام الخاص به، بل إنه يتصف باللاتسامح حينما يصل لمبتغاه فيحارب كل الأصوات المختلفة عن رؤاه وتوجهاته باعتبارها نشازاً حسب اعتقاده ووجهته، الأمر الذي يشير إلى أنه لابد من وجود بؤر عنف مستدامة كي تتمكن الدول المصدرة للسلاح من الاستفادة مادياً، حيث لا تأبه لا بالقيم ولا بالأخلاق فالمنفعة المادية أولاً، ولا معنى للإنسانية إلا في الأدبيات التي آمن بها المعرفيون عبر توالي العصور ،فكلما أراد المعرفي المفكر أو الفنان أو الصانع تشييد الجسور بين الثقافات والأمام ، قامت السلطات عكس ذلك بهدمها وتقويض الروح الحضارية القائمة في الوجود ، ولعل أول أثر للإبداع يتمثل بهندسة الوجود الماثل أمام نظرنا والنظام الكامن في الكائنات.

جدلية الحب والحرب الكوردستانية :

شكَّل مجيء البيشمركة52 لمساندة قوات الحماية الشعبية 53 مرموزاً لقيمة الاتحاد الكوردستاني والذي تم أثناء التصدي لتنظيم الدولة الإسلامية إبان محاولته لانتزاع كوباني54 وفرض سيطرتها عليه،ففهم النفسية الاجتماعية وكيفية فهمها لإدارة الأزمات الإنسانية واحتواءها للفظائع والكوارث الناجمة عن الحروب بالوكالة، تلك الحرب تقف كتحدٍ وعائق أمام ممارسة الحياة الاعتيادية، وتجعل المرء يوغل أكثر في التمعن بالموت ، إذ في فقد المقربين تنبثق حكمة ما، تتعلق بفهم قيمة الحياة والعيش فيها وكذلك قيمة التفاهم مع البشر لما يعتري الوجود من صدف ومفاجآت تغير المصائر والعقول وتفتح الأذهان، إذ أن الحدث يصنع الرأي مع تقادم الزمن،إذ كلما تكالبت العوائق والصعوبات نزع الإنسان إلى التفكر والتدبر في شؤونه وكذلك يبدأ الخوف ولوجه لداخله وبمعزل عن الخوف هنا ذلك الحب المؤكد للرهبة والمقاومة ودفع الخطر وبذل الجهد لفهم طريقة العيش، ، هنا يتجلى غسيل الدماغ وحشو ذلك العقل البليد بمحفزات الخطاب الديني المتطرف ، كي يخرج الفرد بعدها وحشاً بهيئة تكاد تشبه البشر، ووفق ذلك القالب ثمة الكثير ممن يرمزون لاتساع الشرور معبئين بالتطرف ، يقادون كالنعاج والحيوانات الشاردة ليكونوا أداة لتغيير الخرائط والنظم ومسرحاً لتصفية حسابات الكبار.
إنها الحرب تنهش الحب وتثكل العشاق، ثم تجعل منهم فتات يقتات منها المجتمع أشعاراً ، أغانياً وروايات، فهؤلاء التاريخيين وبكامل أحقادهم وذخيرتهم السامة من بلاغة وتفقه في نص القداسة أخذوا يطبقون حرفياً ما أوتي في القرآن تبعاً لفهمهم وقطبهم ، وينشرون الويل والفزع حيثما ولوا الأدبار، نلحظ أن التطرف يندفع لمحاولة قتل الحياة ومعنى التعايش وحس المسالمة بين المجتمع، هذا التطرف الديني في إطار حديث بعض المقاتلين الكورد عنه يأتي في إطار التهكم والسخرية لمستويات التفكير لدى الجهاديين، ممن يهربون إن سمعوا مثلاً زغردة امرأة مقاتلة، لاعتقادهم أنهم سيخسرون الجنة إن قتلوا بيد امرأة، يبين لنا هنا ذلك التمايز بين فكر دفاعي وآخر أتى من ظلمات التاريخ الوحشي، وهنا تصبح السياسة وسيلة لاجترار العنف وتهديد البشر الآمنين، هذا الميراث الديني السياسي يتسم بغناه وقوته البلاغية وإفحامه في الخطاب الذي هو مزيج من تحريض على العنف والبلاغة المتحكرة للفضيلة والمعبرة عن التوجه للحرب بأن من يحارب هو وكيل لله ومعتمد في نشر تعاليمه الموجودة في القرآن، ليس الكتاب فحسب إنما كبار الأئمة الذين يرون في الجهاد وتطبيق الشريعة بالقوة وسيلة مقدسة ولابد منها لنشر الإسلام كما كان السلف يفعل ذلك وكان بذلك قد وصل للعديد من البلدان واصفاً غزوها بالفتح، فارتباط القداسة بالعنف يعتبر أصلاً للشرور، هذا الإيمان الأعمى وضع العقل في معتقل، وألبسه عباءة الظلامية الدموية، والسبات الثقيل ، حيث يعتبر الدفاع عن قيم البقاء والتعايش المجتمعي ردة فعل ممنهجة وهامة بوجه التاريخيين، كون ذلك موضوعاً للرواية الوطنية المجسدة لكفاح المجتمع في التخلص من الهيمنة السلطوية والدينية في آن معاً، فترسيخ الوعي الرادع للظلامية الإسلاموية بالغ الأهمية ويغلق الطريق بوجه أسلمة المجتمع وضياعه في التاريخ ، من حيث انغماسه في الطقوس التي قادت العقول إلى الخواء والانغماس في الأسر والتبعية.
المعركة مع المتطرفين ليست بالأمر السهل، الاستيلاء على قلب مدينة كوباني بعد معارك طاحنة ، رسمت ملامح صراع جديد، يتسم بنصر أصحاب الأرض، وتجديد ارتباطهم بوطنهم وتسابق الفتيان لنيل الشهادة لما لها من رمزية هامة في حياة الشعوب استناداً لمثل كوردي شعبي، الثور يموت ، وجلده يبقى، الرجل يموت واسمه يبقى

إن انتزاع وسام القيم يعتبر هدفاً قيّماً ، يضعه المدافعون عن البلاد نصب أعينهم ويجدون في تحصيله سعادة داخلية، ونشوة تضاهي النصر، إذ في التاريخ أقاويل وتفاسير لا تصلح كوسيلة لمعرفة الحقبة أكثر من الآداب الإنسانية وأخصها الرواية، فهي تقدم أرواحاً، أحاسيساً، أفكاراً ، نجت بحكم الفن من أسر الارتهان السياسي والانتفاع الايديولوجي ، حيث لا فلسفة في شيء يتقدس ، يتحنط ويصبح وسيلة لتقويض انتماءات وأفكار الآخرين بدلاً من تنميتها، ويتغذى العنف من المقدس الذي يتماهى به المعتنق بحيث لا يرَ سوى عقيدته ، وهنا تكمن نقطة الخطر، في ألا يميز المرء بين انتماءه وانتماءات الآخرين، ويرى من إيمانياته سواطيراً تعادي ، وتنحر، هذا ما يدور في فلك دماغ الجهادي، فما يدور في أروقة ذهنه هو النزوع للتاريخ الوحشي وطرق التعذيب وتسخير العقيدة الدينية خدمة للتوسع والهيمنة على المقدرات والموارد، فالإنغماس في التراث أربك الفعالية الفكرية لدى الجهادي، وقادته إلى التقوقع والاستسلام للهلوسات والهذيانات الدينية واضعاً نصب عينيه الموت لأجل لقاء الجنة والحوريات ، وقتال كل معادٍ أو مختلف بوصفه مشركاً أو مرتداً، هذا الخطاب طغى على الجانب الآخر من الفكر الاشتراكي الثوري، الذي يتماهى خطابه ببعض جوانب طقوس الخطاب الديني، إذ أنه يعتمد على غسل الأدمغة والتركيز على الفئة القاصرة من الشباب، إلى جانب إضفاء القداسة على القائد واعتباره مهدياً منتظراً، فالواقع القبلي يجعل من المجتمع متأهباً أبداً لحدوث طفرات في حياته على الصعيد الحياتي، لكن على صعيد الأفكار لن تكون الطفرات الفكرية إلا محدودة بوجود سلطة سياسية تلجم فكر الفرد وتلزمه على أن يقول ما تريده وليس ما يريده، هنا تتكاثر العقول المدجنة وتتناقص الإدراكات المميزة،فإبراز البطولات الجماهيرية يذكي ذلك الوعي القومي الإنساني ، والتأكيد على كفاح شعب كوردستان الغربية والجنوبية بمواجهة التطرف الديني له أهمية عالمية، إذ أن مكافحة الإرهاب من بوابة الوطن المغتصب أعطى القضية الكوردية بعداً سامقاً بارزاً، أجج عبرها مشاعر الكراهية والبغض من جانب الأتراك ، إذ تمحورت السياسة التركية بمواجهة هذا التألق البارز للقضية، ومسألة الديمقراطية والانفتاح على الحريات، ذلك أحرج سياسة الدول الاقليمية وجعلها في حالة فزع وهياج، فأخذت تنظر إلى لمعان القضية عبر مكافحتها للإرهاب العابر للحدود، بعين القلق والجدية، لهذت فإن توثيق تلك البطولات وتثبيتها في ذهنية المتلقي الشرق أوسطي عموماً والكوردستاني خصوصاً يساعد كثيراً في إشراك مختلف الشرائح في عملية صناعة الوعي المضاد لأنظمة الرعب والشمولية، ففلول الجهاديين الأمراء منهمتحديداً كان بعضهم من خريجي المعتقلات المختلفة للنظم القمعية الاقليمية منها على وجه الخصوص، حيث تم رعايتهم عن كثب وإخراجهم على ماهم عليه كي يكونوا وسائل تهديد وضغط وترويع للسكان المحليين ومن ثم وسائل دعائية مؤثرة لاستجلاب الشباب المراهق من كافة أنحاء العالم ، من أوروبا ، آسيا، أفريقيا، استراليا وأمريكا، إنه إرهاب عالمي منظم يديره المستفيدون من تغيير الخرائط ووضع أخرى تتناسب ومطامحهم، ومصالحهم البعيدة، حيث استطاعت أوروبا ألمانيامثالاً وبالتنسيق مع تركيا، من جلب ذوي الكفاءات والطاقات، ووضع برامج اندماجية لهم تستطيع من خلال هجرتهم ومكوثهم أن يتحولوا لأيدي عاملة تسد العوز والاحتياج للدولة(2015)، وهذا الأمر مرتبط تماماً بضرورة إشعال الحروب في مناطق كسوريا ، العراق، ليبيا واليمن، وغيرها من البلدان الفقيرة المضطربة، وأيضاً تضمن دوام تصديرها لأسلحتها ، فكل هذه القضايا ، بيع السلاح، اللاجئين ، الإرهاب العابر للحدود والقارات، مرتبطة بحاجة الدول المهيمنة اقتصادياً للإستفادة من نكبات الشرائح الفقيرة المعانية من ضغط أنظمتها القمعية ووجود جماعات تكفيرية تطال سلامتها على الدوام مما تدفعها للهجرة لأجل مستقبل أفضل للأجيال ، إنها سياسة تصدير الأزمات وضمان بقاءها يكفل بقاء قوتها وسوق سلاحها لفترات وعقود أطول، تلك الرأسمالية المطلقة تدير الإسلام السياسي وتبقي على إيران وتركيا كبعبعين في الشرق الأوسط ، وكذلك تحرص على إبقاء اللون الكلاسيكي الإشتراكي بصورته الهزيلة الطوباوية والتي نخرتها رادءة الحراك والتوجه، وطغيان الفساد والاقصاء، في مؤسساته لدرجة التحلل والتفسخ فما يفعله المال السياسي المتحالف مع الاقتصادي لن تستطيع فعله الايديولوجيات القائمة على الدعاية التحريضية والطقوس الشمولية ، حيث الصراع اليوم يتمثل في تهديد اقتصاد الدولة.

يواجه الإرهاب المقدس بإرهاب مضاد ، الفارق بين الإرهابين ، أن الأول وحشي يقوم على نزع الحياة، والآخر ضروري يقوم بطلب الحياة والدفاع عنها، فداعش كانت وكيلاً عن تركيا في حربها ضد الكوردستانيين، و مطية في قتال الكورد ، حيث يجري اختلاف البيت الكوردي على أي حدث، عبر وضع اللائمة على بعضهم البعض، والتنصل الخبيث من المسؤولية حيال الشعب، فحالة التفتت السياسية، سببت المحن المتلاحقة، فليس ما جرى إلا سبباً غير مباشر للانقسام السياسي ووجود شروخ مجتمعية، وتجهيل مؤدلج يتجلى في تأليه الزعامات الروحية، بدلاً من رسوخ فكر قومي صحيح وجوهري واضح، لايتم اختزاله بأشخاص ورموز،هذا النزاع الدموي ضخَّم من الجهل والتجهيل، وأثبت للعالم أنه ليومنا هذا يمكن قيادة حروب كبيرة باسم الرب، إذ لا زال ذلك صالحاً ومطلوباً بشدة، حيث مئات الأقنية الدينية والمؤسسات والجماعات السرية منها والعلنية، وذلك الإعلام الذي يضخ سمومه في العقول، وذلك الخطاب الديني الذي لم يتغير والذي لم تعترف مرجعيته (الأزهر55) بأن داعش لا تمثل الإسلام، ذلك يعني استمرار الضحايا وتأصل العنف كثقافة مقدسة داخل المجتمعات الشرق أوسطية وكذلك التي تعيش في المناطق الفقيرة والمنكوبة ، المهددة بالحروب والنزاعات المستمرة.

جدلية الموت والكراهية :

الموت مرموز الانطفاء، وعكس فعالية الحركة، يجيد اقتناص الحالمين والتائقين لحياة أقل معاناة، وقد امتهن صنّاع الموت القتل متسلحين بالعقيدة الدينية ، وقد أحسن أسلافهم في ربط العنف بالثواب الإلهي، بتلقينهم النص الذي خوَّلهم ليصبحوا حراساً للدين ووكلاء لله على الأرض، نلحظ كيف تصبح العقائد سيفاً مسلطاً بيد معتنقيها، كيف تحررهم من إنسانيتهم وشفقتهم وتجعلهم مهووسين بالدماء، وكيف يعاد التاريخ الوحشي على تعدد سيناريوهاته، وتصبح المسرحية الممارسة جسيمة في أدء ممثليها الحقيقيين على الأرض، كيف يتحول الدين إلى سيناريو يمثل بحرفية على خشبة الواقع، عبر ممثلين وضحايا وأخرى قتلة، هنا أخفق الفن مقابل الحدث المعاش، وأخفقت الرواية أمام من عاشوا الألم، ويخفق الكتّاب حيال نقل مأساة الآخرين إلا من خبر ذلك الواقع وعاش بتفاصيله واكتملت فيه مقومات المأساة والتمثيل الإبداعي لها على حد سواء، بهذا الكم من الحقد تم الاستيلاء على أدمغة الفرد المتطرف، وإخراجه عن الحالة الإنسانية التي تقشعر بطبيعتها من رؤية الدم والأشلاء، تم تجريدها من كل ما يمت بتأنيب الضمير ، ولعل خطاب الكراهية تم توظيفه عبر التاريخ لإخراج البشر من إنسانيتهم والتشبث الأعمى بالعقيدة واعتبارها فوق كل شيء، لهذا فالضحايا يزدادون بالتزامن مع ضخ الإعلام لهذا النوع من التخاطب، عبر بثها للسموم وخاصة بتعدد وسائل التواصل الاجتماعي، فإن توظيف الدين في القتل بات تجارة رائجة تدر الربح ويصبح تنفيذ الأجندات أكثر يسراً عبر تمويل الجماعات الدينية وتوجيهها من خلال أمراءها وقدرتهم الخطابية في استقطاب الشريحة الشابة بكافة الوسائل المتاحةيعمل التأثير البلاغي الكامن في الخطاب الديني على امتلاك فكر الفرد المراهق وحتماً يعتبر من أقدم الآليات المؤثرة على العقول والأذهان عبر التاريخ ، وقد حذت كل الإيديولوجيات الشمولية حذوها في تمجيد ذاتها وتوجيه مريديها لكراهية الجهة المضادة لها، وأعطتهم مسوغات للقتل وإرهاب المختلفين معهم، فقد مات الكثيرون باسم الأديان كما مات الكثير باسم الصراع الطبقي ، من هنا نجد أن التحضر مجرد زي، بينما لا يزال المتحكمون بالعقول والموارد، يعمدون إلى زج الناس في عداوات وخصومات لا تنتهي ، فعمدت يد الإيديولوجيا للبطش والتنكيل دون وازع،حيث يمكن التنبه بأن صناعة الإرهاب الديني قائم على مبدأ الكراهية المقدسة، فهي إن تملكت إنساناً متديناً واستحوذت على ذهنه فإنه مستعد في أي فرصة سانحة في الانقضاض على من يكرههم، وذلك ينفي وجود التحضر الحقيقي ، وإنما يخفي وراء العبارات الجميلة قلة الحب وكثرة الكلام المعسول ، كما يجعل الإزوداجية مرضاً سريع الانتشار، حيث يقول الشاعر البريطانيجورج غوردون بايرون56 : “ إن الكراهية هي الإحساس الأطول أمداً على الإطلاق ، الناس يقعون في الحب في لحظة خاطفة ولكنهم يكرهون بتمهل وعلى روية .”

ما نتحلق حوله هنا هو تنقيب عن مراحل الكراهية وتثبتها في اللاوعي، ومن ثم قيام الإعلام الموجه بتحفيز الناس على الكراهية بأشكالها واعتبار ذلك حرية تعبير، إن كل إرهاب ممارس يتم عبر إذكاء شعور المظلومية داخل الذهن وتحويل ذلك مع الوقت إلى دعوة للانتقام وتوجيه الضربات العنيفة، للجهة المستهدفة، لهذا فتثبيت الفكرة ورسوخها داخل الفرد المعتنق يسهم في إطلاق يده وتفريغ شحنته الملغومة تلك، وما أكثر الجماعات المستخدمة في القتل والتدمير ، كون هنالك دوماً أرضية خصبة لنموها وتوليدها، بخاصة وجود الأقنية الإعلامية وطريقة الشحن التعصبي ، حيث اعتمدت الحروب الأهلية على التجييش الإعلامي سورياوكوردستان نموذجاً وتم إعادة الصراع (السنيالشيعي) عبر (الاخوان المسلمين والطائفة العلوية الحاكمة نظام الأسد) ، وكردستانياً (الكراهية الأوجلانية57- البارزانية)، أو (البارزانية58- الطالبانية59).
إن دولاً لم تكن لتقام لولا خطاب الكراهية المؤسسة لها، تركيا مثالاً ، اعتمدت العنصرية لأبعد حدود لتأسيس دعائم قوتها، عبر كراهية العنصر التركي لكل ما هو غير تركي نقي ، وقتل الإنسان الكوردي لانتماءه القومي، إلا حين ينكر كرديته ويعتبر نفسه تركياً ، حينئذ يحق له العيش كتركي غير نقي، وعبر ربط العروبة بالإسلام أقيمت دول عربية تحولت قوميتها المتعصبة كسيف مسلط على رقاب الأقليات والقوميات غير العربية، وفي أوروبا لا تزال هنالك كراهية مبطنة لليهود ، فمعاداة السامية واقع معاش، حيث لا يجرؤ اليهودي على الإعلان عن يهوديته خشية وقلقاً على نفسه من القتل أو الاعتداء، وكذلك صعود اليمين المتطرف وعودة الإيديولوجيات القومية، إننا في عالم مبني على الكراهية واعتبار ذلك شيئاً طبيعياً، حيث أن منابع الإرهاب تحظى برعاية الكثير من الدول في الخفاء ولاسيما تلك التي تزعم أنها تكافحه، والهدف من ذلك الإرهاب العابر للحدود هو التذكير بالتاريخ الوحشي الذي لم يتسنى للكثير الإطلاع عليه، حيث اعتبر فيلسوف الشعراء أبو العلاء المعري60 الديانات مكراً وخداعاً استخدمه السلطويون لغايات تتعلق بمنافعهم وتحكمهم بالعقول بغية تدجينها من فوهة خطاب الكراهية حين قال:
أفيقوا أفيقوا ياغواة فإنما ******* دياناتكم مكرٌ من القدماءِحين نلحظ اقتران كل كراهية بما يسوغها من أمثلة التاريخ والوقائع الدموية ومن بوابة ذلك الماضي المسيس انطلق الخطاب الطائفي في مقت الطائفة المقابلة، حيث لا تزال رواسبها في العالم المتحضر قبل العالم النامي ، فما تمدد اليمين المتطرف ومعاداة السامية، إلا حاضنة أولية لكل نزاع قد يطرق الأبواب مع تقادم الوقت، حيث يمكن تشبيه الكراهية بالطبخة التي تستوي على نار هادئة، إلى جانب أن الظروف تخلق الأفكار والآراء وتتحكم بها، تلك الظروف محكومة بالجغرافيا، بخاصة وأن المناطق المستعرة تؤثر على الحدود الموضوعة ، فالواقع المتغير كشف أنماطاً من القتل و ممارسة الوحشية على الكاميرات، حيث لم تنجح النظم العلمانية في الشرق الأوسط ، ولم تستطع بتر الروح الطائفية لديها، ففي الواقع كانت تتستر بعباءة العلمانية والنظام الجمهوري ، وهي في الواقع متمترسة بمفاهيم الفرقة والشقاق الديني، وكذلك تعتمد التوريث في نظرتها لنظام الحكم، فهي أقرب للملكية منها إلى النظام الجمهوري والقانون المدني،حيث لم نتمكن من إيجاد مفكرين ذوي جرأة عالية ، قادرين على أن يظهروا بحنكة وشجاعة على طراز نيتشه , رينيه ديكارت61، هيدغر 62وجان بول سارتر، السبب هو أن الخطاب المذهبي المتطرف والإيديولوجية الشمولية اشتراكية الطابع وفقوا بالضد من أي نبوغ معرفي أو ثورة معرفية .

الموت :

بصدد الموت يتحدث فرويد63 في كتابة الحب والحضارة والموت ص27 قائلاً : “ الموت شيء طبيعي، الموت هو موتنا نحن ومع ذلك لا نفكر فيه إلا بوصفه موت الآخرين، المهم أن تستمر في الإبحار ، الحرب تواجه الإنسان بالموت وتجبره على الاعتراف به، الموت كدافع للتفكير ، الموت عند البدائي فكرة الروح والخلود والشعور بالذنب، لا شعورنا البدائي تفضحه الحروب. “
يعزو فرويد سبب نشوء الحرب إلى حالة اللاشعور البدائي الذي يعترض الإنسان عقلاً وعاطفة، فالوحشية الكامنة لدى الفرد هي سبب وجيه للتدمير ، وهذا ما نشهده في العقلية الجهادية فقد أطلقت العنان لشهوات أفرادها بالظهور ليستمروا في القتال، حيث وظف الإسلام السياسي الجنس وعشق الموت لأجل الجنس كوسيلة إغراء إلى جانب المال، وتوفير اللذة عبر جهاد النكاح، والجنة الإلهية الموعودة ذلك كفيل باستمرار الدعوة والتوسع في الهيمنة على المزيد من الأراضي .

الموت يخيم على النفس في لحظة مجيئه القصوى ، كيف يفقد الإنسان توازنه العقلاني في أشد لحظات حياته حميمية أو شجناً، خاصة فيما يتعلق بموت شخص عزيز وقريب أو سماعه لخبر صادم قد يغير من مجرى حياته كاملة، فقوة العاطفة تمنع العقل من أن يفكر بطلاقة، حيث الإنسان حيال الصدمة مفعم بالذهول والانشداه والتلعثم ، هذا الاضطراب الداخلي يدفعه لسلوكيات غير منطقية، كأن ينزع للصراخ أو الحبور والالتزام بالوقوف ساكناً دون إبداء تصرف منطقي حيال الموقف، فتعمل الآداب والفنون إلى جانب الحراك السياسي والعسكري، لمقاومة مخاصر الإبادة العرقية التي يتعرض لها الكورد في غربي كوردستان وجنوبها، وقد أصبحت الوحدة الكوردستانية ضرباً من المحال في ظل ارتهان الحركة الكوردستانية على طرفي نقيضها لأجندات كل من تركيا وإيران، حيث يعاد للأذهان ذلك الارتهان الكوردستاني قديماً لكل من الامبراطورتين المتصارعتين العثمانية والصفوية، هنا أعاد التاريخ نفسه بصورة مؤلمة يدفع فيها الشعب الثمن من دماء أبناءه، ليغدو ضحية الايديولوجية الحزبية وخطابها الخاص المنغلق على أدبياته ورؤيته التصوفية البعيدة عن التوجه القومي الديمقراطي هكذا يصبح لكل حزب شهداءه ورموزه ومآثره ، التي لا يقر ويعترف بها الحزب الآخر المناهض، وينقسم الأدباء بين الطائفتين في ولاءاتهم وتفسد السلطة الحزبية الأدب والفن وتتقاسم الجماهير، ليترسخ ذلك الانقسام الشللي سياسياً ، عسكرياً ، أدبياً وفنياً، هذا سبب الاغتراب الجماهيري وغيب من وجود الخطاب القومي والاستراتيجية الوطنية الجامعة للكوردستانيين على اختلاف انتماءاتهم، بسبب التبعية لأجندات الدول المحتلة لكوردستان، وهي تحول من نشوء الوحدة السياسية، الأمر الذي يجعل المكتسبات الوطنية المتحققة بفضل دماء الشهداء وإرادة المقاتلين، في خطر دائم من الزوال، مثال ذلك ما حصل في سقوط كركوك بيد الحشد الشعبي إبان الاستفتاء، نتيجة خيانة طرف كوردستاني موالٍ لإيران،وسقوط شنكال بيد داعش نتيجة انسحاب البيشمركة دون قتال منها، وسقوط عفرين نتيجة القراءة السياسية الخاطئة لواقعها والانقسام الكوردستاني الحاصل نتيجة التعنت الإيديولوجي، وهكذا فإن الأدب يقوم على خلاف كل هذه الأمور بإنشاء وردم الهوة الروحية بين الجماهير عبر التأكيد على الوجدان الوطني وكذلك إيلاء الدم المراق لأجل الأرض حيزاً كبيراً للإبقاء على الروابط الوحدوية بين المجتمع الكوردستاني فما نجح فيه الفن والأدب في لملمة التاريخ الكوردي ووحدة الجماهير روحياً عجزت عن تحقيقه السياسة الكوردستانية طيلة عقود، فالأدب الحر وإحياء التراث والفلكلور ، يحفظ التاريخ الوطني من الزوال والاندثار.

لعل الأوهام الجمعية متأتية من حقيقة مبعثها ضعف الكائن الإنساني وحاجته الماسة لعزاء نفسي، حيث يرى سيغموند فرويد ص 51 – الحب والحرب والحضارة والموت : “ وليست الديانات الإنسانية إلا من قبيل الأوهام الجماعية ، ولا حاجة بنا إلى القول بأن من يشارك في الاعتقاد في الأوهام لا يمكن أن يعترف بأنها أوهام.”

فهذه الحرب تحتاج تسلحاً بكل شيء بالدين والايديولوجية الحزبية أو الإيمان بالأرض وضرورة الدفاع عنها، وكذلك فالوقوع في الحب هو شكل من أشكال نكران الألم المعاش، وهو ضرورة وطنية تسهم في التشبث بمكامن الجمال والحق والخير ، حيث خطاب الكراهية الأعمى للكورد، يعتبر وقوداً لهذه الحرب وبتواطئ تركي واضح، فالأردوغانية جندت داعش وأعطتها كل الإمكانيات لتتمدد وتتوسع ويكون عملها لصالح مشروع الإخوان المسلمين العالمي في الوصول للسلطات في العالم العربي وإحداث انقلابات دموية فيها، ولا سيما وأن وراء داعش أقنية تروج لقوتها وبطشها على نحو غير مباشر وبخاصة قناة الجزيرة القطرية64 حيث كانت تهول من قوة الجماعات الجهادية وتسميها بمسماها تنظيم الدولة الإسلاميةبخلاف الأقنية الأخرى التي نعتت التنظيم بمسماه الاختزالي المعروف بداعش، فكل التدخلات الخارجية في شؤون الدول ليست استجابة لحاجات أخلاقية بقدر ما هي مصالح تدفعها للتدخل ، لقد سلط العالم الضوء على كوباني وتناسى احتراق مدن أخرى كنصيبين شمال كوردستان (تركيا) وتدميرها من قبل الطورانية التركية، نشهد ذلك الزيف في تلك الإنسانية البارزة على شاشات التلفزة والصحف والوكالات العالمية، فالفاشية الدينية سوقت للأردوغانية كحالة استيطانية توسعية، وباتت وسيلة تفتيت للدول وضياعها وقد تم تحديث الحرب الدينية بما يتناسب وجملة القضايا الشائكة في الشرق الأوسط لتكون وسيلة تدفع بالكثير من الدول في إعادة حساباتها وطريقة تفكيرها ، حيث شكل قدوم الأجانب إلى أوروبا كلاجئين ، تسعيراً لبروز خطاب الكراهية الذي حمله القوميون الجدد في أوروبا، والذين تجاوزوا عتبة 15 بالمئة من نسبة الجماهير المؤيدة والنسبة مرشحة للنمو المفاجئ إذ بقي التطرف الديني فعالاً والحروب الأهلية قائمة.

صراع الموت والحياة :المجازر المرتكبة تكشف حالة الجشع للحصول على أكبر قدر ممكن من الأراضي واستيطانها بعد إبادة سكانها الأصليين، وتتم عبر تعبئة الأفراد ، مرتكبي المجازر بخطاب الكراهية والمسوغات الكافية لارتكاب القتل الوحشي، حيث انكفاء المجرمين حول بعضهم البعض وتحلقهم حول عقيدة عنفية معادية لنمط الحياة المعينة تسهم في تحويل السلوك الإجرامي إلى فعل متعمد وواجب القيام به، لقد تم تعبئة عناصر داعش عقائدياً لينفذوا الإجرام باحترافية وتم تلقينهم بأن الجريمة التي يقترفونها هو بمثابة عقاب إلهي للبشر يتم بأيديهم، يستندون في ذلك لآيات قرآنية كما في سورة الأنفال 64 : “ فلم تقتلوهم ولكن الله قتلهم وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى، وليبلي المؤمنين منه بلاء حسناً إن الله سميع عليم حيث تشير الآية للجهاديين أن الله يقتل بأيديكم، ويتم تعبئة الجهاديين نفسياً من خلالها واستدراجهم لسلوك الإجرام، كون هكذا نصوص تبيح لهم ذلك، فالعنف المقدس هو عنف قائم ويستند لتأويلات مقدسة، وصمت مؤسسة الأزهر دليل كافٍ على كونهم يرون الدين عنيفاً يتسم بالرهبة وكراهيته لكل مخالف، ولا تمتلك الجرأة لتفسير الآيات كونها تقر بها على حقيقتها دون محاولة الالتفاف أو التحايل البائسة، فالتعبئة العنفية موجودة في مناهج كافة الأديان والنظريات السياسية الطامحة لتكون سلطة مستتبة، حيث الدين حاجة سلطوية في حدها الأقصى، ومن ثم هي عزاء الفقراء المضطهدين، من ضغط وجور الأغنياء عبر التاريخ، حيث يمكن أن نفرق بين اسلامين: اسلام وحشي وآخر فطري، فيرى هيدغر أن الموت أعلى إمكانية من إمكانات الوجود ، فهو يبعث على الرهبة والصدمة والانطواء، ويسلب من الحي حسه بالحياة وطعمها، حيث تكون خطوات الموت أكثر ثقلاً ووطأة على النفس، و يخلد الموتى داخل ذاكرة الأحياء ماداموا على قيد الحياة وتتفاوت رهبة الموت على النفس تبعاً لدرجة ومكانة الميت في القلوب.
إن أنصار الموت يودون كسب الثواب في قتل البشر ليدخلوا الجنة ويمارسوا الجنس مع 72 حورية ، أما أنصار الحياة فيموتون لأجل القضية، فالوطن هو السمو والقيمة النبيلة وأساس الهوية الإنسانية .
إثر ذلك الاضطراب الفكري ونمو العنف ، ازدادت الحروب واتسعت شرارتها، انتشرت في شتى الأصقاع، انعدم التكيف مع المحيط ، عزز من التطرف داخل الفرد، وحكم عليه بالعنف والإجرام ، فالبيئات المعنفة من حكوماتها الفاسدة، ربت في أوساطها الفقيرة مشاعر النقمة والتذمر(أفغانستان، باكستان)، وأودى ذلك بالنتيجة إلى انتشار بؤر التطرف الديني بازدياد حاجة الناس للعمل، المساواة والتعليم الجيد، ففي ظل حكومات دينية طائفية ، من الطبيعي أن ينمو الغلو نحو العنف وتوجهه الحكومات الاقليمية(إيران، تركيا) ، تلك المتصفة بالتعصب القومي المذهبي ولا تستطيع أن تتدخل مباشرة في شؤون الدولة المجاورة فتلجأ إلى حرب الوكالة كي تحقق أجنداتها ، وكثيراً ما يكون التطرف عبارة عن ردة فعل، فالتطرف القومي هو ردة فعل عن المظالم المرتكبة على شعب ما ، حيث يدفع الأخيرة للتطرف كوسيلة لرد الهيبة والكينونة وغالباً ما تكون ردة الفعل هذه مضطربة وعنيفة حد الانتقام، فصعود النازية جاء إثر ظلم لقيه الألمان بعد خروجهم من الحرب العالمية الأولى ، وتوقيع 65معاهدة فراساي 1919 والتي كانت بمثابة فرض شروط من قبل الدول المنتصرة على المهزومة ، هذا أذكى شرارة التطرف القومي وكان أن ولدت النازية حينذاك, ولعل التطرف الديني يمثل شكل التعصب التقليدي وهو الأصل لكل تطرف، كونه الأقدم تاريخياً، حيث يرى عالم الأعصاب دوغلاس فيلدز66 ” بأن المشكلة تكمن في أن دوائر العنف العصبية التي تجعلنا ننفجر في الغضب والعنف ، عميقة في الدماغ تحت القشرة الدماغية حيث ينشأ الوعي
مما يستدلنا هنا بأن العنف مركزه الدماغ وحينما يعتنق المرء فكراً معيناً يكون شديد الإعجاب به وكارهاً لكل من يخالف تلك الفكرة، وبذلك تصبح الأفكار خليطاً يتضمن دوافع الدفاع عن العقيدة ضد من يخالفها أو يحاربها ويسعى لإقصاءها وكذلك غرائز الاستعداء والتشفي لدرجة الانغلاق.

(الاقتصاد في خدمة الوجود)

الاعتقادات تجسد على تباينها ,ماهية الصراعات لأجل تقاسم النفوذ المادي,فكلها تنصب لحماية السلطة وتكريسها بأقنعة مختلفة وفي كثير من الأحايين , تبرر الحروب بصبغات متعددة تختلط ما بين مفهوم الحق والحماية , وتوغل عميقاً في أن تنشب أظافرها في كافة مناحي الحياة , لتنتج مجتمع القطيعة , إذ كلما تكرست معالم الاغتراب داخل المجتمع , كلما تشعبت أزمات السلطة وباتت الأقنعة التي تتستر خلفها بالية وممزقة .

فكل معتقد يلزم معتقده بالعنف بأشكاله , حيث يمارس التأثير السلبي على الملتقي الشاب بغية قولبته وجعله حارساً على جملة تصورات , يراها ثابتة, حيث انهالت الإيديولوجيات الشمولية على الأوساط الشابة المعدمة وليس على طبقات توفر لها الرخاء المادي , مما معناه أنها غذاء يستخدم بديلاً عن الغذاء اليومي الذي تلهث خلفه الطبقات المعدمة , تلك التي يتم حقنها بحب الموت لأجل انتصار أفكار بدت لها الحياة برمتها.

وإن نظرنا للاعتقاد كنظرة مسالمة , لا يتم تسليعها وتسييسها , نستطيع أن نراها عبارة عن مجموع قيم , تنظم حياة المجتمع وأفراده، الأمر الذي يمكن النظر إليها من كونها النسيج المتعدد الذي يهب الحياة رونقها البهي و يمكن فهمها وفق فلسفة الاختلاف , جوهره الذي يضمن التعايش السلمي, وغايته في الحد من الحروب والأزمات, ومقاصدها لأجل وضع الحلول التي تؤسس لمنفعة متبادلة ومشتركة والتي يؤسسها المعرفيون في مجتمعاتهم عبر تنظيماته الاجتماعية, تلك التي لم يعد لها وجود في الشرق الأوسط , نتيجة توالي السلطات الشمولية التي ولّدت من صلبها حكم الأحزاب التي اتخذت لبوس التكتل القبلي(لبنان) , حيث نجدها تمارس عكس ما تدّعي , وتحارب لأجل بقاء نفوذها الفئوي , تغذيها أطراف اقليمية تجد بقاءها على ما هي عليه ضماناً لبقاء تحكمها للموارد والثروات الطبيعية , فيستعاض عن تلك الأنظمة ببدائل مزرية لا تختلف عن سابقتها عبر تلك العملية التعسفية المسماة بالربيع العربي , الذي نتجت عنه أزمات النزوح وإفراغ المناطق من السكان وبناء مستوطنات جديدة وفتح أسواق لبيع السلاح , وضمان العنف لأجل المنفعة , للحد من بروز أي شكل من أشكال السلام في هذه المنطقة المستعرة والمنكوبة إنسانياً, مما نرى أحزاباً وتنظيمات شتى تتخذ من شعار الوحدة والديمقراطية اسماً تنظيمياً لها , والحقيقة ان وجودها هو لأجل محاربة الوحدة والديمقراطية معاً , نجد بالمقابل من ذلك تنظيمات دينية طائفية جاءت كتجديد عن فكر القاعدة وتحديثاً لها بغية جعل الشرق الأوسط عبارة عن إقطاعات تنسجم مع سوق السلاح , ويبقى الشعار الدارج الحرب ثم الحرب , لأجل المزيد من الربح والمكاسب, والبديل المغترب كان الطرح السلمي الذي يخص بمسألة إعادة الحياة والتعريف بالرابطة التي تسمو بالجماعات البشرية بغية تفعيل مظاهر الاختلاف والحوار والدعوة إليه كبديل عن الصراع والاحتقان بأشكاله المتعددة لترسيخ القيمة الموضوعية للجماعات التي تنشأ وتتوالد ضمن حالة من التلاقح الفكري والذي ينسجم مع ما يسمى بالحضارة , بعيداً عن الخروقات الكارثية الناجمة عن العنف وترويجه.

وفقاً لذلك يمكن فهم النضال الحقيقي للإنسان المعرفي إلى جانب المرأة المعرفية في تنمية بذور التعايش لتحقيق المزيد من الابتكارات بشكل دائم والذي وفق السياق الموضوعي يمكن على ضوءه استيعاب تطلعات المعرفييننحو الحياة القويمة ، فالعقلانية التي تبيح للإنسان استعمال مبتكراته لأجل الرقي هي الكفيلة بترسيخ ماهية الحياة في تحقيق المعايير الأخلاقية التي ترفض إنهاء الموجودات بصورة مدمرة, فيجب تحقيق الحياة الإنسانية التي ترتقي بالعلم الموضوعي الذي أساسه تحقيق المنفعة العامة التي نظر إليها ستوارت ميل67خياراً لخير العموم وتوريث ثقافة السلام بدلاً عن ثقافة السلطة الإقصائية , حيث لم يستسلم المعرفيون لممارسات أرباب الاقتصاد الجشعين والقائمة على الاحتكار والاستغلال, فكان طموحهم قائماً على ترسيخ قيم الحياة عبر نظرية اقتصادية تتعاطى التوزيع والتكافؤ بشكل ينهي مختلف الأزمات العالمية ويحول من تسعيرها وخروجها من دائرتها الأساسية لبقاع أخرى , حيث لا بد من تحريك عجلة الاقتصاد لخلق الرفاهية وإنهاء الفوضى وسد الفجوات للحد من التلوث والفقر والبطالة والوقوف حول الامراض السارية الناجمة عن الفقر والمجاعات والحروب التي يصنعها البشر وفق صيرورة تحفظ للمجتمعات ثقافاتها وقيمها , الأمر الذي يحول أن تنفرد ثقافة بأخرى منعاً لطمس الجذور, فلم تتوقف محاولات احتكار ثقافة مجموعة شعوب وصهرها بثقافة لغة معينة حاول أصحابها بثها قسراً باسم الدين والرابطة الدينية , تحت يافطة الفتوحات (الفتح العربي , العثماني), لذا فالاجماع على مذهب الاقتصاد في خدمة الوجود هو الوسيلة الضامنة لإنهاء الأزمات المتصلة بالحروب والنزاعات المسلحة ,وما الاقتصاد سوى وسيلة لنشر المحاولات في إنجاز أكثر المشاريع الإنمائية فائدة والتي تستطيع تحقيق احتياجات الشعوب واستثمار مساحات أرضها لينعكس المردود بصورة أقوى وأفضل ونحو خير عام, وبالنظر لمسألة نزوع البشر إلى العدوانية وفقاً لاتجاه يتبناه بعض الفلاسفة , يرى المعرفيون أن المسألة تتجاوز نزوع الأفراد إلى العنف , بقدر ما أنه لم تكن هنالك طرائق جادة وحقيقية لتربية النفوس على مذهب النظام, النظام القائم على توظيف الامكانات وتنظيمها وفقاً لاحتياجات المجتمع وتنميته , فالإنسان الذي يربي نفسه على الشره الدائم, لابد وأن يخلق لنفسه مذهب الشره, حيث أضفيت الشرعية على القتل والفساد والتطرف , وهو لبوس تقنَّع به الإنسان السلطوي , والمراد به تحصيل الأشياء والسيطرة على الموارد بالعنف, وكذلك تمرس الإنسان في تمويه رغباته ضمن قالب مثالي, ولاشك أن الأديان في مسارها السياسي وتباين تأثرها بطبيعة تصرفات معتنقيها جعلت المجتمعات في حالة من التناقض والتشتت والفوضى والجمود والتي سببتها الكوارث والأزمات الاقتصادية والمالية التي أفرزتها الرأسمالية عبر مراحل احتكارها التاريخية والذي وقفت ضده مظاهر التمرد الفكرية والمتجلية بكفاح المعرفيين الطويل ضد محاكم التفتيش في كافة أماكن تواجدهم , فللمعرفيين تجارب كلية شاملة تداولوها عبر توارث وتلاقح حضاري مستمد من واقع شعوبهم ورزوحها تحت نير التحالفات الحربية تارة وصد الخطر المشترك تارة أخرى وفوق تلك الحدود المرسومة بفعل الحروب والهجرات يكمن الفعل المعرفي المنتج الذي يعلو فوق كل رابطة عرقية أو لغوية أودينية فيما إن تم تبنيها في عصرنا الراهن.

إنها الرابطة الأسمى التي تجمع المعرفيين بعضهم ببعض , وهي الرابطة العقلية وليست الدموية تلك من أفضت للحروب والنزاعات , كون الرابطة العقلية رابطة اختيارية تختارها النخبة المدركة التي تتمتع بخصائص تميزها وتتمايز بها عن غيرها من الفئات الأقل إحاطة بالفكر والأدب والفن والابتكار الهادف،لأن الرابطة التي تجمع كل المفكرين والمبتكرين والأدباء والفنانين , تسمو بوجودية الإنسان ولا تجيد التشبه الأعمى بالأفكار العنصرية ولا تولي أدنى اهتمام بما يقتل العقل الموهوب ويقلص من انتشارية المنجز،إنها الرابطة المنتجة للإبداع والجمال والخير الذي لا ينضب, وتنشد الحب الذي هو الممهد الأساسي لتبلور الفعل الإنساني الذي يعم فضله على الوجود بأسره نحو مذهب الاقتصاد في خدمة الوجود، ذاك الاقتصاد القوي الذي يساهم في إرساء الامن والسلام في الأماكن المستعرة إثر الحروب والنزاعات المسلحة , ذاك الاقتصاد الذي ينتصر لتطلعات الشعوب نحو الحرية والسلام، لقد أربكت صفقات بيع الأسلحة والمخدرات وتصدير الازمات الحياة الإنسانية برمتها , حيث لم تسلم من دواعي الكارثة حتى المجتمعات المتمدنة (أوروبا) فالأزمة السورية مثالاً خلقت أعقد صراع مسلح على وجه العالم وتم تصديرها لأماكن مختلفة بدء من الجوار وانتقالها عبر موجات النزوج والهجرة لمختلف البلدان الأوروبية , الامر الذي يخلق أزمات مختلفة لتلك الدول الراعية لها إزاء حالة التصادم الاقتصادي بين أرباب المال , ومن هنا كان دعوتنا لوحدة المعرفيين والمعرفيات في العالم , ضرورة ملحة لتحقيق النهضة الإنسانية الواعدة بمستقبل أفضل للوجود.

((البناء المعرفي مستقبل الوجود))

المعرفيون أقدر اليوم على تهذيب حالة الشره التي تعمي أبصار الناس وتحرض فيهم غريزة الاستحواذ والملكية وذلك باتِّباع نداء المعرفة التي تجعل الإنسان حقيقياً فهي تعني أولاً وقبل كل شيء إدراك الخير والعمل على دفعه كواجب معرفي يهدف إلى تحسين صور الحياة،فالمعرفة التي نعني بها هو الضبط الادراكي الذي ينشغل به الفيلسوف الطبيعي في التمهيد لتحقيق رغباته المدركة , والتي تفصح عن ميل شديد للتغيير , والابتعاد عما يربك العقل ويجعله مكبلاً بنزعات العنف والتأثر غير الواعي بالآخرين الذين ينشغلون بتوزيع القيم السلبية الوخيمة والتي شرعنت التذرع بالكسل مقابل الابتعاد عن الحركة وروحها , حيث تعمل الآلة الاعلامية على بث أفكارها وأجنداتها الخاصة لأجل التحكم بالعقل وجعله قابلاً للاستثارة والتحكم به , مما ينتج عن ذلك استبدال العقل التحليلي القادر على التفكيك والشك , بعقل راضخ للمسلمات التي تحاول الجهة الاعلامية تصديرها وبدهاء , فالحقيقة التي يعنى بتجسيدها المعرفيون , تلك الكامنة في الذات وقدرتها على تحقيق مالا يتوقع , إذا أعطيت تلك الذات الأرضية الخصبة والسهلة نحو ما يجب تحقيقه , للحيلولة دون تكبيل ذلك الإدراك بالغيببات التي تعمل السلطات القمعية على فرضها على النخبة الشابة للإيقاع بها في فخ الكسل واستقبال الأفكار التي تخدمها ولا تخدم الإنسان الذي يسعى نحو الأفضل بكل ملكاته ومواهبه , حيث الذي يملك المعرفة ومراتبها الطبيعية هو الأقدر على فهم معاني الرغبة الطبيعية المتجسدة برحلة العبور نحو الأفضل , فالاستحواذ على الجمال عبر التأمل , مدعاة راحة أكبر , والتماهي بالجديد والثورة على الراكن والمتخشب هو أساس توليد الأفكار الجيدة والجديدة ومن خلال الوجود والحب نعرف الله، ونعرف كيف نلوذ إلى تحقيق الواجب الإنساني ، ففي المعرفة تتحقق الغايات العليا وتنمحي بداوة الناس وهمجيتهم، وتسمو نظراتهم نحو الحياة الواعدة بكل الجمال والحق والخير.

إن أكثر ما يؤذي العقل الطبيعي في تأمله للوجود , هو استسخاف الجديد من الأفكار وتصغير شأن العاملين لأجل الدفع بحركة التغيير قدماً , فعملية ربط العمل بالقيمة , يقابلها الربط ما بين العلم الذي لا يقف عند حد معين والأخلاق التي تروض وتكبح جماح الجشع والغطرسة في ذات المبتكر , وتردعه بطرق طبيعية تلقائية, لتصرف اهتمامه عن التفكير بأن ما يفعله معجزة قلَّ نظيرها , فالأفضل دوماً هو المستهدف من جموع تفتقر للمنهجية المتفحصة والتي تسلب لدى الباحث والمهتم حيويته , حينما يتأثر بالتهليل والتصفيق , دون أن يأخذ باعتباره أن الابداع المعرفي يحتاح لحياد وموضوعية , تجعله يخلص لما يبدعه فقط وبذلك ينتصر المنجَز مع دوام رسالة العقل في الاستنارة وعدم التهاون مع البشر الذين يبخسون جودة المبدع ولا يحسون بقيمة الإبداع , وديمومته عبر توالي الأزمنة.

والمعرفة قوامها المادة والروح متحدتين لأجل الخلق، وكلاهما مكون للحب في ذات الإنسان العاقل ،مما نجد أن الحب هو المحرك الذي يمهد لخلق منظومة القيم الأخلاقية عامة، ودور الإنسان المعرفي في أن يكون أحد تجليات الحضارة الكونية العمرانية والروحية لأجل الخلاص من الوثنية والخرافة والجمود.

إن فهم الواقع الإنساني بضروراته وتشكيلاته الاجتماعية والتاريخية والاقتصادية وظيفة أولية في احترام كل الخاصيات البشرية وبالمعرفة يمكن تفعيل الإنتماءات لا تقويضها وحصرها في صراعات دائمة لا تتوقف أو تستقر ، وبالدور المنوط للمعرفيين يمكن للصراع أن يتركز في مكافحة التخلف والعنف والمرض.

يرى المعرفيون أن القوننة فعل ادراكي طبيعي للوجود والحب والمعرفة حيث تسهم القوانين الطبيعية المستقاة من الحاجة الأولية في تأصيل الحياة الهادفة التي تمكِّن الناس من معرفة الوجود ومن ثم ادراك الله من خلال الحب وسبر أغواره .

،فالأفكار الأشد عملية هي الأفكار وليدة الواقع الخام، فالإشكالية الكبرى التي تقف بوجه المعرفيين هو الخطر الذي يتهدد مستقبل الوجود إثر الحروب التي يختلقها أصحاب المال والنفوذ المادي ، فالنتائج ترتبط بالظاهرة ، فكل ما يحدث في بداية نشوء ظاهرة تنتج عنه تغيرات تعم العالم بأسره انطلاقاً بجزئياته، فالغاية الإيجابية التي تنتج عن نشر فلسفة الاختلاف هو جل مايسعى المعرفيون لاستنباطه كمفاهيم جديدة بديلة عن مفاهيم الإلغاء والإقصاء والشمولية والتعسف الجائر، والعامل الأخلاقي القائم على إحياء روح المحبة الكامنة في الإدراك الخيِّر هو عصب المعرفة في عيش الوجود وإعماره لا تقويضه وتلويثه، والمحافظة على النهج المعرفي هو الأمل الوحيد لإنقاذ مكتسبات الحضارة التي بشر بها المعرفيون منذ الأزل..

والحياة قائمة بفعل إدراك الإنسان لها ومعرفته، والتواصل مع الآخر هو وسيلة لفهم الاحتياجات عموماً وتلبيتها.

والبحث عن الذات تتم من خلال معرفة الوجود الغني المتشعب بالجمال والتساؤل والتأمل فهي من خصائص المعرفة التي نستنبط من خلالها طرق عيش الوجود ، لذا بدأت أولى استكشافات الإنسان بمرحلة التخمر أي حلول الفكرة في طريقها لاكتشاف الأشياء، فمع التأمل توصل الإنسان إلى اكتشاف النار ومن خلال التساؤل كانت الفلسفة الطبيعية بمعرفة عناصر الوجود الأربعة من ماء وهواء ونار وتراب ،وعرف الله بعد أن تأمل في الوجود من خلال تجريب عبادة جزئيات الوجود إلى أن توصل لإله واحد أبدع العالم وذلك من خلال التأمل الذي يفضي للتجربة والحركة واتحاد الذكاء النظري مع العملي.

فالمعرفيين يرون في الحب حقيقة الله في الوجود فهو الرغبة والإلهام والأمل في تغيير الأشياء والثورة ضد الشعور بالموت والتشاؤم والاستسلام وإبداع الحياة مراراً لمعرفة المزيد من خفايا الوجود وأسراره من خلال المعرفة ومن خلال التسلح بالحب مما يقلص من التعقيد الناتج عن الاختلاط والوهم ، والمحبة تستدعي نتيجة مفادها أن الإنسان بخير والوجود بخير مادام الهدف هو نيل الريادة في بلوغ القمة التي لا تنتهي وهي المعرفة.

إن المعرفيين يسعون نحو الحلم ليتم تحقيقه كونه افتراض لما ينبغي حدوثه ويجدون أن لا سبيل لحياة جديدة إلا بحرية الطموح والحلم للإرتقاء ،فالحب قيمة مطلقة مستمدة من الوجود كما المعرفة والنسبي يكمن في الطاقة المحدودة لدى الأفراد في بلوغ الحقيقة الوجودية،فالحقيقة هي إحدى كبريات بدع الإنسان الافتراضية حيث توجد الأشياء بطريقة الإيمان التي يستدل من خلالها الإنسان من حيث ينتمي لموجد هذه الحقيقة التي يؤمن بها، فما دام الإنسان يبتدع مقاييس وينفي أخرى فهو قادر على استكمال طرح الحلول وضخ التساؤلات بطلاقة ليحدد صيرورة جديدة لأفكار جديدة معرفية فلم يثبت المعرفي منذ الأزل باستقرار فكر دون آخر فالتفكير والإبداع لا يتوقف عند نبي أو مفكر أو فيلسوف فالوجود يظل يكشف النقاب عن المستتر بصورة متدرجة يسعى المعرفيون إلى كشفها باستمرار.

الواقعية التي أنتجت شتى المفاهيم الجدلية كانت خلاصة سعي الإنسان للخلاص من الاستغلال والتبشير بدور الحب في إنتاج مفاهيم القوة المعرفية الهادفة لسبر مناقب الوجود للنهوض بإرث الحضارات الغنية بالقوتين المادية والفكرية والتي يتحلق حولها المعرفيون كسياج حول الوجود، من خلال التنظيم الذي يقي الإنسان من التشتت والضياع فالعبرة ليست في كتابة التعاليم على اللوائح بقدر ما نعني من خلالها التمثل بعظمة الوجود ، بشقيها المتقابلين : الحب والمعرفة.

ففي كثير من الأحايين نجد أن العمل بمبدأ أخلاقي او تعليمي ينصف ما نؤمن به، فلا بد من نظر وعمل، والمعرفيون عمال الحياة من دون لوائح أو بهرجات، حيث يؤمنون أنهم طاقة محدودة في ظل المجتمع الذي هو إمكانية في ظل الوجود، والطموح هو تلك المعرفة الساعية نحو صون الوجود الذي لابد أن يتنافس المعرفيون لأجل بقاءه جميلاً ففي هذا التنافس يبرز الحوار الشيق نحو التمدن وتحقيق كافة الاحتياجات لضحايا الحروب والكوارث لبناء أسس الحضارة المعرفية في أنحاء العالم..

فالطموح المعرفي باق بدوام وسعي المعرفيين نحو مقارعة المستبدين والمتطرفين الذين طال تدميرهم وجشعهم كل بناء فما الذي أبقوه للأحفاد من إرث جميل في الوجود؟!!

فالوجود يحفظ من آثار الساعين لبناءه فقط، فكل المدافعين عن الأرض منذ أوج التاريخ وماتوا لأجل الحفاظ عليه هم من أعلنوا عن الظاهرة المعرفية التي تعني الحرية والاستقلال، استقلال التفكير والخاصية واللون الاجتماعي نحو الارتقاء والتمايز الذي يعم كل الجماعات البشرية وتقتضيها سنن الحياة الحقيقية، حيث أن الارتقاء ظاهرة طبيعية تعم الكائنات ظاهراً وباطناً في سياق عملية متكاملة تشمل النمو البيولوجي والنفسي على هيئة تعانق الروح بالمادة ..

والإيمان بالحياة دليله تربية النفس على تمثل المساواة وتقويض مفاهيم التناحر والازدواجية وخلق مذهب الحياة العصرية في اعتناق الحب كما كان بسعى إلى ذلك زرداشت والمتصوف محي الدين بن عربي68، أبرز الداعين لبيان عقيدة الحلول المتمثلة بوحدة الوجود والقائل :

أدين بدين الحب أينا توجهت ركائبه فهو ديني وإيماني

فكل المعرفيين في ظل الوجود يخضعون للحب كدين شامل وجامع لمقتضيات التفكير والتأمل في الوجود ومعرفته، من خلال فلسفة الحركة حيث يدرك الموجود ضمنها بمدى تأقلمه مع الظروف والتشكيلات الإجتماعية وفق جدلية الحياة والصراع نحو الأفضل من خلال التمسك بحقيقة الانتماء للوطن الكبير المتمثل بالوجود ومحو نزعات العنف .

لا بد من استئصال الثأرية والروح الانتقامية والإيمان أن المعرفة هو الدواء الذي ينقذنا من الدمار والتخريب والحروب العبثية التي يذهب ضحاياها المسالمون، وترسيخ مفهوم حب الحياة وصونها لأجل القوة التي تجعل الحياة حافزاً للنيل من صناع الموت واستئصالهم من خلال التصدي لهم بأدواتهم ذاتها التي يهدمون من خلالها دعائم الحياة السعيدة، ومن نشر الحرية في ممارسة ما يرضي رفاهية الموجود من اجتثاث استغلال المؤسسات الحاكمة باسم الدين والمصالح الاقتصادية وحماية الأثنيات وتصدير الحروب والأزمات للدول بغية التحكم بمواردها، والعمل على ترسيخ الهوية المعرفية القائمة في صميم البنية الحضارية المعرفية لدى الشعوب من تفعيل لطاقاتها الكامنة لخدمة الحياة ، فالطور الذي يبشر من خلاله المعرفيون هو الطور الذي يقضي على خمود الذهن وتداول المعرفة دون احتكار أو تمييز بين المجتمعات لإغناء الحياة وتعدد المفاهيم الراقية لأجل بناء أسس المعرفة التي ستحدد مستقبل الوجود.

(العولمة المعرفية)

ان الهدف الذي لابد من أن تتوحد من خلاله الطاقات المعرفية لخدمة الوجود هو في ايجاد الصيغة التنظيمية الشاملة والتي تعد الوسيلة الضامنة لاستمرار التقدم من خلال طرح العولمة المعرفية، كونها تعد بداية ناقوس النهاية للأزمات التي تطوق الشعوب وتنهكها اقتصادياً وتزجها في حروب عبثية مستمرة،وانهيارٌ لمنظومة العسف والجوع والعنف،نهاية الحواجز بين المعرفيين في بقاع الوجود،تتحقق في ظل هذه العولمة الحياة المشتركة التعاونية بين مختلف هيئات الدول والأقاليم للتخطيط لمستقبل زاهر للوجود الجميل، وقضاء على الاحتكار ومفاهيمه التي تنحاز للأنانية والجهل والظلم.

إن ثقافة الاختلاف مجهود معرفي بامتياز، وإبراز جميل لفسيفساء الانتماءات الراقية والابداعات القيمة، وتدفق غزير للعطاءات والامكانات وصون للموروث الذي تتعدد من خلاله أنماط الحياة لدى الشعوب وإبراز لها من خلال الابداع ، وقضاء على الديكتاتورية ، وصون لحقوق الانسان ،فالتأمل من طباع المدرك للنفس ولعظمة الوجود وطاقات الجمال، فلا سبيل لوحدة وتماسك المجتمعات إلا في ظل المعرفة ، والوحدة نعني بها زوال أسباب الفوضى والانهيار القيمي وليس معناه إلغاء أدوار الفئات والألوان والأطياف الاجتماعية التي تتعايش بخصائصها مع بعضها.

ان الحواجز تسهم في زيادة العبء الحياتي ، فالطوائف والمذاهب والأديان والقوميات، هي ألوان تنشد العدل والطمأنينة لمن يستكشف عن عمق أسباب نشوئها بين الناس، لذا يعمل المعرفيون على طرح المعرفة كنسيج يغطي هذه الألوان ليجعلها أكثر جمالاً وبريقاً وصفاء

فالحاكمية الطائفية تزرع مزيداً من البغي والاذلال لباقي الشرائح المجتمعية، والحاكمية المذهبية تؤدي إلى الجهالة والفتنة، والحاكمية القومية تورث الاستبداد والفساد، والحاكمية الدينية تؤدي إلى التطرف والعنف، والسبيل لتحررالارادات هو في المعرفة، حيث يتسابق المعرفيون نحو بلوغ الحب الذي يمثل المعرفة والوجود وعشقه.

فالمعرفيون يتفقون على تمثل الوجود وسبر المعرفة وإطلاق المحبة بين الناس، كونها سبيل لعودة الانسان العاقل إلى الحضارة والتميز والانتماء، ولأنها كلٌّ منسجم وواحد، حيث أن الخير ينتمي للوجود والجمال معرفة وحب.

إذاً فالحب معبود القيم ويعود إلى الوجود الذي تنبثق فيه المعرفة التي ينشد المعرفيون في طلبها.

المعرفة مزيج من اقتران الحب بالوجود عن طريق الانسان المدرك ومتى ما أعمل أدواته في فهم هذه الفلسفة يسمى بالانسان المعرفي وينتمي لمنظومة المعرفة لأنه يبني طاقة لا تبور في البناء والنظام.

لقد فقد الانسان الراهن ثقته بالحب فبدأ يقولبه ، بيد أن المعرفة المبنية على حب الوجود تمكننا من أن ننهج الأفكار الجديدة لحياتنا ، لأن الأساس الذي نبني عليه أفكارنا أساس حقيقي.

إن العقيدة التي لا تخضع للجمود والاندثار والتي تظل جلية مدى اتساع الكون والحياة هي في المعرفة التي تفتح آفاق الانسان وتجعل روحه أقرب إلى الطبيعة التي ولع بها المعرفي زرادشت69، والذي تمثله نيتشه في رائعته الفكرية(هكذا تكلم زرداشت)، والحب هو الله الخالد خلود اتحاد المادة بالروح، وهو الكائن في المعرفة والجلي بوحدة الوجود

فالمعرفة هي القيمة العليا التي تتوحد من خلالها نداءات الإنسانية جمعاء،والعقيدة الشاملة في المعرفة لأنها متغيرة ومتبدلة ، أما العقائد الثابتة فهي أسيرة عصرها وجماعتها وفئتها المتقوقعة على مصالحها، وهي عقيدة معرضة للانحراف والتشويه..

إن الثوابت قائمة على المعرفة التي لا تحد من طاقة التغيير وليس المقصود بالثوابت المواقف الآنية، إن الثابت في الحب هو العطاء، لأنها سمة الوجود تجاهنا ونحن نتعلم العطاء بالمعرفة والحب.

الحب هو المعرفة التي لا تنضب، فالطريق إلى الحياة الجديدة وفق ما يراه المعرفيون هو سبر للإنسان وتغذيته بأسباب محبته للوجود ، حتى أن الانسان المعرفي إن كان مادياً أم معرفياً روحانياً فكلاهما يؤمن بطبيعية وتآلف بالحب والله فهما الخلاصة لإدراك الكون، فالمعرفة تكافح في ذوات المعرفيين التعصب والتقوقع والتحجر، وترقى بالإنسان عن الضعف فهي ثورة ضد القوالب وابتكار للأدوات التي تخلق التطوير المتقن، فقد أنتجت للبشرية مذاهب عيشها وسلوكها لكنها بالمقابل جعلت التدبر والاجتهاد أساساً لمواصلة الحياة وهي الفلسفة الهادفة لحرية الإنسان وبيان حقيقة سعادته من خلال اتحاد العقل والقلب الذي يولّد على الدوام الأفكار النقية.

والإيمان بالحب والوجود والمعرفة هو العقيدة الحقيقية للمعرفيين ، وكل معرفي يتخذ لنفسه منهجاً لتمجيد الحب ، فالمعرفة نتاج جهد الإنسانية العاقلة ، والأطر القومية ان كانت تنهج نهجاً تنويرياً إنما ركيزتها الأساسية قائمة على الإقصاء، لقد كانت القومية الجغرافية هشة لم تغرس في نفوس مقاوليها سوى ترديد الشعائر والقرفصة على الأحلام الواهنة والأمجاد الدونكيشوتية،فالروح المعرفية أضخم طاقة قادرة على بث الحياة مجدداً في روح الأمم المستسلمة لسبات النكوص.

إن شوفينية القوميين وعنصريتهم جلبت الخسائر المتتابعة لأمم لن تنهض إلا بالمحبة والتعارف في هذا الوجود، فالمعرفة تعارف معرفي لا حكر على أمة دون أخرى فهي عمل دؤوب وثورة صميمية ضد الخطابات المتشدقة بالانتماءات المزيفة ونهوض الأمم بانتفاضتها من الوأد والموت والاستبداد فلا أشد تبعية من تبعيتنا لمستبد ولا أقسى مساومة من مساوماتنا على ذبح الشعوب التي أدركت صحوتها بعد عهود غشاوة ونوم.

((الفردية المعرفية ومعركة التغيير))

يقول الفيلسوف المعرفي (كارل ياسبرز70) : (إن الوعي التاريخي والأحداث والوقائع التاريخية تقرّرها البطولات الفردية , وإن أحداث الثورة الفرنسية لم يقرّرها الشعب الفرنسي ولا العوامل الداخلية والخارجية , التي أحاطت بتلك الفترة التاريخية, وكانت سبباً في حدوث الثورة الفرنسية , إنما الذي أحدث ذلك ، البطولات الفردية لقادة الثورة الفرنسية تحديداً, فدراستنا للعام التاريخي بأحداثه , ليس أكثر من محاولة لتبيان ما هو فردي, بطولي في هذه الأحداث)

من خلال تأملنا لهذا المقتطف في سياق الفردانية والنظرة إليها من منطلق معرفي يركز على أهم سمات ومعالم الشخصية الفاحصة والمنقِّبة لآلام المحيط وفوضاه وتناقضاته, ولعلّنا في معرض حديث ((ياسبرز)) نوقن مدى أهمية تلك البطولات الفردية التي ذكرتها لنا الأساطير القديمة اليونانية مثالاً , أو الاغريقية والرومانية وغيرها, وساقت لنا معالم البطولة الفردية, ودورها في صناعة التاريخ وتغيير معالمه , انطلاقاً من مدى إيماننا وصناعة الفرد وبنائه بناء محكماً , لأن صناعة الفرد من صناعة المجتمع برمته.

ولعلنا نبحث في سياق معنى البطولة لنجد أن التغيير هو منشأها في الأصل، والتغيير يستقي روافده من الإرادة ، والإرادة تخضع للإدراك والوعي لأهمية المعرفة, والمعرفة تحقق للمجتمع الثروة المادية والروحية على نحو متقابل ومنسجم ,ولعل الوجود مركّب من حركة وتجانس وتداخل كافة العوامل المناخية والجيولوجية بشكل معقد ويفرض بنا مراعاة مبدأه المتمثل بالتغيير, مادام كل ما في الوجود في تغير دائم, إذاً فلا شيء يقف أمام أمواج التغيير المتلاطمة بضراوة , كاشتداد الأعاصير أو السيول , والذات تتشظى في هيئة إرادات متعددة تنساق لخدمة المعرفة بالبحوث والجهود المبنية والمعتمدة على آلية الحركة.

ويكمل الفيلسوف المعرفي كارل ياسبرز قائلاً:

(إن الوجود الحقيقي يتحقق عندما تختبر الذات نفسها, وتصنع شيئاً ما يميزها عن غيرها, فالعالم يقدم للذات بواعث الوقائع, والذات هي التي تصنع هذه الوقائع , ولولا الذات لما كان للوقائع أي قيمة, عند الحد ترتبط الضرورة للحدث التاريخي بالحرية الفردية لتصنع الحدث)

فعلاقة المعرفي بأدوات الواقع علاقة مستمرة وحتمية مبعثها الشعور بالحاجة والمرارة والرغبة الهائلة في إنهاء التعاسة, وتحقيق الانشراح والشعور بلذة الإنجاز بعد جهد بالغ, ومن هنا يمكن صناعة التاريخ, وتحقيق آثاره على نفسية الناس ليتمثلوا بأهم القيم التي من أجلها تتحقق مقومات العيش السامي, فالبحث الشاق والنضال الدؤوب للمعرفيين يبرهن مدى جمالية وصدقية الحفاظ على القيم التي تعني صون الحقوق والواجبات على مرّ الدهور, ولا يعني بتاتاً الاهتمام بصناعة الفرد المعرفي حصره بمظاهر التزلف والمديح وإظهاره رمزاً سلطوياً , بل إشراكه بالحياة وقيم النهضة الاجتماعية عبر سياق ظروفه التاريخية والموضوعية، ويمكن على ضوء ذلك فهم الأخلاق التي هي عبارة عن ثوابت نسبية في مجتمعات متغيرة ومتصارعة في إثبات خصائصها وثقافاتها التي تحتكرها وتنفرد بها , ولا تتقيد بذلك بماهية التنوع, مما تنتج عن ذلك بعض مجتمعات غائبة عن التاريخ وأخرى تعاني القطيعة عن التاريخ والحاضر, ولاسيما أن التصادم الاقتصادي بلغ أوجه بين أرباب المال,ومن هنا أكّد المعرفيون على الأخلاق وصونها من خلال صيانة الخير والحق والجمال, وتحفيز الأفراد وتثقيفهم لأجل إنعاش العائلة بمنحى معاصر يتجاوز التقاليد الشكلية والروابط الدموية ، إلى عائلة تجمعها المعرفة كرابطة حقيقية متقدمة تنشد الحب وثقافة التسامح والمسالمة كبديل عن العائلة القبلية المتعصبة قبلياً, سياسياً مذهبياً وطائفياً وقومياً وحزبياً, في خضم وجود يتأثر بكل بناء أو هدم,وطبيعي ان نوقن المعرفة كقوة مواجهة للتشاؤمية وقيمها المدمرة والتي رسخها أرباب المال بجشع غيَّر الحياة في ظل رواج الفوضوية التي تعني اللاقانون , والذي نزع عن الوجود رداء الحضارة المعرفية.

(المشروع المعرفي والتشويه الثقافي)

الظروف الدولية تختلقها إرادات الأفراد التي تطغى تصرفاتهم وتأثيراتهم حركة المجتمع وصيرورته عبر التاريخ ، حيث يشكل الأفراد المجتمع وحين لا ينصلح الأفراد لا يستقر المجتمع، ولا جدوى من تقديسنا واطمئناننا الملتبس بالمجتمع كظاهرة بشرية لأنه مهدد بطريقة ما، والمدافعون عن قيمه هم المعرفيون أصحاب الرسالات والنظريات الذين فضحوا المرتدين عباءة التصورات المثالية باحثين عن أمجاد شخصية أنانية ، وحيث لا توجد حقيقة مطلقة إلا في الوجود المطلق والمعرفة المطلقة ، بينما توصل الإنسان في مسعاه للأفضل محكوم بالنسبية مهما تضافرت الجهود البشرية ، والسعي للمعرفة خلاص للعالم من حقب الصراعات التي رعت مفاهيم الانقسامات وتفتيت المجتمعات وتقويض النظم الحضارية عبر التاريخ، تلك النظم البنائية التي أسهمت في الرقي فكانت منارة إشعاعية رائدة، حيث أن من تزعجهم الأفكار الجديدة عاجزون عن تقبل الأداء الجيد والجديد لأنهم حبذوا التقوقع الغريزي وراء جملة مفاهيم أعاقت دوماً تطلعات المعرفيين لخلق الحياة المعاصرة.

المعرفيون اليوم حماة كل بناء أوشك على الخراب أو كاد أن يتداعى،فالزمن الجلي ارتكز على التنوع لا على ضيق شمول النظرة نحو شعوب المنطقة الغنية حيث لا وجود لأمة واحدة بالمعنى الأصح إنما ثمة واقع يكشف عن أمم تربطها صلة البيئة، اللغة ،الدين والجوار التاريخي،فالعنصرية نتاج فكر إلغاءي والانعزال نتاج فكر لا يتغير ومحاصربالتبعية والانغلاق والوجود وطن الإنسان المعرفي والحب هويته والمعرفة دأبه نحو تفكير سليم مؤد إلى فعل سليم، ولعل علة الشعوب النامية تتأتى من مفاهيمها وجهالتها المفرطة ، وعدائها للتقدم حيث يقول فيكتور هيغو71:((عندما ينتهي الجهل تبدأ الحرية)) وبوجود الجهل يعني دوام استمرار منظومة القمع وترسيخ الاستبداد وتوابعه من فساد وتحلل أخلاقي ويتجلى ذلك جلياً في أنظمة العالم العربي والشرق الأوسط .

إن الدفق المعرفي غزير بمجرد التفكر والحركة وفي الحياة ثمة مواقف تعترض الباحث المتقصي، هذه المواقف تترجم إلى سجالات تتجسد في إبداء المناقشة ولكي تنتصر المعرفة فينا علينا التشبث بقيم العقلانية والمحبة كاتحاد ، فالعاطفة دون ضوابط عقلية بوابة ضعف جامحة كموج الرغائب العنيفة والعقل دون تحكيم العاطفة ومذهب الضمير, جسر أنانية تمضي بالإنسان نحو إفناء المكتسبات، فعناصر الفعل الحركي الذي أبدعه الإنسان الصانع أسهمت في إيناع الحضارات الإنسانية التي تجسدت في الحقيقة الاجتماعية التي منبعها الوجود الذي ننتمي إليه من خلال التفاعل الذي هو نتاج احتكاك المعرفي المنتج بأدوات الوجود، فتأملنا للوجود يكشف عن التطور البيولوجي من هيئة عناصر الوجود حتى توصل لشكله المألوف وأساس البناء هو الوجود المتفاعل بهيئته .

المعرفيون هم رجال الميادين المختلفة وهاجسهم هو أن تظل قوى الروح ملاصقة لصيرورة العقل والبدن، فلا يجترون الكلام الفارغ من أي فعل ، بل يعملون العقل والروح في خلق الفعل الميكانيكي الذي يولد الفعل الناجح، من خلال الاستفادة من المنهج التجريبي والتوليدي، القائمين على المنطق وتفعيله.

إذاً:فالمعرفي هو الإنسان الذي يسمو بنظرته عن الشخصانية والمفاهيم الضيقة المنحصرة في جزئيات القضايا، ومبادئه تنبثق عن وحدة الوجود وضرورة حمايته من خلال نشر فلسفة الحب والتغيير، وتحويل البشر إلى رموز معرفية من خلال مكافحة تجهيل الناس ، وذلك عبر إقامة كونفدراسيونات72 تضم الأحزاب، المؤسسات والجمعيات وتشكيلات المجتمع المدني، وإزالة مختلف الحواجز بين الشعوب بغية الوصول لتجمعات معرفية تشكل نواة حية لمنظومة المعرفة الإنسانية.

لذا كان من الأهمية والضرورة أن يتم تأسيس قوة عسكرية تضم دولاً لا تمارس الإرهاب لتكون رادعاً قوياً ضد الإرهاب والتطرف ، تحمي مكتسبات الإنسان المعرفي من الزوال والتقهقر، وتكافح المنظمات الإرهابية بأشكالها ، حيث يعمل الجيش المعرفي بقواه التقنية والتكنولوجية على سحق صناع الموت والدفاع عن حقوق الإنسان ونشر السلام العالمي.

إن الجيش المعرفي هو الحصن الحصين الذي ينتصر للإنسان الذي يتعرض في شتى الأماكن للانتهاك والجوع والحصار، وحماية الطفولة لأنها أجمل ما في الوجود، والمؤسسات التي تتبنى التشاركية في صنع القرار فإنها بالمقابل تحتاج لوعي معرفي وجمالي لقيادة الحياة التي تحتاج لقدرة على تحمل المسؤولية القادرة على إثبات إمكاناتها غير العادية للتواصل الأخلاقي وتحقيق المهارات القصوى في جمع المعلومات التي تساعدنا على تصويب المشكلات والتخلص منها من خلال إبداء الحلول والبدائل، فالإيمانيات المؤدلجة تعوق الإبداعات الجديدة والمعرفية أشد تجدداً وقوة من العلمنة الزائفة التي ترسبت في قيعان الانهدامية واللامبدأ، إذ أن المعرفيين يكشفون سلوكاً ونظراً أنهم الوجه الأنصع لدوام صيرورة الأفكار الذكية، فالحقيقة في أصلها متجددة دوماً ، متوحدة مع الوجود وناتج الحقيقة متمثل بالمعرفة، والصراع الحق هو في صراع قوى المعرفة والجهالة ، والانتصار الحقيقي هو في خوض سجالات الحياة ومعرفة كل ما يمكن التنقيب عنه في ضوء البحث العلمي الذي يكشف عن مكنون الوجود وكشف عن مصادر الإرادة التي يأخذها المعرفي ليصحح الأفكار جيلاً تلو جيل، فالمال وسيلة تخضع للمعرفي ولا تستعبده ، لأنه يستثمرها في بناء الجمال ، فصحوة المعرفية آتية بلا ريب ، إنها تطرق أبواب الحضارة التي تنفتح لتبشر بخلاص العالم من حقب الاستبداد وعبودية المال، فالمعرفة هي الهدف الأعلى الذي يسمو بالإنسان للعلو وينأى به عن السقوط في قاع الرذيلة والانغلاق فكلاهما شرّ، هي إدراك للجمال المتجسد في اللغات التي ظلت بداية سبرِ تعاريف الحب بين الشعوب، وبيانها للحق والواجب والحرية، فالانعتاق من أسر الماضوية الفجة واجب معرفي ، والحرية في فهم الوجود واستشفاف جماله هو سعي للنهوض بالحضارة العاقلة ، فالحب والوجود والمعرفة خلاصة الخلاص من شتى المفاهيم العدائية الضيقة ، والوجود نعني به أبداً الوجود الحب ، الوجود الأرض ، الوجود الله ، ومن خلال هذه الركائز بدأت رحلة الإنسان العاقل في مدائن المعرفة،فإذا انحصرت أزمات الشعوب في سوء الإدارة وفساد النخب الحاكمة فإن المعرفية دعوة لتأسيس نخب قادرة على أن توقف هذا الضعف المزري ، فالموارد التي يحظى بها الوجود الجميل بحاجة قوية إلى إرادات معرفية تشاركية توقن العدالة أساساً لضمان الحقوق التي هي شروط أساسية للتحول الديمقراطي، فالتعددية أساس التنوع، فلا شيء أسوأ من التبعية للأنانية الجشعة من تحول أمراء الحرب ومافيات التخريب إلى قوى سلطوية لاتعي مبدأ أو قانون ، يهمها الاستئثار في الحكم والسيطرة واستغلال الموارد وتقديم الأضحيات من أشلاء المعرفيين المضحين لأجل الوجود برمته، لأن السلطويين بسلوكهم المافيوي جسدوا أكبر جهاز قمع في التاريخ تجسدت في محاكم التفتيش في كل بقاع الوجود، بينما المعرفيون دوماً كانوا كبش فداء لتقدم الشعوب وخلق الانتعاش في مسيرتها نحو الرفاهية والتقدم.

الغطاء المعرفي هو الغطاء الأسمى لإعادة الثروات الوجودية لقاطنيها بالقضاء على ذهنية الاحتكار والتقويض، وهذا يبدأ من خلال إحياء إدارات معرفية تعددية مؤسسة على التشارك والتداول للحيلولة دون وصول النخب الفاسدة ، وهنا نشير إلى أن صعود النخب السلفية الدينية التي تدعمها بعض القوى الكبرى إلى العالم العربي كبديل عن سياسة دعمها لديكتاتورياتها سابقاً هو بمثابة تعميم الجهل والتطرف عليها ، لتنتقل المجتمعات من تخلف إلى تخلف وهذا يشكل وبالاً عاماً على العالم بأسره، فالخطر يهدد الوجود بأسره وبالتالي فإن تصاعد الإرادة الشعبية المعرفية يقلص من حدوث الإرهاب و نشوبه خارج دائرة الصراع الأولي وانتقاله لبقاع عديدة من العالم.

فالتسلطية القائمة في أنظمة الحكم نتيجة عن هذا التصادم والاحتكام إلى العنف والسيطرة وتكميم الأفواه قاد العالم إلى مزيد من الصراعات التي أخرت كثيراً من مسيرة الشعوب وحالت دون وصولها لأنموذج العالم المتمدن، الذي يعكس المعرفة والبناء والوعي السلمي الذي ينتج بطبيعة الحال رفاهية مستدامة.

إن إعادة إنتاج العقلية التسلطية ينم عن خلل في توارث ذهنية جامدة غير قابلة للنمو ، لبعدها عن الإدراك المعرفي الذي ينتج عن طاقة عاطفية مركزها الحب ، والفكر المعرفي يسهم في زوال المفاهيم المكبلة لحيوية الفكر الناشط المبدع، والسياسة لدى المعرفي رديفة للفكر ومقتضياته، واستنتاجاته وليس العكس، إذاً فالمعرفة التي هي علم ممارسة الحب، وهو ما نعنيه بصيانة الاخلاق الطبيعية التي تعني العودة إلى الطبيعة.

ولعل أسوأ ما ارتكبه السلوك الفكري المعاصر أن قوَّض وقلَّص تفسير الحب في جعله مجرد عاطفة ذاتية ، أشبه بالنزوة، غير أن الحب متمثل بالحركة والتفاعل في الوجود، الذي نحن نتفاعل معه ، ونتأثر ولعل كل هذه العمليات تشكل الحب الذي يحلق به الإنسان ويبتكر ويعشق ويعرف ويتساءل ، فالحب أولى بوابات المعرفة: حين بدأت الفلسفة الإنسانية بوادرها بمقولة كتبت على باب أحد المعابد في أثينا((أيها الإنسان إعرف نفسك))

وقد تجسد الحب من خلال المعرفة وتمثله بالتغيير والانفتاح والتقدم ، ونتيجة وقوعنا في فخ المصطلحات والحشو المكثف والالتفاف حول تكرار الأفكار وإسباغ التقديس الذي أفضى للتحجر والجمود والمحافظة والانغلاق مما أفسد نفسية المبدع وذائقته وكذلك القائد وحماسته والسياسي ونظرته وقاد المبدع إلى الغرور والعجز عن الإستمرار بالجيد إثر الركض وراء تهويم البسطاء الفارغين من فئات الشعوب من خلال تقديمها للمديح والثناء والهتاف الخواء، الأمر الذي أربك مسيرة المفكر وجعلته في حالة نكوص وغرور واستبداد والشعور بالتأليه الفردي المتجلي بصورة واضحة في أنظمة الحكم الشمولية وداخل الإدارات الحزبية الراديكالية ، وتجسدت نتائجها الكارثية أكثر في فترة الحربين العالميتين وزوال الاتحاد السوفيتي وأخيراًمحاولات إسقاط ديكتاتوريات العالم العربي في موجة الربيع العربي.

إن المشروع المعرفي ليست إرادة خارجة تصب في مصلحة القوى الكبرى المهيمنة سياسياً واقتصادياً تحت شعارات الحريات والتغيير الديمقراطي ‘إنما يبدأ المشروع من البنية الحضارية الثقافية التي تمتلكها الشعوب من جملة خصائص متنوعة تعكس الإرداة المعرفية الحية لتلك الشعوب في المحافظة على خصوصياتها بالمعرفة وصون الوجود الوطن ، والمحبة الطبيعية التي عمادها المعرفة لأجل ديمومة الوجود الجميل المتناسق.

فالمجتمعات وفقاً لتجاربها وظروفها هي التي تسهم في نشر المعرفية نهوضاً بالبنى الثقافية التي تشكل القاعدة الخامة للنهوض بالمؤسسات وبالتالي لتحول جميع أفرداها العاملين لقوى معرفية منتجة تتساوى بالحقوق والواجبات على كافة الصعد والمستويات.

إن المشروع المعرفي لا يفرض من قبل قوى كبرى متحكمة فهذا المشروع عندئذ سيتحول لمشروع استيطاني قائم على اللاعدالة والاستحكام بالعقول يؤدي إلى الاستحكام بالموارد وبالتالي فالمعرفة مفتاحها الإيمان بالتغيير أولاً، ودفعها كمبدأ عملي يحدُّ من تسلط القيم الفردانية الضيقة فهي قيم تعوق الحرية الطبيعية والعدالة، تتجسد بالليبرالية التقليدية التي تعني ترسيخ الاستغلال والسيطرة والتحكم لأجل الاستيلاء على مقدرات الشعوب وضمان تجهيلها وحصرها بالأزمات المتوالية.

المعرفيون يرون الوجود وطناً شاملاً ، وليس الوجود عبارة عن جغرافيا محدودة بحدود مرسومة بحكم الحروب والمعاهدات التاريخية وأحداث الغزو والسيطرة على المراكز الاستراتيجية ، إنما ذلك الوجود الذي يحتوي الجمال، والانبعاث والنماء، وفي الفلسفة التي تنشد الحب والمعرفة والتي تبدأ من اتحاد الفعل الفكري مع الفعل الميكانيكي العملي، وهي انتفاضة على المفاهيم الجغرافية السائدة وبيان لقيم وحدة الوجود والمعرفة الخالصة التي هي دماغ كلي ارتقائي ومتناسل للبشرية الحية، تلك التي تؤصل جودة التفكير الذي يقود إلى التصميم والهدف ونبذ الإقصاء والسلطة المطلقة والتجهيل الذي قاد إلى عطالة الفكر والتشويه الثقافي.

((المعرفة حقيقة في ظل الوجود))

إن تراكم الفساد في المؤسسات جعل الفئات المسحوقة في هيجان دائم، للتخلص من الأغلال التي فرضتها قوى الجهل والأنانية، فحين ينتفي العدل والحق في مؤسسات الدول تصبح نداءات الثورة والتظاهر وسيلة ناجعة للتعريف بالظلم والجبروت الذي ألحق الدمار بالوجود الوطن والانسان، لقد كان التاريخ خير شاهد على عصور الموت التي كان المتسلطون يسمونها بالفتوح فما كانت هذه الحملات إلا بمثابة غزوات جائرة لأجل ضرب المنظومة القيمية والبنية التحتية للمجتمعات التي تعرضت للسحق مما عمَّ الاضرار بالوجود وموارده الحيوية ، وتسهم هذه الغزوات في إعاقة وصول المجتمعات إلى المعرفة ، فابنتفاء العدل والأمان يصبح الوجود مهدداً وبالتالي تنتشر نداءات العنف والدعوة واسترداد الفئات المغلوبة لحقوقها الطبيعية التي صانها لهم الوجود، فالطريق الذي يعم بالظلام والجهل لا يمكن أن يكون سبيلاً إلى الحب والمعرفة..

لقد كان للغزو المغولي تأثيراً فطرياً على الحضارات السائدة في بغداد وما حولها نتيجة إتلاف المغول73 للعديد من الكتب المهمة التي كانت حصيلة المعارف التي استخلصها علماء ذاك العصر، مما يعني إن الحرب كانت تعيق وتكبح لدى الأمم تقدمها المعرفي.

فظاهرة الصراع ظاهرة أولية تصدرت قمة تساؤلات ووعي الانسان بذاته ووجوده والآخر لاسيما إن العلاقة بين الذات والآخر علاقة متناقضة قائمة على الصراع لأجل بلوغ المنفعة والخير الأناني، فالمعرفي يرى أنه لا بد من إيجاد علاقة أكثر مواءمة وتوافق واعتدال بين الذات والغير، والفلسفات التي قدمت الأنا عن المجموع وجعلت الحياة الانسانية قائمة على الصراع مهدت لفتح بوابات العنف والجور والقوة، والمعرفيون أبلغ طلباً في الوصول للسعادة سعادة الفرد والآخر في ظل الجماعة وفي إطار التآلف والتوافق والسعي نحو التبادل المعرفي.

فحضور الذات في الجماعة والعكس نتاج معرفة الانسان ونظرته المتوازنة تجاه الوجود والعالم.

يُعنى المعرفيون بالانفتاح لمعرفة سبل الخلاص للوجود، فالانغلاق شبح يستخدمه رواد الجهالة والاستبداد في إعاقة دور الشعوب في تقدمها ورقيها نحو الأفضل، وظاهرة الصراع ظاهرة لابد من بيان إيجابها من سلبها، والدفع باتجاه الايجاب لنفي السلب على مبدأ الصراع نحو الجميل والراقي دوماً، فالمعرفي يؤمن بذاته ويثق بها ويعمل لأجل المعرفة دون أن يحس بعبء أو إعاقة وجمود ، لأن كل فرد معرفي يطور نفسه من خلال الآخر ولا يتأثر بالآخرين إلا تأثيراً يخدم وعيه ورقيه باعتماده على ذاته..

إن قيادة المعرفيين لذواتهم قائمة على التواصل الايجابي مع الناس ، التواصل القائم على مفهوم الحركة وتتبع لمجمل الحالات الشعورية لدى الجماهير ومعرفة ردات الفعل الجسدية والروحية الباطنية وبذلك تتحقق العلاقة التكاملية بين المعرفيين، فالمعرفة الحقيقية تتضمن في صميمها الحالة السوسيولوجية والاخلاقية للمجتمعات في تعاملها مع الآخر وتقليص الهوة المجتمعية فيما بينها.

و يرون في الصداقة أسمى تعبير عن بقاء الناس في ظل الوجود بقاءً حقيقياً يشبع الحاجات الأساسية للإنسان ، ولذا فهم يجدون في التحرر من سلطة الانزواء في أوكار الأنانية والمنفعة الضيقة المتصلة بالنزوات مطلباً حيوياً وذلك بالتنقيب عن الصداقة الثابتة متصلة مباشرة بحاجات العقل والقلب من فكر وفضيلة وأخلاق.

والقول بالفكر المنصف هو ذاك الفكر المتماشي مع احتياجات وتطلعات الشعوب ، حاجتها إلى الأمن والحرية والرفاهية والمعرفة وتطلعها باتجاه السلام العالمي والمنفعة العالمية

إن الوجود اليوم للمعرفيين الذين ينتعشون في ظل فكر واسع متسع ممتد وأصيل يستقي أصالته من البنية الخصبة الحضارية للشعوب، غير منحصر وفئوي.

(المعرفية عقيدة الوجود الواحد)

تنعدم الحقيقة المعرفية باستسلامنا للتطرف الذي هو العائق الخطر ، ويقف حائلاً دون بلوغ المعرفيين لوجود جميل خالٍ من الدمار، وماهية التطرف متأتية من صفة التقديس ، وتنشره القوى ذي المصالح في منظومة المجتمعات المكممة الأفواه, فتستفيد القوى المهيمنة من وجود التطرف عبر سياسة خلق الأزمات المتتابعة، ونشر التطرف عملياً يخدم المصالح المادية والاحتكار الرأسمالي ، ويضاعف من فرص الربح والاستغلال، وتكريس اللاستقرار والصراع الطائفي أو الحزبوي أو القوموي، الذي يسهل من ازدياد أمراء الحرب وأغنياءه على الدوام , من خلال إشغال الشعوب المتخلفة سياسياً وكذلك إبعادها عن التنظيم الإجتماعي، لخلق فجوات دائمة وعميقة تسهل من خلالها عمليات الإحتكار وفرض الوصاية والتدخل الخارجي ، ويفسر ذلك غنى البقاع بالموارد الاقتصادية ويدل على حاجة الدول المهيمنة للتحكم بهذه الموارد من خلال وضع خارطة تقسيم وتفتيت وتكريس نزاعات مذهبية قومية في تلك المناطق ، وأنموذج التطرف يمس هياكل المؤسسات والأحزاب التي تحافظ على قيم الاستبداد والإقصاء والفساد، وانتشال كل المعرفيين الذين يحاربون التحزب المفرغ وغياب النظام الحقيقي الذي هو روح الوجود، حيث يرى المعرفيون في تأسيس تجمعات أشمل تضم العديد من الأحزاب والتيارات والجمعيات خياراً حتمياً للتخلص من جمود الذهنية الشمولية والمركزية المترهلة المقصية لإرادة المعرفيين الباحثين عن حقيقة التنوع والتماسك والعمل وفق المسار الصحيح، ومن خلال طرح مبدأ التعايش السلمي لإنتاج النخب المعرفية ووقف الحروب التي تعد دلائل إفلاس، فاستبدال الإبداع بغريزة الطمع والانجرار للأزمات، أعاد البشر لمخاض الحروب التي يقصها علينا التاريخ ، ونرى خير عبرة عن ذلك في روما وحضارتها وسلطتها ومظالمها ومن ثم سقوطها في أوكار نزاعاتها السلطوية، ولابد من توجيه جلّ الصراع ضد قوى الجهالة المتمثلة بدعاة صناعة الموت ، هذا الواجب المعرفي الذي يعد مفتاح فهم لكل الديانات والتصورات والتيارات والمزاعم الموجهة لصون الإنسان والوجود من خلال تمتين القيم.

والمعرفيون حماة كل معتقد سليم ، إنهم برسالتهم الحب وجود والوجود معرفة يزيلون الحواجز العميقة بين الأديان والفلسفات ، ويفخرون بخصائص الشعوب وتنوعها ، ويحاولون إيجاد سبل تنظيمية جديدة في علاقة الناس ببعضهم، وينبذون الخلاف، فهم درع واقٍ لمختلف العقائد التي تنتصر للحياة والإنسان.

ولكي نعي الوجود الذي نحن فيه نتساوى من خلال ثالوث الإدراك والوعي والإيمان، يجدر أن نكون نواة لمنظومة المعرفة المؤثرة في النفوس التي أجهضت إثر عملية الوعظ التي رسختها قيم الأفراد المتألهين لصالح المنتفعين الذين يخفون وراء قناع النهضة مصالحهم الضيقة،ففعل الحركة فعل حتمي يستدعيه الوجود بطبيعته على الكائنات برمتها ، فالعقلية الإقصائية واضحة بضعفها والفكر المعرفي المنبثق عن وحدة الوجود من خلال نشر فلسفة الحب ، لهو المعبِّر الراقي عن هذه النظرة الثاقبة والقوية التي يمتلكها المعرفيون نحو الحياة والإنسان ، لذا فالناس لا تشعر بجوهرها سوى باتحادها كتجمعات معرفية تعمل على كسر الحواجز ، حيث توقن أن الصراع الدائر بين الدول وداخل كل دولة ، يكمن في تجاهل توزيع الموارد ، أو احتكار السلطة من خلال استمرار التوريث، وكلاهما نتاج قهر تاريخي متراكم إزاء جهل سببه الجشع والبطش، فالمعرفيون يدينون بالحب كفلسفة تدعو للتغيير، لتحصيل أقصى درجات السعادة والرفاهية وتحقيق قيمة الإنسان، وصون الوجود كضرورة لاستمرار الحياة.

فالجمال الحسي ما يلبث أن يذوي وتتجلى عندئذٍ قوة الحب في خلق إكسير الحياة ، ويرى المعرفيون في الموت بأنه زوالٌ القوتين الروحية والمادية أو انعدامها لدى الإنسان ودخوله لمتاهة من الضياع والجهل والانغلاق.

فالاستراتيجية المعرفية حلقة وصل قوية تربط مصالح الأمم بعضها ببعض على قاعدة الانتماء للوجود الواحد فهم أمة عقلية متحدة من خلال مواقفها ضد الفظائع والمآسي التي ترتكبها منظومة محاكم التفتيش الجديدة في كل زمان ومكان، والوجود وطنهم الشامل.

إن القوة الحقيقية التي نستطيع بها حماية الإنسان تحتويها القوة الأخلاقية المنبثقة عن الحب، والتي يمكن من خلالها أن نراهن على استمرارية الثقة بين الناس ويمكن خوض الوجود لاستخلاص المعرفة التي تنقذ الملايين من العوز والجهل والبطش، ويفسد الكل بفساد الجزأ، ومن الوجود الجميل ندرك الحياة وجمال المسعى نحو الحقيقة المطلقة في المعرفة ، والخطوات العملية تبدأ أولاً من الإيمان بوحدة الوجود ووحدة الدماغ البشري الكلي المتمثل بالمعرفة ، ولا يمكن البدء بأي حركة تغيير ما لم نؤمن بهذه الحقيقة التي يراها المعرفيون أملاً في الخلاص , كذلك يؤمن المعرفيون ببعث الإنسان الجديد وبالمقابل يوقرون جهود الأسلاف السابقين لخوض معارك الوجود وحمايته من أخطار الإنسان الأناني، لأجل انتصار الحقيقة المعرفية القائمة على التحرر الوطني المنفتح على بقية شعوب الجوار والعالم برمته،حيث يرى المعرفيون في نشأة الأمة المعرفية الاتحادية، بديلاً عن الحدود الجغرافية التي بناها السلطويون الأعداء لكل سلم بشري، وما يجمع الإنسانية على اختلاف انتماءاتها وبرامجها هو الوجود المهدد بالفناء والكوارث التي تفرزها الحروب التي يصنعها الإنسان، ويجدون في التاريخ بدعة القائمين على تحصين الأنانية كمذهب عالمي، لكن الواضح والجلي لكل مدرك أن ما بلغه الإنسان هو بفعل إعمال العقل المبدع والمحب والمعرفي، فالوجود الوطن هو دعامة الوجود الشامل والمعرفيون في كل مكان مطالبون ببناء أوطانهم وتنظيفها من المخربين والسذج، ليعش المعرفيون أبناء الوجود ، لأنهم وحدهم الجديرون بالعيش كونهم تجاوزوا العادية، فقد آمن المعرفي نيتشه بالإنسان المتفوق ماقتاً الإنسان العادي كون المتفوق هو الجدير بالخلق ، والعادي هو الأقرب إلى العاهة والتطفل ، فوحده الوجود يرقى بفضل أصابع المعرفيين.

إن أصحاب الحلول هم كل معرفي قدم حياته ثمناً لتقدم أجيال من بعده وكل كتابات وجهود أصحاب الحل تنحاز إلى الحب والوجود والمعرفة، أمام جمع غفير من الطغاة أمثال فرعون74 و نيرون75، أدولف هتلر وجوزيف ستالين76 وصدام حسين ، دوماً هذا الصراع هو المتجلي عبر التاريخ، والانتصار الحتمي هو لقوى المعرفة على الإطلاق، والقادة بحاجة لنصر الجند حتى يذكرهم التاريخ ، والجند إذا أعملوا عقولهم وقلوبهم فهم يساوون عملياً كل القادة الجالسين في مراكزهم مشغولين بصك البنود والاتفاقيات وتوجيه الأوامر ومتابعة قمع الخصوم الذين يهددون مراكزهم، ومن هنا كان للمعرفيين هدف أسمى في مكافحة تجهيل الناس وتخديرهم بالشعارات وتحويل البشر إلى رموز معرفية ومحو ذهنية تأليه القائد ، فالهدف الذي ينشده المعرفيون أكبر من القضايا الايديولوجية الحزبية ، ويبدأ من صميم المؤسسات والأحزاب والتيارات في كل دولة أو اتحاد من خلال التسلح بفكر الحب وجود والوجود معرفة وبث النهضة والانتعاش في روح هذه المؤسسات والأحزاب في كل أنحاء العالم والالتفاف نحو القواسم المشتركة التي من شأنها إلغاء الحواجز وتجاوز أزمات الماضي والانفتاح للمستقبل العالمي.

(المعرفيون بمواجهة الخوف في غربي كوردستان)

المرض، ذلك الرامز للضعف الذي هو طبيعة البشر مذ سلكوا طرقاً مختلفة لعيش الحيز الزمني من حياتهم، لحين يعانقون الموت، والخوف بمثابة القناعة المتصلبة المتأتية عن سلسلة عوائد وتقاليد مجتمعية، تقود المرء لاستعمال لاشعوره، لامتصاص الموروث الاجتماعي، منذ طور الطفولة، لأن الطفل يمص ثدي أمه وإصبعه فيما بعد ولا يكتفي ، بل يمص بحدسه وإحساسه مع تقادم نمو فكره ،عوائد ومعتقدات البيئة وسلوكيات المحيطين به، لهذا نجد الجهد الإبداعي مواكباً لخلجات المرء ومدركاته على حد سواء، لإسباغ القيمة المثلى للمجابهة، وبيان حقيقته المتطلعة لحياة أكثر عدلاً ورفاهية، تأكيداً للطاقة التي تسعى دون تمييز أو هدف والتي تذهب لخدمة السلطة ومآربها، حيث نجد المعنى في رحلة الإنسان المعرفي في رحاب الوجود انطلاقاً من جغرافيته التي يحملها في سيماءه وسلوكه ومواقفه وثقافته، تجعلنا نقف أمام حقيقة التطلعات الحثيثة لإيجاد حياة أفضل خالية من العبودية والتسلط الناتجين عن امتصاص الجهل ، وكذلك جملة التقاليد السلطوية في عبادة الجماهير للرعب القائم في حياتها ومؤسساتها، فبخوضنا لرمزية الخوف ما نلبث أن نقع في فخ التساؤلات المفتوحة على عديد الاحتمالات، التي تؤرخها الأحداث على طاولتي الزمان والمكان المتلاصقتين، ولعل الخوف يمثل أصل التنازع بين البشر وذلك التسلط القائم والذي يؤثر سلباً على الحياة بما يحمله المجتمع من معايير وقيم، فما أن يطغى الخوف على الذهن، حتى يتم تحوير القيم عبر تأثير الرعب المفروض على الذائقة العامة، إذ يمثل الخوف بداية التعلق بالوهم، حيث تشعر المجتمعات المسلوبة من حريتها وعقلها بأن الخوف شيء لابد من وجوده، وإنه مرتبط بوجود إله يجب أن يُعبد ويتم تقريب القرابين البشرية كرمى له، وكذلك فإن طاعة الحاكم من طاعته، وإن كل ما يحدث من بلاء وفساد، هو إرادة ذلك الإله السادي، لهذا نجد الخوف قد بات منظومة ناتجة عن تلاقح رغبات السلطوي، مع ما يفند أسباب بقاءه حاكماً بنص مقدس، يتلقفه البسطاء ببراءة ساذجة، وعنف ممنهج، لقد امتزج الخوف بالمكان والزمان والتربية والمعرفة التي يتلقاها التلاميذ في المدارس، وقد جعلت الحلوق مكتظة بالأنين والكآبة، جراء تقمصها للخوف باحترافية، حتى صارت الثقافة الشعبية والمكتسبة من حقول التربية والتعليم ، وجهاً لطبيعة المجتمع، لهذا ظلت الشجاعة في الخطاب الشرق أوسطي مجرد وسيلة لتقمص ماضي متخم بالأكاذيب والاعتزاز الوهمي الذي لا يمكن الاستنجاد به لبناء شجاعة مستمدة من الواقع الشاحب، أي من هذا الحاضر المحاصر بأغلال السلطة وممارساتها التعسفية تجاه المجتمع والأفراد، فأمام هذا الضغط التاريخي والإرث السلطوي، تجد المجتمعات نفسها في حالة من الاغتراب عن ذواتها، فتمارس عيشها بضرب من الجمود والاتكال والخوف من الغد، ولا يتم ردع الخوف بالسبل الفكرية، لغياب الفكر، والاكتفاء بالتسليم لحقيقة ما يحدث ، فهو قضاء وقدر حسب المفهوم الديني الجاهز لاستقبال الخوف، فالعين التي تبكي من خشية الله، وفق التعبير الديني المرمز، هي ذاتها تلك العين التي تبكي لبطش الحاكم، ورب العائلة وأستاذ المدرسة، فلا يمكن في الحقيقة فصل التراث الديني عن السلطوي في كونهما أداتين عميقتين في سحق التنوير الاجتماعي، لهذا تكتظ جموع الخوف في المسيرات التي تهتف بحياة الرئيس الخالد، ابن الله على الأرض، ذلك الذي أعطاه الإله الملك بقضاءه وقدره وإرادته، لهذا على الناس أبداً المسير هاتفين بحياته، وهم يحملون خوفهم كجينات تدخل أعماقهم وأذهانهم، وهكذا لن يتم بيسر خلع أقفال الخوف، حيث تتحول الشوارع إلى متاهات وسراديب تتنقل عبرها الكتل الآدمية، ولا تبدو الأخلاق الجمعية إلا معايير مقتبسة عن ثنائية الحاكم والمحكوم، على غرار الخالق والمخلوق، لهذا تبدو العقول خاوية سوى من ترهات وأقاويل يتناقلها البسطاء جيلاً تلو جيل، لتزيين نمط حياتهم الأشبه بتلك الفكاهة السوداء، التي تعتبر عنوان حياتهم وسر فظاظتها وتشاؤميتها، لتغدو أحلام الديمقراطية والانفتاح عن المجتمع مجرد قصص لا تكاد تملأ الأرواح الخاوية سوى من أحلام محفوفة بهاجس الضياع والاغتراب المزمن .

إن تشرب الفرد للخوف هو بمثابة ابتعاده عن الذات، واختفاء مظاهر التصالح مع عموم الأشياء التي تخص مزايا الإبداع الفردي في الوجود، لهذا يعمل السلطويون على تشبع المجتمع بالخوف منهم، بغية حصر الحياة الاجتماعية في مظاهر الإمتثال لولي النعمة والقائد الأبد، والهتاف له وفداءه بروحه وماشابهه من شعارات، إذ أن الطفل يتعرض لهذا النوع من الإخصاء الفكري والمعرفي منذ بداية دخوله للمدرسة وحمله لصور رئيسه المفدى ، لقد جعلت النظم الشمولية من الفرد، منافقاً ذليلاً، لا يجب أن يتحول لناقد، بل لمسلِّم لحقيقة واقعه، مرتهناً لكل لحظة خوف، جاعلاً من نفسه مريداً رديئاً بأبسط الأحوال، يقبل على ما وضع على طاولته إثر خوف وقمع وتهويم ممنهج ، ليكون بذلك مجرد مقاول أو عامل في مصنع الخضوع للأوامر والإلتزامات الباهتة المستمدة من عوائد ثيوقراطية دينية تم تحويرها بما يلائم ذهنية الحزب الإيديولوجية، لتتحول إلى دين شامل مكتظ بالخوف والطاعة القسرية، والخوف من الأمن، بدل من الإطمئنان لوجوده، إذ أن جهاز الأمن هو سلاح مسلط على الجماهير بغية إرهابها،والحد من تطلعها لعالم أفضل تسوده ثقافة الاختلاف وحرية التعبير، فحقيقة النزوع للعصيان والتمرد، تدفع بالمرء للتساؤل عن سر ارتياده لجغرافيا الخوف المشتقة عن عوالم تعج بالعصاب والسادية، إذ أنهما يوهنان الذات، يضعفانها على الدوام، حيث لا إرادة حرة في ظل الرهبة، ولا يكاد المرء يدخر شيئاً من سعة الفهم إزاء الإقصاء للحياة الطبيعية، حيث يسهم الخوف في الخمول على الصعيدين الروحي والذهني، حيث ينعدم الإدراك باختفاء الحرية والتعبير عن الرأي، وتتعطل مدركات ومواهب المعرفي، إذ يجد نفسه في بوتقة حصار مطبق، حيث تتجسد الأوهام والتقاليد المحبطة في ذوات الأفراد.

ينتج الخوف ذلك العنف وجلد الذات، إزاء خيبات وأوجاع متراكمة، يفرز الخوف أيضاً الحرب الأهلية، فالأفراد ينفِّسون عن خوفهم من السلطة عبر شجارهم واحتقانهم ضد بعضهم البعض، حيث يجوعون ولا يجدون غير العنف وسيلة لإفراغ طاقة الخوف الكامنة في دواخلهم،لنجد أن ذلك كله مدعاة تفكر بحقيقة السلطة التي تعمل ليل نهار لتكبيل مجتمعاتها بأشكال التهويم والإخصاء المعرفي، فثمة علاقة بين الأب العنيف ورجل الأمن العنيف في أنهما يعملان تحت ظل القائد الإله، الذي يلهث خلفه قطيع آدمي خائف، يزيف طبائعه تبعاً لمشيئة منظومة القمع، والتي شرعنت مكوثها ووصايتها على شعوب لا تنفك عن ممارسة خضوعها بضرب من الاتكال والجمود وبصك مقدس لا مجال للشك فيه، حيث للخوف رمزية كبيرة عظيمة التأثير على الحياة الدقيقة للمجتمع وأطوار أفرادها، إنها أساس كل انحلال روحي أو فكري، ولعله أيضاً نافذة مفتوحة لاستكشاف كل من هب ودب من مآسي ونكبات، حيث يولد من بطن الخوف ذلك التملق الذي بات من شعائر أمم القضاء والقدر، إنها مجتمعات استساغت الخضوع وثقافة القطيع، ولعق أحذية القادة والأولياء والمتصوفين أصحاب البركات، وتشربت أدبيات القائد الملهم الذي يفكر بالنيابة عن الغالبية المطأطئة، لهذا بات من الشائك استئصال هذا الورم النفسي الذي تأصل وساعدت النصوص المقدسة على رسوخه وتوطيده عميقاً، إذ للمقدس دوراً نفسياً بالغ الأثر في ذائقة الفرد، والتي عليها ينبني الأساس الحقيقي لقيام السلطة القمعية الفاسدة. إذ حينما تنشغل المعدة مع العقل في البحث عن لقمة العيش كل يوم ، لا يتراءى في ذهن اللاهث نحو الشبع إلا إرضاء من بيده مفاتيح كل شيء وهو على كل شيء قدير ، هذا من ناحية ، ويرادفها على الطرف الآخر، سلطة تحتكر الجهد والعمل وعلى اللاهث إبداء كل مظاهر التملق والصمت حتى يتيسر له الحد الأدنى من الحياة الجيدة، ومن هنا تتشكل أولى لبنات الخوف.

ولعل ميلنا إلى التحليل وإرجاع الأسباب لمسبباتها هو ميلنا لتحسين طرائق توجيه التلقي نحو الأفضل، بغية الكشف عن كل ما يتم إخفاءه تحت مسميات مثالية باطلة، والمقصد من ذلك إسباغ دلالات إيجابية على الخوف والسلطة، أو محاولة الدفاع عن الإله الواحد المرادف للقائد الواحد والذي تنتشر صوره في كل مكان، ويخرج الناس حاملين صوره ليعبروا عن حبهم الشعاراتي له.

إن كل من يحاول تحصين هذه التقاليد الشمولية الميثولوجية في أصلها، يعمل على تبرير الخوف والقداسة، وتجميله على نحو مكشوف وباهت، لا يمكن إنشاء فلسفة فوق أنقاض نسق مقدس يعتمد على الخضوع والتسليم بفكر القائد الفيلسوف، إذ يستحيل أن يكون السلطوي فيلسوفاً ناجحاً، أو أن يكون الفيلسوف سلطوياً حقيقياً، مازال ثمة شرخ عميق بين رؤى الفلاسفة وأصحاب السلطة والمنظرين بخصوصها، حيث لم ترقى تنظيراتهم سوى عن كونها مسوغات تحايلية هدفها تجديد ثقافة القطيع، والحد من بروز الإنسان المعرفي المتفوق،حيث نشأ الخوف في كنف الجهل، واعتبر مقوماً حقيقياً من مقومات نشر العنف والقداسة المتشبعة بالدم، ليسطر بسحنته الرمادية البؤس الموغل في الوجود، هكذا خيل للبشري أن الأساطير جزء من حياته، ولابد من أن يوقرها ، كونها جزء من ديانته التي يعتنقها، باتت لزاماً عليه أن يصدقها ويتعامل معها كواجب وحرز للحفاظ على رأسه ولقمته في ظل منظومة تقاسمه كل شيء، مع الخوف ينعدم الاستقرار، تصبح الحاجة للثبات أمراً حتمياً في ظل حياة متزعزعة البنى ، يلهث الأفراد فيها إلى شيء يحقق لهم الطمأنينة، حيث يسخر أنصار الخرافة من مواهب ومدركات المعرفيين، ويتعاظم ذلك الصراع المضطرب فيما بينهما، ليعد امتداداً تاريخياً لمعارك الأمس، ليس لأجل السيطرة على الجغرافيا فحسب، وإنما لأجل تشريع منظومة الأقوى كونه الأجدر بالبقاء، على حساب الأضعف الذي يضمحل ويتلاشى،إننا نميل لإسباغ التعاريف على شتى المفاهيم التي نسلّم بها مع كثرة إعادة حفظها وتلقينها في أنفسنا، كون المرء يميل إلى ما هو في سريرته الذهنية والفكرية على نحو رصين، لهذا كان التحديد بمثابة حصار ، وصار هذا الحصار بمثابة لزام يشهد على عبث تلك المصارعة اللغوية بين فريقين ، يزعم أحدهما أنه تفقه المعاني والأفكار عن كثب على عكس المقابل منه، لسنا مع القولبة والتجمد في متن مجموعة مسلمات، فذلك سبّب ضراوة في التوحش لدى الإنسان الشرق أوسطي، عبر تصوفه الديني والحزبي الراهن، إنه يمتص ويؤمن بعماء، دون معرفة أن كل رهان على قولبة فكر مسلَّم به ، هو بمثابة مغامرة اعتباطية، ولهذا أدركنا أن المعرفة التي نسعى إليها كمعرفيين ، هو زبدة التنوير والخلاص من قيد الترهل الفكري والتسطح الإيديولوجي،لتدشين معالم ثقة ونهوض ضد أطوار الخوف التي رسختها المنظومة الأبوية بشقيها السلطوي والعائلي،حيث أن كل كتابة منحازة، والإيديولوجية تعريفاً ،هي مجموعة أفكار نتقنع بها تكون إما امتصصناها بالوراثة،أو باللاشعور،لا ننفك عنها،وان ادعينا التحرر منها، فآثارها جلية في الطباع وإن تطبعنا بأفكار مكتسبة جديدة، فدعوى التحرر من كل شيء نسبي يبقى مجرد رغبة، إلا أننا نتفاعل مع كل ما هو باطن فينا أو مكتسب،رغبة منا في إقامة تواشج ما على صعيد الأفكار والتعاليم،اذ سرعان ما تتحول الأفكار لاتجاهات, أما التصوف والتجمد في قيعانها فتلك هي المعضلة الواقفة حجر عثرة في طريق نهضة المعرفي، حيث يحلينا الخوف إلى تخاطر وجودي حول تساؤلات الإنسان إزاء تجربة الحياة التي يعيشها من طور الصبا إلى طور النضج فالكهولة، لأن الخوف لا ينحصر مداه في العلاقة ما بين السلطة والجماهير، وإنما يتعداه ليشير إلى حياة المرء، وقلقه من المستقبل، وذلك الغموض الذي يلف طبيعة الحياة والسلوكيات، مما تسبب لدى المرء حالة من الحيرة والتأمل في المجهول، فلا يوجد ما وراء العدم، حيث تنقطع فلسفة الأحياء بمجرد أن يموت الحي، ويخرج من سجل الحياة الحركية، ليتعفن ويتفسخ ويعود لاستيطان التراب، ليتحول إلى شيء آخر وينضم للوجود على نحو متلاحم متوحد، بكل ذرات الحياة ومصادرها.

إن تأمل الوجود لا بد وأن يمر من بوابة القلق، لماذا يخاف الإنسان في ظل الوجود المتشعب والذاهب به للترهل والفناء؟!، ولماذا يضع البشر العراقيل الجمة في طريق بعضهم البعض، للحيلولة دون التمتع المنصف بمتع ولذائذ الحياة، فإلى جانب العدم الذي هو مصير كل الأحياء، يقف الإنسان في وجه المقابل منه دون وازع معرفي، وإنما قائم على إلغاء الآخر لتقديم الذات، سفك الدم بمثابة تعجيل قدوم العدم، ليقبض على كل متحرك، ولعل الفوضى الناجمة عن العنف هو ما يخيف أكثر،وسط عالم أباح الموت في كل مناحي حياته، فالقمع وقتل الحب، وهدم العلاقات الطبيعية، وتلويث الطبيعة عبر الحرب، كل ذلك جعل الخوف الأكثر قرباً من الإنسان وبقية الكائنات، حيث يتحلل الجمال المتجسد في الإنسان إلى وهم ودخان ناجم عن الخروقات الكبيرة للإنسان الجشع والأناني، وإضفاء مسوغات مقدسة واهية على طبيعة حربه ضد الآخرين.

لقد برزت المحن العديدة بوجه المجتمعات الساعية لحريتها، وسط تابوهات كثيرة شلت حركتها، مما تعاظم قلقها تجاه مستقبلها، هو ذا المستقبل قد أفصح عن وجهه، وما لبث أن مرّ المجتمع بفوضى كبيرة، جراء ذلك العسف والجور المتراكم، والذي أنشأ داخل المقموع ثورة هائلة، ضد ما يشبه العدم والموت،حيث يقولنيكولاس بيردييف77Nicolas Berdiaeff “:إن الموت هو الحقيقة الأعمق والأكثر دلالة في الحياة نفسها، لأنه يأخذ بالإنسان فوق ظواهر حياته اليومية السطحية، إنه الشيء الوحيد الذي يجعلنا نفكر في معنى الحياة ذاتها، والحياة نفسها لا معنى لها إلا في دلالة الموت عينه.

إنها بلاد تعيش في دوامة الأحلام والآمال التي لا تنضب، كونها محط مواجهة وإصرار ضد تلك المظلومية التاريخية التي يعيشها الشعب الكوردستاني في أجزاء وطنه المحتلة، لهذا كان هذا الصمود والعناد بمثابة انتصار على مستوى الأفكار والآمال، وبذلك يمثل تجاوزاً للحياة التي يعيشها الإنسان الكوردستاني على الهامش، حيث الوطن هو معنى الحياة المنتصرة على مفاهيم الموت والتلاشي، حيث دعت حاجة المرء للتمسك بجذوره كنتيجة طبيعية عن شعوره بالغبن والظلم، وكذلك فهذه الحاجة تعد بمثابة البنية القويمة التي ينشدها الإنسان الطبيعي في زمن الحروب والإقصاء المفروض،فاستمرار النظم القمعية في سلوكها إزاء شعوبها، هو بمثابة الموت متعدد الأشكال، والذي يتم ممارسته لمزيد من الاحتقان والتحلل والفوضى المتراكمة، فحينما تتحول الحياة لميدان لممارسة الموت، تتعطل المدارك والمواهب الساعية لتمتين العلائق الطبيعية، تتحول المؤسسات والنظم إلى سلاح ضد الشعوب، حيث يكتظ الحدث الزماني والمكاني بأصناف الإبادات الثقافية والاجتماعية، وتصبح الحياة أشبه بموت طبيعي، هاجس لا ينفك عن تفاصيل عيشنا، وتوترنا ، يرافقه الإعلام الذي يسوّق الوجع والعنف والدم، لتتحول الحياة هكذا لمشاهد عن الموت، تتموضع في كل ركن من أركان الحياة لتعبر عن نفسها بمظاهر الديكتاتورية والإقصاء وقمع الأقليات، والحروب الدينية، والتشرذم المجتمعي، فمن المفيد في هذا الصدد معرفة أوجه الموت المقدسة في مفهوم النظم الاستبدادية القمعية، إنهم يفرضون العنف على نحو ممنهج،عدا عن شبح الخوف الوجودي لدى الإنسان ،حيث ثمة خوف سياسي اجتماعي نفسي يستوطن تفاصيل الحياة، لا يمكن القفز فوقه، أو تجاهله، في ظل ذلك الغبن المفروض، ويكمن ذلك التباعد بين الجماعات، والتي تصبح مستعدة لأي تصارع دموي، لنجد الخوف هو العشبة المفضلة لهذه الأنظمة ، والتي يتم استعمالها لإطعام القطيع البشري المتهالك، عبر أطوار حياتها وعيشها، وتقادم أجيالها.

إنه الخوف يبقى ذلك الهاجس الضخم المستوطن العقول والقلوب، والمتحكم في طبائع الناس وعاداتها وتقاليدها، والناظم لسير حياتها ومسيرة أجيالها، لعل الموت استحوذ كافة خياراتها في الحرية والاستقلال، حيث يعد الموت بديلاً عن حياة الخوف، بات الموت أشبه بعرس الحلم، لبلوغ الحياة الأفضل، حيث بات المستقبل قاتماً غامضاً في ظل هذا الخراب الذي يتسع ويتشعب أكثر ، في ظل غياب أشكال التآلف والود الاجتماعي، ذلك العبث الذي تمارسه النظم الاستبدادية متأت من نظرتها الضيقة والمغلفة بالجهل بالتعايش وثمراته الإيجابية، وتتعامل مع الخوف كضرورة لابد منها، لضبط فورة الجماهير وتطلعات أفرادها لحياة الرفاهية والتعددية، الأنظمة التي تزرح بالشر والمظالم في رقعة الشرق الأوسط.

تركيا العثمانية التي خلفها إرث عظيم من التسلط والظلم وإبادة الشعوب وإذابتها في بوتقتها، وإيران الفارسية المغرمة بأمجاد الماضي المتخم بالتسلط والموت، والعراق وسوريا البعثيتين والتي وراءهما عروبة فرضت الإسلام بدموية على شعوب وثقافات، اكتسحتها وغطتها بطابعها العربي الإسلامي، فهذه النظم المستبدة تقنعت بإرث نشر الخوف والموت ، حتى باتت على ماهي عليه الآن ، كامتداد لعصور وحقب، وما كوردستان المحتلة من قبل هذه النظم، إلا رمز تنويري لاسترداد ثقافة أمة وذاكرة شعب من مخالب الانصهار والإبادة، ورمز مقاومة تعبر عن وجود أمم تحاول نيل حريتها بالدم والحديد، حيث يبدو الخوف في أحد صوره مقروناً بالإجحاف والظلم، جراء سلب ونهب الأراضي الكوردستانية في سوريا باسم الإصلاح الزراعي، والذي اعتبر بمثابة بؤس تم فرضه من دولة قمعية شوفينية، اعتمدت على صهر وإذابة كل المكونات العرقية في بوتقتها العربية، فهذا العبث بالحق، ووضع اليد على الملكية والحياة الاجتماعية، مثل أكبر حالة قهر في غربي كوردستان، حيث تعريب القرى والمدن الكوردية بأسماء عربية، وإجلاء الكورد من مناطقهم، لصالح استيطان العرب فيها، فالمشاريع العنصرية، أربكت لدى الإنسان الشرق أوسطي عموماً كل ثقة بالمؤسسة والدولة والقانون، وجعل الحياة ساحة للسلبية المشحونة بالاحتقان والظلم الممنهج ، الخوف ليس مجرد حدث، إنه دلالة واقعية متصلة في حياتنا وطبيعتها ومجرياتها، حيث بات اللون السائد في حياة المجتمع المقنّع بالمنظومة الأبوية، للموت علاقة به، فمبرر الخائف هو خوفه من الفناء، وزوال الأمن، وقلق السلطوي من المطالبين بالحرية، هو خوف من تلاشي السطوة والمكانة، لهذا يسعى الجميع للتصارع لإبعاد شبح الخوف ما أمكن، حيث يعتقد الفيلسوف الألماني هايدجر Heidegge يجب على الموت ألا يكون هاجساً وجودياً يقض مضاجعنا ،إلا أنه هاجس حقيقي يقض مضجع الأفراد المتحكمين بالمجتمع عبر أدوات القمع والترهيب، وهو أيضاً حياة معاشة لدى الغالبية غير القادرة على انتزاع حقوقها الطبيعية وتفعيل القانون المنتهك المعتمد على الإنصاف وبيان قيمة التعددية السياسية والاقتصادية لما لهما من نتائج إيجابية على المجتمعات والدول عموماً، حيث لا تسمح السلطات الديكتاتورية بإشغال عقل أفرادها بأشياء خارج عن أخطاءها وانتهاكاتها، إنما دأب وديدن الإنسان المقموع هو التفكير بذلك القمع والبؤس الذي يعيشه على مدار حياته وأطواره المختلفة، حيث تمسي الأحاديث كلها تحفُّ المآسي الممارسة، والأماني الغائبة عن التحقيق، لنجد مدى تلك العلاقة ما بين الخطاب الديني والسلطوي المشتركين في إخافة الجماهير والحد من انطلاقها للأمام، ذلك الاغتراب الحقيقي الذي جعل الحياة متوقفة، والإنتاج مجرد كدح مجاني يقدم لذوي الجيوب المحدودة ممن يملكون زمام السطوة والتحكم بزمام الحياة ومؤسساتها، فالسلطة القامعة رسخت سلوكياتها في أذهان شعوبها، كي لا تتحرك الأخيرة ضدها، فكان الشعب في غالبه أدوات بيد هذه السلطة تؤلبها على بعضها كيفما تشاء ومتى تشاء، وقد حدث أن هبت الخراف من حظائرها ظناً منها أنها ستتغلب على هذا القمع، فإذ برصاصها ينقلب عليها، وإذ بها تهيئ الأرضية لسلطة أكثر حلكة وظلام، لاشك أننا نعني انتفاضة ما يعرف بالشعب السوري الذي صنع حدوده سايكس الإنكليزي وبيكو الفرنسي،وهو ماضٍ إلى طريق عبَّدتها السلطات في ذهنيتها ولاشعورها، حيث أن السلطة الإقصائية أيقنت أن دوام تناسلها وبقاءها يعتمد على مدى نجاح ترسيخ منظومتها السلطوية في عقول وقلوب شرائح المجتمعات التي تحكمها، وبهذا تضمن أنها ستخرج مجدداً من عباءة الشعب المنكوب عقلياً وروحياً، لتجدد نفسها كما تبدل الأفعى والحرباء جلدها، وما خروج ما يسمى بداعش وما قبله القاعدة والإخوان وتلك التشكيلات السلفية إلا من بين هذه الفئات التي تعرضت لأمية ممنهجة وتخدير تام من رجال الدين والسلطة، إذ جعلوا المجتمع عبارة عن أحزمة ناسفة وألغام متصلة ببعضها البعض، ما إن يحدث الإنفجار حتى يغطي كامل المساحة، هذا يجعلنا نوقن أن السلطة بالتعاون مع رجل الدين واستناداً لنصوص مقدسة ، قد نجحوا تماماً في تعليب الجماهير تبعاً لأجنداتها، ولم تنجح إلا باعتقال المعرفيين، تصفيتهم أو إبعادهم خارج هذا المطبخ، إن تدمير موارد الوجود والحد من ازدهار الحياة والإنسان يتم بالتزامن مع ممارسات القمع وتحديث العبودية بمختلف أشكالها، لأجل حروب جديدة، وشروخ متتالية يدفع ثمنها الأبرياء، حيث أن تعقيد نمط الحياة متأت من شكل وممارسة السلطة وتسلطها كجهاز خوف مركَّز في أوساط الجماهير الشابة، ولكن العداء السافر بطبيعته يكشف عن وجهه النقاب، ضد كل صوت مؤثر وضع برنامج التغيير والانتفاضة في ذهنه وجعلها من أولوياته، حيث يواجه المعرفيون الموت والقمع بوجه باسم، يرمز للصمود بوجه قوى التجهيل والقمع، ليعبروا عن التزامهم بماهية الجمال والإنصاف وقيمة الرفاهية في الحياة، إن استخدمت موارد وطاقات الناس بالشكل الذي يخدم تطلعاتها في التحول الديمقراطي.

إن نموذج الموت المفروض على هذه المجتمعات ، هو القمع إلى مالانهاية، وترسيخه كمبدأ ديني مقدس مفروض من الله وبوساطة حراسه على الأرض، بات مسألة لا تحتمل الجدل، ولا يذهب ضحيته سوى المستنير الباحث عن سفينة خلاص لبشر يرحلون مع الطوفان، ما يذكرنا بمأساة سقراط حينما ودع الحياة باسماً وهو يقول لتلامذته: „يجب على المرء أن يستقبل الموت بتفاؤل وفرح ولذا عليكم بالهدوء والتوازن” لهذا لم يكن الموت الجسدي هو ما يؤرقه بطبيعة الحال، وإنما قلقه على الأفراد والناس، خشية أن يرتحلوا إلى كهوف السذاجة والخوف من القمع والاحتكار السلطوي لكل شيء جميل، كان قلقه بمستوى ما يحمل من أفكار وتساؤلات، لهذا فقد استمدت منظومة الحكم الشمولي قوتها ،من تصفية المعرفيين والمعارف التي تحرك الأدمغة،وتجعل الجماهير تبحث عن حلول لأزماتها الفكرية على نحو خاص،إذ يجعل الخوف من الثائر ديكتاتوراً، ومن الأديب، مريداً أحمقاً، ومن المجتمع تماثيلاً محطمة، إنه بيان لعداء الحياة الجديدة، أو التحرر من سطوة الخرافة الجالبة للعنف من أوكار البدائية، فما جعل المجتمع يعيش الفوضى هو تعسف السلطة وجورها إزاءه، فالألم والمعاناة والفقد، هما مبدأ المجتمع المنكوب في ظل نظام قمعي، ألغى الإنصاف والعدل، حيث بات المستقبل على ضوء ذلك مجهولاً، إنه الجحيم السماوي المطبق في الواقع، والموت بأسوأ صوره، فسيطرة العبودية كمنظومة أمنية على مفاصل الحياة، جعل البشر في حالة خوف دائمة، سببته أنانية المحتكرين للموارد، وغياب أشكال الوعي بالتعايش السلمي،إلى جانب سيطرة الفكر الديني على فئات المجتمع وفق مفهوم الإسلام السياسي، الذي نجحت المنظومة القمعية من تحويله فكراً إيديولوجياً، حيث استندت أدبيات حزب البعث الحاكم، على المنظور الاسلامي الديني في الحكم، إذ جعلت من العروبة أساساً للدين،وعليه شرعنت حكمها للمجتمع وقمعها للأقليات، الذي يحتمي هو الآخر بحقوقه وخصوصياته القومية كردة فعل على التهميش والإقصاء والقمع الممنهج، حيث يتم الوقوف بضراوة أمام مطلب التغيير والتبدل اللذين هما جزء من حركة التاريخ والحياة إجمالاً، فأمام العدم والفناء الذي هو مبدأ كل كائن حي يمر بأطوار مختلفة لغاية الترهل والمرض، تقف مفاهيم الغطرسة والموت لتقوم بتسريع الموت وتغطية الحياة بما يثقل الكاهل، لهذا نجد أن المنظومة القمعية تنحاز للموت أكثر منها للحياة، إذ يلهث السلطويون إلى تحويل الحياة لساحة تعذيب وتصفية، لخوفهم من الشعب، وتقضي الجماهير حياتها في سبات متنقلة من خوف إلى غضب ، سرعان ما تنتج عن ذلك ردة فعل عنيفة مصحوبة برياح الفوضى التي لا تنتهي، حيث تحيا المجتمعات في سجونها الكبيرة على امتداد رقعة بلادها، فتعيش حالة الاغتراب الداخلية، ولا تجد من الهجرة سوى حلاً مريراً تتقبله في النهاية راغمة، لهذا فالموت بين الجغرافيا والفرار، هو ما يمثل الخوف الدائم من مستقبل غامض المعالم، ينبأ بالمزيد من المعاناة والشعور بالكآبة السوداء، حيث تبحث الأنفس عن الطمأنينة المفتقدة، جراء القمع الممنهج الذي تعايشه في ظل الأنظمة الحاكمة والتي لا تدخر أي خطاب وهمي لترويض وامتصاص غضب الجماهير، حيث يتم تقسيم المجتمع إلى فرق وتشكيلات مضادة لبعضها البعض.

التركيبة البعثية مثلاً تقوم على معاداة غير العربي في سوريا أو العراق، باعتبارهم خلايا نائمة قد يستخدمها الأعداء الخارجيون متى ما أرادوا، لهذا يجب تضييق الخناق عليهم، هذا عدا خوف السلطة من الشعب بعمومه، فالسجان يخاف مسجونيه، وإن كانوا في السجن، حيث يتم الاستمرار في زرع الحواجز عرقياً بين قومية وأخرى، دينياً بين مذهب وآخر، طبقياً بين شريحة مرتهنة لنظام الحكم ، وأخرى مناهضة لها ،فالصراع ما بين إرادة التغيير والخوف منه، بات وعاء يحوي قيم ومفاهيم الشرق الأوسط المتمخضة أصلاً عن ذلك التنازع، وفهمنا له يعتمد على مرورنا بطبيعة علاقة الوافد الخارجي بجغرافيا هذه المنطقة واحتفاءه بمظاهر الهوس بالسلطة والاستبداد لصالح البقاء، وقد تمت ممارسة الاستعمار بواسطة الخوف والقمع، إذ عبرهما ألغيت أدوار المبدع الحر، وحلت مكانه لعبة السلطة في تعليب وتشويه كل طبيعي وحالة قائمة تحاول بناء شيء ما بمقدوره إزالة هذا الهدم المتلاحق للعلاقات الاجتماعية، من خلال زرع بذور الاحتقان الذي بطبيعته يقيد حركة المجتمع والفرد، ويعطل من إمكانية بروز الحركة التنويرية الهادفة لإزالة الألغام السلطوية المحيطة بالعقل، فتعطيل حركة المجتمع هي إحدى وظائف السلطة القمعية ، لمواجهة الحقوق والتملص للواجبات تجاه الشعب،لا يبقى الخوف رابضاً لأمد طويل ، إذ سرعان ما يتبعثر ويتلاشى في انتفاضة تقتلع كل رهبة، كما حدث حين هبت المدن الكوردستانية في سوريا لتجديد العهد مع أرضها ودماء شهدائها وأهلها الآمنين في قامشلو، وهكذا نجد الخوف زائلاً بمحض الغضب ووجود الإرادة، لهذا ظل الخيار أمام مجموع الشعب المنهك هو الصمود بوجه ذلك اليأس والإحباط، نحو بعث يقظة الإنسان، وحربه لأجل الحرية والعدالة، حيث تجاهل الشعب المنكوب حينها ذلك الهراء الزائف المسمى بالمواطنة في ظل حكومة لا تراعي لهم عهداً ولا ذمة، فكانت تلك الهبة الشعبية، تعبيراً عن اتحاد الشعب الكوردستاني في كل مدنه وأريافه، ومحاولة لوأد الخوف للأبد، على الرغم من جبروت الطغاة وأساليب قمعهم، إلا أن لإرادة الشعوب رهبة بإمكانها زعزعتهم، فالخوف يعتبر رصيد السلطوي الذي يعتمده للبقاء في الحكم وزيادة الربح والنفوذ، وهو بالتالي خبز المجتمعات المتدينة والمحتقنة سياسياً، فالأنظمة الاستبدادية تعتاش على مبدأ الخوف، كأسلوب ضامن لهيمنتها، كما أن رجال الدين المتواطئين تاريخياً مع السلطة،أسسوا منظومة الخوف انطلاقاً من مبدأ الوعيد بالجحيم، كنتيجة عن عصيان الله والتعاليم الواردة في النصوص المقدسة، ذلك أنتج نوعاً من التلاقح الخبيث بين رجال الدين والسلطة كمركبين فعالين للقضاء على منابع الثورة الذهنية القائمة على تطوير الجدل الفكري،و قد تم منع الجدل في السياسة والدين والجنس، كما تم تحويلهما كأفيون يتم تعاطيه خلف الكواليس، لإشغال الشباب بها، وتنويمهم من خلالها أطول أمد، وبث البطالة والمنهاج الدراسي الجاف الخالي من التعليم الجوهري، سوى من التجهيل، وإشغال الشباب الجامعي على التفكير بالتخرج والتوظيف، إذ يمثلان أقصى طموحات الشباب في ظل عزلة اقتصادية خانقة، وفساد مدقع وشامل، وتحلل يتم ممارسته وراء الكواليس، وتمجيد للمادة التي تتيح للمرء تلك الحياة القائمة على التكاسل والنهب، كل ذلك قاد إلى نتيجة واحدة وهو التدهور الأخلاقي والتردي النفسي الذاتي، وسحق منافع الناس،حيث تعمل الأنظمة الاستبدادية على زرع الشك والالتباس بين فئات المجتمع وشرائحه، لتنعدم الثقة بين الناس ، وتصبح الفوضى هي القالب الجامع لكل التناقضات العنفية التي من شأنها أن تقوض أركان المؤسسات كافة، فهذا الصراع الشرس ما بين أنصار التغيير المعرفي والعنف السلطوي قديم قدم التاريخ، قدم العلاقة المشوهة ما بين الحاكم والجماهير، بين رجل الدين والجماهير، بين الأب وأبناءه، لهذا يطرح على الدوام تساؤلات وإشكالات شتى، لهذا يتم الانسلاخ في لحظة الغضب عن كل ما تم ترسيخه في حياة اعتمدت على القسر والإجبار، فهذه الانتفاضة لوّحت بمراحل قادمة يسودها رأي الشعب وكلمته فوق نظام القسر والاعتباط، ليتم الوضع لهذا العبث الذي أودى بالأرواح البريئة وجعل المجتمع متفسخاً يسكنه شرخ يزداد وهوة عميقة، لهذا نجد أن السلطة القامعة مستفيدة أيضاً من ابتعاد الناس عن الوعي التنويري والفلسفة من خلال تداولها لما تريده من أفكار وخرافات عبر أجهزة إعلامها وكذلك من خلال المنهاج الديني، ناهيك عن بث أفكار القومية الواحدة وترسيخ الإندماج القسري ، لهذا جرى تداول هذا الصراع بين الأعراق، العرق الأقوى المتسلح بلغة الدين وإليه تعود السلطة والهيمنة على ثقافات وحضارات حمت خصوصيتها وصارعت أمام محاولات الطمس والإبادة الثقافية، حيث مثَّل البعث بإيديولوجيته السوداء الإبادة الثقافية خير تمثيل، وما مراميها لتعريب المنطقة الكوردستانية الواقعة في شمال سوريا إلا تعبير عن العنف الثقافي وتغييب الهوية لشعوب المنطقة(الكورد) بغية ترسيخ الإقصاء واللااستقرار لكافة المكونات بما فيها تلك القومية الحاكمة التي يعاني شعبها في ذات الوقت من طغيان وفساد تلك السلطة التي لم تدخر وسيلة إلا واستخدمتها ضد منافعها وأمنها وحريتها، حيث اعتقدت انها من خلال نظرية المؤامرة والعدو الخارجي(إسرائيل) قد تستطيع إعطاء التبرير لبقائها أمينة على أحلام قومية واهنة تدور في أروقة الوهم والخداع الواضح للجماهير(حزبي البعث في سوريا والعراق)، بغية إبعادها عن طبيعة الحاضر وسعي الأمم للدمقرطة والتغيير الجوهري للسلطة ونظام الحكم، حيث أن تلهية أذهانها نحو ما يسمى محاربة العدو الخارجي، جعلها ترضخ للعبث والانتهاكات التي تتم ضدها، وجعلت المنطقة برمتها تعج بالصراعات الظاهرة والكامنة، وهكذا يمكن القول أنها نجحت في تهيئة الفوضى إلى أمد بعيد.

إن ثقافة الإقصاء هو نتاج الأخطاء السلطوية ، حيث جعلت المجتمعات في حالة صراع شاملة لا تنتهي، معتقدة أنها بذلك تحمي أماكن تواجدها وتحكمها بالموارد، حيث يتم ربط كل فوضى بالأجندات الخارجية، لشرعنة بقاءها، حيث اعتمدت الثقافة الواحدة بالقوة على صهر المكونات الأخرى في بوتقتها كحاجة سلطوية تدعمها إيديولوجية تاريخية من الغطرسة والعنف، لتحول دون الإبداع والتآلف الاجتماعي الحضاري، ولتدفع البشرية برمتها أثمان فساد السلطة وانحرافها، كل ذلك جعل الحياة تدور في فلك الضياع والتفسخ الروحي والفكري وأعطى للإرتهان الفسحة الرحبة لإسقاط كل فكر حر، أو نهضة واعدة، حيث أن أدوات فرض الثقافة والتقاليد نابعة من الدين في كيفية جعل الناس تتأثر به بالترغيب والترهيب على حد سواء، فهي طريقة مثلى لطمس معالم الألوان الاجتماعية، وإلباسها لوناً واحداً، ثقافة واحدة، ولغة واحدة، ومن ثم أرضاً جغرافية يسودها نظام حكم واحد، استمد سطوته من هيمنة الدين الإسلامي، والطريقة التي اعتمدها دعاة نشره في غزو كل البقاع الأخرى وفرضها قسراً على شعوب وثقافات بغية صهرها وتذويبها في بوتقة اللغة العربية، فالبديل المطروح كما في هذه التساؤلات المشرعة والمفتوحة هو تقديم البديل المتجسد في التمسك بالجذور والثقافة واللغة منعاً من انقراضها وزوالها، حيث زوال هذه الهجمة الثقافية السياسية هو بمثابة بداية للتعايش بين الشعوب بانتفاء مسمى الأقلية والأكثرية، لحياة أكثر تنوعاً وانسجاماً،ولعل الغزو الثقافي ضد الهويات والثقافات الأخرى، جعلت الفوضى لسان حالها، وكذلك فاقت المركزيات الدينية والعرقية غطرسة وجوراً على فئات ذاقت مرارة الصراع الذي ركز على إخراج شخصية دونية تتمتع بخصائص الكراهية لسيادة وسلطة الأقوى الممارس جوره تحت يافطة المقدس الإيديولوجي أو الديني، حيث مارس الأوروبيون على الأفارقة، تلك النظرة الإقصائية ، لطمس معالم الحضارات الإنسانية لشعوب أفريقيا، كما مارس العرب عبر الدين الإسلامي ذلك بحجة عالمية الدين مضفيين على اللغة العربية بعداً دينياً مقدساً، كما فعل الاتحاد السوفيتي في محاولته فرض اللغة الروسية على بقية الشعوب التي هيمنت عليها، لهذا باتت اللغات المنتشرة بالقتل والاستعمار وصهر الشعوب أكثر تداولاً محل تلك اللغات الأصلية التي هجرتها شعوبها فما الاعتقال والتعذيب والتنكيل بالجماهير إلا شكل متمم للإبادة الثقافية، إذ يعمل القمع السياسي جنباً إلى جنب مع آليات الصهر والتذويب، والتي رسخت فيما بعد لمعارك الصراع الأهلي،وقد كان الدين مطية تاريخية ورئيسة على أساسه تتم ممارسة الإذابة في البوتقة العرقية الحاكمة، كما جدلية الإسلام والعروبة، فمن خلالها استطاعت الديكتاتوريات القومية محاربة الشعوب الأصلية داخل أراضيها، ولعل ذلك تشعب فيما بعد ليتم تتويجه بفكر تنظيم القاعدة78 والإخوان المسلمين79 الذي استقى آليات حربه من التاريخ والغزوات الاسلامية،، لهذا نجد أن الحروب السلطوية راحت تنسف كل القواسم المشتركة بين الشعوب، وأخذت تقوض وتهدم كل ركن حضاري تحقق على يد الإنسان المعرفي منذ القدم مما يذكرنا بما قاله اسحق نيوتن(4)ت 1727م 80 ( نحن نبني الكثير من الجدران ولكن لانبني ما يكفي من جسور ) فهذا التدمير الممنهج لأواصر التعايش والتآلف بين الشعوب ، جعل الخوف الإله الحاكم على الأرض والمتجسد في شخص القادة والتماثيل التي تنصب لهم في كل ركن.

حيث أن تجسيد إرادة الثقافة الخامة التي تأبى العيش على الهامش، وترفض الانصهار والانطماس جلية في ردع الخوف المتمثل بالتمثال، ومقاومة الإبادة الممنهجة ، التي تشمل الحياة الاجتماعية والسياسية، حيث ينظر لتلك الشعوب المتمكسة بهويتها، كخطر يعيق توسعها وهيمنتها على مفاصل الدولة بمؤسساتها على نحو شامل، حيث يرمز تدمير التمثال إلى كسر رهبة الخوف والقمع السلطوي، ومتابعة هذا الصراع لما تتضمنه من قيم تتلخص في تشبث الأحرار بالحياة ضد قوى تعتاش على تدمير كل بناء أو مكتسب، حيث تركزت وظيفتها على الهدم ونشر الرهبة بين النفوس، لقد برزت المعرفة كحالة تنويرية تلجم مخاطر وسوءات سلوكيات السلطة القامعة لما تمارسه من ضرر على مستقبل الشعوب وتعايشها فيما بينها، وكذلك عكست على نحو سلبي على جودة تفكيرها ولهذا دعت الحاجة لمناهضتها انطلاقاً من ترسيخ مفهوم الانتفاضة الجماهيرية والتي تمثل ناقوس نهاية لتلك السلطة وزبانيتها ، فما ارتكبته السلطة من فك للروابط الطبيعية بين المجتمعات المقموعة من خلال زرع الخوف كأفيون، هيئته تلك القوة المضادة التي من مبدأها العمل على جمع الناس وتوعيتها، حتماً لا نعني بالقوة المضادة تلك الساعية لتنوب عن السلطة ، إنما نعني به النخبة الشابة القادرة على إضفاء حياة جديدة وتستطيع أن تنهض لمناهضة هذا الانتهاك وفضحه، بوسائل متعددة، لعل آخرها هو العمل المسلح، الذي يسبقه وعي جماهيري بالحياة التنظيمية القائمة على التشاركية لا الإقصاء، فقد ساهمت المركزية القومية الدينية في هيئتها السلطوية على عزلة المجتمع وإبعاده عن كل متنفس يشي بظهور أفكار إيجابية تتوالد من فعل إبداعي يحتوي كل المدركات والمواهب التي تمثل روح المجتمع وجماله في الوجود، حيث انشغال الشعوب المقموعة ومثالاً الشعب الكوردستاني في الحفاظ على هويته وفي استمراره بالصراع لأجل حماية ذاته، أعاق تفكيره بشيء آخر يتعلق بالإبداع والابتكار، حيث في ظل القمع لا يمكن التفكير في شيء مختلف وجديد، حيث تتفسخ بنى السلطة القمعية الشمولية عبر الزمن ومن الداخل ، إذ تتنافس الأيدي الجشعة على أيها يحوز أكثر على مفاصل الهيمنة والحكم، حتى تتصادم وتتنافر لتحدث شغباً حقيقياً يودي بها وبالمجتمع إلى الهاوية ،حيث تمثل الذهنية الشمولية في آليتها الفئوية في الحكم خطراً على الوجود الإنساني والسلم الطبيعي ـ كما يمثل أيضاً مرتكزاً لحروب قادمة تدمر الطبيعة بدورها، إذ حينما تعم الكراهية ، ينتشر الاحتقان بين المجتمع ، فإنه ما يلبث أن تتحطم شخصية الفرد ، وينشأ ذلك التصارع والتنازع الذي هدفه القضاء على كل نهضة عقلية تنشأ عن اتحاد المعرفيين وأصحاب المواهب الرامين بدورهم إلى توافق حول مستقبل الشعوب ودمقرطتها وجعلها أكثر أمناً وأماناً ورفاهية.

إن بطالة الشباب والتضييق عليهم وكذلك الحد من المواهب والإدراكات الخصبة لتلك الشعوب المسحوقة من قبل ديكتاتورياتها، كشف عن حياة أكثر قلقاً، تتضاعف من خلاله حدة الحروب والأزمات التي تحصد الأخضر واليابس، فالتقسيم المرعب لشعوب الشرق الأوسط عرقياً ودينياً وطائفياً ، كشف الستار عن مجموعة حروب متوالية تخدم قوى النفوذ والربح، حيث ضياع الهوية ومحاربة الإنسان في انتماءه أو لغته واعتقاده، مثّل ذلك الخوف الإله على الأرض،حيث إن إرث الأديان هو إرث فن التحكم بالجماهير، بمعنى أن الدين هو خطاب السلطة للناس، ولعل من ساهم في إنشاء خليط العادات والتقاليد التي تم تمقصها فيما بعد من قبل الناس بمختلف شرائحها، هم السلطويون بالتحالف مع رجال الدين، لقد أنشأوا مع تقادم الزمن منظومة الخوف المقدس، وهذه المنظومة تتعامل مع الجديد من الأفكار والرؤى على نحو حذر، إذ أنها على تنافر وتصادم معها باستثناء ما يتعلق بتطوير هذه المنظومة وترسيخ الخوف كحالة واجبة ، ويجب عيشها والتماهي معها، وهي بالتالي تمثل ظل السلطة المستنير على الأرض كون الدين طريقة حياة ، وهو وعاء يحتوي قيم وتقاليد السلطة وكذلك التراث الشعبي والميثولوجي على نحو متكامل، حيث تحولت القناعات المتكلسة إلى وثن يرمز للرهبة، وكسر إرادة الجماهير من خلال محاربة الأفكار النهضوية، ولعل تحويل حياة الشباب إلى نمط خاوٍ يرتكز على الفراغ، جعلت السلطة تتغول أكثر من نافذة البطالة نمى لهذا الخوف أيدي ومخالب حادة، وكذلك تولدت عنه منظومة التقنع بالقدر، وبأن الملك لله يؤتيه من يشاء، هكذا تواطأ الخطاب الديني مع رجل السلطة، فكانت الأفرع المخابراتية على غرار المحفل الملائكي، إذ أن وظيفة كل ملاك مختلفة عن الأخرى، فمن قابض للأرواح إلى نافخ في البوق، إلى محدث للموتى في القبور وعلى نمطه تشكلت فروع الخوف في بلاد لا تقدس سوى الكبت والعنف، في تعاليمها ونصوصها المقدسة، حيث تمارس السلطة تقاليدها القائمة على الاعتقال والاغتيال، لتحقيق هدفها في تعميم الخوف، فكل من يطالب بحقوقه يتم تصفيته، بخاصة تلك الشخصيات التي لها صفة اعتبارية بين الناس ، حيث يكون الاغتيال من شرارات النقمة على الخوف، والذي يجند الجماهير عنوة للقيام بانتفاضتها، وهي ليست كما قال توماس مور81 : أداة من أدوات فن الحكم ، ووسيلة لتجنيب المواطنين العاديين مشاق الحرب التي كان قادتهم مسؤولين عنها.

بل يعد الاغتيال وسيلة تحدي موج القوة الجماهيرية ، والتي ما تلبث أن تشعر بالاستعداء من خلال قتل السلطة لمتنويرها، إذ تعد ناقوس نهاية لتلك السلطة مع الوقت، إذ يؤسس الاغتيال السياسي للفوضى النفسية لدى الناس، يعمل بطريقة ما على بروز تلك القوة المضادة والهادفة لتنوب عن السلطة القائمة، حيث لطالما كان الاغتيال بمثابة انتقال لمرحلة خطرة يسودها اللا استقرار والحرب، وهي بمثابة مؤشر للانتقال السلطوي، إذ أنها تغير وجه المرحلة كلياً، حيث يعتبر الاغتيال ظاهرة وحشية تؤدي لاستقطاب أمواج الغضب والنقمة، والتي بدورها تضع السلطة القائمة على أبواب حدث مفصلي، حيث يسرع الاغتيال لتحويل الحقد إلى مذهب وإيديولوجية بين الناس والشباب خاصة، ويتجسد لنا بذلك حجم الخراب الروحي الذي تتشارك به قوى الاغتيالات في تدمير الروابط المؤسساتية، وترسيخ الخوف والغضب كعاملين مؤديين للفوضى الشاملة.

لقد دأبت السلطة القومية على ترويج هذا الخيلاء والتهويم، بأحلام العروبة والتوحد والهيمنة وكذلك على تأصيل الإسلام السياسي وشرعنة الاغتيال والاعتقال، على تحويله لديانة سلطوية ذات إرث تاريخي، وحقيقة ، إذ جعلت المجتمعات تتماهى به مع الوقت، على حساب اهتمامها بالآداب والفنون والمواهب، على العكس تماماً، فقد شنت حرباً ضروساً على ميادين الجمال والفكر والفن، مستغنية عنه ومستبدلة إياها بعقل الاستخبارات المقوضة لإرادة الجماهير ، بغية تشتيتها وإخصاء دور معرفييها، لتجعلهم إما غائبين في الزنازين أو متعاونين.

إن عرض هذا النسق المعرفي من السرد هو بمثابة دلالة واضحة على صعوبة الحدث وتعايشه، فالشعب لا يمكن أن يكون أجيراً لدى فئة سلطوية متحكمة فيه، إذا لم يكن الحاكم أجيراً لدى الشعب، ولهذا فإن الخوف يكون بمثابة الأفيون القائم ما بين الحاكم والمحكوم ، إذ يتعاطاه الكل إلى حد تتفسخ فيه المنظومة بفعل تكالب الخوف والعنف وكثرة المظالم والمفاسد إلا أن تنهار هي وتلك البنية الجماهيرية أيضاً ، إذ تؤدي الفوضى إلى تدمير كل ما هو جميل ، فقاعدة بقاء الديكتاتورية على مزعم أنها مبعث أمان وأمن، جعل الفئات المسحوقة تلجم غيظها إلى حين، فهي لم تك تدري أن ذلك اللجام لن يجدي أمام قدوم العاصفة الكبرى.

فهنا تكمن حقيقة التصارع السلطوي على حساب الإنسان المسالم في بيئته ومن خلال طبيعة انتماءه، وطريقة فهمه لما يحدث في واقعه من انتهاكات وتجاوزات تمارس

ضده، وهو بالتالي محتوم عليه أن يعيش هذا الصراع في ظل نظام شمولي قومي لا يقر بوجودية مجتمع متنوع المكونات والحضارات، لهذا يجد في القمع والاغتيال وسيلة لضمان سطوته، فخلق مجتمع العنف هو من ضروارات بقاء السلطة القومواسلامية، كما هو في الآن ذاته مؤشر لسقوطها أيضاً، حيث اتخاذ الهوية العرفية أساساً لتقويض الانتماءات هو ما يمثل الولوج لمتاهة فوضى لا تنتهي، تطال الدولة وجوارها أيضاً ، ولعل الوضع السوري منذ 2011م أبرز انفجاراً فئوياً من داخل تلك السلطة ، أنتجت سلطة مضادة مشوهة تسمى بالمعارضة، لوّحت بالأسلمة والإرتزاق لأبعد مستوى، واستطاعت أن تمثل السلطة في شكلها المشوه، عملت على مخاطبة مريديها وجماهيرها من فوهة الخطاب الطائفي، محافظة على عقلية السلطة القائمة في حربها على الأعراق والأقليات التي تأبى المكوث في عباءتها العروبية، وقد تسلحت هذه المعارضة بتأييد اقليمي، يشرعن وجودها كبديل عن تلك السلطة القائمة، هنا نجد الصراع سلطوياً ، مع اتفاق مشترك بينهما وهو تحديث الذهنية القومية المغلفة بطابع إسلامي ظلامي يحمل فكراً حاقداً على المسيحية الأوروبية، إنهم باسم الحروب التاريخية وامتداداً لها يقتلون وينهبون ويقومون بتفتيت المجتمع إذعاناً لأهوائهم وغاياتهم في السلطة والنفوذ وشرعنة الإرهاب والفوضى، لهذا نجد ممارسة التعذيب في المعتقلات والاستجوابات ظاهرة سلطوية في تخريب النفسية الاجتماعية وجرها للفوضى والاستنزاف، كذلك جعل الخوف خبز المجتمعات المقموعة ، عبر التصارع الفئوي الذي كشف عن سوءاته وعلله بين شرائح المجتمع ، من خلال اللعب على وتر الطائفية أو القومية، كل ذلك أسهم في انهدام أسس التعايش السلمي بين المجتمعات وأفقدتها الحيوية مع تقادم الزمن ،و أسس لسلطة زائفة تفتقد للمسؤولية والحكمة في إدارة مناحي الحياة، حيث تم وخز الفرد بالشعارات والأحلام الكبيرة الفارغة سوى بحلم المساواة بين الطبقات وكذلك وحدة الوطن الكبير، واعتبار كل من يغرد خارج النشيد القومي والانتماء الحزبي عميلاً يجب القضاء عليه ، والتفنن بالاغتيال وتبديد الخصائص الحضارية وإذابتها في بوتقة الصهر العرقي ، جعل الأفراد في حالة من الاغتراب والبؤس ، قادت الجماهير إلى ترديد شعارات الخواء ، وكذلك تكرست ظاهرة قطيعة المجتمع عن الحاضر وكذلك عن التمنية والتطوير ، حيث برزت السلطة الإيديولوجية القومية كامتداد لإرث الغزوات وابتلاع الأراضي وممارسة الإبادة الثقافية والسياسية، من خلال تعطيل فعالية العقل عبر وضع الخطوط والموانع وكذلك تخدير الجماهير بأحلام الوحدة واعتبار الأقليات مرض يستشري داخل السلطة ويشكل عائق يحول دون تحقيق الحلم، وكذلك فإن الوقوف بوجه التطوير الجذري للخطاب الإسلامي ، جعل التطرف هو المادة الأكثر عنفاً ورهبة والذي يتم توظيفه ليكون بديلاً عن عصر السلطة القومية ، هكذا أوجدوا ذريعة لبقاءهم وولادة ذرية أكثر شناعة تستبد بهم جهاراً نهاراً من خلال الدين المتطرف فقداسة النص الديني من قداسة المسعى السلطوي في هيمنته على روح الجماهير وذائقتها ، لذا يصعب التغلب على ذلك الإرث من العلاقة التوأمية بين الدين والسلطة ، لهذا وجب البحث عن بديل عن ذلك الإستئصال، من خلل التحول الديمقراطي الحقيقي القائم على النهضة المعرفية، وإنعاش الأفراد ذهنياً من خلال فصل المعتقد عن الدولة والمؤسسات ، والإبقاء عليه في حدود الذات، ولقد مشت الإيديولوجية القومية الشمولية على خطى السلف الحاملين عصي الدين والنص المقدس ليسفكوا من خلالها دماء الأبرياء، فقد تم تفتيت الأوطان وحرمان الشعب الكوردستاني من حقوقه في الأرض واللغة والخصوصية المتمثلة بالدولة، لهذا نجد هذا الجوع والحرمان من القومية كونها وسيلة دفاعية ضد سلطات اتخذت القومية كحالة هجومية توسعية اجتثاثية ، غايتها طمس الجذور والمعالم التي تميز شعباً عن آخر ولغة عن أخرى ،وهنا لا بد لنا من أن نتساءل ما أثر الأزمات العالمية والسياسية على طبيعة المجتمع، أفكاره، قناعاته، وتحولاته ، وكذلك أثر هذا النزاع على منظومته الفكرية والعقائدية؟!

إن أجواء العسف والجور تنتج صنوف القهر والقمع الذي ينتج فيما بعد انتفاضات متعددة ، تتمحور حول طرق تحصيل الحق،فمعركة الحق تدعمها خلفية تاريخية تقوم الإيديولوجيات المعاصرة بتجميلها وتقويمها وإعادة انتاجها، بمعنى آخر تفصح الأزمات الاقليمية والدولية عن وجه جديد للجغرافيا غير المتجانسة ضمن شعوب خرجت لتوها من ربقة الخضوع للسلطة المركزية الشمولية ، لهذا كشفت معركة الحق عن بطلان هذا المفهوم وووهميته مع الوقت ، إذ تبين أنه وسيلة لإضفاء الهيمنة السلطوية شرعية أخلاقية وقيمية، تقوم على أساس تهويم الجماهير وخداعها عبر الشعارات التي تقودها القوى السلطوية التي اعتاشت ونمت وتجذرت بناء على أسس الدعاية النفسية من خلال التاريخ المستند على تجارب الحروب القائمة على التوسع على حساب انسحار وتمدد الطرف المقابل وانكماشه ، برز فيما بعد الانتماء لهذا التجييش الذي بطبيعته ضمان استمرارية الحروب القائمة على الإبادة على مبدأ احتكار الجغرافيا والثقافة والمستقبل، تحول المؤمنون بهذا إلى وقود لحروب تغطي الوجه الأعظم للعالم، وكشفت عن شعوب هاربة بلا وطن ، تلاحقها فلول وجماعات الانتماء للوطن الكبير، مثالاً عن ذلك الوطن العربي، الفارسي، التركي ، الروسي، الانكليزي وغيرها عبر التاريخ، لهذا نجد أن ثمة صراعين حقيقيين ووطيدين منذ أوج التاريخ ، بين ثقافات الدم والهيمنة وبين قوى حضارية اندماجية استطاعت أن تدمج إرث المعرفيين في أنحاء الوجود في ظل عولمة ثقافية تراكمية تستمد حقيقتها من مفهوم التعايش والتآلف وتبادل المعارف، لهذا فإنه من المعقول أن نتنبأ بغلبة التعايش التشاركي المنصف بين الشعوب وفق أسس المواطنة الجوهرية على حساب انحسار العقلية الإقصائية ، والسبب أن الأخيرة لقنت ممتهنيها وضحاياها دروساً قاسية ومؤلمة تتمثل بعصور الحروب الدينية المقدسة والحربين العالميتين في أوروبا، وآخرها الحرب الكونية الثالثة المسماة بثورات الربيع العربي .

فصل الكوردستاني عن لغته وثقافته وهي ترسيخ تجزأة وطنه عبر صهره بالعروبة والطورانية والفارسية، نتحدث هنا عن هوية تجد نفسها الأكثر قدرة في ظل فوضى السلطة على تجديد انتماءها لوطنها، وكذلك إعادة الحياة إلى نصابها المفترض والصحيح، فعلى الرغم من أن التساوي في الحقوق والواجبات قد يصبح مستبعداً في ظل لهث السلطويين الجدد (المعارضة) على تقاسم تركة السلطة المهددة بالسقوط، تسعى تلك الأخيرة لأن تكون وصية على منظومة الإقصاء والعسف، لتؤسس لواقع شعاره الفوضى والانقسام، فغياب التنوع الثقافي وتهميش أدوار الفئات والشرائح وتمايزها عن بعضها البعض، هو بمثابة إعلان حرب عبثية على المجتمع الشرق أوسطي ككل، حرب تستنزف الإرادات ، وتحرّف بمسار التعددية ، لهذا فإن هدف كل هبة شعبية أو انتفاضة جماهيرية هو خلق مجتمع الرفاهية، وقوام تلك الرفاهية يستند إلى تحرر الإرادات من أشكال الرق الناعمة ، والتي فرضتها السلطة القامعة عبر الإعلام والتربية والتعليم، ناهيك عن تعدد الأفرع الأمنية واستخدامها لتكميم الأفواه وملاحقة أصحاب الرأي،كيف يتم تخطي هذه العقدة والتي تراها المنظومة السلطوية ضمانة لتربعها على عرش السلطة وتدشينها لأبنية الفساد والاستبداد وتكميم الأفواه، إذ أنها دون القائد الرمز وألوهيته ، مهددة بالتلاشي، لماذا نجح العالم المتمدن في إسقاط من تسببوا بإيذائها عبر ديكتاتورية القائد الأوحد ، إذ أن أوروبا ذاقت الأمرين من موسوليني82 وفرانكو83 وهتلر ومن جاؤوا وهيمنوا على الحريات والرفاهية وسحقوا كل من واجه ذلك بالحديد والنار، إلا أنها في الشرق الأوسط تفصح عن وجهها الكريه بطرائق وأشكال شتى ، ولا يفعل الجماهير إزاءها سوى التصفيق إلى درجة مجنونة، يواكبون حركات وسكنات القائد، كامتداد ثيوقراطي عن نظرية الإنسان الإله أو النبي المتوج بالمعجزات.

وهم المجتمع :

هل نحن أمام وهم المجتمع،هل بإمكاننا القول أن المجتمع هو وهم يتربع في عقولنا، هل له وجودية، نجد المعالم الفردية تطفح بالكثير من الأشياء التي يقف المرء على خلاف نقيض معها، وإن رأينا المجتمع كقوة نجده من خلال الإنسان الفرد،يستحيل أن نجده مجسماً على هيئة أفراد مختلفي الأعمار أو الإتجاهات، في خضم صراعات تتوالد ولا تتوقف، لهذا نجد أن الخيوط المتشابكة والمتنافرة في الحياة، هي التي لا يمكن قولبتها في إطار إيديولوجية محددة ، كونها تدخل في إطار بث المزاعم وإخفاء النوايا، لأن غاية الصراعات ومبدأ المجتمع مؤسس على فكرة الاستحواذ والهيمنة التي تقوم بها السلطة المتنفذة لإبعاد خصومها، وما المجتمع إلا إفراز لما نسميه بالسلطة، وما تذمر المنبوذين إلا مسعى غير مباشر لسلطة مضادة، حيث يتجسد المجتمع كونه مضخة إنتاج الأزمات والسلطات حسب مدى وعيه وتجاربه وقدرته على الاندماج بالجوار ،حيث تضمحل قيم المجتمع وثقافته بفعل عوامل الإبادة وممارسة إلغاء أدوار أفراده المعرفيين القادرين على إخراج المجتمع من طور الأزمات إلى طور الإنعاش والاندماج النهضوي بثقافات الجوار وكذلك من خلال الإعلام والتبادل المعرفي يمكن القضاء على الاحتكار الربحي الذي يحاول دوماً جعل المجتمع مضخة تجنّد الأفراد لصالح نوايا المتحكمين فوقياً بكل شيء، هل يمكننا أن نقول أن ثمة مجتمعين يتصارعان ضد بعضهما على الدوام وهما مجتمع السلطة والذي يمثل الخلية الصغرى المتحكمة بالمجتمع الأكبر وهو الأفراد والفئات التي تعيش وتتعايش كما أنها تتنافر وتتنابذ وفق تأثيرات المجتمع الفوقي السلطوي على تقاليد وسير الفئات الإجتماعية بشكل ممنهج، هل يصح تسمية الفئة الحاكمة بالمجتمع الصغير والذي يتصف بتأثيراته المتجلية في سطوته ويده الطولى المتحكمة اليوم بالإعلام والجيش، والاستخبارات ،افتراضاً إن صح ذلك فهذا يعني أن التصارع يمثل حقيقة الوجود، ولا جمال في حقيقة هذا الصراع سوى كونه استنزاف لطاقات الإنسان والوجود معاً.

نجد أن تبدل النفس هو تعبير عن تقلبات الحياة وأوجاعها في ظل المجتمعات المسحوقة والتي تعاني من الاستبداد والفساد على حد سواء، لربما ثمة علاقة ما بين طبقة مسحوقة وأخرى تعيش في القاع ولا تهب سوى لذة الجسد كوسيلة لتناسي الوجع القائم والذي لا يتم تخديره بل سرعان ما يطفو على السطح ليتعانق مع وجع الخارج ولهذا نجد ذلك الغموض في الحديث عنه حيث البكاء أولاً ومن ثم الرغبة ، وما بينهما عالم من الأشلاء المتحركة ،لطالما كان الخوف هاجساً لحياتنا، يغزو كافة احتمالات بقاءنا وتعرضنا للفناء والاندثار، وكذلك ضياع الهويات، يمثل الهاجس الأكثر تضخماً لدى شعوب اعتادت على الصهر والإبادة والقمع على مر ظروفها التاريخية وتحولاتها الاجتماعية، وكذلك يعتبر التسليم بالخوف والإيمان ببروزه في حياة المرء هو نوع ناعم من الكارثة الإنسانية والمأساة التي ينفرد الإنسان بعيشها في خضم كون متشعب وشاحب، وكون منجز الإنسان المعرفي غير قابل للإندثار ، فإن الخوف يمثل تلك الكبوة التي تواجهه عند كل عمل يقوم به، ولعل الخوف يجلب في طياته الشعور بالقلق وكذلك يدفع المرء لمزيد من الحذر المفرط ، ليصبح أقرب للجبن، والجبن هنا يحتوي في قيمته على العهر والإسفاف بقدر الموجودات وقيمتها في حياة المرء، فإن ما يدفع الجماعات البشرية إلى التفتت والانقسام هو عامل الخوف الذي من شأنه أن يودي بأي عمل أو حتى انتفاضة نحو محرقة الهلاك، ما يشي عن علائق مضطربة ما بين الإنسان الكوردستاني وقدره ارتباطاً بحقبة التقسيم تلك والتي جرت عام 1916م

لعل هاجس سايكس بيكو84 لم يغب عن أذهان الكورد ، إذ أنه ومن خلاله تم تقسيم كوردستان إلى أربع أجزاء ، لتكون الوحدة ضرباً من المحال، حيث يعتبر الاعتداد بالخصوصية والأرض واللغة، عماد الحركة الحضارية لكل شعب عبر التاريخ، لهذا نجد المعركة هي ضد رهبة الخوف والموت معاً على حد سواء لهذا فإن الانتصار على الرهبة يمثل وعياً جامحاً لا تستطيع أن تتصدى له عنجهية صناع الموت بأدواتهم الرنانة تاريخياً وفنون تعذيبهم واعتقالهم، والإصرار الأكبر من الفئة المعرفية المستنيرة يكمن في التصدي للتشاؤم والاغتراب الذي تمخض عن العبودية والتحكم بالجماهير، والتأثير على نمط تفكيرها وذائقتها، ما هو واضح فإن أعمال السلطة القامعة وتحايلها على الجماهير هو انتصار للموت على الحياة، وكذلك هو تسليم بالخوف ، إذ يخاف السجان والمسجون معاً، يشتركان في حالة عدم الثقة والكراهية المتبادلة، لهذا نجد نجاح ذهنية الموت الواقف بالمرصاد لتطلعات وطموحات المعرفيين في نشدان الحياة الأفضل، يستمد هذا النجاح مصداقيته من جملة الأطماع والمفاسد التي تنحاز للأنانية السوداء الطامحة لغزو العقول والجغرافيا، وكذلك تدمير روح الانتماء للأرض، ناهيك عن الكوراث التي تفرزها من تلوث بيئي وتشوهات في بنية الوجود والموجودات ، ولكننا نجد أن الموت عدا عن كونه نشدان وتطلع سلطوي للإبادة والهيمنة ، أنه معنى فلسفي منحصر في علاقة الإنسان بالمجهول، إذ يستدعي الإنسان الخوف من أشياء قد تسلبه الطاقة والإرادة والحيوية، لهذا نجد أن الموت والخوف لصيقين بالإنسان أيما التصاق، فحينما يسيطر الخوف على مناحي الحياة ، فإنه يسلب من المرء إرادة البقاء والحركة، وهذا ديدن السلطويين في التفنن بأساليب بثهم للرهبة، إذن فبتجاوز الخوف يتم تجاوز الموت والشعور به أثناء الحياة، حيث يتم التعبير عن المقاومة لكونها رفض لطقوس السلطويين في صناعة الموت ، ولعل ذلك يمثل أحد تطلعات الأدب والفن والفكر ، بوصفه ثالوث مضاد للجهل والعبودية والهيمنة. إذ بتسلطينا الضوءعلى ثنائية الخوف والموت عبر نقدنا للسلطة القامعة، يمكننا معرفة مسوغات أدلجته بغية تجنيد الجماهير وتحويلها لأدوات لتمجيد السلطة وتمويه نواياها، كذلك فإن لتهويمها من خلال إثارة أحلامها ودغدغة مشاعرها أثر في ترسيخ الخوف والموت، فتحول الجماهير عن مهمتها الطبيعية وهو نقد السلطة إلى مهمة تمجيد السلطة، هي أولى المهام التي نجحت السلطات الوليدة عما سبقتها في تحقيقه، حيث سقط الموت عن كونه حدث ينتهي بموت شخص، وإنما لهذا الموت الذي نتحدث عنه ظاهرة تتعلق بسبات الناس، وسرقة أحلامها وتطلعاتها للرفاهية وتحقيق عالم أفضل ومجتمع معرفي، حيث كانت لمعاهدة سايكس بيكو أثراً أبلغ سلبية على الشعب الكوردستاني، إذ ساهمت في إيجاد الأرضية المناسبة لسلطات ليس في قاموسها سوى الحرب وطمس الجذور وفعل الإبادات، وكذلك استخدام الموت والخوف كوسيلتين لتأصيل بقاءها على حساب دمار المجتمع وتشتيت أفراده وتصفيتهم.

إن أثر الاتفاقيات الدولية التي تمخضت عن فترة الحربين العالميتين، ساهمتا إلى حد كبير في الحروب الأهلية التي تعيشها مجتمعات الشرق الأوسط، لهذا فإن إعادة تهيئة المجتمعات لأجواء أكثر وعياً واستنارة،يحتاج لوقت وزمن غير منظور لإعادة ترتيب العلاقات وتنميتها بسبل صحيحة، ولكن ذلك بات ضرباً من المحال، إثر تأصل إرث وتقاليد السلطة في ذائقة الجماهير ووعيها الجمعي، فتوالد الخوف والموت في تلك الذهنية، هما الأسوأ على صعيد الحياة المشتركة المرتكزة على ثقافة التسامح والاختلاف وقبول الآخر، حيث يرمز الخوف لأخطار محدقة قادمة ويستحيل تفاديها إن تأخر وقت تداركها والتصدي المبكر لها قبل اندلاعها الفجائي والمدمر، حيث تقوم إرادة الإنسان أمام سيل الفوضى القادمة ، لتجعل حالة الصراع أكثر استدلالاً بماهية تلك الحرب التي تشن لتدمير جمال الوجود ومنجزات الإنسان المعرفي الذي يبدع وينتج أمام محاولات الذين يقوضون مناحي الحياة عبر حروبهم العبثية، ويقف جوع الإنسان وحرمانه حائلاً دون بلوغ الكماليات، جوع الشرقي إلى الأمان وإلى الجسد، وكذلك جوعه للحب ، كل ذلك جعله بموضع الإنسان الهائج الذي يبحث عن أشياء تداري وجعه وحرمانه.

وصف أبيقور85المعرفة بعلاج للنفس ،لنتأمل لأي حد مجتمعاتنا الشرق أوسطية تحتاج لهذا النوع من العلاج، هذا الخوف الذي بات مع تقادم الزمن إيديولوجية موت وسحق لذات الفرد واغترابه عن الحاضر ، إذ يجد فرويد أن هيمنة الرجل المستبد على الإناث على نحو جنسي أدى ذلك إلى قيام أبناء الإناث بقتل هذا الأب المستبد وأكله ومن ثم بدأوا يشعرون بتأنيب الضمير إزاء ذلك فحرموا عن أنفسهم إناث الجماعة التي كن السبب المباشر في قتل الأب، هذه الأسطورة الطوطمية باتت راسخة في صميم الحياة وفي تقاليد بيت السلطة، على نحو ثقافي واجتماعي جعل المجتمعات تتأثر بدواعي العنف ومسبباته، هذا الطابع التخييلي لنمط علاقة المجتمع بالسلطة الأعلى يعد بداية لفرضيات مشابهة تجسدت في الآداب والفنون، ناهيك عن كونها محرك ومقود صراعات السلطة في إحكام قبضتها على الناس وكذلك ردات فعلها التي أسهمت فيما بعد في إحداث تغييرات جمة في نمط التفكير والأسلوب والذهنية، فهل ننظر للخوف باعتباره غريزة طبيعية كما ننظر للهيمنة، وبذلك نشرعن لهذا الصراع المدمر والذي يقف على طرف نقيض من الإبتكار والرفاه،؟!

فالرافضين للتنوع الثقافي والتعايش السلمي، هم العثرة الصلبة بوجه التغيير الاجتماعي،وغياب التطلع والطموح يعني نجاح السلطة في تحقيق بقاءها، هذا ما تشير إليه الأنظمة الشرق أوسطية والتي تسطيع المراوحة في مكانها في ظل اختفاء طموح الجماهير في استبدالها وتغييرها أو إصلاحها، فما يقف أمام التطلع والطموح هو الخوف في أشكاله الباردة والتي تشبه الموت، حيث يذهب المعرفي أبيقور في القول :”حينما نذهب إلى القول بأن اللذة هي الغاية،فإننا لا نعني ملاذ المتهتكين واللذات الحسية، كما يفترض البعض ممن يتصفون بالجهل،أو يخالفوننا الرأي أو لا يفقهون ، إنما نعني التحرر من الألم في الجسد أو الاضطراب في الذهن.”

لهذا نجد هذا الشرخ قد تم إحياءه فما نراه من خلال هجرة الشرقيين إلى الغرب هو بروز خوف غربي ناتج عن هذه الهجرة، خوف مشروع على الثقافة والتربية الأوروبية، من ثقافة متردية مضطربة جعلت التطرف خبزها ومادتها الخام ، حيث ثمة واقع عصي على التجاوز يتجلى بطبيعة النظم الشرقية الاستبدادية، والتي جعلت الخوف عماد كل تربية يتلقاها الإنسان المقهور، فلا يبدو الإنسان الشرق أوسطي سوى كائناً خائفاً حالماً، يعيش في برجه العالي الخانق ،فلا إرث ملموس يفخر به، سوى ماض لم يتعرف عليه وفق رؤية واقعية، يمكن معرفة الخوف من خلال التقديس الذي يحيط الفرد منذ طفولته، إذ يتلقى تربية قائمة على الولاء التبعي للماضي وقيمه ، دون أن تتمحور الذات باتجاه رفض حقيقة قائمة قد تحمل معها أوبئة ،فيكون المقدس مدنساً، وغير قابل للحب أو الحياة، مع ذلك فإن نمط الفكرالقطيعي وتلك البرمجة الميكانيكية للجماهير جعلت من عقولها أكثر قابلية للامتصاص منها إلى التفكير والتدبر، فهي تتقبل كل خطاب مهما كان طالما نابع من الجهة التي يتم تقديسها وفرعنتها، لهذا نجد ذلك الشرخ حقيقياً وليس مجرد ورم يتم استئصاله، فطبيعة الموروث الثقافي لدى الإنسان الشرق أوسطي قائم على الخوف والتطرف، فلا يمكن إزاءه أن يفعل التمرد فعله في الانتصار على إرث سلبي قائم على تلقف المواعظ والتعاليم والأفكار وحمايتها، دون النظر إلى محتواها ونتائجها على الحياة المعاصرة.

إنها العزلة الاجتماعية بأقسى مظاهرها، ولعلها تتنقل بالفرد إلى كل مكان، فالإنسان النازح إلى مجتمعات الأمم الحرة ما يبدأ في بدايات مكوثه أن يعيش ذلك الصراع البغيض بين نفسه التي تعيش في معاناة الأمس ومرارة اليوم، فلا يجيد الاستمتاع بحاله الراهنة، وهكذا يحمل المهاجر الشرق أوسطي روح بيئته معه أينما حل، حيث مرد تلك العزلة إلى تلك الذات التي عانت الكثير، وعاشت الخيبات المتوالية، ولم تتداركه بعد في البلاد الجديدة التي يلتجأ إليها، مما لا شك فيه أن ظاهرة الهجرة هو بمثابة هروب من الخوف والموت في آن ، لهذا فإن له نتائج على البلد المستقبل، إذ أنه يحمل في داخله تساؤلات حول تلك الفئات الهاربة ، هل ستندمج وتكون سبباً من أسباب الانتعاش الاقتصادي والتنوع، أم ستكون عبئاً عليها، ولاشك أن ظاهرة النزوح قديمة قدم الحروب والإبادات التاريخية، ومن خلاله تنشأ المجتمعات وتتحول، إذ مع الوقت يتحول الوافدون إلى سكان أصليين ، ويشكلون جزء من هذه الهوية المتحولة من مكان لآخر.

لقد غطى الموروث الديني الذائقة الشرق أوسطية وجعلت حياة الفرد مهددة بطرائق شتى، وسيطر الخطاب القوموي الإستعلائي إلى الجانب الخطاب الطائفي على نمط أنظمة الحكم فيها، والتي قادت البلاد برمتها إلى نفق مظلم.

إن طبيعة النظام السياسي الأمني جعل المجتمعات متفككة لا يجمعها سوى رباط الرهبة والخشية من الاعتقال أو الاغتيال، فتلك العلاقة ما بين الفرد وحاضره، ظلت لعقود تتأرجح ما بين الاضطراب والتمرد الشاذ، إذ سرعان ما أجهض هذا التمرد عبر التلاعب به وزجه في أتون أجندات إقليمية ودولية، لعبت أدواراً شتى في إبقاء طغمة الفساد والظلم على ما هي عليه، فالخوف بات لزاماً على الفرد، لأن في دينه نصوصاً تحضه على الخوف والخشية، ليأتي خطباء الجوامع ليسهلوا من عملية الخضوع تلك بأن يكون تقوى الحاكم من تقوى الإله،حيث يتم التلاعب بالإنسان وبكرامته والاستخفاف بعقله في حين يتم العناية والاهتمام بالحيوان في الغرب بل وإعطاءه هوية خاصة به، حيث هنالك شعوب تجاوزت عقلية الإقصاء والتخلف إلى جانب شعوب نازحة تحمل كل التخلف والإقصاء لتمارسه فيما بعد وتنقله لأبناءها، وهنا مكمن خوف الغرب من الهجرات القادمة من أماكن الحروب في أفريقيا والشرق الأوسط وأفغانستان، إذاً لماذا يعتبر في عرف الحكومات العربية أو التركية أو الإيرانية أن تقرير المصير لكوردستان، أو النظام الفيدرالي لها قد يهدد وحدة أراضيها ويعرضها للسقوط في حين تقوم الحكومة البريطانية التي تعتني بالثقافات بإنفاق ما يعادل 250 مليون جنيه،كي لا تزول لغة كلغة الغال86، فما ماهية هذا الخوف الذي يجعل المنطقة كلها في اضطراب وبؤس، نتيجة هذا القمع والاقصاء، فخوف الغرب على شعوبها هو دعامة للحياة والازدهار، أما الخوف في الشرق الأوسط فيمثل ناقوس العاصفة الكبرى، التي تختزل في طياتها نماذج عن العنف والجنون البشري الذي مر على البشرية في الحقبة المعاصرة والمتمثلة بالحربين العالميتين، لهذا نجد أن الرؤية المعرفية في تحليل هذا الحدث الذي يشغل الفراغ اليوم، هو نتيجة احتباس هذا الذهن واستقباله لكل أدوات تفعيل التأجيج بصبغتيه المذهبية والقوموية، ولعل ذلك مثل الانتكاسة الأخلاقية التي تعانيها هكذا نظم ، وتسيرها أجندات دولية، تتحكم بأقدار هذه الشعوب، حيث تتفتت الدول وتنقسم العصبيات المحلية، وتتجلى الأزمات المتصلة بالفساد والاستبداد كبديل عما سبقتها من نظم وهكذا يعم العنف الذي لا يحقق نقيضه كما تدعي جدلية الصراع الماركسي حينما تخوض في العنف وتراه شكلاً من أشكال الخير السلبي، إذ يتوالد العنف إثر طبيعة لهث ذوي المصالح للربح والتحكم بالمقدّرات، نتيجة ذلك تتشرذم طاقات الشباب، ليتم تجنيدها كوقود لمعارك عبثية، حيث تشهد الدول لوقتنا الراهن بسباقات تسلح استعداداً لخوض معارك لا يحكمها منطق تنويري، سوى عن كونها تبريراً لرغبتهم في السيطرة والاحتكار والربح، دون تحمّل أعباء مسؤوليات أخلاقية أو ماشابه،ولعل الأزمات اليوم برمتها تتفق على شل اقتصادات الدول، تأزيمها، وفرض الوصاية عليها.

تأجيج الأكثرية على الأقلية من خلال معاهدات قسّمت مجتمعات وسلَّمتها لرحمة أنظمة لا تجيد سوى القمع والإرهاب، ليتم تأجيج الأقلية ضد الأكثرية، لبناء نظام التفتيت الجديد، والذي يعاني أيضاً من مشاكل ومعضلات تتفاقم مع الوقت، حيث أن ثالوث العنف والإرهاب والسلطة ، يتم استخدامه بوصفه قالباً متجدداً في ربوع العالم المهمل حيث يتم من خلالها إعادة ترسيم الحدود بما يتلاءم وحاجات الدول الباطشة.

نحو تشكيل الفردية المعرفية:

حدوث ذلك الاغتراب مهّد لضياع مختلف في مجتمعات تتصف بالمدنية، فحاجة النازح اليوم هو الحصول على فرصة الأمان الضائعة في أوطان تنعدم فيها الطمأنينة ويسودها العنف والذي بات خبز هذه المجتمعات، حيث أن العلاقة ما بين العنف والسلطة، هو ما مهّد لقيام كيان الخوف على طول رقعة الشرق الأوسط ،والذي أعطى دليلاً واضحاً عن طبيعة الحياة القائمة على الضياع والانحلال والفوضى.

حيث أن مشكلة الموت في هذه الرقعة لا تنحصر على كون سماء وأرض هذه المنطقة حقل تجارب لمختلف أنواع الأسلحة فحسب، بل لكون الموت قد فاق حجمه الطبيعي، وبدأ يستوطن الوجدان الجمعي وإدراكاته، فهاهم المريدون ومتصوفوا الأحزاب ، يؤلهون القادة والزعامات جنباً إلى جنب مع مريدي الطرق الدينية وشيوخ التكفير، وهنا تكمن وحشية الموت وقدرته الفتاكة على نشر الخوف بطرق معاصرة تجعل العقل في حالة تنويم دائمة فلا تتماشى الفلسفة مع رغبات السلطوي في التحكم بعقول الجماهير، ولا تتماشى المعرفة المتمردة مع التعاليم المحنّطة، ولا تستقيم مع القناعات المؤدلجة التي هدفها الهيمنة على النخب الشابة واستعداء الطفولة واستثمارها بشكل فظيع في حالات الحروب، بالرغم من تلك المحاولات الحمقاء للتلاعب بالمصطلحات وإلباسها مبررات تتعلق بالفضيلة، فمعرفة المشكلة تكمن في السعي لقراءة بداياتها، ولعل توظيف العلل البشرية واستثمار التهويم هو ما يجعل التوحش آفة الإنسان الحالي، فلا خيار سوى الحروب من جهة والنزوح من جهة أخرى بمباركة الفساد والاستبداد، وما ذلك سوى تجسيد أبله للضعف البشري، وعجزه عن المسير بخطا ثابتة لحياة أفضل لا تسودها النزاعات المدمرة، ولعل الهروب هو بمثابة آلية دفاعية ضد الموت وقسوة الحياة، اعتماده يعد بمثابة اللعبة المتداولة ضد تلك الوقائع البائسة تلك التي تعد بمثابة حقائق عن الوجود ، الممتلأ بالعثرات والنقائض، حيث أننا نفقد مع الوقت قيمة اللحظة التي نعيشها بمجرد مرورها.

الماضي لا يبرح ذاكرة النازح الذي اختار المنفى كتعبير عن عظم الهموم لديه، لهذا فالخوض في إشكالية الهجرة والتنقل لابد وأن يقودنا لمسارات فلسفية تعيدنا لموضوعنا الذي نتحلَّق حوله وهو الخوف والموت ، اللذين يعتبران حدثاً واحداً يقودان المرء إلى المزيد من التأمل في أوجاع النفس ومآلاتها مع الزمن، إن ذلك يسهل من عملية البحث عن الإنسان الكوردستاني في متاهة القمع والخوف إلى قدرة على اختراقه، وكذلك فإن المنفى يعتبر الجانب الآخر من حياته ، إذ يعيش في داومة مختلفة عن التي داخل البلد، هنا لا تفارق الذكريات والمواقف الماضية نفسية من هاجر ويعيش بقايا ما علق في ذاكرته، لطالما كان الخوف من الموت أو الانصهار أو التلاشي ببروز هيمنة الثقافة الواحدة على مجموع ثقافات وكذلك محاولة قوة سياسية معينة على إبادة مجموعة بشرية هاجساً كبيراً لدى الأفراد والنخبة المدركة منها على وجه الخصوص، لهذا بات خطراً قائماً يجب التفكير به أينما حل المرء ، إن في الوطن أو خارجه، ولعل ذلك مثّل نوعاً من التحدي المخالف لتقاليد الهجوميين في طمس الآخرين بغية اجتثاثهم، لهذا نجد أن الفرد في ظل منظومة الإقصاء ، ينقاد إلى ما يجعله يتهرب من حقيقة حياته القائمة على القلق والخوف، ولعله لا ينفك عن ذلك حتى في لحظات عيشه في المنفى، فلا يمكن أن يتنصل سريعاً من كل ما عاناه، لربما يعيش هناك على أنقاض حلمه المنتهك في شرقه البائس،حيث لطالما ثمة تناقض بين الفردية والاستبداد، فإنه يدعونا لأخد موقف من استبداد الحدث على النفسية والسلوك، وهذا الصراع العنيف بين الأفكار يدعو المرء للإنسلاخ والتمرد عن واقعه ، وذلك باستبداله بواقع عيش آخر، حيث أن الفردية تبدو وكأنها عبء على الذات، حينما تستقل عن فلك الجماعة وانتماءها فرغم حيز الحرية والتعبير والتفرد، نجد تلك الرتابة وتلك الحيرة المستوطنة الأعماق، فهذا التكامل في الذات نجده متشظياً لا يقوم باستيعاب كل شيء واحتواء أي شيء، فهذا الامتثال للرابطة الاجتماعية أكثر تنظيماً ومنهجية مقارنة بواقعها الصدأ في بلادنا، حيث يعيش المرء في حالة من مواجهة الفوضى والتي ترتكز في نشوءها على معاداة قيم النهضة الجوهرية والانتعاش الحقيقي لمجتمعات تتعرض للسحق والإبادة بمختلف الأشكال، هنا لا وجود أصلاً لتلك الفردانية التي تمجدها دول العالم المتمدن، فلا يسلم مجتمع من مآزقه وأزماته على صعيد العلاقة بين الرجل والمرأة، حيث تشبث المرء بفرديته وأنانيته، أولى بالطفل الذي يعيش دون والديه، في حين يتم تطبيق القانون الذي أعطى دوراً لقيم الفردانية، فكانت الرعاية واجباً دولتياً، لتغدو قيم الفرد المركز بالنسبة لطبيعة الحياة برمتها، تلك الطبيعة القائمة على أفعال المجتمع وتصرفات أفراده، في حين يغدو القانون بمثابة العصا الناعمة والتي تردع هذا وذاك وتبيح لهذا وذاك ممارسة سلطة معينة ترتبط أكثر بأشياءه وعلاقاته مع المحيط والمؤسسات، فعلى الرغم أن الفردية كانت بمثابة ثورة في أوروبا ينعم من خلالها الكل بثمرات الحريات والحقوق والواجبات وحق الاعتقاد، إلا أنها لا تخلو من إفراط بها لدرجة الأنانية والتعاسة الجوهرية، رغم تحررها من خليط الأفكار الشمولية التي تمادت هي الأخرى في التشبث بالضمير الجمعي للمجتمع لدرجة التطرف، فالخروج عن الجماعة والتمرد عليها سيفتح الباب على التغيير الجوهري، وذلك استناداً على جدة الأفكار وحيويتها، وعدم استساغتها للتصوف والتقديس والتمجيد وما على شاكلة ذلك من مظاهر الولاء ، هذا التمجيد للأنا دافعه تلك الرغبة العميقة في خرق الرتابة التي تجعل المرء آلة خارجة عن وعيها الإنساني بالأشياء، حيث لا يمكن للمجتمع الشرق أوسطي أن يحذو حذو الأوروبيين في السير نحو الفردانية على نحو تقليدي، حيث يلزم ذلك هذا الرفد الثقافي والذهني لأجل اكتمال هذا المسعى، فالتحولات تستلزم جوهراً فذاً قابلاً للتغيير ومسلماً بأهميته، وذلك سيتحقق بصعوبة أقله في تلك الرقعة المنكوبة والتي هي هدف استراتيجي قديم للطامعين بموارده ، فتلك المواهب والمدركات إن بقيت حبيسة أقفاص الطاعة والولاء، فإنها تتحول لشر مطلق، لهذا كان من الضرورة أن تتجه هذه المجتمعات لعقيدة المساواة، والتي يلزمها الشعور بأهمية المعرفة والحياة الحرة المتكافئة، حيث يعتمد المعرفيون خياراً أفضلاً في قدرتهم على التحلي بتلك الفردانية الرادعة للأنانية السلبية، وذلك بإيمانهم بمبدأ العائلة السعيدة التي عمادها الحب والوعي، للحفاظ على راحة النفس والتي تعد مصدر بهجة الإنسان ورفعته، حيث يقول عالم الاقتصاد النمساوي المعرفي فريدريك فون هايك87(1899-1992) في كتابه (الطريق إلى العبودية) :” من أجل بناء عالم أفضل، علينا أن نمتلك الشجاعة للقيام ببداية جديدة، علينا أن نزيل العقبات التي ملأت بها حماقة البشر طريقنا مؤخرًا، وعلينا أيضًا إطلاق الطاقات الخلاقة لدى الأفراد، إن المبدأ التوجيهي في كل محاولة لخلق عالم من الرجال الأحرار لابد أن يكون التالي: سياسة حرية الفرد هي السياسة التقدمية الحقيقية الوحيدة”

لا يمكننا أن نسلم من حقيقة هذا التصارع الفكري الذي يقود بالتالي إلى بروز الأنا وذهابها باتجاه تلك الاستقلالية التي تعتبر في حالتها طريقاً إلى العزلة والشعور بالحرمان من عاطفة الرجل والمرأة متحدين على الأولاد، فالفرد يحتاج إلى توافق العائلة، لأنها مرتكز لبناء كينونته في عائلة يجهد في البحث عنها ومن ثم تكوينها عبر الفهم والإيمان بأن السعادة قائمة على التآلف بالضرورة، فالمعرفة بأهمية اتحاد البشر ورقيهم في التواصل، هو سبيل لفهم الوجود المستمد قوته وطاقاته من ائتلاف البشر لا تنافرهم وتصارعهم، فحري بنا مواجهة الخوف والموت في كونهما يستوطنان ذواتنا في لحظات العزلة والمواقف الصادمة، حيث سعي الفرد للتوحد مع نقيضه في الجنس ، هو سعي إلى القوة والسعادة، وتجاوز شعور الفناء والرهبة من تلك العزلة، التي تسبب ذلك الاغتراب، حيث بيَّن فون هايك أنه لأجل تعزيز الحياة الأفضل يجب إزالة تلك الحواجز التي تم بناؤها لإعاقة الحياة، وكبح جماح الطاقات التي تعمل لتنمية الحياة .

إن التعريف بالمزايا والمواهب يمثل الحاجة القصوى للموجودات والوجود ،لهذا كانت رؤيتنا للخوف بمثابة تجسيدنا لحقيقة آلالام البشر وتجاربهم المحبطة، والتي أسبغت عليهم شكل الموت وهيكله، ولم يعينينا الموت الجسدي الذي يعتمد على انتقال البشر من صورة إلى أخرى، بقدر ما عنينا به تلك المرارة التي يعيشها الناس وهم في حضرة أحلامهم وكوابيسهم، والأحداث المسببة للكآبة والقنوط، ما جعلتهم أشباه موتى،لهذا نجد أن الفردية بوصفها قوة معنوية روحية تقضي على اليأس والكآبة، لا تتحقق بمعزل عن تلك الحميمية التي يهبها المحبون والأهل ، ولا يتحقق هذا التآلف الوجداني إلا إذا تماهينا بالحب والمعرفة على حد سواء، فضيق قنوات الحوار مع الآخر يسهم مع الوقت في تجذر سطوة الخوف وتمكنه من العقل والوجدان معاً، بينما نجد أن تبادل مصادر الوجع والعلل، تمثل البداية للخلاص،حيث ثمة معنى من هذه الإرادة التي هدفها تحقيق التصالح الذاتي، حيث أن الخلود للاسترخاء أو الموسيقا هو بمثابة الرجوع للذات في أرقى صورها، ليس ثمة ما هو أخطر من الموت المجسم بهيئة الخوف، إذ يحتاج إرادة معنوية واعية لقهره، فهو ليس أي موت ولاسيما أنه يتحكم بالأفكار وصيرورة الحياة وكذلك طبيعة التصرفات وردات الفعل التي تتحكم بالسلوك البشري ككل، حينما يكون الموت إيديولوجية أو دين، وتقف السلطة وراءه بل تستميت لتدافع عنه، تنشب مخالبها في عقول وأعناق مجتمعاتها عبر الخوف، وتقوم بتجنيد الشبان بطرائق متعددة لزجهم في أتون صراعات لا تنتهي، هدفها الإبقاء على هذه السلطة المقدسة قداسة الدين والإيديولوجية،وعلى الجانب الآخر من الخوف يكمن هذا التساؤل، لماذا أعيش، هذا يحيلنا إلى تفسير الخواء الذي يحصد جماليات الحياة في الأذهان، ويجعل الحياة برمتها عبارة عن خداع،حيث أن الصراع المتعدد الأشكال يدخل البشر في غمار ميادين لا حصر لها، تتعلق بولع الإنسان في إرباك الآخر ، وكذلك لا يدخر الآخر وسيلة لتعميق هذا الاضطراب، أيعدُّ هذا دليلاً على طلب الإنسان للموت عبر ترويجه من خلال الخوف، وكذلك فإن ما يفرزه الخلاف والتصادم كفيل بإحداث شروخ وحروب، لا يسلم منها كائن أو جماد، فلا نجد أن ثمة رابط بين تلك الثقافة الشرقية المتوطدة مع الوثاق الأبوي وبين ثقافة فردية لا تلقي بالاً على طبيعة العلاقة وتتعايش كيفما اتفق، حيث نستغرق في الحديث المطول عن آفة الدين والقومية وهذا الارتباط الأعمى مع الأولياء والشيوخ والزعامات السياسية، في حين لا نجد هذا قائماً في أوروبا، والحديث عنه يعد ضرباً من استذكار التاريخ القديم،فتلك الروحانية تقف أمامها تلك الاستقلالية، وهذا التطرف والخوف من الحديث عما يسمى بثالوث الدين والجنس والسياسة،متداول بيسر في المجتمع المتمدن، وهذا يحيلنا لفهم الخوف من أبعاده الفلسفية التأملية والتي تختزل في طياتها رحلة الإنسان في شعاب الحياة وخفاياها وما غمض منها، فالخوف وعاء الذاكرة المترامية الغائرة في الوجع القديم، وهو بالتالي مسيرة حياة متحولة تنتقل للأطوار المتعددة من حياة الإنسانية ورحلتها العسيرة عبر مسالك المرارة وانسداد آفاق الحل حيناً، أو عبر ابتكار أمل ما واتخاذه هدفاً بحد ذاته، فمشكلة الخوف قديمة قدم علاقة الإنسان بالسلطة، والقلق الوجودي من الموت، وكذلك صلة الإنسان بذاته وأهدافه وذاكرته وكوابيسه، فإن كان الموت وفق تعبير شوبنهاور هو العبقرية الحقة وهو ملهم الفلسفة، فإن الخوف يعتبر السجال الرئيسي لعلاقة الفيلسوف به، وهو بالتالي محرك القلق الأصل في الاسترسال والتفكير حول حقائق النفس وخفاياها، فكانت كل المتناقضات والأمزجة البشرية تدور في فلك العداء، الجحود، الكراهية، التملق، الفرح، الوهم، وما يدور في الباطن والظاهر، من أشياء تكشف باستمرار عن معادلة الوهم الطاغية على التفكير وكذلك الخيارات التي تفتح أبواب الشك من كل شيء يدور في أروقة التساؤل،حيث يبدأ هذا التسابق الأعمى ما بين الثابت والمتحول، إرضاء لمنطق الإنسان في الاسترسال وخوض الارتقاء الفكري والربحي ويواكب بذلك أطوار ذهابه باتجاه الترهل والفناء، وهو يعلم عبثية هذا التحول السريع، لكنه لا يهدأ ، كونه يجد في التحول ضالته، وفي الارتقاء الذهني كمسعى معرفي تحرري، في حين يذهب الروحانيون نحو المزيد من الخشوع وعيش الطقوس لبلوغ درجات الإيمان العليا، والتي تعني في عرفهم الطمأنينة، وكذلك نجد في الخوف ملامحاً تتقلد المشاعر والأفكار والتعاليم ، وكذلك أنظمة الحكم، وهواجس الحكام في البقاء، واستماتتهم في الحفاظ على الامتيازات ولو على حساب دمار البلد، وفناء الشعب، فعلى الرغم من كثرة ما قيل عن الخوف وتأثيره على أطوار عيش الإنسان، إلا أنه لم يتم درء مخاطره وآثاره الطويلة الأمد على الذات، فقد دخل الخوف مدارك الإنسان ومفاهيمه، وتشرَّبها مع الوقت لتغدو منظومة لا يمكن التنصل منها، فإن العائق الأكبر والذي يقف بمواجهة سعادة الإنسان وطموحه، يتجسد بالخوف الذي يتجلى بصور مختلفة فهو التردد واليأس، والهاجس الذي يضع المرء أمام صراعات نفسية قاسية تسلب منه الجهد والفكر والشعور بالعطاء أو التفوق، وكذلك يصبح عائقاً أمام الحياة اليومية، إلا أنها باتت واقعاً إعلامياً، إذ تتناقل القنوات الإعلامية مهيجات الخوف والرهبة ضد بعضها البعض بالتزامن مع ممارسات العنف الميدانية اليومية، فعلى الرغم من مزاعم الفلسفة أنها تؤسس لحياة خالية من الخوف، إلا أن الاتجاه الفلسفي مهما تماهى مع العقلانية والموضوعية، إلا أنه لا يستطيع النجاح بالضرورة من أن يكون بديلاً وقائياً عن الخوف،لهذا نجد أن للخوف أنياباً ومخالب، ولعل الطمأنينة باتت بمثابة الفكر المتحلق حول نفسه في خضم أوجاع وقلق النفس في بث نوزاعها وكوامنها في حضرة وجود متحول متغير، حيث ثمة نزوع دائم إلى الصراع وكسر الإرادات لصالح بروز إرادات فظة استعلائية، وهذا من شأنه أن يضاعف شعور الخوف لدى الفئات المضطهدة والتي تعيش في اغتراب مزمن وقلق حقيقي، في حين يقول بنيامين فرانكلن88 : (أولئك الذين يتخلون عن حرية أساسية من أجل أمن مؤقت لا يستحقون الحرية ولا الأمن)، حيث يتم ترويج الخوف إعلامياً ليصبح مقدساً فيما بعد، ومما لا ريب فيه أن الخوف هو بداية الخيانات والأخطاء وما نسميه بالعهر هو ردة فعل متمخضة عن خوف من مواجهة الذات والسير بها نحو الحقائق المجردة، لهذا قال فرانكلين دي روزفلت89: (الشيء الوحيد الذي علينا أن نخافه هو الخوف نفسه) لما له من قدرة على القمع واللجم، والتأثير فمن له سطوة إخافة البشر، قادر ببساطة على تفخيخهم وتفجيرهم متى أراد، وكذلك يتم خداع العامة من الناس من خلال تهديدهم والمبالغة في تجسيد تلك السطوة وجعل الناس يشعرون أن هذا الخوف البشري هو جزء لا يتجزأ من طريقة الله في معاقبة البشر،

هنا لا بد وأن نسبر في أغوار هذا الألم لنتعرف عليه من خلال عين هذه الشخصية التي لا تكل ولا تمل من الدموع والتحديق بما يجري حولها وكذلك بما يحدث في داخلها المشبع بالأماني والحسرات على حياة باتت مسرحاً للآلام والتذكر وأخرى محطة للهروب من واقع مكلل بالفجيعة، فإن كان العالم كما قال شوبنهاور مجرد فكرة حسب الفهم الموضوعي لها من خلال المعرفة،ندرك جلياً كم هو شائك ذلك الألم،ولعل الألم هنا مفتاح لسبر حقيقة انتماء الإنسان للوجود، وحقيقة ذلك التمزق المجتمعي الذي تسببت به السلطة القامعة طيلة فترات مكوثها وممارساتها السلبية على الأفراد وخنق تطلعاتهم لرؤية حياة أفضل، حيث تميل الإرادة رغم تغنيها بالألم والكآبة، إلى الأمل، وكل الصراع هو لغاية إبراز تلك الإرادة في صمودها وتوثبها للأمام، فالحديث عن طبائع النفس الإنسانية وأثرها على الأفراد منذ نشأتهم لابد وأن يفضي بالتدريج إلى الانتفاضة ضد تلك الطبائع الشاحبة والدعوة لحياة أفضل ، إما بمزيد من الصمود بوجه النكبات، أو الانتقال لمجتمع أفضل يحفظ للمرء المعرفي صفاءه المتبقي، ولا يخلو هذا الانتقال من اضطرابات نفسية يعيشها المهاجر برفقة آلامه وأحلامه المنتهكة في بلاده، بلاد الخوف والكآبة، فالهروب في حد ذاته نوع من المواجهة الاضطرارية لواقع قائم داخل واقع جديد مفترض، حيث نصفه بالخيار المرّ الذي نضطر لاستساغته مع انعدام بوادر الحل، يمكننا أن نصف الطبيعة الإنسانية بإنها صدى للطبيعة الكونية ، وانعكاس لها، فكما أن الأشجار الأعتى والضاربة الجذور في عمق الأرض هي الأقدر والأجدر في البقاء صامدة بوجه الريح والأعاصير والزمن، فإن الإنسان الأكثر تحملاً وقدرة على احتواء الحدث هو الأجدر والأقدر والأصلح للبقاء والهيمنة فيما بعد على بقية العناصر الإنسانية الأقل صموداً ، فهذا الواقع البيئي هو ذاته يتجلى في حقيقة الصراع الأولية بين البشر ، فلطالما كانت هجرة الإنسان قديماً وانتقاله من وطنه الأصلي للوطن الجديد هو بمثابة محاولة لاسترداد الذات المسلوبة، وإضفاء مسحة من الحياة والهدوء عليها، فتأكيدنا أننا جزء من الوجود أينما عشنا وتنقلنا أو متنا، فإننا نعود لهذا الرحم الواسع الذي يشكل الحياة، وكذلك فإن معاناتنا تمثل جوهرها،وهي بالتالي إعادة تمثيل للطبيعة في تحولاتها وتبدلاتها، فهل تفنى الإرادة رغم مشقة المصاعب وتوالي المصائب؟!، يحيلنا هذا التساؤل إلى تأمل الموت كونه انتقال فردي وليس فناء جمعي ، وكذلك لتأمل الخوف، كونه العثرة الأساس بوجه التحولات، إلا أنه يتم كسره في كل وقت ومرحلة، ولا يعني كسره نهايته، فالمخاوف جزء من صيرورة الموجود في نزاعه على الوجود، فما سيادة عنصر ما على عناصر إلا تجسيداً لهذا الصراع الطبيعي على البقاء بزاول العناصر الأكثر هشاشة وضعفاً، فكل هذا الهروب هو لأجل الانتصار لتلك الإرادة الفردية الخاضعة للتهميش والرقابة والقمع بواسطة تلك السلطات الأمنية التي بدل من أن تحقق رفاهية الإنسان وتضمن له حقوقه وتنظم له واجباته، باتت قلقاً نفسياً لا يزول بمحض المطالبة بزواله، وإنما ظلت وسيلة إقصاء وحجب عن الحياة القائمة على المساواة وتنظيم الاحتياجات ، فكما يرى فويرباخ 89 في كتابه “تأملات في الموت” أن كل الأعمال الإنسانية يمكن أن تشتق من الحب، فإننا نرى بأن الفناء الحقيقي لتلك العاطفة يكمن في خوف الإنسان من ما يعادي صيرورة حياته الطبيعية والمتمثلة في تقديس الغيبيات، وتقديم طقوس الولاء الخائف للسلطات المستبدة، بل وكذلك الارتهان لها، وهكذا تتعطل ماهية الإبداعات لدى المرء، وتصبح الحياة أشبه بكابوس طويل الأمد، فما مقاومة الإنسان وعزمه للوصول لحياة أفضل إلا جزء من إيمانه بالحب والأمل، إذ نجد أن الفلسفة الخالدة والتي يكون لها تأثير فعال هي التي لا تقف حياداً أمام تساؤلات المرء تجاه إشكالية الخوف، والتي تجعله في طور الجمود، ما يلبث أن يسيطر عليه ذلك المارد الذي لا يفصح عن نفسه سوى في هيئة ذلك الموت الذي يمثل نهاية العالم بشكله المألوف لدى الإنسان، فالفلسفة القادرة على التمرد ضد طقوس وفروض الموت وصنّاعه، تتمثل في ذلك الارتباط الحقيقي بين الحب والمعرفة، والذي يجعل من مهمة السبر لدى المعرفي يسيرة في رحاب الوجود.

إن أكثر أشكال الموت سوءاً، هو بلوغ حد أعلى من الخوف بمواجهة الحياة والمستقبل، وقد آل حال شعوب الربيع الدموي إلى نزوح وتخبط، نتيجة فترات العبودية التي طبقت بحذافيرها على شعوب امتصت موروث السلطة القامعة بيسر، فإذ هي قامعة لبعضها بعضاً، لهذا فإن الموت في منظورنا هو زوال الجرأة، واستتباب الخوف في كافة جوانب الحياة، الأمر الذي جعل الفئات تتجه نحو التجنيد لتكون وقوداً لمعارك وحروب عبثية تأخذ صفة المقدس وهي ليست من القداسة في شيء، سوى تقديس العته والحمق وما نحو ذلك من نعوت باتت حال المجتمع الأمي، فهو يسمي الفيدرالية تقسيماً، والشراكة تآمراً، والديمقراطية مؤامرة أوروبية، والاستبداد فرضاً سماوياً دينياً، هذا التمويه نجح في جعل المجتمعات المحقونة بأمجاد القومية الدينية ، تنظر للأقليات نظرة العبيد المسخرين لتحقيق حلم الوحدة العربية أو إعادة مجد الإمبراطورية العثمانية أو الفارسية، وكل ذلك على حساب شعب عريق عراقة الشرق وهو الشعب الكوردستاني، الذي يمثل تلك الصخرة الواقفة بوجه التهميش والاقصاء والصهر، رغم توالي الإبادات والمجازر عليه،فالدعوة لكسر لجام الخوف هو بمثابة كسر للموت، كمفهوم يدعو للخمود والجمود واللاحركة.

إن ذلك المنطق المرعب الذي أفضى لإبادات ثقافية وسياسية، ضاعف من وتيرة القلق لدى الأفراد في الوصول لحياة آمنة ومجتمع معرفي، فواضعوا الخرائط والحدود اعتمدوا على إراقة الدماء وزج المجتمعات في صدام مزمن وعسير، فما الإيديولوجيات الدموية إلا تعبير في حقيقتها عن الجشع والصلف ورغبة في الهيمنة على المقدرات والموارد،حيث يرى كيركجور أن العدم والقلق مرتبطين ببعضهما البعض، تأثير العدم هو إفراز للقلق، وما تعرض الإنسان للإخفاقة إلا كونه قد تعرض بشدة لمواقف عصيبة تستدعي منه شم رائحة الفناء راغماً، فالأحلام والمشاعر والآمال الخيالية كلها من تحفيزات العيش في الحياة، على فرضية تحققها، وما الفرضيات إلا مذهب جمالي يساعد المرء على تمثل رؤى أفضل عن عالم أكثر متانة ويحتوي الجميع، حيث مسيرة الإنسان مع القلق لا تتوقف في أي بقعة يتجه إليها من أنحاء المعمورة، فواقع البؤس ملازم لتلك الشخصية التي يمتص البؤس منها قوتها وطاقتها الشابة، فالخزي الذي يتعرض له الإنسان الشرق أوسطي مستمد من تلك الطاقة السلبية التي يموت من خلالها كل لحظة، إنه يقتات الخوف كقات ويستسيغ طعمه لديه دوماً ما يخضع لأجله، سواء شيوخ يتتلمذ تحت أيديهم، أو قادة يخرج لهتافهم ، سواء كان ذلك عن حب يصل حد التصوف والعمى، أو عن خوف يصل حد المازوشية الشاذ والتي هي مبالغة بالخوف والتظاهر بما هو عكسه، لحماية ذلك الكبرياء الزائف، كما أن ما قاله جان بول سارتر كان صحيحاً من أن الوجود يعلن أن الإنسان يحيا في قلق ويكابد القلق، لهذا نجد الخوف هو النسيج الملتف حول حركة الإنسان وبات ملازماً ضروريا لصيرورته، فتلك الشعوب التي تقطن جغرافيا الخوف نجدها تعيش في ظل عواصف لا تنقضي وحروب لا تنتهي، يصدرها له طبيعة العقل المستقيل عن وظيفته التي هو كائن لأجلها، ولعل تلك الأفكار الطائفية والعنصريات الشائعة هي من طبيعة ذلك العقل المتخم بالسبات والتكاسل، فثمة جهل بالحياة وطريقة العيش عدا عن ذلك العدم الذي يلتف حول الكائنات برمتها، وإيمان الإنسان بعقول السادة السلطويين، واستغناءه عن استقلالية فكره وأسلوبه ونسق حياته هو الذي سرّع من وتيرة إحساسه بالفناء في دقائق وتفاصيل بقاءه عبر أطواره المتعددة، حيث القلق هو بداية التساؤل ومقدمته وهو المحفز الأولي للسؤال عن المكامن الداخلية لدى المرء المعرفي، وذلك الاغتراب ناجم عن التحول والانتقال من طور إلى آخر وهو الذي يغذي لدى الآخر رغبة الولوج لعالم الفن حيث الارتقاء عن الهوامش والسطحية في التفكير والانغماس في الضعف لما لا نهاية، ولعل الموت هو الخوف الأكبر لدى الإنسان لهذا تتمحور فلسفة هيدغر في إعطاء ذلك الموت هالته المسيطرة على المرء، حيث أن كل تشاؤم وراءه واقع سياسي فاسد، وكل فلسفة تتصل بتعريف العدم أو الاغتراب أو القلق، تمثل انعكاساً لذائقة تم إحباطها من خلال فساد النخبة الحاكمة والتي لعبت دوراً هاماً في تحوير الفكر والفن والأدب.

إن معرفة مسببات العمل بفكرة معينة هو من دوافع الضغط المادي الاقتصادي وذلك التفجر المتموضع داخل المرء إثر القمع والكبح،ففي خضم تلك المأساة التي ترافق حال الشخصية التي تجتر البؤس الكامن في التقاليد الأبوية نجد تلك السوداوية تلاحقها كمظهر يجسد زيف هذا الانتماء بين الفرد والمجتمع في ظل الخوف الذي يفتح بدوره ثغرات عديدة في ميادين الحياة كافة، وهو بالتالي تعبير عن ذلك البون الشاسع بين الفرد وحقيقة واقعه المشبع بالمعاناة والفقر، إضافة لكونه يعيشه ذاته السليبة حتى في المجتمعات التي يفد إليها، وهذا ما يعزز أكثر هذا التساؤل الخارج من أعماق متألمة ومكتظة بالاغتراب، ما الحرية؟!، لطالما كان الصراع مستبداً بالمرء، لدرجة أن ترتسم الهالة دون توقف في الملامح والأعين أمام حلبات الدم المستمرة عبر التاريخ، كل ذلك لتعزيز الخوف وتقديسه، وللتأكيد على أن بديهة الإنسان ظلت تنشغل لفترات طويلة في السيطرة وإبراز القوة العسكرية والاستيلاء على الجغرافيا ومحو ثقافات لصالح طغيان العنصر المهيمن فقط، حيث يتسارع القلق لدى المجتمعات البشرية وأخصها تجمعات القرى من خطر التلوث الناجم عن آلة الحرب، فأي حرية يدخرها السلطوي في مواجهة خصمه الآخر، بل والاتفاق معه في أحايين كثيرة على تقاسم الكعكة، والتي تخرج إثر نتيجتها تلك الشعوب عن ملكها وحقها الطبيعي في الاستفادة مما تحوزه، وهكذا نجد أن مفهوم الحيازة مرتبط بالقوة، ولعل ذلك أوعز للفئات المتسلطة استخدام الخوف والترهيب في نزاعاتها الدموية، إذ تخرج تلك الجماعات إثر أشواط الحروب منهزمة منكسرة نازحة، حيث لا نجد إمكانية للعيش بهدوء في ظل جوع السلطوي واشتهاءه للتنازع فكيف يتم انتشال الخوف واجتثاثه بصورته القائمة؟!، حيث يبدو أنه قدر المجتمعات والشعوب الباحثة عن هويتها وخصائصها في ظل محيط يرزح بالحروب الداخلية والاتفاقيات الخارجية، فهذا الوجود القائم بذاته رحب بما فيه الكفاية ويضيق بحفنة الشعوب المتمسكة بثقافاتها منعاً من الصهر ، لهذا لا يغدو التعايش شيئاً سهلاً وممكناً في ظل سطوة الخوف المقدس، لا يتم هذا الفتك بالخوف بمعزل عن إرادة العقل وجلاء المنطق، لهذا فإن المعركة تظل مفتوحة الأبواب على مصراعيها، فالحق يبقى فكرة تلتف حولها تلك الفئات المعنية باسترداده، إزاء فئات تتصارع لإيمان بحق ما ،يبرر لها وقوفها بوجه مقابلها، وهكذا ما تلبث الجهتين أن تخوضان حرباً مصيرية ضد بعضهما البعض، إنها حرب الفناء ، لهذا يبدو أن مبررات التصارع والتنازع بين الفئات ناتجة عن مظلومية من جهة وشهوة في التحكم والهيمنة من ناحية أخرى، ولكن النصر يتحقق في النهاية لأصحاب الإمكانات اللوجستية والتقنية على حساب طاقة الحق والإيمان به، هنا نجد أن هذه الظواهر البائسة هي التي طورت من مفهوم العدم والخوف المقدس لتجعله الورم الأشد فتكاً بالعقول والقلوب معاً، فما الحروب والمجاعات التي تمخضت عنه إلا دليلاً على تأصل ثقافة الموت مقرونة بالتطرف لتكون بمثابة خبز هذه المجتمعات التي باتت مشاريعاً ووقوداً لحرب لا تبقي ولا تذر، تهدد البشر والحجر ، إلا أن الإيمان بالهدف والعمل لأجل تحقيقه وجعله واقعاً ظل تطلعاً صلباً يعكس إرادة واعية لا تتقهقر بل تزداد صموداً بوجه المصاعب والمؤامرات التي تحيكها تلك الدول التي اقتطعت أجزاء من هذا الوطن المكتظ بالخوف والصمود، وعن هذا الغضب الذي لم ينجح الغاضبون في إبرازه وجعله وسيلة خلاص من الخوف ، إذ يعتبر ذلك الحاجز ما بين الإنسان والخلاص، فمع بقاء التحرر منه فكرة ، إلا أن منظومة الخوف استطاعت التماهي مع الفن والأدب، ووضعت بصماتها بجدارة على جوانب من حياة الإنسان الشرق أوسطي، حيث ظلت فكرة التحرر غائبة عن معناها الجوهري، ولم يستطع المؤمنون بها تسخيرها كقوة ودافع للخلاص، وهكذا نجد أن المجتمع في ظل السلطة القمعية يصل لأرذل درجات الدنو والانحطاط وهو في الحقيقة بمثابة ناقوس يأذن بانفجار الوضع وانهيار تلك الدولة أو المنظومة، لهذا فقد نجح الاستبداد بتفريق المتفرقات أكثر وتقسيم المقسّم حسب الاتفاقيات والبنود الاستعمارية، حيث أنشأ ما يعرف بسوريا والعراق ولبنان والأردن وألصق كل جزء من كردستان بأربع دول وهي العراق وإيران وتركيا وسوريا، لتوضع خرائط لشعوب لم تخرج بتاتاً من وصاية الخارج ولا عن وصاية النظم القمعية التي أقيمت بمباركة الخارج وتستبدل بتلك الأيدي، وهكذا باتت مفاهيم الاستبداد والغطرسة والتمذهب بتقاليدها التاريخية داخلة الصميم عميقاً في اللاشعور الجمعي.

ألسنا بحاجة ماسة لثورات ذهنية تضع خلاص المجتمعات فكرياً أساساً لغايتها ومنطلقها ومبدأها، وأهم جوهر نهوضها هو كسر التابو المتجسد بسيطرة التطرف الديني المقدس والذي هو خزان كل آفة ومستودع كل رذيلة ونفاق، إذ لعلنا أمام هذه الغاية في سباق طويل مع الزمن للوصول بالحياة المعاصرة لبر أمان عبر التخلص من أسر واستعباد قيم الماضوية الهشة، وذلك لا يتم بسهولة أو بمعزل عن أسبقية الحوار المتبادل بين الشعوب لا بين الساسة المسترقين والأرقاء في آن معاً ،فقد كان وجودهم في مراكز الحكم مقرونة بمهمة حراستهم لنفوذ الدول المهيمنة المتسابقة على الربح ، فهم المسؤولون عن تضخم الخوف والقمع في البلاد كونهم رعاة المذهبية والطائفية والعرقية(العالم العربي)، وقد جعلوا معاناة الفرد لا تنحصر عن سلوكهم في البطش والقمع والإقصاء، وإنما في سرقة المجتمع عبر تدشين الفساد والبطالة،و التي أدت لفراغ داخلي ونفاذ في الطاقات سريعاً(هجرة العقول) ، وهذا إن دل فإنه يجسد لنا حالة الضياع التي أدت لفقدان البوصلة والشعور بضعف الانتماء تجاه الذات والجماعة، فيصبح الهروب من كل شيء مطلباً حقيقياً وعسيراً،لقد كان الرد العنيف على الخوف بمثابة تجسيد لمرحلة الانفجار إثر تراكم وضغط هائلين ، جعل الشعوب تتجه بتصاعد نحو بيان إرادتها وعزمها في تغيير نظمها، ولو تم ذلك على نحو عسير، إلا أن طريق الانتفاضة لا يتم إرجاعها للخلف حينما تبدأ، فإن قدرها أن تزداد حدة وجلاء، حيث لاشك فيه أن حراك الجماهير مقرون بحاجات منظمي الخرائط إلى التغيير أيضاً بما يتناسب مع الحاجات إلى الموارد والكفاءات الجديدة وكذلك فإن التركيز حول حالة الغضب الجماهيري هو إيذان لزوال عصر الخوف والصمت الأسود، والذي دفع بالعديد من التغلب على الخوف، وهكذا يتم التحول للطور الثاني الأهم للمجتمع ويتم وفق الانتفاضة تغيير السلطة رغم صعوبة التحول المرضي للعقول والطموحات الوثابة.

فأثر العنف في المجتمع ينشأ مع الطفولة واحتكاك الصبيان بعالم الكبار وتقاليدهم حيث العوائد العنيفة تتدخل في صناعة الذهن عند الصغار فتنحرف بهم التربية العنيفة صوب العنف، عملاً بأهداف وغايات صناع الموت والحرب، حيث يفتقد المجتمع أهليته للتعايش بترسيخ مفهوم التعالي ، معادلة السيد والعبد، وكذلك فإن سيطرة الخرافة جعلت من أبواب العنف مشرعة أمام من يريد أن يضيف للحياة ألوان التجهيل ونشر الاضطراب، حيث ينشأ امتصاص الطفل لكل ما هو خارجي عن طريق التلقي الذي يفرض من قبل الكبار، والذي يجسد حجم الألم الذي تحدثه أنماط التربية الخاطئة ، فبمرورنا لمراحل الطفولة الشاقة في ظل منظومة المجتمع الذكوري لابد وأن نعلم ماهية القمع وكبح جماح الإبداع لدى الطفل منذ ولادته، فالمعتقدات تتدخل في صناعة الفرد نفسياً وتسهم لدرجة ما في تحديد مصيره المتجلي في سعادته أو تعاسته، لهذا نجد الانغلاق أكثر يسراً في دخوله نفوس المجتمع ويتلاعب بمفاهيمها، فالمظلومية ليست شعوراً فحسب، وإنما ممارسة وحياة تتخللها مواقف تشبه الأسر والقطيعة عن الحاضر والمستقبل معاً وتوفرها عوامل ممارسة الاضطهاد من قبل النظم المركزية الشمولية،فهذه النظم وجدت في إعاقة وصول المجتمع لوعي مطلوب سبيلاً لبثها للخوف والقمع وزرع الرهبة وقد وجدت أنه من مصلحتها التحكم بالإنسان وزرع الرهبة في داخله منذ طفولته لهذا فمن الضرورة عقد ذلك الترابط والإشارة إليه بين طقوس المجتمع وعوائده وبين السلطة ، كونهما معطيان متكاملان وليدان ثقافة تاريخية عمادهما العنف والجهل ، لهذا تلعب التقاليد دوراً في تأهيل الفرد على امتصاص الخوف بطرق غريبة، تسهم في تهيئته لاستقبال المزيد من الصدمات الذي تفرزه طبيعة المجتمع. حذر غوستاف لوبون من هذا اللهث الجماهيري اللاعقلاني على حد وصفه ، من أن تتحول نداءات التغيير لمجرد شعارات يعوزها التنظيم والتوعية، حيث أن المجتمعات حينها تستقطب أجواء العنف ومراميزه المتجسدة في عملية الخوف الممنهجة والتي تقودها السلطات الشمولية بلا هوادة كحرب استراتيجية غير مسبوقة، تؤدي إلى حدوث موجة من الاغتراب العنيفة،وبالتالي فلا خيار أمام الجماهير إلا بكسرها لذلك الخوف وتمردها على كل ما من شأنه مس كرامة أفرادها، حيث يرى المنظر الاشتراكي الألماني كارل كاوتسكي90 ما يلي: “ لقد أصبح واضحاً وضوح النهار أن الصراعات السياسية والاقتصادية في زمننا قد أصبحت بدرجاتمتزايدة من فعل الجماهير

فالجماهير هي من تتأثر بكل مخططات المتحكمين بها وبصناعة الرأي العام، لهذا لم يعد خافياً أنها بالتأكيد الوقود الطبيعي لما يفرض عليها من أجندات تلامس طبيعة واقعها، وعصب حياتها المعاشة، إذ يفرض على نخبها التنويرية السعي نحو خلاصها لا تهويمها، بمخلفات الذهنية المرتهنة لكل خطاب سلطوي هدفه زيادة الخضوع والتدجين، حيث نجد الجماهير عبارة عن أسماع مفتوحة لاستقبال كل رأي وعليه تمارس أدوارها المختلفة، وبالمقابل من هذه الحقيقة أخذت السلطات الفاشية إن في الغرب أو في الشرق بمحاولة ابتداع نظريات تعمل على إخضاع فئة على حساب انتصار الفئة الأكثر معرفة بطبيعة هذا التفاوت بين المجتمعات، حسب درجات فهمها للحياة والأدوات، ولاشك أن الخروج من ربقة التحكم بات عسيراً في ظل تكالب الأقنية الإعلامية في صناعة المناخ المناسب للحرب والتنازع تحت أشكال ومسميات مختلفة، ولهذا فإن الإشارة لذلك بات واجباً معرفياً يتطلع المعرفيون غير المرتهنين للخوض فيه وبيانه، أمام ضغط هائل وحرب ضروس يتوجه به المتحكمون بالسياسة والاقتصاد، لإرباك قيم الحياة الطبيعية مقابل تأصيل العنف لدى الجماهير وإلزامها بالحرب، فما نقل الوقائع على نحو بائس وموجع سوى صورة حقيقية عن فوضى ستكون القائمة لحين تستخلص الجماهير عبراً عبرها، تخص علاقتها الجديدة مع المنظومة الحاكمة، والتي لابد من خلالها أن يتحدد شكل النظام الهزيل بعد فوضى أحرقت الأخضر واليابس، حيث نجد تلك الجماهير التي تمتص الخطاب السلطوي على نحو غريب ويبعث على الدهشة والتي تتصرف بمظهر راعية السلطة الحكيمة في انقضاضها على العملاء حسب زعمها ، تجدها مسعورة في الانقضاض على الفئة الأخرى ، ومثال ذلك يتجسد الاقتتال الذي دار في انتفاضة قامشلو2004 والذي جسد ذلك الزرع الذي حصدته السلطة من إذكاء روح التعالي والغطرسة في نفوس جماهيرها على نحو إيديولوجي يعكس روح الحقد والانتقام لدى فئاتها التي تماشت مع خطابها على نحو سريع ، وهكذا نجد التطرف خبزاً عفناً لمجتمعات أخذت مذهب سلطة الاستبداد في تماشيها مع قهرها بمازوشية وسادية تبعث على الخوف والذهول،حيث تتطبع الجماهير بسلوكية حكّامها، ولا شك أن من يحملون الشوفينية والغطرسة التاريخية على شعوب مجاورة أو يتعايشون فيما بينهم ، يصعب أن يكونوا مرابطين في جبهات التغيير الجوهري، كونهم دفعوا دفعاً ليكونوا وقوداً في شرك السلطة القامعة التي تتخذ الجماهير أعداء لبعضهم بعضاً، لهذا نجد أن المخاض العسير لايزال قائماً أمام مسيرة المعرفيين في الذود عن عقول النشء وتغذيته بمعاني التفكير الإبداعي والنقد الصارم، لانشغال هذا العديد الضخم بمعارك متوطنة في نفسية وذائقة معتنقي علل السلطة الاستبدادية المتخذة للطائفية والقومية لبوساً مقدساً، لهذا تدمن الأكثرية العربية المتأثرة بنظرية المستبد العادل ،ذلك الخطاب القومي بوصفها غير العرب خلايا تضعف من الدولة وتكون عائقاً أمام الأحلام التاريخية الشهية في التوحد واستمرار الهيمنة، وهكذا نجد الأتراك القوميين والفرس يستخدمون المذهبية حيناً والقومية حيناً آخر لتغطية الفشل السياسي الداخلي، هذا التنويم السلطوي للجماهير قاد التاريخ إلى زمن المرواحة في المكان، فالجماهير التي رافقت فريق الفتوة لملعب قامشلو إبان الانتفاضة سنة 2004، وراحت تتنازع هاتفة بحياة الديكتاتور السابق صدام حسين، هي ذاتها التي خرجت ضد مسترقيها للتنديد بشعارات جوفاء تنادي بإسقاط المنظومة القامعة التي عبدتها بالأمس(الشعب يريد إسقاط النظام)، هكذا نجد أن المتحكمين بالجماهير يتشابهون نظراً لغاياتهم المتشابهة في تهويم المجتمعات وترسيخ تجهيلها، لهذا نجد أن منظومة العقل الجمعي ارتهنت لخطاب السلطات الفاسدة وباتت نسخة هزيلة عنها، بحكم اتصالها مع قنوات السلطة تلك بشقها المؤيد والمعارض على حد سواء، وتمكن الخوف من أن يعقد قرانه بسهولة في فرائص ووجدان الجماهير الشرق أوسطية ،فالحصار الذي صنعته السلطات الشمولية ثيوقراطية الجذور هو ما مهد لبروز تلك الفوضى كنتيجة عن هذا القمع والكبح المتواصل والممارس ضد عقول وقوى عقدت العزم على وضع الحد لهذه الخروقات الكارثية التي تهز وجدان وحياة الجماهير، فما تفسير تعلق هذه الجماهير بالأضرحة والمزارات والقادة الرموز والأقطاب الدينية والشخصيات الحزبية، إن ذلك وليد هذه العزلة التي مارستها السلطات وخلاياها الصغرى الأحزاب، الجمعيات المتصلة بها، أجهزة الاعلاملتغذي روح الخواء والكسل الذهني في أوساط مريديها الذين لا يقرأون ولا يفهمون، ويتماشون مع أي خطاب يأتي من فوق، حتى أن النظام المؤسساتي يكاد يكون غريباً عن مناخاتهم حيث بتعاظم ازدياد المؤولين والمفسرين تتزايد نسب ذوي العلات على نحو مرعب ومخيف، يشي بالمعضلة الحقة والتي تكشف عن لعب السلطوي أشد أدواره خبثاً ودهاء ويتجسد في تقلده أو تسيده عرش الفلسفة والإصلاح والتغيير وما شابه من دعوات في عصرنا الراهن ، عصر الثورات المضادة، والقائمة على المزيد من احتواء الخلل وتحديث الآفة بل وباصطناع الحلول دون معرفة اتجاه البوصلة أو تجاهلها، وهذا يستدلنا على دور صناع الأزمات في تحويل المجتمعات إلى فتات، حيث نعلم مدى تأثير الخطب البلاغية على عاطفة ووجدانيات الناس في كونهم يهرعون وراء العاطفة من وراء أي خطاب فعال التأثير دون النظر إلى خلفيات ذلك(الخطاب الشعبوي) ، فإن ذلك بحد ذاته يعكس مدى اغترابها عن صناعة الفعل المضاد بمعنى آخر الفعل، الذي يساعدها على التمييز ومحاسبة الجالسين في الأعلى، حيث تجسيد تأثير الحكايا الشعبية على نفسية الأطفال هو تسليط الضوء على الخوف منذ بداية إيغاله في النفوس، وجعل المرء المتلقي يوغل في ماهية الخوف وأثره على شخصية الإنسان والتحكم في أطوار تطوره ونشأته وتأثير البيئة عليه ومن ثم علاقته بالآخر، ومدى قدرته على تجاوز شعوره بالفزع أو الإحباط، جعل التخيلات والأوهام بمثابة عقاقير فاسدة يتم تعاطيها لتثبيت أركان الخوف لهذا نجد أن التبعية تتغذى من خلال فعل التسيد على مجموعة بشرية من خلال جعل أذهانها مهيأة لاستقبال الخوف منذ الطفولة وتصبح تلك العملية الطريقة الناجعة لتعليب المجتمع واستخدامه كوسيلة لتحديث السلطة القامعة وتأصلها عبر التربية والقص الحكائي الذي تتبعه الأمهات أو الجدات في محاكاتهم لخيال الأطفال، من ثم جاءت الآلة الإعلاميةالتلفازلتؤدي تلك الوظيفة على أكمل وجه حيث المجتمعات أكثر ما تكون اغتراباً عن حقيقتها وكذلك فإن مجموع الأخطاء والتقاسمات حالت دون حدوث الإندماج الطوعي فيما بين هذه الشعوب، حيث أنظمتها تحول دون أن يكون ثمة اندماج قائم على الرضا والتشاركية، كون فساد النظام يعني انهيار المجتمع، حيث اللعب على وتر الأعراق هو ماشكل ومهّد ضمنياً لحدوث الحرب الأهلية التي مزقت بنشوبها ما تبقى من خريطة الوطن المرقع، والخوف يستقر في أوساط المجتمعات التي تفتقر لقانون ضامن لحياتها.

الشموليون مصدّروا الأزمات :

إن الصراعات الاجتماعية من عمل السلطات الشمولية، حيث جعلت من قوانينها أشبه بكوابيس لا تزول، وتبقي لها آثار على وعي الأفراد وتحولاتهم، وحتى على اتجاهاتهم مع الوقت، لهذا لا يمكن أن نعي حقيقة الإنقسام بين الجماهير إثر ارتباطها بمنظومة سلطوية عملت تلك الأخيرة باستماتة على تشتيت القدرات وبعثرة الجهود المعرفية، فأن تمارس الدولة القومية ذلك النهب والسلب(غزو الكويت) (اجتياح بولندا من قبل النازية) (غزو لبنان من قبل النظام السوري في عهد حافظ الأسد) ولكن هل من تخلّص حقيقي وجذري لسموم وآفات ما نقلته السلطة القامعة إلى تلك الفئات التي أسماها غوستاف لوبن91 بالمجرمة،إن السلطة تلجأ إلى إحباط أحلام وآمال جماهيرها بالتحرر والتحول الديمقراطي، عندما تبدأ بتأليب بعضها ضد بعض، فواقع شعوب الشرق الأوسط والعالم العربي يحتاج لمزيد من التأمل والبحث حول ظاهرة التأليب الجماهيري لما له من نتائج كارثية على الأمم، وتباين الخطاب الديني المذهبيعن القومي رغم تقاطعه في العديد من الأهداف التي تتصل في تهويم الجماهير والقفز على مطالبها الجوهرية المتجسدة في الدمقرطة وحقوق الإنسان وسيادة القانون المدني،فألاعيب السلطة لا تتوقف على حساب تعاسة الجماهير وقلة حيلتها وانعدام وجود إرادة جماهيرية واعية، يجعلها تحترب فيما بينها ، ليس لصالح السلطة فحسب بل لصالح أجندات دول إقليمية تخاف من انتقال أي هبة جماهيرية إليها.

إن التنسيق الحتمي والاضطراري بين منظومة دول الشرق الأوسط وأخصها المتقاسمة لكوردستان تعمل على تناقض مصالحها في الحفاظ على العقلية الأبوية الشمولية وحماية مكتسباتها الفئوية مهما كلفها ذلك من التجاء للدول ذات الأهمية الاستراتيجية للعمل المشترك على تهويم الجماهير وترويضها بما يتلاءم مع الحاجات والمصالح المشتركة فبقاء العقل الجماهيري في غيبوبة عن الفعل الحضاري المعرفي وعدم قدرتها عن التخلي عن تلك العقلية الإقصائية والتفكير الديني بمعناه السياسي التقليدي، يحول دون انتقالها لمرحلة السلم الديمقراطي بمعناه الجوهري لا الشكلي.

إن استجابة الجماهير الوارثة لعقلية السلطة الشمولية لنداء التخريب والفوضى الكامنة في غرائزها ولاوعيها جعل الخوف بمثابة الهاجس الماثل في الأذهان والأعين، حيث أن طباع الجماهير وضحالة وعيها بمفاهيم التعايش السلمي، جعلها تسير لمنحى ما تريد السلطة تصديره من أوهام وأحلام واهنة يمكن من خلاله أن تتحول تلك الجماهير إلى وقود ملتهبة لمعارك الداخل والخارج على حد سواء، حيث نجح رجال الدين باستثمار المذاهب والطوائف كما نجح السلطويون والذين يتزعمون النظرية الثورية بوضع الجماهير في خنادق متقابلة راحت تزجهم في صراعات لا تكاد تنتهي، فما أشد انقياد القطيع لتحقيق غايات ومآرب القادة إثر خطاباتهم الرنانة ، وقد نجحوا في إيجاد جماهير تتقبل أفعالهم وتسلطهم وتمارس ذات تصرفاتهم وتحمل ذات أفكارهم وإيديولوجياتهم ، فإن تم فرضاً إسقاط أي نظام ديكتاتوري أو طاغية فهل يتم إسقاط الفكر الذي تشربته هذه الجماهير؟! وتقنعت به ، حيث باتت مسلكاً يعد بأجيال رئاسية تحمل ذات العلة، حيث باتت دعوات إسقاط الأنظمة البراقة بمثابة تبديل للملابس الداخلية، إذ أن إسقاط الفكر الشمولي ومحو سذاجة العوام وإزالة روح القطيع هو ما يجب إسقاطه وذلك ببعث ثورة ذهنية شاملة لا تحتمل أدنى لبس أو مواربة.

إن التجهيل نظام سلطوي شمولي ليس هو تماماً تلك الأمية بمعناها التقليدي، وإنما معناه الجوهري هو الابتعاد عن كل رفد معرفي يحيي لدى الجماهير نقاء الذهن وولوج الأفكار الحرة إليها، إنها منظومة التسليم بأفكار وفلسفة القائد الملهم والرمز، بين قطيع آدمي متحرك يسير كالأغنام خلفه، وتلامذته متصوفون بليدوا الذهن مغيبون عن كل فكر خارج فكره، وتصور خارج تصوره، إنه نظام مقتبس عن عوائد التقاليد الدينية في تمجيد ولاة النعمة، ولا يمكن له أن يحقق أدنى مستوى من الديمقراطية والانفتاح على الآخر، وهو الإذعان والقبول بكل ما يصدر عن السلطة الإيديولوجية التي رسخت تلك الهالة في شخصية القائد الفيلسوف، والمنصبة تماثيله وصوره في الأروقة والساحات الكبيرة، حيث النظام الشمولي بهذا الشكل بات الخوف الأكبر، وضياع الأفراد بين فكي الاعتقال أو التصفية أو الهروب هو ما مثّل ذلك التحدي أمام مسيرة الجماهير في حياتها.

إن النوايا المحمودة تحتاج دوماً لعقول مستنيرة تؤمن بالمعرفة ، وتنتصر لنفسها على منظومة الخوف المقدس ، ولعل الثورة الأكثر توهجاً وصدق هي المنبعثة عن إيمان الإنسان بالعقل وقدرته على أداء المهام العصيبة، بتنسيق جمعي قوامه التحاور، إننا لا نحتاج لنوايا وقتية تنبع عن إحساس عشوائي غير مدروس، حيث تنقص مجتمعات الخوف تلك الرؤى المعرفية التي تبحث عن شؤون المستقبل أكثر من شؤون الماضي والغيب، وترتقي عقلاً وروحاً بدلاً من أن ترفع شاخصات المحظور والمكروه، إيماناً منها بأن الخلاص كامن في المعرفة والحب ومتجلِ بجمال ورفعة الوجود الهندسي.

المعرفيون في كوردستان الشمالية

توطئة :نجد الحرب هو بمثابة استرداد الهوية من يد باطشة تسعى لطمس تلك الهوية، إن اتخاذ المواجهة كخيار حتمي هو ما تفرضه حالة الاستشراس القوموي الذي فرضته الزمر الحاكمة من محاولة إلغاء خصائص الأمم والهجوم على إرثها المعرفي وتشبثها بأرضها، إذاً فحماية الوجود هو استجابة لنداء الطبيعة المتوازنة فينا، و التصدي لحالة الاستذئاب السلطوي يفرض على المعرفيين مهمة حفظ مكتسباتهم من الزوال والاندثار، فمهمة تلك الشعوب الحية أن تحافظ على إرث الإنسان العاقل عبر ثقافة المواجهة والتصدي لخطر الذوبان في بوتقة النظم الشمولية التي تعمل على الدوام في صناعة الحروب الأهلية وخلق الفوضى والأزمات بين الشعوب، وزجها في صدامات عبثية، تفضي لمزيد من حالات التفكك الاجتماعي والأسري، حيث التشبث بالجذور للحيلولة من الانصهار في رحم الثقافة المهيمنة يمثل في حقيقته شكلاً من أشكال الحفاظ على المنجزات المعرفية والتي تمثل في طبيعتها ثورة معرفية، نهضة تحاول الإرتقاء بالمضامين الجوهرية للإنسان والمتعلقة بحب الأرض واللغة من حيث التحدث بها والتغني بالرقعة التي تتعايش فيها التجمعات البشرية على اختلافها وتباين فئاتها، دون محاولة لإحالتها إلى لاشيء، عبر زجها في نزاعات لا طائل منها، سوى استنزاف البنية الروحية والمادية لها، والقضاء على أواصر الانتماء فيما بينها.

فحينما يسود الترهيب والضغط على الشعب نجد أن خيارات الحياة تصبح أكثر صعوبة ويسود الخوف مناخات الذات ويجعلها تتشرذم بين أن تثور أو أن تنوء بنفسها وهكذا تصبح الشخصية الخائفة في مصيدة السلطوي الذي يزداد غروراً وغطرسة بازدياد الخائفين أو اللاهثين لتقديم الولاء الأحادي لها، متناسين هول الجرائم التي تقترفها تلك السلطة وهكذا يستمر هذا الاحتقان الصامت ليظل عنوان المرحلة، ولا تنتقل مجتمعات الخوف إلا ببطء شديد من طور الضعف والخشية إلى طور كسر الرهبة والمناعة ضد الإرهاب الممارس.

المجتمع والإرهاب الدولي :

إن المجتمعات الخائفة لا يمكنها أن تتنصل من الجهل الذي يقود إلى الفقر وعدم التطور فسطوة الإرهاب الدولي على الجماهير تباعد بين الأخيرة والحاضر السائد، وتضعها في عزلة عن الحياة والعالم المتمدن والتغييرات الهائلة التي ما تلبث أن تغير من طبيعة الحال على نحو سريع ، ففي ظل حالات الصراع هذه ، لا يمكن حدوث أي نقلة طبيعية في حياة المجتمعات، حيث تحكم السلطة القومية العنصرية قبضتها الحديدية على مفاصل الحياة حيث نجد أن البيئات الأكثر عنفاً هي الواقعة ضحية الاتجار بالدين أو تهويم العقول من خلاله، وهي تلك البيئة التي تتعرض للتهميش الخدمي والتعليمي وتعاني من قبضة الأجهزة الاستخباراتية والتي حولت أفرادها لمخبرين ضد بعضهم البعض، حيث يتشوه كل شيء في ظل تأجج التنازع ولا تعيش الفلسفة في ظل جماعات مهددة بقوتها وأمنها وحياتها وملاحقة على هويتها، ويبقى الهاجس هو نشدان التغيير والتحول الديمقراطي عبر فرضه من خلال القوة المضادة للجور والعسف والبطش، حيث يتصل الفرد الخائف بقوة ميتافيزيقية ولعل المفاهيم الدينية هي الأقرب إليه من أي شيء، يحقن ذاته بمناجاة الله ، أما الفكر والفلسفة فهي أقرب للفرد الشجاع، فبطبيعة الحال لن يتمكن المحاط بالرهبة والرعب من فهم الفلسفة ومنطق التغيير، إلا عبر دحض الخوف وسد ثغراته التي يطل منها، حيث يعتبر الدين لدى الخائف ضرورة ، ويعلم السلطوي أن الدين ضرورة للتحكم بالجماهير وجعلها مسخّرة لتحقيق غاياتها البعيدة، وإزاء هذا المنطق الذي عبره تم تخدير المجتمع الكوردستاني في كوردستان الشمالية، تم تأصيل بنية الفكر الفاشي الذي يعتبر كل القوميات غير التركية تركية من خلال فرض اللغة عليها وإلزامها بذلك بمختلف الأشكال القسرية.

إن التطرف القومي ألقى بأغلاله الثقيلة على كاهل المكونات غير التركية وجعلها إما تنقاد للإنصهار الكلي، أو التصفية بمختلف أشكالها، أو أن تذهب باتجاه الجبال ، للمقاومة والصمود بوجه هذا الاستشراس الذي قلَّ نظيره، وهو يصب في خانة تعمير هرم الكراهية بين المجتمعات إلى أمد طويل، هذا الهرم الذي يأخذ بالنظم الاستبدادية الفاشية إلى الاحتضار والفوضى الكبيرة، ويجعلها بمثابة مصدّر عام للحروب الأهلية والأزمات الاقتصادية حيث للسلطة دور كبير في تشويه القيم الأخلاقية بين شعوبها، إذ لا يمكن أن يثمر عن الخوف سوى الشعور بالضياع والاغتراب والغوص في المنفعية والاستغلال والاحتكار أكثر فأكثر، ولا نبصر إلا شبح البؤس الذي يعمُّ العوام ممن يقعون كفرائس سهلة بيد عصبة الفساد والاتجار والانحلال، وهو يشكل علامات تهاوي النظام الدولتي القوموي الذي يأكل بعضه بعضاً ويتداعى مع مرور الوقت، هكذا نجد أن لا فضائل في السياسة العنصرية لما تقوم به من أعمال وحشية بحق الطفولة والإنسان برمته،حيث نجد أن الحرب تتم تحت ذرائع نبيلة لا تمت بصلة للسلوك المطبق على الأرض، حيث يستخدمون حب الأرض والإيمان بالرب،لإخفاء نواياهم الحقيقية في دفن الله والوطن معاً وحمله في تابوت الجشع إلى مثواه الأخير، حيث دوماً نجد أن البطش تعبير عن روح الأنانية الجمعية التي تمتاز بها نخب السلطة في قيادة القطيع نحو خططه الأكثر دهاء، وما نلبث أن نجد الجماهير تتحرك بأدوات السلطة وتنفذ بدقة تعاليمها المحشوة بروح الإيمان الأعمى ، والتسليم بأن السلطة القائمة هو مشيئة قدرية إلهية لا يجدر معاداتها، إزاء فئة ناقمة تأتمر هي الأخرى بأمر معارضة السلطة، التي تقود قطيعها بذات الأدوات ، وهذه ليست مصادفة، إنما تداخل بنيوي في طبيعة الخطابين المنطلقين من أساس واحد وهو التسابق على الاحتكار والهيمنة عبر الخطاب الإلهي الذكوري، والذي يتأبط حزمة من مآرب ومخططات لزج الجماهير في فوضاها البنيوية، حيث محاربة الفردية وقيمها الإبداعية هي من عمل السلطات القوموية الهرمية والدينية أيضاً، لأنها تعتاش على إيجاد قوالب رديئة تابعة لأنظمة حكمها وأساليب إدارتها للمؤسسات، وقمعها لكل من يتطلع لنظام ديمقراطي حر، حيث نجد أن الديمقراطية والحرية هما سلوكان محكومان بعدم النضوج في ظل حصار هذه السلطة للجماهير ومنعها من تحسس مدركات أفرادها الساعين للتغيير الديمقراطي والذي سيحقق حرية للرجل والمرأة في صنع حياة جيدة دون قمع ذكوري أو هيمنة تقاليد وعادات تسعى دوماً للحيلولة من وجود جيل يؤمن بحرية الاختيار والعمل، عزم الالتجاء للجبال لتحقيق هذا الترابط الحقيقي والتشارك في صنع حياة حرة في حرب الرجل مع المرأة لتحقيق مجتمع حر ، قادر على أن يكون اللبنة الموضوعية لبدء حياة ذات تشاركية حقيقية في صنع الوطن المنشود،في هذا تعبير عن إرادة لا تقهر لإنسان مقهور في ظل هذا الاستعباد على طول خارطة كوردستان بأجزاءها الأربعة،نجد أن الإرادة الجماهيرية الخادمة لذاتها عبر أفرادها المعرفيين، قادرة على إيجاد مخرج لأزمات التحزبية التي باتت وباء وليد عن التفسخ السلطوي الماكث في الأعلى ، والمتسلط على نمط الفكر وهيئته، وما الخروج عن معادلة الفساد الحزبي والسياسي عن طريق (الفدائية الكوردستانية) ، إلا تعبيراً عن وجود لوبي جماهيري قادر على إماتة القوالب السلطوية ، أمام المد الجماهيري التائق للديمقراطية والحياة الأفضل، ولعل صفاء ذهن المقاتل وتوقه لبذل كل نفيس لأجل تبديل واقع العبودية والاستعباد إلا تعبير عن روح التوثب للأمام في حياة قائمة على المساواة والحريات، فأمام بطش الحاكمية السلطوية، لا يمكن الاستمرار بالكفاح السياسي وحده دون وجود المسلح، إذ نجد القوة في كثير من الأحيان تغير من مسارات الحل ومصائر الناس، بل وتفرض على المنظومة الفاشية الجالسة في برجها العاجي، أن تسلك سلوك الاحترام للقوة المضادة، لهذا فحقيقة هذا التنازع قائمة في إشارة لنزاع قديم وهام بين قوى المحافظة وقوى التقدم، يتم دفع الكثير في سبيل القليل في كثير من الأحيان، فأمام هذه الغطرسة المتجذرة داخل جماهير مقسمة روحياً ومنهارة معرفياً، نجد أن مسارات الحل وأساليب الفكر والعمل تتباين حسب الظروف ومآلات الحدث، لهذا فالأجدر تحديد الإشكال القائم في حقيقة أن الذهن الجماهيري مشوش نتيجة حقنه بإبر المقدس الديني المتعلق بحقيقة الدين السياسي الذي مجَّد طوال حقب لريادة وحاكمية الحاكم المطلق، ولعل هذا سبَّب إخصاءاً معرفياً لمجتمعات مكبّلة، نخرها الفساد والاغتراب من كل صوب وحدب، من السذاجة إذن التعامل مع التغيير بأدوات سلطوية قمعية، إلا أن الجمهور الذي يعيش في ظل أدوات قمعية اعتاد على تشربها في العقل الباطن، لن يقنع بسهولة بنمط الآليات الفكرية الجديدة، ولا سيما في ظل خلاف واضح بين نمط آليات الأسلوب أيها أقرب للتغير وأيها يعود للماضي القائم في حقيقته على قطيعة الحاضر والنوم على أرائك التاريخ، في ظل ذلك أمكن لنا أن نعي أن نمط الحياة الاجتماعية يحتاج لوقت حتى يتم نقله وفق أدوات قد لا تتحرر تماماً من ضغط المنظومة الأبوية ، وقد تسهم في التكبيل بطريقة ما، من هنا أمكن لنا أن نعي أن الإرادة المعرفية الكامنة في روح الجماهير الشابة هي القادرة على إنقاذ المجتمعات من عهود الأبوية الحاكمة،والتخلص من نمط وآليات الفعل وردة الفعل لما لها من أضرار على مسار التحول الديمقراطي على المدى غير المنظور وعبر تشخيصنا لحقيقة حمل السلاح للدفاع عن الأرض والمكتسبات، إنما في حقيقته تعبير عن روح المعرفيين المتمسكة بالجذور من خطر الاقتلاع أو الإبادة بشقها الجسدي والثقافي، فكم صارعت أمم في سبيل بقاءها وحضارتها ولم يك في بالها السيطرة والهيمنة على مقدرات الغير، وكم من حروب كان هدفها طمس معالم الأمم المتحضرة، حيث الصراع على الجغرافيا في طبيعته صراع سلطوي اقتصادي تديره مافيات متحكمة بالمال والسلاح، وإزاء ذلك تتغير الجماهير في ظل التهديد الذي يمارس عليها لتنتقل لوضع حلول طبيعية تتمثل في بعث الإنسان الجديد المؤمن بالجذور والحفاظ على البناء، فالحلول تضعها الجماعات المسالمة في تشبثها بالحياة المشتركة، والتي بدورها تسهم في التأثير بشكل مباشر في بنية العقل الشرق أوسطي، فليست الحلول عبارة عن بنود وتعاليم توضع على لوائح الإعلانات وبرامج الأحزاب بقدر ما هي تعبير عن إرادة الحياة لدى شعوب تحاول أن تنتصر في صمودها على النظم المتربعة كالكابوس في حياتها وفكر أفرادها الجدد.

ولعل التشبث بالجذور هو انتصار للإنسان المعرفي وقيمه القائمة على الإعمار وبث الجمال في المكان، من خلال إيجاد علائق طبيعية بينه وبين الذات الساعية في خلاصها من خلال تمكنها من استخدام مواهبها ومدركاتها دون كبح أو لجم، ولعلنا على ضوء ذلك نبين العلاقة التوأمية بين الأرض والإنسان عبر الصراع لأجل البقاء، من محاولات السلطويين الجدد في إحياء الذكورية المقدسة في اقترانها المشوه بين الديني والقوموي والذي تجلى ذلك في حقبة الربيع العربي وأخصها الحالة السورية، لهذا نجد التعبير عن هذا النمط من الصراع هو في حقيقته انتصار كبير لقيم الحضارة على قيم التوحش والبداوة، حيث ينمو الإنسان في ظل هذا الصراع المباشر والمستفز في طبيعته والذي يولّد في ذاته الكثير من التساؤلات عن نمط حياتين أحدها قائمة على تحدي الإنسان في قوته وعيشه واستقراره، وأخرى مضادة تعمل على الصمود بوجه تلك القوى العازمة على استغلال وإماتة روح التفوق لديه، وهنا يمكن أن نبرر جدوى هذا الصراع لأجل إنقاذ الحق من ربقة النص المقدس الذي تتلاعب السلطة في مضامينه لجر الغافلين إلى الارتزاق واستخدامهم كوقود عبثية، فعمل الأحرار في ظل الأرض هو التشبث بحقيقة القيم المستقاة من الدفاع عنها وبذل كل ثمين لأجل بيان المسعى المعرفي من بروز الابتكار كحقيقة لرغبة الكائن الحر في العمل وبناء الوطن، فالله وفق حقيقة هذا التشبث كامن في الحب وليس في نصوص الدم التي تحض على الكراهية وقتال المختلف، وهو الوجود في جماله وسحره وعراقته، وهو المعرفة في قيادتها للمجتمعات لسبل التنمية والإزدهار والعمل بمتطلبات النهضة والبناء.
فبعودتنا للحديث عن علاقة الفضيلة بالسياسة، نجد عجزها عن تحقيق الحماية للجماعات التي تعيش المجاعة والحروب الأهلية والأزمات الاقليمية، حيث تقود القوى الاقتصادية الحروب، فتسعى لنبذ مفهوم الحماية الذاتية والتي تسعى لها الفئة المنكوبة لصالح انتصار مفهوم الربح والمنفعة، حيث تغدو الديمقراطية مجرد شعارات كلامية، تتستر على الانتهاكات هنا وهناك، حيث نجد الحرب في ماهيتها انحيازاً لمن ينتصر، تاركاً وراءه الأثر البليغ من الاستنزاف والعبودية والدمار،فصناعة الألم والموت هما عدوى نقلتهما السلطات الشمولية لجماهيرها وأحزابها، وباتت نوعاً من الإذلال الروحي والفكري، لتقديم المزيد من القرابين والأضحيات لصالح وجود الاستبداد الذي بات الورم السرطاني الكبير والذي يمكن أن نقول أنه المنافس القديم لأي علة مجتمعية أو ثقافية أو اقتصادية يشهدها العالم ، ولاشك أن مقولة العالم المتمدن أو الحر مشكوك بها، إذ كثيراً ما تمتثل إجمالاً للإبقاء على النظم المستبدة ، لأجل الإبقاء على مصالحها، ليصبح التستر على القاتل والقتيل عملها الإضطراري المفضل.

إن عجز المنظومة الدولية على تغيير هذه النظم، يلزمها البحث عن مصالحها المادية في المنطقة استناداً لما تفرزه هذه النظم من فجوات واحتقان كبير بين شعوب هذه المنطقة على المدى البعيد .

إن هذه الفجوات تتضمن خلافات دينية تتجدد، ونزاعات سلطوية جذورها من الماضي البعيد يتم تحديثها لتغليف العقول عبرها، فإذاً فإن استحضار الماضي بصوره الوحشية ، استطاعت القوى الكبرى صناعته استناداً لخلفية شعوب الشرق الأوسط ولاشعوره الجمعي، فصور القتل والحرق والتمثيل بالجثث وقطع الرؤوس والأيدي، تم إعادة تأهيلها من مصادر التاريخ القديم القائم على الاقتتال السلطوي، وهو بيان واضح لعقلية السلطة الحديثة في جر الشعوب إلى أوكار الرعب والخوف والتشوه الداخلي، فأخطر ما يتم تداوله مستنبط عن تجارب التاريخ الحافل بالصراعات العنيفة، والتي أرادت إعادة الجماهير المخصية إلى بطن الماضي الوحشي بكل بشاعته وقسوته، فبقاء النظم التي تقتات على المركزية القومية أو المذهبية هو بمثابة تحدي بوجه العالم برمته، إن لم يتم مكافحته .

والغريب أن تجتمع دول بعينها تحت يافطة مكافحة الإرهاب والتطرف وهي في الآن ذاته مصدِّر ومموِّل رئيسي لهما، أمام ذلك لا نجد القلم باستطاعته أن يضفي تغييراً واضحاً، والأعين السلطوية ذوي النفوذ والهيمنة تتجه فقط إلى كيفية استعباد الشعوب والحد من تطلعها للحرية والانفتاح.

التدمير للحياة وإعادة توزيع الجماعات الهاربة وتوطينها عبر تغيير الخرائط ينعكس ذلك برمته على منظومة القيم الأخلاقية، بل وتكاد تنقلها للهاوية والضياع، فجراء التشويه الحاصل في الحروب الأهلية والصراع مع النظم المستبدة، نجد تضخم الآثار السلبية على المجتمع بكافة شرائحه، فحين نتأمل مجريات القصف على القرى المتآخمة للجبال والمقاتلين، ونجد إبادة مجموعة من الناس ما يمكن اعتباره تجسيداً لهول الحدث.

إن وحشية السلطة وإرهاب الدولة التركية يعد الوبال الحقيقي لأي إرهاب يمكن الحديث عنه على صعيد جماعة أو تنظيم معين، نظراً أنه ما من دول قادرة على أن توسمه بالإرهاب أو تقاطعه (الاتحاد الأوروبي) ، حينما يكون بينها والأخيرة علاقات اقتصادية منفعية ، تجيز لها فعل ما تريد ، ما هو جلي في المثال التركي من محاولته إبادة الشعب الكوردستاني عبر التاريخ، وكذلك إبادة الأرمن والكلدان والآشوريين أيام السلطنة العثمانية، إننا نجد تاريخاً دموياً متجذراً وممتداً للعيان في هذا الحاضر، يشرعنه صمت الدول الزاعمة للديمقراطية وحقوق الإنسان، وعلى هذا المنوال يمكن فهم الإزدواجية الدولية، وكذلك مواكبة الوجع لشعوب تحاول أبداً الترفع عن آلامها عبر الصمود والمقاومة.
فغايات الاستبداد السياسي كامنة في بعث الخوف والتقسيم الاجتماعي بين جمهور يعتد بخطاب السلطة التي تسوق مثالاً الأمجاد القومية وبضرورة الحذر من المكونات الخارجة عن الحالة القوموية تلك بوصفها خطراً على الوطن، هذا ما سوقه الخطاب القومي العربي في وصف المكونات غير العربية بالعميلة والساعية أبداً للنيل من الأحلام الوحدوية وكذلك الاتصال بأعداء البلاد بغية تقسيمها، كما الخطاب التركي العنصري الذي اعتبر كل الشعوب التي تعيش في تركيا، باعتبارها شعباً تركياً واحداً ، عدا تلك النظرة الدونية لها باعتبار تلك الشعوب عبارة عن مستتركين ولا يتمتعون بنقاوة العرق خلاف التركي النقي عرقياً، وكذلك الخطاب الفارسي الذي يعتبر كل الشعوب التي تعيش في إيران على أنها شعب فارسي واحد، فأمام هذا التراث الإيديولوجي القائم على الكراهية والتقسيم الروحي بين الشعوب ، نجد أن الحروب والتناقضات قائمة وتنمو باستمرار، وأمام هياجها تحاول العلوم الإنسانية أن تشغل وظيفة المصلح الخجول، وفيما لا شك فيه فإن الخطاب الديني المذهبي الطابع، استطاع أن يحقق بدوره ريعاً كبيراً في الفوضى والدمار، وأمام هذا الاقتتال المرعب لا نجد دوراً للغة التنويرية في قدرتها أو تأثيرها أمام تفشي سرطان الإسلام السياسي القومي والذين يوقدان الحروب والخلافات بواسطة السلطات الباحثة عن مصالحها فوق جماجم الأبرياء.


ويتضاعف الاغتراب ويضعف التماسك الاجتماعي بتحول الخوف لحقنة يمكن تذويب الصرخات في ظلالها،وجعل الجماهير بلا ألسنة، ووعي لتطالب برفع المظالم عنها، ونظراً لحالات الإبادة الثقافية والإيديولوجية التي تفرضها المنظومة الشمولية بوجهها الفاشي، فإن التفكك الاجتماعي يشهد تحولات تعتبر الأسوأ في التاريخ، ليتم استهلاكها واستنزافها بخطابات تدعو للحرب وزيادة التنافر بين مكوناتها، إذ يتم استخدامهم كدروع بشرية أو كوقود لحرب داخلية وخارجية على حد سواء.

إن الحرب التي يشنها السلطويون على الكورد لكونهم كورداً ويتكلمون بلغتهم ويعيشون على أرضهم ، هو بمثابة جينوسايد متداول عبر التاريخ، يضاعف الشعور بالظلم والقهر، ويوغر من إحساس الكراهية التي يذهب ضحيتها شعوب هذا الشرق، إثر التشوه الذي فرضته عليهم أنظمتهم، وهم على هذه الصورة الراهنة مطالبون بأن تكون أجسادهم وعقولهم أدوات بيد هذه المنظومة لاستمرار هذه الحرب دون هوادة، حيث يصبح هم السلطوي القومومي شراء الذمم، وزيادة الأنصار ممن يتخذونهم أوثاناً مقدسة، لهذه المعارك العبثية،ونجد النزوع للإنقسام والتنازع بمثابة غريزة متجددة بين شعوب الشرق الأوسط امتداداً للشرق الأدنى والأقصى برمته، إلا أن تسليطنا النظر حول الشرق الأوسط هو بمثابة العينة الأكثر تجسيداً ، فالأزمات التي فيه معقدة وشائكة ولاسيما أن رابع أقدم قومية تعيش ضمنه مجزأة بين أربع دول.

إن بقاء كوردستان مجزأة، يفرض على المنطقة لا استقراراً طويل الأمد، ناهيك عن النزاعات المذهبية المستعرة هنا وهناك، وكذلك عجز الخطاب القومي السلطوي عن إيجاد مخرجات له، وإفلاسه المزمن، والذي يدفع بمستقبل الشعوب إلى الهاوية.
نجد أيضاً أن غريزة الانقسام جلية في أوساط المجتمعات الشرق أوسطية عموماً والكوردستانية خصوصاً، كون ذلك يجعل المنطقة المستعرة وبالاً على بعضها البعض، دون التوصل لحياة أكثر تنظيماً ووصولاً للجلوس لأجل تأييد القواسم المشتركة التي قد توحد أبناء القضية الواحدة أو اللغة الواحدة، إلا أن الحل المعرفي يكمن في تجاوز العقلية القومية بتركيبتها السلطوية للإنفتاح المشترك بين هذه الشعوب المجاورة والمتداخلة ببعضها البعض بحكم التاريخ والجغرافيا.

إن إبعاد الفنون عن المجتمعات هو تعبير عن رغبة في تحويلها إلى وقود لأزمات لا ينتصر فيها أحد ،حيث يمكن فهم الصراعات الشرق أوسطية بأنها في قسم كبير منها استماتة شعبية غير مدروسة في إسقاط النظم الاستبدادية على نحو خائب تعمه الانكسارات والمآسي، والقسم الآخر تتمثل في انفجار التناقضات الداخلية لطبيعة المنظومة السياسية وعلاقتها مع الخارج الإقليمي والدولي، لكل ذلك انعكاس رديء على المجتمعات المتشرذمة والتي يتحتم عليها العيش بقلق وبؤس وتشرد،حيث يمكن أن نلحظ أن كل ثائر جيء به للجبال وراءه قصة بائسة، أو أحداث جعلته يحس أن ما من طريق للخلاص من نفاق المجتمع وتخلفه إلا عبر بوابة الطبيعة حيث الصفاء المفقود، إذ لطالما كان لجوء الإنسان إلى البراري وسيلة لنسيان مأساة الآخر وجوره ، وأمام ذلك الضغط السلطوي عبر فروعه المتطاولة ونعني به سدنة التقاليد والأعراف ، لا نجد إلا الفارين والمنكوبين ممن يتحسسون جذر المعضلة والتي هي تلك السلطة القمعية ، فهي نجحت في إغواء المجتمع بالمال والدين والانحلال، وتهديدهم تارة أخرى بوسائل العنف والقمع والاجتثاث، أمام هذا الضغط المتزامن مع تغييرات الحاضر ووصول المجتمعات لوعي بأهمية الحراك والتطلع للنهضة والتغيير، نجد الآمال ترتقي وتنحو منحى ذلك الموج المتحرك والخلاص المنشود ، حيث ينتقل الصراع التاريخي بين الجماهير والسلطة القامعة لأطوار أخرى، يعمها التداخل بين مصالح الدول الاقليمية والدولية وهيمنة الاقتصاد وتغيير الخرائط حسب هيمنة ذوي القوة على النفوذ المتوزع في رقعة الشرق الأوسط، إلا أن التحول الفكري المعرفي يتعثر بتحديات القمع السلطوي المساهمة إلى حد كبير في تأخر هذه المجتمعات .
بات العنف ديدن أنظمة الحكم الشرق أوسطية، وباتت كوردستان الميدان الأكثر غلياناً واحتقاناً مع الزمن، إزاء دول تم اصطناعها منذ 1916 ، إبان اتفاقية سايكس بيكو، والذي لا تزال آثارها تعيث خراباً في نفسية المجتمعات المشتتة، والتي لم يعد بمقدروها تغيير أنظمتها إلا تحت مظلة التدخل الخارجي ورغبة القوى الكبرى في تغيير الخرائط حسب مصالحها، ثم أن الخلايا التنظيمية المناهضة لهذه السلطات مارست ذات التقاليد الاستبدادية على أفرادها الذين انخرطوا في العمل النضالي لغاية دفع المظالم الاجتماعية والسياسية التي يمارسها أرباب الذهنية الذكورية المتصلبة، والتي دعمت وجوديتها انطلاقاً من النظم المركزية الطابع، والتي سوغت الوجود لسيادة العقلية الأبوية داخل العائلة الواحدة، كل ذلك دفع ثمنه الشباب الطالع، والذي لم يجد ثغرة أمل يمكن أن يدخلها، حيث الأسير يمارس فعل السجان على الآخر الأضعف وهكذا، تلك التقاليد الاستبدادية تنتقل كالنار في الهشيم داخل سلوكية الإنسان المقهور، فلا يمنعه من أن يمارس الحاكمية، كون خضوعه لم يعطه الوقت الكافي لحسن التطلع للأمام، فقد يمارسها على ما هم دونه وهكذا.

في نقد القوموية التركية :

ولعل ديدن الأمم السلطوية ممن تتسلح بماضٍ دموي هو المضي قدماً لاستعباد الشعوب الخاضعة لسيطرتها، يبان ذلك في ذهنية النظام التركي، وثقافته القائمة على الكراهية واجتثاث الشعوب غير التركية وصهرها في بوتقتها، تبقى تلك الذهنية عائقاً كبيراً في التحول الديمقراطي والمسير للأمام بخطا نهضوية.

المشروع القائل بوجوب بث روح الحب في الوجود، والانتصار على الخرافة عبر المعرفة، وما تلك الكراهية التي يبثها القمع المستمر إلا تجسيداً لهالة الجهل التي لا تنفك تحاصر مسيرة الإنسان المعرفي في الوجود،ليتم الإعداد لمعركة المواجهة مع العدو المهدد لقيم وحياة شعب عريق يقيم على أرضه التاريخية، في الآن الذي تتجسد عبر حمل المرأة للسلاح بجانب الرجل حيث الحرب من أجل التغيير، وتحقيق الإنصاف يتم مع تلك الرغبة في حرية الأرض ، لعل حرية الأرض لا تكتمل إلا بحرية الذات وتحررها من عيوبها وتحللها، ورغبتها في الانعتاق والخروج من متاهة الاغتراب والشعور بالعجز، فالحرب من أجل المساواة تتحقق في ظل إيمان المرء بالذات وقدرته على تحقيق النجاح عبر التشاركية في صنع الحياة الجديدة.

إن الإمعان في الحديث عن مأساة المجتمع في ظل السلطة الفاشية هو ما تجيده الرواية الواقعية، وتستطيع أن تجعل من الحدث وثيقة وجدانية تقوم بالتأثير النوعي على ذائقة المتلقي، لتعرّفها على مرارة العيش في ظل الجور والفساد المطبقين على مفاصل الحياة الاجتماعية والسياسية لكوردستان عموماً والشمالية منها الخاضعة لتركيا على نحو خاص، إن لحظة الغضب الجماهيرية تزداد مع ازدياد شعورها بفداحة الظلم والمعاناة التي ترتكب بحقها مع الزمن،فالاجتثاث والصهر الدائم هو ما جعل الخوف خبز الدولة التركية التي تهبه لتلك المجتمعات غير التركية بصفتها مجتمعات يجدر بها أن تقتنع بحقيقة أن تكون تركية، وإلا فلا مكان لها في تلك الرقعة، إنه استبداد محاط بإيديولوجية الكراهية والاحتقار العنصري ، يتم غرسها في أذهان الأجيال، وتسهم في نقل تركة المظالم من عصر لآخر، تلك العقلية ما لم تتغير ، ستدفع بالكثيرين وقوداً لتلك الحرب الإيديولوجية التي هدفها طمس معالم تعايش مشترك،حيث يمكن شراء الجماهير عن طريق المال ودفعهم ليكونوا مأجورين يقومون بقتل بعضهم البعض، وزج الذين يرفضون ذلك في السجون والأقبية، حيث المال يعني الانصهار في البوتقة التركية، والخوف يعني الموت أو الاعتقال ، فتلك المظالم جعلت الشعوب تسير إلى طريق مظلمة، حيث بتنا ندرك أن وحشية هذه المنظومات الشمولية تفوق قوة الجماهير المغلوبة عن أمرها في قدرتها على دفعها وإسقاطها، لهذا لم يكن إلا التدخل الخارجي والإستفادة من تناقضات مصالح الدول الكبرى، كوسيلة لإسقاط النظام الاستبدادي، عداه لا يمكن دفع الظلم وإجراء التغيير، وهنا لا يمكن ضمان أن حدوث التدخل الخارجي والفوضى الجماهيرية قد يستطيع تغيير هذه النظم بنيوياً، ذلك يحتاج لعدة ثورات ضارية حتى يغدو بالإمكان الحديث عن انتفاضة ذهنية تستطيع تغيير العقلية، وهذا شيء عسير، إن عداء الشعوب يسهم في زيادة تدميرها مع الوقت، حيث لا تدرك النظم المركزية استحالة إخضاع الجماهير عبر وسائلها التقليدية، كما أن تجهيل العوام وتخديرهم دينياً، قد يساهم أكثر في وضعها كأدوات لتنفيذ مخططات الدولة خارج الحدود، فتصدير الأزمات الاقليمية هو نتاج إفلاس وعجز تلك الدول على احتواء أزماتها، وبقاء كوردستان مستعمرة بين هذه الدول، يعني تغيير بنيتها على المدى غير المنظور، كونه ثمة شعب غير قابل للصهر ويحارب بكل وسائله ويعاني الجور والظلم ، ولا يستسلم، إنه دائم التطلع للأفضل أسوة بشعوب العالم المتحررة، فما يعتمده الإعلام الاستبدادي هو جعل المرأة وسيلة اتصال جنسي وتسليعها على نحو يثير لعاب الشهوانيين، أي جعلها بمرتبة الحيوان، إلى جانب ذلك فإن النظرة الدينية السياسية للمرأة وفق منظور الدولة القومو اسلامية هو كونها وسيلة للترفيه الجنسي، والإنجاب الدائم، ذلك جعل الأنظار تتجه نحو الجانب الغريزي لما له من تأثير على تحول الأفراد للشذوذ والعنف، وهو ما حافظت عليه الأقنية الإعلامية لإلهاء الجماهير وإخضاعها لأمد طويل.

الإعلام القوموي وتشويه النفس :

إن تصدير التشويه النفسي هو دعوة للجريمة ، حيث يعمل الإعلام على لعب أشرس أدواره في تحوير الذائقة وإلهاء الناس عن مشكلاتها الجوهرية وإشغالها بتوافه الأشياء، بل وتعميتها عن طريق الإسلام السياسي كما يتم اللعب عبره في الوقت الحالي، حيث نجد أن بواعث الأمل في التغيير تقتصر على حملة السلاح ، ممن لجأوا إلى الجبال، ليشكلوا من منحدراتها الوعرة معاقلاً للمواجهة، ولاشك أن طرفي الصراع يحملان في تنافرهما معضلات متشابهة، ومشكلات سلطوية ، تلتقي عند مدى قدرتهما على كسب الجماهير بأشكال متعددةنجد أن نموذج الجنرال التركي المولع بالبطش، شديد التأثر بجنازات الجند فلا يتأثر إلا عبر الكاميرا ليبكي وتدمع عيناه حزناً على رفاتهم، في إشارة إلى انعدام الثقة والولاء للهدف، سوى البقاء في أعلى الرتب والإرتقاء دون محاولة لإيقاف هذه الحرب التي لا طائل منها سوى المزيد من الاستنزاف والقتل، إذ تمثل المصالح الفئوية السلطوية رأس الإشكالية في بقاء الاستبداد والفساد على ما هو عليه ، على مبدأ بقاء النفوذ والوجاهة على حساب وجود الكراهية بين المجتمعات ، فلا التركي يرضى بحرية الكوردي، ولا الكوردي يستطيع أن يغفل الجرائم والويلات التي تعرض لها على يد التركي، ونعني هنا المنظومة السلطوية وأعوانها ومأجوريها ، ممن تعتمدهم أدوات لإحياء الكراهية والأحقاد لأمد طويل، حيث يتم التملص باستمرار من إيجاد حل لمسألة الديمقراطية والحريات، ويتم الالتفاف حول مطالب الجماهير وتنظيماتها، وتصبح الوعود ديدن هذه السلطة في دوام بقاءها، تلك الوعود الانتخابية الفضفاضة والتي تتبخر في الهواء حين الوصول للسلطة، دون إحداث تغييرات لو طفيفة في سلوك الدولة تجاه شعوبها، إنما لا يتبدل إرث الاستبداد والصهر الذي بات عقيدة الدولة التركية، والإيرانية، ممن يحملان في مضمون خطابهما توجهاً عرقياً طائفياً خطراً ، فأمام حالة الخداع الإعلامية، نجد أن تأليب الشعب على بعضه البعض أمر سهل قياساً بيقظته ودعوته لمواجهة الاستبداد وزبانيته، حيث يمكن النظر لطبيعة الصراع بين قوتين تسعى الأولى للهيمنة والطمس في حين تسعى الأخرى إلى التماسك والصمود والتأكيد على الهوية المنكوبة المسلوبة، ولعل هذه المواجهة تترتب على القوى القائمة أن تعيد حساباتها كل فترة مع القوى الساعية إلى تمكين بقاءها والاستفادة من حروب الاستنزاف هذه ، لأجل مطامعها في المنطقة على المدى البعيد، ذلك أيضاً لا يؤرق هذه النظم ، بل يجعلها تستمر في حرب الإبادة دون أن يكون في حساباتها تلك الشعوب وتعايشها المشترك،حيث تتمايز الأمم الضعيفة عن التي أقوى منها بالتشبث بالأمل الفاقد بصره، ويغدو سباق الأمم السلطوية الفظيع للبحث عن كينونتها الفاشية في ظل استعراضها اللاأخلاقي لقدرتها أن تظل متوحشة وأنانية وعنصرية ، فالتاريخ الحافل بالدراما يغوص في الدم من أعلاه إلى أدناه، وذلك مرده إلى سلوكيات التعطش للدم والجشع في سبيل تغيير الخرائط وتهجير الضعاف،وسلخهم من منبتهم، وذلك يفرض على المعرفيين أن يواجهوا ذلك التعري الصارخ للوجدان المتحكم بالمصائر فوحدة الوجدان المعرفي لدى أصحاب المواهب والمدركات ، والذين يواجهون الإرهاب الدولي أو التنظيمي ، ضرورة ملحة لمواجهة الانصهار والإقصاء والجبروت الذي تفرضه السلطات الوحشية في الشرق الأوسط، ونجد اليوم العالم وكأنه قرية تنوء بأعباء العاطلين عن عمل الخير إزاء فئة تنبت ببطء من بين الركام ، لهذا نجد أن الصراع نحو الأفضل، هو ما يعم أذهان المدركين ، من ضرورة توجيه الثقل باتجاه تحسين فهم الحياة والانتصار للحق والخير والجمال.
حيث تعبر الحروب عن حالة التشويه التي يبثها الإنسان القامع للحياة في الطبيعة والبشر والكائنات ، ففي تجسيد الدمار ومحاولة الاتقاء منه تأكيد على غريزة البقاء التي يدخرها الموجود في صيانه أمنه، والدفاع عنه من هجمات القمع والتنكيل الذي عبره تكون حياة الكثيرين في خطر.

إن التحريض على الكراهية وإبداءه كسلوك ينم عن تطبع غريزي ممنهج به، عمل يعد ثقافة متأصلة ، تنفث زعاف سمها تلك السلطة الإقصائية لتكون مثار حروب أهلية قادمة تفتك بالأبرياء، حيث أن ترويجها، يمثل في صميمه أزمة السلطة التي تعممها في مفاصل وروح المؤسسات التعليمية والإعلامية ، وتغرسها على الصعيد التربوي والثقافي ، مما يجعل ذلك المجتمع على شفير هاوية، إذ أن الانفجار فيه محتوم ودوماً يبلغ أوجه لو ببطء، فمع مرور الوقت يتحول الخوف في ماهيته لنفور داخل الفرد الخائف، وشجاعة تنمو لتجاوزه مع الوقت، إن تجاوز منتوج الخوف لا يأتي إلا بعد احتقان متراكم، ولاشك أن الجماهير تتأثر بفعل الخوف كما تتأثر عن طريق خطاب الكراهية، فغالباً تحيط السلطة الفئوية حول نفسها بطبقة جماهيرية مسلحة تشرى بالمال ، هدفها قمع الفئات المسحوقة ممن تعاني صنوف الجور والاستعباد، إن طريق الدم يبدأ من تأليب السلطة المجتمع بعضه بعضاً، هذا من شأنه تدمير البنى وتفكيك المؤسسات، وتجزئة البلاد وتفتيتها، وذلك يصب في النهاية لصالح القوى المسؤولة عن انهيار الدول وصناعة الأزمات.
ولاشك أن أي نظام سلطة مؤسس على كراهية عرقية أو طائفية يودي بالسلطة والمجتمع للهلاك والتشرذم، حيث تتوالد الأزمات الكبيرة من خلال هذا المنطق التدميري، ويسهم إلى الفوضى وإعادة الحياة من حالتها الجيدة نسبياً إلى حالة البدائية والتوحش البشري، فلا نجد التمثيل بالجثث وحرقها كيداً، إلا نتيجة من نتائج هذه الكراهية الممنهجة التي تسهم السلطة التركية في جعلها وحشاً ضخماً ينشب أسنانه في المجتمع برمته، وغالباً ما يدفع الغافلون ثمن هذه الكراهية باهظاً، هذا العنف الذي تمقته الطبيعة المسالمة للبشر وتستحوذ على روح السلطة المهيمنة والذي يحقق لها العنف بقاء أطول، في ظل كون يتخلله الصراع، فالضعيف فيه ينحسر ويندثر، والغلبة فيها للباطش القامع، حيث اعتادوا على تقلد نظرية القوة والترويع الشامل والدائم، مما تنتقل السلطة للمبالغة في استعراض قوتها إلى استثمار الكراهية وزرعها في صفوف المجتمعات، عبر تعظيم السيادة العرقية وجعلها فوق بقية الأعراق الأخرى، بينما تظل الأعراق غير السلطوية منبوذة، مطموسة تخشى التجلي، وتعافه كون ذلك يسبب لها الويلات والمآزق، إنها نظرة القوي لما هو أضعف منه، أنه لا يستحق الحياة طالما هو ضعيف وهش، لا يستحق الحياة الأفضل، حيث الشعوب الضعيفة هي التي تنقرض ويلفظها التاريخ أمام بطش وجبروت الشعوب الوحشية، نميز بين نوعين من الشعوب ، ضعيفة ووحشية، الأولى جعل منها الرخاء والنعيم وجمال البيئة لقمة سائغة بين الفئة الوحشية ممن تبحث عن حياة الرخاء، وتهرب من سهوبها الفقيرة التي تخلو من وفرة الحياة الجميلة والاحتياجات الأساسية، ولا تذهب خصائصها الوحشية وإن بقيت عهوداً على تلك الأرض الخصبة باسطة هيمنتها، إنما يتحول التوحش إلى طبع أساسي من طباعها توظفها للحفاظ على مناعة سلطتها ورسوخ قدمها عبر توالي العصور والحقب، حيث تجد في البطش وكراهية الشعوب التي احتلت أرضها وسيلة للبقاء والاستعمار، حيث يذهب بها الأمر لتأصيل صهر تلك المجتمعات بلغتها وعاداتها وسلوكها، عن طريق شراء الذمم، أو بث الخوف ، والإمعان في البطش، لا شك أن منظومة السلطة التركية والإيرانية والبعثية العربية التزمت بالمحافظة على خصائصها الوحشية لتثبيت الكراهية واستثمارها لأجل غير مسمى،حيث ظلت الكراهية في عرف هذه السلطات وقوداً جيدة لبقاءها مستفيدة من خلقها لتلك الفجوات والشروخات الاجتماعية والتي بإمكانها تعميق الهوة وفتح الطرق باتجاه الأزمات والحروب الداخلية ، والتي تستنزف الجماهير بلا طائل، تلك مؤشرات التفكك والانقسام، حيث يقود خطاب الكراهية ، تلك الدولة إلى الهاوية، في ظل سيادة القوة وانعدام العدالة ، والتي تدفع بالشرائح المنكوبة إلى المطالبة بحقوقها،والتمرد الذي يجعل الحياة أشبه بدوامة معقدة فلا نجد حلولاً يمكن أن تقدم عليها الشريحة المستنيرة والمهددة بالتصفية، أو النفي،هذا ما يدفع السلطات الفاشية في إيجاد طبقة مرتهنة تجيد تسويق خطابها بطرق ناعمة، لتدجين الجماهير وترويضها، تارة بالمال والمناصب، وتارة أخرى بالبطش والقمع، ذلك لا يتم بمعزل عن تنسيق كامل بين أنظمة الدول الاقليمية في سد أفواه مجتمعاتها عبر زيادة تجهيلها وحصارها متعدد الأشكال، ولطالما تسعى التوافقات الدولية لإبقاء الحياة في المجتمع المقموع كما هي، حينما يحدث هذا التواطؤ فيما بينها وتلك السلطات لأسباب تتعلق بمصالحها الاقتصادية والاستراتيجية، ولا انفراج في ظل هذا التواطؤ والتفاهم، والسعي لإبقاء الإنسان مضطهداً ، هكذا نجد تركيا تمارس قمع شعوبها ، على مرأى الدول التي لها علاقات اقتصادية وعسكرية معها، كما تفعل السعودية وإيران، يصعب أن نجد حراكاً جماهيرياً ناجحاً ومثمراً، مالم تتنافر مصالح تلك الدول فيما بينها، مما يسهل على الشعوب إيجاد منافذ تمرد لها مستفيدة من هذه التناقضات.
إن الحرب هو نتيجة عن هذا الضغط المتراكم، وهو تجلي لكمية الأحقاد البشرية التي تنمو باطراد بالتزامن مع شدة القمع وتكميم الأفواه، وهذا العقد المشوه بين الحاكم والمحكوم، ورداءة التعاقد الاجتماعي وفساده، لربما تكون في مضمونها مروراً أكثر حساسية لمراحل القهر البشري، وأطوار جشع السلطة وتوحشها ، ورصداً دقيقاً لمعاناة الإنسان الكوردستاني على جغرافية وطنه المغتصبة،فعلى الرغم من المظالم الاجتماعية المتعددة، وهذا الجور الممنهج، نجد الأمل عاقداً عزمه في بث الحياة في نفوس المحاربين الذين يؤدون وظيفتهم في بيان الصمود والمواجهة إزاء ذلك التوحش الممارس.

إن حرص الأنظمة على تجهيل وعزلة الجماهير، هو لأجل تهيئتها على التنازع فيما بينها، وهو ما جعلت الجماهير تشترك في قواسم مشتركة وسلوكيات عنيفة، تذهب لحالة التشفي والكراهية المتبادلة دون طائل، يصب في مصلحة السلطة القمعية ومكاسبها الفئوية، وكذلك فإن ترك الجماهير وقوداً لتصفية الحسابات من شأنه أن يحقق انخفاضاً في النمو السكاني على حساب ذهاب الموارد الحيوية والثروات لأيد الفئات المتحكمة بالاقتصاد والمال، لقول أن البشرية تشهد صراعاً عميقاً وقوده تلك الجماعات الآمنة، ممن تضطر للدفاع عن ذاتها بأدوات بسيطة ، لا تستطيع أن تجعلها بمأمن عن الشعور بالخطر الدائم، فالصراع على امتلاك الموارد المائية والنفطية، هو محرك فعلي لإشكالية التطرف القومي والمذهبي الديني، وإن إرتباط الكراهية العرقية للأقوام الضعيفة بحكم جور التاريخ لها بالسيطرة على الموارد متين ومتصلب بتماسكه، فالساعين للحروب يدركون أن الوصول للموارد يمر من بوابة إثارة النزعات العنفية بشقيها القومي والطائفي في عموم الشرق الأوسط، وبذلك تدفع الجماهير عن غفلة وربما عن إدراك أحياناً فواتير هذه الحرب الضروس، حيث تتنازع الجماهير فيما بينها عبثاً، لتنال حصة تعبها، تلك القوى الساعية للتحكم وتوجيه الرأي العام، فيما يسعى القلم الإبداعي، لإعادة الإنسان للذهن المتقد بعيداً عن ساحات الاغتراب والاستنزاف،وعلى ضوءها ينعم الأحرار هناك بمفاهيم طبيعية تعيدهم إلى صفاءهم وحبهم للأرض واللغة والخصائص الحيوية التي شكلت نواة للمجتمع الطبيعي الأمومي وقد شكلت ردة فعل عنيفة على المجتمع الأبوي، هناك نجد الصراع قد تشعب وأخذ مناحي هامة تتجاوز فهمنا التقليدي للصراع من باب انه صراع كوردي تركي، أو كوردي عربي أو كوردي فارسي، إنما يمكن فهم الصراع باعتباره تصارع قوتين تاريخيتين،إحداها تحرص على البقاء عبر الاستبداد وطمس الديمقراطية الحيوية، وأخرى قوة تذود عن نفسها بإمكاناتها المحدودة، وتعاني أبداً من بؤس الطالع وصعوبة الكفاح، لكنها تستمر بإظهار وجودها على كيانها التاريخي كوردستان، ففي عالم محاط بشبكة من الخداع والتحايل والألاعيب، يتجسد الحلم بوصفه أداة ثابتة في أذهان ونفوس الجماهير المثقلة بالمآسي والأوجاع الناجمة عن لعبة الدول التي تتقاسم كوردستان، والتي جعلت الحلم الكوردستاني يمر بمخاضات واختبارات عسيرة، فعلى مسرح الأحداث تتقاسم الدول جغرفيا محكومة بالبؤس، والتخلف الحزبي، ورداءة عمل تنظيماته وتحويل الجماهير إلى شرذمات هزيلة من ولاءات أشبه بثنائية الشيخ والمريد.
حيث أن عملية محو المقدس وإزالته بات صعباً ويشي بمخاطر جسام في ظل رغبة السلطات في ترسيخها حفاظاً على امتيازاتها، فبقاء المقدس وتأصيله في ثقافة المجتمع، يعد بحروب جديدة، وميليشيات وقودها الأفراد القاصرين، ممن هم محاطين بأرباب التنظيمات السلفية الموالية للسلطات الاستبدادية ، حيث نتأمل السعودية، قطر، إيران، تركيا كنماذج اقليمية داعمة بشدة لهذه التنظيمات التي تحقق لها بقاء أطول وقدرة أكبر على شل حركة المجتمعات وإخصاءها ذهنياً بغية إماتة شعور الديمقراطية لديها، لصالح بروز الفاشية والتطرف الديني، أما دور التنوير والتوعية فقد بات خجولاً على مختلف الصعد وغير قادر على أن ينأى بالأجيال من مغبة وقوعها في مصيدة السلطات الأبوية التي تحتقر في برامج عملها كل من الحرية والديمقراطية وصعود حقوق الإنسان بتجلياته الأبعد والأشمل.

إن تضخم أزمة الهوية والانتماء وبروز الإشكالات العديدة هي من نتائج تلك السياسات السلطوية التي راحت تفتت المجتمعات وتذهب بها إلى مزيد من الضياع والانقسام على نفسها، وبذلك تتعدد بؤر العنف بشكل لا يمكن ضبطها ، وذلك جعل الحياة مضطربة ومتفككة، وذاهبة باتجاه الفوضى والانهيار، تلك الحالة تطفو على السطح مراراً وتعبث في المجتمعات المنكوبة أطواراً من الزمن، مما نجد في ذلك الانقسام بروز مشاعر النفور والاستياء والكراهية ، التي تدب في الأفراد وتجعلهم يتطلعون إلى تشكيل بنى رديئة ومضادة بشكل آني، ولا يسعفهم أن يشكلوا في وجه السلطة الفاشية أي قوة تذكر، حيث ذلك التكتل المنعزل والهامشي و الذي يفتقد لخصائص واضحة قد يتمايز بها عن النظام السلطوي ، وتغدو أدوار الجماهير منقسمة على نفسها في ظل هذا التسابق الفظ لإنتاج ديكتاتوريات متعددة، يتقاسم أعباء نشوبها طرفا النزاع على حد سواء.

فظروف الحرب الصغيرة التي يعتمدها المقاتلون في الجبال غاية في الصعوبة والمشقة، إلا أن تلك الحرب مستمرة، وقادرة أن تحقق أسهماً في رصيد التجربة التي تعتمدها في بث الخوف والذعر، حيث انعدام التكافؤ بين طرفي الصراع ، يستدعي ذلك الأسلوب في المواجهة، وبكل الأحوال فالنزاع يحقق ألماً يصعب الحد منه في حالات تمكن السلطة من السيطرة على الجماهير عن طريق الخوف والتهديد بالتصفية، إلا أن تلك الحرب تكون السبيل الوحيد لفتح الأبواب الصدئة المقفلة للسلام البعيد، فعلى الرغم من طبيعة الحالة الكوردستانية وتشرذمها في شمال كوردستان، إلا أن المسار الأكثر ثباتاً في المعادلة المعقدة هناك، هو الاستمرار في التصدي والدفاع، وعدم إعطاء متنفس للسلطة الفاشية في النيل من عدالة القضية، ولاشك أن لذلك تبعاته ومآلاته على مراحل التحرك تلك، تبعاً لتغيرات المنطقة ككل.

تتوفر مقومات التنافر والكراهية، داخل مجتمعات محتقنة لا تتوفر فيها معايير الحياة التشاركية، وكذلك أسهم البغض في وضع حياة قائمة على الجور والفساد ،تفتقر لأجواء الديمقراطية الجوهرية، وجعلها أشبه بحياة تتخللها أجواء الطوارئ والرقابة على كل شيء،عدا الذين يقتاتون من الفساد والانحلال، فهم قادة مفاصل تلك المؤسسات، ومروجوا العنف المجتمعي عبر تشبثهم بإرث الفكر الشمولي ومنابعه الأولى ، فالحكم العرقي جعل المجتمعات في خطر، والصراع بات لدفع المظالم التي تتعدد أشكالها وتمارس بهدف الإبادة السياسية والثقافية لشعب حي ويأبى الانقراض، وقد ظل يواجه الانصهار عبر توالي التحديات وصنوف الضغوط، ولعل أنموذج حرب العصابات ، تعبير عن حقيقة التطلع للحرية والاستقلال على الرغم من ضآلة الإمكانات وتشتت القوى على طول رقعة الوطن المقسم.

جدلية الصراع لإثبات الهوية :

إن طبيعة المعارك في الجبال تهب في الوقت ذاته تلك الروح المتشبثة بالحق، الحق في سياق البحث عن الحياة الأفضل خارج مناخات الجور والاحتقان،فرحلة السعي باتجاه لقمة تسد الجوع ،والصمود بوجه العسكر والطبيعة القاسية، كل ذلك جعل المهمة أصعب، ومحاولة البحث عن قيمة تلك الحرب مبهمة والبحث عن التحرر الجوهري، يشبه محاولة العثور على إبرة في كومة قش،فالاغتراب وليد العجز كما أنه وليد الإحساس بنشوة القهر الناتجة عن معاناة متعددة الأوجه وتتشابه في ولوجها لعمق الإنسان وتفاصيل حياته،حيث يرى هيغلأنها انفصال الذات الإنسانية ككيان روحي تنفصل عن وجوده ككائن اجتماعي، كما نجده يقول في موضع آخر هو تنازل الإنسان عن استقلاله الذاتي وتوحده مع الجوهر الاجتماعي، وهو تجسيد لحالة المقاتلين ممن تنازلوا عن ذاتيتهم مقابل الإنخراط بالقضية والغاية التي اجتمعوا لأجلها،ففقدان الشعور بالحياة المعتادة والمألوفة هو إثر القمع الممنهج الذي ترتكبه السلطة الشمولية والتي اتخذت من إنكار هويات الشعوب أساساً لرسوخ سلطتها، وهذا ما جعل الفئات المقموعة تفكر بحلول أخرى تتمثل في مناهضة هذا الألم والعنف بعنف مضاد، تم اتخاذه كتعبير عن حاجات طوعية فطرية وهي الحاجة للاستقلال والتحرر من التبعية كمفهوم وكمنظومة قائمة، حيث لا تغيير لبنى الأمراض الاجتماعية سلطوية المنشأ، واستناداً على ذلك لا يمكن حدوث انتعاش في قضية الإنسان المغيب في الشرق الأوسط، في حين يتم تجديد العنف المقدس استناداً للنص الديني متشعب التأويلات، ليغدو الثوب البراق للسلطة والمجتمع في آن.
لهذا وجب التعريف بدور الإنسان المعرفي في أتون هذا الصراع العنيف بين قوى تعمل على استماتة الوجدان المدرك لدى الجماهير وقوى تعمل على نزع فتيل الألغام عن مجتمعات تعاني مرارة القيد ، بدء من رفع كاهل الأغلال على عقول مخدرة بإبر المقدس، ومروراً بالاستبداد العامل على زج المجتمعات في أتون صراعات عبثية تحركها نوازع ورغبات القوى الإقليمية بإيعاز من قوى خارجية تجد في تلك البلاد مستعمراتها القديمة والتي تعمل على تحديثها بصورة متجددة، وتجد في تفكيك الدول وتفتيت المفتت وسيلة لبقاءها غير المباشر، حيث العنف المركز الذي يزيد من الأحقاد وتوالد غرائز الانتقام والتي تفتك بإدراكات ومواهب الأفراد وتزجهم زجاً في أتون صراعات مجتمعية سلطوية لا تكاد تتوقف، هذا التعدد في بث أشكال العنف يورد لنا الكثير من المآسي التي تطبّع بها السلوك الكوردستاني ، والذي بات الوجه العام لحياة تتزاحم فيها الصراعات والصدامات بفعل إصرار تلك الأنظمة على بث العنف والإرهاب بطرائق تسهم في تخريب الأواصر المجتمعية وزيادة الضحايا، الأمر الذي يسهم في تفكك المجتمعات والمؤسسات وانهيار الثقة فيما بينها، حيث يكثر عمل رجال الدين في أروقة تلك السلطات لما لهم من دور بليغ ومؤثر في شرعنة العنف المقدس، وتفتيت كل ما من شأنه أن يسهم في إضفاء حالة الإستقرار والتماسك الأسري والمناطقي ، حتى بات مفهوم الانتماء عرضة للتخوين والتشكيك للطبقة المتحكمة في مفاصل الحياة بأسرها، حيث الدعوة للعنف بذريعة الحفاظ على الإيديولوجيا، هو الوسيلة الضامنة لبقاء الاستبداد والاستبداد المضاد (المعارضة)حيث نجد الصراع وعاء يختزل في طياته العنف متعدد المشارب والانتماءات وهو بذلك يجعل الحياة مسرحاً دموياً ، تصبح فيه البلاد مكتظة بالكوارث الناتجة عن حرب الإنسان ضد الإنسان، لصالح الدمار وضياع البوصلة، إذ بات العنف في الشرق الأوسط أنموذجاً يحتذى به في صناعة التطرف والاستبداد، فلا يكفي أن نقول أن وجود الثروات المائية والنفطية هو السبب وراء بقاء السلطات الاستبدادية، وإنما نجد أنها البيئة التاريخية للعنف والصراعات ذات الطابع الديني المذهبي ، ناهيك عن وجود شعب يناهز تعداده 55 مليون مقسم بين الدول الأربعة والعالم، كل ذلك يجعل تلك الرقعة تنشط بحروب أهلية وإقليمية لا يسلم منها المحيط المجاور، وتكاد تكون تلك الأزمات المتمخضة عنها سهلة الانتقال إلى بقاع أخرى، تعاني أيضاً ذات المشكلة مع شعوبها، حيث الاستفتاء في إقليم كوردستان الجنوبية(العراق)92 في أيلول 2017، دفع الشعب الكتلوني93 في إقامة استفتاء بغية استقلاله عن إسبانيا، ودفع بتعزيز الروح القومية لدى الاسكتلنديين، والفلامنك وغيرها من شعوب تعيش على أرضها التاريخية دون كيان سياسي خاص بها.

نظرة لتركيا : إن عدم حل القضية الكوردية في شمال كوردستان، هو دليل إفلاس وعجز الحكومات التركية المتعاقبة، نظراً لتشبثها بذات العقلية الإنكارية، والتي تتعامل مع الحق الكردي، كهاجس مرعب، أو كابوس دائم الإيغال في الأذهان، ولا يمكن الانتقال إلى طور الدمقرطة، بوجود شعب يناهز تعداده العشرين مليون، لا يستطيع التعبير عن كيانه وأدبه وخصوصيته في وطنه أسير الاتفاقات والصراعات الدولية الاقليمية، فبقاء العسكرة كذهنية سائدة في تركيا هو بمثابة الخنجر المسموم في ظهر الديمقراطية ليس في تركيا فحسب وإنما في عموم الشرق الأوسط، إذ أن ذلك يجعل المشكلات في تضخم وتشعب مستمر وما يجدر الإشارة إليه هو أن محاولات النظم الشمولية الشرق أوسطية لإقامة اتحادات فيما بينها لإجهاض كل محاولة باتجاه التغيير والتحول الديمقراطي، كما في توافق النظم العربية والتركية والفارسية بخصوص قمع التطلع الكوردستاني نحو الحرية والديمقراطية عبر صياغة شكل من أشكال الدمقرطة المتمثلة بنموذج الدولة الاتحادية اللامركزية، وتركيزها نحو بعثرة تلك الجهود ونسفها في أي جزء من أجزاء كوردستان ، حيث انتقال تركيا من العلمانية الكمالية الناكرة لوجود الشعوب غير التركية في مقدمتها الشعب الكوردستاني، إلى الإسلاموية الأردوغانية الناهجة ذات النهج، هو بمثابة الاستشراف القريب لانسداد هذه الدولة الشمولية وصولاً بها إلى التفكك والفوضى.
فما جدوى تغذية المناخ العام بالاحتقان العرقي؟!!، إن ذلك بالتأكيد مضاد للتعايش، ويفسح المجال أكثر لضعف الدول وانقسامها على نفسها، حيث نشر العنف وممارسته سلوكاً ونظراً، هو أحد الأسباب الكامنة خلف ازدياد الأزمات البنيوية والثقافية والنفسية لمجتمعات غائبة عن حاضرها، حيث يعاني معرفيوها من شتى أشكال الإقصاء والتهميش، حيث النظر لأزمات الدول كونها مؤامرة خارجية، هو تحوير للحقيقة العلمية وتشويه لها، ذلك أن الفكر الإيديولوجي القومي أو المذهبي أخذ أسسه من ثقافة وإرث المقدس في النص الديني، إلا أن ذلك يحتاج لقراءة موضوعية لنشره، وحث الآخرين على القراءة وتحسس مواضع ماخفي من حقائق، إلا أن تضييق الحصار على الأفراد وزجهم عمداً في قوالب الفكر الشمولي النمطي ، باعد بين المرء وذاته، ناهيك عن البعد عن الموضوعية والتحليل العميق، وتشرب ثقافة السلطة والنظر إليها كثقافة مباركة مدعومة بسند ديني وأمر إلهي، حيث يتجلى عقم المعرفة في أوساط الجماهير التي استساغت خطاب السلطة الإقصائية وتوارثته جيلاً بعد جيل، حيث الجانب النفسي المستعد للانفعال والانسجام مع الخطاب غير البريئ ، بوصفه قادراً على توجيه الجماهير أينما ترغب، وتحويلها إلى وقود لمعارك السلطة ، حيث توظيف الإسلام السياسي القومي في السياسة الأردوغانية التركية يعتمد على ترسيخ القمع ضد الكورد للحيلولة دون تحقيق طموحاتهم في نيل الحرية والديمقراطية، كما نجد استغلال الخطاب المذهبي في إيران والقومي العروبي في سوريا والعراق ، فالأزمات البنيوية لا تتوقف، بوجود الحرب والعنف السياسي وتوجيه الجماهير نحو الكراهية.

إن الصراعات العرقية تتجدد بتجدد الخطاب المتشنج والمحرض على العنف لاستمرار السلطة لو على حساب حاجات ورغبات الأفراد في حياة تتميز بجودتها ورفاهيتها، أسوة بالعالم المتحضر، يدفعنا للتساؤل مراراً حول المسؤول عن تضخم هذا النزاع وتحديثه عبر الأزمنة دون الوقوف عليها وحلها على نحو جاد، إلا أننا نجد تصعيداً دائماً وشحناً عرقياً يفضي لمزيد من الشرخ والهوة المتمخضة عن حالة الإنكار والتهميش تلك، والتي شكلت النفق المظلم المتشعب في أروقة السلطة والجماهير ومحاولات الأولى في الاستمرار على خطا من سلفهم نحو تدشين إرث القمع الممنهج، ذلك الصمود الراديكالي ضد القمع الراديكالي، هو بمثابة نهج طبيعي يسلكه الأفراد في سبيل نهضتهم ونشدانهم للخلاص، من الجور الممارس بلا هوادة، حيث على المعرفي مقاومة عدو الخارج والداخل، ومحاولة البروز بمظهر المدافع عن قيم المعرفة رغم التنافس السلطوي وغريزة الظهور وتقديس القائد على حساب العاملين بكل إخلاص ونقاء دفاعاً عن جوهر القضية التي يؤمنون بها، إنهم يسقطون وينهضون ويثبتون وجودهم كلوبي ضاغط لو بإمكانات خجولة ورديئة داخل الحركات التي تواجه السلطات الاستبدادية ، وكذلك فإنهم خلايا نائمة داخل الجماهير التي تعاني التهميش على طول بقاع الشرق الأوسط وفي الأماكن التي يسودها النظام الشمولي، لعلهم ينشطون تبعاً للأزمات، ويرون أن الحفاظ على المكتسبات التي أنجزت على مر العصور ضرورة معرفية قويمة تعد أساساً لتماسك المجتمعات وتعايشها في ظل المجتمع النهضوي الذي يبرز في ظل الفوضى والدماء ليكون البديل عن المجتمع البائد إثر الصراعات السلطوية العبثية بين أنصار السلطة والمعارضة، إذ نجد المجتمع البائد هو الممتص لثقافة السلطة القائمة والمعارضة في كونهما يربيان ثقافة الإقصاء ويتشربان من معي خطاب قومي ديني مذهبي ، يتجسد ذلك في أشكال النظم القابعة على أرواح الجماهير على طول رقعة الشرق الأوسط والبلاد الناطقة بالعربية، هذه النظم التي باتت بمثابة حارس ووكيل لحماية التخلف الفكري والسياسي والاقتصادي، ووارث شرعي للفساد طوراً بعد طور،حيث نجد الشرق الأوسط المتجسد بكفاح الشعب الكوردستاني مضخة حروب أهلية، لا تكاد تتوقف بفعل رغبة المستفيدين الاقليميين والدوليين، بقاءها هكذا، ساحة حروب ايديولوجية تعود في جذورها لأزمات الحربين العالميتين والتي غطت ملامح القرن العشرين، حيث نتأمل ذلك القسَم الأتاتوركي94 الذي يتحلق الطلبة كل صباح حوله، ليقوموا بتلاوته:

أنا تركي ، شريف وعامل، مثلي هو حماية الصغير واحترام الكبير، أن أحب وطني وأمتي أكثر من حبي لنفسي، هدفي هو النهوض والتقدم، يا أتاتورك العظيم ، إني أقسم على المضي قدماً في الطريق الذي عبّدته وسلكته لنا وتحقيق الأهداف التي وضعتها لنا، سيكون وجودي مكرساً لخدمة وجود تركيا، كم هو سعيد الذي يقول أنا تركي“.

في ظل هذه المثالية المتعالية، نجد محاولة واستماتة السلطة في تجهيل وتفخيخ مجتمعاتها عبر تجريد القيم الطبيعية عن محتواها وتحويرها بما يخدم حقيقة هذا التعالي، وتحويل الجماهير إلى قطعان تلف وتحوم حول تمثال الراعي الطاغية، وتحويل الوطن (الرقعة المحتلة عبر مراحل) إلى حلبة تصارع غير منتهية تفتك بالبشر، صالحهم وطالحهم، شقيهم وسعيدهم، حيث نجد الجماهير محاطة بقداسات وولاءات، يمكن أن تكون العقبة الأخطر بوجه دمقرطتها ورفاهيتها، فاعتناق العنصرية وتفشيها يكفل على الدول الساعية لإنهاك الشعوب بالأزمات ، بقاءها هشة وبعيدة عن حاضرها ومستقبلها، كونها مجتمعات لا تستطيع التعايش ، بفعل تحويل القيم العنصرية للسلطة عبر التاريخ إلى ديانة مقدسة، فباتت الشعوب الوحشية ونعني بها الأعراق الحاكمة، الوجه الحقيقي للشرق الأوسط ، وقد كفلت السلطات التاريخية في تحويل الجماهير إلى وقود لحروب أهلية تستمر وتتشعب، لتجسد ذلك الإفلاس والاغتراب عن قيم المعرفة والحضارة التي بشر بها المعرفيون منذ القدم.

هذه رحلة الصراع غير المتكافئة بين شعب يرفض الانطماس والاندثار والصهر، وبين سلطة عرقية تتخذ من نفسها كل شيء، في جغرافية توسعت بالدم والبطش والتغيير الديمغرافي وبث الخوف، وأيضاً تجنيد الفئات المنكوبة كحماة قرى ضد الفئة التي تقاتل لأجل الحرية ورفع المظالم الاجتماعية، ففي ظروف المعيشة القاسية ، تتشتت قدرات الأفراد ويتفكك المجتمع، حيث تعمد الدولة الشمولية على الاستفادة من وجود التهميش والقمع والتعذيب لصالح تصاعد المنتفعين من الملّاك في ريف كوردستان الشمالية، فالسلطة العسكرية هيمنت على مفاصل الحياة في تركيا وكوردستان، ولعل كفاح المعرفيين الشاق على ضوء هذه التحديات لا يهدأ سواء في الميدان العسكري أم السياسي عبر الاصطدام بمحاكم التفتيش الكمالية المتطرفة، حيث نذكر المعرفي التركي اسماعيل بيشكجي95 الذي تم اعتقاله سنة 1971م إثر تنديده بالمظلومية الكوردستانية ، وكذلك المعرفي الكوردستاني يشار كمال96 الذي احتج على ممارسات السلطة الكمالية بحق الكوردستانيين ، حيث حوكم في آذار سنة 1996 بالسجن فقال حينذاك : “ ليس في هذه البلاد أي ديمقراطية ولا قانونوكذلك حادثة سجن البرلمانية الكوردستانية ليلى زانا بسبب أداءها القسم الدستوري باللغتين الكوردية والتركية، نجد أن ثمة هذا التصادم العنيف بين حماة العسكرة المغلفة بالعنصرية التركية تجاه كل ما هو كوردي بهدف المحو والانصهار وطمس معالم التنوع الإثني في كوردستان وتركيا، فالاغتراب الذاتي ليس موضوعاً منحصراً على الفرد وعوالمه الخاصة، إنما ترسم الصراعات على الجغرافيا ، معالم الاغتراب بين الأفراد،وتدخلهم في حلقات التنازع.
إن سياسة الأرض المحروقة التي نهجتها الدولة التركية ، والتي تمثلت بإحراق القرى وقصفها، كانت بمثابة تجفيف للبحر للقضاء على السمك والسمك هم سكان هذه الأرض وثائروها ، لهذا فإن العطش والجوع والموت ، يظل يخيم في ربوع كوردستان الشمالية ، لأجل قتل السمك، وتدمير البنية التحتية لكوردستان، لإبقاءها في فقر مدقع ونقص جلي في الخدمات ، وكذلك عمدت الدولة إلى تدمير الآثار التاريخية (حسكيف97) نموذجاً لتغييب كدح ومنجزات المعرفيين الأوائل ممن عاشوا في _ميزوبوتاميا .إن الحرب لأجل الحرية لا تتوقف، ورحلة السعي إلى الأفضل مرهونة بالمخاطر الجسيمة والمصاعب الهائلة، لا سيما وأن النزاعات الدموية تجعل مسيرة الأفراد باتجاه الحياة الأفضل عسيرة ومبهمة، فالتعرف على الذات ليس يسيراً في ظل توفر أسباب الراحة والنعيم، إلا ان اختبارها يكمن في مرورها بأعقد الظروف، وهكذا يمكن التعرف على الذات الفردية عن كثب عبر اصطدامها بالعوائق والمتاهات، حيث يرى جيرمي بنتام98 في الألم واللذة كحدثين موضوعيين أما الماركيز دي سا99د فرأى أن الألم في حد ذاته لديه أخلاق، فحينما يفقد الإنسان حالة الأمان والصحة المستقرة ، فإنه يبحث عن سبل يعزي بها نفسه، نجد هنا أن علاج الاغتراب يتجلى في مواجهة شاملة للسلطة القمعية والضعف المتجلي في حياة مكبّلة بالخوف .



المعرفيون وإشكالية الحرية

يقول جان جاك روسوفي مقدمة كتابه العقد الاجتماعي (ولد الإنسان حراً ومع ذلك فهو في القيود بكل مكان)

إذاً لنتساءل قليلاً , ما الحرية؟؟

تساؤل قديم , قدم الملكية والسلطة , وبدء الصراعات الدموية , حيث ترسخت لتصبح مشكلة الحرية , وسيقت في عالم السياسة كمذهب سياسي واقتصادي (الليبرالية)

استساغها الشباب الطالع , عبر دعاية الأحزاب الثورية (اليسارية) من خلال الدعوة للحد من العبودية الرأسمالية , وراحت هذه الدعاية تفتك بالملايين من الناس , من خلال حروب رفعت راية الحرية, وما الحرية إلا إيجاد لسبل الرفاهية المشتركة التي من خلالها يمكن للعقل المعرفي أن يبتكر مقومات السعادة فمنذ القديم كانت الحروب تأخذ مسوغات عديدة تتلخص في حماية السلطة , أو حماية الأرض,الحرية التي كانت الظل الذي تتفيأ تحته الفئات المقموعة بغية الدفاع , مقابل السلطة التي أخذت الأحلاف تتفيأ تحت ظله بغية السيطرة على المزيد من الأراضي وتوسيع الامبراطورية والتي تطورت لتشمل حالياً بناء الإمبراطورية التكنولوجية والإعلامية , وتجنيد الشبان في المنظمات الإرهابية , عبر توسيع رقعة الأزمات الاقتصادية, التي باتت تنشب مخالبها في أمن الدول واقتصاداتها, فما بين الحرب من أجل الحرية , والحرب من أجل السلطة إشكال حقيقي يقف في مسار تطلعات الأمم نحو الرفاهية وتحقيق القوة المادية والروحية, وهما وجهان متقابلان يحققان نتائج متباينة تتمايل مابين توطيد الإيجابيات والسلبيات في وقت وآن.

الحروب الحديثة التي تغلفت بصبغة الحرية والتحرر الوطني والتي أنتجت أبواقاً قومية وطائفية , انتقلت لمسمى آخر غايته التحرر من تلك الأبواق عبر مرحلة الربيع العربي الذي هب ليقتلع الأخضر واليابس , ولينقل هذه الشعوب من خندق الدفاع عن السلطة ضد المستعمر , إلى خندق اجتثاث السلطة لكونها المستعمر والمغتصب الوحيد لكل حق.

حيث كانت السلطات الديكتاتورية إنتاجاً عن سبات فكري واغتراب كلي عن ما يحدث ووجوديتها استمرار لرسوخ بطالة التفكير والشعور بضرورة مواجهة الأخطاء الناجمة عن تفكك البنى الاجتماعية وضياع معالمها عبر قبول نظرية المؤامرة , أو استبدال لها من خلال اعتناق مذهب الحرية .

حيث نزعت الحركات الثورية والدينية والقومية عن أتباعها العقل المعرفي , وقادتهم لميادين التصارع كعبيد , ودعتهم للبحث عن الأوهام , مصدرة روح التقديس وعبادة الأشخاص وتشخيص الرأسمالية العقيم وجعلها فزاعة، يحظر فهمها بموضوعية وتجرد إلا وفق ما ترتأيه ذهنية منظريها الذين كان لهم نصيب من الولاء لها ولذهنية القمع وبمنطق مغلف بمثالية جوفاء, أخصت كل عقل أو فكر حر يقول لا، كانت تلك الخديعة الاشتراكية التي ألقت بالمجتمعات في كهوف الغيبوبة والعزلة الفكرية عن العالم ومنجزات معرفييه الذين يرون أن خاصية المعرفة تجعلهم القادرين على نزع فتيل الأوهام الإيديولوجية الفظة والدعوة لعولمة الخلق والنهوض , محل بؤس الشعارات والتقنع بأفكار لا تقل خطورتها عن خطورة التسليم الديني بجملة شعائر وطقوس،فالحرية بصيغتها الحقيقية مطلب اجتماعي فكري قائم عبر إتاحة المجال لفتح قنوات تواصلية بين كافة شرائح المجتمعات وليس مجرد شعار ترويجي فضفاض المراد به التجنيد والتسليع والاستغلال والقفز فوق المطالب المشروعة, وممارسة الإقصاء الفعلي من خلال أساليب متعددة ومنها التلاعب بالقانون ,حيث باتت الحرية في الشرق الأوسط رهينة مصيدة النظم الشمولية التي لم تقدم للشعوب سوى الأوهام عبر عزفها على لشعارات التي عطلت دور التفكير النقدي لدى النخب الشابة وذلك بوضع مناهج تجهيلية وإرهاق الشباب بالبطالة ووضعهم في خانة الانكفاء عن ممارسة أي جهد إبداعي من شأنه أن يرفع من مستوى الحياة .

والمعرفيون غير المنحازون لترهات السلطة التجهيلية ,عرفوا الحرية من خلال قدرتهم على التمييز والخلق وإيجاد بدائل ومعالجات لمختلف الظواهر والعيوب المستشرية داخل شرائح المجتمع بسبب الضغط الاحتكاري وعبر إيضاح مفهوم الحرية و رفع القيد على العقل وكذلك التأكيد على حرية الرجل والمرأة والكف عن تسليع المرأة واستغلالها تحت يافطة تحريرها, ولعل أزمات الشرق الأوسط والعالم العربي تتخلص في جملة المفاهيم المرتبطة بالأعراف والطقوس الدينية التي تأخذ الصبغة السياسية المتعلقة ببقاء نفوذ الحكم الاستبدادي الفئوي وتصدير الأزمات الداخلية للخارج (المتاجرة بقضية فلسطين واستخدامها وسيلة للبقاء في الحكم والظهور بمظهر الحامي المدافع) أو (شن الهجمات على الجوار كما فعل نظام صدام حسين في حربه مع إيران وغزوه للكويت) أو (تدخل إيران ودعمها للميليشيات الطائفية في العراق ، سوريا، إيران واليمن ودعمها لحركة حماس ضد إسرائيل) أو (توسع تركيا ونظام أردوغان في سوريا ، العراق، ليبيا وتدخله في النزاع الأرمني الأذربيجاني)

حيث أن التجهيل يفتح المجال لدوام الاضطهاد والاستغلال , خلاصة الأزمات محصورة في تواطئ رجال السياسة مع رجال الدين والاقتصاد، على تقاسم الموارد العامة التي هي مجموع حاجات الشعوب وقوتها , حيث أن سيطرة رجال المكاسب على أمن المجتمع لأجل صون النفوذ وتحقيق المنافع المادية على حساب حاجات الأكثرية، فضرورة تشكيل هيئات معرفية مؤسساتية لمواجهة الأمراض السلطوية بات الحاجة القصوى لوقف الحروب والنزاعات الأهلية والتناحر المذهبي والحزبي ووقف للفساد الإداري, فالأمانة الملقاة على كتف المرأة المعرفية في ألا تكون صنيعة وأداة الرجل السلطوي وألا تكون شريكة أخطاءه في تقديس المدنس.

فإلغاء التبعية الأنثوية للرجل هو طريق لتبديد الروح السلطوية لديه, وطرح مبدأ التشاركية في الحياة , هو عودة طبيعية لقيم الحضارة,وصنع القرار المشترك فيما بين الجنسين , هو بمثابة إعادة تفعيل لقيم الحياة انطلاقاً من العائلة ومروراً بمراكز الحياة السياسية والاقتصادية والثقافية , والعسكرية , وهو مؤشر للانتفاضة ضد مخلفات الاحتكار والإقصاء والازدواجية، فصيانة القيم الطبيعية مهمة الرجل والمرأة في تأسيس المجتمع الطبيعي المبني على سيادة القانون المدني.

ويتجلى انتصار المرأة المعرفية من خلال استخدامها لسلاح الجمال الطبيعي المتأتي من قدراتها التي وهبتها لها الطبيعة , وسلاح الفكر المستنير في الذود عن نفسها والرجل والأبناء لكيلا يقعوا فريسة الإهمال والخيلاء والاغتراب, وبناء المجتمع المعرفي هو تمجيد للحرية كقيمة طبيعية لا كصناعة تدخرها المنظومة المافيوية بغية تنويم الشعوب وتهويمها وزيادة البطش والعبء المادي عليها والمتجسدين في ترويج العنف والتجهيل.

فالحب وجود والوجود معرفة , فلسفة تعد استكمالاً لمسيرة المجتمع الأمومي في مزاياه وخصائصه , وامتداد لعهود الحضارة , حيث كانت المرأة المعرفية تقف فيه أمام جمع غفير من التلامذة , لتلقنهم أكثر النظريات الكونية التي تتحدث عن بطليموس وعلومه عن الكون ودوران الأرض , إنها المعرفية (هيباتيا) التي راحت ضحية التزمت الكنسي آنذاك والتي في عصرها تم إحراق مكتبة الاسكندرية والتي احتوت آلاف المخطوطات التنويرية ,حينذاك, ويقف المعرفيون والمعرفيات اليوم في عصر مشابه للسواد من العصر البائد , حيث باتت المجتمعات الشرق أوسطية بين سندان قمع النظم الديكتاتورية ومطرقة التطرف الإسلاموي والتجهيل المذهبي ونجد بوادر الانتعاش المعرفي المتجسد في رباط المرأة والرجل في غربي وجنوب كوردستان، حيث استطاعت تحقيق بعض ملامح النهضة المعرفية في تتويج مرحلة الانتفاضة الذهنية حيث يؤمن المعرفيون بأن صناعة المصير هو من صناعة الحرية بصيغتها الشاملة وهو مفتاح تلاقح الشعوب بعضها ببعض على قاعدة معرفية تصون الوجود.

المعرفيون والأحزاب الشمولية

إن المعرفيين يرون في الأخلاق المبدأ الأقصى في فهم المعرفة التي هي تمجيد للمحبة الناتجة عن الحب كرب كل قيمة أخلاقية، وهم يرون في الأخلاق التي تنتهجها الأحزاب الشمولية قوانين وثنية غايتها تفريغ محتوى الفرد العضو وجعله انساناً مجرداً من كل إرادة معرفية أخلاقية ، ليكون كائناً طيعاً وديعاً يقبل على مبادئ الحزب بآلية وخضوع دون أن يسمح لنفسه بالشك من أي مبدأ يعتبره مثالاً خالداً متطوراً دوماً، لذا تعمل الأحزاب الشمولية على تفريغ محتوى أفرادها وأتباعها من الإرادة المعرفية والحب الطبيعي وجعْلهم يؤمنون أن لا أخلاق فوق أخلاق حزبهم وأن لا حرية خارج الحزب ، وبذلك عملت الأحزاب الشمولية على طعن الأخلاق العليا والإرادة المعرفية وعملت على سحقها رويداً رويداً عبر طرح أنموذجات خاوية مثل: الانسان الحزبي المستقيم، الحزبي القومي، الحزبي الثوري، الحزبي الاشتراكي ، الحزبي الليبرالي، الديني ، الأممي، وغيرها من قوالب شمولية جامدة غير قابلة للحركة ،لذا نتأمل الهيكلية الشمولية فنجدها الأنموذج الأكثر انغلاقاً ومركزية عبر التاريخ، حيث أن الفرد الحزبي الشمولي فرد طيِّع وخاضع ومنظر، والمرأة في الحزب حين تتخلى عن قيمها الشخصية شكلاً لأجل الحزب امرأة بمنتهى الالتزام والطهارة بذريعة أن حرية الفرد تنتهي بحرية المجتمع فهي تصل لدرجة أن تهب كل شيء لتبلغ دور المومس والجاسوس الخاضع، هكذا تنهج الأحزاب الشمولية بتسويق الانسان وتعليبه ليصبح آلة ، كون الشرف الروحي والمادي وفق منظور الأتباع يكمن في الحزب لا في الأفراد وما لهم من حقوق وخصائص وما عليهم من واجبات معرفية حتى حين قام زوج ابنة كارل ماركس بالانتحار قال لينين101 أحد زعماء الاشتراكية المشيدة مستنكراً انتحاره معبِّراًً:

(الاشتراكي ملكٌ لحزبه فلا يحقُّ له الانتحار)

فالعقلية الشمولية مستترة وراء غايات ومصالح معينة لا تستفيد منها سوى الفئة العليا المديرة لهذه المنظومة الازدواجية ممن تتزعم المسؤولية، فنجد أن الدول الشمولية إن في الصين أو روسيا أو كوريا الشمالية، تضع نفسها في عزلة سياسية، وتمارس سياسة التجويع والحصار على شعوبها ، لتخلق ذلك الشرخ ما بينها وما حولها ، تغطي أفعالها السرية المتقنة ،فالفئة العاملة في الحزب تعمل في الغالب بلا مقابل فهي مهددة بقوتها ووظيفتها فتبقى في حالة قلق وهلع دائمة، فحين تسلم صدام حسين زمام الحكم في العراق بدأ بارتكاب مجزرة102 قاعة الخلد1979 لتصفية رفاقه تحت مزاعم واهية تتعلق بالتخلص من الخصوم مما نلحظ أن الفئة المديرة فئة انتهازية تعتاش على الابتزاز وعمل الفئة العاملة وإن المصلحة والايديولوجيا تعملان على افقار ذهنية العضو الحزبي وجعله بلا إرادة خدمة للأخلاق الوضعية النسبية التي يعتبرونها قيماً تأليهية غير قابلة للنقاش والنقض، لأن ذلك يؤدي إلى الخروج والانحراف بمجرد الجدل والاختلاف في الايديولوجيا، فإرادة الفرد تتلخص في حماية المصالح الحزبية ليس إلا، وتقويض للانتماء الانساني، عبر تخوين أصحاب الرأي والمواقف ، وتفضيل المتملقين على الشجعان من الحريصين على ارتقاء الحزب جوهراً من خلال تشبثهم بالتغيير والإصلاح، مما لاشك فيه فإن ذلك يتعلق بالدولة ومرؤوسيها، وهذا الصراع ما بين الحرس القديم ودعاة التغيير، لذا كانت معظم الفئات المتحزبة تدافع عن عمى وتمجيد حماية للجهالة والتخلف مستغنية عن العقل الناقد والحوار البناء والجدل الذي يجعل العقل خلية ناشطة تقدم الجديد في مختلف الميادين والمستويات, فالمعايير الأخلاقية تلاشت تدريجياً في سياسة التنظيمات الشمولية , وعبر تعاطيها الرديئ مع شعوبها , حيث تتوهم تلك السياسة أنها بالفعل سوف تحول جماهيرها إلى أمد بعيد لمريدين كسالى الذهن , وما تلبث أن تزيد من أعداءها الداخليين , حيث يلجأ هؤلاء الأتباع للارتزاق داخل صفوف التنظيم حتى يتآكل الهيكل وتتصدع الأبنية , وتتشتت الأدوار القيمية داخل الجماهير , وتعم مشاعر انعدام الثقة بين المجتمع , ولاشك أن الخاسر الحقيقي هو المجتمع حيث يبرز كفتات في خضم هذه الفوضى.

فالغاية المثلى للإنسان والتي يجدر أن يراها الانسان الجديد وأن يتمثل بها كتمثله للمجد والقوة هي في المعرفة المنظمة.

لأن موديل الجماعة المتحزبة لم تكن إلا خدمة للفئة القليلة المنتمية لذا فهذه الفئة تقتات على حساب القسم المحافظ على الحزب ومبادئه حيث ان الجماعة عموماً فئتان:

الفئة الرصينة المتمسكة ببنيان الحزب ومبادئه وهذه الفئة تتعرض لأقسى الضغوطات من التهديد بالتصفية أو انزال الرتبة والمكانة التنظيمية إلى انساب التهم لها بالخيانة والتشهير أو النفي

الفئة الطفيلية التي تجد في الحزب امتيازاً يكفل لهذه الفئة مصالحها المادية الانتهازية لأجل دوام الرفاهية والغنى وهذه الفئة متينة تتستر على انتهاكات بعضها البعض، ولا تقبل أن تخترق من قبل دعاة التغيير،لأن التغيير ليس في مصلحتها، وذلك لأن كل منظومة أو دولة تنشأ يحدث فيها ذاك الصراع الوجودي بين المحافظة والتغيير، والأصالة والتقدم

والانفتاح والانغلاق، وبذلك تصبح مبادئ الحزب عبارة عن لوائح جامدة لا تتغير.

نلاحظ أن خطر هذه الفئة يستشري ليطغى بتأثيراته على الجهاز الأعلى للحزب لتصبح السبب في بقاء الحزب لأجل دوام المنفعة وزيادة تجهيل الناس وتخديرها أطول مدة ممكنة ويتجلى هذا في نماذج الاحزاب الشمولية بصورة خاصة.

المعرفيون يرتقون في طلبهم للمصالح بمستوياتها وأشكالها، فالمعرفة هي المصلحة العليا التي يتنافس المعرفيون عليها وبذلك فالنمطية الحزبية الناتجة عن شكل الحزب وطريقة تعاطيه هي من ضروب الجهالة والانغلاق والتشتت، فالمعرفة تسعى بالانسان نحو التنظيم الفطري الطبيعي.

المعرفيون يعيشون وجودهم لأجل المعرفة، لأنهم يجدونها رسالتهم الطبيعية ، التي لا يمكن لمستغل جاهل أو حاقد أن يستغلها فلا يمكن أن تكون هنالك أصولية معرفية في حين يمكن ان تتحول الأديان إلى أصولية ويتزعمها أصوليون ولا يمكن للمعرفة أن تتأطر لتصبح كالفكر القومي العرقي أو الجغرافي، وان تسودها الشوفينية والعنصرية التي تعم التنظيمات الحزبية القومية والاممية، أو السلفية الدينية، لأن المعرفة بحالتها الطبيعية ارتقاء وسمو بعيد عن سلطة القوميات والأديان والمذاهب والأعراق، فالدين في حالته الطبيعية المعرفية صلة الانسان الاخلاقية بالآخر تمثلاً بالله، أي الحب .

والقومية في حالتها الطبيعية المعرفية ارتباط الفرد بالجماعة لأجل بقاء الخصائص والقيم والعادات واللغة والتاريخ ، والمعرفة لا تلغي هذه الخصائص، والمثل المشتركة لأنها تمثل الارضية المجتمعية لتطور المجتمعات وفقاً لوعيها وارتقاءها إلى المعرفة.

فالمعرفي يرفض التلاعب بالأديان لأنها تمثل صلة الروح بالسماء، كما يرفض الشوفينية القومية لأنها تشويه للحقائق وتقزيم دور الجماعات المجاورة التي تتعايش معرفياً على سطح الوجود لأجل تطوير الخصائص وإنعاش الحياة الحرة ، فالمعرفة أساس منشأ الأفكار النظيفة فهي تجعل الانسان يقبل على الحياة عن إدراك ونضج ..

إن الحزبياتية تجعل الانسان مفتقراً إلى جو الحرية الخالصة ويبقى أسيراً للمعارف التي تعارف عليها أصحاب العقيدة المنحصرين في جزئيات القضايا.

فالمعرفة هي إعادة قراءة لمختلف القضايا الجوهرية التي تؤسس لعلاقات أفضل، لأجل نهاية عهود الاحتقان والاضطهاد القومي الاناني الذي قضى على الأواصر المدنية السامية وقوض الحياة الانسانية .

و المعرفيين يرون الأخلاق في صلب المعرفة، ويرون في الحقوق والواجبات الاجتماعية للإنسان أسساً رفيعة لأي بناء معرفي يؤدي لتحقيق أقصى درجات السعادة والخير للإنسانية في ظل وجود يزدهر ويتألق ، وجود يقدسه المعرفيون ، يرونه الحياة الضامنة لرفاهية الانسان وتحرره من أدوات صناعة الموت والتلوث والعنف الدموي.

فالمعرفة الطبيعية اشباع تام في ظل التنوع الذي تفرزه الجماعات المختلفة التي تدين بالحقوق وتقر بالواجبات التي تقتضيها الطبيعة الفطرية المتآلفة في ظل الوجود.

إن عبء المعرفي ثقيل لأن تكامل الحب والعلم رسالة أولى ملقاة على عاتق المدرك والمتأمل فهو وحده يستشف الجمال وقيمة الخير والحق ويعمل على حماية الوجود والحب من خلال بحث الذات عن ما يجعلها تسمو أمام الوجود المتقن،وصراع الانسان مع الجهل طويل مرير وبتكاتف المعرفيين وتوحدهم تكمن القوة القادرة على خلق الابداع بتواصل وخرق الوثن القائم في تركيبة الحزب الشمولي ومقاومة منظومة الجهالة المتفشية فيه،والاحساس العال بجمال الوجود من خلال الوطن وضمان تمتع مكوناته بأقصى حقوقها فالوطن وجود والوجود الشامل هو وطن المعرفيين الكبير.

المعرفيون وإشكالية المقدس

إن القومية نتاج شعور جمعي بضرورة الاجتماع ، والضرورات حتماً ناتجة عن دوافع قسرية أو طبيعية ، كالشعور بالاضطهاد والتمييز العنصري أو الرغبة بتحقيق المصالح الضرورية ،ونتيجة الصراعات الدموية تجذرت المفاهيم القومية اللغوية ولا سيما في عصر القوميات في أوروبا وانتقالها للعالم العربي والاسلامي، وشاعت سياسات الانكار والصهر والإلغاء كتطور عن الصراع القبلي، والوعي بالجماعة وأهميتها وأهمية التماسك داخل النسيج الجماعي حاجة فطرية حيوية وطبيعية من خلال وحدة اللغة والتاريخ بحكم التجاور والتجانس في إطار البيئة ، والمعرفيون أمام طرح ذواتهم الأولى يبشرون بعلائق أكثر طبيعية وتجذراً مع كل تواق إلى الحب والمعرفة ،وتنقيب الوجود ، لأنهم يرون في الوجود النسيج الأشمل والجامع للبشرية، وذلك لأن روح العصبة لا تمثل حقيقة الحياة والغاية السامية ، ويرون في المعرفة قومية واسعة وجديدة لا ايديولوجية أو دين أو مذهب يفرِّقهم عن بعضهم كونهم يجدون في الحب سبيلاً لمعرفة الوجود الذي يمثل ذروة الانتماء الطبيعي ولقد ظهرت مفاهيم الدعوة للاستقلال والتحرر وبناء الدول والأقاليم في مرحلة ما بعد المشاعية الطبيعية وبدأ استعباد الانسان من خلال استغلال طاقته الجسدية وحرم من حقوقه التي ضمنته له المشاعية من توزيع عام لوسائل الانتاج ، مما ظهرت الملكية الخاصة وساء توظيفها لتصبح حكراً على فئات معينة على حساب بؤس وتعاسة الفئات المنكوبة المهددة بقوتها، فتمادي الانسان بالملكية أدى إلى استفحال أوبئة الأنانية التي نجمت عنها حالات الجهل والأمية والجوع بأشكاله وأبعاده الاغترابية ، ورسخت المركزية الشمولية من حينها،مما جسد في نفسية الفئات المنكوبة مشاعر الاضطهاد والاغتراب المزمن والبدء بمحاولات قيام انتفاضات معرفية لاسترداد ما أمكن من حقوق مشروعة طبيعية مهضومة،فيما بعد وجدت هذه الفئات المنكوبة من مفهوم القوم ، والانتماء للأرض وسيلة مضادة للتهديد بالعبودية فأخذ مفهوم القومية يتبلور لصالح الجماعة المهددة بانتزاع مواردها،فيعتبر المفهوم القومي أعظم ثورة معرفية منذ التاريخ الأزل، والدين المتمثل بالعلاقة الفردية مع القوة الخفية (الله) تعد الفلسفة الجامعة المحافظة على أمن الوجود من عدم استقرار الطبيعة الكونية العالمية، تحث هذه الفلسفة الجمعية على تقوية الانسان واستمرار ارتباطه بوجود عدالة إلهية تقلص من الشعور برهبة الموت وتحث على تقوية النفوس لأجل خوض معارك الحق والكرامة فمع الحق والكرامة تنتج الخيرات وتعم الرفاهية ليصبح الانسان المعرفي أقرب إلى الجمال والسعادة بشعورالتماسك في ظل الجماعة، فالإفراط في الإيمان مؤذٍ, وقد يشجع على العنف بأشكاله اللفظية والنفسية والجسدية التي تمثل النتيجة القصوى للعنف الإيماني, مما يعني أن التحرر من سلطة المقدس تمثل تحدياً كبيراً , مما لها من عواقب مجتمعية سلطوية , حيث ترى في الأديان التقاليد الأدنى التي يمكن عبرها حكم المجتمع، فهي تستجيب للذائقة العامة مما لا يمكنها أن تتقدم فكرياً وتنتعش، فالتأثير الديني هو الذي استساغته عبر توافد الأجيال, وقد تم جلب الطقوس الدينية لكاريزما الأحزاب والخطابات الشمولية , فباتت الأفكار الايديولوجية مقدسة منزهة وكأنها منزّلة من السماء، وعلى غرار ذلك ترسخ المقدس وتلاقح مع الفكر القومي, واليساري الثوري, فنرى الشباب مقبلاً على التطرف الذي تجلى في انتشار الحركات الجهادية على طول رقعة العالم العربي والاسلامي مستمداً ظهوره بالجذور التاريخية والذائقة المحلية لتلك الشعوب التي درست جيداً التطرف عبر مدارس وجامعات ومساجد فأضحى الربيع العربي مقبرة لذوي الطاقات بزجهم وقوداً لأجندات دولية، حيث تم تجديد تركة الصراع الديني بما فيه من أعباء وخيمة تاريخياً , وذلك ينتج عن التشبث التلقائي التعويدي للمقدس عبر النص الذي من العصي الثورة عليه , كونه بات الداء الضروس والفاتك لكل مذهب مخالف مستنير يدعو لليقظة المعرفية وتنشيط الذهن الذي صدعته قوالب الإيمان الصدأة.

لذا فالتعاليم الدينية تخضع إجمالاً للطبقة الحاكمة التي تسوس قطيع المجتمعات و تصنع الرأي العام, وتتحكم بالشعوب التي تعاني الفقر والتسلط والتي باتت ألعوبة باسم الحروب المقدسة باسم الجهاد والرب(الغزوات الإسلامية والصليبية)، فالإيمان بات موجهاً نحو العنف، ولم يقتصر على العلاقة الفردية بين الإنسان والله, حيث نرى مئات الأقنية الدينية الإعلامية ومقابلها الحركات الدينية السرية منها والنشطة تتوجه حسب توجهات المتحكمين بالنفوذ، حيث تستغل وجود فيروس الإيمان الموغل بمنهجية داخل عقول فئات المجتمع والذي من خلال وجوده يتم تجنيد الشبان وزجهم في صراعات مختلفة يغذيها الإعلام المرئي, فلو لم يكن ثمة هذا التأثير التاريخي المتراكم على المجتمع لما وجدت تلك القوى المتحكمة باقتصادات الدول ذريعة للحرب عبر التاريخ , فحقيقة النصوص المقدسة قادت للاغتراب الكلي عن الحاضر وأعاقت إمكانية إيجاد آليات وسبل تقويم وإرشاد وتعايش بين الناس، هذه النصوص التي تشربت الكثير من العنف والترهيب، لم تكن رهينة أحداث تاريخية فحسب، بل تم تداولها والتماهي بها وبمدلولاتها حتى باتت متحكمة في طبائع المتدينيين وسلوكياتهم وعوائدهم وبات لهم استعداد غريزي للعداء فنرى ضيق الأفق وكذلك الرد المستفز الذي يكشف عن مدى تأثير الدين على ذائقة وأسلوب حياة المؤمن فهو على استعداد تلقائي للعنف، لذا يعمل المعرفيون على تحرير الله من مفاهيم بشرية تم عبرها أنسنة الله بطريقة تحرّض على العنف والكراهية .

إن الشرق الأوسط يرزح بين فكي كماشة النزاع التاريخي المقدس بين الطائفتين الاسلاميتين (السنة، الشيعة) ووجود إعلام ديني مرئي يتحكم بطرائق الصراع ويقوم بتغذية الجماهير الشابة لتبقى وقوداً عبر النصوص التي تقدس إراقة الدم، فقد وقف رجال الدين ضد المعرفيين وعلومهم , ووقفوا على خلاف نقيضٍ مع الفلسفة، ولاشك أن لذلك تبعاته على المجتمعات والأمم, فأمست المجتمعات الإسلامية تعيش في قطيعة عن الحاضر المتمدن, إذ سرعان ما باتت ضحية للساسة المتسلطين في عموم الشرق الأوسط, فقد وجدت السلطات القامعة عبر التأثير الديني ضماناً للسيطرة والبقاء في الحكم , حيث تنحاز مجمل النصوص الدينية السماوية لتمجيد الحكم , فهي تعطي للحاكم المركزي الشمولي مسوغات مقدسة للهيمنة ودوام التحكم وشرعنة الفساد الفئوي.

إن تأسيس الحياة على قاعدة المعرفة هو تأسيس للإنسان من خلال تحرره من أمراض النعرات وتخليصه من سلطة الأقوى وعودة لقيم الحضارة مجدداً، لوعي جديد وحياة فضلى لكل الناس وتنظيم يليق بالوجود المتقن والمنظم الجميل، الذي يربي القيم في الموجود البشري، فكان الحب بمثابة الرب والمعبود، لشتى القيم التي استنبطها الانسان في الوجود عبر رحلته الطويلة الشاقة.

إن دوام الرحلة الشاقة للإنسان الحضاري هو دوام رسالة الحب والسمو بالمعرفة وإن كل بناء لا يتأسس على تكامل الحب والمعرفة هو بناء شكلي يكاد يكون هدماً بصورة ما، فلا بد من العودة للحب والمعرفة والعناية بالوجود لكي يبقى الموجود وإتمام الحب من خلال ترسيخ الاخلاق التي تحفظ للإنسان نسله ومنجزاته، وهذا يتحقق بالعناية بالبيئة من خلال وقف الحروب والتلوث البيئي.

المعرفيون يؤمنون أن الجمال في الخير لذا يعملون على تبديد مصادر القلق، ويؤمنون أنه لا مهرب من تجاوزه ، ويزرعون الجميل في الخير الذي يشعُّ فيهم ، ويرون في توافه الأمور أشياء تنضب بإيجاد الأفكار الطبيعية ، لذا فهم يجدون في الطاقة الداخلية الأمل الوحيد في تجديد الذات بالمعرفة .

المعرفي يرقى إلى الابداع دوماً فهو يجد في الابداع علم ممارسة الحرية، وطريقة جديدة في استخدام الأدوات والأشياء بجودة وعناية ، تكشف عن مخزون الجمال والسحر لديه, فهو يقبل عن جمال وروح صافية نحو تغيير ما تأخر تغييره ويؤمن دوماً بضرورة التأن في الخروج بالقرارات ،إنه ينهض بالحياة كونها جميلة بطبيعتها ويراها أجمل حين يقوم بأخذ لمساته عليها.

إن المعرفيون طبيعيون في ممارستهم للحياة وتوغلهم بالمؤسسات فهم يجدون أنفسهم الأجدر في تحويل المؤسسات والأحزاب والتكتلات إلى نواة جديدة تمثل روح الوجود والمعرفة والحب ،إنهم يرون أن كل تنظيم أو نظام اجتماعي أو اقتصادي لا يضع المعرفة لأجل الحب والوجود الشامل غاية قصوى لها عبارة عن قوى ظلامية تعمل لأجل المزيد من الاحتقان والفوضى والكراهية وضخ الحروب التي تمت للجهالة والتخلف والتعصب الذي يشوه قيم الجمال والخير والحق.

فتوافد الصراعات عبر التاريخ أبعد الانسان عن خصائصه الطبيعية التي هي ركائز أولية لبقاء الانسان كائناً حراً اجتماعياً ومتفاعلاً معرفياً ، وإن تمتع الانسان بكافه حقوقه الطبيعية وممارسة واجباته هو من خصائص ممارسة المعرفة والحب والاقتراب من الحقيقة المعرفية المتمثلة في وحدة الوجود

إن الثورة الحقيقية كامنة في ممارسة الحب الطبيعي الأسمى للوجود، والعناية به ، و الايمان الحقيقي بمبدأ التعايش السلمي بين الشعوب فالقتل هو قتل للانسانية وبتر لفضائلها وإحجاف بمنجزاتها، والاستبداد انكارٌ للعيش الرغيد وتواطؤ مع الكارثة في انتهاك الجمال والسحر النابعين عن قيمة الكرامة، التي هي مبعث إخلاص الانسان لنفسه والآخر وللوجود برمته، والإجرام هو جهالة عمياء وآفة كبرى تقف اليوم في وجه الباحث عن الارتقاء الفكري النفسي الاخلاقي ، من هنا كان الوجود والحب وكانت المعرفة.

ومن طليعة مهام المعرفيين هو أن يكونوا حماية لكل من افتقد للطمانينة العالمية والشعور بالأصالة التي تكمن في الحب الآزلي الجديد للحياة والأرض والجماعة التي يرتبط بها الموجود فطرياً ،والتلاحم بين الجماعات ضرورة حيوية للارتقاء بالجمال , والمعرفة تعمل على توحيد الانسانية لتتمتع بخصائصها المتعددة في ظل الحياة.

المعرفيون والقائد الرمز

المعرفيون يرون المعرفة رمزاً يليق بالمعرفي، فهم يرون أن سياسة القطيع وتأليه القائد هي احدى عاهات الحكم، حكم وإدارة المجتمعات ، حيث كانت المجتمعات القديمة ترى في القائد الإله أو نائب الإله على الأرض، فلقب أمير المؤمنين يعني أنه نائب رسول الله على الأرض، ولقب البابا كان دلالة لنائب المسيح على الأرض، وبعدها تحول منظرو نظريات الثورة والاصلاح إلى مستبدين ، فالثورة على رموز سلطة الدين كانت ضرورة لانتقال المجتمع إلى حالة مدنية أرقى، لكن الرموز العلمانية التي حكمت ما بعد الثورات وقعت أيضاً في ذات المطب، فبدأ طور حكم المجتمعات باسم القومية والاشتراكية الأممية وانتقلت صفة التقديس الثيوقراطي للقادة الذين حكموا حينها وبدأ الاستبداد يأخذ المجتمعات إلى طرق مسدودة تجسدت جلية في مرحلة الحربين العالميتين وظهور قوى ديكتاتورية في الغرب وانتقلت هذه الحالة إلى الشرق والعالم العربي والاسلامي كنتيجة تسلط القوى الصناعية المهيمنة على تلك الشعوب .

فالتأثير السلبي الذي أحاقه القادة الرموز من خلال تشدقهم بالثورة وإدعاء حمايتهم لدولهم من التقسيم والفتن جعل المجتمعات تعيش داء الخوف والانحلال المعنوي الروحي، بتسترهم بروح الحفاظ على المنجزات والمكتسبات الشخصية وادعاءهم أنها مكتسبات قومية،فقد أعاقوا إرادة المجتمعات من بلوغها درجات التقدم والحضارة وممارسة الديمقراطية واكتساب المعرفة وبناء مجتمع الوجود، فقد استخدموا الدين كمؤسسة تبيح لهم شرعنة الفساد والقتل ، إضافة لتحويل مؤيديهم كمرتزقة فتحول دورهم لخدمة الفئة القامعة الفاسدة والمحاربة لذوي الأصوات الثائرة المحرومة .

وعلة رمزية القائد عائدة إلى صفة التقديس الثيوقراطي من حيث أن القائد قديماً كان يرمز بالآلهة كما في شخصية كلكامش نصفه بشر ونصفه آلهة حسب الأسطورة، وشخصية الفرعون المتأله، حيث بقي للقائد مكانة مقدسة أدت لترسيخ مفهوم التبعية والطاعة العمياء والخضوع التام فشيوع هذه المفاهيم وتجذرها من خلال الدين والخطب التي كان يلقيها الأئمة على رؤوس مطأطئة لا تفكر ولا تتدبر بل تستسلم لأحد أبواق السلطة القامعة المتمثلة بخطيب الدين وإمامها،وكانت الإلهة الأم تأخذ صفة القداسة والرجل كان يرمز بالسلطة في ضرورة أن تمتثل الزوجة له امتثالاً تاماً حيث أن صفة الرمز بقيت ليومنا حية تحظى بصفة أشبه بمكانة الألهة، فكانت سلطة السلطان العثماني تأخذ الحيز المطلق من المكانة الدينية المطلقة التي تلتف حولها طغمة من رجال الدين يفتون ويخطبون في الجوامع والمساجد باسم السلطان ، كما في عهود الأباطرة والمماليك والقياصرة، حيث كانت لهم السلطة المطلقة المقدسة المدعومة بالكاهن أو البابا أو الشيخ، فترسيخ ذهنية الطاعة والخوف لدى الناس كرست التبعية ومفاهيمها على المجتمعات ولعهود متتابعة وطويلة حيث تشربت هذه المجتمعات من هذه القداسة والطاعة حيث غدت صورة مجتمعاتنا عموماً الاسلامية منها وحتى العلمانية، وبوجود المعرفيين في مراكز الحكم وتداول السلطة وإبداء النقد الصارم للحكام والإدارة التعددية تنتفي أحادية الحكم وشموليته، ويتلاشى الخوف وتلك النظرة العدائية من قبل السلطات المتخلفة لشعوبها .

المعرفيون يجدون أن إدارة الحياة والمؤسسات تعتمد على المعرفة ،والمعرفة تعلِّم المسؤولية التي هي فن قيادة المجتمعات نحو سبل الحياة الفاضلة والرفاهية المستدامة والتقدم المستمر، وذلك بأن تتخلص المجتمعات وإداراتها من الذهنية التقليدية في تعاطي السلطة والحكم، فالوثنية الحاكمة أرهقت جداً الشعوب وجعلتها أشبه بالقطيع حيث لا تفكير أو تطوير أو بناء بل جهالة متكالبة متتابعة في حياة الشعوب وتأخر دائم عن ركب الحضارة المعرفية والتقدم القيمي، فوجد القادة الرموز في الشعارات التخديرية وسيلة ناجعة للبقاء في الحكم مهيمنين ، يدين لهم المجتمع وكأنهم آلهة على الأرض وتطيعهم الغالبية المازوشية بضرب من الجهالة وتفادياً للبطش المتمثل بأجهزة المخابرات، وهنا تكمن وظيفة المعرفيين داخل هذه البنى المجتمعية في أن تتخلص من هذه النظرة التبعية المزرية بالتعاطي مع الحياة والإنسان، من خلال ترسيخ ثقافة الحب المتمثلة بالمحبة بين أبناء الوجود الوطن ومنها للوجود الكبير، من خلال بناء العائلة الطبيعية، فما القادة الديكتاتوريين إلا انعكاس لخلفية الأفكار البالية التي تقنعت بها المجتمعات مع تتابع عهود الاستبداد والغطرسة، ووظيفة المعرفيين في المجتمعات هو أن يعملوا على ترسيخ نهج الحب في الوجود في ظل نداءات تطالب بحقوقها في الإدراك والرفاهية والإبداع فلا يمكن أن تتحرر العقول والأرواح من بطش السلطويين إلا باستبدال ذهنية الطاعة والامتثال الصوري لفلسفة التوحد بالوجود في خضم المحبة الواعية، والمعرفة في طلب الأفضل والأنجع لأخذ السبيل النير للحياة الخالية من كل تبعية أو استسلام، نحو المدنية والبناء.

فالحب في ضوء فلسفة الحب وجود والوجود معرفة هو الوجود الذي يمثل نبض كل الكائنات على ظهر الكوكب، فهو الشجرة التي تولد منها كل فروع الحياة الطبيعية والانسانية.

المعرفيون والمجتمع

يرى المعرفيون أنه لابد من التأكيد على حقيقة الصراع الذي يراود النفس الإنسانية على كل صعيد من خلال التناقض الذي يستوطن الفرد، فمهما اتسع الإيمان واشتد بحقيقة الإيثار والمحبة فبالمقابل تستوطن الأنانية والبغض, مما نلمس دوماً التناقض على كل موقف وصعيد, بيد أن النصر الحقيقي هو المتجسد دوماً في تغليب الخير العام على الخاص والسعي نحو المعرفة لأنها عماد كل حركة طبيعية،حيث عاين المعرفي المجتمع ,ولاحظ أن الفوقية هي السبب في جعل الناس أسفلنا أقزاماً ودمى, ولابد من النزول من الأعلى إلى الأدنى الطبيعي العادي باتجاه إقامة حركات مدنية مؤسساتية ترفد أمن وصيرورة المجتمعات في بلوغها رفاهيتها وعافيتها، باتجاه الإبقاء على الجميل الكلي المتجلي في المجتمع والطبيعة والتحلي بالحكمة والموضوعية في المسير بهذا الموج المجتمعي نحو المعرفة، وهذا مايود المعرفيون إيصاله للأجيال،وهو الوقوف على حقيقة الحياة من كونها صراع لأجل إحقاق المعرفة ووقف العنف والتلوث لأنهما وبال على الوجود بأسره دون استثناء رقعة من الوجود.

ويمكن عزل السلطة الاحتكارية تدريجياً من خلال تحقيق ثورات ذهنية مرحلية في صفوف الجماهير وتقليص دور الأنظمة الغارقة في تناقضاتها من خلال التوغل في المؤسسات ولابد من فرز الحقوق والواجبات, فالدولتية هي الاحتكار، وكل سلطة هي الاحتكار بطبيعتها.

والعولمة التي يستدعى طرحها هي المبنية على التعريف بالطاقة المتوثبة لدى الشعوب التي تتسابق لإعلان خاصيتها، أما القوة العسكرية فقد خضعت أبداً في بداية تمثلها لإيديولوجيات العنف التي سهّل منظروها الطريق أمام حفنات من الاقتصاديويين الباحثين عن الربح الأقصى من خلال تهديد وشل اقتصادات الدول وخلق الأزمات،والبديل عن كل ذلك متمثل بوضع المشاريع الإنمائية التي تضع حداً للمعاناة المتفاقمة , لأجل أن تتشارك كل الطاقات والإمكانات لتحسين المدن ولأجل بناء وجود متعزز بطاقة الخلق،لا متزعزع بالدمار والخرق.

والعقلانية إذا لم تركن للمثل صعب أن تنقذ لو شيء بسيط من ميراث الإنسانية الغني لتخرج الديمقراطية عن كونها ستاراً يخفي الانهدام وبقائها مجرد مزعم باهت تتقاذفه ألسنة منظِّري الاشتراكية والرأسمالية , وتحويل الجهود لخدمة المجتمع ،لأجل إحياء منهج التشاركية في صنع القرارات خارج القناع الأناني المتسلط الذي قوبل به المجتمع الطبيعي من خلال الحرص على جهله وقتل معرفييه،ووضعه في مزالق العنف والاحتقان والتحلل والفوضى والانهيار الشامل.

فبناء الفكر المعرفي، ضرورة اليوم لفهم طبيعة العصر، حيث لم تتحقق الاشتراكية كنظام معتمد تطبيقي، ولم تتحرك قيد أنملة عن كونها مجرد تصور انتهى بمجرد التخبط والخروج عن مساره المزعوم والانحراف عنه صوب إقامة الدولة القومية الاستبدادية التي مثلت في الوقت الحالي إلهاً للرأسمالية الحديثة.

المعرفيون والمؤسسات

يؤمن المعرفيون بضرورة محاربة التجهيل , والحدّ من توسيع نطاق الحاضنة الشعبية له والنظر باتجاه إقامة مجتمع المعرفة البديل عن المجتمع الجائر المبني على قوانين مجحفة وشعارات برّاقة , بينما يقر المعرفيون في أوساطهم المختلفة بإيجاد القواسم المشتركة الخيرة التي تجمع بين جماهير المتدينين المنفتحين وجماهير التصورات الوجودية وفق رابطة العقل الأسمى من الروابط التقليدية الدموية والدينية، ليؤمنوا بطبيعية بنتيجة الفعل المعرفي وإن تعددت النظرات حول الوصول إليه , وتجنُّب النظرة المغالية العدائية في توجُّهات فئة ما بعينها , فكل من ارتدى التدين كغطاء في حياته يمكن أن يبني أو يهدم , وكل من رفع الراية المادية الوجودية بإمكانه أن يهدم أو يبني, والتطرف باتجاه العلمانية أو السلفية هما من أربكا فعالية انعدام الشعور بالخطر لدى الفرد، وكل كائن إنساني يعيش على الطبيعة الأنانية الكامنة في الخير الخاص به , والمعرفية تسعى لعقد رؤية تتبنى الحب كهوية والمعرفة كهدف منشود يرفع المعرفي لدرجات من الحكمة والتدبر في الوجود المتقن الذي ينمِّي دوام فعل الحب والإيمان بالوجود ونتيجة الفعل الإنساني في الوجود المتمثل بالإنجاز من خلال:

  • إنهاء عهود القتل والاحتقان والتزييف الإيديولوجي ومكافحة تجهيل الناس.
  • إنهاء حقب الديكتاتورية الشمولية وآثارها السلبية على المعرفيين
  • صون الوجود بيئياً وسلمياً من خلال الدعوة لمؤتمرات عالمية , تقف على الأزمات الإنسانية والجيولوجية وتخفف من أعباء المنكوبين والهاربين من الحروب والنزاعات المسلحة وكذلك التصدي العالمي لقوى الإرهاب والنظر في معالجة الظواهر الطبيعية والوقوف على الأمراض المنتشرة والمعدية والحد من انتشارها
  • ترسيخ مفهوم التشاركية والتعددية والتعايش السلمي.
  • التأكيد على الرابطة المعرفية الوجودية التي توحّد جهود المعرفيين باتجاه التبادل المعرفي على كافة المستويات متجاوزة الحيز الجغرافي, بغية إقامة محفل عالمي لكل المعرفيين من مفكرين وعلماء وأدباء وفنانيين من مختلف أنحاء العالم، والإيمان بأن المعرفيين أمة مشتتة وجمعهم في مؤسسات ونوادٍ حرة لتحقيق مجتمع المعرفة.
  • التأكيد على الروابط المشتركة للشعوب من خلال القاسم المشترك فيما بينها والمسمى بالحضارة , انطلاقاً من قاعدة الأخوة المنبثقة من روابط الحضارات الإنسانية وإرثها العقلي الغني ومنجزاتها المنعكسة على الوجود الشامل.
  • التعريف بخصائص الشعوب الحية, بغية توسيع المراكز التنويرية في مختلف أنحاء العالم , والتشجيع على تعلم اللغات الأكثر رواجاً والجامعة لأكبر شريحة من البشر
  • الإكثار من المراكز التنويرية والنوادي والجمعيات الثقافية والاجتماعية والفنية والفكرية والتقنية والصحية، والإنمائية إسوة بالمشاريع السياحية والتجارية والربحية عموماً والتنسيق فيما بينها. *إنهاء مفهوم الحزبياتية أو التكتلات المعادية للسلم الاجتماعي ,لصالح إقامة كونفدراسيونات ومجالس تضم شرائح متعددة , والتأكيد على دور المعرفيين الذين قضى نحبهم الأغلبية بيد محاكم التفتيش بيد أعدائهم أو ذويهم. –التأكيد أن المعرفيين هم دعاة التغيير وصنَّاعه ومحاربون طبيعيون للعقل المتكلس والمعتقل بالمفاهيم التعصبية والشوفينة والتكفيرية، وهم القادة الأصلاء لكل نهضة تجلت في جميع أقطار الوجود الهندسي. من خلال تلك النقاط التي تم ذكرها، يمكننا معرفة أن النظام موجود في الطبيعة والكون وعكسه يعني العدم والتنظيم الناجح تتحقق له الديمومة مع الزمن، وكل تنظيم هش حتماً آيل للسقوط ،ونتيجة السقوط تتأتى من سعي أفراده نحو المصالح الشخصية التي تجلب الفوضى وانعدام الثقة على الدوام،ومثال ذلك الامبراطوريات التي سقطت،والأنظمة التي انهارت والاتحادات التي تفككت، نتيجة تسلط الفوضى والفساد ضمن بنيته المركزية ومروراً بالمؤسسات والهياكل التي دونها، ولا يحفظ صيرورة النظام سوى المعرفة، وكما قال المعرفي مصطفى البارزاني103 الذي أدرك بجلاء هذه الحقيقة:تسلحوا بسلاح العلم والمعرفة, ووحدوا جهودكم لتحرير شعبكم من الأمية، مما يعني حاجة كل مجتمع أو حزب للمعرفة كشرط رئيسي لتنشيط بواعث كل نهضة مستقبلية من خلال معالجة كافة الأخطاء والنواقص والمفاسد الشخصية التي تجلب التسلط والغرور والطيش، في التعامل مع المواقف التي تتطلب الحكمة والتشاورية، لا التفرُّد بالقرار والتضحية بالمصير الجماعي ومن خلال العمل على التفاف المعرفيين في كل مؤسسة تعمل على تنشيط نفسها , يمكن بث أساليب الحركة والمرونة داخل نبض جماهيرها ومؤيديها وتفعيلها من خلال إحياء الفكر المؤسساتي الذي ينشد العدالة وتوليد الطاقات وتفعيلها على الدوام , بغية توحيد هذه الإرادات في إدارات للوصول لمجتمع خال من الأمية ولوثات التجهيل ورواسب الإبادة الثقافية والاجتماعية والاقتصادية والعلمية، وهذا دور المعرفيين كغيورين على المكتسبات المعرفية في بث فلسفة الحركة الباعثة على اليقظة والإلمام بحاجات وتطلعات الجماهير إلى إرادات فاعلة وقيادات تقول وتفعل وتشارك شعوبها أحلامها وتطلعاتها لأجل تحقيق المطلب الحقيقي المتمثل بوجود آمن وشعب حر ومعافى , ومكافحة كل تخاذل داخل الحركة التي ينتمي إليها معرفيوها في كافة أحزابهم ومؤسساتهم ودولهم لتحقيق رسالة المعرفة، ويبدأ واضع كل نظرية شمولية غايتها جذب الآخرين ديماغوجياً إليها من إبداء القول أن كل ما سبق كان تشويهاً, فالقائل دوماً بأن نمط الحياة كان مشوهاً طيلة فترات معينة ما قبل ولادة نظريتي هو منطق استدراجي دعائي لأجل بث آفاق نظرته الثابتة في ظل وجود حقائق نسبية لا تتضافر جميع أسباب الإيمان ضمنها, وما كل النظريات والفلسفات التي ابتدعها المعرفيون حتى الآن إلا استنتاج عن تصورات ونظرات أخرى سبقتها, وقد كانت الحكمة المعروفة والتي وجدت على باب أحد المعابد في أثينا والتي تقول: أيها الإنسان اعرف نفسك, تدلنا على أن جذور كل الحضارات والمعتقدات ظهرت من خلال معرفة الإنسان لنفسه من خلال جملة تساؤلات , من أنا ؟ من نحن؟, والمعرفة تلك الحقيقة الباعثة على التساؤل, والتي لا يمكن أن تكون حكراً أو حبيسة معتقد جماعة ما بعينها, وهي تساؤل عميق ومستمر لا ينتهي مادامت الحياة , وما ظاهرة الصراع والعنف سوى نتيجة الاحتكار , احتكار المعرفة ومحاولة حصرها بجملة مقدسات ومحظورات , حيث لا يوجد تاريخ حقيقي لبدء المعرفة وإنما بدت تتجلى بشكلها الحقيقي عند اكتشاف اللغات.

تجمع المعرفيين لصون الوجود

يدرك المعرفيون أنهم يتمثلون بالقيم الطبيعية المستقاة من البنية الحضارية للشعوب ، ومن التأكيد على ضرورة الالتفاف حول الوجود لحمايته من خلال تجمع المعرفيين بصيغ تنسيقية وبنى تنظيمية في جميع أنحاء الوجود، ويصرون دوماً على تبني المنهج المعرفي الذي يجد في التنوع مصدراً لإنتاج وتوليد الأفكار البنَّاءة، فلا يدينون بأي نظرة تنحو منحى المغالاة نحو العلمانية الراديكالية أو الأصولية الراديكالية فكلاهما تلتقيان في سوء الممارسة ، لأن المعرفيين يجدون في إنقاذ الوجود من الخطر الذي تمثله قوى الطغيان والجشع، ضرورة وواجب معرفي وطني، مع التأكيد على حقيقة الصراع الأزلي بين قوى الهدم والبناء والتي تتجسد في المعرفة والجهالة.

لايمكن فهم مجمل الميراث الإنساني المتمثل بالحضارات والقيم حين نكون على نقيض مع الوجود كوحدة والحب الطبيعي الذي هو فلسفة الوجود والحركة ، ولابد من التحرر من فيوضات الذات واختلاطاتها ،وعبر فلسفة الحب وجود والوجود معرفة يمكننا فهم حقيقة التنوع والأفكار الجديدة النابعة عن الانفتاح، ولا بد من الإشارة إلى أن التحدي الذي يقف في طريق خصوبة الدماغ الإنساني يكمن في التعصب وتربية الجهل من خلال نشر التجهيل والتكميم، فالجهل الأعمى الذي تعانيه البقاع المحتقنة طائفياً وقومياً في رقعة الشرق الأوسط تحديداً كمثال متجلي،بات خطراً مستفحلاً , ونشر المعرفة معتمد على تنظيم الطاقات التي يمكن أن تعبر عن حقيقة الالتفاف وتوغل في غرس قيمها الطبيعية داخل كل المؤسسات والتنظيمات المهترئة، لأجل إصلاحها وتغييرها، وتخليصها من العطالة والهشاشة التي تسودها،وبشكل متدرج انتهاءاً بمرحلة الشفاء.

ومنهج المعرفيين منهج أخلاقي اجتماعي، قائم بذاته ،يختزل القيم التي نادت بها كافة العقائد والنظريات والتيارات التي كان لها الأثر في الميراث الحضاري الغني والتي تحتكم لعودة الإنسان إلى التشبث بروح الحضارة المعرفية، وقد ظل المعرفيون حاضرون وبصورة جلية في أشد المواقف صلابة وقوة وفي أحلك الظروف قتامة وقسوة، وقد دافعوا عن حقيقة الإنسان أمام من يزهقونها بأفعالهم الأنانية الجشعة، ويمضون قدماً نحو تحقيق الإزدهار والسلام، كونهم يؤمنون أن المعرفة تصالح الإنسان مع حريته,وعداوته للعبودية بأشكالها، فقد آمن (سبارتكوس104) المعرفي بهذه الحقيقة حين جمع أشتات العبيد المقهورين من حلبات روما ومن تجارة الرق السائدة حينذاك, ليسقط البربرية والتوحش التي رافقت روما إلى جانب تفوقها العمراني ، ليغدو مثالاً حقيقياً لبسالة المعرفيين وخلود مواقفهم التي تنادي بالإنصاف والارتقاء المشترك للرفاهية والحياة الآمنة في الوجود، وإيماناً حقيقياً بانتصار المعرفة الساحق على قوى الجهالة والاستعباد.

فالنهضة المعرفية هي الثورة البديلة عن التصحر والجمود الذي اعترى السلطويين والفئات المحكومة بالخوف وتكميم الأفواه، لذا يعمل المعرفيون على جعل الحب فلسفة تعايش تخرج عن كونها عاطفة داخلية إلى العالم ، وتعمق في مدلولات الحياة ودفع الإنسان من خلالها للبذل من خلال اجتماع المعرفيين في أنحاء الوجود، للحوار حول مصائر الشعوب الرازحة تحت ضغط القوى المهيمنة المتمثلة بالسلطات الديكتاتورية التي قامت بالتهجير والقتل والإبادات، وكذلك التنسيق حول حماية البيئة من التلوث ومخاطر الحروب والنزاعات ووضع حلول للحد منها، وإزالة الاحتقان والعنف واجتثاث الإرهاب والتطرف،والتأكيد على أهمية التعايش السلمي، ولابد أن يكون البديل عن الضعف هو تفعيل مجلس الأمن وإلزام الدول الكبرى على تأكيد حقيقة الوجود ومصيره الموحد والمرتبط بوقف الحروب وانتشار الأسلحة المحرمة ومكافحة الإرهاب والتعريف بالحريات وأزمة حقوق الإنسان وانتهاكاتها، وإن تحقيق السلام العالمي يعد مرتكزاً رئيسياً من مرتكزات تحقيق رسالة المعرفة.

وما يعنيه المعرفيون بوحدة الوجود على خلاف آراء المتصوفين عنها هو الوجود الذي أينع الكائنات المختلفة، حيث أدى هذا التفاعل والتمازج لحدوث ما يسمى بالتطور والتغير المستمر فيجدون أن الحب هو نتاج هذا التفاعل المستمر وهو المحرك الذي يقود الإنسان باتجاه إدراك المزيد الذي لا يتوقف عن التناسل، هذا المزيد المعرفي الغني والمتشعب والمرتبط بحركة الوجود والكائنات التي عليها، حيث نرد هذا التفاعل إلى الوجود كونه يمثل رب الطاقات بأنواعها، وقد شكل هذا التمازج نوعين من الطاقة أسماهما الإنسان المعرفي, مادة وروح, وهما إفراز عن العمليات المعقدة بين الكائنات والإنسان، والروح هي من الوجود المادي وتفاعلاته ، حيث يرى المعرفيون أن الروح هي احدى أكبر تجليات المادة في الوجود, وامتزاج الطاقتين الروحية والمادية والعكس، هما من ولدتا الرغبة في سبر الوجود وجماله المنظم الهندسي، وضمان لبقاء الإنسان واستمرار نسله.

والوسائل التي يعتمدها المعرفيون في نشر أفكارهم، وسائلٌ معرفية ترتقي عن أساليب الإكراه والعنف، إنما تعتمد جلَّ الاعتماد على مخزون الإدراك في تفعيل الحوار لأجل ابتكار الرؤى والأفكار الجديدة،وما المعرفة سوى أفكار تسمو بالحب عن الأطر الإيديولوجية الهدامة، والتي يسعى لنشرها دعاة الجهالة والإقصاء، فالوسائل المعرفية تعتمد على إثارة الاختلاف لبيان الأفضل وتنبذ الإقصاء، فإثارة التساؤلات والرؤى الجديدة هو جل ما يتأمله المعرفيون في مسيرة النشء الواعدة، فهم معنيون بالوجود أينما وجدوا في ظل رابطة واحدة، يتحرك فيها الزمن وفق حركتهم وتفاعلهم بالمكان، حيث لا يسلم الوطن بالتصدع، ولا يسلم بخراب وطن مجاور.

والحقيقة التي يتزعمها البشر نسبية إزاء سبرهم للوجود المطلق المتجلي بالمعرفة المطلقة, وكل دعاة الصراع بين الحضارات أسسوا أرضية الصراع من خلال مفاهيم مبتدعة لأغراض تتعلق بالسيطرة على الموارد ،وقد استلبت مفاهيم الصراع من جملة ظروف وتداعيات تختلف من بقعة لأخرى في الوجود,والحقيقة التي تضمن الأمن للحياة هي في تحقيق رسالة المعرفة, وبيان الغطاء الخادع لمسوغات الصراع الدموي لأجل الصراع وإفناء الوجود وتفريغ محتوى ظاهرة (الاستشهاد) واستخدامه لمآرب ونزوات الحكام والتلاعب بمعيار الشهادة أو نقيضها الخيانة،حسب مقتضيات إيديولوجية نفعية، وقد تم إفراغ قيمة الشهادة التي تعني الشرف من محتواها, في حين تكون الشهادة بمثابة القيمة المعرفية العليا لكل معرفي دفع حياته لأجل رقي وطنه وتحريره من ربقة الخنوع وبيان الاستشهاد كقيمة معرفية وطنية وجودية وحمايتها من أن تكون مفهوماً مسيساً بين أيدي المتلاعبين بالقيم واستخدامها خدمة للمنافع الأنانية، مثال ذلك تنظيم القاعدة وما يقومه من غسل أدمغة الشباب والإيحاء لهم بأن موتهم يعد قيمة سماوية يكافئون عليها بوعد الجنة.

حيث يرى المعرفيون الاستشهاد ظاهرة معرفية كبرى تعد أساساً عملياً لكل نهضة، تعد بمثابة البدل والثمن الذي لا بد من دفعه لدفع التخلف والاضطهاد، ويجدونها أساس تقدم الحياة ومفاهيم الرقي التي جعلت البشرية تنتقل من طور العبودية والخضوع إلى طور الحرية والمجد، حيث أن الشهادة ليست مطية بيد جماعات الموت الذين سببوا الإبادات الإنسانية إزاء المنافع الاحتكارية وحروبه التي تشن ضد الشعوب، فهي القيمة الأسمى .

لقد أخذ اصطلاح الشهادة ماهيته من الدين , فالأديان حمت مفهوم الشهادة كقيمة مدافعة عن العقيدة من الزوال والاندثار، من ثم انتقلت إلى شتى الفئات والجماعات والأحزاب والأمم لتأخذ رمزية ترتبط بأهداف الجماعة المتواجدة على رقعة جغرافية محددة، والمدافعة عن وجودها من الاستعباد،فالمعرفي وحده الخالد من خلال الأثر الذي يتركه في حياة أمته وما يرافقها من تأثيرات على الأمم الأخرى والعالم،فالمصباح الكهربائي ثورة معرفية تعود لمخترعها (توماس أديسون105)، ووصول المسرح إلى دمشق كان إثر محاولات (أبي خليل القباني106) ودفعه الثمن لإيجاد المسرح وهكذا.

فالمعرفي برهن على فعل المنْجَز،بدوام فضل المنجز المبتكر في تطور الحياة، ومن خلال محو الحواجز بين المعرفيين انطلاقاً من الرقعة المحلية لتمد إشعاعها وتأثيرها نحو العالمية، فاللغة خلقت التفاعل بين المزيج في ظل الجغرافيا,وهي أداة تعبير وتواصل لتحقيق مصالح الناطقين بتلك اللغة وتعلمها واجب جمالي حيوي، أما الذوبان باللغة الأقوى أو المسيطرة هو شكل من أشكال مناهضة التنوع والإذعان لسلطة الأقوى وهي وسيلة تواصل وتخاطب للوصول للمدنية الطبيعية، من خلال التخلص من آليات الخطاب المبتذل الذي يحرص على التهويم والإيغال في التجهيل ،والتي كانت مطية للحروب ولبث الخواء والإيمان بالوهم الغيبي ، فاختلاف التفسير هو ما يتبع ويرادف عملية نشر الفلسفة وهنا لابد من اتيان الواضح لا الملتبس في المفهوم والاصطلاح أو الفكر كي لا تذهب لأسر التشويه والحط من قيمة الفكر المعلن، كما تعرضت الكثير من العقائد لسوء الممارسة والتصرف، كما لابد من التخلص من المفاهيم التي تحرض على الاقتتال والتنازع والتخريب الذي يمس الوجود برمته ويشوهه ، فلا يوجد عرق منتصر على عرق بقدر ما هنالك حقيقة على قوة العقل المعرفي في دخوله لحرم الإبداع والممارسة وإبداء الجهد واتحاد الذكاء النظري بالعملي,من خلال تضافر الإمكانات في ظل الوجود، وتفعيل ذلك في سبيل التمثل بالقيم الطبيعية للحياة نحو نظرة متجلية وراقية لها،نحو مبدأ جامع يحمي الوجود والكائنات من الدمار والحروب والكوراث الطبيعية.

لقد انطلق المعرفي من إيمانه بذاته وإخلاصاً لمدركاته في الوجود، فلا تعارض بين المفاهيم الذاتية والموضوعية ، إنهما صلتا وصل طبيعية لسبر الحقيقة المعرفية المطلقة المتمثلة بوحدة الوجود.

وحدة الوجود الذي ندركه ونستشفه في الواقع المتكامل سياسياً واقتصادياً وثقافياً واستراتيجياً، ومدى تأثير الظواهر على الكوكب وما تطرأ عليه من تطورات تبدأ من بقعة لتنتشر إلى بقاع أخرى ، وتعدد الظواهر دليل وحدة الوجود فحين تتأثر بقعة ما في الوجود يبدأ التأثير للجوار المحيط وتتسع حسب شدة عمق الأزمة لتنتقل تدريجياً ، لذا يدرك المعرفيون حقيقة الوجود من خلال إدراكه كوحدة كلية شاملة ، فهم يؤمنون بالروح كعنصر وليد عن الحركة المادية المعقدة بين الإنسان والمحيط الوجودي المتفاعل برمته، فتطور المجتمع البشري ناشئ عن هذه التناقضات ، وليس المعرفيون في خضم هذا حزباً او تياراً أو أصحاب معتقد صوفي ، إنهم من آمن باستقلالية المعرفة عن كافة التصورات العدائية الضيقة التي أهانت قدسية الوجود، والمؤمنون بمكافحة التطرف والاحتكار وعنف السلطة من خلال نشر ثقافة الاختلاف المبنية على قاعدة الحب.

والوجود في رحلة الصراع الطويلة لأجل انتزاع حقوق الإنسان من تقرير مصير وكينونة وبحث عن الحرية الكامنة بممارسة حرية الإرادة والانعتاق من أسر الإقصائيين هو صراع كل المعرفيين لأجل تقرير مصائر الشعوب وضمان تماسكها من خلال حريتها واستقلالية مشروعها.

ولابد من تكريس مفاهيم خارجة عن الأطر الكلاسيكية التي غيبت دور ومنطق العقل الناقد وكبلته طويلاً، وهذه المفاهيم ينبغي أن تنبع من الإرادة المجتمعية في ظل مجتمع يؤمن أفراده بالتنوع الذي هو عليه ويؤمن بضرورة إزالة الحواجز بين الدول والأقاليم من خلال التجانس والبعد عن الإقصاء والشوفينية، حيث تسعد المجتمعات المعرفية من خلال ممارسة الاختلاف عبر طرح مشاريع اقتصادية تنموية وتبادل ثقافي، تسهم به الشعوب لتبني وجودها وليس لأجل إقامة مصالح اقتصادية أنانية احتكارية تقام وتشيَّد على حساب تصفية الشعوب وهنا يكمن دور المعرفيين بأن يكونوا نواة حقيقية لمجتمع معرفي يؤمن بممارسة الحياة العصرية.

إن تنبه الدول واحتجاحها على استخدام الأسلحة المحرمة من خلال شن الهجوم على مستخدميها واجب معرفي يقع على عاتق الدول الكبرى لمنع تخريب الوجود برمته ، لأن الجزء يتأثر بالكل والعكس، والحضارة ظهرت على يد الإنسان المعرفي المقتدر، ولكن يرافق الإنجاز دوماً أيدي خفية تحتكر هذا المنجز وتسخره كوسيلة لإبادة شعب أو حضارة، والأفكار الخيرة الكامنة في فطرية المجتمعات هي من تفعل وتنتصر،وبطبيعة الفعل المعرفي فإن المعرفيين يطمحون لسلطة تمثل المجتمع وتنسجم مع منافعه وقيمه وتؤهل في الإنسان الفاشل قيمة التفوق والنجاح وتدعمه ، سلطة تجسد جدة الأفكار ، وتنسجم مع التطلعات الراقية لشعوبها لدوام الارتقاء المادي الروحي المرتبطين ببلوغ المعرفة التي يعنى المعرفيون بنشرها والتماهي بها من خلال الوجود .

فالأديان والنظريات من إفرازات المعرفيين في تهذيب ومتابعة السلوك البشري وتحسين القدرة التكييفية للتعايش دون ارتكاب العنف الذي يرتكبه الذين يعانون من نقص فائض العاطفة والتوازن الداخلي فأي نظام يحمل صبغة دينية أو قومية إنما يحمل في محتواه الإقصاء، ويناقض التنوع المجتمعي الأثني والديني والقومي فمن الرديئ تعميم نظام معين ذو صفة شمولية على مجتمع متنوع وغني الإمكانات،لأنه يؤجج النعرات بين المجتمع ويؤلبه على بعضه، ونستطيع القول أن الممارسات السلطوية المفرطة في العنف والتكميم ممارسات فردانية تمارس خارج الرقابة المجتمعية، تتمادى بالتقصير في وظيفتها الأخلاقية وتروج للإرهاب الدولي الذي له نتائج خطيرة على تماسك المجتمع وتفتت نسيجه.

لذلك أمكن للمعرفيين تأسيس أنظمة تعددية ديمقراطية للحكم والانفتاح الاقتصادي وفتح المجال للاستثمارات الإنمائية لتحقيق الرفاهية والأفضل للمجتمعات كافة والحد من الفقر والبطالة ما أمكن، وإشراك الإمكانات والطاقات في تدعيم الاقتصادات.

وقد دفع المعرفيون البدل الأكبر في سبيل خلاص مجتمعاتهم من كافة صنوف القهر، إن في السلطة أو الإعلام أو الرياضة والاقتصاد، والثقافة، أو الشؤون العسكرية والاستخباراتية حيث يتجلى تأثيرهم في كل مؤسسات وسلطات الأمم عبر التاريخ، وقد دفعوا ثمن مواقفهم الفكرية والفلسفية من خلال التصفية أو النفي أو التشهير بالخيانة، نذكر الفيلسوف المعرفي (ماني107) الذي عانى شتى أنواع التنكيل والتعذيب على يد الإمبراطور الساساني (شاهبور الثاني108)ونذكر أيضاً (منصور الحلاج109)شهيد المتصوفة الذي يعتبر رمزاً معرفياً عن الحب حيث قضى نحبه بأبشع صورة حيث كانت سلطات محكمة التفتيش الإسلامية له بالمرصاد ، ونذكر أيضاً المعرفي الإيطالي (غيار دانو برونو110) الذي اتهم بالهرطقة سنة 1600م، بعد أن شكل فكره منعطفاً مهماً في عصره، والأسطورة البطل الصيني(بروس لي112) الذي نقل بكل إصرار معرفي أسرار لعبة (الكونغ فو113)من دائرة الحضارة الصينية المنغلقة حينذاك إلى العالم، مما حورب من قبل المتزمتين الصينيين فاستطاع بذلك أن يسجل موقفاً معرفياً والأمثلة لا تحصى عن عظمة وإصرار المعرفيين على وحدة واستقلال شعوبهم وتأثيرهم على الوجود بأسره من المحلية إلى العالمية.

وقد شكل المعرفيون في شتى أنحاء الوجود سياجهم المتين لمحاربة قوى الجهالة المسماة بمحاكم التفتيش التي قتلت أعداداً هائلة من الذين رسموا النهج السليم من خلال أفكارهم ومواقفهم، فالوجود يتقدم ويزدهي بمعرفييه ، يتلاشى وينعدم بأنانييه.

ومن الأهمية التعريف بجهود البنَّاءين الذي كان لهم دور في إيلاء الإنسان بكل ماهو نبيل وقيَم من خلال ربط الأخلاق بالإبداع والنظام، والتشبث بالمضامين الجوهرية للحياة .

والمعرفيون يؤمنون بالفلسفة المعرفية المنبثقة عن وحدة الوجود وهم يجدون في ذواتهم رموزاً حية عن الإنسان الجديد الذي برهن دوماً على حقيقة القيم، وقدرته على تطوير الوطن من خلال استثماره لأدواته وتفعيل إمكاناته ، إنها نظرية ترتقي عن كونها جملة تصورات مثالية، لتصبح أسساً عملية سلوكية يعتمدها المعرفيون لتفادي الحروب وأنموذجات السلطة المتعفنة التي قوضت الإرادة المعرفية وجرَّت البشرية لويلات الحروب والمجاعات وإنشاء ترسانات الاسلحة البيولوجية ، ولأجل إحداث إدارات معرفية حقيقية تعبر عن جوهر المجتمع وقيمه، تجد في قراءة أسس بناء الحضارات سبيلاً لإحداث أنظمة حقيقية طبيعية تؤمن بوجود طبيعي متين عماده التشارك والاتحاد بين كافة المجتمعات متجاوزة البعد المحلي والاقليمي والدولي وتعميم أنظمة أكثر اتساعاً وشمولاً وغنى اقتصادياً وسياسياً وثقافياً .

حرية الفكر المعرفي بمواجهة التجهيل الممنهج

التهويم النفسي :

ليس الغوص في الحلم وحده، الهاجس العام للكتابة ، ولا يذهب التخييل لأبعد من نشدان الحقيقة بلبوس فني، فلابد أن نذهب بالبعيد صوب تأكيد الأفكار الحاملة لتكامل وحدة العقل والوجدان، لبيان قيم الإنسان المعرفي،فطبيعة الفكر الجامد يتحلى بنمط من الخمول الذهني والإذعان لسلطة الأقوى المتسلح بالتأثير الديني والخرافي ، حيث أننا نستخلص من خلال المتلازمة التي تجمع بين قسوة الخطاب السلطوي وكوميديا القهر الذي يمتهنه المجتمع بسذاجة وطبيعية لتعطيان لنا قدراً من الأفكار الفلسفية المفيدة عن طبيعة هذه المعاناة المقدرة على أن يحملها أفراد البيئة منذ طفولتهم على نحو القدر الذي جعل من سيزيف حاملاً للصخرة، فبحسب أرسطو فإن هيكل العمل التراجيدي لا ينبغي أن يكون بسيطاً بل معقداً وأن يمثل الحوادث التي تثير الخوف والشفقة

لذلك نجد أن المسعى الحيوي للكتابة يتجلى في تحقيق الأثر في النفس، ربما نقلاً لحصيلة تجارب متعددة، وفتح قنوات للتحاور الأكثر إثارة، ليس ببروز الذات المنفعلة ، بل بإيجاد ذوات متفاعلة، وكذلك الخوض في الأغوار ،فطبيعة التغييرات الاجتماعية التي كانت لمنظومة الدولة القمعية اليد الطولى في بناءه حالت دون مواجهة الانحلال الأخلاقي، الذي جعل المجتمعات تعيش في دوامة الفقر والجهل ، حيث أن طمس الثقافات لصالح بروز ثقافة واحدة، وفئة حاكمة فارضة لهيمنتها جعل مجتمع القاع يبرز أكثر فأكثر، حيث تذهب معالم التماسك والحضارة، لصالح نشوب الفساد بأشكاله في كل مكان، حيث تبقى القيم هنا أسيرة العبث بها، حيث يقف المرتدون عباءة التحزب، والمشغولون بتلفيق المفاهيم التبريرية لصالح الحزب الشمولي، الذي يلتف حوله عادة ، طغمة من المريدين الحمقى، ممن شربوا من آبار الوهم والانقياد والاصطفاف التبعي إلى جانب المصالح والمناصب، أمام الحب ورغبة التغيير في التصدي للتطرف العقائدي البغيض، الذي يعد جهة قمع أكثر فساداً ، وتعد بمثابة الدولة التي توجد داخل الدولة القمعية الشاملة، فبدلاً من أن تؤدي وظيفتها المفترضة، الدقيقة والموضوعية في تنظيم الجماهير والنخب الشابة، تقف عائقاً خشناً إزاء عواطف الأفراد وشؤونهم، باسم الشعارات الجوفاء التي لا تمت بصلة للواقع المعاش، مستخدمة التهويم النفسيوهو ضربٌ من ضروب العبث والتأثير بالشباب غير الناضج، ليكون آلة تلقائية تتلقى الأوامر على نحو غرائزي تعويدي، مستخدمة الشعارات والخطابات، المليئة بالوعود والآمال، وذلك بزجهم في أتون أحلام طوباوية تعمل على إماتة التفكير النقدي الحر في أرواح

. مريديها وتلامذتها، للحيلولة دون تجاوزهم لذلك القالب.

وبذلك نجد التهويم ، النسيج الأكثر متانة الذي يلتف حول جماهير مسحوقة ، تعيش بين مطرقة السلطة الشمولية القامعة، وسندان الأحزاب الشمولية المرتدية عباءتي الموالاة والمعارضة،فهنا كشف صريح لإشكالية التنظيم وسلبيات الفكر الإيديولوجي الذي يتعمد بهالة الشعارات، ودغدغة مشاعر الجماهير البسيطة، والتي تغذت تاريخياً من طقوس الأديان في تقديس نصوصها وتقاليدها والخضوع لزعماءها وشيوخها، الأمر الذي لا يستسيغه الفكر الحر، ويعتبره من أهم المعوقات التي تقف في طريق النهضة المعرفية والفكر الحر في كافة أنحاء الوجود الهندسي، كونه يعمد أبداً إلى قولبة كل ماهو غير قابل للتحنط والجمود ومثالاً الحب والعلاقة الطبيعية بين الرجل والمرأة، كل ذلك انتصاراً لنرجسية فكر الزعيم الملهم، حيث تقف إرادة الفرد المعرفي ضد بواعث الخطر والدمار الذي من الممكن أن ينجم عن التنظيم السلبي وعدم استيعاب طاقات الشباب الذهنية، عبر الاكتفاء بزجهم في صراعات داخلية تفرغ الطاقة الإبداعية منهم وتسلبهم طمأنينة الحياة الأفضل،وكذلك فإن بحث تجارب المجتمعات في مواجهتها لقوى التهويم والجشع الربحي يعطي حقيقة مفادها، أن ثمة ذلك الصراع الرهيب بين قوى المعرفة التي تصون القيم مقابل قيم تعتاش على زوال تلك القيم التي تشكل عماد بقاء تماسك المجتمعات ورقيها باتجاه المزيد من التقدم والحضارة، فخروج الأفراد أو المجموعات داخل حزب معين وتشكيل حزب آخر، أربك من فعالية الثقة والانجاز، حيث جعلت الفئات النزيهة تلجأ إلى الاعتزال السياسي، الذي يسهم في طبيعة الحال إلى نشوب حالة أشبه بالجنون والزهد، فبروز الصراع الداخلي خنق في الفئة الشابة أسمى مواهبها، في إدارة مناحي الحياة، فبرزت معالم الاغتراب بقوة ، وجرى الانقسام في بنى المجتمع وترهل فئاته وشرائحة الشابة نحو كواليس الانزواء والتحلل والضياع، حيث الاغتراب الفردي، ومرد تلك الانشقاقات هي تقليدية الفكر، وجفاف الروح الابداعية، وتسلط المتنفذين والانتهازيين وتوغلهم في كل تنظيم ، هذا ما جعلها في النهاية، أسيرة الفوضى والتبعية، وجعلت الشباب من أبرز ضحايا الانقسام الدائم،ناهيك عن الديكتاتورية والتفرد في الحكم، أي الزعاماتية في منطق المجتمع الأبوي الذي تجلى في بنية الحزب الشمولي، وغياب أدوار الشباب المعرفي في التغيير والعمل عليه، كل ذلك قاد المجتمع إلى الفوضى، وانسداد آفاق الحل ، إزاء عجز النظم الشمولية، عن تقديم الحلول والبدائل العملية ، فالأنشطة السياسية، باتت مشاريعاً ربحية ، تصب في خدمة الفئة الخفية المتحكمة في بنية وقرارات الحزب، وغياب الديمقراطية الجوهرية، جعل فئات الجماهير تسير دون وعي بحقيقة مسعاها، ومبتغاها الأصلي، غير دارية بحقيقة الفئات التي تقودها، حيث تتجلى الفوقية والاتكالية، وبروز الأنانية والتجهيل الكلي ، والتجاهل لرغبات الشباب وهممهم، وعدم احتواءهم لطاقات الشباب ، أو مراعاة طموحاتهم وأفكارهم الجديدة في التغيير والبناء، إلى جانب تفكك الأصدقاء وكذلك الأسر نتيجة طغيان الجهل والفقر، إلى جانب التنقل بحكم الظروف، فمن آخر يغيبه الأمن إلى آخرين يعيشون حالة الاغتراب التي عمت في النفس وتأصلت في ظل انعدام الحرية والاختيار،وكذلك فإن ابتعاد الفرد عن طبيعته ، ونكران رغباته، هو مواكب في الآن ذاته إلى سعي التنظيمات الشمولية لتفريغ محتوى وطاقات أفرادها من أي إرادة في الاختيار أو النقد الحقيقي، وكذاك ابتعاد التنظيم عن غاياته التي جاء من أجلها، حيث نشأ ذلك التباعد فيما بين الأجيال، وهذا أربك من فعالية التفكير النقدي وشتت الإبداعات، واحتمالية ظهورها، الأمر الذي جعل الأفراد في حالات نفور وعدم التقاء فيما بينهم، وعم الاغتراب كافة الأوساط، وبات الناس أشبه بفوارغ رصاص متناثرة على الأرض، فالحديث عن ذلك التناقض في الشخصية والعدول عن المبادئ والمثل في لحظة سلوك تكشف عن طبيعة ذلك العقل الرافض لاستقبال الأفكار الجيدة، بل ويصر على تمثل تلك الأفكار على نحو مزاعم بائسة مزيفة، جعلت المجتمع يعيش في أسر

. القوالب أو المتاهات الموغلة بالضبابية

: المجتمع والفساد الإيديولوجي كوردستانياً

،تجسيد الإخفاق في صيانة الحب، هو إبراز لحصار المجتمع، وإحكام قيود التجهيل حوله، ليسهم هذا التباعد الأسري بمزيد من الانحلال وضياع الروابط الطبيعية بين فئاته وشرائحه، وكذلك إشارة إلى إفلاس مؤسساته وتنظيماته في ظل ذلك الخراب، وغياب مشروعها القائم في التغيير المزعوم، والذود عن أهدافها لتصبح المنفعة المادية، الغاية التي تبرر وجودها، بل ولعلها تستفيد من تهويمها النفسي للمجتمع وتغييب معرفييه على الدوام، عبر محاربتهم وتهميشهم،كما تفعل المنظومة القمعية الحاكمة، حيث يتعاظم هذا الوباء والاستمرار في الأخطاء، لدرجة يعم الاغتراب بصوره الفردية والجمعية الفرد والمجتمع ككل، حيث أن ربط

: ضياع الحب بضياع الحقوق السياسية هو لإيصال رسائل مفادها ما يلي

بيان أن التحرر الاجتماعي متوقف على ضمان الحقوق السياسية وتجسيد الهوية القومية

. الغائصة في أوحال الاغتراب والتبعية والانطماس

تجسيد أساليب السلطة القامعة ، الحريصة على إذكاء مظاهر الكراهية داخل المجتمع، عبر

.زجها في بوتقة الجهل والخرافة والفقر

مكافحة النخبة المعرفية الشابة، وتقويضها، عبر دفعها لصدامات نفسية بينها وبين العائلة

وتصفيتهم روحياً وفكرياً، واستنزافهم عبر الحفاظ على التقاليد القائمة على أساس المنفعة

. والأنانية والاستبداد

إظهار بؤس الجانب التربوي ، وانعدام وجود آليات إصلاحية جديدة، تحد من التجاوزات

. التي يتعرض لها الأطفال ، إن في المدرسة، أو خارجها

فساد التنظيمات الحاملة في ذهنيتها روح الانشقاق والعجز عن مواكبة تطلعات الشعب، في

نهضته وحريته، وسلوكها مسلكاً منسجماً مع السلطة التي تعارضها، عبر إقصاءها للشباب

. الساعي إلى التغيير الجوهري

تجسيد طبيعة المجتمع الذكوري، والنظام الأبوي، الذي اعتمدته قيادات الأحزاب

الكوردستانية في سوريا، ومالها من رواسب ونتائج على شريحة الشباب، استناداً لشعارات واهية يطلقها رواد نظرية المؤامرة، بين حين وآخر لتغطية إفلاسهم الفكري وجهالتهم

.الواضحة

ونجد سيطرة العلاقات الانتفاعية إلى جانب الحاجة المتراكمة والألم العميق، حيث صعوبة الحياة والفقر وفساد المؤسسات وطغيان الاستبداد، في العائلة والمدرسة، حيث أن فساد المؤسسة التربوية بشقيها المتعلق بالتأهيل والتعليم، جعل الأفراد في حالة تشرذم ، والعائلة في حالة تمزق، حيث يعم التخويف والتسلط والاستبداد بين الأفراد، ويسهم العنف في تفكك المنظومة الأسرية، وتباعدها، الأمر الذي يصل بهذه المجتمعات إلى سلوك نوع من الإجرام الذاتي أو الموجه للآخر، فالحديث عن مسار العنف ومآلاته في واقع الشرق الأوسط، يقودنا إلى تنقيب عميق السبر لتلك الظاهرة، التي خلّفت أضراراً وخيمة على المجتمعات، حيث يُعتبر العنف خبزها وملاذها، ومما لاشك فيه ، فإن للعنف تفرعات تاريخية، اجتماعية، نفسية وسلطوية، تجعل المجتمع أفراداً وتنظيمات، يمارسون هذا العنف، حيث يلعب التصادم والتنازع دوراً كبيراً في تمزيق العائلة وتفككها، ويؤصل من السلطة القامعة في دوام تسلطها، وتحكمها بالعقول، عبر زرع الخوف وتربيته في الأجيال عن طريق المدرسة، حيث كانت ظاهرة العنف تجاه الأطفال شائعة، في كل مؤسسة تربوية، حتى أن قوانين منع العنف تجاه الأطفال، ظلت شكلية، فلم يتوقف استغلالهم بمختلف الأشكال، فجملة الاضطرابات النفسية ، لعبت دورها في تحوير سلوك الفرد ، ليمارس دوراً سلبياً في مناحي حياته، فإبقاء المؤسسة التربوية في فشل ذريع، هو من مهام النظم الشمولية المستبدة،

.حيث أن العائلة كإطار مصغر يمثل مخفر أمني، مصغر للتحكم بالأطفال منذ نشأتهم

زيادة نسبة التجهيل والأمية، توريط الشرائح المعدمة، بداء العنف والتسلط، يوقع المجتمع في ظل أسر وعزلة خانقة، لهذا بتنا نجد التطرف الديني والقومي بوجهه الشوفيني، قد حقق نتائج كارثية في صناعة العقل المعتقل، حيث جعلت الناس تعيش في متلازمة السادية والمازوشية في آن معاً، ونجد بالمقابل منها سلطة تستميت وتحرق الأخضر واليابس، لأجل بقاءها في الحكم، وما الإشارة إلى العنف الأسري، الفشل المتخمض عنه، إلا شكلاً صارخاً من أشكال نقد السلطة القامعة، حيث انعدام المساواة والضوابط التربوية التي تحدد نمط تنشئة الإنسان منذ طفولته، وكذلك ضياع المرأة بين فكي كماشة العزلة والشعور الدائم بالعوز، وهذا ما ينجم عنه ذلك السبات القهري الذي تعاني منه الأمومة ، في مراحل تربيتها للأطفال، فنحن أمام أورام وعيوب تاريخية طالت المجتمع بمؤسساته الفاسدة، جعلت المرأة مدجنة، بأشكال جديدة، اتخذت تغييراً بوضع عبوديتها، بلبوس ناعم يشي بتحرر شكلي، لا يتعدى من كونها بشكل أو بآخر مستعبدة للذكورة الانتفاعية،حيث لا يمكن فسخ هذا التعاقد السلطوي الجائر ما بين أعلى الهرم وأسفله، بمجرد وضع نظرية طوباوية، بادعاء أنه يمكن إشادة عقد إجتماعي مبني على سلطة ذاتية منطلقة من الشعب، وليست مفروضة فرضاً عليه من الأعلى، حسب التسلسل التنظيمي، حيث أن العقد هو بذرة يمكن أن نساعد على تفتحها برعايتها فكرياً، وليس بإيهام الجماهير أنها ممكن أن تكون نظاماً من وحي القائد الملهم، بل إنها في الحقيقة تبنى بناء على إيحاء عام تشترك فيه فئات الجماهير قاطبة، عبر مراحل، وسياقات فكرية متنوعة، تستمد متانتها من التلاقح بين الألوان والأطياف الاجتماعية ، على اختلاف وعيها وموقعها الطبقي، بعد إزالة قيود الذكورة المتأصلة في

. النفوس، والتي تشي بالمزيد من المعضلات السلطوية الاجتماعية على نحو مركب

: جدلية الإنسان والمكان

إن التنقيب عن القيمة المستنبطة من إرث العلاقة بين الإنسان والمكان، فحواها أنه ما من قوة يمكنها قطع تلك الصلات الخفية بين الذات والجذور،لأنها بمثابة تطلع حكيم لحياة أبهى، ففي معيار الفن والعمل المبدع، تتغير كلياً النظرة نحو الزمان والمكان منها إلى الواقع ، فهي تجسد طرق الصراع بين البشر في إطار المنافع والمفاهيم على نحو متزامن ،حيث يتردد في ذهن الفرد تحقق إرادته التي يعتبرها انتصاراً لجزئية بسيطة من العدالة، في حين يجد المقابل، أن الإنصاف لم يتحقق بسبب اللهث فقط لتحقيق تلك الجزئية ، لطالما أن مشكلة الوجود عصية الفهم وفقاً لغريزة الموت والبقاء،حيث يشعر الفرد بفرديته من خلال تفكيره التأملي المفضي إلى التحليق أكثر، بمعنى أن المعاني المترسخة في الذهن ما تلبث أن تتحول لسلطة تفرض نفسها على الكينونة وتلزمها على خوض المعترك إلى النهاية، والنهاية هنا هي النتيجة البعيدة، المستقاة من تجارب تمارس في الذهن للدفع بالأفكار للترسل أكثر وهذا ما نعنيه بالفن، الذي يتماهى مع الوجود والنفس، من خلال الآخرين وسكناتهم، ويذهب للبعيد للتخلص من كل قيد أو قانون يقيد من حرية الحركة العقلية داخل الذهن المتوقد معرفة، لهذا نجد أن تلك الطاقة يستمدها المعرفي من تعلقه بالوجود، عبر أطواره الأولى ومنها إلى النضج المستدام، ومع بروز هذا التفكير وصعوده، يكمن ذلك التساؤل الرامي لممارسة فنون الحياة المتوارية، والتي يسعى المعرفي المبدع لكشفها، من خلال أدواته الخامة، يمكن القول أنها أولى محاولات المرء للانعتاق من تلك القيود المنفعية التي تحصل نتيجة تعاقد حتمي ما بين السلطة والمجتمع الأبوي،حيث نتفاجئ بهذا الوضوح المفعم في الكشف عن ماهية التأمل وقدرته على اقتحام الذهن وتطويقه بكل شحنات الدفق المستمر بالتفكير غير الخاضع لكل الأحكام المسبقة التي من صنعها تعطيل هذا التوقد، نحن أمام ذاتية تتماهى أمام حقيقة الفناء الواضحة وهي أن الجسد يترهل وينخره الدود، وبذلك فخيار المرء المتبصر كامن في انتقاء المعنى الذي من أجله يعيش بجمالية منتقاة وحدس فني، ومعايير قائمة على الحب ومتانة التعلق ما بين الإنسان والمكان،فعبرها يتشكل الوعي المعرفي ويتم صقله ،فكل الجهود التي يبذلها الإنسان على مسرح المكان تنتهي بهذا الفناء الذي يتحدث عنه المرء حين تأمله لجسده، وبذلك فهو يرى أن كل تلك الجهود ينتج عنها المزيد من الضحك والغموض، حيث أن إدراك جوهر الفناء أمر عصي على الفهم، بل سيقود لأبواب مسدودة حتماً، وهكذا فإن المرء في سباق مع الزمن، في حراك دائم للسعي إلى الأفضل، في ظل ذلك الزمن القصير الذي يحظى به، لهذا كان الوجود بمثابة المساحة

. المطلقة ليمارس الإنسان فيها فناءه الخاص به

إن ولع الإنسان بالنظام بقدر ولعه بالتدمير أيضاً، وكأن البناء والهدم عمليتان متقابلتان متوازيتان، فلا هدم إن لم تكن النية معقودة على بناء بديل، حيث يستخدم الإنسان كل أدواته لإيجاد موطأ قدم له إلى جانب العديد الساعي إلى استلام الدفة، فالعالم الخاضع لتغييرات جمة وتعقيدات متشعبة، أمسى بمنظور المدرك، عبارة عن كتلة هواجس وأفكار تتناطح فيما بينها، حيث نجد أن المعرفي هو الجدير بتسيد الوجود، لأنه لا يخجل من أن يكون خادماً له

. عبر إعمال الوجدان والعقل على نحو منتظم

برز الخداع كمذهب فردي وتنظيمي، وشاع ليغطي على أكثر الأعمال مثالية، فالتلاعب لا يتوقف في ظل دوام غفلة الناس وتجويعها، ومحاصرتها فكرياً، وإشغالها بتقديم طقوس الطاعة والولاء للأشخاص المرؤوسين، لهذا فحتى صياغة القوانين المدنية لا تشفع لمجتمعات اعتادت على الخضوع والولاء للأقوى الباطش،وحروب السلطة لا حصر لها، فيما لو واكبنا حقيقة الصراعات بين البشر تحت مسميات بريئة، تقود لأفعال غير بريئة،حيث لا ثوابت في الممارسة الشمولية للسياسة، سوى بدوام الارتزاق ولا حرية في ظل القيود ، ثمة دائماً تآمر يتم بمعزل عن الآخرين الذين يعملون وفق قناعاتهم الطبيعية التي جاؤوا لممارستها،يتحرك أي نظام شمولي بفاعلية بسبب وجود الغافلين عن مكر ودهاء الساسة المتصدرين المراكز العليا، كونهم يتحركون حسب اعتقادهم بأهداف ما جاؤوا لأجله، ويموتون في سبيله، لكنهم بطبيعة الحال يخدمون الفئة المتحكمة في كل شيء فهم وقود كل الحروب عبر التاريخ ،هم تلك الفئات الغافلة التي تقاتل لأهداف معينة انقادت إليها على نحو عاطفي ووفق إطار ضيق، لهذا أضحت تلك الحروب تقاليداً تزعم الخلاص، باتت تحتفل بالموت وصخب الزغاريد المواكبة لمشي الجنائز، وهكذا نجد أن حقيقة التنازع تتصدر نمط عيش الفئات المعانية من رداءة المنهج والمسار، وانعدام المنطق والاجتهاد، ولعل ذلك الميل للسلطة المطلقة، هو ما جعل الفساد السلطوي أصلاً لأي فساد اجتماعي أو أخلاقي أو ثقافي، ولاسبيل لتجاوز ذلك إلا عبر الاعتراف به، والعمل على درءه ، فالسلوك الأناني ما يلبث أن يسيطر على تصرفات الأفراد من خلال السلطة المنحازة للثروة وتحصيلها من قوت المجموع البائس، ففي ظل غياب الفكر المنظم والمعرفة الخلاقة، تتجلى العقبات الواضحة في طريق نهضة المعرفيين وتطلعاتهم نحو الغد، الأمر الذي يجعل مستقبل الأجيال على المحك، حيث لا يمكن انهاء الفساد من جذوره ، ولكن يمكن الحد من مخاطره ما أمكن، لقد بات الفساد عاملاً لقتل الأحلام والتطلعات الفتية،ولعل الفساد هو رب التنظيمات والسلطات في الشرق الأوسط والعالم العربي، ومرد ذلك يعود لطغيان القمع بشكل ممنهج عبر تطعيمه بمبررات دينية ، قومية، مذهبية، الأمر الذي جعل من الصعب إنقاذ المجتمع من هذه الفوضى، وحتى تلك الحركات المضادة لتلك السلطات الفاسدة عاجزة عن إسقاطه، لارتهانها لقوى خارجية ذات أجندات معينة، وتجربة الربيع العربي خير شاهد على ذلك، فكانت بمثابة جرس الإنذار الذي لا يتوقف عن إصدار الرنين، بين شعوب صمّت آذانها عن سماعه، وسلطات غيبت السمع عن جماهيرها المعلقة في الهواء، فالسعي إلى السيطرة والتفرد هو جزء من آفة التفكير الشرق أوسطي،ولعل ذلك يعتبر المعطل الحقيقي لبروز أي نهضة تنويرية ذات فاعلية وتأثير، ولعل القمع والاعتقال والإبعاد هو من نصيب المعرفيين الذين لا يكفون عن بيان عيوب السلطة ودورها السلبي على الحياة والمستقبل.

ولعل المكر الايديولوجي المرتدي شعائر الاشتراكية والمساواة، بات ضلعاً في الجريمة المنظمة بحق المجتمع وفئته الشابة، فأن تتحول القناعات الطبيعية إلى مجرد أقاويل وخطابات رنانة، معناه أن الإنسان لا يملك سوى أن ينساق للاكتئاب والعزلة، مما يجعل من نفسه أسير حلقة مغلقة، وماحوله يعمدون إلى البطش والترهيب والتخوين، ليتسع الشرخ بين العائلة وبين الرجل والمرأة أكثر فأكثر، حيث لا تعاطف ولا وئام، إنما تأجيج مستدام للعنف والتباعد الإنساني.

حول الشرق الأوسط وسبل الحل

إن الفعل المعرفي المدرك هو الذي لا يستسلم لدغدغات الخرافة ويعمل على التحرر من قيودها، كما أن الإنجاز النهضوي يرقى بالمجتمعات وينقلها من طور الغيبوبة إلى طور النماء والتجلي، وبالرغم من تفشي التطرف في أوساط المجتمعات المحاصرة بأغلال الحرب وتفشي أزمة السلطة القمعية فيها فإن أدوار المعرفيين فيها هائلة وحقيقية، فقد دأب العقل الشرق أوسطي على التكاسل والتحلق حول طاولة الماضي, وتلاشى رويداً رويداً أمام صناعة العنف المقدس وإعادة إنتاجه بما يخدم أصحاب المشاريع، ممن يعدُّون أنفسهم ورثة شرعيين لأراضي شاسعة لا يمكن لشعوبها فيها أن يوطدوا دعائم حكم مستقر وعادل ومزدهر، فحرصوا على إغواء تلك الشعوب عبر تاريخ هش يرتكز على الأخطاء السلطوية والصراع بين الأكثرية التي ترى نفسها حاكمة وتستند إلى ميراث من الهيمنة في الحكم تاريخياً وبين الأقلية التي وجدت نفسها في العبودية والتبعية والإلحاق، والذي وطد التصارع بين الحقوق القومية التاريخية، وتم تغذية العقول بالقداسة الشاذة وتوطيد الورم السرطاني داخل الأدمغة الشرق أوسطية والعالم العربي، لتبقى تلك الشعوب رازحة بمخيلتها ولاشعورها الجمعي بين فكي كماشة التطرف الديني والطائفي الذي ينحو منحى استعداء كل جديد وبين التحلُّق عبر إيديولوجيات الأحزاب الشمولية التي تقتات على الشعارات التصوفية وتمجيد الزعامة بروح قبلية وتأليه الموت، لتكون بديلاً وامتداداً للنظم المتهالكة التي بات سقوطها واقعاُ محتملاً، فالتطرف المتجسد بين حالتين أصولية مقابل ما يضادها اليسارية التجديدية نتاج تلاقح مشوه أنجب جنيناً معاقاً ينازع الموت باستمرار لأجل لعب دوره الجديد في إخصاء وتهجير أصحاب الملكات من شعوبها التي تعاني المرارة جراء تفكك خلاياها ببطء، مما يستدعي بالمعرفيين المتنبهين , التمسك بزمام التأثير الفعلي الإيجابي إزاء صراع مفروض عليهم يهدّد وجودهم،حيث أن تفشي الدعارة الفكرية والسياسية تحديداً بين الجماهير،فرض واقعاً مستفزاً وسلبياً على جميع الصعد , ولاشك أن أعقد المهام التي تسقط على كاهل المعرفي في أن يقود دفة التعقل والاتزان في أحلك المراحل والفترات.

إن العالم اليوم يسعى للارتباط الكوني بعضه ببعض عبر الإعلام والتكنولوجيا الحديثة وقنوات التواصل الاجتماعي العديدة وذلك يبرهن على أن الحدود بين الشعوب هي حدود سياسية منفعية بحتة،إذ لا حدود بين عقل وعقل، بين نهضة وأخرى من هنا أمكن لنا الحديث عن المعرفيين وأدوارهم الجديدة التي لابد وأن تظهر لحماية الوجود من التخريب ورواسب الإبادة الثقافية والمجتمعية،حيث أن الواقع الذي بات يعبر عن نفسه بمظاهر التسلح في الشرق الأوسط مرده رداءة السلطة وتبعيتها، وعشعشة التصورات الإيديولوجية التي غيبت عقول الجماهير وقوضت مدركاتها عبر تمركز الحكم الطائفي والقومي والديني الذي بفعله عمّق المشاكل والهوة بين كافة المكونات،وهكذا يبقى المعرفي هو المستهدف والمستبعد والملاحق بكافة الوسائل وذلك ما يعوق الأداء الاجتماعي ويسهم في تفتيت العوامل الحية لدى كل مجتمع، ناهيك من أن الأزمات المركزية التي تعانيها المجتمعات المنكوبة بسبب الحرب، تطال كل مؤسسة متحضرة وبذلك فعدوى تلك الازمات ما يلبث أن تظهر ملامحها في البقاع المتحضرة أيضاَ ولو كانت بعيدة جغرافيا عن ما يحصل (انفجار باريس) ، فظاهرة التطرف ليست وليدة العصر الحاضر بقدر ما هي شرارة تم إذكاءها بمنهجية في ذوات العقول التي كان الفراغ وكانت البطالة تحاصرها ما لبث أن وجدت ما يملئ عليها الفراغ عبر زجها في قوالب أكثر شناعة، عبر التنظيمات الجهادية التي بدأت تنشر ويلات الفزع والرعب(داعش)(تنظيم الذئاب الرمادية) (حماسحزب الله)، لتملئ الحياة شغباً وفوضى ودماء، مما يعني أنه من الاستحالة خلق حياة عصرية بنمط من التجاهل لأزمات الشعوب المنكوبة التي لم تكف عن عيش أدوار الضحية بصورة مختلفة وعبر مراحل، من خلال ترسيخ الأنظمة القومية الديكتاتورية على طول خارطتها وإنهاكها راهناً بالفوضى ، وإفراغ مساحات أرضها عبر إجبارها على النزوح والهرب عبر موجات الهجرة نحو الشمال (أوروبا)(هجرة السوريين والأفارقة والأفغان في فترة 2015 -2016) فشيوع العنف بمنهجية،أدى لحدوث أزمات لا تنتهي،ولربما غاصت ألماً في ذاكرة الشعوب الهاربة بصورة مأساوية، كل ذلك وعبر مرأى الدول المتحضرة التي كان ولابد الآن أن تتحمل مسؤولياتها في إعادة الاستقرار والأمان للمناطق المتأزمة سياسياً عبر إنهاء حكم الديكتاتوريات ومكافحة التطرف، وكذلك تفعيل أدوات التخاطب والعمل عبر منظمات مدنية تعد جيلاً قوياً قادراً على العمل والبناء، فاستخدام لغة التحريض للعنف وعكس الحقائق وتشويهها،جعلت المجتمعات الشرق أوسطية تعيش في غيبوبة عن الخلاص،حتى أضحت السياسة وسيلة للتشويه والكذب والفساد(كراهية اليهود) (شيطنة الكرد)، وأصبحت التعابير والاصطلاحات الممنهجة في سياقات تهويمية فاسدة وكاسدة، للإيقاع بعقول الشباب في سلسلة تخبطات لا تنتهي إثر التهويم المركز الذي يشل ويضعف من امكانية بروز العقل النقدي،مما تتجلى مظاهر الاغتراب بشكلها المأساوي، لتصبح الهجرة والنزوح عن الموطن خياراً لحماية المتبقى الزهيد والدفاع عنه،إزاء قوى تنشر التطرف بأشكاله، وترفع شعار حيث يعلو الرصاص , يخرس العقل وتجف منابع القلب والفكر،فمهما كانت القضايا على درجة متشابكة من التعقيد والتشعب، فإن العقل الحر لا يعدم الوسائل لفك تلك العقد البارزة،حينما تتكافل أدوار الناس في المحيط الاجتماعي وتتوطد علائقهم المعرفية المتآلفة عقلاً وقلباً،ولكن حينما نشهد التفكك, وتصبح العلاقات الاجتماعية محاصرة بأشواك الصراع الاستنزافي الذي تغذيه الأقنية الاعلامية المأجورة،حيث تغيب بضراوة الصراع جل معايير التماسك الكامنة في الحب بين المجتمعات، حيث بدا لكيركيغارد أب الوجودية تلك الحقيقة وهي” ان كل إنجاز أو بناء شاهق محكوم بالزوال مهما امتد به الزمن ، حيث لا نرى لروما وحضارتها أثراً بعد جبروتها وغناها الفاحش , ولا نرى وجوداً للآشوريين المولعين بالتجارة والهيمنة.

والمعرفيين المطالبين اليوم بالبناء هم كافة المعنيين بالوجود وأمنه وسلامته , وبالأخص الذين هم في مراكز صنع القرار , ولديهم صدى وتأثير على الرأي العام , في ضرورة العمل على إعادة الاستقرار والأمان الفعلي للشرق الأوسط الذي فيما لو أتيحت له الحياة فإنه سيمثل في الحقيقة, المنطقة الحلم لأجل المستقبل الأفضل , مما يعني أنها قادرة بأي شكل أن تعيد ريادتها الحضارية التنويرية على ما حولها والعالم برمته , بعد أن تتخلص من السلطات الفاشية المستوطنة فيها، من ديكتاتوريات واهنة، فإلى متى ؟

من هنا يجب الانطلاق بالحل عبر هذا التساؤل , ولاشك أن العقل المعرفي الحضاري يعد بالأفضل , عبر الإيذان بولوجه لحقيقة هذه المجتمعات , والوقوف على معضلاتها عبر نقاط أساسية لابد من معالجتها:

  • فك الارتباطات الجائرة التي رسمتها معاهدة (سايكس بيكو ), والدعوة لرسم كيانات متحدة لا منفصلة (اقليم كردستان العراق نموذجاً) (اقليم جنوب السودان) (اسرائيلالسلطة الفلسطينية) ، ولا تؤثر على مصالح الجوار السيادية عبر تبني صيغ منها الحكم الذاتي أو الفيدرالي أو الكونفدرالي , مما يمنح دول المنطقة انتعاشها الاقتصادي والمجتمعي،وتقاسم أدوراها بعيداً عن المركزية المتعالية وأساليب الحكم الفردي مما يضمن حقوق كافة الأقليات وكذلك الشعوب التي تتسم بكافة مقومات الدولة من أرض ولغة وثقافة.
  • إرساء سياسة اقتصادية تنموية شاملة تتخذ من الإنصاف وتقاسم الثروة على الشعب وتتخذ من آلية المحاسبة والرقابة والفعل المؤسساتي ميزاناً للحياة التشاركية والتعاونية.
  • مكافحة الطائفية وانتهاج سياسة علمانية معرفية والعمل على ترويج ثقافات شعوب الشرق الأوسط لزيادة تماسكها عبر مدارس ومعاهد تعمل على دراسة الإرث الحضاري لها , وفتح المجال الحر للمساهمة في نهضة المجتمع انطلاقا من وحدة المصير والتعايش السلمي بين هذه الشعوب.
  • فتح سبل التبادل الثقافي والاقتصادي والتقني بين شعوب المنطقة والعالم , مما يساهم في تعمير المنطقة ودعمها بكافة السبل لإعمارها ومساعدة المنكوبين للعودة إلى أماكنهم منعاً من تفريغ المنطقة وإرساء لسبل حياتها وأمنها وازدهارها
  • اتاحة مختلف المجالات أمام المرأة للعمل على رفع كافة المظالم التاريخية عنها ومساواتها مع الرجل في كل شيء.
  • فصل الدين عن مراكز الدولة وكافة مؤسسات الحياة التربوية والاجتماعية فصلاً شاملاً والعمل على ترسيخ حقيقة الدولة المدنية الاتحادية.
  • محاربة الإرهاب وكافة التصورات التعصبية عبر تنسيق أمني واستخباراتي دولي, والدعوة لمؤتمرات تقف حول شيوع ظاهرة العنف بمختلف أشكاله ومسمياته وضرورة مكافحته.

ومن خلال الدعوة لتجمع المعرفيين الأحرار يمكن تعريفها بأنه تجمع يؤمن أن المعرفيين في كل أنحاء الوجود على اختلاف أعراقهم أديانهم ، واتجاهاتهم أمة عقلية يربط الإبداع والابتكار فيما بينها ويهدف إلى :
جمع المعرفيين في اتحادات وروابط وذلك على مستوى الوجود لوضع حلول لمشكلات الشعوب ووضع حد للصراعات التي من صنع الإنسان أو الطبيعة.
الدعوة لعودة الإنسان المعرفي باني الحضارات لممارسة دوره الريادي القديم والمتجدد في مناهضة التعصب بأشكاله، والدعوة للسلام ووقف الحروب والحد من الاحتكار .
تأسيس محافل معرفية والدعوة لاجتماع المعرفيين الكبير على مستوى العالم للتبادل المعرفي في مجالات العلوم الإنسانية والطبية والتقنية .
مناهضة الإرهاب الدولي وإرهاب الجماعات وإنشاء قوات فصل بين النزاعات المسلحة .
حماية ميراث المعرفيين الإنساني وفتح السبل المختلفة لتدعيم الإبداعات المعرفية ونشرها وتعريف العالم بجهودها .
إنشاء اتحاد عادل بين المعرفيين والسلطة السياسية بما لا يقوض الحريات على مبدأ تطوير الحياة وخدمة الإنسان لأجل تحقيق مجتمع الرفاهية .

من هنا يمكن القول أنه وبالوقوف على تلك الحلول والعمل عليها يمكن بروز مستقبل حقيقي واعد لأبناء المنطقة وعبرها يمكن الوصول لأسس رفيعة لحياة راقية،ولا شك أن تطلعات المعرفيين نحو حقيقة الحياة القائمة على الإعمار،هو حاجة تاريخية عبرها تلاقت أفكار وتطلعات ذوي الأقلام المستنيرة تاريخياً، للسير عبرها بالمجتمعات نحو إرساء أسس السلام والديمقراطية.

سبل معرفية لمناهضة العنصرية ، الاغتراب و الشمولية

طبيعة النظم الشرق أوسطية:

يشهد الشرق الأوسط على كامل رقعته بروز منظومات أشبه بمافيات مشرعنة دولياً، تقدم على ممارسة الإرهاب أمام مرأى العالم المتمدن، وتغييرها معتمد على التدخل الخارجي ، لا على إرادة ورغبة الجماهير، حيث تلجأ تلك الدول إلى العنف الأعمى، لقمع كل حراك شعبي هادف للتغيير، فأمام جبن هذه السلطات وعنجهيتها في استعباد الجماهير وتوريثها لأساليب فهمها للحياة انطلاقاً من بثها لسمومها القومية والمذهبية والتي تعتمدهما في حكم المجتمع بالخداع تارة وبالقوة تارة أخرى، حيث يمكننا القول أن دعاة التغيير(المعارضات المسلحة) لم يكونوا صادقين بدعواهم في التغيير، ولم يفهموه سوى عن كونه تغيير أشخاص واستبدال أماكنهم الشاغرة بأشخاص آخرين همهم متابعة ما أكملهم أسلافهم القامعين (الهبة السورية)(العراق ما بعد سقوط صدام حسين) ، وهكذا يغدو هذا الجري الشاق، عقيماً وبلا هدف، إزاء غيبوبة العقل واغترابه، ليغدوا بالمحصلة وقوداً لحرب أهلية، لا تبقي ولا تذر،وتفتك بالبشر والحجر، لهذا كان لابد من معرفة التغيير وفحواه وكيفيته، هل هو بغية عصرنة الحياة ودمقرطتها، أم هو تعبير عن النكوص والهرولة إلى الوراء؟، لهذا يتم التصدي لعنف السلطة بحماقة بديلة، ليست أقل بؤساً من الجهة القامعة، فالحروب المسلحة اتخذت من مصالح الدول الاقليمية والدولية أساساً للتحكم بمجرياتها، فهي حرب محكومة بالمآسي، تبرع فيه تلك الأنظمة بصنوف الإبادات (مجزرة حلبجة114)- (مجزرة حماة115) واختلاق الأزمات ونشر الفوضى (إطلاق النظام السوري لسراح المعتقليين الإسلاميين إبان انطلاقة الهبة الشعبية في سوريا 2011) ، حيث هذا العنف والعنف المضاد(النظام والمعارضة) ، يجعل الناس تسبح في خضم بحيرات دموية، تكشف عن موبقات الساعين نحو الثروة والسلطة والفساد،عبر المضي قدماً في القفز على مطالب الناس وحقوقها( الإئتلاف السوري) ، ففي ظل افتقاد الرؤية النوعية، تسير الجموع بلا هدى، ومتفرقة كحبات الخرز المبعثرة هنا وهناك، تنتظر أبداً من يوجهها، دونما دراية بآليات التوجيه، في ظل غياب التغيير الذي يستند في أساسه إلى الفكر والفاعلية في توجيهه عملياً عبر مخاطبة العقول وإيقاظها عبر فهمها لطبيعة واقعها،حيث المجتمع تعبير عن شكل النظام السلطوي حينما يتراءى في صوره واقع تهضم فيه حقوق وواجبات الأفراد، جراء اتخاذ الخوف كآلية للتعبير عن السطوة، فكيف يمكن للعقل أن ينهض وينمو بتسارع في ظل النقص والحاجة، إذ ما من شك فإن أطوار الإنسان الأولى تسهم إلى حد كبير في تكوين شخصيته فالضغط الاجتماعي والشعور باليتم والنقص الكبير في الحنان، بإمكانه تجسيد شخصية محرومة مضطربة تعاني الألم والانقياد الكبير نحو العنف وردة الفعل التي تنم عن شعور كبير بالانتقام والبحث عن الحق المفتقد عبر المبالغة في طلبه على نحو شره وجشع قد يسهم فيما بعد بسلوك منحى الإجرام أحياناً، ولعل التربية تعتبر الوعاء الأساسي لاستقبال كل العوائد والسلوكيات التي يمتصها الطفل منذ بداية نشأته، إذ يدعي منظروا اليسارية أن الرأسمالية هي العبء الوحيد المزمع الحرب عليه ومناهضته، دون أن يشيروا إلى الشمولية المركزية التي هي منشأ وأساس نظام وجودهم والذي يجب إزالته وتغييره، كون المركزية الشمولية هي البنية الرأسمالية الأساس لأي انهدام مجتمعي قادم.

محاولة لفهم الاغتراب:نجد أن الانشداه لشيء خارج ما يملكه المرء، وهو ما يجعله أكثر ألماً ، مما يحيلنا لمراجعة ما قيل في الفلسفة الهندية التي قالت بمفهوم اللاتعلق، مبينة أن المعاناة تنشأ من تعلق المرء بما لا يملكه، يمكننا ترجمة مسيرة الإنسان بين الجماعات عبر أطوار نشوءه بإنها تجربة تعلق، وإن اضطراب استيعاب أن الآخر لا يرتبط بنا هو شيء مبهم خارج سرب الفرد ونزعته الذاتية، وميله للتعلق والارتباط ، ترسيماً لحالة ارتباط تهدف للعيش، ففي ظل هذا المجتمع، نجد أن حرية القرار غائبة عن الذات في ظل النظام الذكوري، فطبيعة التفكير السائدة هي التي عمّقت الهوة إثر تكالب عناصر الخوف والحاجة المدقعة بين الفئات الاجتماعية، فالعلاقات الإنسانية محكومة بالاضطراب والقطيعة،الخوف من السعادة والابتعاد عن البحث عنها، يعني الانغماس في الضعف وفوضى النفس، حيث الصراع لا يهدأ، ومن هنا تتجلى مشكلة الحرية، حيث تلك القوانين القسرية التي تغسل أدمغة الأفراد وتجعلهم شبه محنطين وموتى،أو رجال آليين لا يمكنهم إحداث أي تغيير، سوى الاضطراب والفوضى التي تديره العقول المتحكمة بكل شيء في الخفاء والعلن، حيث يقول المفكر الروسي نيقولاي ألكسندروفتش برديايف، أن كل ما يصدر عن المجتمع ، ينزع إلى الاستعباد في حين أن كل ما ينبعث من الروح يدعو إلى التحرر والإنطلاق وبهذا نجد أن مقولته تتجلى في واقع ذلك المجتمع المحاصر بأغلال الفقر والاستبداد.
بما لا شك فيه فإن أدب السجون(القوقعة مصطفى خليفة117) يمثل تشخيصاً للحالة النفسية للسجين، إزاء مواقف الضرب واللكم والسحل التي يعيشها ، وهو توصيف للجانب النفسي له ، وكذلك شعور الرغبة بالموت إثر التعذيب، أي شيء يوقف ذلك القهر والألم والخوف الماثل، حيث للألم مراحل وأطوار تتصاعد من السيء للأسوأ فالأكثر رعباً وجنون، حيث ثمة التعذيب المقدس والذي يتجسد في النصوص الدينية السماوية، عبر جدلية الوعد والوعيد، حيث لا شيء يضاهي ذلك الشعور بالعذاب الإلهي الذي يتم تصويره على نحو مؤثر يدخل في شعور وذهن المتلقي المؤمن ليلزمه بالخوف من ذلك الشقاء الدنيوي، والشقاء ما بعد الموت (عذاب القبر)و (جهنم).

تأثير البيئة الجديدة على الوافد :

نجد أن علاقة الوافد بالبيئة الجديدة ليست مختلفة تماماً في تعاطيها مع البيئة التي يهرب إليها حديثاً، بسبب غيبوبته واستحضاره لرواسب ومواقف الماضي، نظراً أن تغيير المفاهيم والعوائد يحتاج لوقت، هذا بالنسبة للبالغين ممن عاشوا تجارب مؤلمة ماقبل الهجرة، إذ لا يمكنهم أن يكونوا جزء طبيعياً منها على الصعيد الاندماجي، مقارنة مع الأطفال الذين يندمجون على نحو سلس وسهل، فالتقاليد تحكم الذين يعانون من صعوبات الاندماج في البيئة الجديدة ، وهذا قد لا يؤدي بالضرورة لحصول المتانة في التماسك لطبيعة البلد الموفد إليه، ففهم الإنسان استناداً لطبيعة تنقلاته وتفسير التغيرات تبعاً لحالات التأثر والتأثير اللذين يتلقاهما الكائن الإنساني يعد ناجعاً لبيان تلك الصلة ما بين المرء والجغرافيا عبر احتكاكه بالأشخاص والأدوات واستنباط التجارب المفيدة والمساهمة ببناء شخصية الفرد وبناء معارفه وإدراكاته عبر الاتصال بالمحيط، إلا أن ذلك لا يعد سهلاً لذوي التجارب المأساوية ممن عاشوا قمعاً سلطوياً واجتماعياً في آن معاً، ذلك أعاق أدوار اندماجهم في البيئة الجديدة، حيث مجموع التجارب التي يحوزها الأفراد المهاجرون تحدد مدى قدرتهم على مواكبة شروط التغيير والتأقلم مع الأجواء، حيث التكامل الفكري والوجداني والإرادي في ظل المحيط الجديد ولا يتحقق على نحو طوعي، حيث الاهتمام بالفرد وتفسير دوافعه وردات فعله في غاية من الأهمية لمعرفة الجانب الخفي من شخصيته والهادفة لحياة أفضل، إلا ان معاكسات الظرف وقيود الحياة وضغوطاتها وكذلك المضاعفات التي تلعب دوراً في رسم ملامح حياة الإنسان، تقود إلى استخلاص الحقيقة القائلة بأن الإنسان وليد تلك المسارات الجبرية وهو على ضوء طبيعة الظروف، إنسان غير حر، والحرية تبقى خيالاً يؤرق الذهن ويتسم في أحايين كثيرة بعدم الوضوح، ماذا نعني بها؟، وكيف يتم التمتع بها على نحو روحي أما مادي، تساؤلات تعتري الفرد أثناء بحثه عن ملاذ آمن يلوذ إليه، بيئة تجعله يتحرك دون خوف أو قلق ، إلا أن هاجس الإنسان يظل رابضاً في المخيلة حينما ينعدم التكيف ويصبح الإنسان أسير الماضي بمواقفه وأحداثه وترسباته على النفس لأمد طويل.
إن الفرد لا ينفك عن ممارسة طقوسه في تذكر الماضي ، بخاصة إذا احتوى على شريط من الرهبة والاضطراب، فالصدمات التي تعترض الفرد لا تزول هكذا مع الزمن، بل تبرح اللاشعور وتنضم لمجموع التصورات الفردية، تقيم في الداخل ،تحتوي في طياتها المتضادات،حينما يعتمل الفرد الحنين إلى الأرض، فالمناخات الهادئة غير المتشنجة تكون البوصلة لحياة جيدة، فيها من التفاؤل والرحابة الشيء الوافر، بذلك يمكن فهم الفرد المغترب من كونه يتحلق حول سلسلة مواقف أصابته بالسكون والمراوحة، ضمن فصول الماضي وعلاقاته التي تشوبها الحيرة، هذا القلق هو جزأ لا يتجزأ من النفس، تجعل الذات تدمن تصوراتها ، فالانكفاء نحو الأنا واعتزال اختلافات الآخر معها، جعل العزلة خبز الحياة الأساسي، كي نعي الذات لابد من تشييد مفهوم الجسور بين الآخر ، فالتعنت الذي يعيشه المغترب عن الآخر، يفصله فصلاً عن الطمأنينة ، ويوحي له أن الحياة قوقعة ملتفة حوله وفقط، ما الحقيقة؟، يمكن فهمها من خلال ما يريده المرء في فلك حياته، أي ما يساعده على الانتعاش ويهبه الرحابة بمعانيها المختلفة.

إن تجارب البشر حصيلة مهمة للفرد كي يستطيع إنعاش ذاته بالتحولات المهمة على صعيد التطور الفعلي ، فهم ذلك يساعد المرء على فهم ماهية الحقيقة استناداً لرحلة الصراع لأجل الأفضل .

الهوية الاستعلائية بمواجهة الهويات المنكوبة:

إن حروب الهويات بلاشك قابلة للنشوب في كل مكان وخارج الحدود أيضاً، ولاشك أن التصادم يحمل في جذوره إشكالية مضمونها سعي السلطات القوموية المركزية إلى تأصيل النزاعات الأهلية التي تضمن لها بقاءها وامتيازاتها بدولها ومجتمعاتها – الأصلية، حيث نجد الأتراك المؤيدين لنهج الإسلام السياسي الذي يمثله – أردوغان118 على الرغم من ولادة غالبهم في ألمانيا في ظل محيط ديمقراطي يؤمن بالحقوق والواجبات ، يقومون بتسويق الأساليب والرؤى القومية الضيقة المناهضة لكل ما هو ديمقراطي، هذا التناقض المقيم في ذات هذه الفئة، يدفع المتتبع للدهشة، ليتساءل عن ازدواجية التفكير فما دامت تعتقد وتؤيد الديكتاتورية السلطوية، لماذا لا تعود وتعيش في موطنها، بدلاً من تمتعها بمبادىء المساواة والديمقراطية في البلاد التي ترعرعوا فيها واندمجوا بمجتمعاتها ، كيف يمكن تفسير وفهم هذا الانفصام الفكري، في أن تؤيد ديكتاتورية ومركزية الدولة بينما تنعم في الآن ذاته في العيش بدولة المؤسسات والقانون والنظام الاتحادي اللامركزي، هذا يجعلنا نعي تمترس حماة العنصرية بفكر غير قابل للحياة ورافض للتعايش المشترك ومناهض للآراء المختلفة لصالح أحادية الرأي والفكر وشموليته، نجد حروب الهوية استجابة لغريزة التصارع البشرية وهي تتوجه لحماية الخصوصية من خلال محو الخصوصية المقابلة أو صهرها في بوتقتها، حيث صراع الأعراق يعبر عن جشع الاحتكار، الاستيلاء على الجغرافيا والموارد الغذائية والنفطية والمائية، يكفل للطرف المنتصر أن يسود الثروة ويدخر ويستثمر على حساب خضوع الهويات الصغيرة التي لا تمتلك مقومات دفاعية تمكنها من التصدي، فالمنطقة باتت مكتظة بالنزاعات وتقتات على خبز الكراهية، والبديل عن ذلك تطبيق مشاريع مناهضة وحيوية والدعوة لمجتمع معرفي يتطلع للعمل المؤسساتي كوسيلة للخلاص من حرب الهويات العبثي .

فإن هدأت نيران الحروب الجسدية وفوهة النيران والمدافع، لن يتم بسهولة محو آثار النيران المستعرة والتي مفادها الضغينة والحقد، والتي يتم البناء عليها من قبل النظام المتحكم بمفاصل الدولة التركية منذ تأسيسها، على أسس عنصرية شمولية لا تقيم وزناً للقوميات المتعايشة معها، سيادة العرق التركي وتأصيل ذلك كثقافة رئيسة في المدارس والمعاهد والجامعات، وتعميق نزعة الأنا وتمجيد الكراهية عبر ذلك، تعميق التضخم في الأنا لدى العرق التركي بإيعاز سلطوي متجدد عبر توالي الأنظمة الفاشية ، هو مجاراة لنظرية القوة ، واستعباد المكونات الضعيفة ، تجريدها من مقومات بقاءها ، من أرض وهوية ولغة وآثار حضارية، فالانصهار اللغوي الذي اتبعته الأنظمة التركية كانت كفيلة بصهر الكثير من الكورد في بوتقة اللغة التركية، حتى أن الكثير ممن تم صهره، غير قادرين على إعادة الإحاطة بلغتهم وإيلاءها إيلاءاً كافياً وحقيقياً، بحجة أن الوقت قد تأخر على تدارك ذلك، أو عبر أعذار أن لا شأن للغة بالانتماء، وهكذا نجد أن حالة التخاذل تم إيجادها كمحاولة لاحتواء الانصهار أو قبوله وشرعنته، ذلك كان من عوامل نجاح هذه الإبادة الثقافية ، ناهيك من محاولات الدولة التركية في تدمير الآوابد والآثار الحضارية في كوردستان الشمالية ، حسكيف مثالاً وبعض الآثار في مدينة آمدديار بكر –القديمة، وتدمير آثار معبد عين دارا في عفرين، عدا عن الإهمال الخدمي للمناطق الكوردستانية ونشر الإسلام التقليدي فيها، تأصيل حالة الميليشيات المناوئة للاستخبارات والجيش التركي، والتي تعيث فساداً في كافة مناطق كوردستان، بغية هروب الأهالي وإفراغ المناطق من سكانها وهجرتها المتتابعة باتجاه المدن التركية الكبرى وترك كوردستان مهملة كأنها أطلال مهجورة،فغاية نظرية القوة هي تغيير السلوك أفراداً وجماعات، فإن تم عبور الدول بالحروب الخارجية والإبادات الجسدية، سيبدأ الانتقال الآلي للاعتناء بمخلفات تلك الحروب في المجتمع ، وذلك بزراعة بذور مفهوم التسيد على الكائنات الأضعف، ويتم ترسيخ مزعم خطير مفاده ، أنه إذ قويت شوكة تلك المكونات الضعيفة والمستعبدة فإنها قد تشكل تحدياً رهيباً على الدولة القومية القوية، كيف حافظت الدولة التركية على بقاءها كخارطة سياسية ، عبر شراء الذمم بالمال تارة من خلال استمالة قادة بعض العشائر الكوردية(استنجاد أتاتورك بأغوات العشائر الكردية إبان حرب الإستقلال التركية)، أو من خلال التصفية وقمع الثورات(انتفاضة ديرسم التي قادها الشيخ سعيد بيران19081923تلتها انتفاضة سيد رضا 1937و1939 )، من خلال تأليب تلك العشائر الموالية لها ضد تلك الثورات، وهذا السلوك يتم تحديثه من قبل أحفاد الطورانية ليومنا هذا (ميليشيات حماة القرى بمواجهة حزب العمال الكردستاني).

لهذا نجد أن مناهضة العنصرية يعتبر جهداً شاقاً حينما تقف الدولة كأداة واقية له تقيه من محاولات الانقلاب والتمرد الجماهيري، ليغدو دستوراً وطريقة حياة، تجلب الكوارث والحروب الأهلية على المدى البعيد فعلى الرغم من أن العالم بات قرية كونية صغيرة، بسبب تطور وسائل الترفية والاتصالات، إلا أن الأفكار القوموية لم تضمحل ، بل يتم تفعيلها وتغذيتها على الدوام (اليمين الشعبوي في أوروبا)، وزج الجماهير في صدامات عبثية تستنزف في نهايتها الموارد والخيرات لهذا فإن الجهود الموجهة لدرء خطر توغل النظرية القومية وتحويلها لمصدر تفتيت، ما زال غير كافياً ، بخاصة وأن الحكومات ذات الطابع الشمولي ،تتصدى لكل محاولة دمقرطة إن داخل البلاد أو خارج الحدود ومثالاً ما تقوم به تركيا وإيران من تغيير بوصلة واتجاه الثورات الشرق أوسطية وتحريفها لفخ الإسلام السياسي بشقيه السني والشيعي، إلا أن سعي العنف الرسمي للدولة القامعة إلى ترسيخ مطلب الانفصال أو الاستقلال جلي عبر حملات الإبادة والتهميش والتي راحت المعارضات السياسية لتلك الأنظمة تحذو حذوها في اتمام الهيمنة على المكون الكوردي من خلال طرح الخطاب الاستعلائي، الأمر الذي جعل الانفصال أو الاستقلال مطلباً ملحاً وناجحاً بمجرد أن تلتف الرغبات الدولية حول تحقيقه ، لأن حقيقة إيجاد مجتمع ديمقراطي لا تتحقق في ظل وجود العنف الرسمي الذي تشنه تلك الدول وتتوافق على تحديثه عبر الظروف والمستجدات، الأمر الذي يفتح الباب على مصراعيه للتدخلات الدولية والصراعات الإقليمية والتي غالباً ما يدفع الشعب الكوردستاني أثمانها الباهظة .

مناهضة العنصرية وبروز المجتمع المعرفي:

إن صناعة الحرية ترتبط بشكل فعلي بثورة الرجل والمرأة على حد سواء،فثورة المعرفيين الحقة هو لأجل محو آثار الدونية والشعور بالنقص أمام المتفوق أو المنتصر الحامل لمقاليد السلطة والمهدد بها انتماءات الآخرين، ولابد من فهم تلك الثورة انطلاقاً لحاجة قصوى في ترميم الإنسان درءاً للخلل المرافق لعملية أدلجته وقولبته بما يتناسب ومنهاج السلطة ، ففهمنا للإشكاليات العميقة للمجتمع وإيماننا بنجاعة تغييره ورفع الدونية عن المرأة الشرق أوسطية يشكل باعثاً لتوليد الأفكار ونشوء الشخصية غير المرتهنة، فالفرد ينظر لأمه ، كمثال في بداية نشأته، وينظر للآلة السلطوية الباطشة كيف تعمل في تربية البشر على مذهب الاحتراس والخوف، فتعمد لإلهاء الذهن عبر البطالة والفقر وإهمال الخدمات، ونشر الفساد كطريقة لشيوع الفوضى الاجتماعية، لهذا نجد المعرفيين إلى جانب المعرفيات ، منقسمين يلاقون مصائرهم فرادى، لا تجمعهم مؤسسة، ويعانون التشتت الذي من شأنه إضعاف حيوية الأمة، وجعلها تتخبط في أتون شقاقها وانقسامها السياسي، والذي فرضته النظم الشمولية عبر الخوف أو شراء الذمم، فالمعرفي الحر يؤمن بسلوك الاحتجاج والدعوة للمناهضة كطريقة للصحوة ويقظة الخائفين، وتشكيل نواة لمشاريع بوسعها إيلاء الأفراد المساحة الكافية للنهوض، والتخلص من دونية الإحساس لدى المرأة والرجل على حد سواء يبدأ ببعث نهضة المعرفيات القادرات على مشاركة المعرفيين مهامهم المصيرية في قيادة المجتمع وتربية الجيل على مذهب التحرر الفردي من سلطة الإيديولوجية الحزبية أو السلطوية في الهرم الأعلى، عبر الإشادة بالمعرفي الحر ، والكف عن تمجيد القائد الواحد، بغية إنتاج قادة يخدمون ويعملون بصمت.
فالاحتكار الايديولوجي هو محاولة لقولبة اليقين وتجميله بوصفات واجتهادات يحاول الأتباع إلباسها ثوب الحقيقة التي لا تحتمل الجدل، بينما يتصدى المعرفيات والمعرفيين لتلك المحاولات تاريخياً ، وقضى غالبيتهم نحبهم جراء محاكم التفتيش التي امتهنت تعذيبهم وحرق مؤلفاتهم، فمهما تعنت المؤولون في تجميل السلطة وإلباسها ثوب المصلحين والفلاسفة إلا انهم فشلوا.
إن انقياد الجماهير الأعمى لدعاية القائد المبجل والحكيم تأصيل للمفسدة الروحية والتشويه الفكري عبر شرعنة الانقياد واعتباره واجباً وطنياً، وبذلك يصبح المعرفيون في خطر كبير، ينقسمون ويتشظون ويصبح من الصعب جمعهم على كلمة ورأي، يتحول قسم منهم إلى مشاريع مرتهنة تجامل وتحابي السلطة رغم كراهيتهم المبطنة لها، والبعض الآخر ينسحب تماماً من المشهد، عبر مغادرة الموطن ، أو الصمت ، أو أحياناً المغامرة دون تنسيق وإمكانيات تقدم للتغيير.

فالمضطهد يحمل ذاكرته معه أينما ذهب، والذاكرة تعتبر وعاء يختزل كل مشاهد وأحداث المرء داخل وطنه وخاصة مراحل نشأته الأولى، لهذا فذاك يخبرنا ان العالم وإن صنف جغرافياً بين شرق روحاني وغرب عقلاني، إلا أن وفود الجماعات واختلاطها لن يبقي الجغرافيا مستقرة ولا مصادر المعرفة بل سيصبح كل شيء في فلك الاندماج مما نجد أن التغييرات النفسية ستنشط نحو الانفتاح بين الثقافات وتصبح الجغرافيا في ظل ثورات التواصل الاجتماعي مفتوحة(الفيسبوكتويترانستغرام يوتيوب – واتس آب )أمام شتى الانتماءات الجديدة التي قد لا تستطيع الخطابات العنصرية ومن يروج لها ، الحد من هذا الاندماج والتلاقي.

إن التسلط الممارس على المجتمع ، لا ينفث إلا سمومه في أذهان الأفراد، ليجعلهم ضحايا للعبة الفرار، والهروب من حالة التصادم.العنصرية كتيار رافض للتعايش المشترك يعتبر من مخلفات الحروب والنزاعات الأهلية التي تنشأ بين الأكثرية والأقليات، وله آثار نفسية مزمنة في دواخل الناس ممن يعانون من القمع، لعل الهجرات الناجمة عن الاضطهاد السياسي تتصل حقيقة بتنامي العنصرية كمبدأ حياة تتبناه الأحزاب أو الدول الباحثة عن امتيازات أكبر واستحقاقات نابعة من اعتقادها بأنها صاحبة المجد التاريخي والمؤهلة دوماً للريادة في كل حقبة أو مرحلة ، إذ تشكل العصبوية كمناخ ملائم لنمو العنصرية والشعور بالمغايرة عن باقي الألوان الاجتماعية أو القلق على الثقافة والسلطة ومركزية الحكم، فخوف الأتراك من الكورد في اعتقادهم يكمن في أن الكورد يشكلون خطراً على الأوطان التي تقسمت جغرافية أرضهم التاريخية فيما بينها، ليكون الكيان الكوردستاني بمثابة الكابوس الذي يجب اتخاذ تدابير دائمة في مواجهته، واجتثاث محاولاته لإنشاء الكينونة على الدوام، لهذا فالعنصرية الشرق أوسطية تعادي الديمقراطية وتدعم الدولة القوموية الاستخباراتية ، تلك التي ما تلبث أن تقحم الدين بصبغته المذهبية كوسيلة للحكم وضمان ولاء الغافلين أو المنتقدين عبر بوابة الإسلام السياسي، فالعنصرية الأوروبية جاءت كرد فعل عن الهجرات الوافدة لبلدانها، ونعني بها العنصرية الحديثة التي تتنامى ببطء مع مرور الزمن ولاشك أن الحرب الأهلية في سوريا، توقظ النزاعات خارجها، إن في تركيا أو إيران أو حتى عموم العالم العربي والبلدان الإسلامية التي تعاني من الفقر والفساد والبطالة ، حيث تشكل بنية خصبة لتنامي الجماعات الإسلامية العابرة للحدود.
أما المسير باتجاه مناهضة العنصرية يكمن في معرفة اللغات والتواصل مع الشعوب ،حيث أن فكرة تقسيم الناس إلى فئات عليا وأخرى دونية ، رغبة ممنهجة لتبرير الصراع وتغليفه إيديولوجياً، ليكون الطريق للاحتلال والسيطرة أكثر يسراً، فلا مبرر منطقي لما قاله الألماني119 عمانوئيل كنط 1724-1804 حينما أضاف لنظريته المعرفة، حين قسم الأجناس البشرية حسب اللون وجعل أكثر الأجناس تطوراً وذكاء ومساهمة في بناء الحضارات هي الأجناس البيضاء ، تليها الأجناس الصفراء ثم الأجناس السوداء ثم تأتي الأجناس الحمراء والهنود الحمر وشعوب القارة الهندية كأسوأ الأجناس ذكاء وأقلها تطوراً حسب تعبيره، فالفلاسفة المرتهنين لأجندت سلطاتهم أعطوا مسوغاً للهيمنة والتوسع ، فنجد الانكليزي1120 ديفيد هيوم 1711-1776 بإقصاء الأعراق غير الأوروبية فيقول : “أنا لا أشك أبداً أن الزنوج وجميع أنواع البشر هي بالطبيعة في مستوى أدنى من الإنسان الأبيضوقد ذهب يوجين فيشر 1874 -1976 لفكرة تعقيم البشر والقتل الرحيم للمعوقين وإبادة اليهود، فهذه المواقف المظلمة لا تمت لحقيقة الإنسان المعرفي في شيء وإنما تتجه عكس سفينة الإنسانية والسلام الإبداعي الذي نعني به تشييد أعمدة الفنون والصناعات والإبداعات لأجل العيش الإنساني المنصف وتحقيق التمنية لما فيه من خير كافة الطبقات والشرائح وحماية مكتسبات الإنسان العاقل في كافة أنحاء الوجود المتقن.
لقد تخطت أوروبا فكرة عدم التزواج من الشعوب الأخرى وذلك بعكس ما ذهب إليه الفرنسي121 آرثر غوبينو 1816-1882 والذي كان يعتقد أن اختلاط الأعراق وتزواجها هو السبب في انحطاط الحضارات، حين يقول : „الآرية تنحدر عبر الاختلاط بالفنون الزنجيةنجد اليوم أن الاندماج وتعدد الثقافات والحضارات تسهم في إطلاق العنان للمواهب والأفكار والبروز في العالم بلا حدود أو قيود، حيث نجد المعرفي البريطاني122 تشارلز داروين 1809-1882 في كتابه أصل الأنواع، قد طور نظريته ، حيث رفض تقسيم الناس إلى فئات عليا وسفلى ، لهذا فإن المعرفيين الذين يعملون مداركهم ومواهبهم لمجتمع معرفي أفضل هم الذين يتمتعون بكامل الخصائص التي تحيلهم للبقاء والتفوق، لتكون الفئات المتخمة بسموم التطرف الديني أو القومي ، محكومة بالكسل والدنو الأسفل، والتي باتت عبئاً زائداً في الوجود ، وهي تقتات على الكراهية والعنصرية وأحلام التفوق المادي العرقي، فهم من رواد التوحش والمذابح الجماعية والتهجير القسري، ولا يستطيعون التعامل مع الاندماج بروح عصرية، كونهم فئات ابتعدت عن المعرفة مقرونة بالأخلاق، فالبقاء للمعرفيات والمعرفيين مما يزيلون العوائق عن طريقهم ويؤمنون بمبدأ الاتحاد بين الرجل والمرأة، دون تبعية ودونية، فالبقاء للمبدع خلاص للوجود، ونهاية للتسلط والتآمر على العقل من بوابة صناعة الخوف، وقد اعتبر القوميون الشرق أوسطيون من عرب وفرس وترك ومن على شاكلتهم الشعوب التي يحكمونها على أنها عصابات تتبع الخارج، وينبغي اجتثاثها وقمعها أو صهرها في بوتقتها، فها هو المعرفي جورج طرابيشي 123 يقول : „ ثمة منظرون قوميون ذهبوا إلى إنكار واقعة الأقليات إلى حد اعتبارها من صنع الاستعمار، فالأقليات لا ماهية لها في ذاتها، بل هي في أحسن الأحوال مجرد رواسب تاريخية، بل مستحثات ينبغي أن تخضع من جديد لقانون التفتت والذوبان ثم الاندماج، وهي ليست بحال من الأحوال علامة تنوع ومصدر غنى حضاري

هكذا تمت تجزئة المجتمع ، وتم بث الرعب في حياة الناس، وتجسد العنف كغطاء عام ارتدته السلطة القومية كالنقاب.
لقد انتصر المعرفيون الأوروبيون لحكمة التنوع والتلاقي الإنساني والتبادل الثقافي بين الأمم، انتصاراً لقيم الإنسان العاقل في الوجود فنجد المعرفي الفرنسي124 كلود ليفي ستراوس 1908-2009 يصوغ نظرية العرق على نحو مضاد فيرى : „تنوع الثقافات الإنسانية يجب ألا يتم إدراكه على نحو ساكن، لأن المجتمعات البشرية ليست وحيدة ، وعندما تبدو في أقصى درجات الإنفصال ، فإن ذلك يأخذ أيضاً شكل الكتل أو المجموعات حيث أن ذلك تأكيد على انتصار قيم التنوير مقابل هزلية وهشاشة مزاعم العنصريين وضيق أفقهم.

نظرة في طرائق تشكل الاستبداد السياسي

تغيرت العلائق الإنسانية لتصبح مصنفة بين الولاءات ، ولتكون القيمة الطبيعية للتواصل الطبيعي ضئيلة أمام التودد السلطوي والتفاف الأتباع حول بعضهم البعض، هذا التغير، والتقلب في المزاج ، عزّز من الاستعداد الوحشي للإنسان المندفع من تلقاء نفسه لعبادة الغضب،باتت العلاقات النفعية سائدة محل العلاقات الطبيعية، وتعددت وجوه الإنسان المادية،وبات أصعب مما كان عليه في زمن بساطة حياته البدائية، بات ينقاد لواقع قائم على السطوة وتمجيدها، لتكون بمثابة المرآة أو المعيار لفهم الجودة والسعي إليها، فالوحش هنا يسيطر ويستقوي على الإرادات، ويكسيها بمظاهر التفاخر والقوة، ليكون البهاء والجمال والأناقة مظهراً ناعماً من وحشية الحياة العصرية التي تقنّع بها الغالب من البشر بذريعة عصرنة الحياة والقيم، هذا يشكل بروزاً باتجاه الاستشراس في المنافسة والصراع وكذلك الاحتكار،حيث جمع المعتقلين في السجن واستقبالهم عبر ابتداع نوع من التعذيب يسمى حفلة الاستقبال (معتقل تدمر125)، يعتبر أحد إشارات توسع معامل صناعة الوحش، تحويل الإنسان إلى مخلوق غامض الأفعال، غامض التصرفات، يقتلع الأخضر واليابس، يتشبه بالدمار، من خلال إيذاقه مر العذاب، عبر بوابة القهر والانتقام، فما ظاهرة المعتقل السياسي بطبيعتها إلا تعبيراً عن صناعة الوحش تضخم الرعب في حياة الأفراد يقودهم بالتدريج إلى حتفهم.

استخدم التعذيب لمزعم البحث عن الحقيقة ومعرفة المذنب قديماً، في اليونان وفي عهد الإسلام وما قبله ، وكذلك في العصور الوسطى واستخدامه كوسيلة لحماية الكنيسة الكاثوليكية ،حيث في الستينيات من القرن المنصرم قام العالم النفسي „126ستانلي ملغرام“ بإجراء اختبار في جامعة „يايل“ لفهم ظاهرة التنفيذ الحرفي لعمليات الهولوكوست والتي قام بها الجنود النازيين في الحرب العالمية الثانية ، وقام عالم النفس الأمريكي127 فيليب زمباردو ، بإجراء اختبار في سجن ستانفورد ، حيث خَلُصَ زمباردو إلى نتيجة مفادها أن الأشخاص المقدمين على التعذيب معرضون للخضوع للتعليمات كونهم مسلّمون لنظام إيديولوجي يحظى بمكانة اجتماعية ومؤسساتية ، والإنسان بطبيعته ميال للتأقلم غريزياً ضمن المحيط الاجتماعي الذي يعيش فيه، فهدف نظام البعث القمعي هو الحد من المبدعين والمفكرين، واستسلامهم فوراً إثر التعذيب والمهانة التي يتعرضون لها، ، فقد طغى الإرهاب الدولتي على كل إرهاب آخر مضاد، وبات يتصدر مشهد التاريخ بفظاعة ، فلكي تنقذ السلطة نفسها من السقوط ، فإنها تستخدم البطش لأقصى حدوده، تتقاسم صناعة الإرهاب تلك الدول والأحزاب والجماعات الصغيرة ، والجمعيات السرية ، المافيا والعائلة ، كل في حقله ، حيث يبدأ الإرهاب من فكرة في الذات سرعان ما تتبلور ، لتصبح مبدأ أو قانوناً.

  1. فحقيقة ذلك الاتحاد التاريخي بين رجل الدين والسلطة أفرز العديد من العلل وحشية الطابع عزز من الخوف بكونه مدرسة وعلم صناعة الإنسان في شقيه المتدين وشديد الخوف من الحاكم ،عبّد الطرق نحو بروز أنظمة قوية وعنيدة تتمتع بخبرات عديدة في ضبط فوران الجماهير،وطد دعائم ثقافة شمولية دينية تستقي مزاياها من الميثولوجيا والأوهام التي استنبطت منهاج الحياة التقويمي المفروض على التلاميذ منذ طفولتهم، قاد النخب الشابة للتفكير بكل شيء عبثي عدا الخوض في مواضيع التغييروالدمقرطة الجوهرية.
    ومما لا شك فيه فإن بناء الأنموذج المعرفي لدى الفرد في ظل هذا الواقع ، يحتاج لبروز مراكز تنويرية كبيرة تتواصل مع الجماهير من خلال الفن والأدب والفكر،وذلك يحتاج لمؤسسات قوية تعمق حواراتها مع السلطة السياسية بل وتتشارك في صناعة القرار والذوق العام، دون ذلك لن تتحقق الثورة المعرفية التي تتميز بكونها لا عنفية وسلمية وتتحلق حول الصالح العام وتنبذ بطبيعتها الفساد، إن السلطة السياسية تعتبر حالة راسخة بطبيعتها، أما العقلية السلطوية فيمكن تذليلها فكرياً عبر إتاحة الفرص لكل المعرفيين والمعرفيات بالانخراط في قاعدتها من أعلى هرمها لأسفلها، ذلك يحول دون بروز التوحش، وهو ما نسميه بالبديل الناجع، حيث لا تكسر العقلية الشمولية إلا بالتدرج وعبر التركيز على تنمية العقل الإبداعي لدى الفرد ، كي يتمرس بأصول وفنون الإدارة منذ طفولته.
    التفكير خارج التمجيد والإذعان للسلطة بات شيئاً صعباً ، حيث يظل العقل الإبداعي للمعرفية والمعرفي منشغلاً في طرق التخلص من أورام السلطة ورواسبها على الذهن، لا انفكاك جلي عن أزمة التفكير الحادة والتي يعيشها الإنسان المنعزل في مداراة تساؤلاته والحد من تسربها للكوامن لتكون دافعاً خصباً للتمرد والانتفاضة فيما بعد، حيث التشاؤم والكآبة يمثلان الوجه العام للحياة، مما يفرز عن خضمها ضياع الإنسان الشرق أوسطي في بوتقة التجهيل، والاستسلام فيما بعد لنمطية فكرية مبتذلة تنم عن كسل روحي وذهني لا يتم تخطيه إلا بصعوبة، فيما لا شك فيه فإن الآداب والفنون تتأثر بعملية التصادم السلطوي ، هنا يمكن القول أن المعرفيين يقفون بعيداً عن إملاءات السلطات وضغوطها، ولا يبتعدون تماماً عن المشهد إلا على نحو لا يخدش نزوعهم المجرد والمحايد باتجاه تنمية الأفكار الجديدة سواء اجتمعت مع السلطة أم ناهضتها، هل يمكن إزالة مفاهيم السلطة في اللاشعور الجمعي، بمجرد ظهور إدارة أخرى ، وهل يحل المسألة بروز تنظير إيديولوجي بديل عن السلطة السابقة، أم أن تلك السلطة الجديدة لابد وأن تبقي على عوائد السلطة السالفة كون النفوس تستسيغ نمطاً من الحكم يصعب الفكاك منه، إلا بعد سنوات من التدريب والتأهيل، وثمة نقطة جلية يمكن بيانها بهذا الصدد ويتعلق بطرق الاستشراف لبروز هذا الوحش الثورةحيث استشرف فولتير128 ما قبل وفاته1787 عن قيام ثورة ما حينما قال:إن الشباب سيكونون أسعد حالاً لأنهم سيشهدون أشياء بديعة جميلة، الفرنسيون يأتون متأخرين دائماً، لكنهم يأتون في النهاية.”

حيث في عرف السلطة ثمة معارف تتيح لها عبرها زيادة الهيمنة على الناس ومعارف تجعل الناس تتحسس عظم مصائبها وفواجعها، ثم تقوم بالتحرك محاولة انتزاع حقوقها، حيث نتأمل تخلف الإعلام لدرجة منع الستلايتفي التسعينيات لغاية أواخرها، في عهد الرئيس السوري حافظ الأسد، وكذلك لا يزال ذلك محظوراً في عدد من الدول الإسلامية كإيران،وظلت وسائل التواصل الاجتماعي كالفيسبوك واليوتيوب محظورة في سوريا ما قبل 2011، وعلى الرغم من كونها مباحة راهناً، إلا أنها لا تزال قيد رقابة مشددة في سوريا وتركيا وإيران وغالب الدول إسلامية التوجه ، حيث ممارسة الفرد لحياته الافتراضية على الانترنيت مثل تحدياً للسلطة الشمولية القومية والدينية .

حرب السلطات ضد روحانية الشعوب ومحاولتها الفاشلة في ترميم ما يتهدم باستمرار ، أربك كل دعائم الاستقرار والأمان، وجعل الفئات المدركة لفداحة الواقع تذهب باتجاه خيارات عقيمة ومتعبة ، إما المقاومة أو الهروب، أي الخروج القسري، وبذلك تتعمق الهوة بين الجماهير والمنظومة السياسية والتي بدورها تسطو على ميادين الحياة ، وتسرع في إشادة نهج الفوضى والذعر بين الفئات المهددة بأمنها واستقرارها النفسي، فالعالم النمطي هو المبتغى من فكرة القمع المتصاعدة ، خلق حياة راكدة جامدة ، من غايات الذهنية الشمولية، حيث تفسخ البنى الانتمائية للناس يمثل عامل ديمومة للسلطة وضمانة لرسوخها، لقد زرعت الدولة البعثية أجسامها السامة بين المجتمع، وزرعت مناهجها في عقول الأطفال، وبهذا فإن من ربيوا عبر سنوات على دعاية البعث وفكره المتعالي، لن يكون بوسعهم قيادة ثورة ضدها(رياض حجاب129- رفعت الأسد130، عبد الحليم خدام131- أسعد الزعبي132 وغيرهم على سبيل المثال وليس الحصر) ، وإنما يلزمهم أولاً الخلاص من التعالي القومي،وتشرُّب قيم المدنية المعاصرة والتي تلزمهم بخلق أجواء الرفاهية والتعددية العرقية والدينية، وهذا لم يعد متاحاً وممكناً في ظل الفوضى التي بعثرت كل شيء وخلقت بيئة خصبة للإرهابيين والمرتزقة الذين تجمعوا من كل صقع ليبثوا أفكار الإسلام السياسي الواهنة (الإئتلاف السوري وأجنحته العسكرية) مكان سلطة البعث الحاكم، فقد اكتسبت السلطة البعثية كل مهارات التعذيب في سحق ثورة المعتقل السياسي ومحاولاته في التغيير واستمدت كل تلك الوسائل من هذا النسق التاريخي في قمع النظم السياسية للجماهير والتحكم برباطة جأشها وصبرها، فميل السلطة القمعية لإماتة الحياة في ذائقة الجماهير يعبر عن تصالحها مع التاريخ الوحشي لدرجة بالغة الخطورة، حينما تحيي جانباً متصلاً بالتاريخ القديم في تأليه القائد وتنصيب تماثيل له في الأروقة والساحات العامة ،فالعديد من الصور والأقاويل المكتوبة على الجدران لن تستطيع جعل القائد صرحاً تنويرياً وإنما لطخة سوداء في تاريخ البشرية ،حيث ذلك الاستبداد الذهني الممارس يومياً يجعل الثقة بالمدارك والعقول صعبة إثر الخوف ، إذ لا حاجة أن يفكر الفرد بحضور القائد وبقاءه وكيلاً على الفن والفكر والجمال، فتربية النوازع العدوانية وتغذيتها بأسباب التذمر والنفور يعتبر من عمل السلطات الشمولية حين تبتر ما يتعلق بالتفكير النقدي لصالح التسليم بأصالة وسمو القائد الملهم، لتحيل كل غرس أخضر إلى يباب، فالعنف يلبس الحركة دوماً ويستدعيه بالمقابل عنف مضاد، إذ يتصل العنف بكل شيء وأحد أرقى أشكاله هو القانون الملزم، حيث يتصف القانون بصرامته وبوجوب قوة تفرضه وتدين من خلاله المقصرين والمتجاوزين له ، فالرهبة متداخلة في طبيعة العلاقة بين الأفراد والمنظومة المديرة للمؤسسات إلى جانب التفكك الروحي للجماهير والتي قادت الجموع نحو الفوضى.
حيث بدت الحالة الكوردستانية في ظل النظم المحتلة لكوردستان تبعث على الذهول والإحباط، حيث قاد القمع التنظيمات المعارضة للتنازل عن حلم إقامة كيان حر ومستقل إلى مطلب السماح بالتحدث باللغة الأم، أو التخفيف عن عزلة أصحاب الرأي ، كل ذلك نتيجة تحجر تلك السلطة التنظيمية وارتهانها للنظم الإقليمية، فحيثما يتواجد المغفلون ، يتواجد المستغلون.

يمكن فهم الحالة الكوردياتية على أنها في كثير من الأحايين ونتيجة ذلك التعاقد المشترك بين السلطة الحاكمة والتنظيم المناهض، أي التشابه في الأدوات وأساليب الطرح نجدها أكثر ميلاً وذهاباً باتجاه منحى الانصهار الطوعي بالتركياتية والعروبة والتفريس، والانسياق دون وعي للتقولب الشمولي في متاهة عبادة الفرد وهذه من علامات تجهيل وإخصاء الجماهير ، وهذا القول لا يلغي المزايا الحاصلة صدفة داخل تلك المؤسستين الدينية والحزبية الشمولية التي كانت استجابة عفوية لحالات الضياع والعبودية الحاصلة على أشدها وذلك إبان تأسيسها وفق ضرورات المرحلة، كما في حقب بدايات القرن العشرين في قارات العالم القديم ، فنجد أن الفكر القومي الإلغاءي والإسلام السياسي المذهبي قد قوض معالم الحياة الديمقراطية لدى شعوب الشرق الأوسط لهذا وجب التعامل مع القضايا كحقائق وأرقام ومكاشفات وهو الأنجع لكسب ثقة الجماهير بقياداتها وتنظيماتها، حيث أن إحياء خطاب الثمانينات الثوري ومحاولة تجديده أشبه بمحاولة إحياء جثة متعفنة ، فالجماهير المثارة إثر خطاب السلطة القومي أو المذهبي أكثر خطورة على بعضها بعضاً من تلك السلطة نفسها، كون اعتقاد القائد أنه إله أو نبي مرسل هو بعكس مقولة الفيلسوف الانكليزيجون لوك132 الذي قال الرئيس أجير لدى الشعب ويحق للجماهير عزله إن تجاوز صلاحياته“.

إذ لا شيء يحبط الإرادة الجمعية والفردية سوى شيئين وهما الفساد والتعنت، حيث نجد بهذا الصدد أن المناهضة الفكرية لسلبيات وسلوكيات الجماهير أفضل من الوقوع في فخ الندية والعراك الانفعالي، في ظل خطورة الجدل نسبة لوجود تقاليد سلطوية أشبه بالنظام القمعي الدولتي، تكبل الأفراد وتعمل على إقصاء مبدعيهم ومبدعاتهم، فلا يمكن مجادلة رجل دين شرق أوسطي أو متحزب شمولي، لا ير أبعد من إيديولوجية حزبه، إنهما يسيران على خط واحد وهو المحافظة على التصوف، حيث أن رجل الدين والحزب الشمولي قضيا حياتيهما في المحافظة على روح الأبوية العائلية، وأسهما بتحوير ذائقة المجتمعات وإخصاءهما عبر التاريخ، وقد استطاعا في كثير من المواقف تحويل الجماهير إلى مصفقين بحكم الخوف أو العادة.

إن الفنون في ظاهرها تشكل عماد بقاء الإنسان في صفاء وتأمل وفي باطنها تجسد تحدٍ لوهم الخوف الذي تفرضه السلطة الشمولية في العقل الباطن للجماهير، وحيث أن اللغة الموضوعية تتجه دوماً لمخاطبة الذكور دون النساء ، وجب التأكيد أبداً من أن الإتحاد المعرفي لا يتشكل أو يتكلل بالنجاح دون وحدة النبوغ الفكري الذي ترفع بنيانه المرأة إلى جانب الرجل، دون التفرد بالخطاب الذكوري المتجسد في أساليب اللغة، وأدواتها الاشتقاقية التي تتوجه للرجل بكونه المهيمن العضلي، فالأهم في هذا الصدد أن ننظر بأن تثبيت منجزات الإنسان العاقل في كل ميدان سيسبقه أو يليه محاولات التأهيل الفكرية للفئات العنيفة أو التي ارتكبت أفعالاً إجرامية أو المغرر بها دينياً أو قومياً ونعني بهم الجنسين، عالم الرجال والنساء على حد سواء، حيث أن انحسار تنظيم الدولة الإسلامية كمثال قريب خلّف الآلاف من الأسرى(مخيم الهول134)، أخصهن النساء اللاتي يعتبرن المركز الإشكالي والقادر على نقل إرث التطرف للإطفال وبأمانة، لهذا بات ضرورياً تأهيلهن تربوياً وفكرياً وعبر مراحل، لغاية مرحلة التشافي، فالوحشية السلطوية والوحشية العائلية في جوهرها واحد، وإن أي مواجهة مع السلطة لا تتم على نحو أفراد أو بقرارات أحادية محدودة وإنما تتم من خلال تمكن الإنسان من تجاوز الصدمات والتعايش مع الأمر الواقع، التفكير بمناهضة هذا الظلم وتأسيس بذور تآلف حقيقي ودافئ يدفع الأفراد المستنيرين للانطلاقة الحرة والمدروسة، فالذكورة بحاجة إلى ربطها الرمزي بمفهوم النبل، أكثر من ربطها بمفهوم الفحولة، حيث الذكورة المبتغاة معرفياً تعني اللطف والوداعة في الإقبال على الجنس الآخر، والأنوثة المعرفية تعني الإستجابة الواضحة لإيحاءات الحب ودعواته للتشارك الحقيقي الذي سيقضي بدوره على بذورنظام السلطة الشمولية ويمحي آثارها السلبية المتجسدة في جملة تقاليد وعادات مرتبطة حكماً بالإسلام السياسي.
إن التشاركية المعرفية حسب الحب وجود والوجود معرفةتقف على النقيض من خيار الحركة الفامينية، وإنما تسعى أبداً لبث البذور القوية لإنتاج نهضة تتحقق باتحاد الجنسين، فبوصول النخب المعرفية القوية إلى الحكم، نستطيع أن نقول بوجوب توطيد معالم نظام حر يقضي بصرامة على أنظمة الحكم المذهبية ذات الصبغة القومية ، عبر إحياء مجتمع المعرفة القادر على ألا يبرح أجهزة الإدارة بل يلازمها ويصحح نواقصها ، حيث تعتبر اللوبيات المجتمعية شكلاً متمماً من إدرات المركز، ولازماً ضرورياً لتطويرها حسب مقتضيات مصالح الجماهير ومنافعها، وثمة معرفيات ومعرفيين قضوا في كنف الدين والحزب ردحاً من الزمن وخرجوا بحقائق وأسس احتجاجية ناجعة كخيار بديل لفهم الحياة خارج مزاريب مفهوم إن لم تكن معي فأنت ضدي أو إنك متآمر مأجور في كل الأحوال، ولا شك أن المعرفي ساعٍ لمعرفة كل شيء الواضح منها والخفي في آن،حيث تتغير النظم وتنهار الاقتصادات بفعل التناقضات الربحية لا أكثر،حيث يتم تطويع الإرهاب ليكون وسيلة لترسيخ النفوذ المادي عبر ثبات السلطة في مكانها وتفعيل منظومتها الثقافية داخل النخب الإبداعية من كتاب سلطويين وفنانين مرتهنين، يقدمون الولاء مقابل الامتيازات الوقتية التي تمنحها السلطة لهم، حيث تغتصب السلطة مقومات الإبداع، وتسلب الطاقات الواعدة وتحيلها إلى رماد، وتسهم في خلق بذور الغرور والتسلط لدى مثقفي السلطة المنتفعين، ممن تركوا الابتكار وعززوا دافع الاحتكار المادي واللهث وراء ما تلقيه لهم السلطة من بهارج خادعة تتعلق بالشهرة والأضواء.

لماذا يلجأ المعرفي للعزلة دون الانغماس والإيغال في صلب الحركة وممارسة مهامه الحثيثة في مناهضة القوالب وسوءات التفكير المتمخضة عن علاقة السلطة القمعية بالمجتمع؟هنا سؤال يطرح نفسه في سياق بحثنا عن معضلة التوحش المستشرية تحت تأثير ضغط أجهزة الأمن على المجتمع بكامله.
إن تلك العزلة الاجتماعية ولّدت مفاهيماً مضطربة تشربها الأفراد عبر تقاليدهم وعاداتهم ، لنتأمل ما قاله الكاتب الكوردستاني يحيى سلو في كتابه لغة الجبل ص18 : “الفرد الذي لا يستخدم قدراته الذاتية والإبداعية يتحول مع الزمن إلى مجرد أداة تنفيذ، يتم تدريب وتعليم الفرد في مثل تلك الظروف على أن تتقلص دور مشاعره الإنسانية وتحكمه غرائزه التي بدورها تفتقر إلى الأحاسيس والعواطف وقوة العقل والتفكير.

السلطة الاستبدادية أعاقت تلك القدرات الذاتية لدى الإنسان ، حاربت المعرفيات والمعرفيين، بكافة الوسائل الناعمة والقسرية، فتتبع الأفراد وتحري شؤونهم اليومية هو لتذكيرهم بحقيقة سوداء، وهي أنهم في السجن ، سجن كبير اسمه الوطن ، وطن أفراده يمتهنون تكرار ما سوقته السلطة من حياة غير واثقة.إن عداء رجال السلطة مع المستنيرين تاريخي وقائم بذاته كحقيقة واضحة غير قابلة للبس ، وإن تطوير الإقصاء والقمع من عملها الكابح للإبداع والابتكار، فأحد غاياتها هو القمع الوحشي وتثبيت الخوف كنظام حياتي، هنا أمكن فهم نضالات المعرفيين على أنها البديل الحضاري والوقائي القائم إلى جانب بطش الإرهاب الدولتي أو الحزبياتي ، وإقامتهما سلطتين كبرى وصغرى، تعملان بالتنسيق فيما بينهما للحد من تطلعات الفرد للإرتقاء، فالاستمرارية في سلوك نهج التمرد والمقاومة ، لقيه في كثير من الأحيان ردود قبيحة من نظام السلطة الصغرى، الحزب المناهضلغايات تتعلق بالتمايز السلطوي والرغبة بالبروز الانتفاعي الأناني ، لو على حساب المبادئ والمصالح الشعبية .
تم إعدام المعرفي الشاعر الإسبانيلوركا136في بدايات الحرب الأهلية الاسبانية عام 1936 وأيضاً بيكاسو137الذي جسد هول الحرب وكانت لوحاته معبرة عن مقاومة المعرفيين للسلطات الترهيبية، فيقول ديفيد هيوم :الزمن وحده هو الذي يمنح الاستقرار لحق الحكام ، ومن خلال تكييفه التدريجي لأذهان البشر يصالحهم مع أي سلطة ، بعد أن يجعلها تبدو عادلة ومعقولة.”

إلا أن ديونسيوس138 يرى أن القوة السياسية مؤسسة على ذاكرة متلاشية والنسيان هو العقار المقوي الذي يسمح للحضارات بأن تعمل بنحو فعال

كل ذلك يجعلنا نؤمن بأن إرادة الجماهير الواعية والمصحوبة بإرادات الأفراد المبدعين والناشطين، تسهم في تلاشي الفجائع مع الزمن وتفتح الطريق للأجيال المستنيرة أن تبدل المآسي والفظائع مع الوقت، وما الحرية سوى وحش أخرجته السلطة القامعة من نفوس معتقليها وجماهيرها الغاضية ، حيث تنطوي النفس الغاضبة على حرية وحشية تقتحم المسكوت عنه وتنفث من أحشاءها نيراناً حمراء تحرق كل شيء حيث يقول هيجل139 في كتاب فنومينولوجيا الروحإن غياب الاختلاف مرتبط مع قوة الموت المدمرة ، أو بما يدعونه إرهاب الموت

وقد نجحت سلطة الأسد الأب والإبن في خلق هذا الأنموذج بالتقادم والتدرج، وقد استطاعت سلطة البعث السوري كما العراقي الامتطاء على البشر على اختلاف انتماءاتهم ومشاربهم ، ونجحت في تفتيت المجتمع وتأليب بعضه على بعض ، فكان ما يسمى بالوطن معتقلاً كبيراً يتزاحمه الخوف إلا أن غاص في مستنقع الفوضى اللامنتهية والذي عرف بالربيع الدموي ، التوحش الذي تعتني به السلطة الفئوية داخل معتقلاتها ظاهرة ليست بجديدة تاريخياً، لكن يتم تطويرها مع الزمن عبر ابتداع أساليب التعذيب لحصد ردة الفعل ضمن إطار ممنهج يخدم السلطة نفسها لمواجهة خصومها الألداء، حيث إطلاق سراح الإسلاميين من السجون والمعتقلات(سجن صيدنايا140) ، أجهز على تلك الهبة الشعبية من بداياتها ،عبر شعار الله أكبر وانطلاقة الجموع المنتفضة من المساجد في كل جمعة ، لم يكن ذلك مصادفة وإنما خطة تم الإعداد لها بغية وأد الحراك وإخصاءه،فأمثلة العنف تم استجلابها من الكتب المقدسة التي تصف الحوادث المتعلقة بمراحل نشوء الدين وترسيخه سياسياً، والظروف التي دعت لتبلور ذلك حياتياً، حيث عقل الفرد معبأ بمواد الانفجار على الصعيدين الأسري والتعليمي، وكذلك عبر اختلاطه بالآخرين، من الطبيعي أن تنتهز السلطة السياسية ذلك وتستعمل العنف عبر إدخاله في المنهاج التربوي التعليمي الذي تلقفه الطلبة منذ ذهابهم للمدرسة وانخراطهم في التربية والتعليم ، لقد حمى النظام البعثي نفسه حيث أخرج الإسلاميين من المعتقلات ليتم بواسطتهم تدمير الثورة وإزاحة ذوي الكفاءات القادرين على تحريك الشارع والرأي العام ، واستفاد بشكل أو بآخر من صعود الإسلام السياسي في تركيا والذي سخر هذا الأخير الإسلاميين لبلوغ غاياته في الدخول للملف السوري واستخدام الجماعات الإسلامية كوسيلة للهيمنة وكذلك فعلت إيران عبر تجنيدها للجماعات الشيعية وهكذا ارتدى التوحش عباءة إسلامية طائفية مشبعة بأسباب الحقد والكراهية فبسم إسقاط النظام جرى إسقاط الشعوب وقصف منازلها وقطع رؤوس الناس تحت مسميات وذرائع عديدة، لقد تم تغذيته بأصول القتل التاريخية، وتطعيمه بالكثير من الأساليب الحديثة للإرهاب، لأن ذلك يسهم في الإبقاء على الهيمنة الأحادية على العالم، حيث يتعارض الإرهاب مع الأخلاق والقانون، يتعارض مع الحرية والديمقراطية وينتصر للفساد لكونه من مفرزات التفتيت الروحي للمجتمع، فقد تم الإطاحة بالله تحت بند نشر شريعة الإسلام بالقوة، وتم الإطاحة بالقانون عبر الدعوة لإسقاط النظام السياسي، إذ لا تتلخص الثورة بردة الفعل إزاء ممارسات سلطة معينة ، وإنما هي مجموع إرادات وأفكار تسعى للولوج داخل المجتمع المقموع لتكون نواة للتغيير وليس مجرد تصفيات حساب سلطوية بين طرف يسعى للهيمنة على السلطة وهدفة إسقاطها، واستبدالها بسلطة لا تختلف عنها.

إن تلخيص الثورة بتبديل هرم السلطة بآخر هو تحوير فظيع للحقيقة الاجتماعية ومحاولة خبيثة للقفز على أحلام الناس في العدالة الاجتماعية والتحول الديمقراطي، هذه الإستماتة في الوصول للسلطة دون التغيير في بنيتها ، جعل الفساد الاجتماعي ينمو ويزداد بإطراد على حساب مكافحة النخبة الواعية الباحثة عن سبيل للتغيير الجوهري وإيجاد مشاريع تنموية قادرة على تبديل الواقع القائم بخلق واقع أفضل، بيد أن الخراب الذي عمّ كل مكان ,والتراجع الاقتصادي ودمار البنية التحتية حال دون بلوغ الهدف المبتغى.

نظرة في الاعتقال السياسي:

أهداف الاعتقال السياسي هو لأجل لجم العقل عن التفكير،وذلك سيتيح للسلطة الفئوية البقاء أطول أمد في الحكم، محولة المجتمع إلى قسمين مؤيد ومعارض لها، وكلاهما وقود تدفأ بهما السلطة الشمولية نفسها وقت الحاجة، فالديكتاتورية تنشأ مجتمعاً على شاكلتها ليكون مضاداً للفئة المقابلة منها.

إن من أكثر الأخطار صعوبة في ردعها هو أن يتحول الإستبداد لعقيدة مجتمعية، فباسم حماية الوطن من المؤامرات الخارجية يصطف المجتمع المؤيد بقوة وراء خطاب السلطة الشمولية، ضد الفئة المناهضة والرازحة تحت خيمة الهجرة والنزوح ، هذا التفتيت من شأنه أن يقوض أي جهود فردية لمناهضة النظام السياسي، حيث يعتبر الصراع الإجتماعي بين الفئات والشرائح لأجل مصالحها وبقاءها من الأسباب غير المباشرة لتغول السلطة واستمرارها في الإقصاء وحربها ضد الديمقراطية، حيث نفهم ذلك النهج السياسي بكونه استماتة في احتكار الاقتصاد وتمجيد الفساد كمعبود تاريخي ،ولا ريب أن الديكتاتورية تبرر لنفسها البقاء على ما هي عليه من خلال عدة مسميات وعقائد برّاقة، حالها كحال الشجرة الخضراء غير المثمرة ((ديكتاتورية البروليتاريا141)

ولاشك أن البعث خلّف جراء تحذو حذوها وتعمل على تفخيخ الجماهير من خلال الشعارات و تمتهن اللعب على الحبال أكثر من القردة نفسها،حيث ثنائية السادية والمازوشية متلازمة السلطة البعثية والمجتمع البائس،فالعنف الثوري سرعان ما يتحول لعنف سلطوي ويصبح وسيلة تدمير للمجتمع، وتقويض لمدركات ومواهب الفرد في سعيه لحياة أفضل، فما دام ثمة أناس يموتون من أجل القائد المبجل، فذلك يعني بقاء الإرهاب الدولي كنظام قمعي حقيقة ماثلة، فالإرهاب مرتبط بأولئك الذين جعلوا من أنفسهم قرابيناً للفرد، وجعلوا من أجسادهم ترساً لحماية النظام الذكوري البطرياركي، وقد حقق هذا النظام أهدافه الباطنية،بخلق مجتمع سلطوي منقسم على نفسه ويعاني من انفصام مبرر بأفكار تنشد للمثالية المجردة عن الواقع، فأحلام الدعوة للوحدة العربية جعلت المجتمعات تعتقد لأمد أن البعث هو الأساس للنهوض بالمجتمع العربي ، كما اعتقد البعض ذات حقبة أن الشيوعية هي الخلاص، أو النازية هي السبيل لعرق صافٍ وقوي، فتكوين الجنون الجماعي تأصيل للإرهاب عبر التاريخ والقوى الاستبدادية سلاسل كربونية لا تحيد عن غاية وحيدة وهي قطع صلات الفرد بواقعه وجعله إنساناً مجرداً من ذاته.

وقد نجحت النظم المستبدة في تعطيل التربية إلى حد كبير فما نراه اليوم في سوريا والعراق وأرجاء الشرق الأوسط من جماعات أصولية مناهضة للنظام وأخرى موالية واقتتالها الوحشي فيما بينها، نفهم ملياً ممارسات السلطة في تدمير العملية التربوية ونسفها من جذورها مقابل بروز العنف الضاري،لقد تم تربية الأطفال ليصبحوا أشبالاً لصدام حسين في العراق ، وأشبالاً للأسد في سوريا، وكذلك أشبالاً لأسد السنة أردوغان، إنهم في الواقع قرابين لبقاء الظلم، وبقاء المتحكمين بالبشر والعقول، وقد سقطت الأوطان تباعاً وبقي الاستبداد يُكثر من العبيد والأرقاء،وبات معملاً لإنتاج الدمار وغسل الأدمغة وضخ الفساد.

لقد نشطت مؤسسات الإسلام السياسي على إنتاج طفولة بائسة مكبلة بالفوضى والكراهية، كامتداد للمؤسسات القومية الأتاتوركية والبعثية في إخصاء العقول وتدمير الملكات الإبداعية عبر بث القهر والاستكانة والخضوع، والنتيجة حروب أهلية لا تتوقف وصفقات رابحة لبيع لأسلحة ، وإرهاب عابر للقارات لا يسلم منه أحد.
يسبر المعرفيون في بقاع الشرق الأوسط الأغوار في صناعة الثورة المعرفية المقترنة بالفكر والحضارة والأصالة، دعامتهم في ذلك تعاطف الشعوب وفهمها لمدركات أفرادها المبدعين غير القابلين للصهر أو الإبادة، إذ كلما تقادم الزمن كلما تضاعفت المهمة الملقاة على عواتف أصحاب الملكات في أن يكونوا مشاعل خلاص لمجتمعاتهم ضد قوى الفاشية العاملة على قتل تلك الروح حيث صراع قوى المعرفة والتنوير ضد قوى التجهيل والكراهية يتجسد في الحرب التركية ضد محاولات الانعتاق الكوردستانية أيما تجسيد، وما تضامن الشعوب كأفراد دون تلك الحكومات إلا دليلاً على حيوية العقل والوجدان الإنساني في إصراره على صناعة القرار المجتمعي .

إن التفاف الناس حول بعضها بعضاً عبر رابطة الحب الروحية والإدراك العقلي المتصل حتماً بتلك الروح المدركة أحد المهام الجلية التي ينفذ بها المبدع والمبدعة لكوامن الأشياء.
إن غالب الحركات الثورية التي تحولت فيما بعد لسلطوية، نجدها ترفع شعارات رفع المظالم عن الأمة وتخليصها من براثن الإستعمار، وفي الآن ذاته تقع في فخ اجترار أصول التحكم بالمجتمع بغية البقاء لأطول أمد، وتحقيق ما أمكن من نفوذ مادي واقتصادي يصب في مصلحة الفئة الحاكمة دون غيرها، حيث تفشل الدول القوموية في صهر المكونات العرقية في بوتقتها وبالتالي لا تنجح في البقاء طويلاً، إذ تتفجر العصبيات المحلية والنوازع الطائفية وتتناقض مصالح القائمين على الحكم مع بعضهم ، وينفرط هذا التعاقد المصلحي بوجود لوبيات وأجهزة تتعارك فيما بينها، إثر الاختلاف الحاصل في عملها وتقاسم ثروات البلد ، مما يتفجر الوضع داخل السلطة أولاً ويتم استخدام شرائح المجتمع في تلك العملية الانقلابية ، لتبدأ الفئات بالتناحر تحت عدة مسميات منها ارتفاع الأسعار وتفشي الفساد والدعوة لتغيير النظام إلى إسقاطه، حيث كل المفاهيم السلطوية التي تضع الاستبداد قاعدة لبقاء الدولة، تبني بذلك مجتمعاً مقهوراً ، لا يستطيع أن يحرك ساكناً إزاء القهر اليومي الذي يتعرض له، بعكس ما ذهب إليه الخبير في علم الحيوان النرويجي 142تورليف شيلدرب أن الاستبداد هو المبدأ الأساسي للاجتماع الإنساني والحيواني والنباتي والجمادي وهو الفكر الأساسي للعالم.”فالثورة كنعت تعسفي يعني نشوب حرب أهلية بطريقة ما، حرب الإرادات الجديدة ضد أصحاب الإرادات القائمة، فالإرادة المجتمعية على ضوء ذلك هي إرادة تتسم بالتابعية والمتحركة حسب مسارات التجييش الطائفي أو القومي أو الفئوي وتستسلم لضغوطات الخارج وأجنداتها الساعية لتبديل الأنظمة أو للضغط الاقتصادي عليها، هنا تبقى الجماهير عبارة عن وقود لتبدلات الدول وتلك الاملاءات الخارجية عليها في سبيل تغييرها مع الوقت أو إسقاطها، عبر خيارات التظاهرات السلمية وتليها الحرب الأهلية، وهكذا يغرق الشرق الأوسط في مستنقع الضياع فمن سوريا إلى اليمن والعراق ولبنان، وآخرها إيران، شعوب غارقة في دماءها ، ووحوش تقصف وتقتل وتدمر إرضاء لغايتها في البقاء،فتناقض المصالح الدولية تخلق أسساً للفوضى ، كما تكون أحياناً وراء صعود أنظمة على حساب سقوط أنظمة أخرى، ولا تأبه تلك المصالح لغزارة الدماء وهول الدمار، بل إنها تسعر التوحش تبعاً لحاجتها من تلك الدولة، حيث انهيارها الاقتصادي سيسهم في تفككها وتفتتها مع الوقت، وبقاء القضية الكوردية دون حل يفسح أكثر لتداخلات المصالح وإعادة ترتيب المنطقة بما ينسجم مع تطلعات الدول الكبرى للهيمنة على الموارد.
وما نعنيه بالهبة الشعبية المصطنعة هي الناتجة عن شعوب غير متجانسة تشترك بالمواطنة في ظل كيانات مصطنعة تم إنشاؤها حسب اتفاقية سايكس بيكو على أنقاض السلطة العثمانية ، حيث لم تكن لهذه البلاد كيانات حقيقية منذ أن تقاسمت تلك الأراضي سلطة المماليك في الشام ومصر والمغول لما يعرف بالعراق الحالية، وأما كوردستان فقد كانت جزأين ملحقين للسلطة العثمانية من جهة والصفوية من جهة أخرى، تلك التقسيمات لم تحقق فيما بعد مجتمعاً طبيعياً متجانساً، وإنما قامت الأنظمة الحاكمة لتلك البلاد بخلق مشكلات مجتمعية ديمغرافية وأخرى طائفية، فكانت الحروب الأهلية في لبنان، والانقلابات العسكرية في سوريا والعراق، ومن ثم تسلم البعث الحكم في البلدين ناهيك عن حروب سلطة الأسد للأخوان المسلمين واحتلالها لما يعرف بدولة لبنان، وانشغال سلطة صدام حسين بالحروب الخارجية مع إيران وكذلك غزو الكويت كتصدير لأزماته الداخلية على غرارها فعلت إيران وتركيا في تمددها، فكيانات الشرق الأوسط متشابهة في أنظمتها وكذلك ذهنية شعوبها، ولا تزال محميات دولية.

إن خطر الإيديولوجية القومية ذي الطابع العرقي المتعالي، متشح بعباءة الطائفية وقد جعل الكيان المصطنع بمثابة لغم كبير يوشك أن ينفجر في أي لحظة، بفعل العامل الخارجي، أو الضغط الاقتصادي فملايين الناس بلا عمل وتعيش على خط الفقر، والبطالة تتشعب وتتضخم باستمرار، ناهيك من أن الفساد يطبق بمخالبه على كافة المؤسسات الأمنية منها والخدمية ذلك كله ضمن ذلك الكيان المتأرجح ،وواقع مزرِ يتفشى بضراوة في كافة الميادين وصعد الحياة، هكذا وببروز عوامل الضعف والانحطاط، يغيب مفهوم الاتحاد ويضمحل لصالح بروز جماعات الظلام المستفيدة من ذلك الخراب الروحي المجتمعي.

فالدين السياسي هو نوع من أنواع الإرهاب المباشر والذي يتسم بقسوته المستندة على نصوص تحض على العنف، وتجد من المرأة وسيلة إمتاع ومؤانسة، فتعيد للأذهان الجلد وقطع اليد، وطلب الجزية عنوة أو دونه القتال، فأي فلسفة في الدين، وأي معنى خارج الترهيب والترغيب؟!!، كما زعم أنطون سعادة143 في كتابه نشوء الأمم : ص 69 “الدين من الوجهة العقلية،نوع من أنواع الفلسفة، في تعليل مظاهر الكون ، وتقدير نهايته ومصير النفس البشرية.”لقد سعت الايديولوجيات القومية إلى قص القصص والأساطير التاريخية التي تبرز التفوق العرقي ، لتكون بذلك سلاحاً مسلّطاً ضد القوميات المجاورة،واستخدمت التاريخ لتوظيفه كعامل مهيج ومحرض للتحارب والتنابذ مع الأقوام الأخرى، مما استطاعت أن تحوز على السلطة بيسر إثر دغدغتها لأحلام الجماهير عبر إذكاء نيران التعالي والتفوق القومي، فباتت النظم القومية سلاحاً مسلطاً على تلك الشعوب المتعالية نفسها إذ باتت تبريراً لتلك النظم ببقاء نفوذها واستبدادها وكذلك لترسيخ الطائفية خلف عباءة القومية ومحاربة الاستعمار، الامبريالية والصهيونية العالمية وما شابه ذلك من شعارات أغوت الشارع العربي وجعلته يسير كالعميان إلى مضافة النحر والهزيمة المعنوية، حيث اختزنت داخل الجغرافيا المتشعبة مشاكل متعددة وأذابت مكونات لغوية عرقية كثيرة ببوتقة لغة واحدة، ناهيك عن تخلف ذلك الخطاب المطعم بالإسلام السياسي، فبات الانفجار الشعبي وشيكاً والتنازع المنفعي ضرورة والخراب الروحي والتفكك الاجتماعي واقعاً حتمياً، ببروز حروب أهلية متشعبة وما تكاد تنشب في رقعة معينة حتى تتسع لتشمل بقاعاً أخرى.

* الخلاصة :

يصارع المعرفيون لأجل الإبقاء على القيم الأخلاقية عبر التاريخ , من خلال تشبثهم بالواجب الإنساني رغم العوائق الجمة التي وقفت وتقف في طريقهم.

وبمراجعتنا لكتاب ( الإرهاب المقدس) لتيري إيغلتون يمكن مراجعة جوانب ظاهرة القداسة وجذورها التاريخية أكثر، وقد كان المعادل الموضوعي أمام كل ذلك هو بروز الإنسان المعرفي بإحساس عال من المسؤولية والمواجهة أمام محاولات المتألهين لطمس معالم الحضارة الإنسانية من خلال الدعوة لتأسيس مجتمع المعرفة الذي يمهد لانبثاق الوجود الآمن.

ونجاح الإفريقي المعرفي نيلسون مانديلا 144في مسيرة نضاله ومواقفه الواضحة على الالتزام بقيم المعرفة ونبذ العنف والتمييز ,خير تمثل بتجلي المعرفية, ولعل المواقف ترسِّخ أسس النهضة انطلاقاً من وحدة المصائر وإيماناً بالسلام العالمي، اعتماداً على خلاصة التجارب الإنسانية التي اجتمعت حولها الدساتير والقوانين الأخلاقية والتشريعات الاجتماعية للحد من التحلل ولبلوغ الحياة الراقية التي عمادها الفهم والإدراك والإيمان، وحيث أن حركة الواقع متأتية من احتكاك الإنسان بأدوات وجوده واجتماعه بالآخرين ممن يشاركهم الحاجات والقيم والمشاعر السامية، لزم وجود المثل والقيم الأخلاقية لتشكل الوازع والرادع لمحاولات توحش البشرية ، حيث نجد العديد من البشر انقسموا لفئتين عبر التاريخ القديم, المعرفيون ذوي العقول والمهارات ممن يبذلون الجهد لخدمة الحياة والإنسان أمام الانانيون الذين اجتمعوا على المفاسد والعيوب والفوضى بكل أبعادها والاحتكار بأبشع وسائله،وثمة صراع دائم ووطيد بين الفئتين، هذا التصارع القائم على الإنهاك المستمر ,ولعل فلسفة الحب وجود والوجود معرفة استخلاص نابع من حقيقة القيم الطبيعية كدعوة للإنسان الجديد في التخلص من كل ما يشوب علاقته بالآخر والعالم لأجل تحقيق الرفاهية المستدامة.

وقد كان المفكر المعرفي (جان جاك روسو145) رائداً في المثالية وكتابه العقد الاجتماعي عدّ إنجيلاً للثورة الفرنسية والذي أيقن أنه ما من ثورة تنطلق وتتجلى إلا حين تستمد جوهرها من القيم الطبيعية، فسير كل حركة نهضوية مرجعها الأساس من المثل,والمثالية لا تسقط، فلابد من وضع فرضية لبناء فعل أو تشكيل نسق أفكار ورؤى، وبما أن الإنسان محكوم بالموت والخوف والوهم، كانت المثالية الروحانية بديلاً غرائزياً عن التخبط والألم.

تمت

ريبر هبون في سطور :
– هو ريبر عادل أحمد

– من مواليد منبج – سوريا 1987

– درس اللغة العربية في جامعة حلب

-يقيم منذ عام 2015 في ألمانيا

– يكتب باللغتين الكردية والعربية

– مؤسس دار تجمع المعرفيين الأحرار للنشر الالكتروني

*المؤلفات :

في الشعر :


– ديوان صرخات الضوء باللغة العربية عام 2016

– ديوان صرخات الضوء بالكردية 2020

– جوقات كوردستانية 2019 مشترك مع الشاعرة بنار كوباني

في النثر والدراسات :
– أطياف ورؤى 2017 نصوص ودراسات
– دلالات ما وراء النص في عوالم محمود الوهب- دراسة نقدية

– فك المرموز في روايات حليم يوسف – دراسة نقدية

في الحوار والمناظرات :
– معرفيون ومعرفيات – حوارات

– أفكار صاخبة – مناظرات

في إعداد كتب :
– قراءة للمشهد السياسي في غربي كوردستان

– عفرين مقاومة العصر

– بارين أيقونة الزيتون

في الجرائد والصحف :

– عمل على تحرير صحيفة الحب وجود والوجود معرفة

– له العديد من المقالات والدراسات المنشورة في مختلف الدوريات والصحف الالكترونية كالحوار المتمدن ، مركز النور، صحيفة الفكر وصحيفة المثقف والفيصل ونواكشوط وصوت كوردستان.

في الأنشطة الأدبية والفكرية المختلفة :


– شارك في الملتقى الأدبي الثالث لشعراء مدينة منبج 2008

– أقام العديد من الندوات والأمسيات الأدبية في منبج وحلب كنادي التمثيل العربي واتحاد الكتاب العرب.

– وكذلك في ألمانيا شارك في العديد من المتلتقيات الأدبية وله العديد من المقابلات الإذاعية والتلفزيونية الكردية.

– عضو في اللجنة الإدارية سابقاً لاتحاد مثقفي غريي كوردستان HRRK

– يقدم برنامج معرفيون باللغتين الكردية والعربية .
– يحاضر في سلسلة فلسفته الحب وجود والوجود معرفة

أعمال قيد الطباعة أو التأليف :
– كتاب REWREKÊN XWÎNÎ بالكردية .

– فك المرموز في قصص حليم يوسف

– مجموعة قصصية بعنوان بكاء المصابيح

– ترجمة ديوان الشاعر اسماعيل أحمد الحب كرنفال إلهي من العربية إلى الكردية.

المصادر والمراجع :

– ويكيبيديا

– بول ريكور , من النص إلى الفعل ، أبحاث التأويل، ترجمة : محمد برادة ، حسان بورقيه

– رؤية نقدية في ظاهرة التخلف السياسي الكوردي في سوريا ، مشعل تمو ، مركز جلادت بدرخان الثقافي، القامشلي

– أنطون سعادة ، نشوء الأمم

– الموت في الفكر الغربي، تأليف : جاك شورون ، ترجمة : شوقي جلال ، مراجعة : صدقي حطاب ، عالم المعرفة

– الإنسان وعلم النفس ، تأليف: د . عبد الستار ابراهيم، عالم المعرفة.

– قلق الموت ، د . أحمد محمد عبد الخالق، عالم المعرفة

– الاتجاهات التعصبية، تأليف : د. معتز سيد عبد الله – عالم المعرفة

– النظرية الاجتماعية من بارسونز إلى هابرماس، تأليف : إيان كريب ، ترجمة : د . محمد حسين غلوم، مراجعة : د. محمد عصفور – عالم المعرفة

– لماذا ينفرد الإنسان بالثقافة؟ ، الثقافات البشرية : نشأتها وتنوعها، تأليف: مايكل كاريذرس ، ترجمة: شوقي جلال .

– سوسيولوجيا الحرية ، عبد الله أوجلان

– عبد الله أوجلان المرافعات المقدمة إلى محكمة حقوق الإنسان الأوروبية

– عبد الله أوجلان حول الإسلوب ونسق الحقيقة، أكاديمية عبد أوجلان للعلوم الاجتماعية

– جوناثان راندل، أمة في شقاق، دروب كوردستان كما سلكتها، دار النهار

– الصادق النيهوم ، إسلام ضد الإسلام، رياض الريس للكتب والنشر.

– سلسلة الفكر ، أعداء الحوار ، أسباب اللاتسامح ومظاهره، مايكل أنجلو ياكوبوتشي، تقديم : ـ أمبرتو إيكو، ترجمة : د. عبد الفتاح حسن ، مكتبة القراءة للجميع.

– الإنسانية والوجودية في الفكر العربي ، تأليف: عبد الرحمن بدوي، دار القلم بيروت لبنان

– أوليفييه روا، الجهل المقدس زمن دين بلا ثقافة، دار الساقي، ترجمة: صالح الأشمر

– آيات شيطانية ، سليمان رشدي

– غوستاف لوبون ، سيكولوجية الجماهير، ترجمة وتقديم: هاشم صالح، دار الساقي

– الدكتور علي الوردي، مهزلة العقل البشري، دار كوفان لندن، الطبعة الثانية 1994

– تيري إيجلتون، الإرهاب المقدس، ترجمة: أسامة إسبر- بدايات للطباعة والنشر والتوزيع جبلة -سوريا.

الهوامش :

1

الهولوكوست (من اليونانية ὁλόκαυστος holókaustos: حيث hólos تعني الكلوkaustós تعني محروق“)، تُعرف أيضاً باسم شوأه (عبرية: השואה تلفظ هشوآء وتعني الكارثة“)، هي إبادة جماعية وقعت خلال الحرب العالمية الثانية قُتِل فيها ما يقرب من ستة ملايين يهودي أوروبي على يد النظام النازي لأدولف هتلر والمتعاونين معه.

2

هيروشيما (باليابانية: 広島市) هي مدينة في اليابان، تقع في جزيرة هونشو، وتشرف على خليج هيروشيما“. عاصمة محافظة هيروشيماوأكبر مدنها. اشتهرت عالميا لانها كانت أول مدينة في العالم تلقى عليها قنبلة ذرية. يبلغ عدد سكانها حوالي 1,136,684 نسمة (2003).

3

حلبجة (بالكردية: هەڵەبجە، Helebce‏) مدينة كردية في جنوب كردستان (العراق)

4

الثورات العربية، أو الربيع العربي أو ثورات الربيع العربي في الإعلام، هي حركات احتجاجية سلمية ضخمة انطلقت في بعض البلدان العربية خلال أواخر عام 2010 ومطلع 2011، متأثرة بالثورة التونسية التي اندلعت جراء إحراق محمد البوعزيزي نفسه ونجحت في الإطاحة بالرئيس السابق زين العابدين بن علي.

5

اتفاقية سايكس بيكو في 1916 هي معاهدة سرية بين فرنسا والمملكة المتحدة بمصادقة من الإمبراطورية الروسية وإيطاليا على اقتسام منطقة الهلال الخصيب بين فرنسا وبريطانيا، ولتحديد مناطق النفوذ في غرب آسيا وتقسيم الدولة العثمانية التي كانت المسيطرة على تلك المنطقة في الحرب العالمية الأولى.

6

نيكولو دي برناردو دي ماكيافيلّي (بالإيطالية: Niccolò di Bernardo dei Machiavelli)‏ (3 مايو 1469 – 21 يونيو 1527) ولد وتوفي في فلورنسا، كان مفكرًا وفيلسوفًا سياسيًا إيطاليًّا إبان عصر النهضة. أصبح مكيافيلي الشخصية الرئيسية والمؤسس للتنظير السياسي الواقعي، والذي أصبحت فيما بعد عصب دراسات العلم السياسي. أشهر كتبه على الإطلاق، كتاب الأمير، والذي كان عملاً هدف مكيافيلي منه أن يكتب نصائح لـلحاكم ، نُشرَ الكتاب بعد موته، وأيد فيه فكرة أن ماهو مفيد فهو ضروري، والتي كان عبارة عن صورة مبكرة للنفعية والواقعية السياسية.

7

الهلال الشيعي مصطلح سياسي استخدمه الملك الأردني عبد الله الثاني بن الحسين للواشنطن بوست أثناء زيارته للولايات المتحدة في أوائل شهر ديسمبر عام 2004، عبر فيه عن تخوفه من وصول حكومة عراقية متعاونة مع إيران إلى السلطة في بغداد تتعاون مع نظام الثورة الإسلامية بطهران و نظام البعث بدمشق لإنشاء هلال يكون تحت نفوذ الشيعة يمتد إلى لبنان.

8

بينيديتو كروتشه كان فيلسوفًا مثاليًا ومؤرخًا وسياسيًا إيطاليًا، تناول موضوعات عديدة في كتاباته، من بينها الفلسفة والتاريخ وعلم التأريخ والجماليات

9

جانبول شارل ايمارد سارتر (بالفرنسية: Jean-Paul Sartre)‏ (21 يونيو 1905 باريس – 15 أبريل 1980 باريس) هو فيلسوف وروائي وكاتب مسرحي كاتب سيناريو وناقد أدبي وناشط سياسي فرنسي.

10

أشار المؤلف يوحنا جـ. استوسينجر في كتابه لماذا تذهب الأمم إلى الحرب، إلى أن كلا الطرفين سيدعيان أن الأخلاق هي مبرر قتالهم. وهو ينص أيضا على أن الأساس المنطقي لبداية الحرب يعتمد على تقييم مفرط في التفاؤل لنتائج القتال (الإصابات والتكاليف)، وعلى التصورات الخاطئة لنوايا العدو.

11

كارل هانريك ماركس (بالألمانية :Karl Marx، تلفظ ألماني: [ka:ɐ̯l ˈhaɪnʀɪç ˈma:ɐ̯ks])، كان فيلسوف ألماني، واقتصادي، وعالم اجتماع، ومؤرخ، وصحفي واشتراكي ثوري (5 مايو 1818م – 14 مارس 1883م). لعبت أفكاره دورًا هامًا في تأسيس علم الاجتماع وفي تطوير الحركات الاشتراكية. واعتبر ماركس أحد أعظم الاقتصاديين في التاريخ. نشر العديد من الكتب خلال حياته، أهمُها بيان الحزب الشيوعي (1848)، و رأس المال (1867)

12

فريدريش فيلهيلم نيتشه (بالألمانية: Friedrich Nietzsche) ‏ (15 أكتوبر 1844 – 25 أغسطس 1900) فيلسوف ألماني، ناقد ثقافي، شاعر وملحن ولغوي وباحث في اللاتينية واليونانية. كان لعمله تأثير عميق على الفلسفة الغربية وتاريخ الفكر الحديث.

13

دائرة المعارف الأمريكية عام 1983هي إسم ودي لجمعيات تطوعية

14

قاموس الكتاب العالمي هو قاموس إنجليزي مكون من مجلدين تم نشره كملحق لـ موسوعة الكتاب العالمية. تم نشره في الأصل عام 1963 تحت إشراف تحرير كلارنس بارنهارت.

15

بليز باسكال “Blaise Pascal”؛ (19 يونيو 1623 – 19 أغسطس 1662)، فيزيائي ورياضي وفيلسوف فرنسي اشتهر بتجاربه على السوائل في مجال الفيزياء، وبأعماله الخاصة بنظرية الاحتمالات في الرياضيات هو من اخترع الآلة الحاسبة. استطاع باسكال أن يسهم في إيجاد أسلوب جديد في النثر الفرنسي بمجموعته الرسائل الريفية.

16

رينيه ديكارت (بالفرنسية: René Descartes)‏ (31 مارس 1596 – 11 فبراير 1650)، فيلسوف، وعالم رياضي وفيزيائي فرنسي، يلقب بـأبو الفلسفة الحديثة، وكثير من الأطروحات الفلسفية الغربية التي جاءت بعده، هي انعكاسات لأطروحاته، والتي ما زالت تدرس حتى اليوم، خصوصًا كتاب (تأملات في الفلسفة الأولى-1641م) الذي ما زال يشكل النص القياسي لمعظم كليات الفلسفة. كما أن لديكارت تأثير واضح في علم الرياضيات، فقد اخترع نظامًا رياضيًا سمي باسمه وهو (نظام الإحداثيات الديكارتية)، الذي شكل النواة الأولى لـ(الهندسة التحليلية)، فكان بذلك من الشخصيات الرئيسية في تاريخ الثورة العلمية.

17

باروخ سبينوزا (بالهولندية: Baruch Spinoza) هو فيلسوف هولندي من أهم فلاسفة القرن 17. ولد في 24 نوفمبر 1632 في أمستردام، وتوفي في 21 فبراير 1677 في لاهاي.

18

إيمانويل كانت أو إيمانويل كانط (بالألمانية: Immanuel Kant) هو فيلسوف ألماني من القرن الثامن عشر (1724 – 1804). عاش حياته كلها في مدينة كونيغسبرغ في مملكة بروسيا. كان آخر الفلاسفة المؤثرين في الثقافة الأوروبية الحديثة. وأحد أهم الفلاسفة الذين كتبوا في نظرية المعرفة الكلاسيكية. كان إيمانويل كانت آخر فلاسفة عصر التنوير الذي بدأ بالمفكرين البريطانيين جون لوك وجورج بيركلي وديفيد هيوم.

19

آرثر شوبنهاور (بالألمانية: Arthur Schopenhauer)(22 فبراير 1788 – 21 سبتمبر 1860 م) فيلسوف ألماني، معروف بفلسفته التشاؤمية.

20

كارل مانهايم (Karl Mannheim) (1893-1947) عالم اجتماع يهودي، مجري الأصل من مؤسسي علم الاجتماع الكلاسيكي ويعد مؤسس علم اجتماع المعرفة.

21

أَرِسْطُو (بالإغريقية: Ἀριστοτέλης) ‏( 384 ق.م – 322 ق.م ) أو أَرِسْطُوطَالِيس أو أرسطاطاليس هو فيلسوف يوناني وتلميذ أفلاطون ومعلم الإسكندر الأكبر. وهو مؤسس مدرسة ليسيوم ومدرسة الفلسفة المشائية والتقاليد الأرسطية، وواحد من عظماء المفكرين. تغطي كتاباته مجالات عدة، منها الفيزياء و‌الميتافيزيقيا و‌الشعر و‌المسرح و‌الموسيقى و‌المنطق و‌البلاغة و‌اللغويات و‌السياسة و‌الحكومة و‌الأخلاقيات و‌علم الأحياء و‌علم الحيوان.كان لفلسفته تأثير فريد على كل شكل من أشكال المعرفة تقريبًا في الغرب، ولا يزال موضوعًا للنقاش الفلسفي المعاصر.

22

الفارابي وعُرِف بأبي نصر واسمه الأساسي محمد، وُلد عام 260 هـ(874 م)، في فاراب في إقليم تركستان (كازاخستان حاليًا) وتُوفي عام 339 هـ(950م). لُقب باسم الفارابي نسبةً للمدينة التي ولد فيها وهي فاراب. يعُتبر الفارابي فيلسوفاَ ومن أهم الشخصيات الإسلامية التي أتقنت العلوم بصورة كبيرة كالطب والفيزياء والفلسفة والموسيقى وغيرها.

23

سعى نيتشه إلى تبيان أخطار القيم السائدة، عبر الكشف عن آليات عملها عبر التاريخ، كالأخلاق السائدة، والضمير. يعد نيتشه أول من درس الأخلاق دراسة تاريخية مفصلة. قدم نيتشه تصوراً مهماً عن تشكل الوعي والضمير، فضلاً عن إشكالية الموت. كان نيتشه رافضاً للتمييز العنصري ومعاداة السامية والأديان ولا سيما المسيحية، لكنه رفض أيضاً المساواة بشكلها الاشتراكي أو الليبرالي بصورة عامة.

24

ألفريد ادلر (7 فبراير 1870 – 28 مايو 1937)، هو طبيب عقلي نمساوي، مؤسس مدرسة علم النفس الفردي، اختلف مع فرويد وكارل يونغ بالتأكيد على أن القوة الدافعة في حياة الإنسان هي الشعور بالنقص والتي تبدأ حالما يبدأ الطفل بفهم وجود الناس الآخرين والذين عندهم قدرة أحسن منه للعناية بأنفسهم والتكيف مع بيئتهم.

25

سيغموند شلومو فرويد يعرف اختصارًا بـسيغموند فرويد (6 مايو 1856—23 سبتمبر، 1939) هو طبيب نمساوي من أصل يهودي، اختص بدراسة الطب العصبي ومفكر حر يعتبر مؤسس علم التحليل النفسي.

26

أمين معلوف (بالفرنسية: Amin Maalouf)‏ أديب وصحافي لبناني ولد في بيروت في 1949، ويقيم حاليًا في فرنسا. له العديد من المؤلفات في الرواية والتاريخ والمسرح الشعري والسياسة، لكن شهرته كانت في الأعمال الروائية، وقد ترجم بعضها إلى نحو 40 لغة.

27

منظمة حلف شمال الأطلسي (بالإنجليزية: North Atlantic Treaty Organization)‏ ويُعرف اختصاراً الناتو (بالإنجليزية: NATO)‏، بالفرنسية (Organisation du Traité de I’Atlantique Nord) اختصاراً (OTAN)، هي منظمة عسكرية دولية تأسست عام 1949م بناءً على معاهدة شمال الأطلسي التي تم التوقيع عليها في واشنطن في 4 ابريل سنة 1949.

28

الحَشد الشعبيّ هي قوات نظامية عراقية، وجزء من القوات المسلحة العراقية، تأتمر بأمرة القائد العام للقوات المسلحة ومؤلفة من حوالي 67 فصيلاً، تشكلت بعد فتوى الجهاد الكفائي التي أطلقتها المرجعية الدينية في النجف الأشرف، وذلك بعد سيطرة تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) على مساحات واسعة في عدد من المحافظات الواقعة شمال بغداد

29

حزب الله هو جماعة شيعية إسلامية مسلحة وحزب سياسي مقره في لبنان.

30

لواء فاطميون هي ميليشيا أفغانية شيعية أسسها علي رضا توسلي (المعروف بأبو حامد) في عام 2014 لقتال المعارضة السورية.

31

لواء أبو الفضل العباس هي مجموعة شيعية مسلحة تضم مقاتلين عراقيين ينتمي أغلبهم إلى عصائب أهل الحق والتيار الصدري وكتائب حزب الله في العراق

32

حركة أنصار الله (كانت تسمى بحركة الشباب المؤمن)، هي حركة سياسية دينية مسلحة تتخذ من مدينة صعدة شمال اليمن مركزاً رئيسياً لها. عرفت إعلامياً وسياسياً باسم الحوثيين نسبة إلى مؤسسها بدر الدين الحوثي المرشد الديني للجماعة.

33

حق النقض والمعروف بـ حق الفيتو (وتعني نقض من اللغة الإنجليزية) هو حق الاعتراض على أي قرار يقدم لمجلس الأمن دون إبداء أسباب، ويمنح للأعضاء الخمس دائمي العضوية في مجلس الأمن، وهم:روسيا،الصين،المملكة المتحدة،فرنسا والولايات المتحدة

34

غسيل الدماغ (بالإنجليزية: Brainwashing)‏ يقصد به تحويل الفرد عن اتجاهاته وقيمه وأنماطه السلوكية وقناعاته، وتبنيه لقيم أخرى جديدة تفرض عليه من قبل جهة ما سواء كانت فرداً أو مجموعة أو مؤسسة أو دولة. ويندرج مصطلح غسل الدماغ تحت مسميات مختلفة تحمل المفهوم نفسه مثل: إعادة التقويم، وبناء الأفكار، والتحويل والتحرير المذهبي الفكري، والإقناع الخفي، والتلقين المذهبي، وتغيير الاتجاهات.

35

ولد مكيافيلي في فلورنسا لمحامٍ هو برناردو دي نيكولا مكيافيلي وبارتولومي دي استفانو نيلي، واللذين كانا منحدرين من أسرة توسكانية عريقة. وكان والده من النبلاء ولم يتلقى ميكيافيلي تعليماً واسعاً لكنه أظهر ذكاءً حادا. اتبع ميكافيللى في بداية الأمر رجل الدين والسياسي الإيطالي جيرولامو سافونارولا الذي كان ينتمي إلى نظام الرهبان الدومينيكان والذي كان قد منح لقب خادم الرب، وكان سافونارولا يخاطب داعياً الشباب الإيطالي إلى التمسك بالفضيلة لكن ميكيافيلي لم يلبث أن ابتعد عنه؛ حيث أن ميكيافيلي كان رجلاً سياسياً يسعى إلى فصل الدين عن السلطة بجعل مدينة فلورنسا جمهورية.

36

ولد في عائلة يهودية و عريقة من الطبقة الوسطى في مدينة ترير في راينلاند البروسية.وهو الثاني في عائلة من ثمانية أطفال. والده ، هاينريش ماركس (1777-1838), وكان محامياً من عائلة حاخامات اليهود الأشكناز.

لم يكن ماركس يهوديًا دينًا بل عرقيًا. كان جده لأمه حاخامًا هولنديًا

37

عفرين (بالكردية: Efrîn‏) مدينة كردية تقع في شمال غرب سوريا .

38

تل أبيض (Girê sipî)بالكردية مدينة كردية تقع في منطقة الجزيرة في شمال سوريا .

39

رأس العين (serê kaniyê) بالكردية، مدينة كردية تقع في منطقة الجزيرة في شمال سوريا.

40

أدولف هتلر (بالألمانية: Adolf Hitler) (20 أبريل 1889 – 30 أبريل 1945) حاكم ألمانيا النازية

41

عبد الله أوجلان (بالكردية: عەبدوڵڵا ئۆجەلان، Ebdullah Ocelan)‏ ويعرف باسم آپو” (أورفة، 4 نيسان/أبريل 1948) ، مؤسس حزب العمال الكردستاني عام 1978.

42

صدام حسين المجيد (28 أبريل 1937 – 30 ديسمبر 2006) رابع رئيس لجمهورية العراق.

43

حافظ الأسد (6 تشرين الأول 1930 – 10 حزيران 2000) رئيس سابق للجمهورية العربية السورية.

44

مُعمّر محمد عبد السلام القذّافي (7 يونيو 1942 – 20 أكتوبر 2011). المعروف باسم العقيد القذافي. كان سياسيًا وثوريًا ليبيًا حكم ليبيا لأكثر من 42 سنة.

45

تشكيل دولي أوروبي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية لمحاربة تنظيم الدولة الإسلامية داعش.

46

الدَّوْلَةُ العُثمَانِيَّة، أو الدَّوْلَةُ العَلِيَّةُ العُثمَانِيَّة (بالتركية العثمانية: دَوْلَتِ عَلِيّهٔ عُثمَانِيّه؛ بالتركية الحديثة: Yüce Osmanlı Devleti) أو الخِلَافَةُ العُثمَانِيَّة، هي دولة إسلامية أسسها عثمان الأول بن أرطغرل، واستمرت قائمة لما يقرب من 600 سنة، وبالتحديد من 27 يوليو 1299م حتى 29 أكتوبر 1923م

47

الدَّوْلَةُ الصَّفْويَّةُ أو الإِمْبِراطوريَّةُ الصَّفْويَّةُ (بالفارسية: ایران صفوی) هِيَ دَوْلَةٌ شيعيَّةٌ على المذْهبِ الِاثْنَيِّ عُشْري تأَسّست فِي إيران وانطلقت منها لِلتّوسُّع في الشَّرق والغرب باتجاه خراسان وأفغانستان وأذربيجان والعراق وديار بكر وبلاد الكرج فِي الشَّمال. تولت الحكم في إيران منذ عام 1501م وحتى عام 1763م

48

تنظيم الدولة الإسلامية أو الدولة الإسلامية أو الدولة الإسلامية في العراق والشام كان يسمى تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام الذي يُعرف اختصاراً بـ داعش، وهو تنظيم مسلَّح يتبع فكر جماعات السلفية الجهادية، ويهدف أعضاؤه حسب اعتقادهمإلى إعادة الخلافة الإسلامية وتطبيق الشريعة

49

اليزيديون أو الإيزيديون (بالكردية: ئێزیدی، Êzîdî‏) هم مجموعة عرقية دينية كُرديّة ذي جذور آريَّة ومُتحدِّثي الكرمانجية، تتمركز في كُردِستَان.

50

سكان نزحوا من الغوطة واستوطنوا عفرين إثر صفقة روسية تركية .

51

أرماندو تيستا (23 مارس 1917 – 20 مارس 1992) كان مصمم جرافيك إيطاليًا ورسام كاريكاتير ورسام رسوم متحركة ورسام.مولود في تورينو،

52

البيشمركة (بالكردية: پێشمه‌رگه، Pêşmerge‏) أو رسمياً قوات البيشمركة الكردية هي قوات عسكرية والمصطلح الذي يستخدمه الكرد للإشارة إلى المقاتلين الكرد. حرفيًا المصطلح يعني الذين يواجهون الموت“.

53

وحدات حماية الشعب (بالكردية: یەکینەکانی پاراستنی گەل، Yekîneyên Parastina Gel‏) اختصارًا: “YPG” هي فصائل مسلحة كردية غير معترف بها من قبل الحكومة السورية، وتشكل قواتها العمود الفقري لقوات سوريا الديمقراطية.

54

كوباني بالكرديةوالمعربة ب عين العرب مدينة كردية تقع في أقصى الشمال السوري.

55

جامع الأزهر هو أهم مساجد مصر على الإطلاق، وأحد المعاقل التاريخية لنشر وتعليم الإسلام كذلك هو واحد من أشهر المساجد الأثرية في مصر والعالم الإسلامي.

56

جورج غوردون بايرون، سادس بارون بايرون أو اللورد بايرون (Lord Byron؛ 22 يناير 1788 في إنجلترا – 19 أبريل 1824 في اليونان) شاعر بريطاني من رواد الشعر الرومانسي

57

نسبة لمؤسس حزب العمال الكوردستاني عبد الله أوجلان

58

نسبة للثائر الكوردي الملا مصطفى محمد عبد السلام عبد الله البارزاني 1903 – 1979

59

نسبة لمؤسس الاتحاد الوطني الكردستاني جلال حسام الدين نور الله نوري الطالباني (12 نوفمبر 1933 – 3 أكتوبر 2017)

60

أبو العلاء المعري (363 هـ – 449 هـ) (973 -1057م) هو أحمد بن عبد الله بن سليمان القضاعي التنوخي المعري، شاعر ومفكر ونحوي وأديب من عصر الدولة العباسية.

61

ديكارت هو الشخصية الرئيسية لمذهب العقلانية في القرن 17 الميلادي، كما كان ضليعًا في علم الرياضيات، فضلًا عن الفلسفة، وأسهم إسهامًا كبيرًا في هذه العلوم، وديكارت هو صاحب المقولة الشهيرة التي تدعى الكوجيتو : “أنا أفكر، إذًا أنا موجود

62

مارتن هايدغر (بالألمانية: Martin Heidegger)‏ (20 سبتمبر 1889 – 26 مايو 1976) فيلسُوف أَلَمَّانِي.

63

ولد سيجموند فرويد في 6 مايو 1856 في أسرة تنتمي إلى الجالية اليهودية في بلدة بريبور (باللغة التشيكية:Příbor)، بمنطقة مورافيا التابعة آنذاك للإمبراطورية النمساوية

64

سورة الأنفال سورة مدنية ماعدا الآيات من 30: 36 فمكية، هي من سور السبع الطوال، عدد آياتها 75 آية، هي السورة الثامنة في ترتيب المصحف

65

وُقعت معاهدة فرساي في يونيو 1919 في قصر فرساي في باريس في نهاية الحرب العالمية الأولى، وتضمنت شروط السلام بين الحلفاء المنتصرين وألمانيا

66

دوجلاس فيلدز ، دكتوراه ، عالم أعصاب ومؤلف أمريكي. عمل في جامعة كاليفورنيا في سان دييغو ، وجامعة ستانفورد ، وجامعة ييل ، والمعاهد الوطنية للصحة.

67

جون ستيوارت مل (بالإنجليزية: John Stuart Mill)‏ هو فيلسوف واقتصادي بريطاني، ولد في لندن عام 1806م، وتوفي في 8 مايو 1873 .

68

محمد بن علي بن محمد بن عربي الحاتمي الطائي الأندلسي الشهير بـ محيي الدين بن عربي، أحد أشهر المتصوفين لقبه أتباعه وغيرهم من الصوفيين بالشيخ الأكبر، ولذا تُنسب إليه الطريقة الأكبرية الصوفية. ولد في مرسية في الأندلس في شهر رمضان عام 558 هـ الموافق 1164م قبل عامين من وفاة الشيخ عبد القادر الجيلاني. وتوفي في دمشق عام 638هـ الموافق 1240م. ودفن في سفح جبل قاسيون.

69

ولد زرادشت في منطقة أكراد إيران منذ حوالي 3500 عام، والكتاب المقدس للديانة، والمسمى (الأبستاق) أو (الأفيستا)، كُتب باللغة القديمة التي اشتُقت منها اللغة الكردية فيما بعد.

70

كارل تيودور ياسبرس (بالألمانية: Karl Theodor Jaspers)‏ (بالإنجليزية: Karl Jaspers) هو بروفيسور في الطب النفسي وأحد فلاسفة ألمانيا المعدودين في القرن العشرين. ولد في أولدنبورغ بألمانيا، 23 فبراير 1883 وتوفي في بازل بسويسرا 26 فبراير 1969.

71

فيكتور ماري هوغو (بالفرنسية: Victor Marie Hugo)‏ (مولِد 26 فبراير 1802، وفاة 22 مايو 1885) كان أديبا وشاعراً وروائياً فرنسياً، يُعتَبر من أبرز أدباء فرنسا في الحقبة الرومانسية

72

كونفدراسيون مصطلح فرنسي معناه اتحاد الإتحادات .

73

المُغُول هم شعب شمال شرق اسيوي ومن الشعوب القبلية وثيقة الصلة والتي تعيش بشكل رئيسي على الهضبة المنغولية وتتشارك لغة مشتركة وتقاليد بدوية. وطنهم مقسم الآن إلى دولة منغوليا المستقلة (منغوليا الخارجية) ومنطقة منغوليا الداخلية ذاتية الحكم في دولة الصين وجنوب روسيا . ويطلق اسم المغول على كل من يتكلم اللغة المغولية بما فيهم من قبيلة القلميقيون احدى قبائل الأويرات (المغول الغربيين) الموجودون في جمهورية كالميكيا ذات الحكم الذاتي شمال القوقاز.

74

الفرعون، جرى العرف والعادة والاصطلاح في العصور الحديثة على إطلاق لقب فرعون على الحاكم في مصر القديمة، وذلك جريا على العادة في إطلاق الألقاب على ملوك العالم القديم

75

الإمبراطور نيرون أو نيرو (15 ديسمبر 37 – 9 يونيو 68) كان خامس وآخر امبراطور الأمبراطورية الرومانية من السلالة اليوليوكلودية (من أوغسطس حتى نيرون) (27 ق.م. – 68 م)، وصل إلى العرش لأنه كان ابن كلوديوس بالتبنى، حيث أنه حكم الإمبراطورية (54-68).

76

جوزيف فيساريونوفيتش ستالين (بالجورجية: იოსებ ბესარიონის ძე სტალინი، بالروسية: Иосиф Виссарионович Сталин) (الكنية الأصلية: جوغاشفيلي) (18 ديسمبر 1878 – 5 مارس 1953) هو القائد الثاني للاتحاد السوفييتي، حكم من منتصف عشرينيات القرن العشرين حتى وفاته عام 1953

77

نيقولاى ألكسندروفيتش بِرديائف(بالفرنسيةNicolas Berdiaev)‏،(18مارس،1874 – 24 مارس، 1948)فيلسوف ديني وسياسي روسي

78

القاعدة أو تنظيم القاعدة أو قاعدة الجهاد هي منظمة وحركة متعددة الجنسيات، تأسست في الفترة بين أغسطس 1988 وأواخر 1989 / أوائل 1990، تدعو إلى الجهاد الدولي.

79

الإخوان المسلمون هي جماعة إسلامية، هي حركة معارضة سياسية في كثير من الدول العربية.

80

السير إسحاق نيوتن (بالإنجليزية: Isaac Newton)‏ ‏ (25 ديسمبر 1642 – 20 مارس 1727) عالم إنجليزي يعد من أبرز العلماء مساهمة في الفيزياء والرياضيات عبر العصور وأحد رموز الثورة العلمية.

81

السير توماس مور (Sir Thomas More؛ 7 فبراير 1478 – 6 يوليو 1535) كان قائداً سياسياً ومؤلفاً وعالماً إنجليزياً عاش في القرن 16

82

بينيتو أندريا موسوليني (29 يوليو 1883 – 28 أبريل 1945) حاكم إيطاليا ما بين 1922 و1943. شغل منصب رئيس الدولة الإيطالية ورئيس وزرائها وفي بعض المراحل وزير الخارجيَّة والداخليَّة. وهو من مؤسسي الحركة الفاشية الإيطاليّة وزعمائها، سمي بالدوتشي (بالإيطالية: Il Duce) أي القائد من عام 1930م إلى 1943م. يعتبر موسوليني من الشخصيات الرئيسية المهمة في تكوين الفاشية.

83

فرانثيسكو فرانكو بوهاموند (‎/‏ˈfræŋkoʊ‎/‏, تلفظ بالإسبانية: ‎/fɾanˈθisko ˈfɾaŋko/‏ (4 ديسمبر 1892 – 20 نوفمبر 1975) هو جنرال وديكتاتور إسباني أحد قادة انقلاب سنة 1936 للإطاحة بالجمهورية الإسبانية الثانية التي أدت إلى الحرب الأهلية الإسبانية. وبعد ذلك حكم إسبانيا حكما ديكتاتوريا بدءا من 1939 إلى 1975، ملقبا نفسه بالكوديو أو الزعيم. – رئيس الدولة حتى وفاته سنة 1975

84

جرت المفاوضات الأولية التي أدت إلى الاتفاق بين 23 نوفمبر 1915 و 3 يناير 1916، وهو التاريخ الذي وقع فيه الدبلوماسي الفرنسي فرانسوا جورج بيكو والبريطاني مارك سايكس على وثائق مذكرات تفاهم بين وزارات خارجية فرنسا وبريطانيا وروسيا القيصرية آنذاك. وصادقت حكومات تلك البلدان على الاتفاقية في 9 و 16 مايو 1916

85

إبيقور(باليونانية: Ἐπίκουρος)‏(بالإنجليزية: Epicurus)‏ هو فيلسوف يوناني قديم عاش في الفترة بين عامي (341-270 ق.م)، أسس مدرسة فلسفية سميت باسمه هي المدرسة (الإبيقوريّة).

86

الغال (بالفرنسية: Gaule غال، باللاتينية:Gallia غاليا) هو الاسم الذي أطلقه الرومان على المنطقة التي يسكنها الغاليون وهم شعوب كلتية. كانت تمتد على شمال إيطاليا وفرنسا. وبلجيكا.

87

فريدريش أوغوست فون هايك (بالألمانية: Friedrich August von Hayek) حاصل على وسام رفقاء الشرف وزمالة الأكاديمية البريطانية (8 مايو 1899-23 مارس 1992)، والذي عادةً ما يُعرف بالحروف الأولى من اسمه إف. أي. هايك، هو فيلسوف وعالم اقتصاد نمساوي بريطاني معروف بدفاعه عن الليبرالية الكلاسيكية.

88

فرانكلين ديلانو روزفلت (بالإنجليزية: Franklin Delano Roosevelt)‏ ‏(أو روزافالت حسب نطقه الخاص)، (30 يناير 1882 – 12 أبريل 1945)، المعروف أيضا باختصار إف دي آر، هو رجل دولة وزعيم سياسي أمريكي شغل منصب الرئيس الثاني والثلاثين للولايات المتحدة من عام 1933 حتى وفاته في عام 1945.

89

كان لودفيغ فويرباخ فيلسوفاً أنثروبولوجيّاً ألمانياً مشهوراً بكتابه جوهر المسيحيّة، والذي قام بنقد المسيحية، وكان مؤثّراً للغاية بأجيال من المفكرين اللاحقين، بما فيهم كارل ماركس، وفريدريك أنجلز، وريتشارد فاغنر، وفريدريك نيتشه.

90

كارل كاوتسكي فيلسوف، وصحفي، وسياسي، ومنظر ديمقراطي اشتراكي ألمانيتشيكي، ولد في مدينة براغ في 16 أكتوبر 1854م، وتوفي في أمستردام في 17 أكتوبر 1938م. قيادي في الحزب الديمقراطي الاشتراكي الألماني, وأحد أبرز المنظرين الماركسيين في أوروبا وبقية العالم بعد وفاة فريدرخ انغلز.

91

غوستاف لوبون (7 مايو 1841 – 13 ديسمبر 1931) (بالفرنسية: Gustave Le Bon)‏ طبيب ومؤرخ فرنسي. عمل في أوروبا وآسيا وشمال أفريقيا. كتب في علم الآثار وعلم الانثروبولوجيا وعني بالحضارة الشرقية.

92

كردستان العراق أو إقليم كردستان (بالكردية: هەرێمی کوردستانى عێراق‏) إقليم كُرديّ يقع شمال العراق ويتمتع بحكم فدرالي

93

كتالونيا (بالكتالونية: Catalunya)‏، (بالقسطانية: Catalonha)‏، (بالإسبانية: Cataluña)‏. هي منطقة تقع في أقصى شمال شرق شبه الجزيرة الإيبيرية. وضعها الدستوري متنازع عليه بين مملكة إسبانيا، التي تعتبرها منطقة ذات حكم ذاتي داخل حدودها، وحكومة كتالونيا التي تعتبرها جمهورية مستقلة

94

مصطفى كمال أتاتورك (بالتركية: Gazi Mustafa Kemal Atatürk)‏ (19 مايو 1881 – 10 نوفمبر 1938) رئيس الجمهورية التركية (1923 – 1938). هو مؤسسَ تركيا الحديثة. قائد الحركة التركية الوطنية التي حدثت في أعقاب الحرب العالمية الأولى، الذي أوقع الهزيمة في جيش اليونانيين في الحرب التركية اليونانية عام 1922، وبعد انسحاب قوات الحلفاء من الأراضي التركية جعل عاصمته مدينة أنقرة، وأسس جمهورية تركيا الحديثة، فألغى الخلافة الإسلامية وأعلن علمانية الدولة. كان علمانيًا وقوميًا، وأصبحت سياساته ونظرياته معروفة باسم الكمالية.

95

شخصيات تركية دافعوا عن القضية الكردية: المناضل والأكاديمي البروفيسور: إسماعيل بيشكجي: – ولد سنة 1939 – سنة 1961 قام ببحث ميداني عن لغة الأكراد وتاريخهم

96

كمال صادق جوكجلى (جوكجلى: من اللون الأزرق السماوى) وهو روائى كردي وكاتب سيناريو وقصص قصيرة، مواليد عام 1923وهو أول كاتب كردى تركى رشح لجائزة نوبل في الأدب توفي عام 28 فبراير 2015

97

تعد مدينة حسكيف في كوردستان تركيا أحد أقدم المدن المأهولة في العالم، حيث يعود تاريخها إلى قرابة الـ12 ألف عام

98

جيريمي بنثام (بالإنجليزية: Jeremy Bentham)‏ عاش في الفترة (15 فبراير 1748 – 6 يونيو 1832) هو عالم قانون وفيلسوف إنكليزي، ومصلح قانوني واجتماعي، وكان المنظر الرائد في فلسفة القانون الأنجلوأمريكي. ويشتهر بدعواته إلى النفعية و حقوق الحيوان، وفكرة سجن بانوبتيكون.

99

دوناتا ألفونس فرانسوا دى ساد. معروف بـماركيز دى ساد (بالفرنسية: Donatien Alphonse François, marquis de Sade)‏؛ (2 يونيو 1740 – 2 ديسمبر 1814). كان أرستقراطيا ثوريا فرنسيا وروائي. كانت رواياته فلسفية وسادية متحررة من كافة قوانين النحو الأخلاقي، تستكشف مواضيع وتخيلات بشرية دفينة مثيرة للجدل وأحيانا للاستهجان في أعماق النفس البشرية من قبيل البهيمية، الاغتصابالخ كان من دعاة أن يكون المبدأ الأساسي هو السعي للمتعة الشخصية المطلقة من دون أي قيود تذكر سواء أخلاقية أو دينية أو قانونية.

100

هيباتيا السكندرية (350-370 تقريبًا – 415) (باليونانية: Υπατία)‏ هي فيلسوفة تخصصت في الفلسفة الأفلاطونية المحدثة، وهي تعد أول امرأة في التاريخ يلمع اسمها كعالمة رياضيات، كما لمعت في تدريس الفلسفة وعلم الفلك.

101

فلاديمير ألييتش أوليانوف المعروف بـ لينين (بالروسية: Владимир Ильич Ульянов) ولد في 22 أبريل عام 1870 وتوفي في 21 يناير عام 1924. كان ثوري روسي ماركسي وقائد الحزب البلشفي والثورة البلشفية، كما أسس المذهب اللينيني السياسي رافعاً شعاره الأرض والخبز والسلام.

102

تطهير حزب البعث عام 1979 كانت تطهيرا عاما لحزب البعث العراقي أو ما يعرف بمجزرة الرفاق والتي نظمها الرئيس العراقي السابق صدام حسين في 22 يوليو 1979، مما أدى إلى فشل الوحدة بين حزب البعث السوري بقيادة حافظ الأسد وحزب البعث العراقي بقيادة أحمد حسن البكر.

103

ولد البارزاني في 14 مارس/آذار 1903 في منطقة بارزان، وشارك أخاه الأكبر أحمد البارزاني في قيادة الحركة الثورية الكردية للمطالبة بالحقوق القومية للأكراد ولكن تم أخماد هذه الحركة من قبل السلطة الملكية في العراق والقوات البريطانية المحتلة التي استخدمت ولأول مرة في التاريخ الأسلحة الكيميائية ضد المناطق التي سيطر عليها الثوار الكرد.، وهو والد رئيس أقليم كردستان العراق السابق مسعود البرزاني.

104

سپارتاكوس (باليونانية: Σπάρτακος, Spártakos)‏ (باللاتينية: Spartacus) (حوالي 111 ق.م.-71 ق.م.) كان سبارتاكوس عبدا من رقيق الإمبراطورية الرومانية، وزعيما ثائرا أصله من دولة تراقيا القديمة رغم اختلاف المؤرخين القدامى في نسبه العرقي، يذكر منهم (Plutarchos بلوتارخ) و(ديودور الصقلي Diodorus) و (وفلوروس Florus)

105

توماس ألفا إديسون (بالإنجليزية: Thomas Alva Edison)‏ ‏(11 فبراير 1847 – 18 أكتوبر 1931)، هو مخترع ورجل أعمال أمريكي. أثناء إدارته لشركته إديسون جنيرال اليكترك قبل اندماجها مع تومسون هيوستن إليكتريك اخترع العديد من الأجهزة التي كان لها أثر كبير على البشرية حول العالم مثل: تطوير جهاز الفونوغراف وآلة التصوير السينمائي بالإضافة إلى المصباح الكهربائي المتوهج العملي الذي يدوم طويلًا. كما قد طور عدة أجهزة مثل مولد الطاقة الكهربائية والاتصال الجماهيري وتسجيل الصوت والصور المتحركة ونفذ مبدأ الإنتاج الشامل والعلوم المنظمة والعمل الجماعي على نطاق واسع لعملية الاختراع، وإنشاء مختبر مينلو بارك للأبحاث الصناعية في عام 1876.

106

أبو خليل القباني (1833 – 15 كانون الثاني 1903م) من أعلام سوريا رائد المسرح العربي ورائد المسرح الغنائي العربي، هو أحمد أبو خليل بن محمد آغا بن حسين آغا آقبيق ولد في مدينة دمشق، في سورية وتوفي فيها.

107

في القرن الثالث أصبح ماني مؤسسا للديانة المانيشية. نشأت هذه الديانة في الشرق الأوسط وانتشرت غربا حتى المحيط الأطلسي وشرقا حتى المحيط الهادي وظل هذا الدين منتشرا أكثر من ألف سنة كانت هذه الديانة خليطا من البوذية والمسيحية والزرادشتية لكن هذة هالديانة أعلنت أنها تلقت وحيا بمعان أخرى لم تعرفها الديانات الأخرى. وعلى الرغم من أن هذه الديانة نقلت الكثير من المسيحية والبوذية إلا أن أفكار زرادشت قد أثرت فيها أكبر الأثر.

108

شابور الثاني أو سابور ذو الأكتاف (309-379) هو أحد ملوك الفرس وهو سابور بن هرمز بن نرسي

109

حسين بن منصور الحلاج (858 – 26 مارس، 922) (244 هـ 309 هـ)؛ شاعر عراقي عباسي، يُعد من روّاد أعلام التصوف في العالم العربي والإسلامي.

110

جوردانو برونو المعروف أيضاً بـ نولانو أو برونو دي نولا (1548 في نولا ـ 17 فبراير 1600 في روما) كـان دارس ديني وفيلسوف إيطالي حكم علية بالهرطقة من الكنيسة الكاثوليكية. وهو فيلسوف إيطالي شهير.

111

بروس لي (27 نوفمبر 1940 – 20 يوليو 1973) (بالصينية التقليدية: 李小龍، بالصينية المبسطة: 李小龙، بالإنجليزية Bruce Lee) الملقب بـالتنين الصغير هو ممثل فنون قتالية صيني الأصل وأمريكي الجنسية معلم للفنون القتالية ويعتبر الأكثر شهرة في مجال الفنون القتالية.

112

الكونغ فو هي رياضة قتالية نشأت في الصين، أخذت الكونغ فو لدى الأساتذة كثيراً من التعاريف التي تعتمد على خبرات ووعي وإدراك كل منهم للكون إلا أن الكلمة إذا أردنا أن نطلق عليها تعريف وهو أسلوب له شهرة تعني الوقت والجهد والتمرين ذو مردود إيجابي لكل من الرجال والنساء ولكل الاعمار، والذي يساعد على بناء جسد رشيق وعقل مدرك وواع وروح متزنة.

113

مجزرة حلبجة ارتكبتها قوات النظام العراقي البعثي ضد الكورد في مدينة حلبجة الكردستانية في كردستان العراق 1988

114

مجزرة حماة هي مجزرة حصلت في شُباط/فبراير من عام 1982 حينما أطبقت القوات البرية العربية السورية وسرايا الدفاع حصارًا على مدينة حماة بناءً على أوامر من رئيس البلاد حافظ الأسد وذلكَ لمدة 27 يومًا من أجل قمع انتفاضة الإخوان المسلمين ضدّ الحكومة.

115

الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية هو ائتلافٌ لمجموعات المعارضة السوريّة.

116

مصطفى خليفة كاتب وروائي سوريا، وُلد عام 1948.

117

رَجَب طيّب أردُوغان (بالتركية: Recep Tayyip Erdoğan)‏ (ولد في 26 فبراير 1954)، هو سياسي تركي يشغل منصب الرئيس الثاني عشر والحالي لتركيا منذ عام 2014.

118

إيمانويل كانت أو إيمانويل كانط (بالألمانية: Immanuel Kant) [ملاحظة 1] هو فيلسوف ألماني من القرن الثامن عشر (1724 – 1804). عاش حياته كلها في مدينة كونيغسبرغ في مملكة بروسيا. كان آخر الفلاسفة المؤثرين في الثقافة الأوروبية الحديثة.

119

ديفيد هيوم (بالإنجليزية: David Hume)‏ (ولد في 26 أبريل 1711 – توفي في 25 أغسطس 1776)، فيلسوف واقتصادي ومؤرخ اسكتلندي وشخصية مهمة في الفلسفة الغربية وتاريخ التنوير الاسكتلندي.

120

جوزيف آرثر دو غوبينو (14 يوليو 1816 – 13 أكتوبر 1882) هو أرستقراطي فرنسي اشتهر من خلال إضفائه الشرعية على العنصرية من خلال استخدامه النظرية العنصرية العلمية و الديموغرافيا العرقيةولتطويره نظرية تفوق العرق الآري.

121

تشارلز روبرت داروين (بالإنجليزية: Charles Robert Darwin)‏ عالم تاريخ طبيعي وجيولوجي[9] بريطاني ولد في إنجلترا في 12 فبراير 1809 في شروزبري لعائلة إنجليزية علمية وتوفي في 19 أبريل 1882.

122

جورج طرابيشي (1939م – 16 مارس 2016م)، مفكر وكاتب وناقد ومترجم عربي سوري.

123

كلود ليفي ستروس (بالفرنسية: Claude Lévi-Strauss)‏؛ (28 نوفمبر 1908 – 30 أكتوبر 2009)،[12] عالم اجتماع وأنثروبوبوجي[12] فرنسي

124

سجن تدمر كان سجنًا عسكريًا يقع بالقرب من مدينة تدمر الصحراوية وبالقرب من آثارها الشهيرة وذلك على نحو 200 كلم شمال شرق العاصمة السورية دمشق. افتُتحَ عام 1966 وهو في الأساس سجن مخصص للعسكريين وتشرف عليه الشرطة العسكرية. ارتبط اسم السجّن بالسمعة السيئة؛ وفي عام 2001 نشرت منظمة العفو الدولية تقريرًا لها [1] وصفت فيه السجن بأنه مصمم لإنزال أكبر قدر من المعاناة والإذلال والخوف بالنزلاء.”

125

ستانلي ميلغرام (بالإنجليزية: Stanley Milgram)‏ (20 ديسمبر 1984 15 أغسطس 1933) عالم نفس اجتماعي أمريكي. قدم دراسات متنوعة و مقالات حصلت على عدد مهول من الاقتباسات. و أهمها بحثه في الانصياع أو الإذعان للسلطات التي قدمها خلال الستينات من القرن العشرين خلال عمله في جامعة ييل. تأثر مليغرام بأحداث الهولوكوست وخصوصا محاكامات أدولف إيخمان في تصميم هذه التجربة. والبحث الأخر الذي أعطاه شهرة تعززت فيما بعد هي التجربة التي تدعى العالم الصغير والتي قادت الباحثين إلى النظر في ميكانيكيات الشبكات الاجتماعية و البحث في العلاقة الرياضية التي تفسر درجة الترابط ومبدأ ست درجات من التباعد.

126

فيليب زيمباردو (بالإنجليزية: Philip Zimbardo)‏ مواليد 23 مارس 1933 في نيويورك، نيويورك، الولايات المتحدة، عالم نفس وأستاذ محاضر في جامعة ستانفورد، والذي ذاع صيته سنة 1971 في ما يسمى باختبار سجن ستانفورد الشهير، وقام بتأليف كتب ومقالات عديدة وكتب دراسية في مجالات علم النفس.

127

فرانسوا ماري آروويه (بالفرنسية: François-Marie Arouet)‏ ويُعرف باسم شهرته فولتير (بالفرنسية: Voltaire)‏. ‏ (21 نوفمبر 1694 – 30 مايو 1778) هو كاتب وفيلسوف فرنسي عـاش خلال عصر التنوير. عُرف بنقده الساخر، وذاع صيته بسبب سخريته الفلسفية الطريفة ودفاعه عن الحريات المدنية خاصة حرية العقيدة والمساواة وكرامة الإنسان.

128

رياض فريد حجاب (مواليد 1966 دير الزور)، مهندس وسياسي سوري يحمل شهادة الدكتوراه في الهندسة الزراعية. كان رئيس وزراء سوريا من حزيران إلى آب 2012. من 2011 إلى 2012 شغل منصب وزير الزراعة.

129

رفعت علي سليمان الأسد ( ولد في 22 أغسطس 1937) هو نائب رئيس الجمهورية السوري لشؤون الأمن القومي وعضو القيادة القطرية لحزب البعث وقائد سرايا الدفاع والشقيق الأصغر للرئيس السوري السابق حافظ الأسد

130

عبد الحليم خدام (15 سبتمبر 1932 – 7 شعبان 1441 هـ / 31 مارس 2020)، ولد في بانياس، وتخرج من كلية الحقوق بدمشق، وانخرط في العمل السياسي في وقت مبكر، فالتحق بحزب البعث السوري في سن السابعة عشرة. ويعد أحد أبرز مرافقي الرئيس حافظ الأسد ضمن ما سمي بالحرس القديم.

131

أسعد الزعبي من مواليد 1956، هو العميد الطيار الركن المجاز أسعد الزعبي، انضم العميد الزعبي إلى أكاديمية القوات الجوية في سوريا عام 1974 وتخرج منها عام 1977 مع رتبة ثم تسلسل بالترفيعات ليصبح برتبة عميد.

132

جون لوك (29 أغسطس 1632 – 28 أكتوبر 1704) (بالإنجليزية: John Locke)‏ هو فيلسوف تجريبي ومفكر سياسي إنجليزي.

133

مخيم الهول للاجئين هو أحد مخيمات اللاجئين السوريين يقع على المشارف الجنوبية لمدينة الهول في محافظة الحسكة شمال سوريا، بالقرب من الحدود السورية العراقية

134

يحيى سلو روائي وكاريكاتيريست كردي .

135

فيديريكو غارثيا لوركا (بالإسبانية: Federico García Lorca)‏ شاعر إسباني وكاتب مسرحي ورسام وعازف بيانو، كما كان مُؤلفًا مُوسيقيًا، وُلد في فوينتي فاكيروس بغرناطة في 5 يونيو 1898.

136

بابلو رويز بيكاسو (بالإسبانية: Pablo Ruiz Picasso)‏ (ولِد في 25 أكتوبر 1881، مالقة، إسبانيا توفي في 8 أبريل 1973، موجان، فرنسا) رسام ونحات وفنان تشكيلي إسباني وأحد أشهر الفنانين في القرن العشرين وينسب إليه الفضل في تأسيس الحركة التكعيبية في الفن.

137

ديونيسيوس بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية, 14. (248 ـ 265).

138

جورج فيلهلم فريدريش هيغل (بالألمانية: Georg Wilhelm Friedrich Hegel) (ولد 27 أغسطس 1770 — 14 نوفمبر 1831) فيلسوف ألماني ولد في شتوتغارت في المنطقة الجنوبية الغربية من ألمانيا. يعتبر هيغل أحد أهم الفلاسفة الألمان، حيث يعتبر أهم مؤسسي المثالية الألمانية في الفلسفة في أواخر القرن الثامن عشر الميلادي. طور المنهج الجدلي الذي أثبت من خلاله أن سير التاريخ والأفكار يتم بوجود الأطروحة ثم نقيضها ثم التوليف بينهما. كان هيغل آخر بناة المشاريع الفلسفية الكبرىفي العصر الحديث. كان لفلسفته أثر عميق على معظم الفلسفات المعاصرة.

139

سجن صيدنايا هي سجن عسكري قرب العاصمة السورية دمشق. السجن يستخدم لاحتجاز آلاف السجناء السياسين، من بينهم أعضاء من جماعة الإخوان المسلمين وسياسيين إسلاميين آخرين.

140

ديكتاتورية البروليتاريا هي السيطرة السياسية والاقتصادية للطبقة العاملة على وسائل الإنتاج وأجهزة الدولة من خلال مجالسها العمالية ومندوبيها المنتخبين

141

تورليف شلدرب : عالم حيوان نرويجي

142

أنطون سعادة (1 مارس 1904 – 8 يوليو 1949)، مؤسس الحزب السوري القومي الاجتماعي.

143

نيلسون روليهلاهلا مانديلا (18 يوليو 1918 – 5 ديسمبر 2013 )، سياسي مناهض لنظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا وثوري شغل منصب رئيس جنوب أفريقيا 1994-1999.

144

جان جاك روسو (بالفرنسية: Jean-Jacques Rouss eau)‏ ولد في جنيف، 28 يونيو 1712 وتُوفي في إيرمينونفيل، 2 يوليو 1778 (عن عمر ناهز 66 عاماً)، هو كاتب وأديب وفيلسوف وعالم نبات جنيفي، يعد من أهم كتاب عصر التنوير

145

موهانداس كرمشاند غاندي (بالكجراتية: મોહનદાસ ગાંધી)‏؛ (2 أكتوبر 1869 – 30 يناير 1948)هو السياسي البارز والزعيم الروحي للهند خلال حركة استقلال الهند.

أضف تعليق