بير رستم* الحركة الكوردية آفاق وأزمات مقالات

لتحميل الكتاب يرجى الضغط على الرابط التالي:

https://www.4shared.com/web/preview/pdf/hsnn3i8oba?

لتحميل إصدارات تجمع المعرفيين الأحرار يرجى الضغط على الرابط التالي:

https://www.4shared.com/account/home.jsp#dir=h45exNMs

  • اسم العمل: الحركة الكوردية، آفاق وأزمات
  • اسم المؤلف: بير رستم
  • نوع العمل: مقالات
  • الطبعة: الطبعة الالكترونية الأولى 2-آذار-2017م
  • الناشر: تجمع المعرفيين الأحرار
  • رقم التسلسل : 13

جميع الحقوق محفوظة للمؤلف

  • حقوق نشر الكتاب محفوظة للمؤلف والنسخة الالكترونية ملك لتجمع المعرفيين الأحرار

https://reberhebun.wordpress.com/

لنشر أعمالكم يرجى الاتصال ب

reber.hebun@gmail.com

 

 

 

 

لماذا “البارتي“*

خلال هذه الفترة الأخيرة والتي كتبنا فيها عدداً من المقالات في حقل الفكر السياسي وتحديداً فيما يتعلق منه بالمسألة الكردية؛ إن كان في هذا الجزء أو الأجزاء الأخرى من كردستان، حيث أوضحنا من خلال تلك المقالات مجموعة قناعاتنا وآراءنا ورؤانا السياسية وذلك على ضوء قراءتنا للواقع والمناخات السياسية السائدة وبالتالي دور وفعالية القوى المرشحة لأن تلعب دوراً سياسياً مهماً وخاصةً على صعيد الساحة السياسية الكردستانية عموماً وتحديداً في هذا الجزء الملحق بالدولة السورية وترشيحنا للحزب الديمقراطي الكردي في سوريا “البارتي”، فإننا تعرضنا إلى العديد من التساؤلات والاستفسارات وأحياناً إلى النقد والذي لم يكن يخلو من التجريح في بعض الأحيان، وكان السؤال المحوري دائماً: لماذا “البارتي” تحديداً ومن دون غيره قد رشحت لهذا الدور المهم والتاريخي وبأنه سوف يقود المرحلة النضالية القادمة – على الرغم من دوره المهم وأحياناً القيادي والمتفرد في مراحل سابقة – من تاريخ حركة التحرر الكردية وجواباً على هذا السؤال كان هذا المقال.

 

إننا في مقالنا السابق؛ “الحركة الكردية بين العقائدية والمؤسساتية” حاولنا أن نمهد لهذا المقال، حيث قلنا ونؤكد هنا بأنه على الحركة السياسية الكردية ولكي تقود هذه المرحلة من نضال شعبنا فعليها أن تعمل وفق الفكر المؤسساتي وليس القبلي وبالتالي عليها؛ أي الحركة السياسية الكردية الخروج من كهوفها الماقبل مدنية العشائرية وأن تؤسس أحزابها وفق برامج “عصرية” منسجمة مع الواقع الراهن ومستجدات الفكر السياسي الليبرالي الحر والقائم على التعددية والرأي والرأي الآخر بعيداً عن الفكر الشمولي و”امتلاك” الحقيقة المطلقة وبالتالي التفرد في اتخاذ القرارات على مبدأ “هو.. أحد.. لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد” وقد أضيف على هذا المبدأ – والذي “أبدعه” الفكر الإسلامي – بأنه “لن يكون له كفواً أحد” وذلك من قبل الفكر القومي ومن بعده اليساري الستاليني. تلك من ناحية أما من الناحية الأخرى فعلينا أن نتخلص من “الفكر التقديسي”؛ بحيث تجد أحدنا يقدس الإله أو القبيلة أو.. الحزب الذي يتبعه ويكفر الآخرين، وهكذا نؤسس ونكرس لفكر القطيعة والنفي والإقصاء لكل من يخالفنا في الرأي.

 

ولكن وإن كانت هذه هي قناعاتنا ومبادئنا؛ فلما الرهان على “البارتي” حصراً وهناك العديد من الأحزاب والتيارات والأطراف الكردية في الحركة قد سبقت “البارتي” إلى اتخاذ هذه المبادئ والقيم – إلى هذا الحد أو ذاك – كسلوك ونهج سياسي، تحاول من خلاله تجديد برامجها ومناهجها السياسية وبالتالي تدخل من جديد في “اللعبة” السياسية بقوة أكثر وذلك من خلال امتلاكها لهكذا برامج بحيث يلتف حوله الشارع الكردي، بينما نجد “البارتي” ما يزال يرزح تحت أعباء الماضي بمنهاجه السياسي ونظامه الداخلي وهكذا بأساليب نضالها الجماهيرية والتي تعود إلى حقبة الحرب الباردة وسرية العمل والنضال في الأقبية والكهوف. مع العلم أنه يتم تجاوز العديد من هذه الأساليب القديمة “والبالية” في الوقت الراهن من قبل “البارتي” نفسه وهذه هي البداية.

 

كل ذاك صحيح وهناك الأكثر والذي يمكن أن يقال عن “البارتي” وحاجته إلى التغيير والتجديد، ولكن ورغم كل هذه السلبيات والنواقص فإننا نجدد تأكيدنا على أن هذا الفصيل الكردي قادرُ ُ على تجاوز كل هذه المحن والأزمات وخاصةً المتراكمة من فترة الانقسامات (المبررة وغير المبررة) والتي تعرض لها وبالتالي الخروج من حالة العطالة الراهنة هذه وذلك ليس على طريق العنقاء وإحياءها من الرماد، ولكن من خلال تحويلها إلى مؤسسة سياسية حقيقية تمتلك كوادر تخصصية متفرغة وتعمل وفق برنامج عمل ينسجم ويتوافق مع الفكر السياسي المعاصر والذي سيكون معبراً عن أماني وطموحات شعبنا في هذا الجزء الكردستاني. نعم إننا نؤكد مرةً أخرى بأن “البارتي” هو المرشح لهذا الدور كونه يمتلك من المقومات ما تفتقد إليه غيره من الأطراف في الحركة السياسية الكردية، وهناك وحسب وجهة نظرنا العديد من هذه المقومات ولكن ثلاث منها تلعب دوراً محورياً في هذه المسألة لكي يصبح “البارتي” هو الحزب القائد لهذه المرحلة النضالية المفصلية لشعبنا.

 

أولى هذه النقاط أو المقومات هو أسم “البارتي” نفسه وتاريخه وتراثه النضالي بين الجماهير الشعبية؛ حيث أن ذاكرة الناس ما زالت تحتفظ بسنوات الوهج والشعور القومي الحي والذي كان يدفع بتلك الشرائح الطيبة من الناس البسطاء لكي ينزلوا إلى الشارع حيث يؤازرون “البارتي” ويعطونه صوته في العملية الانتخابية؛ كونه يملك “مفتاح كردستان”. فهذا التراث النضالي والذي ما زال يحتفظ بالكثير من الوهج والحرارة تحت رماد هذه السنوات الطويلة من الانتكاسات و”الهزائم” والانشقاقات وعمليات الغدر والطعن في الظهر، لهذا النهج، وفي أكثر الأحيان من قبل “أبناءه”، ما زال قادراً أن يعيد “للبارتي” ذاك الألق الذي كان في السبعينيات من القرن الماضي، إن عرف الحزب كيف يستفيد منه.

 

تلك كانت النقطة الأولى، أما الثانية منها فإنها تتعلق بنهج “البارتي” وخطه السياسي المعتدل والمتوازن؛ أي “الوسطية” والمرونة؛ فمن جهة لم يساوم “البارتي” يوماً على المبادئ والقضايا السياسية الأساسية بالنسبة إلى القضية الكردية، بل كان وما زال يعتبر المسألة الكردية في هذا الجزء كما في بقية الأجزاء الأخرى على أنها قضية أرض وشعب ويناضل على هذا الأساس ووفق هذا النهج. ومن الجهة الثانية، فلم يُصعد “البارتي” يوماً خطابه السياسي الشعاراتي – خاصةً بعد انتكاسة “البارتي” الأولى ورفعها آنذاك شعار “تحرير وتوحيد كردستان” وذلك في الفترة التي سبقت القيادة المرحلية – ومن ثم تراجع عن تلك الشعارات الثوروية وهكذا فإن هذا النهج والخط “الوسطي” للحزب الديمقراطي الكردي في سوريا “البارتي” لم يقم “بشحذ الهمم وتأجيج العواطف الجياشة” للناس البسطاء ومن ثم خذلانهم بمواقف “متخاذلة” أو “مساومة” مع السلطة وبالتالي فهو لم يدفع بالجماهير الكردية نحو سياسات مغامرة في مراحل نضاله المختلفة.

 

والنقطة الثالثة والتي يمكن أن نعتبرها وعلى ضوء الواقع الراهن والمستجدات التي طرأت على الساحة السياسية في الشرق الأوسط الجديد وما “تلعبه” إقليم كردستان “العراق” من دور حيوي في الساحة الإقليمية نتيجة لتلاقي مصالحها مع مشروع الشرق الأوسط الجديد هذا، فإن أي تقارب بينها؛ بين حكومة إقليم كردستان “العراق” وخاصة الحزب الديمقراطي الكردستاني بقيادة الأخ مسعود بارزاني وبين فصيل كردي آخر يعتبر “ورقة حسن سلوك” لهذا الفصيل الأخير، لما تتمتع بها القيادة والنهج “البارزاني” عموماً من السمعة والروح القومية والتسامح حتى مع ما يعرف بالعدو أو الآخر. فهذه النقطة” وكما قلنا آنفاً، تسجل بامتياز لصالح الحزب الديمقراطي الكردي في سوريا “البارتي” لما له من علاقات كردستانية حميمة وقوية وتحديداً مع النهج البارزاني والحزب الديمقراطي الكردستاني في إقليم كردستان “العراق” والتي تعود بجذورها إلى فترة القيادة المرحلية وما قبلها بحيث حافظ عليه الطرفان رغم النكسات التي تعرض لها الثورة الكردية في جنوب كردستان. نعم.. فعلى الرغم من مراحل الضعف والوهن والتي مرت على الحزب الديمقراطي الكردستاني فقد حافظ الحزبان الشقيقان على علاقتهم الأخوية، في حين أنتهز العديد من الأطراف الأخرى الفرصة للنيل من هذا النهج؛ “نهج البارزاني” إن كان بدوافع ذاتية نرجسية أو عوامل خارجية مؤامراتية أو نتيجة لتأثير الفكر اليساري وامتداداتها في العالم آنذاك وها نحن نراهم اليوم يزايدون على “البارتي” بـ “برزانيتهم“.

 

هذه – وحسب قراءتنا ورؤانا للواقع الراهن – نعتبرها عوامل ومنطلقات جد مهمة والتي يمتلكها الحزب الديمقراطي الكردي في سوريا “البارتي” لانطلاقة جديدة تعيد له وهجه و”أمجاده” والذي كان يعيشه الشعب الكردي – معنوياً وليس مادياً – وذلك في سنوات السبعين من القرن الماضي، كما قلنا سابقاً. ولكن هل هذه المقومات والمنطلقات التي ذكرناها وغيرها من العوامل المساعدة والمناخ السياسي العام وتأثيرات العولمة والثورة المعلوماتية وغيرها من المسائل هي عوامل كافية لأن يمتلك “البارتي”، من جديد، الشارع الكردي بكل أطيافه وفعالياته وقواه ونخبه، أم هو بحاجة لأن يدعم هذه الأسس والمرتكزات بخطط وبرامج سياسية وكوادر تخصصية وهيكليات تنظيمية حديثة قائمة على مفاهيم المدنية والتعددية والرأي الآخر ومفهوم الأقلية والأكثرية وأحياناً وفي ظروف خاصة جداً الأخذ بمسألة التوافقية و.. غيرها من القيم والمبادئ والتي تعطي الفرصة لكل الفعاليات والقوى والمؤسسات المنضوية في المؤسسة الأم؛ “البارتي” لأن تعبر عن وجهة نظرها ورؤاها.وهكذا فإن أستطاع “البارتي” أن يتحول ووفق الشروط التي ذكرناه من حزب “القبيلة” – والتي هي صفة عامة لمجمل الحركة السياسية الكردية في سوريا – إلى مؤسسة حقيقية تمتلك خطاباً سياسياً “عصرياً” يتوافق مع أماني وطموحات الشعب الكردي في هذا الإقليم الكردستاني من جهة ومن الجهة الأخرى أن يكون خطاباً موضوعياً مدنياً بعيداً عن روح التعصب القومي والحزبي أيضاً؛ بمعنى آخر يجب أن يطرح الحزب – وكما حصل في إقليم كردستان “العراق” – خطاب المسامحة والمصالحة مع جميع مكونات الشعب وحتى مع أطياف الحركة الكردية بمن فيهم الذين خرجوا عن إرادة الحزب ومؤتمراتها وبأن لا يتملك الهيئة القيادية في الحزب روح الاستعلاء وبأنهم الطرف أو الجناح “المعتمد” كردستانياً وذلك من قبل الحزب الديمقراطي الكردستاني ومن ورائهم حكومة إقليم كردستان “العراق” وبالتالي فليس أمام الآخرين إلا “الرضوخ” لشروطهم. وهكذا.. فإن استطعنا أن نحقق هذه المعادلة السياسية فلسوف نرى قريباً وقريباً جداً بأن هناك من “يمتلك” الشارع الكردي حقيقةً وبأنه يمكن الادعاء إنه حزبُ ُ جماهيري عن حق وحقيقة وهذه تحتاج إلى توحيد الجهود.

 

……………………………………………………………………………..

 

بمناسبة الذكرى الستون لانطلاقة الحزب الديمقراطي الكردستاني في إقليم كردستان “العراق” نتوجه بأحر التهاني القلبية والأخوية لكافة أعضاء ورفاق وكوادر وقيادي الحزب ومن خلالهم للأخ مسعود بارزاني؛ رئيس حكومة إقليم كردستان “العراق” وأيضاً لكل أبناء شعبنا، من جماهير وحكومة، في ذاك الجزء المحرر من كردستان.

 

جندريس-2006


الانطلاقة الجديدة للبارتي

 

 

 

 

انعقد المؤتمر العاشر للحزب الديمقراطي الكردي في سوريا (البارتي) بين 17-19/5/2007 كما ورد في البيان الختامي للمؤتمر وبذلك يكون (البارتي) قد تخطى محطة جد مهمة وحساسة في تاريخها النضالي والذي تخطى يوبيله الذهبي منذ فترةٍ وجيزة، بل يمكن اعتبار هذه المحطة – المؤتمر العاشر للحزب – على أنها البداية والانطلاقة الجديدة أو الثالثة في حياة الحزب وذلك بعد محطتي التأسيس في عام 1957 والتوحيد عام 1970م. وهكذا يمكن تسمية هذه المحطة – المؤتمر بمرحلة الانبعاث الجديد للحزب الديمقراطي الكردي في سوريا (البارتي) ولنهج بارزاني الخالد وذلك بعد فترةٍ من ما يمكن تسميته بمرحلة الوهن والخمول والركود نتيجة لمرحلة المد الثوري وطغيان الفكر والمرحلة الماركسية – اللينينية على جزء كبير من الجغرافية السياسية العالمية وضمناً ما كانت تعرف بحركات التحرر للشعوب المضطهدة (بفتح الهاء) في العالم ومنها منطقة الشرق الأوسط وكوردستان والتي كانت وما زالت “مستعمرة دولية” على حد تعبير الأستاذ إسماعيل بشكجي.

 

نعم.. يمكن تسمية المؤتمر العاشر للحزب بمرحلة التجديد والانبعاث وعلى مستويات عدة؛ تنظيمية – جماهيرية وكذلك على المستوى السياسي – الفكري، أي أن التجديد يشمل كل من الجانبين النظري – البرامجي؛ من (التقرير السياسي العام والمنهاج السياسي للحزب وكذلك النظام الداخلي) وأيضاً يشمل الجانب العملي – التطبيقي، وإننا سنقف عند هذه الجوانب المختلفة ولو على عجالة لنلقي بعض الضوء على تلك النقاط والمسائل. ونبدأ أولاً من ناحية الفعل والممارسة وتأطير العديد من (الكتل والتيارات) السياسية والتي خرجت من الحزب في فترات سابقة ولأسباب ذاتية وموضوعية آنذاك وبالتالي تجميعهم من جديد ضمن الهيكلية التنظيمية الواحدة للبارتي أو ما عرف بـ”لم الشمل وعودة الرفاق” إلى الحزب والذي كان موضع تقدير واهتمام من الرفاق وكذلك من الوسط السياسي الكوردي والجماهيري عموماً، حيث ومن خلال إلقاء نظرة على المؤتمرين كنت تدرك حجم الامتنان والاعتزاز في عيون الرفاق وهم يجلسون تحت خيمة واحدة للبارتي والتي نأمل أن تشمل من هم ما زالوا خارج السرب والخيمة.

 

وهكذا.. فكان رفاق البارتي والذين كانوا يُعرفون من خلال شخصية الأستاذ عبد الرحمن آلوجي** يتجاورون مع الرفاق الذين جاءوا قبلهم من جناح الأستاذ نصر الدين إبراهيم وكذلك الرفاق الذين أتوا من حزب الوحدة الديمقراطي الكردي في سوريا وانضموا إلى خيمة البارتي هذه، مكملين بذلك الحلقة مع الرفاق القدامى في صفوف الحزب ودون أن ننسى الرفاق والأخوة الذين كانوا قد تركوا صفوف الحزب والحركة الوطنية الكوردية في سوريا عموماً في فترات سابقة وذلك نتيجة لحالة اليأس والقنوط من الحالة السياسية الكوردية عامةً. وهكذا كان هناك نوع من الطيف والفسيفساء السياسي في هذا المؤتمر والذي بدوره كان عامل تحفيز لكل الرفاق بأن يبذلوا المزيد من الطاقة والجهد لإنجاح المؤتمر وذلك عبر المزيد من التلاحم بين هذه (الكتل والتيارات) وبمزيد من الحوارات البناءة والشفافة والتي وصلت عند بعض المراحل والنقاط إلى نوع من المكاشفات الغير دبلوماسية ولكن من دون التجريح وإنما من باب الوصول إلى أفضل ما يمكن، بل يمكن الادعاء أن كل تلك المجادلات اتسمت بروح المسؤولية الحقيقية وإن كان البعض يخاف من توتير الأجواء أكثر من اللازم ولكن الجميع كانوا مدركين لحقيقة مفادها؛ أنه لا يمكن لأحد (أي كتلة أو تيار) أن يقوم عن الآخر وبالتالي يخرج عن شرعية المؤتمر ليعلن للجماهير عن ميلاد حزبٍ جديد؛ حيث تكون هناك محرقته، فالجماهير الكوردية لم تعد لديها قدرة التحمل وبالتالي القبول بالمزيد من الانقسامات البارامسيومية في صفوف الحركة السياسية الكوردية.

 

هذه النقطة؛ الخوف من الشارع الكوردي بلفظ كل من يخرج عن قرارات المؤتمر وشرعيته، كان عامل تحفيز لطرح قضايا سياسية هامة ولرص وتوحيد الصفوف بشكل أكثر فاعلية، مما مهد الأجواء والمناخ لأن يبذل الأخوة والرفاق المؤتمرين جهود حقيقية للوصول إلى برنامج سياسي بحيث يكون معقولاً ومقبولاً من الشارع السياسي الكوردي وبالتالي منسجماً مع إرادة ورغبة الجماهير الكوردية من جهة ويلبي طموحه وواقعه الجيوسياسي ومن الجهة الأخرى أن يكون (أي البرنامج السياسي) مقبولاً ومنسجماً مع المناخ السياسي العام الإقليمي والدولي؛ حيث  وبالعودة إلى “البيان الختامي” للمؤتمر والقراءة فيه والشعارات الأساسية التي تبنته وعلى الصعد كافةً، الوطنية السورية والقومية الكوردستانية وأيضاً الإقليمية والعالمية، نلاحظ بأنها تشكل حالة نوعية بالنسبة للبرامج السابقة والتي كانت مطروحة من قبل الحزب؛ حيث الوضوح والشفافية في تحليل القضايا والمسائل السياسية ومن ثم اتخاذ المواقف الجريئة والواضحة تجاه تلك القضايا العالقة، إن كانت وطنية داخلية (انتفاضة آذار 2004) أو كانت تتعلق بالجانب التاريخي للحركة الوطنية الكوردية في سوريا وقضية تأسي أول تنظيم سياسي كوردي في البلد باسم “بارتي ديمقراطي كردستاني”؛ حيث كانت الدوريات والنشرات الكوردية السابقة تقول باسم (الحزب الديمقراطي الكردي – وليس الكردستاني – في سوريا)، وذلك تجنياً وتجنباً للحقيقة والواقع الجغرافي الكوردستاني في سوريا، والذي أكد عليه مؤخراً المؤتمر العاشر للبارتي وذلك عندما ثبت في كل من (التقرير السياسي العام وكذلك منهاج الحزب) بأن كوردستان مقسمة بين أربع دول، ألا وهي: تركيا، إيران وكذلك سوريا والعراق.

 

وبالتالي فكان طرح المؤتمر والرفاق جريئاً وواقعياً بصدد القضية الكوردية في سوريا؛ على أنها “قضية أرض وشعب” وبأن الكورد “يعيشون على أرضهم التاريخية” وبالتالي فهم ليسوا بأقلية عرقية هاجرت واستوطنت أو نزحت إلى هذه المنطقة منذ سنوات قلائل وعلى أيام الاستبداد الكمالي (نسبةً إلى كمال أتاتورك) والدولة التركية الحديثة، بل عندما نقول بأننا “نعيش على أرضنا التاريخية” نود أن نؤكد على مسألة وقضية جد حساسة ألا وهي؛ أن الكورد هم من أبناء هذه الجغرافية وليسوا بوافدين عليها ومثلهم في ذلك مثل جميع شعوب المنطقة من عربٍ وفرس وآشوريين وكلدان و.. غيرهم وإن كانت المنطقة قد عرفت المد والجزر في داخلها؛ حيث وبحكم قوة ونفوذ هذه الشعوب وإمبراطورياتها والتي هي متجاورة تاريخياً كانت مناطقهم وجغرافياتهم تعيش حالة الامتداد أو الانحسار، كما هي حال كوردستان في العصر الحديث؛ حيث يتم اقتطاع أجزاء منها هنا وهناك وذلك نتيجةً لظروف الاحتلال التي تعيشها وآخرها ما نراه اليوم في مدينة كركوك الأقضية الأخرى التي هي موضع خلاف بين حكومة إقليم كوردستان العراق وبعض التيارات السياسية في الحكومة المركزية في بغداد أو تلك الجماعات السلفية الدينية أو القومية المتشددة.

 

وهكذا تم التأكيد في المؤتمر، ومن خلال الوثائق التي قدمت إليه، على أن القضية الكوردية في سوريا هي “قضية أرض وشعب” وبالتالي يجب التعامل معها وحلها على هذا الأساس ووفق ما تمليه الاتفاقات الدولية وتقرها الشرعية الدولية ومبادئ القانون الدولي والأمم المتحدة وحقوق الإنسان. وبداية وذي بدء وكمدخل حقيقي لبناء الدولة الحديثة والمدنية في سوريا وتحقيق التغيير الديمقراطي السلمي المتدرج، يجب الاعتراف والإقرار الدستوري بوجود الشعب الكوردي في سوريا وبذلك يتعزز العلاقات بين القوى المجتمعية والسياسية في البلد بحيث يشعر الجميع بأنهم شركاء حقيقيين تشملهم هذه الجغرافية السورية وبأقاليمها المتعددة، من دون أن يكون هناك هاجس التقسيم والتقطيع؛ حيث من مصلحة الجميع أن يبقوا متحدين سوريا واحدة على الأقل ضمن هذه الشروط والمعطيات السياسية الراهنة.

 

نقطة أخرى، وهي في الجانب القومي، أكد عليه المؤتمر العاشر الاعتيادي للحزب الديمقراطي الكردي في سوريا (البارتي)؛ ألا وهي مسألة التمسك بالنهج البارزاني الخالد و”ترسيخه في الفكر والممارسة” وبالتالي جعل التجربة والمدرسة النضالية للحزب الديمقراطي الكوردستاني في العراق والثورة الكوردية هناك عموماً نبراساً نضالياً يهتدي به الحزب في سلوكه العملي وذلك قبل جعله منهاجاً نظرياً وسياسياً له وبذلك بقي البارتي وفياً لخطه السياسي وتاريخه النضالي؛ حيث لم يتخلى يوماً عن هذا النهج وحتى في أحلك الظروف والشروط التي مرت بها الثورة الكوردية في جنوب كوردستان وأجواء ومناخات النكسة والهجرة والتنكيل بالبارتي وبالثورة وأبناء الشعب الكوردي كافةً ومن قبل كل محتلي كوردستان وليس فقط الدولة العراقية آنذاك. وهكذا أكد البارتي مرة أخرى على أهمية البعد القومي الكوردستاني للقضية الكوردية ومدى تفاعلها في الأجزاء الأربعة لها، وهي بذلك تؤكد على خطها السياسي الاستراتيجي العام.

 

كما وقف المؤتمر عند العديد من القضايا والمسائل السياسية الأخرى مثل: “إيجاد مرجعية كردية على أسس واقعية وسليمة” وكذلك العمل ” من أجل تعزيز دور المرأة في الحياة العامة” و”من أجل نبذ العنف والإرهاب والتطرف والعنصرية” وأيضاً “من أجل تعزيز العلاقات مع القوى الوطنية والديمقراطية والمجتمعية” وغيرها من القضايا والمسائل إن كان في الجانب السياسي النظري أو الجانب العملي التطبيقي من ممارسة وسلوك حزبي تنظيمي، ولكن هذه تحتاج إلى قراءاتٍ متأنية وأكثر اتساعاً وشموليةً ولا يمكن لهذه المقالة التنويهية أن تقف عند كل تلك المفاصل وبأجزائها الدقيقة والمفصلية. وهكذا فمن حق المؤتمرين وأعضاء ورفاق ومؤازري وجماهير البارتي أن تدعي بأن المؤتمر العاشر الاعتيادي للحزب؛ (الحزب الديمقراطي الكردي في سوريا – البارتي) هي بداية وانطلاقة جديدة لها ولنهج بارزاني الخالد في هذا الإقليم الكوردستاني.

 

(*) عضو اللجنة المركزية للحزب الديمقراطي الكردي في سوريا – البارتي (بصفة احتياط).

(**) المقال كتب قبل أن يعلن الأستاذ عبد الرحمن آلوجي انسحابه من البارتي.

 

 

جندريسه – 2007


البارتي وتحديات المرحلة

 

 

خلال السنتين الأخيرتين لاحظنا تغيرات جمة قد طرأ على وضع الحزب؛ (الحزب الديمقراطي الكردي في سوريا – البارتي) وخاصةً بعد المؤتمر العاشر للحزب والذي عقد ما بين (17– 19/5/2007) وهذه التغيرات شملت كافة النواحي السياسية والتنظيمية والجماهيرية والعلاقة مع الحركة الوطنية السورية بشقيها الكوردي والعربي وغيرها من الأثنيات والأعراق التي تتعايش في سوريا كالآشورية وغيرها وكذلك العلاقات مع الأحزاب الكوردستانية في الأجزاء الأخرى وعلى الأخص الأخوة والأشقاء في الحزب الديمقراطي الكوردستاني في إقليم كوردستان (العراق)، وسوف نَمُرّ بسرعة على بعض هذه الجوانب لتكون مقدمة وتمهيداً لمضمون المقال

 

     ليس بخافٍ على كل متتبع لوضع الحركة الوطنية الكوردية في الإقليم الغربي من كوردستان بأن وضع الحزب الديمقراطي الكردي في سوريا – البارتي قد شهد تطوراً ملحوظاً وفي كل الأصعدة؛ حيث من الناحية السياسية والإعلامية يشهد المراقبون؛ (الخصوم قبل الحلفاء) بأن البرنامج السياسي للحزب قد شهد تغيراتٍ جمة بحيث بات يلاءم متطلبات المرحلة وما يصبو إليه أبناء شعبنا من مطالب وحقوق قومية وديمقراطية وإنسانية وبأن الطرح السياسي للمسألة الكوردية لم يعد ينحسر في بعض المطالب السياسية وإنما تم الاتفاق – في المؤتمر العاشر – على أن القضية الكوردية في سوريا هي “قضية أرضٍ وشعب” وبأن كوردستان ونتيجةً للاتفاقيات الدولية قد قسمت بين أربعة دول هي (سوريا – إيران – تركيا – العراق) وهكذا فإن “الشعب الكوردي في سوريا يعيش على أرضه التاريخية” وبالتالي فإن المناطق الكوردية في الشريط الحدودي والملحق بالدولة السورية هي جزء من أرض كوردستان التاريخية أو ما يمكن تسميته اصطلاحاً بـ(الإقليم الغربي من كوردستان) وذلك في المرحلة الحالية. وكذلك فإن الاتفاق على أن ما حدث في (12 آذار لعام 2004) والتي كانت من نتائجها قرابين وضحايا لعدد من أبناء شعبنا، على أنها انتفاضة وليس بحدث أو هبة أو (مؤامرة ومشاغبات) فإنها تعد نقلة نوعية في الخطاب السياسي للحزب (البارتي) وهناك العديد من النقاط والقضايا التي تبنته المؤتمر العاشر للحزب من خطابٍ تسامحيٍ مرنٍ لا مجال للخوض في حيثياته الآن. بل أن ما نشهده على الصعيد الإعلامي للحزب من تطور وخاصةً الجريدة المركزية للحزب؛ (دنكى كورد) خير مثالٍ نوردها هنا.

 

     وعلى الجانب التنظيمي والجماهيري ونتيجةً لجملة قضايا ومسائل منها الخطاب السياسي (الجديد) والملائم للمناخ والأجواء السياسية الراهنة وواقع وحقيقة القضية الكوردية في الإقليم الغربي فإن البارتي قد شهد مداً تنظيمياً في كل المناطق الكوردية وحتى بعض المدن الكبرى في سوريا مثل حلب ودمشق واللتين تحتضنان جالية كوردية كبيرة على أطرافها الفقيرة. إن هذا المد الجماهيري وانتساب أعداد كبيرة من أبناء شعبنا لصفوف البارتي قد أعطاه دفعاً وزخماً معنوياً ليتحرك أكثر ميدانياً ويكسب أعداد أخرى من الكوادر والمثقفين وفي كافة المجالات، مما أنعكس إيجاباً على صعيد الخطاب السياسي وكذلك الجانب التنظيمي وليشهد الحزب ولأول مرة الهيئات والمؤسسات التخصصية للمثقفين والمحامين والمرأة وغيرها من المؤسسات والتي هي في قيد الإعداد. أما من حيث علاقات البارتي مع أطراف الحركة الكوردية في الإقليم الغربي لكوردستان وكذلك مع قوى المعارضة السورية فقد شهد زخماً وتطوراً ملحوظاً، بل بات أي مشروع سياسي قومي كوردي وكذلك وطني سوري ومن دون مشاركة البارتي يعتبر (ناقصاً) وغير فعال.

 

     إن هذا الواقع الجديد للحزب لا بد أن يفرض عليه بعض الاستحقاقات النضالية – زيادةً على الآخرين – وكذلك أن يواجه بعض التحديات الكبيرة؛ ومن أهمها وأخطرها التحديات والضغوط الأمنية على القيادة التي في الصف الأول؛ كونها في المواجهة مباشرةً، وبالتالي الخوف من أن (تنهار) بعض هذه المواقع الأمامية وذلك من خلال ضربة أمنية – اعتقالات واسعة في صفوف القيادة – وعلى غرار الضربات السابقة (1959) و (1970) وغيرهما وبالتالي خلخلة التنظيم والحزب وإصابتها بالشلل والعطب لندخل مرحلة جديدة من الركود والضعف. أو أن يصاب الحزب، وعلى غرار بعض القوى والأحزاب الكوردية، وفي مراحل سابقة، بنوع من الغرور والعنجهية الحزبية بحيث نتعامل مع الرفاق في القاعدة وكذلك مع أطراف الحركة الكوردية (الآخرين) بنوع من الفوقية ومفهوم (الأخ الأكبر) والتي تكون عادةً بداية أخرى للانهيارات الحزبية نتيجة تكاثر (الأعداء) والخصوم. لذلك ومن باب الحرص والمسؤولية لا بد للبارتي وخاصةً الرفاق في القيادة التنبه لهذه المسائل وإيجاد الحلول والبدائل والعلاجات الضرورية وفي أوقاتها المناسبة وقبل أن تستفحل المسائل والقضايا، طبعاً إننا نقول هذا من باب الاحتياط وليس كواقع حال ملموس يجب تداركه.

 

     ولكن الأخطر من كل تلك التحديات وغيرها والتي عانى منها الحزب – وما زال بعض الشيء – هي قضية التكتلات الحزبية الضيقة والمتعلقة بقضايا تنظيمية وأحياناً جد شخصية والتي هي بعيدة كل البعد عن مفهوم التيارات السياسية وتباين أجندتها وبالتالي الاصطفاف داخل (تكتل) تيار سياسي مقابل تيار آخر يعمل على إنجاح مشروعه السياسي وبنفس الوقت يقبل بنتائج الانتخابات ولعبة الديمقراطية والخضوع لرأي الأكثرية مع احترام رأي الأقلية. إن هذه النقطة تحديداً عانى منه الحزب كثيراً وشهد على أساسه العديد من الانهيارات والانشقاقات وبالتالي يجب التنبه والتصدي له بقوة وحزم. وأيضاً هناك العديد من التحديات والتي هي ليست بأقل أهميةً من تلك التي ذكرناها، بل ربما تشتد خطورتهم أكثر إذا هيئت لها الظروف والمناخات ومنها مثلاً: قضايا الانحرافات الحزبية عن النهج والبرنامج السياسي للحزب وكذلك مفهوم ديكتاتورية (الزعيم) والقيادة وأيضاً عدم الأخذ بالظروف الذاتية والموضوعية وموازين القوى في المنطقة والعالم بعين الاعتبار وكذلك الاكتفاء بالشعارات والبرامج السياسية دون الخوض في (معارك) ميدانية سياسية لترى الجماهير الحزبية والشعبية بأن هناك ترجمة فعلية للخطاب السياسي للحزب وأن هناك عملاً ميدانياً. وبالتالي على البارتي وخاصةً في المرحلة القادمة أن لا يكتفي فقط بناحية الطرح السياسي الواقعي، بل أن يخطو إلى العمل الميداني الواقعي مع الأخذ بعين الاعتبار الإمكانيات والشروط وكذلك الظروف الأمنية لكل الرفاق.

 

المهجر – 2000

 


الشرعية التمثيلية

في ذكرى ميلاد “البارتي

 

 

 

 

 

بعد نصف قرناً من الزمن ومن عمر الحركة السياسية الكوردية في سوريا أو في الجزء الغربي من كوردستان والذي ضم إلى الدولة السورية الحديثة التشكيل وذلك بموجب اتفاقيات دولية من سايكس – بيكو ولوزان وغيرها والتي قسمت الجغرافية الكوردستانية بين مجموع هذه الدول، مازالت الأحزاب الكوردية تبحث عن شرعية تمثيلها ونجد بين الحين والآخر وخاصة في ذكرى الانطلاقة لأول تنظيم سياسي كوردي؛ ألا وهو “بارتي ديمقراطي كوردستان سوريا” والذي عرف فيما بعد باسم “الحزب الديمقراطي الكردي في سوريا (البارتي)”، وهذا هو الاسم الشائع في الأدبيات الحزبية؛ على أنه أول حزب سياسي كوردي تم تأسيسه في هذا الجزء من الجغرافية الكوردية. نعم إننا نلاحظ بأن هناك محاولات حثيثة ومن الجميع للاستيلاء على ميلاد وتاريخ وميراث وأسم “البارتي” وجعل حزبه بأنه هو الحزب الذي يحمل هذه الصفات دون غيره، وبأنهم هم الذين يحملون الجينة الوراثية الأولى والأصيلة والتي توارثوها من تنظيمهم السياسي الأول وعلى أنهم هم الامتداد الطبيعي لتلك المسيرة وما البقية إلى تكتلات وتشظيات منها وعنها، وهكذا وكأننا في أحد أسواق المزايدات السياسية.

 

إننا لن ندخل في سرد تاريخي دقيق عن مجمل الظروف والأوضاع التي دعت إلى تشكيل أول حزب سياسي كوردي في هذا الجزء ومن ثم الأسباب والدوافع التي كانت وراء تشظيها إلى كتل وأحزاب عدة، فمن جهة ليس هذا بموضوعنا ومن جهة أخرى فإنها تحتاج إلى أبحاث ودراسات وليس بمقدور مقال سياسي أن يوفي هذا الجانب حقه. ولكن سوف نقف عند بعض الظروف والعوامل والتي هيأت المناخ لولادة أول تنظيم سياسي كوردي في هذا الجزء من الجغرافية الكوردية، وأيضاً سنحاول أن نلقي الضوء على الأسباب والدوافع التي كانت وراء تشظي “البارتي” إلى مجموع هذه الأحزاب، وهكذا سنحاول أن نقف عند بعض المحطات الأساسية في مسار الحزب الديمقراطي الكردي في سوريا (البارتي)، وذلك لكي نستبين من هو الطرف الذي يمكن أن يكون الوريث الأكثر شرعية من مجموع أحزاب الحركة السياسية الكوردية.

 

بداية لا بد الوقوف عند مجموعة العوامل والمناخات السياسية والتي كانت جديدة إلى حد ما على المنطقة عموماً والكورد على وجه التخصيص؛ فمن جهة كان انهيار الخلافة العثمانية وانهيار مفاهيم “الأخوة في الدين” و “لا فرق لعربي على أعجمي إلا بالتقوى” وكان تركة “الرجل المريض” وتقاسمها بين دول التحالف وذلك على حساب دول المحور. ومن جهة أخرى ومع دخول القوات المحتلة إلى بلدان الشرق الأوسط كانت مبادئ الثورة وحقوق القوميات والأقليات في تقرير مصيرها قد وجدت من يتلقفها ويعمل من أجل نيل بلدانها الحرية والاستقلال، ومن بينهم النخب الثقافية من أبناء الشعب الكوردي، وبالتالي كان تأسيس النوادي والجمعيات وحتى الأحزاب، مثل كل من نادي كوردستان وعامودا اللذان أغلقا في عام 1938 وأيضاً كان هناك جمعية خويبون 1927 وكذلك حزب آزادي وحتى قبل هذه الحركات كانت هناك حركة ثقافية نشطة وخاصة من قبل العائلة البدرخانية ومجموعة من المتنورين الكورد؛ إذاً كان هناك نخب ثقافية تترصد الأجواء لتعلن عن تنظيمهم ونشاطهم السياسي، فكان ولادة أول حزب سياسي كوردي؛ ألا وهو “بارتي ديمقراطي كوردستان سوريا“.

 

إن المحطة الأولى والأساسية في مسار أي حزب أو حركة؛ هي الانطلاقة أو الشرارة الأولى وبالتالي الوقوف عند أولئك الذين بادروا لأن يخطوا هذه الخطوة والتي اتسمت بالجرأة والمسؤولية. وهكذا إذا عدنا إلى الخلف وحاولنا أن نقف عند لحظة ميلاد “بارتي ديمقراطي كوردستان سوريا” والذي سيعرف فيما بعد باسم الحزب الديمقراطي الكردي في سوريا (البارتي) – كما قلنا سابقا” – وذلك نتيجة للملاحقات والاعتقالات والضغوط والتي مورست على قيادة وقواعد الحزب في زمني الوحدة والانفصال، مما جعل الحزب لا أن يتنازل عن اسمه فقط ولكن أيضاً عن شعار “تحرير وتوحيد كوردستان” أيضاً.

 

وهكذا نستنتج أنه لا يمكننا أن نعتبر أي طرف أو حزب من مجموع أحزاب الحركة السياسية الكوردية والتي نعرفها اليوم، هو امتداداً أو وريثاً “لبارتي ديمقراطي كوردستان سوريا” لا أسماً ولا منهجاً؛ إلا إذا أخذنا “بارتي ديموقراطي كوردستاني – سوريا” للأستاذ جان كورد والذي تم تأسيسه في أوربا على أنه يحاول أن يكون “الوريث الشرعي” لذاك التنظيم الأول على الأقل في مستويات التسمية ولكن هذا الطرف يفقد الكثير من المقومات والتي تجعله بحق امتداداً لذاك الأول وأولها وأهمها أنه لا يملك أي قاعدة شعبية في الداخل وحتى في الخارج؛ فنعتقد أنهم مجموعة مثقفين وهذا ليس تقليلاً من شأن هذا الطرف أو ذاك، وإنما قراءة في الواقع المعاش، ونتمنى أن نكون مخطأين.

 

إذاً ليس هناك من مجموع هذه الأحزاب من يحمل أو يرث أسم ونهج الـ”بارتي ديمقراطي كوردستان سوريا” ذاك الحزب الذي تم تأسيسه في 14-6-1957 وما هذا التهافت على ذاك التاريخ إلا نوعاً من الدجل والنفاق السياسي وإقناع القواعد والجماهير بأن “حزبي” هو أعرق وأقدم وأكبر عمراً من بقية هذه الأحزاب وبالتالي الإيحاء بأن هذه الأحزاب الأخرى ولدت بطريقة قيصرية من رحم حزبه هو، وهكذا يمكننا أن نعتبر أن هذا مؤشر ترمومتري عن مدى إفلاس الحركة السياسية وخاصة من جانب برامجها السياسية؛ فها هي تلجأ إلى مقوم ومؤشر لا يمكن لأي حركة أو تجمع مدني مؤسساتي أن تعتبره كدليل على شرعيته وتمثيليته لشريحة أو جماهير أو أتنية أو.. بل كان عليها أن تعيد النظر في برامجها السياسية وأساليب نضالها وهل هي متلائمة مع كل من رغبات قواعدها وجماهيرها من جهة ومن الجهة الأخرى مع مجموع الظروف والمناخ السياسي الدولي والإقليمي وما هي مدى واقعية تلك البرامج والفصل بين الحقوق والمطالب، وهكذا ستكون قد أرست الأسس الأولى لشرعيتها، وليس محاولة استلاب تاريخ وميراث وميلاد حزباً أنت بعيداً كل البعد عن برامجه وحتى عن أسمه.

 

وهناك أيضاً من يحاول أن يلتف على هذه النقطة بالادعاء بأن بعض من قياداته الحاليين، أو على الأقل رأس هرمهم، هم من أولئك الذين لهم شرف العمل في قيادة أول تنظيم وبالتالي فلهم أحقية التمثيلية كممثل شرعي ووحيد للتنظيم الأول، وهكذا نجد أننا مرة أخرى أمام الدوامة والمتاهة نفسها؛ من أكبر سناً هو الأجدر على أن يكون الأب والجد وموضع الإجلال والتقدير وهذا انعكاس عن الفكر والعقلية البدوية وليس المدنية. ولكن ينسى أصحاب هذه “النظرية” ماذا سيفعلون ويقولون إذا رحلوا – بعد عمر ٍ طويل – هؤلاء القادة من الرعيل الأول عن هذه الحياة أو قيادة الحزب؛ وهل سيفقدون بفقدانهم لهذا الزعيم، والذي ينتسب بيولوجياً وليس فكرياً وبرامجياً إلى جسم التنظيم السياسي الأول، تلك التمثيلية الشرعية، سؤال في رسم الإجابة.

 

وهكذا فنحن أمام حقيقة لا يمكن لأحد أن ينكرها؛ وذلك أن مجموع أحزابنا هذه ليس امتداداً لذاك التنظيم الأول والذي يعود إلى إحدى تواريخنا “المقدسة”، إلا على مستوى الرغبة الشعبية وتنازلاً عند إرادته وذلك بعد أن أسطرنا؛ واصبغنا على تلك الحقبة وأولئك (الأجداد السياسيين) نوع من الملحمة والأسطورة. وبالتالي وحسب قراءتنا وإدراكنا لهذه المسألة فأن جميع الأحزاب والذين يشكلون اليوم جسم الحركة السياسية الكوردية في سوريا هم ينتسبون أو على الأقل امتداداً لمرحلة ما بعد اعتقالات (1960)، فمن المعلوم أن الخلافات كانت موجودة منذ البداية بين أولئك الذين شكلوا النواة الأولى للحزب وقد تعمقت تلك الخلافات مع أزمة الاعتقالات وكان أول شق في صفوف الحزب والذي عرف بانشقاق “اليسار عن اليمين” يعود إلى 5 آب لعام 1965 إلى أن جاءت الدعوة من القائد الخالد (ملا مصطفى بارزاني) وإلى طرفي النزاع بالإضافة إلى بعض “الكوادر” والرفاق الذين كانوا قد تركوا التنظيم حتى لا يكونون طرفاً في هذا الخلاف، وأيضاً تم دعوت بعض الرموز الوطنية والعشائرية وذلك لحضور المؤتمر التوحيدي. وقد تم ذلك بالفعل في عام 1970 وسمي الحزب “بالحزب الديمقراطي الكردي في سوريا (القيادة المرحلية)” حيث الاسم الأولي؛ “بارتي ديمقراطي كردستانا سورية” وأيضاً شعار “تحرير وتوحيد كردستان” كان قد تم التخلي عنه قبل ذلك بكثير.

 

وتم الاتفاق على توحيد الحزب وحرصاً على الوحدة وخوفاً من رموز الانشقاق أن تعيد الكرة في توتير الأجواء، اتفق على إبعاد أولئك الرموز عن الساحة السورية، ولذلك ابقي ثلاثة منهم وهم السادة عبد الحميد درويش ورشيد حمو (من اليمين) ومحمد نيو (من اليسار) أما زميله الآخر صلاح بدر الدين وبسبب الدراسة أرسل إلى أوربا. وهكذا تم توحيد الحزب تحت أسم (القيادة المرحلية) ولكن لم يدم ذلك إلا بضعة أشهر حيث أستطاع السيد حميد درويش أن يهرب من الحجز المفروض عليه من قبل قيادة الثورة الكوردية في جنوب كوردستان والعودة إلى سوريا ولحقه بعد فترة رشيد حمو بحجة عائلية فما بقي إلا أن طلبت القيادة الكوردية في العراق من القيادي (اليساري) محمد نيو أن يعود هو الآخر إلى الداخل. وهكذا اجتمعت رموز (اليمين) من جديد لتعلن عن انشقاقها عن (القيادة المرحلية) ولحقهم بعد فترة وجيزة (الجناح اليساري) وبالتالي وبدل أن يوحد الجناحان في حزب سياسي واحد أصبحت هناك ثلاث كتل سياسية على الأرض.

 

الحزب الديمقراطي الكردي في سوريا (اليمين) والذي سيعرف فيما بعد باسم الحزب الديمقراطي التقدمي الكردي في سوريا والذي سيعرف بعض الانشقاقات وخاصة في السنوات الأخيرة. وأيضاً سوف يكون هناك الحزب الديمقراطي الكردي في سوريا (الجناح اليساري) والذي سيعرف عن نفسه في مؤتمره التأسيسي اللاحق بالحزب اليساري الكردي في سوريا والذي سيعرف هو الآخر مجموعة انشقاقات بين الاسم القديم والاتحاد الشعبي الكردي في سوريا وغيرها من الكتل والتي توجت أخيراً باسم آزادي بين أحد أجنحة اليسار والاتحاد مع تمرد كتلة من هذا الأخير ومحاولة إعادة الدماء إلى جسد الاتحاد الشعبي.

 

أما الكتلة الثالثة والتي حافظت على أسم ونهج المؤتمر التوحيدي 1970 والذي تم في جنوب كوردستان وبإشراف مباشر من قيادة الثورة الكوردية هناك ومن قائدها آنذاك (ملا مصطفى بارزاني) الخالد، فهي التي تم تكليفها تحت أسم (القيادة المرحلية) وهكذا فإن الحزب الديمقراطي الكردي في سوريا والذي سيعرف فيما بعد بـ”البارتي” هو الذي يحمل أسم ونهج ذاك التوجه والتلاقي وذاك الفكر التوحيدي والذي تم الاتفاق عليه؛ أي أنه هو الذي يحمل الخط والنهج البارزاني والذي أعتبر وما زال خطاً وطنياً كوردستانياً معتدلاً.

 

وهكذا فمن حق الحزب الديمقراطي الكردي في سوريا (البارتي) وكوادره وجماهيره أن يعتبروا أنفسهم أنهم هم من يمثلون شرعياً ذاك النهج والخط الوحدوي والذي باركته قيادة الثورة الكوردية في كوردستان (العراق) وقائدها بارزاني الخالد وأيضاً باركتها الجماهير الكوردية والتي توجت في سنوات السبعون بالمد والزخم الجماهيري الذي وقف وراء (البارتي) والذي ما زال يعيش في الذاكرة الشعبية من ما تحمل من مدلولات معنوية؛ بحيث دفع حزب العمال الكردستاني، ونتيجة لعوامل عدة منها ضعف القيادة الكوردية في جنوب كوردستان وبالتالي التراجع في النهج البارزاني عامة ومنه الحزب الديمقراطي الكردي في سوريا (البارتي)، إلى أن يستفيدوا؛ أي (PKK) من هذه الظاهرة ومن أرث (البارتي) الجماهيري فكانوا يعرفون عن أنفسهم، وخاصة أمام الشرائح الاجتماعية البسيطة والريفية، باسم (البارتي) وهم الذين كانوا ولفترة (أعداءً) لنهج البارزاني والبارتي نفسه.

 

ولكن اليوم ونتيجة لمناخات جيوسياسية انقلبت موازين القوى وعاد النهج البارزاني إلى وهجه بل زاد عليه وبات الجميع يدعي البارزانية، بل هناك من زايد على البارتيين والبارزانيين أنفسهم وطرح “البارزانيزمية” ولكن وللتاريخ فإن الحزب الديمقراطي الكردي في سوريا (البارتي) وفي أحلك الظروف وعندما تخلى الجميع عن البارزانية وقف هو موقف الأخ المعاضد والمدافع عن ذاك النهج وبالتالي فهو الأجدر اليوم أن يدعي بأنه وريث ذاك النهج وتلك الخطوة التوحيدية “المباركة” والتي تمت تحت قيادة الزعيم بارزاني وهكذا فهو الذي له (كل) الحق أن يدعي بأنه بحق يمثل وبقوة الشرعية القانونية والدستورية ميلاد الحزب الأول في غرب كوردستان ودون أن يكون قد زايد على أحد.

جندريس-2006


صراعٌ على السلطة

أم اختلافٌ في الرؤى والبرامج

 

 

 

 

 

شاهدنا في الفترة الأخيرة العديد من المقالات التي تناولت مسألة (عودة الرفاق وانسحابهم) من (البارتي) وذلك بين مؤيدٍ، وهم الأغلبية، ومشككٍ في مسألة التوقيت والآلية؛ أي أنه كان هناك – وما زال – اهتمام إعلامي وجماهيري بصدد هذه المسألة؛ مسألة عودة الرفاق (القدامى) والذين كانوا قد تركوا صفوف الحزب الديمقراطي الكردي في سوريا (البارتي) نتيجة الانشقاقات التي تعرض لها الحزب أو بأشكال فردية عائدة لأسبابهم الخاصة ولحالة اليأس والقنوط من الواقع الحزبي والسياسي الكوردي عموماً وتحديداً من واقع (البارتي) في مراحل سابقة. وإننا هنا نستطيع القول بأن هذا الاهتمام الإعلامي والجماهيري إنما يدل على حضور وحيوية (البارتي) الجديدة في المرحلة الراهنة وبالتالي يمكن اعتبارها (انطلاقة جديدة) له؛ أي للحزب الديمقراطي الكردي في سوريا (البارتي) وهو يعود إلى سابق عهده من ناحية المد والزخم الجماهيري وقيادته له وللمرحلة الراهنة من نضال الشعب الكوردي في هذا الإقليم وذلك من خلال برنامج سياسي ينسجم مع روح العصر ومتطلبات المرحلة من جهة ومن الجهة الأخرى مع واقع الشعب الكوردي على أنه يشكل ثاني قومية في البلاد وبأن القضية الكوردية في سوريا هي قضية أرض وشعب محروم من حقوقه الدستورية الأساسية.

 

ويمكن القول أيضاً بأن البرنامج السياسي (للبارتي) اتسم بالواقعية السياسية عموماً وإن أصابه الصدأ والتآكل في جوانب منه بفعل الزمن والتقادم وافتقاره إلى الكادر السياسي الثقافي التخصصي للعمل عليه بحثاً ودراسةً بحيث يرتقي به إلى مستوى الخطاب السياسي الراهن وكذلك لحالة الخوف ومناخ الرعب الذي كونته هذه السنين الطويلة من هيمنة الأجهزة الأمنية على كل مفاصل الحياة في البلد؛ السياسية منها وغيرها من الجوانب الاجتماعية والاقتصادية، مما أنتج مجتمعاً ركودياً اتكالياً ومهمشاً حيث العطالة الفكرية والتنظيمية في كل مناحي الحياة السياسية والثقافية والاجتماعية وحتى الاقتصادية منها وحيث الفساد هو سيد الموقف والأحكام. وهكذا دخل المجتمع السوري برمته في حالة من العطالة الفكرية والسياسية، كما قلنا قبل قليل، وبالتالي همش المجتمع ودوره وفاعليته وتم استبعاده عن الحياة السياسية العامة وهكذا تعطلت مؤسساته الحزبية والسياسية والمدنية عن القيام بأي دور حقيقي في ظل تطبيق النظام لقوانين الطوارئ وحالة الأحكام العرفية وكان من بين تلك القوى والأحزاب التي دخلت في حالة السبات الفكري والسياسي وكذلك التنظيمي هو الحزب الديمقراطي الكردي في سوريا (البارتي)، إلى أن كان الحراك الأخير للمجتمع السوري برمته وتحديداً فعالياتها الثقافية والحقوقية وأخيراً قواها السياسية ومن بينها تحرك (البارتي) والمؤتمر الأخير له؛ المؤتمر العاشر والذي عقد بين 17-19\5\2007 حيث يمكن اعتباره المؤتمر الذي وضع (البارتي) على عتبة جديدة من النضال السياسي والجماهيري وأن يرتقي بخطابه وبرنامجه السياسي إلى مستوى المرحلة ومتطلباتها وما ينسجم مع الواقع السياسي للشعب الكوردي في سوريا.

 

وهكذا ونتيجةً لهذا التحول النوعي الذي طرأ على حالة الحزب؛ أي لواقع وحال (البارتي) وذلك من ناحية طرحه لبرنامج سياسي يتسم بالواقعية السياسية والشفافية وكذلك بالجرأة في طرحه لمسائل وقضايا سياسية كوردية وكوردستانية وأيضاً وطنية سورية كانت تعتبر من المحظورات السياسية وبالتالي جذبه لكتل سياسية من بين الجماهير الكوردية أو من أحزاب الحركة الوطنية الكوردية في سوريا – وقد رأينا العديد من أولئك الأخوة والرفاق وهم يعودون إلى صفوف الحزب – وكذلك التفاف نخبة ثقافية لا بأس بها حول جسد التنظيم السياسي وبالتالي المساهمة الفعالة في بلورة خطاب سياسي فاعل ومؤثر في الشارع الكوردي، إضافةً إلى الجانب الكوردستاني والعلاقة القوية والراسخة مع الحزب الديمقراطي الكوردستاني العراقي والأخ مسعود بارزاني؛ رئيس إقليم كوردستان (العراق) وغيرها من العوامل: مثل قضية العولمة والمناخ الديمقراطي الجديد في العالم والتخلص من سياسية تقسيم المصالح والنفوذ بين قطبي العالم السابقين في ظل مناخ وأجواء الحرب الباردة وإلى ما هنالك من الأسباب والدوافع التي ساهمت وما زالت تساهم – إلى هذه الدرجة أو تلك – في انبعاث وانطلاقة (البارتي) الجديدة.

 

في هذا المناخ ونتيجةً للحالة التي أصبحت عليها (البارتي) رأت العديد من الكتل والجناحات وكذلك الأفراد بأن من مصلحتهم وكذلك المصلحة الكوردية وتطوير وتفعيل القضية الكوردية برمتها يتطلب العمل من خلال هذا الفصيل والطرف السياسي الكوردي في سوريا؛ أي العمل ضمن صفوف الحزب الديمقراطي الكردي في سوريا (البارتي) وهكذا فقد توجهت تلك الكتل والأجنحة والأفراد بطلبات العودة والانتساب إلى صفوف (البارتي) والانضمام إليه وقد تعامل الحزب والرفاق عموماً بمرونة ودراية سياسية تتسم بالواقعية والبراغماتيكية مع تلك المسائل والكتل وقد كنا على إطلاع مباشر في عدد من تلك القضايا المتعلقة بعودة الرفاق إلى صفوف الحزب ورأينا حرص الأخوة والرفاق في القيادة على إنجاز ما يمكن إنجازه، بل تفوقوا على أنفسهم في الكثير منها، وهذه ليست بشهادة حسن سلوك لهم، بل إن واقع (البارتي) الحالي يشهد للرفاق قيادةً وقواعد حجم الإنجازات التي تحققت للحزب خلال فترة أقل من سنة. ومن بين تلك الكتل والأجنحة التي طلبت العودة والانضمام إلى صفوف الحزب كان الرفاق والأخوة الذين عرفوا (بجناح الأستاذ عبد الرحمن آلوجي)؛ فقد رأينا وقبل المؤتمر وتحديداً بتاريخ 28\4\2007 ببيان على مواقع الأنترنت تعلن عن (عودة الرفاق إلى صفوف الحزب) وبالطبع المسألة سبقتها اتصالات عدة، بل عودة العديد من الرفاق الذين كانوا مع الأستاذ عبد الرحمن حتى قبل إقراره هو بالعودة وإصداره لذاك البيان والذي أعلن من خلاله مسألة عودته (للبارتي)، وللعلم فقد بقي أولئك الأخوة والرفاق الذين انضموا إلى (البارتي) قبل صدور ذاك البيان في أماكنهم ولم ينسحبوا مع الأستاذ عبد الرحمن آلوجي وكتلته.

 

ولكن – وللأسف – لم يجف حبر البيان؛ (بيان العودة) وكذلك لم يفق الرفاق والأخوة من نشوة المؤتمر والإنجازات التي تحققت على الصعيد الفكري والسياسي والتي يمكن اعتبارها بحق بالمرحلة النضالية الجماهيرية الثالثة (للبارتي) بعد مرحلتي التأسيس في عام 1957 والتوحيد بعام 1970 فإن المؤتمر العاشر للحزب وعام 2007 يمكن اعتبارهما وتسميتهما بمرحلة القيادة؛ أي قيادة (البارتي) للمرحلة النضالية الحالية لشعبنا الكوردي في هذا الإقليم الكوردستاني وبالتالي العمل ضمن الأجندة السياسية التي تبنته في مؤتمرها وليكون الطرف السياسي الذي تُجمع عليه كل الأطراف والقوى والأحزاب الكوردية في هذا الإقليم بأنه المؤهل لقيادة المرحلة وبالتالي تجميع كل تلك القوى والأطراف ضمن إطار سياسي؛ (مرجعية كوردية، مؤتمر كوردي، جبهة أو تحالف سياسي كوردي..) ليقود شعبنا إلى تحقيق حقوقه القومية المشروعة من سياسية وثقافية واجتماعية وكذلك الاقتصادية في هذا الإقليم الكوردستاني.

 

نعم.. حيث ضمن هذه الظروف والمعطيات الجديدة كان بياني (العودة والانسحاب) لرفاق الأستاذ آلوجي، وبقراءة كل من البيانين السابقين بالإضافة إلى مجموعة التصريحات والتوضيحات التي رافقتها أو جاءت بعدها ومنها مقال الأخ محمد سعيد آلوجي والذي يعنونه بالتساؤل التالي “أين بات يكمن خط الدفاع عن البارتي” ويوجهه إلينا بشكلٍ مباشر، كوننا كنا قد وعدناه بأن يصل صوته إلى الأخوة والرفاق في المحافل الرسمية للحزب من كونفرانسات ومؤتمرات حزبية؛ وهكذا فيكتب إلينا بصدد ذلك ما يلي: (كان الأستاذ بير رستم قد طلب مني بعبارات صريحة أن أوقف إصدار الحلقات المكملة ل “دفاعاً عن (البارتي)” وكان قد قال “وما نأمله أن يكون دائماً ” أي أن أتوقف عن نشر تلك الحلقات المكملة بشكل نهائي” وليس فقط في ذلك الوقت” معللاً دعوته بجملة من الاعتبارات نتناول أولها والتي كانت قد صيغت كالتالي ” أولاً: إن الخلاف هو بين كادرين وليس مع نهج وسياسة (البارتي) وبالتالي يمكن بحث الموضوع من خلال الإجتماعات الموسعة للحزب من كونفرانسات وغيرها لحل الخلاف. وإذا كان هناك عائقاً من حضور الأخ محمد سعيد آلوجي – قبل تقديم الإستقالة – وحالياً كونه خارج التنظيم، فيمكن أن يرسل بما لديه لمن يجده أهلاً لذلك ونعاهده بأن صوته سيكون مسموعاً في تلك المحافل الحزبية على الرغم من غيابه كحضور شخصي”).

 

لن نطيل في المسألة بحيث نقف عند كل النقاط التي طرحها كل من الأخوين عبد الرحمن ومحمد سعيد آلوجي، بل لم يكن في ودنا أن نقف عند هذه المسألة مجدداً لولا طلب الأخ محمد سعيد وبشكلٍ مباشر منا أن نجيب على تساؤله السابق؛ حيث باتت المسألة – برأينا – نوع من الخلافات الشخصية على الكرسي والزعامة أكثر مما تكون حول القضايا والمسائل الفكرية والسياسية وذلك على الرغم من بعض التصريحات الأخيرة لبعض الأخوة المنسحبون – والذين نكن لهم احتراماً ومحبة خاصتين – والتي تتهم فيها (البارتي) ونهجه بأنه “لم يبقى منه سوى الاسم” فنقول لهم وللآخرين بأن هذا إجحاف بحق (البارتي) والمؤتمر العاشر للحزب ولأولئك الرفاق وجهدهم في وضع برنامج سياسي مقبول ولا نقول هو المطلوب والمأمول تماماً. ويمكن التأكيد من هذه النقطة؛ بأن الخلاف والصراع حول السلطة وليس البرنامج السياسي للحزب وذلك بالعودة إلى الأجواء والمناخات التي سبقت عملية (العودة) وكذلك ما جرى في المؤتمر ومن ثم ما تم طرحه من نقاط خلافية في بيان (الانسحاب)؛ حيث تخلو كل تلك البيانات والتصريحات والمقالات من مسائل سياسية خلافية بينهم وبين الحزب وكل ما في الأمر هو الخلاف على زعامة هذه المنطقة؛ حيث أن منظمة ألمانيا (للبارتي) لم تبقى تحت وصاية الأخ محمد سعيد، وفي الداخل (كتلة) الأستاذ عبد الرحمن لم تفز بأكثر من مقعد في اللجنة المركزية، فلو فازت تلك (الكتلة) بأكثر من مقعدين لما رأينا ما رأينا من بيانات (الانسحاب) مع العلم إن أكثرية الأخوة الذين كانوا لفترة مع الأستاذ عبد الرحمن آلوجي انضموا إلى الحزب حتى قبل أن يعلن الأستاذ عبد الرحمن بيان (العودة) وهؤلاء الأخوة والرفاق بقوا ضمن صفوف البارتي على الرغم من بيان (الانسحاب) وبالتالي خرجت (جماعة) الأستاذ آلوجي فقط، كما قلنا في فقرة سابقة.

 

النقطة الثانية والتي تؤكد على أن ليس هناك من قضايا فكرية سياسية خلافية مع الحزب لدى الأخوين آلوجي هو استمرارهم مع العملية السياسية إلى آخر لحظة وذلك قبل وخلال المؤتمر والدليل على ذلك؛ ترشح الأستاذ عبد الرحمن إلى عضوية اللجنة المركزية للحزب وفوزه به؛ وهكذا نستنتج بأن الأستاذ عبد الرحمن لم يعترض على النهج والبرنامج السياسي على الرغم من بعض التحفظات لكل منا على بعض القضايا والمسائل السياسية حيث كما له بعض الملاحظات على التقرير السياسي العام والمنهاج السياسي لنا أيضاً ملاحظات وربما تفوق ملاحظاته وهو يعلم ذلك. نعم اعترضنا على بعض النقاط ولكن وأخيراً تم الاتفاق على الصيغة الأخيرة لمنهاج الحزب وهو برأي خطوة جد متقدمة بالنسبة للبرنامج السياسي السابق للبارتي، وإذا كان الأستاذ عبد الرحمن يعترض على ادعاءنا هذا فإننا نسأله سؤالاً واحداً فقط؛ لما ترشح لعضوية اللجنة المركزية للحزب وهو على خلاف سياسي مع البارتي ونهجه، بل لما لم يقم بعملية الانسحاب خلال المؤتمر كما فعلها مع الأستاذ نصر الدين وبالتالي كان أثبت لنا جميعاً بأن للرجل مواقف سياسية تجبن عنها القيادة الحالية للبارتي، أما أن تترشح لعضوية اللجنة المركزية فهذا يعني شيئاً واحداً فقط؛ إنك تتفق مع هذا البرنامج ولو في حده الأدنى وبالتالي فإن انسحابك الأخير ليس إلا لخلافٍ على عدد المقاعد في اللجنة المركزية وهكذا فإنك تخرق قاعدة اللعبة السياسية ومسألة الانتخابات والأكثرية والأقلية.

 

وتأكيداً على أن المسألة برمتها لا تتعدى الجانب التنظيمي في الحزب وبعض القضايا الإدارية فإننا نورد المقطع التالي من بيان (الانسحاب) للأستاذ عبد الرحمن آلوجي حيث يؤكد بأنه وبعد جهدٍ كبير تكللت العملية السياسية “بإعلان بيان الوحدة في 28/4/2007 والذي أنجز بفضل تنازلات كبيرة من قبلنا – أي من قبل الأستاذ عبد الرحمن و(كتلته) والتوضيح من عندنا –, وقبولنا بشروط تعجيزية , إضافة إلى الرضى برئاسة الطرف الآخر .. وقد عد إعلان الوحدة حدثا تاريخيا هاما , كان بمثابة بشرى الى جماهير شعبنا وكوادر حزبنا ورفاقنا , واصدقائنا في كل مكان , ولكن هذه البشرى وئدت في المهد , إذ جاءت الممارسات الاقصائية والتصفوية , وأساليب مفاجئة في الانتقاء والتهميش في الانتخابات التحضيرية ضربة في الصميم , ومفاجأة لرفاقنا , ولكنا وجدنا في الوحدة هدفا أكبر من كل اعتبار , فدعونا رفاقنا إلى القبول بكل النتائج , رغم بروز ظاهرة مندوبي المؤتمر من الوطنيين وغير الحزبيين , عازمين أن نخرج إلى المؤتمر كفريق عمل , وهو ما وعدنا به من قبلهم , كما بذلت وعود سخية أخرى , ولكن ما حدث قبل وأثناء المؤتمر , جاء مرة أخرى مخيبا للآمال , حيث توالت اعترافات رفاقنا من القياديين في الطرف الآخر لتكون اعترافاتهم سيدة الأدلة بارتكاب أخطاء فادحة ومتعمدة , قوامها الإقصاء والشطب والإبعاد . كما ظهرت بوادر تضير بالعملية الوحدوية من خلال: إبعادنا عن إدارة جلسات المؤتمر وعدم إشراكنا فيها .. عدم تلاوة البرقيات المهنئة والمباركة للوحدة .. وعدم الإشادة بهذه العملية المتميزة .. الا من رسالة قيمة أشاد فيها السيد السكرتير العام بالوحدة وأحسن تقييمها. الركون إلى قوائم محضرة وجاهزة, يعتمد أسلوب الشطب لكل رفاقنا ما عدا واحد من أصل واحد وعشرين قياديا“.

 

إننا لن نقف عند النقاط واحدة فواحدة ولكن فقط سوف نقوم باستبيان بعض المسائل والنقاط الواردة في البيان السابق ليرى القارئ مدى التخبط الذي يعانيه الأخوة المنسحبون من الحزب؛ بدايةً البيان الذي رأيناه في 28\4\2007 كان بيان (العودة) وليس (الوحدة) وأعتقد بأن الأستاذ عبد الرحمن ليس بحاجة إلى التعريف بهما وبمدلولهما. المسألة الثانية والتي تدل على الدوامة التي يعيشها الأخوة من خلال بيانهم هذا هي مسألة التناقض والازدواجية؛ فهم من جهة يقولون بأن عملية العودة – وليس الوحدة – جاءت نتيجة “تنازلات كبيرة من قبلنا , وقبولنا بشروط تعجيزية , إضافة إلى الرضى برئاسة الطرف الآخر..” أي أنهم هم؛ الأستاذ عبد الرحمن وجماعته قبلوا بتلك “الشروط التعجيزية” ليستكمل عملية بناء (البارتي) – وهم مشكورون على ذلك، إن كان صادقاً في ادعاءه – ولكن وبعد ثلاث أو أربع جمل يعود ليقول لنا في بيانه (الانسحابي) ذاك “ولكن هذه البشرى وئدت في المهد , إذ جاءت الممارسات الاقصائية والتصفوية , وأساليب مفاجئة في الانتقاء والتهميش في الانتخابات التحضيرية ضربة في الصميم , ومفاجأة لرفاقنا..”. حيث إننا نتساءل كيف استقام الأمر مع الأستاذ عبد الرحمن آلوجي بين تقديمهم لـ”تنازلات كبيرة” وذلك قبل وأثناء المؤتمر وكذلك في فترة التحضير لعودة هؤلاء الأخوة والرفاق للحزب من جهة وبين تلك الـ”وعود (الـ)سخية” التي قطعت لهم من قبل الحزب؛ حيث الواحدة تنفي الأخرى.

 

بقيت نقطتان نود أن نوضحهما للقارئ؛ الأولى قضية رئاسة المؤتمر و(استبعاد) الأخ عبد الرحمن كما يدعيه في بيانه الأخير. إننا لن ندعي بأنها غير صحيحة ولكننا سوف نقول بأنها غير دقيقة؛ حيث ترشح أكثر من ثلاثة أعضاء لرئاسة المؤتمر ومن ثم تنازل البعض للآخر وكان من بين المتنازلين الأستاذ عبد الرحمن آلوجي وبالتالي فلم يكن استبعاداً كما ذُكِر في البيان. أما النقطة الأخرى فهي قضية (التكتل والقوائم الجاهزة) ومسألة “الإقصاء والشطب والإبعاد” فإننا نستطيع أن نؤكد للأخوة والرفاق بأن هذه المسائل والقضايا واردة في كل انتخابات العالم وليس عند البارتي فقط، وإن كنا لا نتفق مع بعض هذه الأساليب أو تلك من التي جرت في مسألة انتخابات أعضاء اللجنة المركزية ولكن يجب أن نعي مسألة جد مهمة وأكدنا عليها قبل المؤتمر وأثناء انعقاد جلساته أيضاً؛ بأنه على الأقلية أن تلتزم بقرار الأكثرية، أما أن نخرج عن الإجماع كونه لم يقر ما نريده فتلك ليس بعقلية سياسية مدنية، بل نوع من عقلية الخروج على القبيلة وزعيمها. وأخيراً نود أن نقول للأخ محمد سعيد بأننا وعدنا أن يصل صوته إلى الأخوة والرفاق وقد وفينا به إلى حدٍ كبير وما المنهاج السياسي الجديد للحزب إلا تأكيداً لذلك، أما إن كان القصد أن نسحب الكرسي من تحت الأخ عبد الحكيم بشار لنضعه تحته أو تحت من يراه (أهلً) لذلك فهذه ليست بيدنا وإنما هو قرار المؤتمرين وليعمل هو والآخرين (المقتنعين) بعدم (أهلية) الأخ عبد الحكيم وذلك من خلال مؤسسات الحزب بحيث يكونون هم قادة (البارتي) المستقبليين.

 

وآخراً نقول ونؤكد بأننا لسنا راضين إلى الحد المطلق عن وضع الحزب؛ (أي الحزب الديمقراطي الكردي في سوريا – البارتي) السياسي والفكري وكذلك التنظيمي – الجماهيري وسوف نعمل معاً مع الأخوة والرفاق لأن نرتقي به وبنضاله – وحسب قراءتنا ورؤيتنا وإمكانياتنا – وذلك من خلال مؤسسات الحزب وليس من خارجه ليصبح أداة نضالية حقيقية لشعبنا الكوردي في هذا الإقليم ولن نرهن صوتنا لهذا الزعيم أو ذاك؛ فلنا قضية وهدف وإننا ما زلنا مقتنعين بأن (البارتي) هو خير وسيلةٍ وأداة لتحقيق ذاك الهدف والغاية وعندما نقتنع بأن هناك بدائل ووسائل أفضل سوف نغير بدائلنا تلك من أجل تحقيق الأهداف والغايات وليس من أجل نيل مقعدٍ في الصف الأمامي من (الباص الكوردي) وعذراً لاستعارة العنوان من الأخ ديار سليمان.

 

 

(*) عضو اللجنة المركزية للحزب الديمقراطي الكردي في سوريا – البارتي (بصفة احتياط).

 

جندريسه – 2007

 

 


قراءة أولية

في مسودة المنهاج السياسي “للبارتي

 

 

 

 

 

المقدمة:

 

مسودة المشروع المقترح للمؤتمر القادم والمطروح للنقاش والدراسة يعتبر خطوة متقدمة وأكثر نضجاً مما يمكن اعتباره منهاجاً حالياً للحزب وذلك لعدة اعتبارات؛ أولاً: من حيث الفكرة والمبدأ وطرحها قبل المؤتمر بفترة لكي يتسنى للجميع دراسته وإبداء الملاحظات بتأني وإنه لمن الأفضل أن يتم طرحه من خلال الإعلام الحزبي وأيضاً مواقع الانترنت لكي يتسنى لكل من يود دراسته أن يبدي ملاحظاته بخصوصه. وثانياً: لما يحمله من مضامين وعلى جميع الأصعدة السياسية والاجتماعية والثقافية وأيضاً الاقتصادية ويعتبر طرحه في هذه المرحلة ضرورة تاريخية وكخطوة متقدمة في رسم ملامح السياسة المستقبلية للحزب. ولكن ورغم كل هذا وذاك – وحسب قراءتنا ورؤيتنا – ما زال مسودة المشروع يعاني بعض الخلل حيث يجب الوقوف عندها. وكمحاولة لتلافي بعضها سوف نحاول أن نناقش تلك المسائل للوصول إلى أفضل ما يمكن أن يكون.

 

  • بدايةً كان يجب وضع دراسة كاملة عن الشعب الكردي وكوردستان وتعرضها للاحتلال والتقسيم عبر مختلف مراحل التاريخ والوقوف مفصلاً عند الجزء الملحق بالدولة السورية، وذلك في بداية المشروع – المنهاج لكي يتسنى لمن يود الاضطلاع على مسيرة هذا الشعب أن يتخذه مرجعاً ومصدراً لدراسته والتعرف عليه؛ أي كان الأجدر أن تقف المقدمة عند المراحل والمحطات التاريخية للشعب الكردي وخاصةً – كما قلنا سابقاً – في هذا الجزء المعروف بـ(جنوب غرب كوردستان) وتحديداً في النصف الأخير من القرن الماضي وذلك كمدخل للتعريف بالقضية الكردية عموماً ومن النواحي التاريخية والجغرافية والسياسية وأيضاً الثقافية والاجتماعية.

 

  • وإضافةً إلى ذلك فهناك بعض المغالطات الاصطلاحية البنيوية في المشروع – المسودة ومنها مفهوم “الأشقاء” بين الشعبين الكردي والعربي؛ حيث يورد في مسودة المشروع ما يلي: “وقد ترك هذا التلاحم النضالي بين الشعبين الشقيقين ( أي الكردي والعربي والتنويه من عندنا) سجلاً خالداً حافلاً بالمآثر العظيمة”. فإذا عدنا إلى مسألة الأعراق وتكويناتها وتشكيلاتها فإننا سوف نستبعد مصطلح “الشقيق” الذي يربط بين العرب والكورد في المسودة لنبدله بمصلح آخر كالصداقة أو الجيرة؛ فعرقياً العلاقات الكردية العربية لا تندرج تحت مفهوم “الشقيق” والمرتبط بأصل واحد مشترك بل هما شعبان يتجاوران جغرافياً وفي أفضل الحالات يكونان صديقين، مع العلم إن الكورد عانوا الاحتلال بشقيه الإسلامي والعروبي من قبل هذا الجار وحيث أن المقدمة نفسها تؤكد على هذه النقطة وذلك عندما تقول في فقرةٍ أخرى “بأن القضية الكردية في سوريا هي قضية الشعب الكردي وتحرره من الاضطهاد القومي“.

 

  • الملاحظة الأخرى التي نود الوقوف عندها والواردة في المقدمة: هي مسألة رسم الحدود والجغرافية؛ جغرافية المنطقة أي منطقة الشرق الأوسط. ليس صحيحاً إن هذه الحدود رسمت فقط لتقاطعها “وفق مصالح ورغبات الدول الاستعمارية بموجب معاهدة (سايكس بيكو) وتعديلاتها..” كما يورد في مقدمة مسودة المشروع، بل أيضاً وفق مصالح ورغبات بعض شعوب المنطقة مثل كل من الشعوب العربية والتركية والفارسية وإن بدرجات متفاوتة وعلى حساب بعض الشعوب الأخرى التي هي أيضاً تعتبر من الأعراق الأصيلة وغير المهجرة إليها كالشعب الكردي وأيضاً الأرمني والأمازيغي وغيرهم كالمسألة الفلسطينية.

 

  • وأيضاً هناك نقطة أخرى لفتت انتباهنا في المقدمة وذلك عند الحديث عن مسألة تقسيم جغرافية المنطقة؛ حيث يورد بخصوص تقسيم كوردستان وإلحاق جزء منها بالدولة السورية الحديثة ما يلي: “ولم يستثن الشعب الكردي بأرضه التاريخية من هذا المخطط الاستعماري فتم تقسيمه في إطار الكيانات التي برزت على أنقاض الإمبراطورية العثمانية وكان أن أرتبط جزء من الشعب الكردي بسوريا”. ما نلاحظه ومن خلال السرد والسياق اللفظي والمعنوي بأن المقدمة تحاول أن تناور على المعنى لتتهرب من وضع النقاط على الحروف وتسمية المسميات بأسمائها؛ حيث كان الأجدر بالمقدمة أن تقول: أرتبط جزء من كوردستان بسوريا وليس “جزء من الشعب الكردي بسوريا” وذلك كون الموضوع يتعلق بتقسيم الجغرافية الكردية (كوردستان) وإلحاق جزء منها بجغرافيا جديدة (سوريا)، هذه من حيث المعنى. أما من حيث اللفظ والسياق اللغوي، فإن مصطلح “الشعب الكردي” هو مصطلح اجتماعي سوسيولوجي بينما مصطلح “سوريا” هو مصطلح جغرافي بيولوجي ولا يجوز – هنا – الربط بينهما؛ فإما أن نقول: أرتبط جزء من الشعب الكردي بالشعب العربي في سوريا أو نقول: أرتبط جزء من الجغرافية الكردية (جنوب غرب كوردستان) بالدولة السورية الحديثة.

 

المنهاج:

 

كانت تلك بخصوص المقدمة، أما هنا فسوف نقف عند مواد وفقرات المنهاج وبشيء من التروي والتفصيل. ونبدأ بالمادة الأولى والمتعلقة باسم الحزب: الحزب الديمقراطي الكردي في سوريا (البارتي). إننا نرى أنه الأنسب بل الأدق أن يكون “الديمقراطي الكردستاني” وذلك لاعتبارات عدة. أولاها: إنه الاسم الأقدم للحزب وكون “البارتي” يعتبر نفسه الوريث الشرعي أو بشكل أدق هو الامتداد الطبيعي لذاك التنظيم الذي أسس في منتصف القرن الماضي (1957) لذلك فمن الأجدر أن يعود الحزب إلى أسمه القديم؛ ألا وهو الحزب الديمقراطي الكردستاني (البارتي). ذاك كان من الجانب التاريخي، أما من ناحية الجغرافية الكردية الملحقة بالدولة السورية والتأكيد على كردستانيتها – مع الحرص والتأكيد على وحدة سوريا ودون المزايدة بالشعارات والمناداة بتقسيم البلاد – فإنه يستوجب علينا أن نربط أسم الحزب بهذه الجغرافية وبالتالي جعله كردستانياً. وآخراً وليس أخيراً فإن تواجد العناصر الغير كوردية والتي تقيم وتعيش ضمن المناطق الكردية والتي لها كل الحق أن تناضل ضمن صفوف الحركة السياسية الكردية عندما تؤمن ببرامجها ومناهجها السياسية فإنه وبالتالي يوجب علينا أن نجعل الحزب كردستانياً وليس كردياً عرقياً فقط ليتسنى لهؤلاء الانخراط في صفوف الحزب. وأخيراً فإن نهج (البارتي) ذو البعد الكردستاني وتقاطعه وعلاقاته مع الأحزاب الكردستانية الأخرى يحتم علينا أن نجعل أسم الحزب: البارتي الديمقراطي الكردستاني في سوريا.

 

وهناك في المادة الرابعة من مسودة المنهاج نقطة يجب الوقوف عندها وتوضيحها؛ ألا وهي مسألة “النهج البارزاني الخالد” والاستفادة منها والتي تميز “البارتي” عن بقية الأطراف والفصائل السياسية الأخرى في الحركة الوطنية الكردية في سوريا. فباعتقادنا إن هذه النقطة بحاجة إلى بعض التوضيح والشرح والوقوف عند المعالم البارزة والأساسية في سلوك ونهج الحركة الوطنية الكردية في إقليم كوردستان العراق وتحديداً الحزب الديمقراطي الكردستاني في ظل القيادة البارزانية مما جعلنا نسلك ذاك الدرب كنهج سياسي وطني كردستاني. وهذه النقطة يمكن أن تأتي في سياق التعريف بالحزب؛ فلذلك يجب على المسودة أن تضم فقرة وفي مقدمة المنهاج للتعريف بالحزب وتاريخه السياسي والنضالي.

 

وفي المادة الخامسة ورغم الموقف الإيجابي والتحليل الدقيق لواقع ووجود الشعب الكردي في هذا الإقليم الملحق بالدولة السورية وعلى أنهم؛ أي الكورد يعيشون على أرضهم التاريخية وهم يشكلون ثاني قومية في البلد وبنسبة 15% وهكذا فهي؛ أي القضية الكردية هي قضية أرض وشعب – ومن دون أقواس – وعلينا أن نقولها ونؤكد عليها، لا أن نضعها بين قوسين وكأننا في شكٍ وريبٍ من ذلك، بل أنه علينا أن نعمل على تأكيد ذلك وتثبيتها في الدساتير السورية اللاحقة. وهنا نود أن نوضح مسألة – نعتقد إنها في غاية الأهمية – لبعض الأخوة والرفاق في صفوف الحركة الوطنية الكردية ممن يخافون من تدويل مصطلح الإقليم الكردي الملحق بالدولة السورية أو مما يعرف حالياً في الأوساط الثقافية والسياسية الكردية بـ(جنوب غرب كوردستان أو كوردستان سوريا) ويبدلونها بمدلولات ومصطلحات شتى وهكذا فهم يترددون من استخدامه إما خوفاً أو (تجريحاً لمشاعر البعض – بالأدق الأغلبية – من الأخوة والأصدقاء العرب)، إن كانوا في السلطة أو المعارضة؛ إعلان دمشق نموذجاً، بأن مصطلح كوردستان سوريا هو مصطلح جغرافي، مثلها مثل مصطلح عفرين وجبل العلويين وأرمنستان وغيرها من جغرافيات العالم، وذلك قبل أن يكون مصطلحاً سياسياً وإنه وعلى الرغم من جيوسياسية المصطلح فهو لا يعني الانفصال والانقسام وخاصةً في ظل هذه الأجواء والمناخات التي تتوجه فيها العالم نحو التوحد والتكتلات الجيواقتصادية الضخمة كالاتحاد الأوربي، بل إن مصطلح (كوردستان) هو تسمية المسميات بأسمائها وتأكيدٌ على الهوية.

 

وكذلك وفي المادة المذكورة سابقاً وتحت فقرة “وإزاء هذه الأوضاع الشاذة جداً يناضل الحزب من أجل: أولاً – على الصعيد السياسي: أ- تحقيق الإدارة الذاتية للمناطق الكردية”. إننا نعتقد بأن هذه الفقرة بحاجة إلى المزيد من التوضيح والتفصيل في المسائل الجزئية والقانونية؛ ولذلك نقترح أن يتم تشكيل لجنة من القانونيين لدراسة هذه النقطة تحديداً وغيرها من المسائل الإدارية لنخرج بأفضل الصيغ القانونية والحقوقية الممكنة وهكذا نبتعد قدر الممكن عن الغموض والضبابية والتي هي صفة برامج ومناهج أحزابنا السياسية في الحركة الوطنية الكردية في سوريا عموماً.

 

وفي المادة العاشرة، وعلى الرغم من تأكيد المسودة وفي أكثر من مكان على “إزالة جميع المشاريع الشوفينية من حزام وإحصاء ومعالجة آثارها وتداعياتها، والتعويض عن المتضررين منها”، فإنه يجب التأكيد في هذه المادة على ذلك مرةً أخرى، وبالتالي فإننا نقترح إضافة هذه الفقرة إلى تلك المادة: (إزالة كافة آثار الحزام العربي؛ من إعادة الأراضي التي سلبت من الفلاحين الكورد وغيرهم إلى أصحابها الحقيقيين وتعويضهم مادياً وأيضاً إعادة المستوطنون من العرب الغمر إلى مناطق سكناهم القديمة).

 

أما المادة التاسعة عشر والتي توضح موقف الحزب تجاه الأجزاء الأخرى من كوردستان ونضالات شعبنا فيها والتي يمكن تلخيصها تحت مصطلح الموقف الكردستاني للبارتي، فإنه يأتي على ذكر المسألة باختصار جد شديد وبرأينا إنه يحتاج إلى صياغة جديدة ولا يضر إن وقفنا بشيء من التفصيل عند بعض القضايا والمسائل السياسية الأساسية هناك وأيضاً موقف ودور الكتل السياسية البارزة على الساحات تلك ودور الأنظمة الغاصبة في قمع إرادة شعبنا لنيل حقه في تقرير مصيره أسوةً بجميع شعوب العالم وهكذا يجب الوقوف عند تجربة إقليم كوردستان العراق بشكلٍ موسع واستخلاص الدروس والتجارب منها والاستفادة منها، وكان يمكن تلافي كل هذه المسائل في مقدمة المنهاج كما نوهنا سابقاً.

 

وبخصوص قضايا الشعوب والأقوام التي تعيش بجوار الكورد ونضالها فلقد وقف المسودة وفي أكثر من مادة عندها ومنها المادة الحادية والعشرون حيث تقول: “يؤيد البارتي نضال الشعوب العربية في سبيل إكمال تحررها القومي والاجتماعي والاقتصادي وتحقيق التغييرات الديمقراطية فيها من أجل تجاوز الأنظمة الاستبدادية والشمولية وبناء أنظمة ديمقراطية علمانية (مدنية) ذات طابع مؤسساتي.. الخ”. وكذلك في المادة الرابعة والعشرون تقول المسودة: “يؤيد البارتي النضال العادل للشعب الفلسطيني من أجل ممارسة حقه في تقرير مصيره وإقامة دولته الوطنية المستقلة ذات على أرضه كما يؤيد نضال جميع شعوب المنطقة في ضمان حقها في تقرير مصيرها وإنجاز تحررها السياسي والاقتصادي”. ما نلاحظه في المادتين السابقتين إنهما يعطيان الخصوصية للقضايا العربية ولا شك إنها عائدة لنقطتين؛ أولاً كوننا نتجاور ونتعايش في سوريا مع الأخوة العرب وهذه تفرض فضاءً معرفياً ومناخاً سياسياً محدداً ناهيك عن موازين القوة والضعف في السياسة، أما النقطة الأخرى والتي ساهمت في أن تكون للقضايا العربية بعض هذه الخصوصية فهي عائدة إلى العقلية السياسية الكلاسيكية في البارتي والتي تكلست في بعض الجوانب والقضايا ولذلك فهي تأتي وتمر من دون البحث والجدل فيها وهل هي موائمة لمنطق العصر واليوم أم لا. طبعاً لا يعني هذه أن نترك قضايا الشعوب المجاورة وراء ظهورنا ونتنكر لها، ولكن يجب أن نكون موضوعيين ومنصفين وعقلانيين في طرحنا السياسي؛ فليس من المعقول اللفظي والمعنوي السياسي والعقلاني أن تسبق القضية الفلسطينية قضايا جميع شعوب العالم في فكرنا السياسي كما هو وارد في مسودة المشروع وذلك في المادة السابقة، بل كان الأدق أن تأتي الصياغة على الشكل المعاكس التالي: بأن (البارتي يؤيد نضال جميع شعوب المنطقة في ضمان حقها في تقرير مصيرها وإنجاز تحررها السياسي والاقتصادي ومنها الشعوب الفلسطينية والأمازيغية والأرمنية والآشورية والتركمانية وغيرها) وكذلك بالنسبة للمادة الحادية والعشرون وبدل عبارة “يؤيد البارتي نضال الشعوب العربية في سبيل إكمال تحررها القومي والاجتماعي والاقتصادي وتحقيق التغييرات الديمقراطية.. الخ” فإن صياغة (يؤيد البارتي نضال شعوب المنطقة في سبيل إكمال تحررها.. الخ” هي الأشمل والأكثر تعبيراً عن القضية.

 

وأيضاً هناك نقاط غير واردة في المسودة وكان يجب الوقوف عندها وبشيء من التفصيل وذلك مثل: حقوق (الأقليات) القومية الأخرى والمتواجدة في سوريا كالأرمن والآشوريين والدروز وغيرهم من الأعراق والطوائف والمذاهب الدينية، وأيضاً مسألة حرية المعتقدات الدينية والمذهبية، ليكون “الدين لله والوطن للجميع” ومن دون أي تهميش كما هو الواقع في يومنا وما يحصل للديانة الأيزيدية (خير) دليل على ذلك. ويمكن أن تشمل المقدمة؛ مقدمة المنهاج السياسي للحزب بعض هذه الجوانب وذلك عند الحديث عن واقع سوريا والمكونات القومية التي تحتضنها وتاريخ كل منها في المنطقة ودورهم عبر مراحل التاريخ المختلفة. وكذلك كان يجب أن تقف المقدمة عند ظاهرة التكتلات والانشقاقات التي عانى الحركة الوطنية الكردية منها وتحديداً البارتي وتحليل دوافعها وأسبابها وما تتحمله القيادة السياسية للبارتي وذلك نتيجةً لسوء إدارة الأزمات في الحزب بعيداً عن مفهوم “كل الحق على الطليان” وبالتالي تحميل تلك الكتل كل أسباب الانشقاق والنأي بالبارتي عن تحمل  (ولو)10% عشرة بالمائة من تلك الأسباب وذلك للوصول إلى صيغ تقر بحق الكتل أو التيارات السياسية بالوجود حتى داخل البارتي ولكن على شرط الخضوع لرأي الأكثرية الانتخابية مع احترام رأي الأقلية وترك المجال أمام (الأقلية) تلك لتعمل وتقول رأيها بكل علنية وشفافية ولربما في مراحل أخرى لاحقة هي التي تنال الأغلبية الانتخابية.

 

جندريسه-2007


قراءة في منهاج البارتي

          – المقدمة

 

 

 

 

إننا أكدنا في مقالنا السابق على نقطة، نعتقد أنها مهمة، وذلك من أجل توحيد الحركة السياسية الكوردية وبالتالي توحيد الجهود والكلمة، وها نحن نعود إليها وبشيء من التفصيل وذلك من خلال سلسلة المقالات والتي سوف نكرسها لقراءة المنهاج والخطاب السياسي لدى فصيل كوردي، نعتقد أنه يمثل التيار أو الخط الوسط في الساحة السياسية الكوردية، وسوف نحاول أن نكون موضوعيين وواقعيين في قراءتنا هذه حتى لا نتهم من هذه الجهة أو تلك بالانحياز أو الموالاة. ومن جهة أخرى لكي نساهم، وحسب إمكانياتنا وقدراتنا المعرفية الفكرية في تطوير هذه البرامج السياسية للحركة الكوردية في هذا الجزء من الجغرافية الكوردستانية.

 

ولكن لماذا البارتي ومنهاجه تحديداً هو الذي تناولناه دون غيره من الأحزاب والفصائل والقوى السياسية الكوردية. إننا سنحاول الإجابة على هذا السؤال من خلال مجموعة هذه القضايا والنقاط التالية والتي أكدنا عليها في إحدى مقالاتنا السابقة؛ فمن الناحية التاريخية والسيكولوجية وما يحمله أسم البارتي من معاني وإثارته للعواطف والأحاسيس عند أبناء الشعب الكوردي من جهة ومن الجهة الأخرى، إن الظروف المستجدة على الساحة السياسية الإقليمية والدولية وما تلعبه إقليم كوردستان العراق من دور وبالتالي دعم ومساندة الحزب الديموقراطي الكوردستاني لهذا الفصيل؛ البارتي كونه يلتزم بالنهج والخط البارزاني، بالإضافة إلى ما أوردناه في الفقرة السابقة؛ بأن سياسة البارتي يمثل التيار أو الخط الوسط في الساحة السياسية الكوردية، يعطي المؤشرات الأولية بما سوف يلعبه هذا الطرف من دور مهم في هذه الساحة وبالتالي جعلنا نتناول برنامجه من بين كل البرامج بالدرس والتحليل.

 

وهكذا وبالعودة إلى مقدمة منهاج الحزب وبقراءة متأنية له سوف نلاحظ مجموعة نقاط هي مثار البحث والجدل بل إنها تثير بعض النقاط الإشكالية الخلافية؛ كونها ومن وجهة نظرنا لا تنسجم مع روح العصر وما أفرزتها من متغيرات جيوسياسية، إن كانت على صعيد المنطقة أو العالم برمته. ومن هذه النقاط المثيرة للجدل وحتى الاختلاف – أو على الأقل أبرزها – ما يلي:

 

أولاً: مسألة الأخوة والتعايش بين الشعبين العربي والكوردي؛ حيث يأتي في المقدمة؛ مقدمة المنهاج “.. ومن خلال النضال المشترك ضد الغزاة المحتلين توثقت عرى التعاون بين شعوب المنطقة وخاصة بين الشعبين العربي والكردي حيث أخذت العلاقات بينهما تلاحماً تجاوز كل العصبيات الضيقة وقد ترك هذا التلاحم النضالي بين الشعبين الشقيقين سجلاً خالداً حافلاً بالمآثر العظيمة لم تعتره شائبة خلال قرونٍ عديدةٍ رغم الأوضاع الشاذة التي أوجدها الاحتلال العثماني البغيض بين الشعوب والأمم الخاضعة لها”. صحيح إننا لسنا من دعاة العنف والسلبية تجاه مفاهيم الصداقة والمحبة بين الشعوب والطوائف والأديان و.. ولكن يجب أن نكون واقعيين وذلك عندما نتناول التاريخ ولاسيما المعاصر منه، كونه الأقرب من جهة وبالتالي فالذاكرة وأدمغة الشعوب ما زالت طرية وتحتفظ بمعلومات مؤكدة عنها، ومن الجهة الأخرى فإن قراءتنا وتحليلنا لهذا التاريخ القريب يؤثر وبعمق على مدى مصداقية خطابنا السياسي وأيضاً مدى دورنا وفعاليتنا في الوسطين الرسمي والشعبي.

 

نعم.. ونحن من جهتنا نؤكد على أنه في مراحل معينة من تاريخ سوريا الحديث شهدنا مثل هذا التلاحم بين الشعبين الكوردي والعربي ولكن يجب أن لا ننسى أيضاً بأن هناك أحقاب وأحقاب من الاحتلال والسلب العربي الإسلامي لكوردستان كأرض وشعب وحضارة؛ أي حتى في مستوياتها الثقافية الحضارية ومن طمس للهوية. وقد تضاعفت هذه الأحقاد في النصف الأخير من القرن السابق وذلك نتيجة ما لاقاه الكورد من اضطهاد وعنف وتهميش وإلغاء على أيدي هذه الأنظمة وتحديداً على يد أصحاب النظريات القومية المغالية والمتطرفة، وبالتالي فقد ضاعفت هذه السياسات العنصرية من عمق ذاك الشرخ الذي كان موجوداً أساساً – وخاصة لدى الجيل الجديد – تجاه كل ما هو عربي وإسلامي. وحتى نتجاوز هذه الأزمة وعدم الثقة بيننا يجب أن نملك رؤية منطقية وواقعية، وأن يكون تحللينا جريءً صادقاً للواقع وليس متوافقاً فقط مع رغباتنا أو المناخ السياسي السائد والمهيمن.

 

نعم نحن بحاجة إلى نوع من المصداقية في الطرح السياسي، وذلك عندما نتناول هذا الموضوع، لكي نستطيع معالجته بكل جدية؛ فليس ممكناً أن تعالج الداء إن لم تشخصه بدقة وخاصة أن هناك وعلى المستوى الثقافي والنفسي النفور إن لم نقل العداء بين مكونات المنطقة ومنهم الشعبين الكوردي والعربي ولا يمكن تصحيح هذه العلاقة ما لم تحل المسألة الكوردية وما لم يشعر الكورد على أنهم غير مهددين من هذه الأقوام التي تتعايش معها، وعندها يمكننا رفع شعار “الأخوة العربية الكوردية” وليس في هذه الظروف وظل هذه الأنظمة والقوانين وأنت مغيب وملغى من الوجود أثنياً وجغرافياً وحضارةً، فشعارك وفي هكذا مناخ سياسي لن يفسر إلا إنه نتيجة للضعف والتخاذل أمام سياسات الأكثرية. ونعتقد أنه من الأجدى أن ترفع القوى والأحزاب العربية شعار كهذا حيث عندها سيكون للشعار بعض المصداقية.

 

وما يؤكد تحللينا السابق بأن الخطاب الكوردي إجمالاً ومنه خطاب البارتي يفقد بعض الجرأة في طرحه السياسي ما نقرأه تالياً في مقدمة المنهاج وذلك عندما يتناول تاريخ المنطقة؛ منطقة الشرق الأوسط ومن ضمنها جغرافية كوردستان ومما تعرضت لها من معاهدات دولية وبالتالي تقسيمها بين هذه الكيانات والدول والتي تشكلت بموجب تلك المواثيق والمعاهدات ومنها اتفاقية سايكس-بيكو، حيث تقول المقدمة: “ولدى انهيار الإمبراطورية العثمانية ارتسمت حدود المنطقة وفق مصالح ورغبات الدول الاستعمارية بموجب معاهدة (سايكس – بيكو) فتجزأت شعوب المنطقة وشتت شملها ضماناً لتسهيل عملية نهب ثرواتها الوطنية وسرقة مواردها الطبيعية ، ولم يستثنى الشعب الكردي من هذا المخطط الاستعماري فتم تقسيمه في إطار بعض الكيانات التي برزت على أنقاض الإمبراطورية العثمانية وكان أن ارتبط مصير جزء من الشعب الكردي مع شقيقه الشعب العربي في سوريا..”. نلاحظ كيف أن المقدمة تهرب من أن تسمي الأشياء بأسمائها؛ فبدل أن يقال ألحق جزء من الجغرافية الكوردستانية بالجغرافية السورية وبالتالي “ارتبط مصير جزء من الشعب الكردي مع الشعب العربي” ضمن الدولة السورية الحديثة التكوين، فإن المقدمة تناور وتلتف على المسألة وذلك حتى لا تسمي الجغرافية الكوردية بمسماها الحقيقي؛ ألا وهو كوردستان.

 

المسألة الثانية والتي يجب أن نعيد النظر بها؛ هي مسألة الخروج من تحت عباءة الطرح النظري والفكري للقوميين العرب في قضايا المنطقة. صحيح أن للشعوب المضطهدة قضايا ومسائل وهموم مشتركة وصحيح أن للشعبين الكوردي والفلسطيني تاريخ حافل بالمواقف وروح التعاضد وأحياناً العداء وخاصة من جانب بعض الأطراف الفلسطينية تجاه إقليم كوردستان العراق، ولكن كل هذا وذاك لا يعطينا الحق لأن نكون بدلاء أو وكلاء حصريين عن الآخرين وبالتالي نزايد على العرب والفلسطينيين في الخطاب والطرح السياسي؛ فها هي المقدمة توضح موقف البارتي تجاه هذه القضية. ” بيد أن الأنظمة والأحزاب السياسية التي ظهرت على الساحة السورية تجاهلت وجود شعب كردي له خصائصه من سياسية وثقافية واجتماعية ،كما تنكرت لما قدمه الشعب الكردي من تضحيات جسام مع إخوانهم العرب ضد الاحتلال الأجنبي والغزو الاستيطاني الصهيوني وما استتبع ذلك حرمانه من أبسط الحقوق القومية المشروعة”. فهذا الخطاب يعود إلى أحقاب الحرب الباردة وما كانت تحملها من رؤى وتحليلات وبالتالي فعلينا أن نراعي المناخات السياسية الجديدة؛ فليس معقولاً أن نزايد على أصحاب القضية من الفلسطينيين والدول العربية وهم الذين طرحوا “السلام شعار استراتيجي” وذلك مع دولة إسرائيل. وهكذا يجب أن يتم تغيير نظرتنا بالنسبة للدولة الإسرائيلية ومن مسألة السلام والتعايش في المنطقة؛ فهم أيضاً جزءُ ُ من تاريخ المنطقة.

 

القضية الأخرى والتي نود أن نتطرق لها؛ هي مسألة تحليلنا – تحليل الحركة السياسية الكوردية وتحديداً البارتي – لطبيعة الأنظمة والسياسات التي تعاقبت على مقاليد السلطة في الدولة السورية الحديثة، حيث تأتي الرؤية كما يلي: “ورغم التطورات السياسية التي حدثت في البلاد لم تحاول الأنظمة المتعاقبة تفهم القضية الكردية فحسب بل اتخذت بحق الشعب الكردي المشاريع العنصرية والإجراءات الاستثنائية كمشروع الحزام العربي وقانون الإحصاء الاستثنائي بهدف صهره والنيل من وجوده القومي”. إننا ومن خلال هذه الرؤية نستشف وكأن الأنظمة التي تعاقبت على زمام السلطة في الدولة السورية الحديثة كانت أنظمة ديموقراطية دستورية شرعية ولم تكن أنظمة استبداد وانقلابات عسكرية جاءت إلى الحكم بقوة “الشرعية الثورية” وليس الشرعية الدستورية وبالتالي فهي تفتقد إلى أساسيات الشرعية والتمثيلية وهكذا فهي لا تملك بل ليس من طبيعتها الاستبدادية أن تحل هذه المسائل والقضايا، فهي أتت إلى الحكم من خلال إلغاء ونفي الآخر وبالتالي فكيف تريد من نظام أستلبك حضارياً وجغرافياً أن يتفهم قضيتك العادلة؛ فهو قائم أساساً على إلغاء هويتك وجغرافيتك ووجودك الأثني الحضاري.

 

وأخيراً وليس آخراً، نقول أن طرح المسألة الكوردية بالشكل التالي وكما هو وارد في مقدمة المنهاج “إن الحركة الكردية في سوريا وبحكم طبيعتها النضالية المعبرة عن طموحات أوسع قطاعات الجماهير الوطنية ومن خلال نظرتها العلمية وتجاربها الغنية ، ترسخت لديها القناعة الكاملة بأن القضية الكردية في سوريا هي قضية الشعب الكردي وتحرره من الاضطهاد القومي والاستغلال الاجتماعي..”. هو طرح التباسي وإشكالي ولا يعبر عما هو واقعاً وحقيقةً وأيضاً عما تتطلع إليه النخب وقوى الحراك الكوردي. فحسب قناعتنا يجب أن يصاغ الخطاب والطرح السابق بالشكل التالي: إن القضية الكوردية في سوريا هي قضية أرض وشعب وهي قضية ديمقراطية بامتياز ولذلك فهي جزء ورافد من روافد الحراك الديمقراطي في البلد والساعية إلى دمقرطة الحياة السياسية في سوريا ونيل الحقوق القومية المشروعة للشعب الكوردي من خلال منظومة المفاهيم الجديدة والاعتراف بالآخر واحترام استقلالية قراره السياسي وأيضاً من خلال مفهوم حق تقرير المصير للشعوب ومبادئ حقوق الإنسان ودولة الحق والعدل؛ دولة القانون والمؤسسات.

 

 وهكذا نكون وضعنا المقدمة الحقيقية – برأينا – لننطلق من بعده إلى مستويات أعمق وأشمل في طرحنا لقضايانا من خلال برامج ومناهج تعبر عن أماني وطموحات شعبنا وأن تكون بمستوى القضية الكوردية، هذه من جهة ومن الجهة الأخرى يجب أن تكون تلك البرامج والمناهج منسجمة مع المناخ الجيوسياسي العام في العالم الجديد، و إلا فسنبقى – الحركة السياسية الكوردية – في واد ويكون الشعب الكوردي بنخبه وفعالياته وكافة أطيافه الأخرى في واد آخر وبالتالي “كل يغني على.. ” وتبقى سياستنا عبارة عن مراوحة في المكان.

 

جندريس-2006

 


قراءة في منهاج البارتي

       – تعريف

 

 

م

 

 

قبل الخوض في هذه القراءة الجديدة في منهاج الحزب الديمقراطي الكردي في سوريا (البارتي) وتحديداً عند الفقرة المعنونة بـ”تعريف” ومحاولة إلقاء الضوء على بعض النقاط الإشكالية والمناورة والتي لا تسمي الأشياء بمسمياتها الحقيقية التاريخية، نود أن نقف عند مقال الأخ الزميل علي شمدين؛ “دفاعا عن نهج الاعتدال في الحركة الكردية في سوريا” والذي يحاول من خلاله أن يرد على ما كنا طرحناه في مقالنا السابق، من سلسلة هذه المقالات، والتي تحمل نفس العنوان الرئيسي؛ “قراءة في منهاج البارتي” وذلك ضمن مشروع فكري نحاول أن نتصدى له ومساهمة في تطوير البرامج السياسية للحركة الكوردية في هذا الجزء من كوردستان.

 

إننا لن نقف عند المقال فقرة بفقرة والقارئ الكريم يمكن أن يعود لمنهاج البارتي ومن ثم يعود لمقالينا والمنشورين في مواقع الكترونية عدة، ولكن نود أن نوضح للأخ العزيز ومن خلاله للحركة السياسية الكوردية؛ بأن هناك فرق وبون شاسع بين ما يمكن تسميتها بالحقائق التاريخية والجغرافية لقضية ما وما يمكن أن يبنى على تلك الحقائق من برامج وأطروحات ومشاريع وشعارات سياسية مرحلية كانت أو استراتيجية. أي أنه على الحركة السياسية الكوردية أن تميز بين البرامج والشعارات السياسية لمرحلة ما وبين الحقيقة الكوردستانية؛ على أنها قضية أرض وشعب وأن هناك جزء من كوردستان ألحق بالدولة السورية الحديثة نتيجة لاتفاقيات الدول الاستعمارية آنذاك، وهكذا هناك إقليمان أساسيان يشكلان الدولة السورية الحالية وبالتالي هناك شعبان رئيسيان في البلد بالإضافة إلى مجموعات عرقية أخرى. وهذا لا يعني بالضرورة الانفصال وقيام الدولة الكوردية في هذا الإقليم، بل أن شكل العلاقة مع المركز تحدد وفق الظروف الذاتية والموضوعية والمتعلقة بالمناخات السياسية الداخلية والإقليمية والدولية.

 

وتأكيداً على هذه المسألة ومحاولة الوقوف عند هذه النقاط الإلتباسية، فإننا نحيل الأخ علي شمدين إلى الفقرة التالية من “تعريف” والواردة ضمن منهاج البارتي؛ حيث تأتي كما يلي: “.. وبذلك أصبحت الأجواء تنذر بإجراءات مستقبلية ستتعاظم مستهدفة الوجود التاريخي الكردي على الأراضي السورية بكل مستلزماته من حقوق قومية تتناسب مع حجم ونسبة وجودهم في سوريا ذلك الأمر الذي حصل فعلا ووفق التوقعات”. إننا نتساءل هنا؛ لماذا هذا التهرب من تسمية الجغرافية الكوردية باسمها الحقيقي “كوردستان”، مع أن منهاج وسياسة البارتي عموماً تقر بالحقيقة الكوردية وعلى أن القضية الكوردية هي قضية أرض وشعب وليست أقلية مهاجرة من خارج هذه الجغرافية بحيث أتت واستقرت بها، بل أن الكورد يعيشون على أرضهم التاريخية. وهكذا فإننا نتساءل مرة أخرى؛ هل هذا الطرح والإقرار بالحقيقة الكوردستانية هو “مزايدة بالشعارات” أم هو من الواقعية التاريخية وبالتأكيد لا يعني هذا الإقرار هو الانفصال عن الدولة السورية الحالية.

 

وأخيراً وبهذا الصدد نقول: إن القول والإقرار بالجغرافية الكوردستانية شيء وطرح شعار “تحرير وتوحيد كوردستان شيء آخر” وبالتالي فما نطرحه لا يدخل باب “التصعيد الشعاراتي وصولا إلى خندق الطروحات المزاودة” وهو ليس “تناقض في الرؤية” بل إنه تأكيداً وتثبيتاً لنهج البارتي الواقعي و”الوسطية السياسية”. وإننا نؤكد هنا، ومرة أخرى، على أن البارتي يمثل ذاك الخط والنهج المعتدل والذي يتصف بالواقعية السياسية، هذه من جهة ومن الجهة الأخرى ونتيجة لمتغيرات سياسية مستجدة على الساحة الدولية والإقليمية، فإن هذا النهج مرشح أن يتبوأ قيادة الحركة السياسية في عموم كوردستان وضمنها هذا الإقليم ولذلك فعلى هذا الطرف السياسي وقبل غيره أن يعود إلى نهجه وبرامجها السياسية لتعيد قراءته على ضوء المستجدات السياسية العالمية والإقليمية وما تلعبه إقليم كوردستان (العراق) من دور ومهام على الساحة الإقليمية، ليكون قادراً؛ أي البارتي على أن يقوم بهذا الدور التاريخي والمطلوب منه في هذه المرحلة الحساسة والمصيرية من تاريخ شعبنا.

 

 

 

جندريس-2006


قراءة في منهاج “البارتي

صوت الأكراد العدد380 نموذجاً

أنحنُ “بارتيون” أم “الله يون

 

يعتبر الطرح والخطاب السياسي لأي حزب أو فصيل أو مؤسسة سياسية بمثابة “ترمومتر” لقياس نبض الشارع؛ فهو يعبر عن ما يشغل ذاك الشارع ويتمثله خطاباً وبرامج ورؤى سياسية من جهة ومن الجهة الأخرى يحاول أن لا ينجر وراء ذاك الخطاب العاطفي الشعاراتي بحمية مراهقاتية، بل يجب أن يحاول الارتقاء بذاك الخطاب الوجداني للشارع ويجعله عقلانياً منسجماً مع الظروف والمناخات السياسية من طرف ومع المطالب والأماني الشعبية من الطرف الآخر وأن يكون توافقياً يعطي فسحة لكل التيارات من طرف ثالث. أم أن ينحاز كلياً لطرف على حساب الأطراف الأخرى ومهما كانت الدوافع والحجج، فإنه يعتبر خطاباً منقوصاً ومشوهاً وإذا كان لا ينسجم مع “المزاجية” الشعبية، بل وعلى النقيض تماماً منه، فإنه يعتبر خطاباً كارثياً على ذاك الطرف السياسي.

 

إن السبب الذي دعانا لكتابة هذا المقال؛ (قراءة في منهاج “البارتي”) وتحديداً في المقال المنشور بعنوان “العدوان الإسرائيلي على لبنان وتداعياته” وذلك في العدد 380 من “جريدة صوت الأكراد” للحزب الديمقراطي الكردي في سوريا (البارتي) هو ما أتحفنا به المقال من موقفٍ فاجئ الشارع السياسي الكردي عموماً وعلى الأخص القاعدة الحزبية لدى هذا الحزب. وحتى لا نبقى في العموميات ونحكم على المقال ومن وراءه على موقف اللجنة المركزية للحزب؛ كون “الجريدة” صوتها و”لسانها” فإننا سنحاول أن نقرأ وبتأني وموضوعية ما ورد على لسان كاتبه وبالتالي نترك الحكم للمتلقي.

 

بدايةً نبدأ من العنوان؛ فقد عنون كاتبه (اللجنة المركزية) مقالته – وكما رأينا قبل قليل – بـ” العدوان الإسرائيلي على لبنان وتداعياته” وهكذا فإن العنوان يوحي وكأن إسرائيل هي التي بادرت إلى العدوان، مع العلم إن المسألة ابتدأت من عند حزب الله وذلك عندما قام عناصر من ميليشيات هذا الحزب بخطف جنديين إسرائيليين وقتل آخرين منهم. وهكذا فإن الاعتداء في البداية تم من قبل حزب الله على إسرائيل وليس من قبل هذا الأخير على حزب الله ولبنان، هذه أولاً وكان على كاتب المقال أن ينتبه لذلك حتى لا ننحاز لأحد الأطراف وعلى حساب الآخرين، وبالتالي فإن العدوان وقع من قبل الطرفين ونحن مدركين لحجم كل منهما وما سببتا من دمار وخسائر بشرية لا يمكن مقارنة أحدهم بالآخر.

 

وفي سياق النص ومن خلال “شرعنة المقاومة” ضد المحتل يقول كاتب المقال، والذي هو موضوع الدرس والنقاش، ما يلي: “لا شك أن المقاومة حق مشروع عندما يكون هناك احتلال للأرض وانتهاك لسيادة البلد وحرمته، وقد ازدادت شرعية المقاومة وأهميتها بعد أن فشلت الجيوش العربية في تحرير أراضيها وبعد أن نجحت المقاومة في إرغام إسرائيل على الانسحاب من جنوب لبنان، عام 2006”. لن نقف كثيراً عند المسألة الإيمانية والكلاسيكية في الخطاب السابق؛ حيث ومن خلال استخدام الكاتب لمجموعة المصطلحات التالية: “حق مشروع، انتهاك لسيادة البلد وحرمته، شرعية المقاومة، إرغام إسرائيل.. ” يتبين لنا بأن كاتب المقال ما زال أسير الفكر والعقيدة والخطاب الثوروي الإيماني الكلاسيكي.

 

ولكن ما يهمنا من جسد النص هو ما يطرحه من أفكار وقناعات وقضايا سياسية تهمنا جميعاً؛ فنحن بدورنا نتفق معه بأن المقاومة “حق مشروع” ولربما نختلف في الأساليب والطرق التي نتبعها ونقاوم بها وهذه مسألةٌ أخرى. ولكن نود أن نسأل كاتبها؛ أي كاتب المقال المذكور: هل هناك أرض لبنانية محتلة بالأساس لتكون هناك شرعية المقاومة لأي طرف سياسي في لبنان، ألم تقل الأمم المتحدة – وما زالت تقول – بأنه ليس هناك أرض لبنانية محتلة وقضية “مزارع شبعة” لم تحسم بعد وهكذا فليس هناك من داع لأن يكون هناك مقاومة أساساً؛ إلا إذا كان حزب الله يعتبر أن من واجبه تحرير كافة الأراضي العربية وأيضاً الإسلامية، وهنا المسألة تختلف ويكون عندها لنا رأيٌ آخر.

 

أما أن تكون كافة الأراضي اللبنانية محررة وتكون هناك ميليشيات مسلحة ومقاومة فلن نفهم هذه المقاومة إلا باتجاه الداخل وذلك عندما تتوقف العمليات باتجاه الخارج الإسرائيلي، وقرار (1701) الصادر عن مجلس الأمن والأمم المتحدة والذي التزم به حزب الله يؤكد على وقف كافة العمليات العسكرية بين الجانبين؛ أي أن سلاح حزب الله لن يكون من بعد اليوم موجه لإسرائيل وبالتالي فبقاء هذا السلاح وتوجيهه نحو الداخل، بعد أن قطع السبل به نحو الخارج، فهو تقويض لسلطة الدولة اللبنانية ومؤسساتها.

 

النقطة الثانية والتي تطرح نفسها بقوة هي مسألة هيمنة حزب الله في الجنوب اللبناني؛ فليس من المعقول أن تكون هناك دولة داخل دولة وحتى عندما يكون هناك احتلال للأرض فيجب أن يكون قرار الحرب والسلم بيد المؤسسة “الشرعية” والمنتخبة من قبل الشعب و إلا فتكون الفوضى والعصاباتية والمافيوية هي سيدة الموقف. بما معناه فإذا كان هناك بعض “الشرعية” لسلاح حزب الله في فترة احتلال إسرائيل لجنوب لبنان، فإنه وبخروج إسرائيل منها وبموجب ما أعلنته الأمم المتحدة، فإن تلك “الشرعية” قد زالت عن ذاك السلاح وبالتالي فليس هناك من حل إلا انخراط تلك الميليشيات المسلحة ضمن الجيش اللبناني أو إلقاء سلاحها والانخراط في العمل السياسي السلمي المؤسساتي للنهوض بالبلد.

 

وبالعودة إلى المقال المذكور – والذي هو موضوع الجدل والنقاش – وكاتبها فإننا سنجد بأنه يسرد مجموعة مواقف لحزب الله وأيضاً تحفظاته عليه وذلك مما اتخذه الحزب بصدد بعض القضايا وخاصةً ما يتعلق منها تجاه المسألة الكردية فيكتب: “ورغم تحفظنا الشديد على مواقف حزب الله من الشعب الكردي في كردستان العراق وقادته وتجربة الفيدرالية وفيما يتعلق بدوره المحوري في اغتيال الشهيد صادق شرف كندي (سكرتير الحزب الديمقراطي الكردستاني في إيران) في ألمانيا، فإننا كشعب كردي في سوريا وانطلاقاً من الأخوة التاريخية بين الكرد والعرب والتي ننادي بها ونناضل من أجل ترسيخها، وكذلك من شعورنا الدائم بمرارة الظلم والاضطهاد الذي نتعرض له، فإننا نتجاوز دائماً هذه المواقف من هذه الجهة أو تلك لنجد أنفسنا إلى جانب الأخوة العرب في قضاياهم الوطنية والقومية أولاً (و) إلى جانب الشعوب المظلومة ثانياً، ومن هذين المنطلقين كنا ولا نزال نؤيد أعمال المقاومة التي ينفذها حزب الله ضد الاحتلال الإسرائيلي.. “. شاباش وتصفيق حار هل هذا ما يريده ولا نقول أنه يريد أشياء أخرى حتى لا ندمي الجرح أكثر. إننا نسأل بدايةً من يخول هؤلاء لأن يكتبوا ويتقولوا باسم الشعب الكردي وكأنهم قد استملكوا (من الملكية والاستملاك) هذا الشعب وبالتالي استلبوا حتى خطابه السياسي وربما أحلامه أيضاً.

 

المسألة الأخرى والتي نود أن نقف عندها هي هذه “الرحمة” وخطاب المحبة والتي أصبحنا نبذ بها أصحابها الأنجيليين و”النصارى” المسيحيين، بل نستطيع أن نؤكد بأن “صاحبنا”؛ كاتب المقال قد تجاوز السيد المسيح نفسه في خطاب المحبة والإنسانية وبهذا فهو لم يشذ عن “القاعدة الكردية” والتي تعمل وفق “أن نكون ملكيين أكثر من الملك نفسه” حيث إذا عدنا إلى التاريخ الكردي القريب منه والبعيد فسوف نجد إننا كنا في (المقدمة) دائماً وقبل أصحاب النظرية نفسها؛ فكنا إسلاميون أكثر من أهل مكة وبالتالي كسرنا قاعدتهم الذهبية والتي تقول “أهل مكة أدرى بشعابها” فأكدنا لهم بأننا “أدرى” بشعابهم منهم، وعندما “التزمنا” – أو التزم قسمٌ منا – بالماركسية اللينينية وقبل أن ينزل المطر في موسكو كنا نفتح مظلاتنا هنا.. وهكذا هي “مسيرتنا التاريخية”. واليوم هناك اسطوانة الديمقراطية والوطنية وخوفي أن نصبح ديمقراطيين أكثر من أصحابها و”بداية الغيث مطرة” والمقال الذي نتناوله خطوة في ذاك المنحى حيث كاتبنا يسامح ويتسامح حتى مع من يعاديه ولا يريد التصالح معه؛ فنحن بنظر السيد حسن نصر الله “المتصهينين الجدد في شمال العراق” وذلك لكونه؛ (أي كاتب المقال) ديمقراطي.

 

أما مسألة المقاومة وسلاحها فقد وقفنا عندها في الفقرة السابقة ولا نريد الرجوع إليها مجدداً ولكن نود أن نسأل هنا سؤالاً ساذجاً: لماذا نحاول أن نزايد على أصحاب القضية نفسها؛ فها هم اللبنانيون أنفسهم يطلبون من حزب الله وميليشياته، وعلى لسان رئيس حكومته ووزراءه، بأن ينسق مع الحكومة وأن لا يكون هناك غير سلاح الشرعية اللبنانية؛ أي سلاح الجيش اللبناني فقط بما معناه أنه ليس هناك من داعٍ و”شرعية” للمقاومة أصلاً وأيضاً بالنسبة للموقف العربي وحتى الدولي والمقال نفسه يقف عند هذه النقطة حيث يقول بأن كل الظروف كانت لصالح إسرائيل ومنها ما يتعلق بمسألة التأييد فيأتي في سياق النص حرفياً: “.. صمت معظم الدول العربية الأساسية (خاصة السعودية – الأردن – مصر) تجاه ذلك العدوان.. مواقف دولية مؤيدة لإسرائيل خاصة الدول العظمى مؤيدة للشروط الإسرائيلية لوقف إطلاق النار..”. فإذا كان هذا هو الموقف السياسي العام وبالتأكيد هناك ما يبرره وهو لم يأت من عبس فما الداعي لأن نزايد على أصحاب القضية و”نتناطح” للمسألة.

 

وأخيراً نود أن نهمس في أذن كاتب المقال وأيضاً اللجنة المركزية للحزب الديمقراطي الكردي في سوريا (البارتي) بأنه “ليس هكذا يورد الإبل” فمن يريد أن “يحمل لواء القيادة” لمرحلة تاريخية معينة عليه أن يقرأ وبدقة “نبض” الشارع من جهة ومن الجهة الأخرى الظروف السياسية الدولية والمناخات الإقليمية المستجدة. أما أن تخضع خطابك لمسألة “التقية” – إن كانت دينية أو سياسية – وتلوي “عنق الحقائق” لينسجم مع خطاب “السلطان” وبذلك تعمل على الضد من الخطاب “الجماهيري” – ليس بمعناه الغوغائي والعاطفي الوجداني وإنما بمعناه الواقعي والأفقي الشعبي وما تحمله من رغباتٍ وأماني – وبالتالي تنتقل إلى الضفة الأخرى فمؤكدٌ أنك لن تجد من يتبعك وسيقولون لك “اذهب.. حارب أنت وربك” وتجربة الشيوعيين وتحديداً الحزب الشيوعي السوري لهو خير دليل على ما نقوله وعلينا أن نتعظ منه و إلا فمصيرنا لن يكون أفضل منه و.. “فهمكم كفاية“.

 

جندريس-2006

الميلاد.. وغياب المشروع السياسي

 

 

 

ربما يكون نصف قرن من الزمن في سيرورة الحياة والوجود الإنساني على كوكبنا الأزرق شيء لا يذكر، إذا علمنا بأن هناك مليارات السنين والحياة ما زالت تتشكل على هذا الكوكب العجيب والمحيِّر – إلى الآن – للعلماء والباحثين؛ عن أجوبة سر الحياة والوجود على كوكب الأرض وكيف توفرت الشروط والمناخات الملائمة لتكون الحياة. ولكن وبالتأكيد فإن نصف قرن من عمر الشعوب ونضالاتها تعني الكثير الكثير لها؛ إن كان من نواحي تضحياتها الجسام والقرابين التي قدمتها على (مذابح الحرية) أو من حيث تحقيقها لأمانيها وطموحاتها وآمالها في الحرية والإستقلال والتنمية بمختلف ميادينها: البشرية والإقتصادية والإجتماعية.. الخ. وهكذا فإن نصف قرن من الزمن يعني تغيير وجه العالم؛ حيث كم من الأمم والشعوب في النصف الأخير من القرن الماضي وبعد معارك طاحنة أذهبت (الأخضر واليابس)، أستطاعت أن تتحرر من سيطرة الإستعمار وأن تنشىء كياناتها السياسية المستقلة (معظم دولنا الشرق أوسطية) وأيضاً كم بلد وأمة تعرض للغزو والويلات والحروب، بحيث لم يبقى حجرٌ على حجر وأستطاعت خلال أقل من نصف القرن الأخير أن تقف من جديد على قدميها وتدخل في ركاب الأمم المتقدمة (اليابان مثلاً).

 

إننا أردنا أن تكون المقدمة التمهيدية السابقة مدخلاً لمقالنا هذا؛ لكي نبين للقارئ العزيز بأن معظم شعوب العالم وعلى الأخص الشعوب المغلوبة على أمرها – سابقاً – أستطاعت أن تثبت لنفسها وللعالم بأنها جديرة بالحياة والوجود الإنساني وبالتالي فكان لها ما أرادت ونالت حريتها وإستقلالها، إلا بعض الشعوب المستضعفة والمهددة بالإنقراض – حسب تعبير بعض الهيئات والمنظمات الدولية – حيث ما زالت تلك الشعوب تعاني من الإحتلال والتقسيم والإنقسام السياسي وكذلك المرض والضعف والتخلف وفي مختلف الأصعد والمناحي الحياتية ومن بين هؤلاء – وربما في مقدمتهم – يأتي شعبنا الكوردي؛ حيث أن بلاده كوردستان ما زالت بحال “مستعمرة دولية” – كما يصفه عالم الإجتماع التركي؛ إسماعيل بشكجي – ومقسمة وملحقة بأربع دول هي (تركيا، إيران، العراق وأخيراً سوريا) وتمارس هذه الأنظمة – ما عدا إقليم كوردستان (العراق) وذلك من بعد إنتفاضة شعبنا هنا في عام 1991م – سياسات الإنكار والقمع والتنكيل بحق الكورد في الأقاليم الثلاثة الأخرى وهي (أي تلك الأنظمة الغاصبة لكوردستان) تتعاون في سياساتها العدائية تلك، إن كان من خلال إتفاقات أمنية معلنة أو أجندات سياسية تشتغل عليها (من تحت الطاولة).

 

وبالتالي ونتيجة لواقع التقسيم وإلحاق الجغرافية الكوردستانية بغيرها من الجغرافيات وفق مصالح الدول الإستعمارية آنذاك وبعض الحكومات الناشئة في منتصف القرن الماضي – أثر إنهيار الإمبراطورية العثمانية – فقد وجد الشعب الكوردي بأنه قد غدر به مرة أخرى؛ إن كان من قبل الدول الإستعمارية أو الحكومات الناشئة وكانت “خيبة الأمل” من نصيب كل التيارات بمن فيهم من راهن على الخلافة العثمانية وصمودها في وجه التيارات الجديدة وسياسات جمعية الإتحاد والترقي ومن بعدها الجمهورية (الأتاتوركية). وهكذا فقد وجدت النخبة الكوردية وعلى الأخص ممن تلقى تعليمه ودراسته في الجامعات الغربية وتأثر بالفكر الأوروبي وأيديولوجيتها القومية بأن من واجبها (واجب النخبة تلك) أن تقوم هي الأخرى – مثل كل نخب الشعوب المجاورة – بدورها في توعية شعبها بواقعه السياسي وبالتالي أن تلعب دورها في سبيل تحقيق أمانيه وطموحاته ونيل حق تقرير المصير أسوةً بغيره من شعوب المنطقة، فكانت البدايات – في غرب كوردستان، موضوع المقال – مع (جمعية خويبون).

 

حيث تؤكد المصادر التاريخية؛ أنه وعلى أثر إخماد ثورة (شيخ سعيدي بيران عام 1925) ولجوء القيادة الكمالية في الجمهورية الناشئة إلى لغة الحديد والنار وذلك لثبيت ركائز وأركان الدولة الناشئة وخاصةً وهي تواجه تحديات جمة؛ حيث في الداخل قضايا ساخنة وعلى الأخص كلٍ من ملف الكورد والأرمن وغيرها من الملفات الإقتصادية والسياسية وكذلك الأمنية وكذلك في الخارج فهناك العديد من المشاكل والخلافات مع الجيران، ناهيك عن تورطها في الحربين الكونيتين الأولى والثانية إلى جانب دول المحور ودخول الحلفاء إلى عمق الأراضي التي كانت تابعة للسلطنة العثمانية حتى قبيل (الحرب العالمية الأولى 1914 – 1918). وبالتالي المزيد من التوجس والخوف من (القلاقل) والإضطرابات الداخلية وبأن تقوم الدول الإستعمارية الجديدة في المنطقة، وعلى الأخص فرنسا وإنكلترا وكذلك روسيا القيصرية وبعدها الإتحاد السوفيتي (سابقاً)، على مد يد المساعدة لشعوب السلطنة، فقد لجأت السلطات في الجمهورية التركية الناشئة إلى التنكيل والقتل وسياسة الإبادة والتهجير بحق كل رموز الثورة (ثورة شيخ سعيد). وهكذا فقد أضطر عدد كبير من القادة والساسة الكورد من النزول إلى ما كان يعرف بـ(تحت سكة الحديد؛ أي غرب كوردستان حالياً) حيث كانت سكة الحديد لقطار الشرق السريع تقسم المنطقة الكوردية إلى ما (فوق وتحت السكة) ولم تكن آنذاك هناك دولة بأسم سوريا لتلحق (وتعرف) بها الجغرافية الكوردية.

 

وهكذا وبعد لجوء عدد من المتنورين الكورد من فوق السكة (شمال كوردستان) إلى الجانب الآخر منها (تحت السكة) وإستقرارهم في بعض المدن الكوردية والقرى القريبة من الحدود وليكون على صلة مع الجانب الآخر من الجغرافية (الثورات) الكوردية؛ حيث آنذاك لم تكن الحدود بهذه المراقبة الدقيقة ومحصنة، فإلى أربعينيات القرن الماضي ورغم تشكل الدولة السورية كانت جل المعاملات التجارية للمناطق الكوردية في (غرب كوردستان) مع المدن الكوردية في الجانب التركي وليس مع المدن العربية في سوريا. وبالتالي فقد وجد هؤلاء المثقفون والمهجرون من مدنهم ومناطقهم لا بد من إيجاد آلية ومؤسسة ما ليتم من خلالها البحث في آليات التعاون والتواصل والتحريض على الثورة ضد الجمهورية التركية والتي تنكرت لوعودها مع الكورد في إعطاءهم الحكم الذاتي في تركيا وذلك وفق وعود قادة جمعية الإتحاد والترقي ومنهم زعيمهم (مصطفى كمال آتاتورك). وهكذا و”مع بداية القرن العشرين وبشكل خاص بعد الحرب العالمية الأولى وحل الجمعيات الكردية مثل جمعية تعالي كردستان 1918 ، وجمعية آزادي 1922 وإجهاض ثورة شيخ سعيد بيران 1925 واضطرار مثقفيها وثوارها اللجوء إلى سوريا ولبنان ومصر وفرنسا، حينها لم يبق أمامهم من سلاح سوى تشكيل جمعية كردية جديدة تضم في عضويتها معظم الشخصيات المؤثرة في الحركة التحررية الكردية، وكان ولادة جمعية خويبون في بحمدون بلبنان يوم 5 تشرين الأول 1927 بمؤازرة كبيرة من كرد سوريا… وفي الجزيرة ترأس فرع جمعية خويبون حاجو آغا، عثمان زاده، وفي عين العرب مصطفى شاهين بك وشقيقه بوزان بك، وفي جبال كرداغ: شيخو آغا منان وآل ديكو بالإضافة إلى العديد من الأغوات الكرد في الجزيرة وعين العرب وجبال كرداغ وحتى كرد الشام وحلب والباب ومنبج، ومن يومها بدأت العلاقات تتشعب بين الكرد في سوريا بجهاتها الثلاث”. (من مقال: “التواصل الثقافي بين الكرد في سوريا” للكاتب الصديق كونى ره ش).

 

وهكذا يمكن القول: بأن الحركة السياسية الكوردية، بأحزابها الحالية، قد خرجت من رحم جمعية خويبون حيث؛ تأسس أول حزب كوردي (البارتي الديمقراطي الكردستاني) في (14/6/1957) وكان المؤسسون الأوائل هم: “عثمان صبري- محمد علي خوجة – حميد حاج درويش –رشيد حمو – حمزة نويران – شوكت حنان – خليل محمد وهناك أيضاً الشيخ محمد عيسى” (من مقابلة مع الأستاذ رشيد حمو) وكانت الشخصية المحورية في هذا الحراك السياسي هي شخصية (عثمان صبري) فهو المفكر والسياسي وأبن الثورات الكوردية المتلاحقة والمنفي من بلاده؛ حيث كان المقام قد أستقر به مع عائلته في دمشق. وهكذا فقد حاول هؤلاء القادة من الرعيل الأول وخاصةً بعد إنهيار جمعية خويبون عام 1946 ووليدتها ثورة آرارات عام 1930 أن ينظموا جهودهم وطاقاتهم ضمن هيكلية سياسية فاعلة ومؤثرة في الشارع الكوردي وخاصةً في الجوار الكوردستاني – تحديداً جنوب كوردستان في تلك السنوات – كان هناك حراك نضالي وسياسي فاعل بقيادة الحزب الديمقراطي الكوردستاني وزعيمها الراحل (المرحوم ملا مصطفى بارزاني)، فكانت ولادة البارتي الديمقراطي الكردستاني في سوريا، كما أسلفنا سابقاً.

 

ولكن وعلى الرغم من تأسيس الحزب (البارتي) لتكون أداة نضالية لشعبنا في غرب كوردستان إلا أنها بقيت أسيرة الأجندات السياسية للساحات الكوردستانية الأخرى وأحياناً بدعم من السلطات السورية (الأمنية)؛ حيث يقول الأستاذ رشيد حمو في إحدى مقابلاته مايلي: “.. في عهد الوحدة بين سوريا ومصر وحتى بعد انقلاب 14 تموز 1958 وانسحاب العراق من حلف بغداد، بقيت علاقاتنا جيدة مع سلطات الوحدة، حيث أسس الرئيس الراحل جمال عبد الناصر إذاعة تبث باللغة الكردية من القاهرة تحت إدارة الأستاذ فؤاد معصوم، إضافة إلى تأسيس مكتب في دمشق بإشراف وزير مصري لتوجيه الأكراد ومساعدتهم، وفي عام 1959 طلبني المكتب الخاص للسيد عبد الحميد السراج في دمشق، واستشرت المرحوم أوصمان صبري فوافق على ذهابي وهناك عرض علي ضابط الأمن موضوع تحريض الأكراد في تركيا ووعد على لسان عبد الحميد السراج بالدعم المادي والمعنوي بما فيها طباعة النشرات وتوزيعها هناك، وأنه لا يروم من ذلك سوى صداقة الكرد، فطالبته بفتح اذاعة كردية في دمشق والسماح بإصدار المطبوعات، فجاءت موافقة السراج نفسه على الدعم وإصدار مطبوعات على أن يتم نشرها في تركيا تحت إشراف الأمن السوري فتمت الموافقة من جانبنا، لكن دون تنفيذ شئ“.

 

مما سبق يتبين لنا، كمتابع ومهتم بشأن الحراك السياسي الكوردي في غرب كوردستان وكأحد المشتغلين بها، بأن الحركة السياسية الكوردية في هذا الإقليم الكوردستاني الملحق بالدولة السورية ومنذ التأسيس قد سُخِّر وجنِّدَ للأجزاء الكوردستانية الأخرى، إن كان للإقليم الشمالي (تركيا) أو الجنوبي (العراق) وذلك يعود لأسباب عدة برأينا:

أولاً – أن المناطق الكوردية التي وقعت تحت الإنتداب الفرنسي مع الجغرافية العربية في سوريا الحالية كانت وما زالت تشكل شريطاً حدودياً طولانياً ضيقاً مما صعب من تواصل شعبنا في هذا الإقليم وغيّب المراكز المدنية (المدينة)؛ حيث كانت عبارة عن مجموعة من القرى المتناثرة ومرتبطة في المدن الكوردية التي بقيت في الجانب الآخر من الحدود الدولية، فلم تتشكل مدينة القامشلي (أكبر المدن الكوردية في غرب كوردستان وكذلك عفرين في كورداغ) إلا في السنوات الأخيرة وبعد الإشتداد على رقابة الحدود بين كلٍ من سوريا وتركيا. وبالتالي غياب مركز القرار الكوردي في غرب كوردستان وبقاءه وراء الحدود الدولية.

ثانياً – كان المؤسسون الأوائل للفكر القومي الكوردي؛ (جلادت وكاميران بدرخان، أوصمان صبري، قدري جان، جكرخوين، ممدوح سليم بك.. وغيرهم) ممن كانوا منفيين وهاربين من إستبداد وطغيان الجمهورية الكمالية في تركيا وبالتالي فكان جل النشاط والحراك السياسي لهم يدعو إلى تحرير الجغرافية الكوردستانية وذلك أسوةً بالجغرافية العربية من تحت سيطرة الدولة أو الجمهورية التركية الناشئة.

ثالثاً – إعتبار الشعب العربي في سوريا وغيرها من البلدان العربية أخوة النضال ضد السيطرة العثمانية ومن بعدها الجمهورية التركية وكذلك قوى الإستعمار الأجنبي، وفي هذا هناك الكثير من الشواهد والدلائل التاريخية التي تؤكد وقوف أبناء شعبنا مع الشعوب العربية ضد المحتل. وبالتالي يمكن حل القضية الكوردية مع الجانب العربي بالطرق الدبلوماسية أو حتى تأجيلها؛ كون المنطقة العربية – آنذاك – كانت تعيش مرحلة الثورة والتحرر من الإستعمار وأولوية المواجهة هي مع أعداء الوطن.

رابعاً – إندلاع الثورات والإنتفاضات الكوردية المتلاحقة في كلٍ من جانبي الحدود (جنوب وشمال كوردستان) وبالتالي حاجتهم لأخوتهم في غرب كوردستان بمد يد المساعدة لهم، ولم يقصر شعبنا بواجبه الكوردستاني هذا في أي مرحلة من المراحل النضالية وإن تجربة حزب العمال الكوردستاني (شمال كوردستان) وقبلها كلٍ من ثورة كولان وكذلك أيلول في (جنوب كوردستان) خير دليل على ما نقول.

خامساً – عدم تبلور الوعي الكوردستاني بجغرافية (غرب كوردستان) وأنها جزء من كوردستان الكبرى وعلى أنها إقليم ملحق بالدولة السورية الحديثة. وهذا يعود إلى عدم وجود الدولة السورية إلى حينذاك بالأساس؛ حيث كانت الأراضي السورية بجغرافيتها العربية والكوردية جزء من الإمبراطورية العثمانية المترامية الأطراف.

سادساً – النظرة القاصرة لشعبنا في الجزء الغربي لكوردستان (سوريا) وإعتبار أنفسهم (الأخ الأصغر) للأخوة الثلاثة الآخرين في كلٍ من (تركيا وإيران والعراق). مما خلق لدينا نحن الكورد في غرب كوردستان (سوريا)، وعلى المستوى السايكولوجي، نوع من النظرة الدونية لأنفسنا وبأنه يجب أن نبقى في خدمة الأخوة الكبار.

 

إن الأسباب والعوامل السابقة ومن ثم إنحراف الجمهورية السورية عن الحياة الدستورية والبرلمانية وخاصةً مع نهايات عهد الوحدة ومن بعدها الإنقلاب العسكري في الثامن من آذار والإتيان بحزب قومي متشدد (حزب البعث العربي الإشتراكي) وإستلام السلطة بقوة الحديد والنار وإلغاء الحياة الديمقراطية والبرلمانية في البلد ومركزة الدولة بيد مجموعة ريفية عسكريتارية وإعتبار سوريا بلداً عربياً (خالصاً) شعباً وجغرافية ومن ثم الزيادة في الضغوطات والإجراءات الأمنية المتشددة لصد أي حراك داخلي وخاصةً من جانب الكورد والشيوعيين – آنذاك – وبالتالي تكوين ما يمكن أن يعرف بجمهوريات الصمت أو الرعب. إن هذا الواقع السياسي والحالة الرهابية في سوريا – حالياً – مع مجموعة العوامل التي آتينا على ذكرها سابقاً، وكذلك حالة التشرذم والإنقسام الغير طبيعي والغير مبرر في صفوف الحركة السياسية الكوردية في غرب كوردستان، شكلت معاً حاجزاً أو مانعاً لتكوين وبلورة مشروع سياسي كوردي يشخص بدقة وواقعية سياسية – لا تخلو من الجرأة – الواقع الجيوسياسي لشعبنا في غرب كوردستان ونظرته ورؤيته للنظام وبالتالي علاقته معه وأيضاً إيجاد أو البحث عن الحلول الحقيقية للقضية الكوردية في الإقليم الغربي لكوردستان.

 

بمعنى آخر؛ لم تصل أو لم تطرح الحركة السياسية الكوردية وبمختلف أحزابها (الواقعية أو التصاعدية أو الوسطية) البرنامج السياسي الذي يشخص رؤيتها لجغرافية المناطق الكوردية في (سوريا). هل هي إقليم كوردستاني وإن كان كذلك فلما تتهرب (أي الأحزاب الكوردية) من مصطلح غرب كوردستان، فإن كان لكوردستان شمالها وشرقها وجنوبها فلا بد أن يكون لها غربها، كما قالها الأخ الكاتب (عبد الله قنديل في إحدى مقالاته). وبالتالي فما هو وضع هذا الإقليم: هل هو محتل من الدولة السورية أم تحت الإنتداب أم ملحق بالدولة السورية وما هي رؤيتها في نوع العلاقة المستقبلية والتي يجب أن يكون بين المركز والإقليم الكوردستاني هذا، هل الصيغة الفيدرالية أم الحكم الذاتي أم حق تقرير المصير وكيف يكون هذا التقرير للمصير. وهكذا فهناك العديد من الأسئلة والتي يجب على الحركة الإجابة عنها وبالتالي صياغة ما يمكن أن يسمى بدستور الحركة الوطنية الكوردية (الكوردستانية) أو على الأقل الوصول إلى برنامج سياسي حقيقي يعكس واقع ووجود شعبنا في غرب كوردستان وليس الإكتفاء فقط بمجموعة من التوصيات والشعارات السياسية الفضفاضة والتي لا تغني عن جوع ولا تسمن.. وإلى ذكريات جديدة في عمر حركتنا العتيدة.

 

هولير – 14/6/2009

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

البديل..

(ما الحل للخروج من عنق الزجاجة)

 

 

 

 

 

 

 

 

 

لقد قرأنا، خلال الأيام الماضية، الكثير مما كتب بمناسبة الذكرى الثالثة والخمسين لتأسيس أول حزب كوردي في غرب كوردستان؛ البارتي الديمقراطي الكردستاني في سوريا والذي كان في (14/6/1957) وقد أبدى الأخوة والزملاء الكتاب بآرائهم وقناعاتهم بخصوص القضية وما تعاني منها الحركة الوطنية الكوردية في المرحلة الحالية من أزمات ومشاكل مستعصية وذلك بعد أكثر من نصف قرن على تأسيسها، وقد كان لنا – أيضاً – مساهمة متواضعة بعنوان “الميلاد.. وغياب المشروع السياسي”؛ حيث جل الآراء أجتمعت، كما قلنا قبل قليل، حول نقطة محورية: بأن الحركة السياسية في غرب كوردستان تعاني من أزمات حقيقية وبالتالي لا بد من البحث عن الحلول والمخارج للإرتقاء بالعمل السياسي الكوردي إلى المستوى اللائق بقضية شعبنا في غرب كوردستان. وإن مقالنا الأخير هذا ليس إلا محاولة للإجابة عن السؤال السابق وذلك بعد أن تلقينا العديد من الردود والأسئلة التي تبحث عن إجابات واضحة وبصدق وإخلاص وطني حقيقي للخروج من الأزمة.

 

ومن جملتهم (مع الإحترام للجميع)، كتب أحد الأخوة – مع قليل من التصرف – متسائلاً: “الأخ بير رستم. تحياتي لك و سلام. أنا من المتابعين لكل مقالاتك وأفكارك وأنسجم مع معظمهم. ما هو برأيك الحل من هذا الواقع الميؤوس الذي وصلنا اليه من وراء هذه القيادات الهزيلة الضعيفة.. وأصبحوا في واد والشعب الكردي في واد. ماذا ينتظرون، وماذا يطلبون أكثر من هذا الشعب المسكين المغلوب على أمره من وراءهم. 13تنظيم سياسي على الساحة، 13 أمين عام وأمين عام مساعد و13 مكتب سياسي و.. و.. و.. . ألا يخجلون من هذا الوضع، أليس هم السبب في ذلك.. لماذا لا يتحركون. ما هو الحل، أنا لا أؤمن لا بمرجعية ولا وفاق ولا جبهة ما دام هم بهذه التركيبة. يجب أن نبحث عن حل خارج اطارهم السياسي، والتنظيمي، لأنهم أفلسوا نهائياً إن كان اجتماعياً أو سياسياً أو تنظيميياً أو حتى.. الإعتراف بالذنب فضيلة..”.

 

بالتأكيد إن الأسئلة السابقة باتت من الأسئلة الملحة والمحرجة لكل من يعمل في حقل السياسة الكوردية في غرب كوردستان وقد تطرق العديد من الأساتذة والأخوة الكتاب والمثقفون لها وحاولوا الإجابة عليها، وذلك بعد ما آلت إليها أوضاع الحركة السياسية الكوردية بأحزابها المختلفة في المرحلة الراهنة من ضعف وتشتت في البنية التنظيمية والعمل النضالي السياسي وكذلك الجماهيري؛ حيث كتب الأخ (زيور العمر) مقالاً بعنوان (وهم حان وقت الخروج منه) يقول فيه: “بعد أن عجزت الأحزاب الكردية عن إيصال مشروع الرؤية السياسية المشتركة الى بر الآمان, الذي كان مخططاً له أن يصبح المظلة السياسية للمرجعية الكردية الموحدة. وبعد إنقضاء فصول و مشاهد من الإتهامات المتبادلة بين جميع الأطراف حول سبب عدم تحقيقها, ومحاولة كل طرف تحميل المسؤولية لجهة أو جهات أخرى, تستعد مجموعة أحزاب كردية لإطلاق مارثون جديد من المباحثات و المناقشات حول تأسيس إطار سياسي جديد.. و من خلال معرفتنا بهذه الأحزاب وطبيعة قياداتها, ندرك أنها لن تجتاز الحقل الملغم بسلام, بل أنها ستفعل كل ما في وسعها حتى ينفجر لغم, و تتطاير شظاياها, كي تقتل و تجرح وتفض الشمل.. حان الوقت للخروج من الوهم الذي سيطر علينا لعقود من الزمن. هذه الأحزاب غير قادرة على إمتلاك إرادة القرار السياسي المستقل، وتحمل مسؤولية قيادة شعب, وما علينا سوى القبول بهذه الحقيقة وتقبل الواقع كما هو, و ليس كما نتمناه, فليس بالأمنيات تتحرر الشعوب, و تتحقق أهدافها, وإنما من خلال التضحيات ونكران الذات وإعلاء راية مصلحة الشعب فوق كل الإعتبارات“.

 

وكذلك فقد كتب الأستاذ (صلاح بدر الدين) مقالاً بعنوان (الأولوية لمواجهة الاستبداد) ومن جملة ما يتطرق إليه في مقاله السابق هي النقطة التالية: “..المخاطر تزداد من حولنا والتحديات تتوالى والنظام الشوفيني الحاكم يمضي قدماً في مخططات التغيير الديموغرافي للمناطق الكردية وسجن وملاحقة الوطنيين والناشطين واثارة مشاعر الاحباط عبر الاستهانة بكل تاريخ حركتنا وتخوين كل من يقول في وجه السلطة لا مقابل ذلك فان المهام القومية والوطنية والحركية التنظيمية تتعاظم وآن الأوان للبدء بمرحلة جديدة من البناء والتصالح مع الذات والمحيط للوصول الى حركة سياسية كردية عصرية متجددة موحدة حسب برنامج نضالي يستند الى دروس تجربة عقود من الكفاح والمعاناة ويتطلع الى المستقبل بكل انفتاح“.

 

مما سبق ومن غيرها من الدراسات والكتابات التي تتناول القضية الكوردية في غرب كوردستان وحراكها السياسي (الأحزاب الكوردية) وما تعانيها من مشاكل جمة وعلى الأصعدة كافةً (برامج سياسية مبتورة – أزمات تنظيمية؛ أكثر من 13 حزب كوردي في الداخل فقط – عدم الإتفاق على مرجعية القرار السياسي الجامع – علاقات مشوهة مع الشريك العربي؛ إن كانت مع المعارضة أو النظام – ضعف العلاقة مع الجماهير الكوردية الغائبة والمغيبة عن الساحة – غياب الفكر الديمقراطي والمؤسساتي في البنية التنظيمية والعمل السياسي و.. غيرها من القضايا والمسائل الملحة). وهكذا فإن مشروعية الأسئلة السابقة تنطلق من الواقع المأزوم والتي تعيشها الحركة الوطنية الكوردية في غرب كوردستان وبالتالي فلا بد لنا – جميعاً – أن نتصدى لها (لتلك الأسئلة) بجرأة وشفافية في محاولة للإجابة عنها والوصول بالقضية الكوردية إلى بر الأمان وتحقيق أماني وطموحات شعبنا.

 

ولكن من المؤكد بأنه من الإستحالة (لأحدنا) أن يمتلك الإجابات الوافية والدقيقة لكل ما تعاني منها الحركة الكوردية في غرب كوردستان من قضايا ومشاكل – وما مقالنا هذا؛ إلا محاولة لفتح كوة في هذا الجانب – حيث أن القضية، وبرأينا المتواضع، بحاجة إلى مراكز أبحاث ودراسات إستراتيجية والتي – للأسف – لا نمتلكها وذلك للبحث في مختلف جوانب الأزمة ومحاولة الخروج منها من خلال طرحها لمشاريع سياسية فاعلة ومؤثرة وتكون (بديلاً) عن الواقع السياسي الراهن بأحزابها الضعيفة والمشتتة؛ حيث وفي ظل الأوضاع الراهنة داخل سوريا من قمع وإستبداد تجاه أي حراك سياسي حقيقي لا يمكن المراهنة على الفعاليات والأحزاب التي تعمل تحت هكذا ظلال ومناخات موبوءة بحالة أمنية هستيرية، فأي نشاط سياسي (معارض) إما مرهون للخارج (عمالة) أو يهدف إلى “زعزعة كيان الدولة” و”إقتطاع جزء منه وإلحاقه بدولة أجنبية” وذلك وفق المنظور الأمني والبعثي.

 

وهكذا فعلينا أن ندرك الحقيقة التالية: بأن مجموع الأحزاب الكوردية والمعارضة السورية إجمالاً وبقياداتها وكوادرها، تعيش في ظل مناخات غير صحية؛ أمنية إستبدادية “مافيوسلطوية” ولا يمكن لها القيام بأي حراك سياسي نضالي فاعل وإلا فالقانون رقم (49) ينتظرها هي الأخرى. وبالتالي فليس أمام (الجزر الأرخبيلية) للمعارضة السورية، والتي تعيش في الخارج وفي ظل المناخات الديمقراطية، إلا أن تقوم هي بالمبادرة لتوحيد صفوفها والإتيان بالبديل السياسي. وهكذا أيضاً بالنسبة للجانب الكوردي؛ حيث من الواجب النضالي للفعاليات الكوردية من كتاب ومثقفين والناشطين السياسيين وكذلك رجال أعمال وفعاليات إجتماعية ورموز دينية أن تلتقي على طاولة الحوار للبدء بمشروع سياسي حقيقي والتحرك في الساحات التي تتواجد عليها أوروبياً وأمريكياً على الأخص. وإننا لا نعتبر بأن هذا الطرح هو تجاوز للحركة الوطنية الكوردية؛ حيث يمكن التنسيق والتشاور معها ولكن الأخذ بعين الإعتبار ظروفها ومناخاتها وأجواءها الأمنية المافيوية وبالتالي تفهم طروحاتها ذات (السقف المنخفض) والناتج عن الحالة الرهابية التي تعاني منها تاريخياً.

 

كلمة أخيرة: كلنا يتذكر قضية إعتقال السيد (عبد الله أوجلان)؛ زعيم حزب العمال الكردستاني حيث خرجت القيادة العمالية وقتها بقرار يفيد بأن “قائدهم رهن الإعتقال وهو خاضع لظروف غير طبيعية وبالتالي فإن قراراته لن تكون ملزمة للحزب”. ذاك بالنسبة لرجل معتقل – وإن كان زعيماً وقائداً – فكيف يكون الأمر بالنسبة (لكامل) حركة سياسية وشعب يعيش ظروف الإعتقال والإستبداد والقمع، بالتأكيد فإن (المشروع السياسي) لها سيكون محدداً بـ (دوائر وخطوط حمراء) كثيرة وسقفها ينخفض كثيراً عن (السقف) الحقيقي لقضيتها و.. “اللبيب من الإشارة يفهم“.

 

هولير – 17/6/2009

 

 

 

 

 

ردود وتعقيبات

 

 

 

 

التاريخ.. تصنعها المصالح ويكتبها (السادة)

 

 

 

 

 

 

 

أين نحن؟ ولماذا ينجح الآخرون بينما نفشل نحن؟”. سؤالٌ إشكالي يطرحه الأخ والصديق (عبد الحكيم بشار) من خلال مقاله المنشور في عدة مواقع الكترونية ومنها موقع الحزب الديمقراطي الكردي في سوريا (البارتي) والذي يأتي (أي المقال) ضمن الصياغة نفسها؛ “أين نحن يا أبناء الكرد؟”. في البداية نود أن نقول إن قراءتنا هذه ما هي إلا محاولة لتوضيح بعض النقاط التي طرحت ومن وجهة نظر (مغايرة) إلى حدٍ ما، ولكن ضمن السياق المعرفي ذاته وأيضاً ضمن نفس الحقل الوجداني الطامح إلى تحقيق ذات كردية مستقلة ومتبلورة في كيان جيو-سياسي إقليمي أسوةً بغيرها من الكيانات المنتشرة على خارطة الشرق الأوسط وشعوبها، وحيث أنه ومن هذا المنطلق؛ (تحقيق الذات والشخصية الكردية المستقلة) واستهدافاً له؛ (تحقيقها في كيان جيو-سياسي مستقل)، يكتب أيضاً الأخ (عبد الحكيم) “أين نحن يا أبناء الكرد؟“.

 

فهو يحاول – ومن خلال ذاك الطرح الإشكالي – أن يعالج القضية الكردية وأبعادها وأيضاً أسباب فشل وإخفاقات الحركات والانتفاضات الكردية المتعددة وعدم قدرتها (أي قدرة تلك الثورات) على تحقيق أماني ومطالب الشعب الكردي، في حين تمكنت الشعوب المجاورة من عربية وتركية وفارسية في تحقيق (حلمها) القومي – مع بعض الاعتبار للشعوب العربية والتي استفادت من الإسلام في تحقيق ذاك (الحلم) – وذلك ضمن أطر وكيانات سياسية لها دورها ونفوذها الإقليمي إن لم نقل الدولي؛ حيث يكتب بهذا الصدد: “.. أن القوميتين الأخريين (الفارسية والتركية) هما متقاربتان من حيث العدد والمساحة للشعب الكردي، فلماذا إذن نجحت في إقامة دول لها حساباتها وقوتها ونفوذها ليس على الصعيد الإقليمي بل على الصعيد الدولي وباتت من اللاعبين الأساسيين في السياسة الإقليمية ولم يعد يكتفيا بحماية حدودهما وسيادتهما وحقوق شعبيهما بل إنهما يطمحان إلى طرح نفسيهما كقوة إقليمية ذات فعالية وتأثير، بينما الشعب الكردي لا يزال يطمح إلى تحقيق قدر متواضع من حقوقه هي أدنى بكثير من حقوقه القومية المشروعة كشعب يسكن المنطقة وله خصائصه المتميزة ويعيش على أرضه التاريخية، لماذا هذا التباعد في تحقيق الذات بين الشعب الكردي والشعوب الأخرى في المنطقة ؟“.

 

والأخ (عبد الحكيم بشار) لا يكتفي بطرح الأسئلة فقط وإنما يحاول الإجابة على ما يطرحه من تساؤلات بهذا الخصوص والمسألة، فيكتب: “هل إن القدر فعل بنا ذلك؟ أم أنه عبث التاريخ أم الأطماع الاستعمارية ونفوذها ومصالحها هي التي فعلت بنا ذلك؟ وأعتقد أنه من السذاجة القول بأن القدر قد فعل بنا ذلك، أما عبث التاريخ فأعتقد أننا بحاجة إلى بعض التروي وإنصاف التاريخ، فالتاريخ لا يصنع عبثاً ولا يسير عبثاً ولا يبنى عبثاً، التاريخ يصنعه الرجال، التاريخ تصنعه الشعوب، والتاريخ لا يصنع نفسه بنفسه وليس من أحد، حتى الطبيعة لا تستطيع التحكم فيه بل إن التاريخ يصنعه القادة الذين نجحوا في تسيير دفة الأحداث والتاريخ في الاتجاه الذي يخدم قضيتهم”. وإن كنا نتفق مع طرحه بأن “التاريخ لا يصنع عبثاً ولا يسير عبثاً ولا يبنى عبثاً” وإن كان للقادة (للرجال) والأفراد دورهم في بعض المراحل والظروف إلا إن مقولة “التاريخ يصنعه الرجال” وإن لم تكن غير صحيحة بالمطلق فهي مقولة غير دقيقة. بل يمكن لنا أن نقول بأن التاريخ تصنعها المصالح؛ مصالح القوى النافذة والفاعلة في ساحة ما وتقاطعاتها مع بعضها في دوائر تقسيم النفوذ ومن ثم يأتي هؤلاء (الرجال) ليدونوا تاريخ-(هم) ذاك.

 

وهو يبني (بضم الياء) على ضوء ما سبق وكأساس فلسفي سياسي، استنتاجه التالي: “.. لذلك أستطيع القول إنه وبالرغم من كل شيء فإن الشعب الكردي وقادته يتحملون مسؤولية الفشل في عدم نيل الكرد أية حقوق إثر انهيار الإمبراطورية العثمانية”. ويعدد الأسباب والعوامل التي لم يكن يمتلكه الكورد آنذاك ويمكن أن نلخصها في: “عدم نضج الوعي القومي لدى الشعب الكردي.. وعدم نضج النخبة السياسية وقادة الكرد حينذاك.. وأيضاً بعثرة وتفرق الشعب الكردي بين ولاءات مختلفة ومتنافرة.. أما المصالح الاستعمارية فتأتي في مؤخرة هذه العوامل..”. هذه هي العوامل والأسباب – برأي الأخ (عبد الحكيم بشار) – والتي جعلت القضية الكردية تخسر (معركتها) في كيان جيو-سياسي خاص بهم.

 

إلى هنا ونكتفي بالاقتباس من مقالة الأخ (عبد الحكيم)؛ حيث إنه وفي (القسم الثاني) من مقاله المشار إليه في بداية مقالنا، يتطرق لواقع كوردستان الحالي وتحديداً التهديد التركي لإقليم كوردستان العراق مؤخراً وأيضاً لدور القيادة الكردستانية هناك وبشيء من التفصيل، مما يحدو بالقارئ بأن يتفكر بأن (المقصد والمنتهى) من المقالة هي الوقوف عند هذه النقطة؛ إبراز دور القيادة الكردستانية العراقية وتحديداً الحزب الديمقراطي الكردستاني وقياداتها – مع العلم إنه لا يمكن لذي بصيرة أن يُنكر دور هؤلاء القادة والرجال – ولكن ( ومن وجهة نظرنا) فإن هذه النقطة قد خلقت نوعاً من الارتباك في سياق المقال وبالتالي للقارئ أيضاً، والذي كان يأمل من  ذاك “السرد التاريخي” أن تكون مقدمة لبحث إشكالية الواقع الكردي الراهن عموماً، على الرغم من أن الكاتب أراد فعلاً من تلك المقدمة التحليلية – النقدية للتاريخ الكردي أن يجعلها توطئة (ومقياساً) سياسياً لإسقاطه على الحالة الكردية الراهنة؛ من تشتتٍ للقوى وكتل سياسية (لا هم) لها غير أن تدخل في معارك حزبية مع بضها وتنسى متطلبات المرحلة وما أوكل لها من دور تجاه القضية والشعب.

 

وأيضاً لن نقول إننا غير متفقين – تماماً – مع هذا الطرح والرأي، بل إننا نؤكد موافقتنا له في غالبية ما طرحه من نقدٍ وتحليل للحالة الكردية عموماً وأسباب إخفاقاتنا في كل محاولاتنا الماضية لنيل حقوقنا المشروعة، وبالتالي (دحرجة) المسألة الكردية إلى مواقع أكثر عدمية وكارثية. ولكن لنا ملاحظات عدة حول ما طرحه من نقاط، إن كانت من حيث التراتبية السببية؛ بحيث قدّم عوامل على أخرى وكان من الأجدر والأدق أن يجعل من تلك  التي جعلها (هامشية) وفي مؤخرة الأولويات كـ”المصالح الاستعمارية” أهمها وأخطرها، حيث كانت من نتائجها (أي المصالح الاستعمارية) وتوافقاتها واتفاقاتها مع القوى الفاعلة النافذة للشعوب العربية والتركية وأيضاً الفارسية أن تم تقسيم منطقة الشرق الأوسط ومن ضمنها كوردستان إلى مناطق نفوذ وهيمنة.

 

أو من حيث إنه أغفل عوامل أخرى لا تقل أهميةً من التي ذكرها؛ كـعدم بلورة وتكوّن الشخصية الكردية المستقلة – كهوية ذاتية خاصة به – وخضوعه لفترات زمنية مديدة لعملية القمع والإنكار من قبل المحتل، إن كان ذا طابعٍ ديني إسلامي أو قومي تعصبي (تركي، فارسي وأخيراً العربي)، مما جعل من الشخصية الكردية – عموماً – ذات سيكولوجية مقهورة (عبودية) تابعة للآخر المهيمن، والذي لا يعني عدم التمرد في حالات خاصة ومحدودة فالعبد هو الآخر يتمرد على سيده ولكن لتحسين السوية والمستوى وظروف الحياة والمعيشة إلى درجةٍ ما لكن من دون أن يتجرأ ويطلب مساواته بسيده، فذاك كفرٌ و(وقاحة) وتمرد.

 

وأيضاً فإن الصديق (عبد الحكيم) وفي مقاله ذاك قد مر سريعاً على عامل الفرقة والبعثرة “بين ولاءات مختلفة ومتنافرة ومتناقضة على حساب وحدة الكلمة والموقف والمصير والولاء القومي”. وكان يمكن له أن يفصٍّل هذا العامل الأهم – بعد عامل “المصالح الاستعمارية”، حسب قراءتنا – وذلك ضمن تلك المحاور التي تجعلنا (فرقاً وشيعاً) متناحرة (أحياناً) ومختلفة في أكثر الأحيان، وذلك من إقليمية – مناطقية؛ (سورانية – بهدينانية) ودينية – مذهبية؛ (آيزيدية – مسلمة، سنية – فيلية) وأيضاً لغوية – لهجوية؛ (كرمانجية – سورانية..) و.. وأخيراً سياسية – قبلية؛ (بارتيين وآزاديين ويكيتيين و.. شيخانيين، آمكيين و.. جقليين) وإلى ما هنالك من الانتماءات و(الهويات المختلفة) والمتصارعة في أكثر الأحيان كما قلنا. حيث الوقوف عند هذا العامل وبنوع من التحليل والنقد اللاذع والجارح ضروري لنا في هذه المرحلة وذلك لتجاوزها إلى الحالة المؤسساتية – المدنية، بعيداً عن روح العصبية القبلية – الحزبية والتي هي (الكفيلة) بتحقيق أماني شعبنا.

 

جندريسه – 2007


الثورة تأكل أبناءها

ليس بمثابة الرد وإنما فيضٌ من خلجات الروح

(الحلقة الأولى و.. ربما الأخيرة)

 

 

 

 

إستهلال:

لقد قرأنا الكثير عن المآسي والويلات التي لحقت بالعديد من المناضلين والسياسيين والكتاب وذلك جراء تخوينهم، ليس من السلطات والجهات المعادية لهم فهذه (أي تخوينهم وتجريمهم من قبل تلك الجهات تعتبر من بديهيات القاموس السياسي الشرقي بالمعنى السلطوي الاستبدادي). ولكن المأساة الحقيقية عندما يُخوَّن ويلفظ السياسي أو الكاتب من (رفاق الدرب) ورفاق الأمس أو من قِبَل من يجدر بهم أن يحتضنوه أيام المحن والمآسي ونعتقد أيضاً بأن العديد منا قد سمع أكثر من قصةً من هذه القصص ولكن بعدما يكون “البطل” قد غُيِّب بفعل الطبيعة البيولوجية الفانية للإنسان و.. أصبح قبره مزاراً للمريدين.

 

ما يشبه المقدمات أو العامل المستفز:

لا ننكر بأننا فكرنا، ولأكثر من مرة، أن نخوض هذا الموضوع وخاصةً في الفترة الأخيرة؛ أي من بعد اعتقالنا في (15/3/2008) والتي أحدثت إنقلاباً جذرياً في حياتنا ولا نبالغ بأن نشبهها بأحداث الحادي عشر من سبتمبر – طبعاً على الصعيد الشخصي والعائلي بالنسبة لنا – ولكن كنا دائماً نصطدم بما يمكن تسميته بـ”الوعي السياسي الذاتي والجامد” وبأن المرحلة لا تتحمل الخوض في مثل هذه القضايا الحساسة؛ كون الحزب والقضية الكوردية عامةً وفي غرب كوردستان خاصةً تتطلب التعبئة الجماهيرية القصوى وليس التيأيس ودفع البقية الباقية من الجماهير الحزبية إلى النكوص والقنوط. ولكن الرسالة الأخيرة من (السيد حسين عيسو) كانت بمثابة “الشعرة التي قصفت ظهر البعير” والتي شكلت لدينا – بدايةً – مجموعة من الشكوك والتساؤلات تفضي لسؤال ما زال يحيرنا؛ لما كل هذا الحقد الدفين، ولأي ذنبٍ أقترفناه؟!!!.

 

ولكي لا ندخل القارئ العزيز في دوامة الأسئلة والاستفهامات فها إننا نقدم الرسالة (رسالة السيد حسين عيسو) كما وصلتنا على بريدنا الالكتروني: “السيد بير روستم. أكتب هذه الرسالة لا لأقول تقديرا لتاريخك لأنك كما علمت إنسان بلا تاريخ ولا أقول احتراما لنضالك لأنك تركت أهلك وهربت من أول استدعاء أمني ,ولن أقول احتراما لثقافتك لأنك كتبت قصة لم يقرأها غيرك .أما هذياناتك على مواقع الانترنت فلا تحسبها كتابة وأنا واثق بأن أحدا غيري لم يقرأها وذلك لأني أحاول قراءة ما يكتبه المستجدون أمثالك لمعرفة مستوى كتابات شبابنا الجدد .قلت أنني أحترم شيئا واحدا وهو كونك كرديا لا أتمنى أن يهذي على صفحات الانترنت ويخاطب نفسه بصفة الجمع وينظر لنا ويعرضنا لسخرية الآخرين لقد قلت لك ذلك في ردي السابق الذي أردته أن يكون مهذبا جدا رغم تفاهات ما ذكرت , هل هذا لأنك حين استدعيت الى جهة أمنية تركت كل شيء وهربت لتتحول من هناك الى نمر ينصح وينظر وينادي بالحرية !. أنت تعلم يا سيد بير أن للحرية الحمراء باب لم تستخدمه أنت لقد استخدمت بابا لا علاقة به للحرية ولا حاجة لتكرار ما ذكرت , ثم تكتب عن الثقافة , أقول بصراحة أنني سررت في بداية مقالتك حين قرأت ما كتبته نقلا عن معنى الثقافة وقلت لقد سمع هذا الإنسان نصيحتي وحين أكملت ورأيت مدى الهذيانات التي أدخلت نفسك فيها وجدت نفسي مضطرا هذه المرة أيضا للرد عليك , والمقالة جاهزة عندي وفيها كل ما قيل عنك وعن الرعب الذي أصبت به كما قاله كل الذين يعرفونك حتى من رفاقك ثم تنمرك اليوم وادعاؤك الكاذب الا أنني فكرت لماذا نحول كتاباتنا الى تفاهات يستهزئ بها الآخرون ولذا أردت الكتابة مباشرة اليك حتى تحاول في المرة القادمة أن تكتب على مستواك ولا تعرضنا ككرد الى سخرية الآخرين .أعود مرة أخرى لأقول بالله عليك هل فهمت ما ذكرته عن الثقافة حين كتبت حول انقرض المثقفين ألم تسمع عن محمد موسى الذي استعي (أستدعي – نعتقد أنه خطأ مطبعي) عشر مرات ثم أودع السجن وبعد شهرين خرج وكانت الاستقبالات له بالآلاف فلو فعل مثلك لكان حرمنا من المناسبة السعيدة باستقباله بين أهله مرفوع الرأس وغيره المئات والآلاف فهل انقرضت الثقافة بهربك طبعا لا  أعتقد لو أنك فهمت معنى الثقافة لما كتبت ذلك الكلام وختمتها بالحرية ……………………ثم الحرية فهل أسلوبك يجلب الحرية .أخيرا نصيحتي لك أقرأ……. ثم اقرأ لتعرف كيف تكتب .حسين عيسو  كاتب سوري كردي مستقل”. نقطة وأنتهت الرسالة و.. شاباش للكوردايتي وللكورد وكوردستان، (الجملة الأخيرة هي لنا وليست له).

 

لن ندخل – عفواً سأكتب بضمير المفرد وليس الجمع لكي لا يتحسس (الأخ حسين)، مع العلم وكل الأصدقاء والأخوة الذين أراسلهم يعرفون أنني أستخدم في مخاطبتهم ضمير الجمع وليس المفرد إن كانت بالنسبة لهم أم لي؛ زيادةً في التقدير والإحترام والذي لا يحترم ذاته لا يمكن أن يحترم الآخرين – المهم.. سوف أستخدم في رسالتي/مقالتي هذه ضمير المفرد عندما أتحدث عما يخصني بينما للآخرين – ومنهم (الأستاذ حسين عيسو) – سيكون لهم ضمير الجمع. قلت وأكرر لن أدخل في متاهات وتفاهات الدفاع عن نفسي و”تاريخي/اللاتاريخ” – حسب توصيف (الأخ حسين) ولكن وفقط للتاريخ ولمن لهم تواريخ وسجلات ودوسيهات التاريخ نقول: قليلاً من الإنصاف والموضوعية والمحبة، عوضاً عن كل هذا الحنق والحقد والضغينة التي (تلونون/تسودون) بها تاريخ الآخرين.

 

بما يمكن أن يوصف بالمتن:

(أخي العزيز حسين عيسو).. قبل سنتين ونصف تقريباً – وأعذرني إنني أعود للتاريخ، أو على الأقل أسمحوا لنا أن يبدأ تاريخي من ذاك اليوم – وتحديداً نوروز عام (2006) وذلك عندما قررت أن أنخرط مجدداً في العمل السياسي الميداني (الحزبي)، كوني وبعد إنقطاع عنها (عن العمل الحزبي) دام أكثر من خمسة عشر عاماً ومن بعد نكسة وتفتيت (حزب الاتحاد الشعبي الكردي في سوريا) والذي كنت عضواً فيه لمدة عشرة أعوام (1980-1990) ولجوئي للكتابة الأدبية – القصصية وغيرها من الأجناس “والتي لم يقرأها غيري” – نعم.. في ذاك النوروز قررت أن أنضم لصفوف الحزب الديمقراطي الكردي في سوريا (البارتي) وقد بيّنتُ الأسباب؛ أسباب إنضمامي لهذا الحزب في العديد من المقالات التي كتبتها في هذه السنتين والنصف – أستميحك عذراً (أستاذي العزيز حسين عيسو) على هذه الهفوة – نسيت بأن تلك المقالات ليس إلا “هذيانات على مواقع الانترنت” لذلك فلا “أحسبها كتابة” كونك “واثق بأن أحدا غير(ك) لم يقرأها”، مع جزيل الشكر والإمتنان لشخصكم الكريم بأن أعطيتم تلك المقالات (التافهة) بعضاً من وقتكم الثمين والنفيس.

 

ومن هنا؛ من إنضمامي لصفوف (البارتي) أشتدت المعاناة – حيث كانت هناك قبلها الضغوط الأمنية والاستدعاءات ولعشرات المرات وبكل فروعها وذلك نتيجةً لمشاركاتي في الفعاليات الثقافية والمنتديات، إن كان في داخل سوريا أو خارجها وخاصةً في إقليم كوردستان (العراق) و.. لكن هذا أيضاً تاريخ وأنا رجلُ (بلا تاريخ) فلا يحق لي التحدث في قضية غير موجودة أساساً ومنكم السماح مجدداً.. (أستاذي العزيز) – نعم.. منذاك اليوم بدأت المشاكل والمعاناة وخاصةً بعد إنتخابي كعضو إحتياط في اللجنة المركزية وذلك في المؤتمر العاشر للحزب، إن كانت مع الأطراف والكتل السياسية الأخرى (أحزاب كوردية) أو مع السلطات الأمنية في البلد وحتى مع قوى المعارضة السورية الداخلة في إئتلاف (إعلان دمشق)؛ كوني كنت أمثل الجبهة الديمقراطية الكوردية، مع زميل آخر أحتفظ بحق إخفاء أسمه لدواعي أمنية. ولكن تفجرت أكثر (أي المعاناة) بعد إنعقاد المجلس الوطني لقوى إعلان دمشق والاستدعاءات الأمنية والتي شملتني أيضاً كوني كنت مشاركاً ولن أقول بفاعلية أو دونها والتاريخ سيكشفها، مع أن الجهات الأمنية وبتلك الاستدعاءات قد كشفت عن المستور والمخبأ؛ فكان هناك بحدود (163) عضو مشارك فلم يستدعي إلا أقل من خمسون مشاركاً فهل سألتم أنفسكم لما أستثني البقية الباقية، ولا نخون أحد، بل نبحث عن مسألة الفاعلية.

 

كانت تلك بداية الضغط الأمني الأكثر حقداً وشراسةً معي والذي تفجر في (15/3/2008) باستدعائي إلى فرع الأمن الجوي بحلب وحجزي ثمانية أيام في منفردة (ثلاث في حلب وخمسة في فرع التحقيق بدمشق) وذلك على ذمة التحقيق، ولن أقول ماذا جرى معي في الجلسات الثمانية مقيد اليدين معصوب العينين، بل إن (المشوار الأمني) من حلب إلى دمشق كان كذلك وذلك عندما أيقظوني في الثالثة صباحاً في فرع حلب ليودعوني فرع التحقيق في مزة بدمشق. ولكن فقط أود أن أقول لكم جملة قالها نائب رئيس الفرع؛ حيث هو من كان يحقق معي في كل الجلسات ما دون الأخيرة والتي حضرها مع رئيس فرع التحقيق وبزبانيته وأسواط الريح لـ(بساط الريح) – حيث قال، من بعد ما ضرب بكلتا يديه على الطاولة – وهذه أستنتجته من خلال حاسة السمع وليس الرؤية، كوني كنت معصوب العينين – نعم.. صرخ كأي جلادٍ في هذا العالم البائس التعس: “يا (…) أمامي ألف صفحة وصفحة مطبوعة من كمبيوترك الشخصي وأنت تهاجم النظام فيه” – حيث كان الكومبيوتر قد صدر بعملية مداهمة البيت وما زال مرهوناً لدى تلك الجهة الأمنية – وهنا أود أن أقول: (مرحى وبارك الله) في نظامٍ أمني يقرأ للمعارضة، بينما من يُجدر بهم أن يقرؤها هم بغافلين عنها، ولكن لا بأس هناك من قرأها، ألا وهو (السيد حسين عيسو).

 

نعم (ياسيدي).. لا أخفيكم ولا أخفي على القراء الأعزاء بأنني عشت حالات رعب حقيقية – تعتبرونها ضعفاً جبناً فأنتم وضمائركم وسجلاتكم التاريخية كفيلةٌ بالإجابة عليها وعلى غيرها من الحالات الإنسانية – بل أصارحكم أكثر بأنني (تعهدت أن أبقى بعيداً عن السياسة والعمل الحزبي الميداني ولسوف ألتفت إلى عائلتي ولتأمين عيشٍ مقبول لطفلتي) ولكن وعلى الرغم من ذلك (التعهد) طُلِبَ مني وبكل وقاحة وجلافة أمنية أن “أتعامل معهم” – طبعاً ليس في بيع الزيت والسماد، بل أمنياً – وعندما رفضت – وهذه ليست للمتاجرة السياسية، وإلا كنتُ الآن بين أهلي ورفاقي وعلى رأس عملي التجاري وكذلك السياسي وليس الأمني، وربما هو أيضاً، وبالتالي (أُستُقبِلتُ) إستقبال الأبطال والفاتحين لديار كوردستان وما أدراك ما الـ(كوردستان)، وهنا أيضاً لا أخون أحداً (معاذ الله) – نعم.. عندما رفضت ذلك قالوا بالحرف: “سوف نخلي سبيلك الآن وعليك بعد عشرة أيام بمراجعة فرع حلب، وإلا فسوف يكون لنا معك حديث وأسلوبٌ آخر”. وهنا لربما يقول قائل: “هذه للترهيب والتخويف” وأنا أوافقه تماماً، ولكن سؤالٌ لا بد منه: أيعقل أن تتغافل الجهات الأمنية مع من يشكل خطراً حقيقياً عليهم وتجربة قيادة إعلان دمشق وغيرهم من الكتاب والناشطين ومحاكمتهم و(إدانتهم) وزجهم في الزنازين ماثلةٌ أمام الأعين.

 

ففي ظل أنظمة القمع والاستبداد تنعدم أوكسجين العمل والنشاط السياسي الحقيقي والفاعل، وليس للمناضلين إلا المعتقلات والمنافي – ولا أعتبر نفسي من بينهم، إنما كل ما هنالك إنني حاولت وما زلت أن أفتح كوة، مع الآخرين، في جدار الصمت السياسي الكوردي – وربما يقول قائلٌ آخر: “إن كانت تلك حقيقة الأنظمة الاستبدادية الأمنية، فلما أخلي عنك”. وهنا لست في صدد الدفاع عن النفس بقدر ما أدافع عن قيادات الحركة السياسية الكوردية وكوادرها؛ حيث جلهم إن لم نقل كلهم مكشوفون للجهات الأمنية ودون أن يستدعي أكثرهم لأي جهة أمنية. فالموضوع بحاجة إلى الدرس والتدقيق والبحث عن الأسباب (أسباب عدم إعتقالاهم كغيرهم من الفعاليات والكوادر)، وربما الإجابة تكمن في إنتفاضة الشارع الكوردي لعام (2004) والمثال الأخير لاعتصام دمشق (2/11/2008) والاعتقالات التي تلتها ثم الإفراج عن المعتقلين وفي نفس الليلة خير شاهدٍ ودليل.

 

أخيراً أود أن أقول لكم (ياسيدي المثقف) بأنني أتمنى أن أكون بين أهلي وناسي جثة هامدة ولا أن أعيش في (جنة كوردستان) – بإقليم كوردستان العراق – وأنا شاهدٌ على إختناقات إبنتي من البكاء حسرةً ولوعةً على فراق الأهل والخلان وزميلاتهن في الدراسة – صدقاً ودون منمقات أدبية وقبل أن أكتب رسالتي/مقالتي هذه، بكيت بحرقة وصمت وأنا أُدخل إبنتي التي لم تتجاوز العاشرة من عمرها؛ (STÊR) إلى سريرها وعلى ملامحها حزنٌ عميق – ناهيك عن معاناتي وزوجتي وعائلتي خلال هذه الأشهر التسعة الأخيرة والخوف والرعب الذي عاشوه وما زالوا وكذلك عن المسألة المالية والتي كلفت أهلي إلى الآن ما يقارب الدفتر – على قول العراقيين، وللعلم أن الدفتر في البورصة العراقية تعني (10) عشرة آلاف دولار أي ما يقارب نصف مليون ليرة سورية.. – نعم، إنني أخاف الأمن السوري فإن كنتم بغير خائفين فألف تحية لكم (يا مناضل). ولكم الكلمة الأخيرة: لستُ بحاقدٍ عليكم ولكنني حزينٌ لأجلكم.

 

ملاحظة أخيرة:

سوف تكون هذه الحلقة الأولى والأخيرة، على الأقل في هذه المرحلة، ولن أتحدث عن المعاناة التي لقيتها في (مشوار) المنفى إلى أن وصلت إلى إقليم كوردستان، وهناك الكثيرين الذين عاشوها معي.. وذلك لدواعي سياسية حزبية بحتة.

 

 

 

إقليم كوردستان – هولير

2008

 

 


زمن الانقلابات

بين خدام و بريمو

 

هل انتهينا حقيقة من عصر وأزمنة الانقلابات على السلطة ورفاق الأمس؟ وهل فعلاً نحن السوريون تجاوزنا حقب البلاغات العسكرية وصوت المذيع السوري وهو يتلو على مسامع آبائنا بل أجدادنا أسماء حكومة “الثورة”؛ كون آخر انقلاب عسكري ومدعم بالدبابات والبلاغات العسكرية، كان على زمن الأجداد وليس الآباء. هذه الأسئلة وغيرها راودتنا في الفترة الأخيرة وخاصة عندما أعلن السيد عبد الحليم خدام من منفاه في باريس، “تمرده” على الأسياد والرفاق السابقين؛ أسياده في دمشق. وها هو اليوم “رفيق” آخر يشق عصا الطاعة “ويتمرد” على سيده ورفيق نضاله ويتحفنا ببيان أو بلاغ رقم (1) لا فرق فالعقلية واحدة والمغزى واحد.

 

إن الأستاذ نوري بريمو؛ عضو اللجنة السياسية في حزب الوحدة الديموقراطي الكوردي – يكيتي – وأخيراً، ضرب بكل الموازين والأعراف والبروتوكولات والقرارات الحزبية بعرض الحائط بعد أن “طفح الكيل وبلغ السيل الذب” كما يدعي هو وليس نحن. إن “تمرد” السيد نوري – على الرغم إنه يود أن يعلنها انشقاقاً، تماماً كما فعل من قبله السيد عبد الحليم خدام – يشبه إلى حد بعيد، وإن اختلفا بالدرجات على سلم ريختر للاهتزازات السياسية في الشرق الأوسط، “تمرد” هذا الأخير وذلك بعد أن لفظه أسياده السابقين وتأكد بأن لا نصيب له في “الكعكة الجديدة”. فالاثنان شاركا هذه القيادة ولمدة ثلاثة عقود ونيف في رسم سياسة هذه الجهة أو تلك وكل من موقعه ولكل حسب حجمه وإمكانياته.

 

وها هما الآن وبتوقيت جد متقارب يعلنان “تمردهما”، لا بل يلوحان بأوراق التوت ويكشفان – العورة – المستور والمخفي، لعلهما يكسبان جولة في هذا السباق الماراثوني نحو الزعامة والقيادة. فكلاهما يعلنان بأنهما خدما الحزب والقيادة و”الشعب” كجنديين مجهولين وفي أكثر الأحيان كانا يتغاضيان عن أخطاء القيادة خوفاً على وحدة الحزب وسلامة البلد ولكن وبين ليلة وضحاه يكتشف كلاهما بأن هذه القيادة قد أودت بالبلاد والعباد إلى حافة الهاوية، فها هم رفاق السيد خدام – ودون أن يتحمل هو وزر تلك المرحلة – قد أودوا بالبلد إلى حد الكارثة في مسائل الفساد والقمع وحتى جرائم الاغتيال السياسي؛ اغتيال رفيق الحريري وها هو الآخر؛ الأستاذ نوري بريمو يتهم رفيق الأمس عدو اليوم بأنه؛ “المدسوس بدهاء (كما عصابة الكفّ الأسود) وسط حركتنا الكوردية منذ أكثر من خمسة وثلاثين عاماُ…!؟، عمل خلالها بشكل خفي على إختلاق مختلف الإنشقاقات والفتن والأزمات بين أحزاب وفعاليات مجتمعنا…!”. وذلك دون أن يجيبا على سؤال جد بسيط ربما يبادر إلى ذهن المواطن السوري عموماً والكوردي في الحالة الثانية؛ ما كان دوركما في تلك المرحلة.

 

لا يعرف عنا إننا محامو “الشيطان”، ولم ولن يوكلنا أحد من أقطاب الطغيان للدفاع عنه؛ لأنه وبكل بساطة ننتمي إلى الضفة الأخرى. ولكن لا نريد أن نخدع للمرة الثانية؛ الأولى عندما كنتم في موقع المسؤولية وكنتم تدافعون عن هذه الرموز الحزبية بل ها هو السيد نوري بريمو يقول: “أنني قد أفنيت كل سنوات عمري خدمة للحزب وقدّمت له مختلَف التضحيات الصحية والمالية والمجتمعية”. فالذي يفني كل سنوات عمره مدافعاً عن الحزب والقبيلة لا بد إنه كان يدافع عن زعيم القبيلة والحزب أيضاً، بل يا سيدي كنتم تضربون وما زلتم بسيوف القبيلة وتدقون أعناق أبناء القبائل الأخرى، وفقط إن تطاول أحدهم ونال من الزعيم بشيء. فما الذي غيركم من حال إلى حال؟.

 

وهذه الثقافة؛ ثقافة “لعن الإبليس”، أي طرده من الجنة بعد أن رفض السجود لآدم وهو الذي كان كبير الملائكة، ليست حكراً عليكما أو على قبيلتكم – حزبكم، بل هي جذر المشكلة في هذه العقلية المأزومة، إنها أزمة فكرية وبنيوية في العقل الأحادي – الاستبدادي فإما أن تخضع لكل القرارات والفرمانات أو عليك “اللعنة”. فكما المؤمن في الإسلام يعبد الإله الواحد الأحد ويخضع لإرادته بطاعة عمياء ودون أن يراود ذهنه أي أسئلة تتعلق بجوانب الشك من مسائل العبادات والخضوع والخنوع، ناهيك عن مواضيع الخلق والوجود والكون. فإن الرفيق – المؤمن كذلك عليه أن ينفذ أوامر الإله – الزعيم الأوحد دون نقاش وليس اعتراض. هذه هي أساس العلاقة بين السيد والعبد ومفهوم العبودية كما مفهوم الديموقراطية لا يتجزأ؛ فالذي يقبل أن يكون عبداً لفكرة أو إله سيقبل أن يكون عبداً لزعيم قبلي أو سياسي – حزبي. فإذا أردنا حقيقة أن نتخلص من هكذا طغيان وزعامات لا يكون الحل أن نبدل أحدهم بآخر وبالتالي تستمر آلة السلطة في إنتاجها للاستبداد والإقصاء وقطع الأعناق.

 

المسألة الأخرى والتي نريد التأكيد عليها هي؛ أنه ومنذ أن عرف الإنسان “فضل القيمة” بدأ المجتمع بالخروج من الحالة الأمومية – المجتمع الأمومي- الإحتضاني إلى ما يعرف بمجتمع الطبقات؛ فهناك العامة والخاصة، السيد والعبد. وفي السياسة والتي هي أحد تجليات البنية الفوقية للمجتمعات، هناك اثنان يعملان في السياسة؛ الأول وهم الخاصة – طبقة النبلاء الجدد – أو ما يمكن أن يعرف “بمحترفي السياسة”؛ ويتمثل في الزعيم أو السكرتير العام – ومن الأفضل أن يسموه السكرتير الخاص، وهذا اقتراح للحركة السياسية الكوردية بأن يغيروا أسماء سكرتيرياتهم من العام إلى الخاص – وأيضاً جماعة الزعيم الخاصة من الصف الأول وبعض ممن هم في الصف الثاني، والذين هم من جهة أداة رقابة وتجسس الزعيم على من هم في الصف الأول، ومن جهة أخرى هم المرشحون والبدائل لاحتلال مقاعد الصف الأول والمهددون بهم دائماً وأبداً.

 

فهؤلاء أي المنتمون إلى الصفوف الأولى وأولهم الزعيم بالطبع، يمارسون السياسة على أنه لا أصدقاء ولا أعداء دائمون، بل هناك مصالح دائمة وما مسائل الفكر والمبادئ والنظريات والرفاق والمريدين والجماهير إلا وسائل وتكتيكات في خدمة إستراتيجية هذه المصالح، مصالحهم هم وحسب رؤاهم وقراءاتهم وهنا “الغاية تبرر الوسيلة”. أم أبناء الصفوف الأخيرة، أو ما يمكن أن يقال عنهم “هواة السياسة” أو ما يعرف بالعامة والرعاع أو بالجماهير الكادحة فهم كانوا دائماً وأبداً وقوداً لمصالح ومعارك هؤلاء الذين في الصفوف الأولى وعليهم الطاعة العمياء.

 

لكن ما الذي دفع بإبليس على التمرد على إرادة الإله، بل ما الذي جعل الإله أن يطلب من كبير ملائكته؛ إبليس والمخلوق من النار أن يسجد لآدم المخلوق من الطين والصلصال، والنار أرفع شأناً وسمواً من الصلصال، وألم يكن يعلم بأنه لن يسجد لآدم وكانت هي بالأساس خديعة إلهية للإيقاع بإبليس وبالتالي يكون مبرراً للعقوبة. إذاً هي خديعة ومكر إلهي؛ “ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين”، فهذه هي السياسة قديمها وحديثها، كل يخادع ويلعب، إن كان من فوق أو تحت الطاولة، وعليك أن تكون بهلواناً و إلا فسوف يدق عنقك وأنت تهوي من فوق الحبال التي كنت ترقص عليه. وها هما لاعبان من لاعبي الصفوف الأولى، بل أبرزهم وكل من موقعه يرمي بنفسه إلى “وادي هنوم”؛ جحيم الآلهة والزعامات الأبدية بعد أن مكر وخطط لهم من قبل الإله – الزعيم وللإيقاع بهم.

 

وأخيراً نتساءل مع المتصوفة والتائهين والمشردين، على أبواب الجنة والجحيم، ما الحل؟ وذلك قبل أن نقول ما العمل؟. هل هو في تبديل إله بإله آخر وبالتالي أن نحطم جموع الأصنام هذه كما فعل محمد عندما دخل مكة؛ “بيت الله” ورأى جموع الأصنام – الآلهة، فأخذ بعصاه وبدأ بتحطيمهم وهو يقول: “جاء الحق وزهق الباطل” إلى أن أبقى على إله أبيه؛ “الله” وجعله إلهاً واحداً أحد لا شريك له، وكان الاستبداد والرأي الواحد والحزب الواحد والقائد الأوحد. أم أن نتمرد على طريقة “إبليس” ويكون مصيرك كمصيره الطرد من الجنة، من الحزب لتقوم بتشكيل حزبك الجديد، لتقوم أنت الآخر بطرد غيرك من الحزب – الجنة التي أوجدتها على مقاسك، وهكذا تستمر دورة العنف والإقصاء ونفي الآخر، كما في الحالة الأولى وإن كانت بأوجه وزعامات أخرى. أو تكون خانعاً خاضعاً على طريقة آدم وبنيه لتستمر في تفريخ المدجنين والمصفقين بحياة الملك. وهناك أيضاً كهوف أو أبراج الكهنة والعلماء والمثقفين المتصوفة والاعتكاف فيه وأنت تفلسف الحياة عوضاً عن أن تعيشه وهذه تؤدي بك إما إلى الجنون أو الكفر والإلحاد بكل شيء.

 

إذاً.. أليس هناك الخلاص من هذا الجحيم، من دائرة القبيلة والحزب والانغلاق والتقوقع حول الذات الإلهية؟ أليس من سبيل إلى تقبل الآخر، المختلف والمتمايز عنا، في الجنة الواحدة، في دائرة حزبية واحدة؟. إننا نعتقد، ومن خلال تجربة الشعوب التي سبقتنا إلى القرن الحادي والعشرون وجوداً وحضارتاً وليس فقط كائناً وفضاءً مفروضاً عليه، بأن الحل يكمن في العقلية المؤسساتية المبنية على أن الاختلاف والتعددية تغني الوجود والحياة، وبأن الرأي والرأي الآخر وقبول هذا الآخر والحوار معه، هي الطرق الكفيلة بحل كافة المشاكل والمسائل العالقة، إن كان على مستوى الأفراد أو الشعوب، وأنه لا بديل عن الحريات العامة والديموقراطية، للوصول إلى بر الأمان. أي أن يكون هناك دولة قانون ومؤسسات وليست مزارع خاصة أو حزب القبائل، على شاكلة أحزابنا التي بدلت المسميات القبائلية – العشائرية بالأسماء الحزبية وذلك من دون المساس بالجوهر والمفاهيم.وبالتالي فإما أن ندخل حقيقة إلى القرن الحادي والعشرين بمفاهيم هذا القرن أو نبقى أسيري القرون ما قبل الوسطى الكهفية، بكل ما تحمله من عنف واستبداد ونعيد قصة “مأساة إبليس” بصياغات وأشخاص جدد. وهكذا سوف نجد الكثيرين على شاكلة نوري بريمو وعبد الحليم خدام وهم يسقطون من الفردوس الإلهي في أودية الويل وبين براثن برلمانات الفساد والظل وهم “يكتشفون” ولأول مرة فساد هؤلاء الساقطين من الفراديس، ونقول آخراً: نتمنى من الأخوة في حزب الوحدة الديموقراطي الكوردي – يكيتي – أن لا يعيدوا المسرحية الهزلية، والتي كانت قبة البرلمان السوري مسرحها، إلى أذهاننا وهم يتهمون رفيق الأمس بأسوأ وأبشع النعوت والصفات، ولنكن ولمرة واحدة أن نكون موضوعيين ومنصفين في قراءتنا للأمور والوقائع، و لربما تكون هي البداية الحقيقية في انطلاقتنا الجديدة نحو مبادئ الفكر والعقلانية وبناء المؤسسات المدنية وليست المؤسسات القائمة على الفكر والولاء القبلي – الحزبي.   

 

   

 

جنديرس – 2006.           

 

       

          


الطبل

 

 

 

 

 

أسوأ ما في الأمر أن لا يفهمك الآخر، وذلك عندما تتناول موضوع ما وتحاول أن تبحث في جذور المشكل – العلاقة بين ما هو راهن وواقع تعيشه وبين أسس وبنى هذه الإشكاليات – الضاربة بجذورها في عمق التاريخ والنصوص المقدسة – والتي نعاني منها؛ إن كان على المستوى النصي أو على مستوى العلاقات الإنسانية – الإنسانية وفي كل الجوانب والنواحي، إن كانت اقتصادية أو اجتماعية أو سياسية (ثقافية – معرفية). فعندها تكون الكارثة الكبرى، والقطيعة والأحكام المسبقة هي سيدة الموقف.

 

فعندما تناولنا موضوع السيد نوري بريمو؛ عضو اللجنة السياسية في حزب الوحدة الديموقراطي الكردي – يكيتي – عرفنا إننا بصدد موضوع جد حساس وذلك لأسباب عدة، لسنا بصدد بحثها ودراستها. ولذلك توخينا الحذر بأن نكون موضوعيين ومنصفين قدر ما يمكن، هذه من جهة أما من الجهة الأخرى فإننا بحثنا – وكما أسلفنا – في جذر المشكل – العلاقة وذلك لكي نبتعد، وأيضاً قدر المستطاع، عن المسائل والحساسيات الشخصية، ولكن يبدو أن هناك من يحاول دائماً أن يشخصن الأمور والمسائل الإشكالية وأن يجعلنا طبولاً للآخرين؛ وها هو أحدهم يحاول أن يجرنا إلى هكذا مواقع.

 

بداية لا أعلم لما يطلب هؤلاء السادة منا أن نكون بطيئين وبليدين، وذلك في عصر السرعة وثورة المعلوماتية، وهم يقولون ويكررون هذه العبارة؛ “مهلاً أيها السادة”، بل ها هو الأخير يكتب “ألهذه الدرجة كنت على عجلة من أمرك، كي تنشر مقالك بعد يومين من صدور بيان نوري بريمو!؟”. لا نعلم ما هو الغريب أن ننشر مقالنا بعد يومين من بيان نوري بريمو، أكان علينا الانتظار لتبيان مواقف “القيادات” الكوردية ومن ثم ندلي بدلونا وبالتالي نكون طبولاً لغيرنا، أم ليس لديه القدرة بعد على أن المعلومة لا تحتاج إلى الحمام الزاجل لتصل إلينا بعد أشهر وأيام، مع العلم أنه هو الآخر قد رد علينا بعد يومين وهذا ليس بغريب في زمن الانترنت.

 

إن هذا السيد قد وقف عند مجموعة نقاط – سماها هو مغالطات – وسوف نتناولها الواحدة تلوى الأخرى. أولى هذه النقاط أو المغالطات حسب رأيه هو؛ “المقارنة الغير موفقة والمجحفة ما بين خدام ونوري بريمو”. عندما قرأنا هذه الجملة قلنا: إن للرجل بعض الحق، فكل من هؤلاء السادة ينتمي إلى ضفة أيديولوجية مختلفة وهنا يكمن بعض الإجحاف عندما نقوم بالمقارنة بين الاثنين، على الرغم إننا نوهنا في مقالنا ذاك؛ “زمن الانقلابات بين خدام وبريمو” إننا ندرس العقلية الكامنة وراء هذه الانقلابات وليس الحالة الراهنة. لكن وبعد أن أكملنا الجملة، اكتشفنا أن الرجل لا يعطي لهذه النقطة أية أهمية بل كان جل اهتمامه واستغرابه؛ إننا جعلنا سنوات السيدين نوري بريمو و عبد الحليم خدام في القيادة متساويتين وهذا ما استنكره علينا ولذلك كتب؛ “يبدو لي أن هناك احتمالين وراء كلامه هذا. الأول: إما أن بير رستم ليس على اطلاع تام على الحياة السياسية للمناضل نوري بريمو مع أن هذا الأخير ابن منطقته، فسنين بريمو في قيادة حزب الوحدة لا تتعدى عدد الأصبع الواحدة، فمن الذي هوس في إذنه وقال له بأن بريمو قيادي منذ ما يقارب 35 سنة؟ الاحتمال الثاني: أنه وضع عمداً أمام كل سنة من سنين وجوده في قيادة حزب الوحدة نقطة (.) فأصبحت كل سنة عشر سنين“.

 

لنلاحظ أولاً هوس هؤلاء بمفاهيم الخيانة والإدانة والتجسس؛ لا يا “سيدي” لم يهمس – وليس يـ”هوس” أحد في أذننا – بأن عدد سنين نوري بريمو هي ثلاثة عقود ونيف بل هو الذي قال في بيانه؛ “وبعد أن خضت تجربة نضالية غنية تمتد إلى أكثر من ثلاثة عقود زمنية من العمل المتواصل في صفوف الحركة الكوردية (إبتداءً من البارتي ـ مروراً بحزب العمل ـ وصولاً إلى اليكيتي)”. فالذي يمضي كل هذه السنوات من عمره في الحركة السياسية الكوردية وخاصة عندما يكون أحد رموز الانشقاق سوف يحتل المراكز القيادية ومنذ البداية، وكوننا أبناء منطقة واحدة – كما نوهت أنت – فإننا نعلم جيداً بأن الأخ نوري بريمو ومنذ انشقاق حزب العمل عن البارتي هو أحد قياداته، وبالتالي فسنواته في القيادة تتجاوز أصابع اليد الواحدة بكثير – وليس عدد الأصبع الواحدة كما قلت – ولعلمك إن عضو اللجنة المنطقية يعتبر من القياديين وليس فقط عضو اللجنة السياسية كما فهمت معنى القيادة.

 

الملاحظة أو “المغالطة” الثانية والتي يأخذها علينا هي؛ “ترى عن أية موازين وأية أعراف وبروتوكولات وقرارات حزبية يتكلم كاتبنا؟ وهو الذي خارج الحركة القومية الكردية برمتها! فهو طيلة سنوات عمره التي تتجاوز الخمس والأربعين لم يدخل خيمة الحركة القومية الكردية ( وهو حر بطبيعة الحال ) إلا بضعة أشهر عندما كان طالباً في الصف الثاني عشر، لا بل والحق يجب أن يقال أنه في الوقت الذي كان بريمو ورفاق حزبه ومجموع أعضاء فصائل الحركة القومية الكردية يقارعون أعداء القضية الكردية في الجزء الكردستاني الملحق بسوريا كان كاتبنا يشرب الخمر و… “. إنه هنا لا يخرج عن مبادئ الآداب فقط وإنما يتجنى على الحقائق والتاريخ؛ فمن جهة ولعلمك، الحركة القومية الكوردية لا تعني فقط الأحزاب والحركة السياسية وإنما هي مجموع الفعاليات والقوى التي تكون مجموع الحراك الشعبي – الجماهيري؛ من قوى وفعاليات اقتصادية، سياسية، ثقافية ومعرفية ومنظمات مدنية – حقوقية والمهتمة بالبيئة والحيوان و.. الخ. أي كل القوى التي تحرك التاريخ البشري لمجموعة عرقية ما، تعتبر الحركة القومية لها، ومن جهة أخرى إنك تتجنى على تاريخنا الشخصي، ولن ندخل معك أو غيرك في مزاودة على بطولاتنا النضالية، فلقد تركنا لك ولأمثالك هذه البطولات، ولكن – وعلى الأقل – كان الأجدر أن تقول الحقائق كما هي؛ “فدخولنا تحت خيمة الحركة القومية الكردية” – كما تفهمها أنت – أكثر من ذاك التاريخ الذي ذكرته بكثير، بل هي بسنوات يا “سيد” وليس بأشهر كما أدعيت. أما مسألة شربنا “للخمر و.. ” فإننا نترفع عن الرد عليه.

 

وأما ما يتعلق بـ”المغالطة الثالثة” فسوف نكتفي بالاقتباس من مقالنا السابق وما كتبناه بصدد إدارة الصراع والخلاف مع الآخر والحلول المطروحة للخروج من هكذا أزمات وما يقوَلنا هذا الرجل بعد أن يجزأ النص ويلعب بالتراكيب بحيث يتغير المعنى والمراد. إننا كتبنا في مقالنا “زمن الانقلابات” بهذا الصدد ما يلي؛ (وأخيراً نتساءل مع المتصوفة والتائهين والمشردين، على أبواب الجنة والجحيم، ما الحل؟ وذلك قبل أن نقول ما العمل؟. هل هو في تبديل إله بإله آخر وبالتالي أن نحطم جموع الأصنام هذه كما فعل محمد عندما دخل مكة؛ “بيت الله” ورأى جموع الأصنام – الآلهة، فأخذ بعصاه وبدأ بتحطيمهم وهو يقول: “جاء الحق وزهق الباطل” إلى أن أبقى على إله أبيه؛ “الله” وجعله إلهاً واحداً أحد لا شريك له، وكان الاستبداد والرأي الواحد والحزب الواحد والقائد الأوحد. أم أن نتمرد على طريقة “إبليس” ويكون مصيرك كمصيره الطرد من الجنة، من الحزب لتقوم بتشكيل حزبك الجديد، لتقوم أنت الآخر بطرد غيرك من الحزب – الجنة التي أوجدتها على مقاسك، وهكذا تستمر دورة العنف والإقصاء ونفي الآخر، كما في الحالة الأولى وإن كانت بأوجه وزعامات أخرى. أو تكون خانعاً خاضعاً على طريقة آدم وبنيه لتستمر في تفريخ المدجنين والمصفقين بحياة الملك. وهناك أيضاً كهوف أو أبراج الكهنة والعلماء والمثقفين المتصوفة والاعتكاف فيه وأنت تفلسف الحياة عوضاً عن أن تعيشه وهذه تؤدي بك إما إلى الجنون أو الكفر والإلحاد بكل شيء).

 

هذا ما قلناه وهي حالة عمومية لا تقتصر على السيد نوري بريمو وغيره، بل نحن نناقش بنية الأزمة الفكرية في مجتمعاتنا ذات الصفة الشمولية – لكن نعتقد إن هذا الرجل – يحتاج إلى الكثير الكثير لإدراك المعنى من تحليلنا السابق له. نعم كان ذاك ما قلناه، أما ما يورده على لساننا بخصوص هذه المسألة، بعد أن يحرفها، فها هو؛ ” المغالطة الثالثة: التي أوقع نفسه فيها تكمن في الاتهام المسبق لبريمو، وذلك عندما يقول: ((…. لتقوم بتشكيل حزب جديد ويصبح هو الرئيس ويقوم بدره بطرد غيره … ويستمر في تفريغ المدجنين والمصفقين بحياة الملك… )). تصور بير رستم في مخيلته بأن بريمو شق حزب الوحدة لكي يصبح هو الآخر زعيمه الأوحد، بل وديكتاتوره”. وهنا نترك القارئ الكريم ليقارن بين النصين ويحكم بنفسه.

 

أما ما يتعلق بالموضوعية والإنصاف أو ما كتبه في “المغالطة الرابعة” فنقول إننا حاولنا قدر الإمكان أن نكون منصفين وموضوعيين ولم نخوًن أو قمنا بشتم أحد كما فعل غيرنا، بل هم حاولوا أن ينالوا من الخصوصيات الشخصية لنا. وإذا كنت تأخذ علينا؛ على أننا لم نذكر النقاط الإيجابية في بيان السيد نوري بريمو، كأساس لعدم الموضوعية والإنصاف، مع إننا لم نقم بفك وتحليل البنية النصية والدلالية للبيان المذكور وإنما وكما نوهنا، حللنا الذهنية والعقلية الاستبدادية في الشرق، فها أنت أيضاً تأخذ “المغالطات”، والتي أخذتها علينا، وتقوم بشرحها وذلك دون أن تذكر وتحلل نقاط الالتقاء معنا. وهذه ليست أولى تناقضات المفهوم والنص لديك ولا آخرها، وعلى سبيل الذكر وليس الحصر نقول: إنك تورد ومن خلال ردك؛ “فعندما اعتذر إسماعيل عمر عن ترشحه لمنصب السكرتير مرة أخرى، رشح شيخ آلي نفسه ونجح، لكن المؤتمرين لم يقبلوا سكرتيرية شيخ آلي للحزب، فضغطوا على إسماعيل عمر أن يرشح نفسه لمنصب رئاسة الحزب، وهذا ما حدث، وهذا دليل آخر على عدم ثقة رفاق حزب الوحدة بسكرتيرهم الجديد”. لا نعلم كيف استقام الأمر عندكم؛ فمن جهة يرشح السيد شيخ آلي نفسه في المؤتمر وينجح ومن جهة أخرى لا يقبل به المؤتمرين، فمن الذي نجح السيد شيخ آلي إذاً، هذا ما لا نفهمه. وبالمناسبة لسنا ممن يدافعون عن هذا الشيخ أو ذاك الزعيم، بل نريد أن نحلل الوقائع بعقلية باردة ومن دون انفعالات حماسية، وهكذا يتبين من منا هو الانتهازي ويحمل الحقد والضغينة تجاه الآخر المخالف والمغاير، وأيضاً تعلم جيداً إننا كنا وما زلنا على خلاف مع أكثرية القيادات الكوردية، في حين كان غيرنا يتسولون على أبوابهم والآن غيروا أسهم بوصلاتهم باتجاهات أخرى، ومنها هذه القيادة التي تحاول أن تغمز من قناتنا به؛ بأننا نحاول أن نسترضيها ونكسب عطاياها.

 

وبالنسبة إلى “المغالطة الخامسة” والأخيرة والتي نفتخر بها ونود أن تصبح واحدة من الحقائق وإن اعتبرتها “مغالطة”؛ فهي ما تتعلق بـ (يريد أن يخلق من نفسه صادق جلال العظمة ” الكردي”). بالمناسبة أسمه صادق جلال العظم وليس “العظمة”، وإننا نحترم جل كتابات هذا المفكر السوري ولا نخفي إعجابنا ببعض كتاباته ومنها تحليله الرائع “لمأساة إبليس” وهو شرف لنا أن نكون “صادق جلال العظم” الكوردي، مع التأكيد على أننا نريد أن يكون لنا شخصيتنا وخصوصيتنا المعرفية والفكرية ولا نريد أن نكون طبلاً له أو لغيره، نكرر مقولاته السابقة، هذا ما نحاوله وذلك عندما نتناول الفكر الأسطوري – الديني، و لربما ننجح أو نفشل في محاولتنا هذه، وهذه نتركها للتاريخ والأجيال القادمة.

وأخيراً وللحقيقة نقول: إننا عندما أرسلنا مقالنا موضع الإشكال إلى الأخ عارف جابو؛ المشرف على إدارة القسم العربي في موقع عفرين – نت، كان جوابه وكما جائنا من خلال الإيميل ما يلي:  مرحبا ايها العزيز دائما. تحياتي والشكر الجزيل لك.. سلمت يداك على المقال الجميل الذي سينشر الليلة في عفرين  نت… إنني أشاطرك الرأي تماما واشد على يدك والآخرين… كنت قد قررت أن ابتعد تماما عن هذه الأزمة الجديدة وبالتالي ألا ننشر أي شيء في الموقع حول الموضوع بدءا من البيان العسكري رقم واحد وما سيأتينا من ردود عليه أو تأييد له، ولكن المقال الجميل وموضوعيتك قد جعلتني أعيد التفكير والرجوع عن القرار ونشر المقال… هذا والسبب في قرارنا عدم الخوض في الموضوع هو الخشية من دخول البعض من الازلام على الخط وفتح باب المهاترات والسباب وغير ذلك من افرازات ثقافة النفي والشتيمة… مرة أخرى لك الشكر والتحية. عارف”. لقد صدقت يا عزيزي؛ فيبدو أننا لن ننتهي من ذيلية “الأزلام” أبداً، وسوف نكتفي بإجابة الأخ عارف جابو على هؤلاء وهو الذي نشر لأحد هؤلاء “الأزلام” رده علينا سوياً.

………………………………………………………………………………………….

(*) الطبل هي عبارة عن أداة موسيقية شعبية فلكلورية وتصنع من جلود الحيوانات بعد أن تشد ومن الجهتين على خشبة اسطوانية ويضرب عليها إما باليد أو العصا ويسمى بالكوردي “كوبال” ويرافقها عصا أرفع منها في الجهة الثانية ولها؛ أي للطبل صوت عظيم وضخم ولكن يتم بفعل فاعل، أي من خلال الضارب على الطبل أما إذا تركتها لوحدها فلا صوت ولا فعل لها ولذلك يستخدم هذا المثل؛ “إنه كالطبل” لمن يكون صدى لغيره وهي رفيقة الزرنا لكي تدبك عليها في الأعراس الريفية.

جندريس-2006.

 

             

   

     

          

        


دعوة إلى العقلانية

(في قضية محمد سعيد آلوجي)

 

 

 

 

    

 

 

لم نود أن نتطرق إلى هذا الموضوع لاعتباراتٍ عدة؛ أولها أن لا نجعل من القضية مسألة شخصية ونوع من ردود الأفعال الغير عقلانية وبعيدة عن موضوعية الجدال واختلاف الرأي ووجهات النظر، وثانياً أن لا نجعل من أنفسنا طرفاً ثالثاُ أو حكماً في هذه المسألة الخلافية وثالثاً وهي الأهم أن المسألة برمتها لا تتعدى نوع من الخلاف بين كادرين وهما الأخوين عبد الحكيم بشار ومحمد سعيد آلوجي واللذان كانا ضمن كتلة سياسية؛ ألا وهو الحزب الديمقراطي الكردي في سوريا (البارتي) حيث الأول ما زال ضمن صفوف (البارتي) والآخر ما زال يعتبر نفسه من رفاق ذاك النهج والمدرسة السياسية على الرغم من تقديم استقالته وبشكلها العلني وعلى صفحات المواقع الالكترونية. ولكن وبعد خروج القضية من نطاق المسألة الخلافية بين (رفيقين) وكادرين في الحزب وانشغال الوسطين السياسي والثقافي بالمسألة، بل وصول القضية إلى مستوى الرد والرد المعاكس ودخول منظمات الحزب على الخط وبخطابات متباينة أحياناً ومحاولة البعض من الأخوة الكتاب إعطاء القضية أبعاداً أكثر ما تستحق، بل دخول البعض الآخر في مهاترات غير لائقة بسلوكية المثقف والسياسي الحقيقي والتي لا تمت إلى الثقافة والوعي بشيء وأفضل ما يقال عنها (أي عن تلك الكتابات) بأنها نوع من المهاترات والمشاجرات الكلامية الخطابية والتي تزيد من مسافة الفرقة والشقاق ضمن الصف الواحد. وأخيراً ما نشره كل من الحزب أو بعض منظماته وما تم الرد عليه من قبل الأخ محمد سعيد آلوجي وكان أخره التنويه الذي نشره “بخصوص وقف إصدار الحلقات المكملة ل “دفاعاً عن (البارتي). في الوقت الراهن”. وما نأمله أن يكون دائماً وليس فقط “في الوقت الراهن” وذلك للأسباب والاعتبارات التالية:

 

أولاً: إن الخلاف هو بين كادرين وليس مع نهج وسياسة (البارتي) وبالتالي يمكن بحث الموضوع من خلال الإجتماعات الموسعة للحزب من كونفرانسات وغيرها لحل الخلاف. وإذا كان هناك عائقاً من حضور الأخ محمد سعيد آلوجي – قبل تقديم الإستقالة – وحالياً كونه خارج التنظيم، فيمكن أن يرسل بما لديه لمن يجده أهلاً لذلك ونعاهده بأن صوته سيكون مسموعاً في تلك المحافل الحزبية على الرغم من غيابه كحضور شخصي.

 

وثانياً: كون المرحلة دقيقة وحساسة؛ إن كان بالنسبة (للبارتي) أو الحركة الوطنية الكوردية وأيضاً بالنسبة للقضية الكوردية إجمالاً وهكذا فنحن بحاجة إلى جهود وإمكانيات الجميع في هذه المرحلة، كما نوه إلى ذلك الأخ محمد سعيد بنفسه في مقاله السابق الذكر.

 

وثالثاً: وهو الأهم برأينا؛ كون الأخ محمد سعيد ما يزال (مؤمناً) بنهج (البارتي) وبالتالي يمكن اعتباره ما زال رفيقاً وأخاً وضمن صفوف هذا النهج وأيضاً الكتلة السياسية، ألا وهو الحزب الديمقراطي الكردي في سوريا (البارتي) وذلك على الرغم من اعتزاله العمل التنظيمي وتقديم الاستقالة ولكنه بالتأكيد لم يعتزل العمل السياسي كونه يؤكد بنفسه على ذلك.

 

ورابعاً: ما يتعلق بنهج (البارتي) والذي يعرف عنه التسامح والمصالحة مع الجميع من أحزاب وكتل سياسية مختلفة والتي تتشكل منها الحركة السياسية الكوردية وأيضاً مع المجتمع الكوردي عموماً وبمختلف أطيافه وشرائحه، ناهيك عن (رفاق الأمس) وأخوة اليوم. هذا إن أراد الحزب؛ الحزب الديمقراطي الكردي في سوريا (البارتي) وبالفعل وليس القول فقط، أن يكون حزباً جماهيرياً شعبياً وليس نخبوياً شعاراتياً.

 

لذلك ولاعتبارات أخرى؛ منها تتعلق بمفهوم قبول الآخر ومسألة الرأي والرأي الآخر وأيضاً السلوك الجيد واللبق والذي يليق بمستوى إنساني حضاري مدني ومسألة العمل من أجل تكوين أحزاب مؤسساتية وليس قبلية يكون فيه الولاء وكل الولاء لهذا الزعيم أو ذاك الرئيس – وهنا لا نريد أن يفهم إننا في معرض التعرض أو توجيه النقد لما سماهم الأخ محمد سعيد بأنهم (أتباع أو الموالين) للأخ والصديق عبد الحكيم بشار، بل هو واجب أن يكون هناك دفاع عن أي كادر حزبي إن تعرض للإساءة – وهكذا علينا أن نعمل بعقلية مدنية أكثر تجاه هذه القضايا والمسائل وهنا نود أن نقول: كم كان حرياً بالأخوة في اللجنة المنطقية الأولى (للبارتي) وأكثر تأثيراً على الشارع السياسي الكوردي لو أن خطابهم السياسي؛ البيان الذي نشروه بصدد هذه القضية، لم يحتوي على تلك الجمل والعبارات التي أساءت إلى تاريخ الأخ محمد آلوجي وعمله ضمن صفوف الحزب ونعتقد إنه أساء إلى الحزب أيضاً. وأخيراً نأمل من الجميع أن يلجأ إلى العقلانية وخطاب المحبة والأخوة وذلك خدمةً لقضايانا الأساسية والجوهرية والتي يأملها شعبنا منا كأفراد وجماعات ثقافية وسياسية وفي سبيل نيل الحقوق القومية المشروعة لهذه الأمة التي غُبِنت على مر العصور والتاريخ وكذلك بما هو خيرٌ للجميع وبالتالي لنا أمل أن يكون قرار الأخ محمد سعيد آلوجي في “وقفـ(ـه) إصدار الحلقات المكملة ل دفاعاً عن (البارتي)” دائماً وليس “في الوقت الراهن” فقط كون القرار ذاك – برأينا – يخدم أولاً وأخيراً ذاك النهج الذي تبناه وما زال يتبناه ويدافع عنه؛ ألا وهو نهج (البارتي) و.. لن نزيد أكثر.

 

 

 

جندريسه – 2007

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 


قراءات خاطئة أم تقية سياسية

مراجعة لمقال الدكتور عبد الحكيم بشار الأخيرة

 

أثار المقال الأخير (التصعيد ضد الكرد …….. لماذا ؟) للدكتور عبد الحكيم بشار؛ سكرتير اللجنة المركزية لحزبنا (الحزب الديمقراطي الكردي في سوريا – البارتي) والذي نشره على عدد من المواقع الالكترونية والمهتمة بالشأن السوري العام وتحديداً القضية الكوردية، عدداً من الردود والتعليقات والأفكار والتحليلات السياسية، قد نتفق مع البعض منها ونختلف مع نقاط أخرى وكذلك مع مقالة الدكتور (حكيم) نفسها وما تطرحها من آراء وتحليلات بخصوص (التصعيد الأمني السوري) ضد مكون أساسي للبلد؛ ألا وهم أبناء شعبنا الكوردي في غرب كوردستان. وبالتالي فإننا – ومن منطلق الواجب (الحزبي – السياسي) وكذلك الأخلاقي والضميري وأيضاً كوننا مهتمين و(متهمين) بالقضية عينها – أرتأينا أن نقف عند المقال بشيء من التفصيل وذلك لتوضيح عدد من النقاط ومن دون أن نتناول الردود والتعليقات التي أتت عليها إلا في نقاط ومفاصل معينة والتي كانت بعضها – برأينا – جارحة كما ورد في مقال أحدهم وهو يتسائل ويسأل الدكتور حكيم (أين ذهب بتاريخ الحركة الكوردية) فيكتب: “هل ذهبت دماء أمين حزبه العام الشهيد كمال درويش أدراج الرياح…. أم أنه كان حينها ضابطاً موالياً لجيش السلطة” ونعتقد بأن هكذا (قول) لا يمت للفكر بصلة، ناهيك عن أنه بعيد عن الواقع والحقيقة.

 

بدايةً نود أن نوضح للقارئ العزيز بأننا نتناول مقال الدكتور من منطلق “تعدد القراءات” في الحزب والكيان السياسي الواحد (أي البارتي) وإن هذا “لا يفسد للود قضية”، بل إنها تغني الجانب النظري والأيديولوجي للحزب وثاني النقاط: نود أن نقول للأخوة الذين حملوا الحزب وزر ما جاء في مقال الدكتور؛ (كونه سكرتير اللجنة المركزية) بأنهم قد تجنوا على الحزب أو على الأقل كانت قراءتهم خاطئة وذلك كون المقال نشر بأسمه الشخصي (أي بأسم الدكتور) وإننا نعلم جميعاً هذا الجانب فيه (ككاتب) وكذلك فإنه نشر مقاله المثار للجدل من دون أن يذيل المقال بهامش يفيد أنه يتكلم كناطق بأسم الحزب أو حتى أن ينوه بأنه سكرتير البارتي وإن هو كذلك؛ حيث كتب الأخ الأستاذ زيور العمر في معرض رده مقالاً تحت عنوان (لماذا الإستغراب من التصعيد ضد الشعب الكردي في سوريا ؟) ما يلي: “المقال (أي مقال الدكتور – والتوضيح من عندنا) من وجهة نظر الكاتب, و هي تشكل موقف حزبه, باعتباره يحتل الموقع الأول”. وهكذا وإن كنا نتفق مع الزميل العزيز (زيور العمر) في العديد من النقاط التي تناوله في مقاله، إلا أن يحمل البارتي ورفاقه (قيادة وقواعد) كل ما جاء في المقال الاشكالي ذاك رغم أن المقال لا يدعي ذلك؛ أي طرح وجهة نظر الحزب وإنما هي وجهة نظر كاتبها، فنعتقد بأنها قراءة خاطئة ونعتقد أن مرد هذه المغالطة تعود إلى حالة التماهي بين الحزب وشخصية (الزعيم الأول) في الحزب؛ كون أحزابنا – وللأسف – “مزارع خاصة” لتلك الزعامات الأبدية ولا نقصد هنا (البارتي) وإنما الحالة والمناخ الفكري والسياسي في واقع الحركة الحركة السياسية الكوردية والعالم الثالث عموماً.

 

وإن محاولتنا هذه (قراءة في مقال سكرتير اللجنة المركزية لحزبنا) ربما يعتبر خروجاً عن المألوف وكسر للقاعدة (الذهبية) للأحزاب؛ (قاعدة الولاء الحزبي الأعمى)، حيث الأخوة يعلمون بأننا أحد أعضاء القيادة في الحزب وذلك – وكما أكدنا في المقدمة سابقاً – لكي نقدم قراءات متعددة ولغاية الوصول إلى (الحقيقة) وليس بغاية “خالف تعرف” وكذلك لكي نؤكد بأننا نقدم وجهات نظر (خاصة)؛ أي بمعنى وجهة نظرنا ككاتب وليس كعضو إحتياط في اللجنة المركزية وبالتالي فإن هي الأخرى لا تعبر عن وجهة نظر الحزب، كما هو مقال الأخ الدكتور عبد الحكيم بشار، ولكن سوف ننطلق من نهج وسياسة الحزب، بل من المنهاج السياسي للحزب لنبين بأن مقال الدكتور عبد الحكيم بشار، وفي نقاط منها، لا يتوافق مع البرنامج السياسي للمؤتمر العاشر للحزب. وهكذا نكون قد بيّنا للقارئ العزيز بأن مقال الدكتور يعبر عن وجهة نظر كاتبها؛ أي رأي شخصي وليس رأي الحزب وبالتالي فقد يصيب في نقاط منها وقد يخطأ في بعضها الآخر فهي أولاً وأخيراً تحسب له وعليه وإننا سوف نترك الحكم للمتلقي وكذلك للمسقبل والأجيال القادمة لأن تقول كلمتها الأخيرة بصدد مجمل التحليل السياسي للخطاب الكوردي وليس فقط في النقاط الخلافية والتي أثارتها المقالة المذكورة.

 

وبالتالي علينا العودة إلى مقال الدكتور (حكيم) لنبيّن نقاط الخلاف معه في بعض المواقف السياسية ومنها الموقف من “إنتفاضة آذار” حيث يقول في معرض مقاله الآنف الذكر (التصعيد ضد الكرد …….. لماذا ؟) ما يلي: “إن المتتبع للمشهد السياسي في سوريا يدرك بسهولة أن هناك تصعيداً خطيراً ونوعياً ضد الشعب الكردي من خلال زيادة وتيرة القمع والتنكيل ضد الكرد، وتتجلى في العديد من الإجراءات الشوفينية وتوسيع نطاق عمليات الاستجواب الأمنية والاعتقالات الكيفية لأسباب غير مبررة نهائياً حتى في ظل حالة الطوارئ والأحكام العرفية ورفع سقف العقوبات ضد السجناء السياسيين الكرد والسعي الفعلي لحظر نشاط الحركة الكردية بشكل كامل ليس في جانبه السياسي بل الثقافي والاجتماعي أيضاً إلى جانب سن العديد من القوانين والإجراءات التي تؤدي إلى إفقار المناطق الكردية وتهجير سكانها الاضطراري، ناهيكم عن عمليات القتل التي حصلت في آذار 2004 وخريف 2007 وعشية نوروز 2008 “.

 

إنه من الملاحظ؛ غياب أو تغييب مصطلح “الإنتفاضة” من تاريخ (آذار 2004) وذلك على الرغم من تبني المؤتمر العاشر للحزب له والذي عقد بين 17-19/5/2007 حيث جاء بأغلبية الأصوات وبعد مناقشات مستفيضة الإقرار على مصطلح الإنتفاضة. وأيضاً فإن الدكتور (حكيم) يستخدم مصطلح القتلى؛ “ناهيكم عن عمليات القتل التي حصلت في آذار 2004” وذلك للدلالة على القرابين والضحايا التي وقعت خلال إنتفاضة شعبنا في غرب كوردستان، مع العلم بأن المصطلح الدارج هو “الشهداء” وإن كنا لا نستخدمه؛ كونه يشير – وبرأينا المتواضع – إلى خلفية دينية أكثر منها إلى قضية سياسية قومية ولذلك فإننا نستعيض عنه بمصطلحي الضحايا والقرابين وإن كانت الأخيرة هي الأخرى أقرب إلى المفهوم الديني منها إلى السياسي الأيديولوجي.

 

وكذلك فإن المقال يقول: بـ “أن هناك تصعيداً خطيراً ونوعياً ضد الشعب الكردي من خلال زيادة وتيرة القمع والتنكيل ضد الكرد” وهنا أيضاً نختلف إلى حدٍ ما مع ما ذكر؛ حيث أن نهج وممارسات النظام السوري – ومنذ الإنقلاب العسكري لعام 1963 – يستمد روحه وفلسفته وممارساته – بخصوص القضية الكوردية – من المشروع السيء الصيت للضابط الأمني (محمد طلب هلال) والذي آنذاك قدمه للقيادة السياسية تحت مسمى (دراسة عن محافظة الجزيرة من النواحي القومية، الإجتماعية، السياسية) وبالتالي فإن (التصعيد) ليس بجديد، بل هي إستمرار لنهج وسياسة النظام مع فارق في الدرجات (درجات القمع وسياسة التنكيل التي تمارس ضد الكورد) وذلك بحسب الظروف والمعطيات الداخلية والإقليمية وكذلك الدولية وتأكيداً على ما نقول: فإننا فقط نذكر القارئ الكريم بقضية السجناء السياسيين من كوادر وقادة الحركة الوطنية الكوردية؛ حيث لم تخلو مرحلة من المراحل إلا وكان لكوادر الحركة نصيبهم من الإعتقال والسجن والتعذيب وكذلك بخصوص (المشاريع) والمراسيم الشوفينية بحق شعبنا في الإقليم الملحق بالدولة السورية، من (الحزام العربي) إلى (المرسوم الجمهوري رقم 49) ومروراً بـ (إصلاحها الزراعي) وسلب قطاعات زراعية واسعة من الكورد وإعطائهم لبعض الذين جلبوا من محافظات أخرى ومن المكون العربي تحديداً.

 

أما بخصوص الأسئلة التي يطرحها المقال والتي جاءت كالتالي: “إن هذا التصعيد الخطير يطرح عدداً من الأسئلة على الساحة السياسية والوطنية، هل ثمة أخطاء ارتكبها الكرد بحق الوطن أو بحق الشعب السوري حتى يستحق هذا العقاب الجماعي؟ هل ثمة تغيير نوعي في موقف الكرد من السلطة حتى دفعت بالسلطة إلى هذا التصعيد؟ ومع أن ما يحصل هو نتاج سياسة عامة تنتهجها السلطة وسوف تستمر بتصعيد إجراءاتها القمعية ضد الكرد وبغض النظر عن الموقف السياسي الرسمي للحركة الكردية”. فإننا نرى بأن المقال يجيب عنها (عن الأسئلة) ولو بشكل مداراة أو (تقية سياسية) وذلك من خلال التناقض الذي يقع فيه؛ حيث من جهة يقول (أي المقال): هل سبب هذا (التصعيد) ناتج عن “أخطاء ارتكبها الكرد بحق الوطن أو بحق الشعب السوري حتى يستحق هذا العقاب الجماعي؟” و”هل ثمة تغيير نوعي في موقف الكرد من السلطة حتى دفعت بالسلطة إلى هذا التصعيد؟” ومن ثم يتدارك الموقف ليقول لنا، موضحاً أسباب (التصعيد)، بأنها تنبعث من “سياسة عامة تنتهجها السلطة وسوف تستمر بتصعيد إجراءاتها القمعية ضد الكرد وبغض النظر عن الموقف السياسي الرسمي للحركة الكردية“.

 

وهكذا فيمكن القول: بأن ما يسبق الموقف السياسي السالف الذكر، من أسئلة وما تبطنها من صياغات وتعابير يمكن إدراجها تحت يافطة (إستدرار عطف السلطات السورية تجاه الكورد وقضيته) أو ما يمكن تسميته بخطاب (التقية السياسية) للحركة الكوردية؛ حيث القمع والاستبداد الذي يمارس بحق الناشطين والكوادر تدفع أحياناً إلى لغة (المهادنة) وذلك بدل لغة الحوار الحقيقي والمتكافئ. وإن هذا ليس دفاعاً وإنما توضيحاً للواقع الذي يرزح تحته أبناء شعبنا السوري في الداخل وبمختلف مكوناته وبالتالي علينا تفهمه (أي التقية السياسية) وإن كنا لا نتفق معه؛ حيث رأينا بأن الكاتب (أي الأخ عبد الحكيم بشار) يقر بأن السياسة التي تمارسها السلطات السورية تجاه الكورد هي “نتاج سياسة عامة” وبغض النظر عن “الموقف السياسي الرسمي للحركة الكردية” والتي تعبر لدرجةٍ ما عن موقف الشعب الكوردي؛ كونها (أي الحركة) – وإلى يومنا هذا – هي التي تمثل شعبنا. وبالتالي فإن الكاتب – وهو على رأس حزب كوردي (البارتي) – يقرأ جيداً خبايا السياسة السورية ولكن (غير قادر) – ليس كشخص وكاتب، وإنما كحركة سياسية – على “وضع النقاط على الحروف” و”تسمية الأشياء بأسمائها” ونعتقد بأن هذا الواقع ليس فقط الدكتور (حكيم) وكذلك (حزبه؛ البارتي) ولا حتى الحركة الكوردية إجمالاً هي التي تتحمل وزرها ومسؤليتها، وإنما نحن السوريين؛ سلطة ومعارضة مسؤولين عنها، ولا نريد الخوض في التفاصيل كونه مجال بحث آخر.

 

أما بصدد الحقائق التي يوردها الأخ والرفيق عبد الحكيم بشار في مقاله السابق وبأن: “الحركة الوطنية الكردية دعت باستمرار إلى الحوار الوطني الديمقراطي ولا تزال، لإيجاد حل ديمقراطي عادل للقضية الكردية في سوريا على قاعدة الاعتراف الدستوري بالوجود الكردي كثاني قومية في البلاد وإن يد الحوار ممدودة باستمرار، وتسعى جميع الأطراف الكردية إلى إيجاد أي منفذ لهذا الحوار، بينما السلطة تستنكف عن ذلك ولاترى في القضية الكردية إلا قضية أمنية ويجب معالجتها وفق منظور أمني بحت”. وكذلك “إن الحركة الوطنية الكردية لم تخرج في نضالها عن إطار النضال الداخلي الديمقراطي السلمي بعيداً عن العنف بكل أشكاله، واعتمدت ولفترة طويلة على مبدأ إظهار الحق الكردي ومعاناة الشعب الكردي من خلال الجرائد والمجلات والبيانات والرسائل، وإن ثمة تحولات حصلت في النضال واتخذت إلى جانب الطابع السياسي الرسمي البحت طابعاً جماهيرياً كشكل من أشكال الاحتجاج لم تخرج عن نطاقه الديمقراطي..الخ“.

 

فإننا نود أن نقول: هو صحيح أن الأمن السوري لا يرى في القضية الكوردية إلا “قضية أمنية” ولكن علينا أن لا ننسى بأن الأيديولوجية الفكرية والسياسية في البلد (سوريا) – النظرية لحزب البعث وكذلك أغلبية المعارضة – قائمة على (حقيقة واحدة)؛ بأن “سوريا بلد عربي وأن كل من يعيش على أرضها فهو عربي” وبالتالي فإن الكورد وحركتهم السياسية يشكلون خطراً – بنظرهم – أكبر من خطر الإخوان المسلمين، كون سقف مطالب الأخيرة هي السلطة في البلد. بينما الكورد هم شعب ولهم قضية قومية وكذلك جغرافية – وهنا نود أن نذكر القارئ الكريم بأنه يجب أن لا يخفى علينا ما يكمن وراء محاكمة كل من ينتمي للحركة الكوردية وذلك في محاكم أمن الدولة بتهمة “إقتطاع جزء من الوطن وإلحاقه بدولة أجنبية” – وبالتالي فإن “القضية الكوردية هي قضية أرض وشعب” وبأن “الشعب الكوردي يعيش على أرضه التاريخية” وهي بعضٍ من المقولات السياسية التي أقرها المؤتمر العاشر للحزب وكان على الدكتور أن (يذكرنا) بها كأساس لأي “حل ديمقراطي وعادل” وذلك في معرض تناوله لحل القضية الكوردية في (حقيقته الأولى) ولكن ولكون المقال بأسمه الشخصي فإننا لا نستطيع أن نفرض عليه آرائنا السياسية – ولا حتى مقولات الحزب – وإن كان في رأس الحزب حالياً. وبخصوص الفقرة الأخيرة – من (الحقيقة الأولى) – والتي تقول: “كانت السلطة تعتبر ان النضال الجماهيري والاحتجاجات المختلفة هي شكل من اشكال التمرد وتستحق العقاب حسب مفهومها، فلماذا يكون العقاب جماعياً يشمل جميع الشعب الكردي، عقاب يتجاوز الحدود السياسية الأمنية ليصل إلى حد محاربته في مسكنه ولقمة عيشه”. فإننا لا نود أن نقول: بأنه عليه (الدكتور) العودة إلى مشروع (محمد طلب هلال) حيث الإجابة الوافية وما المراسيم الأخيرة إلا إمتداد لتلك السياسة.

 

وكذلك بصدد الحقيقة الثانية والثالثة وإن كنا نتفق معه في عدد من النقاط والقضايا ولكن ما لفت نظرنا هي قضية (الموالاة للنظام) حيث يقول في سياق “الحقيقة الثالثة” ما يلي: “إن الشعب الكردي يعتبر المكون الرئيسي الثاني في سوريا إلى جانب مكونات عديدة أخرى والتي تعبر عن غنى المجتمع السوري، واحتفظ هذا الشعب ولايزال بفعالية وحيوية استثنائية للتعبير عن الذات حسب واقع المجتمع السوري، تجاوز في فعاليته وحيويته حتى المكون الرئيسي الأول (نعني الشعب العربي في سوريا) وبما أن السلطة لاتريد اية جهة قوية وفاعلة ومؤثرة اعتقاداً منها أنها قد تشكل خطراً عليها في مرحلة ما، لذلك فإنها سوف تعمل على إضعاف الشعب الكردي بكل الطرق والوسائل بغض النظر عن موقف الحركة الكردية الموالي أو المعارض للسلطة، لأن بقاء هذا المكون قوياً وفاعلاً ومهما كانت درجة وعمق الموالاة للسلطة فإنها ستبقى تعيش في هاجس إمكانية التحول إلى المعارضة، لذلك فمن الأفضل إضعاف هذا المكون، وإن الأحداث الداخلية أثبتت ذلك وفي القرن الماضي وحينما وقف الشعب الكردي بكل قواه السياسية والجماهيرية إلى جانب السلطة في معركتها ضد الاخوان المسلمين فهل تغير شيء استراتيجي من سياسة السلطة تجاه الكرد؟ هل تم مكافأة الكرد على موقفهم الموالي وبشدة للسلطة؟.. الخ“.

 

وهكذا فإن الدكتور (يخرج) الحركة الكوردية وبكل فصائلها من صفوف المعارضة ويدخلها قسراً في صفوف “الموالاة للنظام” و(لا) نعلم ما هو موقف الأحزاب الكوردية بمن فيهم (البارتي) من هذا الطرح السياسي وكذلك موقف المعارضة السورية، إعلان دمشق مثلاً؛ كون هناك أكثر من تكتل سياسي كوردي (تحالف وجبهة) داخل الإعلان ولكن هل إعلان دمشق من المعارضة أم من الموالاة، حقيقةً فإن بعض المقولات السياسية تدعو إلى الغرائبية – وللأسف – فإن الدكتور لا يكتفي بهذا، بل ويطالب بإمتيازات – من النظام السوري طبعاً – للكورد؛ كونه وقف إلى جانبه في (محنته) مع الإخوان، فها هو يكتب: “إن ما حصل في تلك الفترة (أي فترة العمليات المسلحة بين الإخوان والنظام – والعليق منا) لم يخرج عن كونه تهدئة للإجراءات الشوفينية ضد الكرد دون منح أية امتيازات لا بل دون إلغاء أي من المشاريع الشوفينية المطبقة بحقه. لذلك فإن استراتيجية السلطة والتي باتت واضحة وضوح الشمس هي إضعاف كل مكونات الشعب السوري وخاصة الشعب الكردي لما يتمتع به من أهمية عددية ومن فعالية وديناميكية ومن خصوصية قومية وثقافية هذه الخصوصية التي تمنحه أهمية خاصة بعد المتغيرات الدولية والإقليمية.. الخ”. وهكذا وبكل بساطة أصبح الكورد من الموالين للنظام ويطالب بـ (إمتيازات) ولكن هل النظام يرضى أن نكون من (الموالاة) ونعتقد أن هذه من الأسئلة الصعبة التي يجب على الحركة الكوردية أن تجيب عليها.

 

وأخيراً وليس آخراً نود أن نقول: إن إختلافنا في الرؤى والقراءة تعني “تعدد القراءات” وليس (الخلافات) وسوف يبقى الدكتور عبد الحكيم بشار أحد الأصدقاء والرفاق الذين قد نختلف معهم في قضايا سياسية معينة ولكن نعتقد بأن الذي يجمعنا أكثر عمقاً ونبلاً من الذي يطفو إلى السطح و.. إلى قراءات أخرى أكثر فائدة وإستفادة لنا وللقارئ العزيز.

 

هولير – 19/5/2009

 

 

 

 

 

تقرير عن وضع البارتي

 

 

 

يعتبر الحزب الديمقراطي الكردي في سوريا (البارتي) – وكما هو معلوم لكل مهتم بالقضية الكوردية – من أعرق وأقدم الأحزاب الكوردية في ذاك الإقليم الكوردستاني (أي غرب كوردستان)؛ حيث يعتبر إمتداداً طبيعياً للتنظيم السياسي الأول (البارتي الديمقراطي الكردستاني) والذي تأسس في 14 حزيران لعام 1957 م. وخاصةً عندما تم تشكيل القيادة المرحلية لتوحيد طرفي البارتي وبإشراف مباشر من الخالد ملا مصطفى بارزاني والقيادة الكوردستانية في مؤتمر نوبردان، حيث أستمر البارتي ولفترة تعرف بالقيادة المرحلية إلى أن أصبح اسم الحزب في المؤتمر الحزبي الأول المنعقد في أيلول 1972 (الحزب الديمقراطي الكردي في سوريا – البارتي).

 

ولكن البارتي تعرض إلى العديد من الإهتزازات والإنشقاقات الحزبية حيث يمكن إعتبار مجمل أطراف الحركة الوطنية الكوردية وبأحزابها في غرب كوردستان وليدة تلك الانقسامات في صفوفه – وللأسف – فإن متوالية الانقسامات لم تتوقف وإلى يومنا هذا؛ حيث تعرض قبل عقد من الزمن (عام 1998) لإنشقاق كبير آخر وذلك بإنقسام الحزب بين كتلتين عرفتا آنذاك بكتلتي أو جناحي كل من المرحوم الأستاذ (محمد نذير مصطفى) والأستاذ (نصر الدين إبراهيم) على أثر الخلاف على قيادة الحزب. ثم كان كان خروج وعودة وخروج جديد لما يعرف بجناح السيد (آلوجي) حيث وبعد المؤتمر العاشر للحزب والذي إنعقد بتاريخ (17-19/5/2007) وبأيام قليلة رأينا خروج (جناح السيد عبد الرحمن آلوجي) وإعلانهم عن حزب جديد يحمل أسم (البارتي الديمقراطي الكوردي في سوريا) وكان الخلاف حزبياً تنظيمياً وليس سياسياً؛ حيث لم يحصل رفاق (آلوجي) إلا على عضو واحد من أصل أحد وعشرون عضواً أساسياً من اللجنة المركزية وأربعة أعضاء إحتياط مما شكل لديهم نوع من التوجس والشعور بأنهم قد همشوا من قبل رفاقهم في الحزب.. وبرأينا كان بالإمكان تجاوز هذه القضية/ الأزمة بإعطاء (كتلة) السيد آلوجي أكثر من مقعد في اللجنة المركزية وذلك حسب مفهوم ومبدأ الديمقراطية التوافقية – إن جاز التعبير – حيث إن هذه السياسية تستخدم على مستوى إدارة البلدان وليس الأحزاب فحسب.

 

إذاً كان لا بد من السرد السريع – السابق – لنكون على بينة بأن الخلافات كانت وما زالت كامنة داخل البارتي والتي تشل الحزب من الحراك السياسي الحقيقي والفاعل لخدمة قضايا شعبنا الكوردي وعلى أساس أن قضيته “قضية أرض وشعب” وبالتالي شل الحركة الوطنية الكوردية في سوريا عموماً؛ كون البارتي كان وما زال يعتبر الكتلة السياسية المحورية – رغم ضعفه تنظيمياً في مراحل سابقة – ولا يمكن تجاوزه، وإن هذه الحقيقة السياسية يدركها جميع الأطراف بما فيها السلطات السورية. وهكذا وبعد المؤتمر العاشر – وعلى الرغم من أزمة السيد آلوجي وأيضاً خروج بعض الرفاق من الحزب وأبرزهم السيد خالد كمال أحمد؛ عضو اللجنة المركزية – أستطاع الحزب أن يتجاوز الأزمة وتلك الصعاب سياسياً وتنظيمياً بحيث بات – ومن جديد – يقود العملية السياسية في غرب كوردستان، بل بتنا نرى بوادر الوحدة بين جناحي البارتي (عبد الحكيم بشار ونصر الدين إبراهيم)؛ حيث هناك العديد من الفعاليات والبيانات التي وقعت مؤخراً تحت أسم البارتي وهي تمثل وتعبر عن الجناحين في الوقت نفسه.

 

إلا أنه مؤخراً – وللأسف – سمعنا ومن أكثر من جهة بأن هناك خلافات جديدة – قديمة قد أطلت برأسها بين كتلتين بارزتين في الحزب يقوداها عضوي المكتب السياسي في الحزب؛ حيث إحدى تلك الكتل يقودها الرفيق والأخ (سعود الملا) والأخرى بقيادة الرفيق والأخ المعتقل (نصر الدين برهك) وهناك العديد من النقاط الخلافية بينهما وأبرزها قضية وحدة جناحي البارتي وكذلك الموقف السياسي بخصوص القضية الكوردية والانتفاضة الآذارية لعام 2004 وكذلك الموقف من السلطات السورية وكيفية التعامل معها. بل وصل الأمر إلى الاتهامات الأمنية وبأن الرفيق (سعود الملا) يقف وراء إعتقال الأخ والرفيق (نصر الدين برهك) وإننا نرفق مع تقريرنا هذا مجموعة رسائل وردتنا من الداخل ومن بينها رسالة تؤكد على هذه النقطة. وأيضاً ما يؤكد النقطة السابقة (الخلافات بين الكتلتين) ما وردنا من رسائل من الداخل تدعوا إلى أن نوقف نشاطنا بخصوص التضامن مع الرفيق نصر الدين برهك المعتقل في السجون السورية والذي كان من المفترض أن يقوم الحزب بالعديد من النشاطات الحزبية والجماهيرية في سبيل الضغط على السلطات السورية للإفراج عنه وعن كل المعتقلين السياسيين الآخرين، كما هو المتّبع في هكذا حالات وظروف سياسية وأمنية؛ حيث بعث الرفيق عبد الحكيم بشار بالرسالة المقتضبة التالية: “الأخ بير المحترم لا تفعل أي شيء بشأن المعتقلين وأنتظر قراراتنا وتحركاتنا” ثم أردفها برسالة أخرى موقعة باسم اللجنة المركزية نرفقها مع التقرير.

 

وبالتالي ومما سبق فإننا نقترح على القيادة الكوردستانية في الإقليم: دعوة جميع الأطراف والكتل في البارتي، بل الأجنحة الأخرى بمن فيهم السيد عبد الرحمن آلوجي والأستاذ نصر الدين إبراهيم وذلك ضمن الوفد الذي سوف يشارك في المؤتمر القومي الكوردستاني والمزمع إنعقاده قريباً في العاصمة هولير والضغط عليهم من أجل إنقاذ البارتي من خلال عملية وحدوية وعلى غرار مؤتمر نوبردان ونعتقد بأن الظروف الحالية تختلف عن ظروف السبعينيات من القرن الماضي وذلك من حيث المناخ الفكري والسياسي الدولي والإقليمي وكذلك حجم وإمكانيات الإقليم والحزب الديمقراطي الكوردستاني الشقيق في هذا الإقليم المحرر وبالتالي عدم تبني جناح على حساب الأجنحة الأخرى، فإن هذه السياسة وإن أقوت جناح على حساب الأجنحة الأخرى فإنها لا تحل الأزمة، بل يبقي الجرح مفتوح والنزيف يدوم في جسد البارتي والقضية الكوردية عموماً في غرب كوردستان. ونعتقد كذلك جازماً أنه عندما تلاحظ قيادات البارتي في الداخل بأن هناك تصميماً جدياً من قيادة الإقليم في توحيد صفوفها فسوف ترضخ للأمر الواقع؛ كونها تعبر عن إرداة القيادة الكوردستانية من جهة ومن الجهة الأخرى عن رغبة وطموح القاعدة الحزبية والجماهيرية لأبنائنا في الداخل. ولا يبقى أخيراً.. إلا أن نأمل أن تتوحد صفوف البارتي ضمن حزب جماهيري يقود العملية السياسية في الإقليم الغربي من كوردستان. ولكم ولكل مساهمٍ في ذاك المسعى كل الموفقية.

 

مع تحيات ومودة أخوكم بير روسته م: العضو الاحتياط في اللجنة المركزية للحزب الديمقراطي الكردي في سوريا (البارتي).

 

…………………………………………………………………………………………

 

ملاحق بالتقرير:

 

  • 1- رسالة من رفيق قيادي:

 

الرفيق العزيز بير

تحية واحترام.

أتمنى لكم دوام الصحة والعافية.

الرفيق الكريم بير.. لقد تناول اجتماع اللجنة المركزية الذي انعقد بتاريخ 27/2/2009. جميع الأوضاع: التنظيمية – السياسية – الثقافية – العلاقات الوطنية، ووضع طلبة الكورد وكذلك وضع الجالية الكوردية في المهجر وكوردستان ومن بين تلك المواضيع التي تناولها الاجتماع كان وضعك وكما تعلم لايستطيع احد أن يجردك من أي صفة شرعية حسب النظام الداخلي للحزب ولايمكن أن نتخلى عنك بهذه السهولة، فقط تقرر في الاجتماع إبلاغ كافة الرفاق الذين يقومون بنشر مقالات على مواقع نيت بعدم ذكر الصفة الحزبية لهم وكنتَ واحداً منهم، وكل رفيق خارج كوردستان سوريا لايحق لهم التحدث باسم الحزب إلا بتكليف رسمي فهذا ما حدث فعلاً، وستبقى رفيقاً غالياً.

أستاذي الكريم.. أرى من الضروري أن تكون على اتصال مع الدكتور لتستطيع القيام بعملٍ ما في كوردستان ورأب الصدع الذي حصل بينكم خاصة بعد مغادرتك ارض الوطن.

 

ملاحــــــظـــــــــــة:

الرفيق العزيز بير.. لايوجد أي شيء احجبه عنك واعتبرك من اقرب الرفاق لي، وأذكرك بالمؤتمر العاشر لقد كنتُ خارج لعبة القوائم في المؤتمر ولم أكن محسوباً على أي شخص وكنتُ واثقاً من الشريحة المثقفة في المؤتمر من الجنسين وأعطيتُ لبعضٍ منهم اسمك واسم مسلم وفرهاد وكنتُ واثقاً من نجاحك في المؤتمر كعضو أساسي ويعود معرفتي بك إلى أيام المهرجانات الثقافية والشعرية ومن خلال (نيت) ولهذا أقول لك الحقيقة الآن لايوجد أي صراع داخل الحزب سوى التباين في وجهات النظر وأنت تعرف الرفاق القدماء  وتناغمهم مع بعضهم البعض وذلك للحفاظ على مركزهم في المستقبل كما تعرف مدى حرص كل رفيق على (البارتي) ربما تجد تهميش بعض الرفاق من قبلهم ولكن كل هذا لايرتقي إلى مستوى الخلاف. الرفاق يقومون بدورهم الريادي والمتميز في الحركة الكوردية السورية، وعلى جميع الصعد، وهذا الحراك السياسي جعل النظام يعيد حساباته واعتقل /5/ من رفاقنا (نصر الدين أبو علاء – فيصل نعسو – فنر جميل – صلاح سعدون – محمد بشار).

وفي الختام أتمنى لكم الموفقية والنجاح

وتقبل سلامي وتحياتي

صلاح بيرو

عضو اللجنة المركزية

 

……………………………………………………………………………………………………

 

  • 2- رسالة من رفيق آخر:

 

الأخ والرفيق: بير رستم

 

بعد التحية والتقدير:

 

قد لا تكون هناك معرفة شخصية بيننا، إلا أن كتاباتك، وآراؤك، ومن ثم معرفة وثقة ممن نعرفهم من رفاقنا في منظمة حلب (وخاصة عفرين) كانت كافية لتعزيز مكانتك ككاتب أولا يحترم آراءه، وكمناضل ورفيق قيادي في صفوف البارتي ثانياً….

 

الرفيق بير رستم:

 

لا يخفى عليك، الحالة السيئة التي يمر بها البارتي كتنظيم، من خلافات تنظيمية وفكرية قوية، تكاد تهدمه من أساساته التي كنا نظنها قوية، وآخرها الخلاف الكبير بين كتلتي الرفيقين نصرالدين برهك وسعود الملا، عضوا المكتب السياسي للبارتي، وعليه وحرصاً منا على وأد الفتنة، ومحاسبة المذنبين وإبعادهم عن الحزب، فقد تم لقاء بين مجموعة من رفاقنا في منظمات البارتي في كل من: عفرين – القامشلي – الدرباسية – جل آغا – ديريك، وقد اتفقنا على إطلاق دعوة منشورة في مواقع الانترنيت، عسى أن تلقى آذاناً صاغية من المناضلين في البارتي، وكذلك من الخيرين الغيارى على مصلحة البارتي، وهذا هو نص الدعوة:

 

 

دعوة للهدوء في صفوف البارتي

 

الدكتور عبدالحكيم بشار – سكرتير اللجنة المركزية لحزبنا (البارتي)

اللجنة المركزية المحترمة

كافة أعضاء البارتي

كل الخيرين من أبناء شعبنا الكردي

 

على ما يبدو أنه قدر البارتي، أن لا يستمر في صفوفه الاستقرار والهدوء، ففي الوقت الذي كنا نعتقد فيه بأن البارتي على وشك استعادة أمجاده، وذلك بعد أن وصلتنا بشائر اقتراب الوحدة بين طرفي البارتي، تفاجأنا بأن الخلاف التنظيمي الغير المعلن في التنظيم قد بات معلناً، يتناوله الجميع، وبأدق التفاصيل، خارج التنظيم قبل داخله.

 

وحقيقة الخلاف هو أن الرفيق نصرالدين برهك (عضو المكتب السياسي لحزبنا)، الموجود في سجون السلطات السورية، قد اتهم الرفيق سعود الملا (أيضاً عضو المكتب السياسي لحزبنا)، بأنه هو من يقف وراء اعتقاله، لعدة أسباب حسب رأي الرفيق برهك، يأتي في مقدمتها، أن كتلته في الحزب تؤيد وبقوة توحيد صفوف البارتي، وكاد أن يحقق ذلك، إلا أن معارضة الرفيق سعود للوحدة ووضعه للشروط اللاوحدوية التعجيزية أمام الطرف الآخر للبارتي (جناح الرفيق نصرالدين إبراهيم)، أثارت ردود أفعال قوية معارضة لتصرفه، هذه الردود التي كانت بقيادة الرفيق برهك، وكذلك محاولة الرفيق سعود الهيمنة على مراكز القرار في البارتي بطرق ملتوية، غير تنظيمية…. الخ. فعمل الرفيق سعود على إزاحته من طريقه…

 

وبناءً على سبق فإننا ندعو إلى ما يلي:

 

1-   أن يلعب سكرتير الحزب، الرفيق عبدالحكيم بشار الدور المطلوب بشكل جدي ومقبول.

 

2-   فتح تحقيق في ملابسات موضوع اعتقال الرفيق نصرالدين برهك، ومن ثم تطبيق بنود النظام الداخلي.

 

3- الإسراع في تحقيق الوحدة بين طرفي البارتي، وهنا ندعو رفاقنا، وفي مقدمتهم الرفيق سعود الملا، أن يثبت عدم صحة الاتهامات الموجهة إليه، من خلال تعديل الشروط المقدمة للطرف الآخر، ونرى بأن المشروع الذي تبناه الرفيق بير رستم (عضو اللجنة المركزية لحزبنا – الاحتياط) يعتبر مقبولاً للجميع.

 

4-   أن تمارس قواعد الحزب دورها في تصحيح مسيرة البارتي، ووضع حد جذري لهذه المهاترات.

 

 

5- كما ندعو الطرف الأخر للبارتي (جناح الرفيق نصرالدين إبراهيم) قبول مشروع الرفيق بير رستم (الذي نشر في مواقع الأنترنيت بعنوان مشروع مفتوح للوحدة بين جناحي البارتي).

 

مجموعة من رفاق البارتي في منظمات:

 

عفرين – القامشلي – الدرباسية – جل آغا – ديريك

 

9/4/2009

 

***************************

 

الأخ المناضل بير رستم:

 

رأينا فيك، لمكانتك في الحزب، وكذلك بروز شخصيتك النزيهة ككاتب حريص على المصلحة العليا للحزب وللقضية الكردية ككل، وكذلك ثقة الطرف الآخر للبارتي (جناح الأستاذ نصرالدين إبراهيم) بك، رأينا أن تبنيك للمشروع المفتوح للوحدة بين جناحي البارتي قد شكل حافزاً قوياً لدى قواعد البارتي والكثير من هيئاته أيضاً، ومن هنا نرجو أن تقف وقفة بطولية أخرى لدعم وتبني هذه الدعوة، أو أن تنشرها أنت باسمك أو تضيف اسمك إلى الدعوة نظراً لتأثيره على رأي القراء، وترسل نسخة من الدعوة إلى المواقع الكردية، وخاصة موقع حزبنا، وموقع الجناح الآخر، وكافة المواقع الكردية، ونفضل أن تنشر الدعوة باسمك، ومن ثم سنقوم بتبنيها ثانياً، عسى أن تلقى ردود إيجابية، ونحن بدورنا سنسعى إلى بذل المزيد من الجهد لدعم رأيك في الحزب والشارع… (علماً أن الدعوة لم ننشرها إلى الآن)

 

الرفيق بير رستم:

نرجو، أن تمضي قدماً، كما عهدناك، صاحب الفكر والقلم المتقد عنفواناً وحرصاً على مصلحة شعبنا الكردي.

 

مع فائق الاحترام والتقدير

 

الدرباسية 10/4/2009

 

 

……………………………………………………………………………………………

 

  • 3- رسالة اللجنة المركزية:

 

 

 

الحزب الديموقراطي الكردي في سوريا

((البارتي))

اللجنة المركزية

الرقم  /179/

التاريخ : 3/4/2009

 

 

 

 

الرفيق بير رستم المحترم

تحية النضال

 

نعلمكم بأن اللجنة المركزية قد قررت في اجتماعها الأخير بعد دراسة عدد من النشاطات والمقالات التي صدرت منكم ما يلي:

يطلب منكم عدم القيام بأي نشاط ذة طابع تنظيمي إلا بموافقة إحدى الجهات المختصة المعنية بالموضوع. أما بالنسبة للمقالات المنشورة باسمكم فنحن مع ترسيخ مفهوم الديمقراطية وتبادل الآراء ولكن في المقالات والنشاطات التي لا تعبر عن وجهة نظر الحزب الرسمية نطلب منك نشرها باسمك الشخصي دون صفتك الحزبية.

 

 

 

 

 

اللجنة المركزية للحزب الديمقراطي الكردي في سوريا – البارتي

 

 

 

…………………………………………………………………………………….

 

  • 4- بعض المقالات والردود:

 

الحركة الكردية والحاجة إلى صياغة جديدة

العدد (411) شباط 2009 م – 2708 ك

 

لم يعد خافياً على أحد واقع التشتت والتشرذم الذي تعانيه الحركة الكردية في سوريا ، هذا الواقع الذي لا يستطيع أحد الدفاع عنه أو حتى محاولة تبريره ، لأن هذا التشتت لايعكس واقع الشعب الكردي السياسي والفكري والاجتماعي ، وغير قادرعلى القيام بمهامه المفترضة بالشكل المقبول ، وهناك إجماع شبه كامل في جميع الأوساط السياسية والثقافية والشعبية بضرورة معالجة هذا الواقع وإيجاد البديل النضالي القادر على القيام بمهامه الوطنية والقومية ، وبمحاذاة هذه التوافقات المنادية بضرورة وحدة الحركة ، فإن التشرذم لايزال يفعل فعله ، والعلاقات بين الأطراف الكردية لا تسير بالاتجاه الصحيح في مجملها رغم الأجواء الإيجابية السائدة بين العديد من أطرافها ، إذن ثمة معضلة أو مشكلة يجب التصدي لها فمادام هناك رغبة شعبية من قبل مختلف شرائح الشعب الكردي ، ورغبة مفترضة من قبل الساسة الكرد بضرورة توحيد صفوف الحركة ، فما المانع ؟ ومن المانع ؟

 

إنه السؤال الجوهري الذي تبدو الإجابة عليه سهلة لكن الإحاطة به صعبة ، سهلة لأنه بكل بساطة ندرك تماماً أن الرغبة الشعبية صادقة كل الصدق لأن ليس لها أية مصلحة في التشتت ، وأن السياسيين من قادة الحركة هم وحدهم يتحملون مسؤولية هذا التشتت ومسؤولين عن استمراره بهذا الشكل أو ذاك ، وصعب الإحاطة به لأن لا أحد من السياسيين الكرد قادر على الإقرار باقترافه هذا الخطأ ، ونعتذر عن سرد تفاصيل حالات التشرذم والتشتت والانشقاقات غير المبررة لأن ذلك قد يفتح صراعاً جديداً أكثر حدة وشدة في الحركة نحن بغنى عنها .

 

إن هذا الواقع ( التشتت والتشرذم ) وضرورة توحيد نضال الحركة الكردية من أكثر المعادلات التي نسميها بالسهل الممتنع ، فهي سهلة لأن جميع الظروف الذاتية والموضوعية تتطلب بل تفرض ضرورة توحيد صفوف الحركة وهي ممتنعة لأنها بكل بساطة لا يزال التشرذم مستمراً وهو السائد في الساحة ، وإن ثمة تجارب متعددة في الحركة الكردية باتجاه توحيد صفوفها باءت معظمها بالفشل إن لم نقل جميعها ، ولابد من تذكر تلك الخطوات حتى يكون القارئ الكريم على بينة مما حصل ، كما  نتمنى أن لا يفهم أحد الموضوع بشكل خاطئ فغرض هذه المقالة وهذا الاستعراض ليس التهجم على شخص بعينه أو انتقاد فصيل بذاته ، وإنما هو عرض لواقع أليم ولأحداث حصلت في سيرورة الحركة الكردية في سوريا ومنها :

1- فشل التنسيق الثنائي بين حزبنا ؛ الحزب الديمقراطي الكردي في سوريا ( البارتي ) والاتحاد الشعبي الكردي في بداية الثمانينات .

2- فشل التنسيق الثلاثي بين التقدمي – اليساري – والكردي السوري في نفس الفترة الزمنية

3- فشل التحالف الذي تم إنجازه بين حزبنا والاتحاد الشعبي واليساري ومن ثم الكردي السوري والذي أنجز في عام 1984 ثم فشل في عام 1988

4- فشل التحالف الذي أنجز بين حزبنا والاتحاد الشعبي والكردي السوري ، واليساري جناح السيد خير الدين مراد آنذاك والذي أنجز في بداية التسعينات وحل محله تحالف آخر لم يضم أياً من الفصائل المؤسسة له .

5- فشل التحالف الذي ضم كلاً من التقدمي – الوحدة – رفاق نصر الدين – اليساري ( جناح محمد موسى ) هذا التحالف الذي تم إنشاؤه بإبعاد جميع المؤسسين الحقيقيين له أوانسحابهم منه لهذا السبب أو ذاك ومن ثم انقسامه بعد ذلك إلى قسمين .

6- لجنة التنسيق الكردية : ورغم نشاطات أطرافها والتي تضم اليكيتي – آزادي – تيار المستقبل ، إلا أن العلاقة بين أطرافها لم تتوج حتى الان إلى إطار تنظيمي متكامل ، ونحن نتمنى أن لا يتعرض لانتكاسة بل تتطور العلاقة الداخلية بين أطرافها .

7- فشل الوحدة الاندماجية بين عدة أطراف في بداية التسعينات والتي تمخضت عن حزبين هما حزب الوحدة وحزب يكيتي .

8- فشل عملية الوحدة الاندماجية بين رفاق نصر الدين والسيد عبد الرحمن آلوجي .

9- انسحاب السيد عبد الرحمن آلوجي من حزبه الأم بعد عودته إليه بأيام قليلة وتشكيله حزباً مستقلاً .

10- انضمام الاشتراكي إلى التقدمي دون شروط ، هذه التجربة اتخذت منحى مختلفاً يجب احترامه ، فالسيد صالح كدو انسحب من هذه التجربة ( الوحدة ) دون مشاكل ودون الإقدام على تشكيل حزب جديد بل انضم إلى الحزب اليساري الكردي في سوريا .

ومن التجارب الناجحة حتى الآن :

1- الجبهة الديمقراطية الكردية والتي تشكل حتى الآن نموذجاً رائعاً للعلاقات التحالفية النضالية ، وعلاقاتها الداخلية تتوطد وتترسخ باستمرار وإن كل المعطيات والمؤشرات تدل على أنها سوف تشكل نموذجاً ومركز استقطاب لوحدة النضال الكردي لأن العلاقات الداخلية بين أطرافها يسودها الاحترام والحوار الديمقراطي في اتخاذ القرارات .

2- حزب آزادي الكردي في سوريا : والذي تشكل من حزبين ( اليساري الكردي في سوريا جناح خير الدين ) والاتحاد الشعبي الكردي في سوريا .

 

مما سبق ذكره  أنه رغم المحاولات الحثيثة لتشكيل أطر نضالية أو وحدات اندماجية إلا أن معظمها لم تصمد ، فما السبب ؟ وما العمل ؟ أما عن السؤال الأول ( السبب ) فإننا لن أخوض في تفاصيله رغم أننا على اطلاع تام بمعظمها لأن ذلك وكما أسلفنا قد يكون السبب في خلق توتر جديد في الحركة نحن بغنى عنه رغم إدراكنا العميق وقناعاتنا التامة بأن عدم معرفة الأسباب وعدم تشخيصها بدقة لن يوفر لنا العلاج المناسب للحالة وبمعنى آخر فإن طرح الأسباب الحقيقية قد يكون واجباً علينا لكي نستطيع وضع الحلول لها ولكن ومع ذلك  نعتذرعن القيام بهذا الواجب ليس تهرباً منا للقيام بالواجب وإنما حرصاً منا على عدم فتح صراعات جديدة لأنني أحد مسؤولي الحركة وجزء من هذا الواقع وقد أتهم بعدم الحيادية ، أو قد لا أستطيع أن أكون محايداً بالفعل لذلك أترك موضوع تشخيص الأسباب وطرحها على الملأ للنخب المثقفة الأكثر قدرة على التحليل والبيان بسبب قدراتها ومؤهلاتها أولاً وحياديتها المفترضة ثانياً .

 

أما ما العمل ؟ فأعتقد أن الحاجة باتت ماسة لإيجاد صيغة جديدة للحركة الكردية ، وأعتقد أن الواقع الحالي يفرض نفسه للبحث عن صيغ بديلة أكثر ديناميكية وقدرة على التعامل مع المعطيات وأكثر تعبيراً عن الواقع وذلك من خلال :

1- الاتفاق على خطاب كردي موحد ( الرؤية المشتركة للأحزاب الكردية  ) يتم الإعلان عنه رسمياً واعتبار هذا الخطاب هو الأساس في التعامل مع المعارضة الوطنية – السلطة – في كافة المحافل الوطنية والدولية مع احتفاظ كل فصيل بخصوصيته بشكل لا يتناقض مع الرؤية المشتركة .

2- إيجاد مرجعية سياسية تمثل الحركة الكردية في الحالة الراهنة وتمهيد الظروف والعوامل لعقد مؤتمر وطني بعد إنضاج عوامل نجاحه وديمومته بعيداً عن الشعاراتية والتسرع .

3- الإجابة عن السؤال الجوهري : لماذا ستستجيب السلطة للحالة الكردية والتي يتطلب منها تغيير الدستور السوري ؟ ما الذي يدفعها إلى ذلك ؟ إذن يجب البحث معاً عن الآليات والوسائل التي تدفع السلطة إلى الاستجابة لحقوقنا المشروعة والمتمثلة بالإقرار الدستوري بوجود الشعب الكردي كثاني قومية في البلاد ، وإلغاء كافة السياسات والمشاريع الشوفينية المطبقة بحقه ومعالجة آثارها وتداعياتها.

4- إن فشل معظم التحالفات والأطر السابقة بين الحركة الكردية ذاتها مرده إلى وجود تنظيمات أخرى فاعلة خارج تلك الأطر ، لذلك ومن أجل إنجاح المرجعية السياسية يجب بذل كل الجهود الممكنة لتكون شاملة ما أمكن .

5- رغم احترامنا الشديد لكل الفصائل والتنظيمات فإن البعض منها لم تنجح في إثبات ذاتها ودورها على الساحة بالشكل المطلوب وذلك ببقائها صغيرة رغم السنوات العديدة والمترافقة بالجهود الحثيثة التي بذلتها لتطوير ذاتها ، وهذا يتطلب – حسب اعتقادنا – من تلك التنظيمات مراجعة جدية وجريئة لذاتها والبحث عن اندماجات مع فصائل أخرى كبيرة أو اندماج عدة تنظيمات صغيرة مع بعضها ، وهنا يجب التأكيد على أن صغر حجم التنظيم لا يقلل من أهميته وعمقه الوطني ، ولكن معالجة الواقع المتشرذم وبالشكل المناسب يقتضي منهم البحث عن اندماجات قد تنجح في خلق واقع جديد ومؤثر على الساحة من جهة وتقلل من التشتت والتشرذم من جهة أخرى .

نعتقد أنه بهذه الخطوات والأفكار مع أفكار أخرى تنبثق من خلال الحوارات مع النخب المثقفة والفصائل الكردية ، نستطيع الوصول إلى أفضل الصيغ النضالية التي تستجيب لمتطلبات المرحلة ، كما أنها تكون قادرة على الديمومة والاستمرار .

 

………………………………………………………………………………………

 

نظرة في المقالة الافتتاحية لصوت الأكراد (جناح الدكتور عبدالحكيم بشار)

 

 لوند الملا


في افتتاحية الجريدة المركزية للحزب الديمقراطي الكردي في سوريا  (البارتي ) جناح الدكتور عبدالحكيم بشار, العدد (411) – شباط 2009م , المعنونة تحت مسمى “الحركة الكردية والحاجة إلى صياغة جديدة” جاءت هذه المقالة مخيبة لظنون رفاق البارتي قبل أن تكون مخيبة للحركة السياسية الكردية ككل , خاصة وأننا نعيش في ظروف صعبة , أحاط المقال بسرد بعض من تفاصيل وخطورة المرحلة التي نمر وتمر بها الحركة الكردية بشكل خاص , وبناء على طلب كاتب المقال “لذلك أترك موضوع تشخيص الأسباب وطرحها على الملأ للنخب المثقفة الأكثر قدرة على التحليل والبيان بسبب قدراتها ومؤهلاتها أولاً وحياديتها المفترضة ثانياً” كما جاء في سياق المقال حرفياً , رأينا أنه من المفيد تسليط الأضواء على المقال وتحليلها من وجهة نظر محايدة , وقراءة متمعنة لما بين السطور:

 

 أولاً- ملاحظات سريعة : * كثرة التناقضات في طرحه للآراء , فتارة يعتذر عن سرد تفاصيل حالات التشرذم والتشتت والانشقاقات غير المبررة لأن ذلك قد يفتح صراعاً جديداً أكثر حدة وشدة في الحركة نحن بغنى عنها , وتارة لابد له من تذكر تلك الخطوات (حالات التشرذم) حتى يكون القارئ الكريم على بينة مما حصل . * لم يستطع كاتب المقال الكتابة كممثل للحزب , فالمقال الافتتاحي يعبر ودون شك عن رأي الحزب في موضوع ما , لكننا هنا لا ندري هل المقال يعبر عن رأي الكاتب أم عن رأي الحزب , فأحياناً يتحدث بصيغة الحزب فيستخدم ” نحن ” , ثم لا يلبث أن تطغى عليه وعلى كتابته النزعة الفردية أو فلنقل حب إبراز الهيمنة وحب الذات فيستخدم ” أنا ” , و”لأنني أحد مسؤولي الحركة الكردية ” , حيث ورد حرفياً ما يلي في المقال , وذلك على سبيل المثال لا الحصر ” مما سبق ذكره أنه رغم المحاولات الحثيثة لتشكيل أطر نضالية أو وحدات اندماجية إلا أن معظمها لم تصمد ، فما السبب ؟ وما العمل ؟ أما عن السؤال الأول (السبب) فإننا لن أخوض في تفاصيله رغم أننا على اطلاع تام بمعظمها لأن ذلك وكما أسلفنا قد يكون السبب في خلق توتر جديد في الحركة نحن بغنى عنه رغم إدراكنا العميق وقناعاتنا التامة بأن عدم معرفة الأسباب وعدم تشخيصها بدقة لن يوفر لنا العلاج المناسب للحالة وبمعنى آخر فإن طرح الأسباب الحقيقية قد يكون واجباً علينا لكي نستطيع وضع الحلول لها ولكن ومع ذلك نعتذر عن القيام بهذا الواجب ليس تهرباً منا للقيام بالواجب وإنما حرصاً منا على عدم فتح صراعات جديدة لأنني أحد مسؤولي الحركة “. * الأخطاء النحوية والإملائية : التي زادت في الطين بلة ” فإننا لن أخوض في تفاصيله …. “


ثانياً- قراءة في طرح الكاتب للتجارب الفاشلة والناجحة للتقارب في صفوف الحركة : يحاول كاتب المقال أن يظهر حياديته بأسلوب فاشل في سرده لهذه التجارب , فيذكر بأنهم أيضاً كانوا جزءاً من التجارب الفاشلة , ولكن يظهر لا حياديته في التشخيص ” إن لم نقل حقده ” إذ يوهم رفاقه قبل غيرهم بأنه كان هناك تحالف هم مؤسسوه عام 1992 م ثم حل محله تحالف آخر ” الوحدة والتقدمي ورفاق نصرالدين واليساري ” : إن الحقيقة واضحة للقاصي والداني أنه لا وجود لتحالف آخر بعد تحالف 92 , كل ما في الأمر أنه بعد الانشقاق الذي تعرض له البارتي عام 1998 , استمر البارتي جناح الأستاذ نصرالدين إبراهيم في التحالف بأغلبية أصوات أعضائه واستمر هذا التحالف نفسه حتى الآن رغم الخلافات التي اعترته مؤخراً … ثم يحصر التجارب الناجحة بالجبهة وحزب آزادي : أولاً – الجبهة تضم البارتي جناح الدكتور عبدالحكيم بشار والمساواة والوطني , كيف لهذه الجبهة أن تكون من التجارب الناجحة , وهي تضم وحسب رأي كاتب المقال تنظيمين صغيرين , لم يستطيعا أن يثبتا ذاتهما , واقترح عليهم الانضمام إلى تنظيم كبير (من وراء الكواليس الانضمام إلى حزبه, البارتي) أو الاندماج بين هذه التنظيمات الصغيرة , فكيف لجبهة تضم حزب وتنظيمين غير ناجحين على الساحة أن تكون ناجحة …. ثانياً – حزب آزادي : يحاول كاتب المقال أن يغازل حزب آزادي بعد عدة لقاءات بين مكتبيهما السياسيين , أو بالأحرى الطرف المنقاد لجناحه من قيادة آزادي …. بات لا يخفى على أحد الدرجة الخطيرة من الخلافات التي اجتاحت آزادي في الآونة الأخيرة فالقيادة منقسمة على نفسها في تيارين أو ثلاثة , وأغلبية هيئات وفرق التنظيم لا تعقد اجتماعاتها , بالإضافة إلى الحالات الكثيرة لترك صفوف الحزب داخل البلاد وخارجها , فأي تجربة ناجحة هذه يا كاتب المقال . ثم إن معايير النجاح في هكذا تجارب , وحسب قناعاتي , تنحصر في الزمن والاستمرارية والدور والتأثير والأعضاء , وكمقارنة بين التحالف والجبهة من حيث النجاح نرى بأن التحالف أكثر نجاحاً من الجبهة لعدة أسباب فقد تأسس التحالف عام 1992م أي أنه أقدم من الجبهة بكثير ثم للدور الكبير الذي لعبه وما يزال على الساحة الكردية والوطنية والقومية , حيث أن التحالف لعب دوراً بارزاً في التقارب بين صفوف الحركة الكردية في سوريا , والعمل من اجل رفع الغبن عن كاهل شعبنا الكردي , وكذلك لا يخفى دور التحالف القومي في تأييد ومساندة الشعب الكردي في العراق وتركيا وإيران , وكذلك استطاع التحالف أن يلعب دوراً ملموساً على الساحة الوطنية في سورياً , حيث استطاع الاتصال بالسلطات السورية لعدة مرات بخصوص القضية الكردية والقيام بالعديد من الأنشطة الديمقراطية ضد الإجراءات الشوفينية بحق شعبنا الكردي في سوريا من إحصاء وحزام وآخرها المشروع 49 والتظاهر ضده في دمشق في 2/11/ 2008, والتحالف من الأعضاء المؤسسين لإعلان دمشق للتغيير الوطني والديمقراطي , ثم أنه ضم العديد من القوى الفاعلة على الساحة الكردية , أما بالنسبة لاستمراريته , فهو مستمر إلى الآن , إلا إذا اعتبرتم أنه قد انهار بعد العملية الانقلابية على شرعية التحالف , فهذا الاعتبار ليس في صالحكم , إذ أنه في هذه الحالة ليس للبارتي وجود أيضاً , فكم مرة ذكرتم بأن البارتي تعرض للانقلابات والانشقاقات , ولكنكم كنتم تؤكدون بأن البارتي مايزال مستمراً , بل وأكثر قوة من ذي قبل , ثم أنكم ومن خلال الجبهة طرحتم مشروعاً للمصالحة بين طرفي النزاع في التحالف وأكدتم بأن الذي يرفض هذا المشروع سيتم التعامل مع الطرف الآخر بكونه هو التحالف , فأين أنتم من هذا …. يا كاتب المقال ثم ما هذا التخبط في التعامل مع الطرف الآخر للبارتي جناح الأستاذ نصرالدين إبراهيم , حيث أنكم في المقال لا تعتبرونه حزباً , أو الطرف الآخر للبارتي ثم تأتون وفي نفس العدد , بل في الصفحة الأولى من جريدتكم توقعون معهم باسم واحد , أي أن كلاكما يمثل البارتي (الأحزاب الكردية تدعو إلى الوقوف عشر دقائق احتجاجا على المرسوم (49) …. ثم أنكم حالياً على وشك عملية وحدوية بين طرفكم والطرف الآخر للبارتي (جناح الأستاذ نصرالدين إبراهيم ) فلماذا هذه الجمل التي لا تخدم العملية الوحدوية في شيء ,أقصد قولكم ( رفاق الأستاذ نصرالدين إبراهيم) ….


ثالثاً- قراءة في طرح الكاتب للحلول : جاءت الحلول شعاراتية , رغم عدم حب الكاتب للأسلوب الشعاراتي , فحلوله السحرية الخمسة , شعاراتية , فكيف تتحقق المرجعية وكيف يتم البحث عن آليات مرغمة للسلطة لإيجاد حل للقضية الكردية , وكيف يمكن للأحزاب الصغيرة الاندماج فيما بينها أو مع أحزاب كبيرة , وكيف يمكن التوصل إلى خطاب كردي موحد , وكيف يمكن التعامل مع الأحزاب خارج الأطر الثلاثة …. كيف لنا كل ذلك , وأنتم ترون أنفسكم الحزب المحوري للحركة , ولا تقبلون حتى الجلوس مع أطراف الحركة الكردية مجتمعين لمناقشة القضايا الطارئة , بل تفضلون أسلوب المراسلات عبر وسطاء , وترون مشروعكم هو المشروع الناجح الوحيد , وحاولتم وتحاولون إهمال الأحزاب الصغيرة , حسب رأيكم , بتشكيل كتلة تضم جناحكم وحزب الوحدة والتقدمي وآزادي ويكيتي ….وووووو والكثير غير ذلك . أخيراً : كم كنت أود أن لا يكون كاتب المقال طبيباً لأطفال السياسة , بل كنت أود أن أراه طبيباً لكبار السياسة , لعله يتعلم من الكبار كيف يقود دفة السياسة……. وأرجو, كما كتبتم , يا صديقي كاتب المقال ” نتمنى أن لا يفهم أحد الموضوع بشكل خاطئ فغرض هذه المقالة وهذا الاستعراض ليس التهجم على شخص بعينه أو انتقاد فصيل بذاته ، وإنما هو عرض لواقع أليم ….” .

 الدرباسية 8/4/2009

 

……………………………………………………

 

رداً على نظرة في المقالة الافتتاحية لصوت الأكراد للوند الملا

 


محمود حسنبعد مايزيد عن الشهر أطل علينا السيد لوند الملا …, بإطلالة خائبة , ليتهجم على جريدتنا المركزية (صوت الأكراد) , وعلى سكرتيرنا المحترم (الدكتور عبدالحكيم بشار) …. فما كان منا إلا أن نوضح له بعض المفاهيم التي يعجز عن فهمها الملا:
 1كل إنسان معرض للخطأ , وإن كان سكرتير البارتي , ولكن لا داعي , لاستغلال وتصيد الأخطاء , واستثمارها , خاصة وكما هو واضح أنك من رفاق الدكتور في البارتي .
 2كان بإمكانك طرح آرائك داخل الحزب , وليس على صفحات الانترنيت , إلا إذا كانت غايتك أن ترسل رسالة تهديدية للسكرتير وللبارتي , فهذا شيء آخر .

 3- بعد أن ضعف موقفك في البارتي , تحاول أن تغازل التحالف وتغازل الطرف الآخر للبارتي.

 

 4- بالنسبة لنجاح الجبهة , التي يقودها حزبنا (البارتي)  ,فهي ناجحة لسبب واحد , لأنها لم تتعرض لانشقاق حتى ساعته , أفليس كافياً هذا السبب.
5بالنسبة للاعتراف أو عدم الاعتراف بالبارتي (جناح الأستاذ نصرالدين إبراهيم) فأشاطرك الرأي بأنه دخل في تناقض, وكان الأجدر به أن يدعو إلى الإسراع في الوحدة في سياق المقالة.
 6بالنسبة للحلول التي طرحها السكرتير, فلم تكن من باب الأمر , إنما هي مقترحات قابلة للنقاش.
 7بالنسبة للأخطاء النحوية والإملائية , فالسكرتير طبيب وليس مدرس لغة عربية, ثم أنه سكرتير حزب كردي وليس سكرتير حزب عربي.
 8ليس دفاعاً عن سكرتير البارتي, الدكتور عبدالحكيم بشار, ولكن للحقيقة, إن الدكتور يملك من الإمكانيات السياسية والقيادية الشيء الكثير, وكذلك لقربي منه, فهو مخلص لأبعد الحدود مع حزبه وشعبه.
 9ثم لم يكن لائقاً بك أن تكتب هذه الجمل الغير مقبولة في خاتمة المقال.
 10وأخيراً, يبقى ما طرحه السكرتير في الجريدة عبارة عن رأي خاص قابل للنقاش.
 لذلك أرجو منك, ومن أمثالك توخي الدقة في الكتابة. كما أتمنى لموقع (ولاتي مه) السير قدماً في نجاحاته الباهرة.

 

 القامشلي 11/4/2009

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

برقيات وتحيات


برقية تهنئة

 

 

 

 

 

كتبنا وكتب الآخرون بصدد (توحيد الجهود) والصفوف وهذه ليست بمنةٍ على أحد أو مدحاً ونفخاً في “النفس الأمارة”، بل هو تذكيرٌ بأن للكلمة دور وأنه من واجبنا الأخلاقي والسياسي تجاه قضايا شعبنا المصيرية أن نقوم بما يملي علينا الواقع والمستجدات بأن نتصدى لهذه الظواهر والمواضيع الإشكالية في واقعنا السياسي – الاجتماعي الراهن وانعكاساتها على المسألة الكردية برمتها؛ إن كان من حيث العلاقات الداخلية بين الأطراف والأحزاب الكردية نفسها وأيضاً علاقات الجماهير الكردية بها وبالتالي التفافها حولها وحول قضيته العادلة أو من حيث العلاقة مع الخارج؛ الخارج الإقليمي من دول الجوار أو الخارج الدولي من مراكز القرار.

 

نعم لقد كُتِب الكثير وخاصة في الآونة الأخيرة بشأن توحيد الحركة السياسية الكردية في هذا الجزء من كوردستان (سوريا) حيث إنه من الضرورة التاريخية والمرحلية أن تكون هناك مرجعية كردية وأن تقوم بالعمل وفق رؤية وورقة كردية مشتركة تُجمع عليها كافة الأطياف السياسية الكردية. ونعتقد بأن الشارع الكردي وأيضاً النخب الكردية لعبت – وما زالت تلعب – دوراً حيوياً ومهماً في هذا الإطار والاتجاه؛ بحيث دفع القوى السياسية والأحزاب الكردية نحو العمل المشترك وتوحيد البرامج والجهود وما نشاهده في الآونة الأخيرة من إطارات جبهوية جديدة – لجنة التنسيق بين كل من تيار المستقبل وحزب يكيتي الكردي وحزب آزادي، على سبيل المثال – أو اندماج بعض الكتل في كتل سياسية أخرى؛ حل حركة الحقيقة الكوردستانية في الحزب الديمقراطي الكردي في سوريا (البارتي) مؤخراً، إلا نوعاً من ذاك الحراك والضغط الجماهيري – النخبوي في هذا المنحى.

 

وإننا بهذه المناسبة وكأحد المهتمين بالشأن السياسي والثقافي الكردي نبارك ونهنئ أولاً الأخوة والأخوات في حركة الحقيقة الكوردستانية على مبادرتهم هذه بحل حركة الحقيقة والانضمام إلى صفوف “البارتي” أو “العودة إلى الحزب الأم” كما يسميه البيان والذي صدر عن الحركة بهذه المناسبة. كما نهنئ الأخوة والأخوات في الحزب الديمقراطي الكردي في سوريا “البارتي” لاستيعابهم لضرورات المرحلة وبالتالي تيسير العمل للأخوة في حركة الحقيقة الكوردستانية من أن ينضموا بيسر ودون تشنجات وقلاقل حزبية إلى صفوف “البارتي”. وهنا نود أن نهمس في أذن القيادة السياسية “للبارتي”: بأن المرحلة تتطلب من هذه القيادة مرونة وحنكة سياسية حقيقية والابتعاد كلياً عن العنجهية الزعاماتية القبلية؛ بأننا الطرف الشرعي محلياً وكوردستانياً وبالتالي فالجميع بحاجة إلينا. بل إن القائد والقيادة الحقيقية والحكيمة ومن يريد أن يقود المرحلة حقيقةً يجب عليه أن يتمتع بصفات وأخلاقيات القيادة الأبوية من تواضع وعطف ورعاية لكل من يعتبر إنه رافدٌ من روافد هذا النهج؛ نهج “البارتي” الوسطي والمعتدل وبالتالي استيعابه وضمه ليتحول الحزب (البارتي) حقيقةً إلى حزب جماهيري.

 

وأيضاً نهنئ جميع القوى والأطراف السياسية الكردية بهذه الخطوة الجريئة والمتخذة من قبل الأخوة في حركة الحقيقة الكوردستانية ومن خلالهم – جميعاً- نهنئ كافة أبناء شعبنا الكردي في هذا الجزء من كوردستان (سوريا) وأخيراً نهنئ أنفسنا وكل من ساهم ويساهم من خلال الكتابة أو العمل الميداني لإنجاح العمل الوحدوي بين القوى والأحزاب السياسية الكوردية. وبهذه المناسبة ندعو كل الكتل والأطراف والقوى السياسية والتي (تلتزم) بمنهج وخط سياسي معين أن توحد جهودها وتعمل على ضم تلك القوى إلى بعضها من خلال أطر تتفق عليها وبالتالي أن تكون لدينا أحزاب وكتل سياسية حقيقية لها قاعدتها الجماهيرية وليس كما الحال عليه الآن؛ بحيث تجد بعض تلك الأحزاب (بل أكثرها) لا تملك في الشارع أي رصيد حقيقي، بل سماها بعض الأصدقاء بـ(الأحزاب الإلكترونية)؛ كونها تشكلت على مواقع الأنترنت وهذا ليس ذماً لأحد بل هي حقيقة واقعة.

 

ومن خلال دعوتنا هذه وكوننا من (المؤمنين) بأن “نهج البارتي” هو المرشح لأن يقود المرحلة المقبلة من تاريخ شعبنا – وذلك عندما يستفيد “البارتي” من مجموعة الظروف المساعدة له من جهة ومن الجهة الأخرى في حال إن لبى مجموعة الشروط والمستحقات التاريخية والواجبة على أي فصيل أو طرف قيادي لأن يقود تلك المرحلة، وقد ذكرنا بعضاً منها في مقالاتنا السابقة ولا حاجة هنا للإعادة – فلذلك فإننا ندعو كافة الكتل والأطراف والتي (تؤمن) بنهج “البارتي” في العمل السياسي لأن تلتف حول برنامج مشترك نتفق عليه وبالتالي يكون هناك كتلة أو حزب سياسي يمثل هذا النهج ليكون مرشحاً لقيادة شعبنا نحو تحقيق حقوقه القومية والدستورية وعلى اعتبار أن القضية الكردية في هذا الإقليم هي قضية أرضٍ وشعب.

 

مرةً أخرى كل التحية والتبركات لكل من ساهم وشارك في هذه الجهود وكلٌ من موقعه وحسب قدراته.. وإلى المزيد من الخطوات الوحدوية لنرى في المستقبل القريب أحزاب كوردية قادرة على العمل على الأرض وبين الجماهير وليس فقط على مواقع الإنترنت وبالتالي تكون قادرة على قيادة الجماهير أو على الأقل قطاعات واسعة منها.

 

جندريسة-2006


تحية وفاء وتقدير

لكل من حزبي آزادي وبارتي ديمقراطي كردستاني – سوريا

 

 

 

 

 

عقد في الآونة الأخيرة كل من حزبي آزادي الكردي في سوريا وبارتي ديمقراطي كردستاني – سوريا مؤتمريهما الأولين، وكان الأول في الداخل أما الآخر وبحكم تواجد أغلب قيادته وكوادره في الخارج فقد عقد مؤتمره خارج سوريا. ومن خلال الإطلاع على البيانين الختاميين للمؤتمرين سوف نجد بأن هناك العديد من نقاط التقاطع والاشتراك في الرؤى والمواقف بينهم. وقد وددنا بهذه المناسبة أن نوجه إليهما هذه الرسالة والتي تعبر عن تقديرنا لتلك المواقف الجريئة والمسئولة والتي أتخذها المؤتمرون حيال جملة قضايا ومسائل تتعلق بكلٍ من الأوضاع الداخلية والإقليمية؛ أي على الصعيد السوري – الكوردي وأيضاً الإقليمي – الكوردستاني.

 

إن ما يلفت الانتباه في البيانين المذكورين للحزبين؛ هو طرحوهما الواضح والصريح لجملة حقائق ووقائع على الأرض، فبالعودة إلى البيانين وقراءتهما سوف نستشف جملة مستجدات على صعيد الخطاب السياسي الكوردي في هذا الإقليم الكوردستاني. فها هو حزب آزادي يعقد مؤتمره تحت هذه الشعارات:

“- الديمقراطية للبلاد والاعتراف الدستوري بوجود الشعب الكردي كثاني قومية في البلاد .
– الحرية لكافة المعتقلين السياسيين ومعتقلي الرأي والضمير في سجون البلاد .
– نحو صياغة مشروع سياسي يجسد الحقائق التاريخية والجغرافية للشعب الكردي في سوريا.
– العمل من أجل إطار نضالي كردي يلبي استحقاقات المرحلة ويحقق التوازن القومي والوطني في إطار التغيير الوطني الديمقراطي.
– نحو بناء علاقات كردستانية تحقق التفاعل والتكامل بين الجزء والكل.
– الحوارات الوطنية ينبغي أن تجسد المكون السوري أرضاً وشعباً.
– نحو تفعيل دور المرأة الكردية والاهتمام بالجيل الشاب.
– نحو الارتقاء بالنهج القومي الديمقراطي”. وكذلك فإن “بارتي ديمقراطي كردستاني – سوريا” يعقد مؤتمره تحت الشعارين التاليين: “- إلى الأمام وليس إلى الوراء.
– الديمقراطية لسوريا والحقوق الدستورية لشعب كردستان سوريا“.

 

وأيضاً ومن خلال متابعة قراءة البيان الختامي نجد بأن الحزب؛ حزب آزادي ولأول مرة وبكل وضوح وشفافية يؤكد على مسألة نعتقد أنها في غاية الأهمية؛ ألا وهي مسألة إلحاق جزء من الجغرافية الكوردستانية بالدولة السورية الحديثة التكوين – لا يعني هذا بأن بقية الأحزاب الكوردية في إقليم كوردستان سوريا قد سبقتها في ذلك وأقرت بهذه الحقيقة، بل هي ما زالت أسيرة خطاب التقية والجبن السياسي واللعب على الحقائق بمسميات ومناورات لفظية كلامية وبالتالي فإن حزب آزادي وكما عودنا “دائماً” فهو السباق إلى رفع سقف خطابه السياسي– حيث يأتي في صياغة البيان وبهذا الصدد ما يلي: “دارت المناقشات حول مجمل النقاط الواردة في جدول الأعمال، وكذلك المسائل المتعلقة بمستقبل القضية الكردية في سوريا وفق منظور سياسي، يأخذ في اعتباره المتغيرات، وكذلك استحقاقات القضية الكردية، كقضية أرض وشعب، يعيش في مناطقه التاريخية – كردستان سوريا – في الشريط الشمالي والشمال الشرقي من سوريا، له الحق في أن يقرر مصيره بنفسه وفق العهود والمواثيق الدولية المتعلقة بحق الشعوب في تقرير مصيرها، والذي من شأنه، إذا ما تم تجسيده، أن يعزز ثقافة التعايش ويرسخ خيار الاتحاد الاختياري، كون تجارب الشعوب غنية في أشكال الوصول إلى حلول تحقق الوحدة الوطنية من خلال تجسيد حق تقرير المصير ..”. حيث أن هذا الإقرار والإعلان وبهذا الوضوح يعتبر الأول من نوعه في الحركة السياسية الكوردية وذلك من بعد الخطاب السياسي لمجموعة من الساسة والمثقفين الكورد الذين طرحوا هذه المسألة بجرأة وكذلك من بعد (بعض) الفصائل والتنظيمات كـ”بارتي ديمقراطي كردستاني – سوريا“.

 

كذلك ما لفت انتباهنا هو الوقوف على مجموعة قضايا ومسائل مركزية وحيوية في هذه المرحلة التاريخية من نضال شعبنا؛ فعلى الجانب الوطني يؤكد البيان على أن “التغيير – حاجة وطنية ملحة ومقدمة لبناء دولة عصرية”. وكذلك على الصعيد القومي يؤكد المؤتمرون على أنه “كان التوجه في إطار خدمة العلاقات القومية، المبنية على أساس التفاعل والتكامل بين الجزء والكل، والارتقاء بالنهج القومي الديمقراطي، كي يكون له دوره وموقعه ضمن التوازنات الدولية والإقليمية، وبهذا الصدد تعتبر تجربة الفيدرالية في كردستان العراق مكسباً قومياً وخدمة نضالية، وركيزة نحو تجسيد القضية الكردية، وشكل من أشكال التعبير عن الإرادة في التفاعل مع التطورات السياسية التي تهدف إلى إعادة بناء المنطقة، ومن هنا فإن المطلوب قومياً هو دعم ومساندة تلك التجربة النضالية، ودعم وإسناد نضال الشعب الكردي في كل من كردستان تركيا وإيران ..”. وهذه أيضاً تعتبر خطوة جريئة ومتقدمة وذلك من أجل تعزيزي العلاقات الكوردستانية وعلى أن القضية الكوردية، وإن كان لكل جزء بعض الخصوصية وذلك نتيجة لتعرض الجغرافية الكوردستانية للتقسيم، إلا أنها هي قضية أرض وشعب، قضية أمة واحدة تملك كل مقومات الدولة الوطنية “الكوردستانية” والتي لها الحق أن تجمع أبناءها في كيان سياسي واحد.

 

أما رؤية الحزب؛ حزب آزادي للمسألة الكوردية في كوردستان سوريا فإنه يعتبرها “قضية وطنية ديمقراطية” وبالتالي “ينبغي حلها استناداً إلى مبدأ حق الشعوب في تقرير مصيرها”. وأخيراً يقف المؤتمر عند الجانب التنظيمي وبعض المشاكل التي اعترضت مسيرة انطلاقة آزادي وكذلك مسائل الوحدة مع الفصائل الأخرى من الحركة السياسية الكوردية حيث أعتبر المؤتمر على أن “مشروع الوحدة مشروع سياسي نضالي يحتاج إلى حشد الطاقات في سبيل ترسيخه وتعزيزه، وما نحتاجه هو الترتيب لتكوين آليات العقل الجماعي .. بعد ذلك وقف المؤتمر على شكل التفاعل الجماهيري مع الحزب والإقبال على التنظيم، والذي يحتاج إلى آليات من شأنها الارتقاء بالأداء التنظيمي، وأن الشكل الذي يمتلك القدرة على استيعاب مجمل الطاقات والإمكانات يتجسد في الشكل المؤسساتي لبناء الحزب”. وأيضاً ورد إلينا بأن المؤتمرون ومن أجل التخلص من الفردية والدكتاتورية ومشاكل التسلط على قيادة الحزب من قبل البعض وبقاءهم فيه إلى أبد الآبدين، فقد تم الموافقة على أنه لا يجوز أن يترشح نفس الشخص لمنصب قيادي في الحزب لأكثر من دورتين “مؤتمرين” متتاليين.

 

يمكن أن نعتبر بأن هذه هي المفاصل الرئيسية والتي لمسناه في البيان الختامي لـ”حزب آزادي الكردي في سوريا” وإذا عدنا إلى البيان الختامي لـ”بارتي ديمقراطي كردستاني – سوريا” فإننا سنجد بأنه يتقاطع ويلتقي مع البيان الأول في العديد من المسائل والأطروحات، إن لم نقل في كلها، ومن خلال هذه النظرة على جملة المطالب والتي جاءت في سياق البيان الختامي لهذا الأخير سوف يثبت لنا ذلك؛ حيث يطالب البيان بما يلي:

“1ًالنظام الأساسي والسلطة العليا لكيان الدولة هو الدستور الذي ترعاه المحكمة العليا الدستورية.
2ً- التعددية السياسية من خلال حق تأسيس الجمعيات والأحزاب والمنظمات والنقابات وحمايتها وتنظيمها قانونياً .
3ً- الفدرالية هي الحل الأمثل لمستقبل سوريا وتجسد بالنسبة للشعب الكوردي جوهرياً مبدأ حق تقرير المصير مع الحفاظ على وحدة الدولة السورية.
4ً- إبعاد الجيش عن السياسة والتناوب على السلطة من خلال النظام التمثيلي النيابي التشريعي.
5ً- حل أجهزة الأمن القمعية المختلفة وضم عناصرها وأفرادها إلى وحدات الشرطة حسب مؤهلاتهم.
6ً- الإعتراف الدستوري بالوجود القومي الكوردي في كردستان سوريا كقومية أساسية في البلاد وضمان حقوق الشعب الكوردي القومية والسياسية والثقافية، ومن ضمنها حق إدارة نفسه فدرالياً.
7ً- حماية حقوق الأقليات الدينية والقومية في البلاد وتأمين حقوقها العادلة.
8ً- باعتبار أن المراة شريكة الرجل، لذا تصان حقوقها في مختلف مجالات الحياة دستورياً.ً 9ً- تأمين وممارسة العدالة الإجتماعية والرفاه الإجتماعي والأمن الصحي والغذائي للجميع وبخاصة الأطفال وكبار السن ……الخ.
10ً- دعم السلام العالمي ونبذ العنف والإرهاب بمختلف صوره وأشكاله والديكتاتورية والدعوة إلى التفاهم والحوار وحل المشاكل بين الأمم والأقوام بالطرق السلمية ….الخ.
11ً- يفتخر الحزب برموزه التاريخية من الرعيل الأول لمؤسسيه“.

 

وهكذا نجد بأن هذين الفصيلين من الحركة السياسية الكوردية بالإضافة إلى بعض الأطراف الأخرى مثل تيار المستقبل وحزب يكيتي الكردي في سوريا وحركة الوفاق الديمقراطي الكردي يشكلون جبهة غير معلنة ولهم خطاباً سياسياً متقارباً يمكن جمعهم تحت خيمة حزب أو أي إطار سياسي ليكون أكثر قدرة على الحركة والتأثير في الساحة السياسية الكوردية والإقليمية وحتى الدولية وهذه دعوة أخوية لهذه الفصائل لأن تجمع صفوفها ضمن ذاك الإطار.

 

ولم يبقى أخيراً إلا أن نتوجه لهذين الفصيلين الكورديين ولكافة رفاقه وكوادره وبمناسبة انعقاد مؤتمريهما بأحر التهاني القلبية والأخوية وذلك تقديراً لمواقفهم الجريئة والمنسجمة مع روح العصر من جهة ومع الحقائق على الأرض وما تنادي بها الجماهير الكوردية من الجهة الأخرى، ونرجو أن تكون مواقفهم هذا دافعاً ومحرضاً لباقي الفصائل والأحزاب الكوردية في إقليم كوردستان سوريا بأن تحذو حذوها، وهكذا نكون قد وحدنا الخطاب السياسي الكوردي وبالتالي طرحنا ورقة كوردية واحدة ولتكون مقدمة لتوحيد الجهود والطاقات ومن ثم توحيد صفوف الحركة السياسية الكوردية والذي هو مطلب المرحلة الحالية وأيضاً رغبة أبناء شعبنا في هذا الإقليم من الجغرافية الكوردستانية.

 

 

 

جندريس-2006


كلمة ترحيب

في عودة الرفاق إلى (البارتي)

 

 

 

 

 

بعد فترة من الجفاء والتباعد بين الأخوة والرفاق في الحزب الديمقراطي الكردي في سوريا (البارتي) وانقسام الحزب إلى أكثر من طرف وفصيل، يعمل في الساحة السياسية والجغرافية الكوردية في سوريا، ونتيجةً لعمل الخيّرين من الرفاق والأخوة إن كانوا ضمن الفصيل المعروف بجناح  الأستاذ محمد نذير مصطفى أو الأخوة والرفاق الذين وقفوا مع الأخ والأستاذ عبد الرحمن آلوجي فترة خلافه مع قيادة الحزب، أو الأخوة والمثقفون الغيورون على الحركة الوطنية والقضية الكوردية عموماً وعلى الأخص نهج (البارتي)؛ نهج بارزاني الخالد وما يتصف به من مفاهيم التسامح والمصالحة والمحبة والإخاء والعمل من أجل القضايا القومية والوطنية الديمقراطية وبالتالي تغليب المصلحة العامة على الخاصة والأنانية الحزبية والشخصانية الضيقة. فقد قام  الأخوة في قيادة (البارتي) بعمل جاد مع الأخوة والرفاق الذين كانوا على خلافٍ معهم – والذين كانوا مع الأخ عبد الرحمن – إلى أن تكلل العمل ذاك بعودة أولئك الأخوة والرفاق ومعهم الأستاذ عبد الرحمن آلوجي إلى صفوف (البارتي) وبالتالي توحيد الصفوف والجهود.

 

وإننا بهذه المناسبة السعيدة والمباركة نهنئ جميع رفاق وأعضاء (البارتي) قيادةً وقواعد، كما نهنئ أنفسنا وكل من ساهم من خلال كتاباته وعمله الميداني في تقريب وجهات النظر بين (الطرفين) من أبناء شعبنا الخيرين والغيورين على هذا النهج والمدرسة النضالية وأيضاً نهنئ أبناء شعبنا الكوردي في كل الأصقاع والجغرافيات الكوردستانية وأيضاً في (الشتات) والمهجر ونعاهدهم أن نعمل وبكل إخلاص ومحبة في سبيل قضايانا المصيرية ومن أجل تحقيق وحدة (البارتي) بحيث يعود إلى أمجاده وقوته وزخمه السياسي والجماهيري كما كان عليه في أعوام السبعينيات من القرن الماضي. ولذلك وبهذه المناسبة العزيزة على قلوب كل المناضلين والغيورين على نهج (البارتي) فإننا ندعو الأستاذ نصر الدين إبراهيم، والذي يقود الجناح الآخر من (البارتي)، العمل مع رفاقه بجدية للوصول إلى صيغة توحد الصف (البارتوي) في هذه الجغرافية الكوردية. وأيضاً لا يغيب عن بالنا أن ندعو رفاقنا وأخوتنا في الحزب الديمقراطي الكردي في سوريا (البارتي) والذي يترأسه الأستاذ محمد نذير مصطفى أن يتخطى الجراحات والشقاقات الماضية ويجسد عن حق وحقيقة نهج بارزاني الخالد وبالتالي تتحقق وحدة الحزب كلياً وعملياً، وهو (أي الحزب الديمقراطي الكردي في سوريا – البارتي) قد برهن – وهو يبرهن الآن أيضاً – ومن خلال العديد من المواقف السياسية والجماهيرية أنه بحق يسير على خطى هذه المدرسة النضالية الكوردايتية.

 

وأخيراً لا يسعنا إلا أن نقول: عاشت كل الجهود الخيّرة والنبيلة في سبيل تحقيق أماني وآمال شعبنا لنيل حقوقه القومية المشروعة وفي حياة حرة وكريمة وأن تكون هذه الخطوة التوحيدية مقدمة لتحقيق تلك الأماني والآمال وأن يكون دفعاً لنا جميعاً في سبيل المزيد من العمل الجاد والتضحية وبناء المؤسسات الحزبية والسياسية الحقيقية بحيث يكون “الرجل المناسب في المكان المناسب” والعمل من أجل أن يكون هناك الكادر السياسي المتخصص لطرح برامج سياسية حقيقية والعمل بوضوح وشفافية وفي “ضوء النهار” بعيداً عن الغرف المغلقة والمظلمة والعمل بين “أربع جدران”. فقد آن الأوان أن نضع أوراقنا؛ أوراق الورقة الكوردية على الطاولة وأن نعمل في السياسية كما تتطلبها المرحلة وبعيداً عن (الرعب الأمني) ومسألة الملاحقات والخوف منها، حيث لا شيء يدفعنا لأن نخجل أو (نخاف) من طرح قضيتنا القومية والإنسانية بوضوح وعلانية، كما لا يمكن تحقيق حقوق أمة مضطهدة ومغبونة بالتهرب من تحمل العبء والمسؤولية التاريخية والتي تقع على عاتق قياداتها الثقافية والسياسية وقد آن الأوان لأن تنبري لها تلك القيادات ومن لا يجد في نفسه تلك الهمة والقدرة والمسؤولية فالأحرى به أن يفسح المجال لغيره من هو أهلٌ لتلك المهمة الوطنية والقومية وبأن يأخذ دوره ومكانته في قيادة المرحلة هذه، لا بل سوف تقوم الأجيال الشابة بمهمتها هذه وتحقق بالتالي الصيرورة الطبيعية للمنطق التاريخي.

 

وآخراً نقول: عاش نهج بارزاني الخالد وعاش الحزب الديمقراطي الكردي في سوريا (البارتي) وكل الخيّرين الذين ساهموا في تحقيق هذه الخطوة المجيدة من أجل توحيد صف الحزب.

 

جندريسه – 2007


وحدة البارتي.. مرةً أخرى

 

 

 

 

 

 

لقد بادر مجموعة من “مؤيدو البارتي” في مدينة القامشلي بتاريخ (17/10/2008م) إلى إطلاق مشروع توحيدي بين جناحي الحزب الديمقراطي الكردي في سوريا ((البارتي)) وذلك تحت عنوان “مشروع مفتوح بين جناحي البارتي” وقاموا بنشر مشروعهم، بل مشروعنا – كشعب وأمة كوردية في غرب كوردستان وليس فقط كرفاق في البارتي – وذلك في عدد من المواقع الالكترونية الكوردية منها والعربية مطلقين بها، ومرةً أخرى، بادرة عمل وطني استراتيجي وضروري على صعيد القضية الكوردية في الجزء الغربي من كوردستان (سوريا) نظراً للموقع الهام والحيوي والذي يحتله (البارتي) في جسد الحركة الوطنية الكوردية في ذاك الجزء من الوطن الكوردستاني المغتصب من قبل دول عدة في منطقتنا الشرق أوسطية.

 

إننا ومن موقعنا الحزبي والسياسي؛ كعضو إحتياط في اللجنة المركزية للحزب الديمقراطي الكردي في سوريا ((البارتي))، وليس فقط من منطلق كاتب وسياسي كوردي مهتم بقضايا شعبه ووطنه، وبدايةً نبارك ونؤيد بقوة مثل هذه المبادرات وندعو قيادة الحزب – وفي الجناحين – لأن تقوم بخطوات جدية وعملية باتجاه توحيد الحزب وذلك لضرورة المرحلة إلى ذلك ولكي نتخلص من تسمية الجناحات باسماء السكرتيريات وحالة التشتت والتشرذم داخل التيار الفكري والسياسي الواحد، ناهيك عن حالة التمزق والتي تعيشها الحركة الوطنية في سوريا عموماً والكوردية منها على وجه الأخص.

 

إن مشروع المبادرة يوضح المراحل التي يمكن البدء منها لكي يتوحد الجناحين وذلك من خلال النقاط التالية: “1- يعتمد النظام الداخلي المعمول به في البارتي (جناح الدكتورعبد الحكيم بشار). 2- تدمج الهيئات والفرق في جميع مناطق تواجد البارتي. 3- تبقى اللجان المحلية كما هي في جناح الدكتور عبد الحكيم بشار, كونه تم إلغاء هذه الهيئة في جناح الأستاذ نصرالدين إبراهيم. 4- تبقى هيئة الرقابة والتفتيش قائمة بعد أن يضاف إليها خمسة أعضاء من جناح الدكتور عبدالحكيم بشار, حيث تم إقرار هذه الهيئة من قبل المؤتمر العاشر للبارتي (جناح الأستاذ نصرالدين إبراهيم. 5- بالنسبة للقيادة: – يكون الدكتور عبدالحكيم بشار سكرتيراً عاماً للبارتي والأستاذ نصرالدين إبراهيم سكرتيراً للجنة المركزية للبارتي. أو يكون الدكتور عبدالحكيم بشار سكرتير اللجنة المركزية والأستاذ نصرالدين إبراهيم نائباً له. يبقي كل جناح على نصف قيادته الحالية كي تقود البارتي, أي من جناح الدكتور عبدالحكيم بشار عشرة قياديين بالإضافة إلى الدكتور عبدالحكيم بشار, ومن جناح الأستاذ نصرالدين إبراهيم سبعة بالإضافة إلى الأستاذ نصرالدين إبراهيم أي 11/8 على أن يكون ما تبقى من قيادة سابقة بصفة قيادة احتياطية للبارتي. 6- تشكل لجان مكثفة للعمل على إعادة الرفاق القدامى في البارتي, والذين تركوا صفوف البارتي نتيجة الحالة التي مرّ بها. 7- يتم الدمج بين جميع منظمات الخارج. 8- تدمج هيئات إعلام البارتي. 9- في الفترة التي تسبق المؤتمر باب الوحدة أيضاً مفتوح مع أي فصيل كردي آخر. 10- يبقى هذا الوضع لمدة سنتين بعد إعلان الوحدة ومن ثم ينعقد المؤتمر الحادي عشر للبارتي على أن يحضره جميع أعضاء القيادة الأساسيين والاحتياط, وكذلك هيئة الرقابة والتفتيش وأعضاء اللجان المنطقية, بالإضافة إلى الأعضاء المنتخبين من الحزب. أأما بالنسبة لإعلان دمشق: فيبقى الوضع على ماهو عليه أي يمثل البارتي بممثلين حسب ما اتفق عليه في التحالف والجبهة قبل الوحدة. أما بالنسبة لوضع التحالف والجبهة, فيتم توحيدهما في إطار جديد يدعى الائتلاف الديمقراطي الكردي في سوريا, وتتبنى أي نظام داخلي ومنهاج دون أي إشكال. هذا هو المشروع, ونأمل من قيادة البارتي بجناحيه أن يعلنا موقفهما من المشروع علناً وعلى صفحات الأنترنيت. ودمتم ذخراً لقضيتنا العادلة“.

 

إن المشروع يحمل نقاط أساسية وجوهرية يمكن اعتمادها كمسودة أولية توقع عليه بالحروف الأولى وبالتالي فهي قابلة للنقاش والجدال على بعض النقاط والمسائل لايضاحها أو حذفها وكذلك إضافة بعض التفاصيل والحيثيات الأخرى للوصول إلى عمل وحودوي في صفوف (البارتي) والتي يتطلع إليها كل مخلص لهذا النهج القومي بما يملكه من جذور راسخة في الوجدان الشعبي الكوردي ولما للبارتي من تاريخ نضالي حافل وفي الأجزاء الأربعة من كوردستان وكذلك للضرورة التاريخية والمرحلية والتي تتطلب لأن يقود الحزب الديمقراطي الكردي في سوريا ((البارتي)) قيادة الحركة الوطنية الكوردية في غرب كوردستان لتحقيق أماني وطموحات شعبنا بالانعتاق من نير الظلم والاستبداد الملحقين به جراء النظام القمعي الأمني للسلطات السورية الحاكمة على رقاب الشعب السوري عموماً والكوردي على وجه التخصيص وحرمانه حتى من حق الوجود والهوية، ناهيك عن حرمانه من الحقوق السياسية والثقافية والاجتماعية الاقتصادية، بل وتنفيذه (أي السلطات السورية) لمشاريع عنصرية قومية بهدف صهر وإذابة الشعب الكوردي في بوتقة البعث والقومية السائدة (العربية) وكان آخرها المشروع الرئاسي رقم (49) بتاريخ العاشر من سبتمبر 2008 والذي “يمنع بموجبه المواطنين الكورد من إكتساب أي حق عيني على أراضيهم وأملاكهم بداعي أنها مناطق حدودية“.

 

وأخيراً فإننا ندعو من جهتنا كل الرفاق والأخوة في قيادة وقواعد البارتي – بجناحيها – للعمل على إنجاح هذا المشروع، بما لنا من ثقة بجدية وإخلاص الرفاق في صفوف الحزب وتفانيهم للعمل في خدمة قضايا شعبهم ووطنهم للوصول به إلى نيل الحقوق القومية المشروعة في غرب كوردستان. وكذلك ندعوا الفصائل والقيادات الكوردية في الداخل والخارج وخاصةً قيادة الحزب الديمقراطي الكوردستاني للضغط على قيادات – جناحي – البارتي للعمل على توحيد الحزب وذلك للعلاقة التاريخية المميزة بين الحزب الديمقراطي الكردي في سوريا ((البارتي)) والحزب الديمقراطي الكوردستاني في العراق وكذلك لما لقيادة الديمقراطي الكوردستاني من مكانة مميزة في قلوب وعقول الشعب الكوردي في سوريا عموماً وأنصار البارتي على وجه التحديد. وآخر الكلام لكم كلمتكم أنتم؛ أنصار ومؤيدوا ورفاق البارتي: بأن نعمل معاً صفاً واحداً وحزباً واحداً في سبيل قضايانا المصيرية والاستراتيجية للوصول بشعبنا إلى مصاف الأمم والدول المتحضرة والمدنية ولأن نعيش بكرامتنا داخل بلداننا وأوطاننا بعد أن ينال شعبنا الانعتاق والحرية.. ثم الحرية ومن ثم الحرية.

 

 

 

هولير – 2008


وأخيراً.. يودعنا بصمت

 

 

 

تلقينا صبيحة يوم أمس 22/12/2008 نبأ رحيل الأخ والأستاذ القدير محمد نذير مصطفى؛ السكرتير العام لحزبنا (الحزب الديمقراطي الكردي في سوريا – البارتي) وذلك بعد مرضٍ عضال (سرطان الرئة) والذي أشتد عليه في الفترة الأخيرة رغم تلقي العلاج في مشافي البلد (سوريا) وكذلك في فرنسا وبمساعدة من رئاسة حكومة إقليم كوردستان (العراق) مشكوراً.

 

يعتبر الأخ والرفيق محمد نذير مصطفى من مواليد المالكية لعام 1939م. ومن أوائل الذين أنتسبوا إلى صفوف البارتي (سنة 1958) أي بعد عام من تأسيس البارتي الديمقراطي الكردستاني ونتجةً لنضاله ونضالات الرفاق الآخرين تعرض مع عدد كبير من قيادات وكوادر الحزب للإعتقال وذلك في عام (1973) حيث أمضى مع بقية الرفاق ثماني سنوات في سجون النظام السوري العفلقي، منها سنة ونصف في زنزانة إنفرادية رطبة فاسدة، كل ما يمت إليها – دونه – فاسد من هوائها إلى زبانيتها وبالتالي كان المرض والعلل حتى وبعد خروجه من السجن؛ حيث أجرى جراحة في العينين والظهر وأخيراً كان سرطان الرئة.

 

تعرفتُ إلى الأستاذ والرفيق القدير يوم عودته إلى البلد من الزيارة الأخيرة له إلى إقليم كوردستان (العراق)؛ حيث إتصل الرفاق معنا وأبلغونا بأن السكرتير العام قد وصل إلى مدينة حلب ويود أن يتوجه إلى عفرين في زيارة معنوية للرفاق وكذلك للقيام بواجب التعزية لآل سيدو المعروفين بإنتمائهم لنهج البارتي وذلك لرحيل أحد أبناء العائلة ورفيق من الرعيل الأول. وهكذا ألتقينا مجموعة من كوادر وقيادات الحزب في كل من مدينتي عفرين وحلب في إحدى قمم كورداغ لنأخذ نسمة من هوائها النقي وذلك قبل أن نتوجه إلى قرية الراحل للقيام بواجب العزاء تجاه العائلة الكريمة. وهناك وفي ذاك الشموخ العفريني النقي بهوائها وروحها النضالية والوطنية، كان لقاءنا الأول مع السكرتير العام للحزب.

 

إن بعض اللحظات تبقى ملتصقةً بالذاكرة متحديةً الزمان والأيام وتأبى أن تخبوا وهجها في الروح، ومن هذه اللحظات هي تلك الجمعة التي جمعتنا في قمة ذاك الجبل العفريني مع مجموعة من الكوادر وقيادي الحزب ومن بينهم الرفيق والأخ نذير مصطفى بقامته الفارعة ورصانته وصمته العميقين والذي ترجمناه حينها بنوع من “الغرور والتعجرف” مما خلق لدينا، ولفترة زمنية لا بأس بها، نوع من النفور والسلبية تجاه الراحل العزيز.. إلا أن كانت اللقاءات المتكررة وخاصةً بعد المؤتمر العاشر للحزب ونتيجةً لبعض القضايا التنظيمية والتي تطلبت تدخله المباشر، فكان خير الرفيق الحريص على الحفاظ على نهج البارتي؛ نهج البارزانية الخالدة في المحبة والتسامح بالإضافة إلى خبرته التنظيمية وشخصيته المعنوية. وهكذا تعمقت العلاقة أكثر بالرحيل، فوجدنا فيه الأخ الكبير والقائد الحريص حقيقةً على نهج البارتي ووحدته التنظيمية وخير من يقود دفة القيادة في هذه المرحلة؛ حيث إنتخب سكرتيراً عاماً للحزب رغم غيابه عن المؤتمر العاشر بسبب المرض.

 

إننا سوف نودعك ونودع الجسد ذات الطبيعة الفانية بصمتٍ وحزنٍ عميقين، ولن نبكيك رغم إنبجاس الدموع من عيون الرفاق والأخوة والأهل، لن نبكيك لأنك أديت الواجب تجاه شعبك وقضيتك وذلك قبل أن تؤديها تجاه أهلك ونفسك، بل ولربما كنت تتناسى وفي أحيان كثيرة أن تهتم بشخصك وذاتك إلا أن كان المرض والسرطان اللعين الذي أخذ الجسد دون الروح والعمل المتفاني والدؤوب تجاه الحزب والشعب والقضية، هذا الثالوث الذي شكل ويشكل وحدة النضال والحراك السياسي لحياتك وحيوات كل رفاق دربك من أبناء وبنات شعبنا الكوردي في كوردستان عموماً ومنها الإقليم الملحق بالدولة السورية؛ أي غرب كوردستان.. فألف تحية ومحبة ورحمةٍ لكم أيها الرفيق والأخ العزيز وكل العزاء لشعبنا وإخوتنا ورفاقنا في الداخل والمهجر والشتات وكل الصبر والسلوان للعائلة الكريمة (عائلة علي آل يونس) بفقيدنا وفقيدهم الغالي الأستاذ محمد نذير مصطفى؛ السكرتير العام لحزبنا.

 

وأخيراً لا يسعنا في هذه الرسالة القصيرة إلا أن نتوجه بكل المحبة والشكر لكل من وجه كلمة وفاء أو برقية تعزية للحزب والرفاق ولأهل الراحل وأبنائه وإخوته وكل عائلة (آل يونس) الكريمة. ونقول آخراً: إن خير وفاءٍ للراحل هو المثابرة ودوام النضال على نهج البارتي؛ نهج البارزاني الخالد.

 

تنويه: إن منظمة البارتي في إقليم كوردستان (العراق) وبهذه المناسبة الأليمة، تقيم مجلس عزاء في العاصمة هولير يومي الأربعاء والخميس 24 ـ 25 كانون الأول 2008م وذلك في جامع الصواف.

 

  • پير روسته م: عضو اللجنة المركزية الإحتياط للحزب الديمقراطي الكردي في سوريا (البارتي).

 

 

إقليم كوردستان (العراق)

23/12/2008

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 


تحيَّتان..

(الأولى للأخوة المضربين عن الطعام في برلين..

والأخرى للمعتصمين في الداخل)

 

 

 

 

 

 

 

يبدو إن مفهوم ومقولة “أصبح العالم قرية صغيرة” لا يصح فقط في الجانب الاتصالاتي وثورة المعلومات وتقنياتها الحديثة، بل يصح أيضاً في الجانب الانساني منه أيضاً؛ فها هم أبناء شعبنا الكوردي – وعلى بعد أميال – يعيشون مأساة ومعاناة واحدة وإن أختلفت أساليب التعامل والتعاطي مع الحدث/ المأساة (فالموت واحد) وذلك من قبل حكومتين متباينتين في (كل) شيء ولا يلتقيان إلا على حساب “الدم الكوردي”؛ حيث في إحدى عواصم الديمقراطية (برلين) الاضراب المفتوح عن الطعام لعددٍ من أبناء جاليتنا الكوردية المنفية والمهاجرة قهراً بسبب سياسات النظام السوري القمعية وذلك تنديداً بالاتفاقية الأمنية السورية – الألمانية والتي وقع عليها كلٍ من وزيري الداخلية في البلدين المشار إليهما وكذلك هناك في الداخل السوري (غرب كوردستان) الاعتصام الجماهيري والذي دعت إليه قوى وفعاليات سياسية كوردية وغيرها وإن ما تقولها الصور والصرخات الأولى من الداخل، بأن هناك ملاحقات وإعتقالات أمنية بالجملة لعدد من الكوادر المتقدمة في الاعتصام المذكور.

 

حيث ذكرت موقع (كميا كوردا) في خبر عاجل لها اليوم (28/2/2009) بأن “الأجهزة الأمنية قامت باعتقال عدداً من المعتصمين تلبية لنداء الأحزاب الكوردية لم يتسنى معرفة أسماءهم جميعاً ومن بينهم عضو المكتب السياسي لحزب يكيتي الكردي في سوريا (سليمان أوسو) والسادة عبدالمجيد صبري والدكتور إبراهيم عباس حسين والدكتور فؤاد حنيفة والمهندس حسين إبراهيم أحمد ومحمد عيسى قاسم (أبو ولات) والمحامي بهاء الدين فاطمي في شارع فلسطين بالحسكة”. وأضاف الموقع في خبرها السابق “قد وقفت جموع غفيرة من المواطنين في أرجاء محافظة الجزيرة في تمام الحادية عشرة وسط تواجد أمني لم يسبق له مثيل وأكدت مصادر أن اعتقالات مماثلة جرت في قامشلو أمام جامع زين العابدين لم تتأكد أسماءهم حتى الآن وفي منطقة ديرك تم اعتقال كيف خش عيسى وفي الدرباسية اعتقال المحامي مسعود كاسو”. والقادم يبدو أعظم وأجل.

 

وكذلك فإن الخبر الآخر يفيد بأنه و”بالرغم من البرد القارس في العاصمة الألمانية برلين، تواصل مجموعة من أبناء الجالية الكردية السورية في ألمانيا بإضرابهم عن الطعام، وذلك لليوم الرابع  على التوالي، حيث افترش المضربون عن الطعام الأرض والتحفوا السماء بإصرار ومعنويات عالية مؤكدين مضيهم قدما في اضرابهم المفتوح عن الطعام احتجاجا على الاتفاقية الأمنية المشؤومة التي وقعتها كل من وزارتي الداخلية في ألمانيا وسوريا، بهدف إعادة اللاجئين الكرد والعرب الى سوريا وتركهم ليواجهوا مصيرهم المحتوم في سجون وأقبية النظام السوري، وكما هو معلوم وخاصة للهيئات والمنظمات الدولية المهتمة بحقوق الانسان بان النظام السوري من الانظمة التي تنتهك حقوق الانسان ومن الانظمة التي تستخدم اساليب وحشية في التحقيق مع ضحاياه وقد شهدت المعتقلات السورية موت العديد من المعتقلين اثناء التحقيق والاستجواب”. (الخبر مقتبس من نفس الموقع؛ كميا كوردا)

 

وهكذا يبدو أن مقولة “لا أصدقاء سوى الجبال” بالنسبة لقضيتنا وشعبنا الكوردي ما زالت تفعل مفاعيلها، على الرغم من كسر حاجز (العزلة الأمنية) والتي كانت تفرضها الأنظمة الغاصبة لكوردستان وبأدواتها القمعية الاستبدادية وذلك بالنسبة إلى قضية التعامل مع الملف الكوردي وإعتباره – من قبل تلك الأنظمة – ملفاً داخلياً أمنياً ولا يحق للآخرين التدخل في شؤونهم الداخلية؛ حيث أن اليوم باتت القضية الكوردية إحدى أهم قضايا المنطقة، إن لم نقل أهمها، وخاصةً بعد تحرير العراق من جور وتعسف طغمتها الدكتاتورية السابقة وكذلك ما لعبته وتلعبه الديبلوماسية الكوردية في إقليم كوردستان (العراق) بصدد إيصال القضية الكوردية إلى مراكز القرار الدولي والاستراتيجي وليس على صعيد الإقليم فحسب وإنما على مستوى الأمة والجغرافية الكوردستانية وما قائم حالياً من تبادل الرسائل بين كلٍ من حكومة الإقليم والحكومة التركية إلا مثالاً عن الدور الذي تقوم به إقليم كوردستان وحكومتها للمساهمة في حل المسألة الكوردية في الأجزاء الأخرى من كوردستان.

 

ولكن يبقى للعامل الداخلي/ الذاتي أكبر دور في تغيير الأوضاع القائمة في بلداننا المبتلية بحكومات إستبدادية وذلك على الرغم من حالة القمع الأمني والذي أوصلت شعوبنا إلى نوع من الاستسلام والخنوع وما يمكن تسميته بـ(الموات السياسي) وبالتالي إنتظار (المهدي المخلص أو الخضر أو.. – حتى – غودو” ليخلصهم من حكوماتٍ لا تقيم وزناً إلا لمصالحهم ولأرقام أرصدتهم في البنوك الغربية. وهكذا فإننا نعي وندرك بأن لتلك الدول أيضاً – الأوروبية منها وكذلك الولايات المتحدة الأمريكية – مصالح سياسية وإقتصادية مع حكومات(نا) العسكريتاريا الأمنية وبالتالي فهم حريصون للحفاظ على هذه الحكومات إلا أن (تأتي الساعة) وتكون مصالحهم قد تعرضت للتهديد والتقويض ولكن عليهم أن يدركوا أيضاً وبأنه مهما طال عمر الطغيان فلا بد أن يأتي ذاك اليوم الذي تذهب “به وبصاحبه“.

 

وأيضاً نطالبهم – الدول الغربية – لأن تحترم مواثيقها وتعهداتها لشعوبها – وليس لنا؛ حيث المعتر لا أحد يعاهده بشيء – وذلك بإحترامها لحقوق الانسان والأعراف الدولية وخاصةً (الاعلان العالمي لحقوق الانسان) حيث تقول المادة (13) منها: “لكل فرد الحق في الحياة والحرية وسلامة شخصه” وكذلك فإن المادتين (15و16) وعلى التوالي منها فإنهما تؤكدان على أن “لايعرض أي إنسان للتعذيب ولا للعقوبات أو المعاملات القاسية أو الوحشية أو الحاطة بالكرامة” و “لكل إنسان أينما وجد الحق في أن يعترف بشخصيته القانونية”. أما المادتين (9 و 14) من الاعلان المذكور نفسه فإنهما تقولان وعلى التتالي بأنه “لا يجوز القبض على أي إنسان أو حجزه أو نفيه تعسفاً” و”لكل فرد الحق في أن يلجأ إلى بلاد أخرى أو يحاول الالتجاء إليها هرباً من الاضطهاد”. فهل بقيت للحكومة الألمانية – بعد كل هذا – حجة لأن تقوم بإعادة هؤلاء اللاجئين إلى سوريا، بل إلى الأقبية الأمنية كما أكدها الصديق والزميل مروان عثمان في مقاله الأخير (المضربون عن الطعام في برلين يفترشون شتات احلامهم واهمالنا لهم) وذلك عندما كتب: “ان ايقاف مسيرة تدفق اللاجئين الكرد لا يكون في عدم منحهم الملاذ الامن او بترحيلهم، وانما يكون فقط في ايجاد حل عادل للقضية الكردية ووقف مايتعرض له شعبنا الكردي من انتهاكات لابسط حقوقه الانسانية والقومية“.

وبالتالي – وأخيراً – نقول: وجب علينا أن نوجه هاتين التحيَّتن – وهو أقل ما علينا أن نفعله – إلى كلً من أهلنا في الداخل والمهجر لتصديهم البطولي لسياسات القمع والتنكيل والذي يمارسه النظام السوري بأجهزتها الأمنية المخابراتية ضد الوجود الكوردي في غرب كوردستان وحتى في المهجر. فألف.. وألف تحية لكل أولئك المناضلين.

هولير – 28/2/2009

 

 

 

 

 

الحركة السياسية الكوردية

  – تياراتها وأحزابها

 

 

 

 

لا شك إن ظاهرة تعدد الأحزاب والتيارات السياسية، بمعنى من المعاني وحسب مفاهيم ومصطلحات كل عصر ومرحلة تاريخية، هي ظاهرة قديمة بقِدم الإنسان – الأدق الكائن البشري – ومصالحه الفردية وحب الأنانية (سيطرته على الآخر واستغلاله)؛ إن كانت فردية – شخصية أو جماعية – مجتمعية أقوامية وهي كذلك؛ أي هذه التعددية الحزبية والأيديولوجية والتي تتقونم ضمن أنساق وتيارات سياسية متباينة ولها أجندة مختلفة إلى هذه الدرجة أو تلك وذلك حسب البيئات والشرائح الاجتماعية التي تمثلها وتتعشش بينها وبالتالي تطرح خطابها وأيديولوجيتها الفكرية والسياسية – وفي مجتمع ما – تعتبر حالة صحية؛ كونها إحدى الدلالات على التعددية المنظومية والفكرية وتعبيراً سياسياً على مسألة قبول الآخر والتعايش معه وهي كذلك وفي الآن ذاته ضرورة تاريخية في سيرورة حياة المجتمعات ومؤسساتها المختلفة من: دول وأحزاب وشركات وذلك من أجل تنافسها للوصول إلى الأصلح والأقوى وتحقيق الحياة المدنية الديمقراطية داخل مجتمعاتنا.

 

وهكذا فإن حال المجتمع الكوردي لا يختلف عن حال هذه المجتمعات التي (تتحاور) وتتجاور جغرافياً وثقافياً وبالتالي فلا بد أن تتشابه في العديد من الملامح والخصوصيات الحضارية والفكرية ومنها قضية التعدد الحزبي والأطر السياسية التي تعمل في كل ميدان وساحة من ساحات العمل الاجتماعي – السياسي، حيث وبالعودة إلى الواقع الراهن للحركة السياسية الكوردية وتعدد أحزابها وأطرها التي تتعدى أصابع اليدين – في الداخل فقط، ما عدى التي تشكلت في الخارج ومن خلال الجاليات الكوردية المنتشرة في كل أصقاع العالم – بحيث بات يصعب على المتتبع للشأن العام أن يلم بأسماء كل هذه الأحزاب وقياداتها و(برامجها)، ناهيك عن الفئات الشعبية البسيطة أو ما يمكن أن نطلق عليه؛ الإنسان البسيط العادي. وهكذا يَطرح السؤال ذاته: هل يتحمل واقع الشعب الكوردي في سوريا وجود كل هذه الأحزاب. وهل هناك ما يبرر حالة التشتت والانقسام هذه؛ بحيث أن هناك العديد من الفئات والطبقات والأديان والمذاهب المختلفة وبالتالي (يجب) تكوين و تشكيل العديد من الأحزاب – إن كان هناك ما يبرر قيام الأحزاب ضمن هذه الأنساق التي أتينا على ذكرها – وخاصةً بالنسبة لشعب يتطلع إلى الحرية ويعتبر نفسه جزءً من حركات التحرر العالمية، وإن باتت هذه المصطلح من الذاكرة التاريخية للشعوب.

 

ونتساءل أيضاً: هل كذلك هناك العديد من التيارات الفكرية والسياسية، وذلك داخل المجتمع الكوردي وتحديداً في هذا الإقليم الكوردستاني، بحيث يكون ضرورياً أن تترجم الحالة الفكرية السياسية تلك ضمن أطر محددة ومتباينة وتكون عندنا العديد من القوى والكتل السياسية والتي تسمى بمجموع الأحزاب الكوردية في سوريا، أم إن الحالة والواقع الراهن لا علاقة له بكل تلك القضايا والمسائل وليس هذه التعددية الحزبية إلا نوع من الحالة المرضية لهذه المجتمعات التي ما زالت هي أسيرة الفكر والأنساق القبلية، العشائرية، الطائفية، المذهبية، الدينية ومؤخراً القومية العرقية وأخيراً الأيديولوجية والحزبية الضيقة وأحياناً – بل في أكثر الأحيان، إن لم نقل بالمطلق؛ كوننا لا نؤمن به – يكون الانقسام لأنانية مفرطة ونرجسية مريضة ولأجل أن يكون (هو) السكرتير العام والواحد الأوحد الذي يدير الكون – عفواً الحزب – بإشارةٍ من إصبعه وهكذا باتت تسمى – أو على الأقل تعرف – الأحزاب الكوردية بأسماء السكرتاريات والأمناء العامين، كما نراه اليوم في واقع وحال الحركة السياسية الكوردية.

 

ولكن وعلى الرغم إننا ندين ونستنكر الحالة والواقع الراهن للحركة الكوردية ونقول مع القائلين: بأن ليس هناك ما يبرر هذا التعدد والتشتت الحزبي في اطر وكيانات (سياسية) متعددة بحيث أن جُلها – إن لم نقل كُلها – لا حول ولا قوة لها، بل هناك أحزاب كوردية من دون قاعدة حزبية؛ أي دون أن تكون لديها عدد – ولو بحدودها الدنيا – من الرفاق الحزبيين ودون أن يتجاوزوا العشرات وليس المئات ناهيك الألوف وقاعدة شعبية جماهيرية تلتف حولها وتساندها وتؤازرها في المحطات السياسية التاريخية. نعم.. وعلى الرغم إن الواقع الراهن للحركة هو واقع غير مقبول ومرفوض ولكن لا يعني في حال من الأحوال إننا ندعو إلى توحيد كل هذه الأحزاب والأطر السياسية ضمن حزب أو كتلة بعينها وهكذا وكما يقول المثل الكوردي: “نخرج من الوحل لنقع في الشوك” وبالتالي ولكي نتخلص من التشتت الحزبي نكون قد مهدنا لحالة التفرد والاستبداد والديكتاتورية؛ حيث الحزب الواحد تعني بداية الطغيان وسلطة الديكتاتورية.

 

إذاً هناك الحاجة إلى (لم الشمل) و”توحيد الصفوف” ولكن وفي الآن ذاته هناك ما يبرر أن يكون لدينا عدد من الأحزاب والكتل السياسية المتباينة فكرياً وأيديولوجياً وذات خط وبرنامج سياسي مختلف, وفي رأينا وحسب قراءتنا لواقع وحال مجتمعنا الكوردي بأحزابه وأطره السياسية وما تحويه من تباين في الطرح السياسي والفكري وذلك من خلال برامج هذه الأحزاب، فإننا نجد بأن هناك ثلاث تيارات أو ما يمكن تسميتها مجازاً (بمناهج فكرية) ضمن الخطاب السياسي الذي تطرحه الحركة السياسية الكوردية في سوريا، وهكذا يمكن تسمية تلك التيارات ووفق السياق المفاهيمي والأيديولوجي الذي تتبناه وتعمل من خلاله مجموعة أحزاب وكتل سياسية؛ حيث أن الخطاب السياسي أو التيار السياسي الذي يملك خطاباً سياسياً محدداً ليس محدداً ضمن إطار سياسي واحد، بل مشتت وموزعٌ على عدة أطر وكيانات سياسية؛ أي أن هناك داخل الحركة الكوردية مجموعة (باقة) أحزاب يمكن أن تصنف ضمن تيار وخطاب سياسي محدد.

 

وهكذا يمكن أن نقول: بأن في الحركة السياسية الكوردية هناك ثلاث خطابات وبالتالي كتل سياسية أو ثلاث (مناهج فكرية) متباينة إلى حدٍ ما وفي عدد من القضايا المصيرية لشعبنا الكوردي ويمكن تحديد هذه الكتل والتيارات الثلاث ضمن السياقات الاصطلاحية التالية:

 

  • أولاً: التيار اليساري الماركسي: ويملك خطاباً ثورياً عنفياً انقلابياً إلى حدٍ ما وهو ينهل من التاريخ الثوري لتجربة المدرسة الماركسية – اللينينية أو ما عرف في مرحلةٍ ما بقوى وروافد الثورة العالمية الثلاث؛ منظومة البلدان الاشتراكية وعلى رأسهم الاتحاد السوفيتي الصديق (سابقاً) وكذلك الأحزاب الشيوعية والعمالية في البلدان الرأسمالية وأخيراً حركات التحرر في العالم الثالث ومنها حركة الشعب الكوردي وفي أجزائها الأربعة، حيث ما زال هذا الخطاب الثوري يؤمن بتغيير العالم من خلال ثورة شاملة في المجتمع ومن خلال الطبقة العاملة والفئات المسحوقة الأخرى وتدعو بالتالي إلى تلاحم أبناء شعوب المنطقة بمضطهَديها (بفتح الهاء) ومضطهِديها (بكسر الهاء) وإنشاء دول على أسس كونفدرالية تحقق الثورة وعلى دفعة واحدة؛ بحيث تغير الواقع المأساوي الراهن لشعوب المنطقة وهي بهذا تتخطى حاجز المفهوم القومي وكونها حركة قومية تعمل ضمن شروط تاريخية محددة وذلك في تحقيق خطوة على الطريق، بل إنها تحاول أن تحقق الثورة الشاملة وعلى الصعد القومية – العرقية والاجتماعية – الطبقية والفكرية – السياسية وخير من يمثل هذا التيار في الوقت الراهن هو حزب العمال الكوردستاني وبمجموع أطرها وكتلها السياسية المتعددة وكذلك كل من حزب يكيتي الكوردي في سوريا وتيار المستقبل وكتل أخرى تتأرجح بين خطابات متعددة.

 

  • ثانياً: التيار الوطني المدني أو ما يمكن أن نسميه بتيار المواطنة والمواطنية: وهو يعمل على مفهوم دولة المواطنة – دون تحديدٍ دقيق للهوية الثقافية والحضارية لهذه المواطنة والمواطنية وكذلك الانتماء الجيوسياسي لها – وهو بذلك يدعو إلى التمسك بوحدة هذه البلدان واعتبار الهوية الوطنية؛ إن كانت سورية أو عراقية على أنها الهوية الأولى والأساسية والأهم لمجموع المكونات الاجتماعية الأقوامية التي تتعايش وتتجاور ضمن هذه الجغرافيات المحددة والمقسمة وفق أجندة ومصالح وقوة ونفوذ الدول (الاستعمارية) السابقة وتقاطعها مع مصالح الشعوب المستفيدة – نسبياً – من التقسيم الاستعماري السابق ذاك، وهي بهذا تتلاقى مع جماعات حقوق الإنسان ومنظمات المجتمع المدني في دعوتها إلى تحقيق الديمقراطية على اعتبار أنها؛ أي الديمقراطية هي المدخل لحل كافة المسائل والقضايا العالقة في هذه البلدان ومنها القضايا القومية (القضية القومية للشعب الكوردي مثالاً ونموذجاً) وأفضل من يمثل هذا التيار هو الاتحاد الوطني الكوردستاني في العراق وفي سوريا كل من الحزب الديمقراطي التقدمي الكوردي وكذلك حزب الوحدة الديمقراطي الكوردي في سوريا (يكيتي) وأحزاب صغيرة أخرى.

 

  • ثالثاً: التيار القومي الكوردستاني الكلاسيكي أو المحافظ: وهو تيار عريق إلى جانب التيارين السابقين في جسد الحركة الكوردية، بل يعتبر من أعرقهم؛ كون قضية الشعب الكوردي هي قضية قومية بامتياز وقبل أن تكون قضية الديمقراطية كما يطرحها أصحاب التيار الثاني؛ بأن “قضية الشعب الكوردي في سوريا هي قضية ديمقراطية بامتياز وأن حلها في دمشق وليس في هولير أو آمد” في إشارةٍ منهم إلى إن التيارين الأول والثالث لهما عمق جغرافي أبعد من حدود وجغرافية هذه البلدان الوطنية؛ حيث الأول جغرافيته تشمل كل الجغرافيات التي تضم الشعوب التي تضطهد الشعب الكوردي بما فيها الجغرافية الكوردستانية وكذلك بالنسبة إلى التيار الثالث؛ القومي الكوردستاني حيث يعتبر جغرافيته هي الجغرافية الكوردستانية والتي هي مقسمة وموزعة بين الدول الأربعة وهكذا فهي أيضاً لها عمق جغرافي كوردستاني أعمق من الحدود المرسومة حالياً داخل هذه الأوطان وبالتالي فليس مصادفةً أن تتواجد كتلها السياسية (أحزابها؛ أي أحزاب هذا التيار) وبنفس الاسم والأيديولوجيا الفكرية والعقائدية في الأجزاء الأربعة من كوردستان حيث هناك: الحزب الديمقراطي الكوردستاني في العراق والذي يقود هذا التيار والخط السياسي وكذلك الحزب الديمقراطي الكوردستاني في كل من إيران وتركيا وكان هناك حزب ديمقراطي كوردستاني في سوريا ولكن ولظروف تتعلق بالقمع والاعتقال، في منتصف القرن الماضي، تم استبدال اسم الحزب بالحزب الديمقراطي الكوردي في سوريا. وهكذا فهنا أيضاً (في سوريا) من يمثل هذا التيار وإن تعدد الكتل (كتل هذا الحزب) إلا أن لها برامج سياسية متشابهة إن لم نقل متطابقة والخلاف بين كتل (البارتي) في سوريا ليس على البرنامج والمنهاج السياسي أو الكردايتي وإنما على “الكرسايتي” كما قال أحد الأصدقاء. وهكذا تعرف هذه الكتلة السياسية في جسم الحركة الكوردية بمجموعة (البارتي).

 

ولكن وإضافة إلى هذه الكتل والتيارات السياسية الثلاث والتي أتينا على ذكرها، هناك بعض الأحزاب والكتل التي تأرجح في خطابها السياسي والفكري الأيديولوجي بين تلك التيارات الثلاث ومن بينهم أحزاب (عريقة) ولها دورها ووجودها في الساحة السياسية الكوردية في سوريا وأكثرهم تمثيلاً لهذه الحالة هو حزب آزادي الكوردي في سوريا؛ حيث نجد أن خطابه السياسي يحاول أن يوافق بين خطابي التيار الأول والثالث، فهو يستخدم الإرث الثقافي للفكر اليساري الماركسي في تحليلاته السياسية ويسقطها على الحالة القومية لتحديد مصير شعبنا الكوردي وفق صيغ أيديولوجية يسارية كما قلنا آنفاً وهو بذلك يحاول أن يوفق بين الخطابين: الماركسي اليساري والقومي الكلاسيكي.

 

أما بالنسبة إلى كلٍ من التيار الليبرالي العلماني وكذلك بالنسبة إلى التيار الديني وبجناحيه المعتدل والسلفي المتطرف أو المتشدد فلم تجد بعد أطرها وصيغها وبرامجها المحددة والمحدودة وفق كتل وأطر سياسية تضمها داخلها؛ حيث هي ما زالت موزعة ومشتت بين الأطر الثلاث السابقة وخاصةً ضمن التيار القومي الكوردستاني المحافظ؛ أي داخل (البارتي). طبعاً يعتبر ذاك؛ (أي انضمام الجماعات الدينية في الحراك السياسي لمجموعة البارتي) دقيقاً وصحيحاً بالنسبة إلى تلك الجماعات أو المجموعات الدينية (الإسلامية) التي تتسم بالاعتدال؛ حيث أن المجتمع الكوردي (برمته) لم يحتضن بعد الفكر الديني الأصولي المتشدد والمتطرف، وهكذا.. فإن (البارتي) يحاول أن يضم كل الطيف السياسي الكوردي والذي يعتبر أن حل القضية والمسألة القومية من أولويات أجندتها السياسية، وذلك مهما كانت مشاربهم ومنابعهم الاجتماعية الطبقية والدينية المذهبية لتلك الكتل والجماعات المنضوية تحت رايتها؛ (أي راية البارتي). وكذلك بالنسبة إلى التيار العلماني الليبرالي فهو ما زال ضعيفاً بشكلٍ عام في مجتمعاتنا وصوته ما زال غير مسموع وضعيف أما “صوت المدفع” والقوميين الكلاسيكيين وأصحاب “المواطنة والوطنية الجديدة” ويحاول؛ أي التيار العلماني الليبرالي  أن يقوم بدورٍ ما وذلك ضمن الأنساق والتيارات السابقة كلها، حيث هو مشتت وموزع بين كل الكتل والتيارات السياسية الموجودة حالياً والتي تشكل بجموعها جسم الحركة السياسية الكوردية في إقليم كوردستان سوريا، فهل ينجح في مسعاه ذاك.

 

تنويه:  لابد من الإشارة والتنويه إلى أن هذه القراءة تبقى صحيحة نسبياً؛ أي أن الفرز والاصطفاف الذي أشرنا إليه بالتيارات الثلاث السابقة لم تأخذ شكلها النهائي، بحيث أن هناك نقاء في هذا التيار أو ذاك – وهذا مستحيل في الواقع الاجتماعي؛ حيث تبقى دائماً تداخل بين طبقات وشرائح المجتمع المختلفة وبالتالي انعكاساتها وتلونها في الكتل السياسية – وهكذا فما زال وفي التيار والكتلة الواحدة تجد التلون السياسي والأيديولوجي المنتمي للتيارات الثلاث وغيرها من الأفكار والأطروحات السياسية والأيديولوجية، ولكن تبقى لكل كتلة سياسية الخط العام الذي يميزه عن الآخر كما فرزناه ضمن التيارات السابقة.

 

جندريسه-2007

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

المناخ السياسي العام

وإدارة الأزمات في الأحزاب الكوردية

 

 

 

 

سوف نحاول ومن خلال هذه المقالة أن نبدي بعض الملاحظات والآراء بخصوص مسألة (التشرذم) والانقسامات المتكررة في الحركة السياسية الكردية لنساهم بإلقاء بعض الضوء على تلك المسائل من جهة ومن جهة أخرى نطرح بعض الرؤى والقراءات لعلى وعسى تساهم في حل بعض الإشكاليات والمسائل العالقة ضمن الصف الكردي وفصائلها السياسية المختلفة. ولكن وقبل الخوض في هذه القضية (أو القضايا) الإشكالية والتي تساهم في ازدياد مساحة اليأس لدى الجماهير الكردية، لا بد من التأكيد على جملة مسائل و(حقائق) موجودة على الأرض ساهمت وتساهم في حالة اللاتوافق الكردية وتدفع بحركتها السياسية نحو التفتيت والتعددية الحزبية وقلما السياسية.

 

وأهم هذه (الحقائق) التي تساهم في التفرقة والتشتت في المجتمعات الشرقية عموماً والمجتمع الكردي على وجه التخصيص هي حالة الاستبداد والتي عاشتها وتعيشها مجتمعاتنا منذ قرونٍ وقرون، بل يمكن اعتبارها جذر كل المشكلات والأزمات التي نمر بها؛ حيث أن حالة الاستبداد المستديمة هذه أفرزت خوفاً مزمناً من الآخر المتمايز (إن كان دينياً – مذهبياً أو عرقياً – قبلياً وأخيراً سياسياً – حزبياً). وبالتالي فالإنسان الشرقي عموماً في حالة توجس وخوف وحاجة (أو هكذا يشعر على الأقل) إلى ارتباطه العضوي – الدموي (العائلة والقبيلة) ليحتمي في ظلاله من عنف الآخر وغزواته، كونه (أي المواطن في بلدان العالم الثالث) يعيش في مناخ ثقافي عام ما زال يستند إلى هذه المفاهيم العائلية – القبلية في علاقاته الاجتماعية والسياسية، حيث في ظل غياب الدولة المدنية ومؤسساته لا يبقى للمرء إلا اللجوء إلى هكذا مكونات اجتماعية – سياسية.

 

النقطة الثانية وإن كانت هي الأخرى مرتبطة بحالة الاستبداد إلا إنها خاصة بالكورد – وبعض الشعوب والقوميات الأخرى كالأمازيغية – الذين ما زالوا تحت قبضة الاحتلال وهيمنة الآخر، مما حرمت هذه الشعوب من تكوين ورسم ملامح شخصيتها وهويتها الخاصة حيث ما زالت تعيش كـ(لاحقات) سياسية – ثقافية واجتماعية اقتصادية ببلدان الهيمنة والاستبداد والتي مارست – وما زالت تمارس – كل الوسائل والطرق (الشرعية) منها وغير الشرعية وذلك في سبيل طمس هوية هذه المكونات الراضخة لهيمنتها وسحق شخصيتها مما خلق نوع من الشخصية الذيلية في هذه المجتمعات المبتلية بالفقر والجهل والخوف وذلك من خلال ممارسة سياسات منهجية تكرس هذه الحالة من قبل مراكز الاستبداد تلك في جغرافيات أقاليم هذه الشعوب وهكذا نجد أن (الشخصية الكردية) ومن صفاتها وملامحها البارزة هي الانزوائية والهروب من المواجهة وبالتالي تحمل المسؤولية؛ سياسية كانت أم غيرها.

 

وأيضاً ونتيجةً لواقع الاستبداد – كما قلنا قبل قليل – وكنتيجة لتلك السياسات المتبعة تجاه الشعوب المستضعفة، كان الفقر والجهل والمرض وفقدان الرعاية والمؤسسات المدنية والحقوقية، مما أوجد بيئة ملائمة لكل الأمراض الاجتماعية الأخلاقية؛ من حالات الفساد والرشوة والسلب والانتهازية وبالتالي عدم الأمان. ففي هكذا بيئة اجتماعية سياسية وفي ظل غياب المؤسسات التي ترعى مصالح الإنسان فهو مجبرٌ على إيجاد بدائلها وأسهلها تكون مما هي متوفرة أو راقدة تحت الركام كمفهوم العائلة والقبيلة وخاصةً في حالة قانون الطوارئ وغياب أو نسف قانون الأحزاب من دستور البلاد وبالتالي تكريس الحالة القبلية العشائرية في المفاهيم والحياة اليومية للإنسان وإبعاده عن الحالة المدنية – المؤسساتية.

 

والنقطة الرابعة والخارجة من بطن النقطة السابقة لها؛ هي المتعلقة بمسألة غياب الحريات العامة وعدم الاعتراف الدستوري بالحالة الكردية كثاني قومية في البلاد تعيش على أرضها التاريخية وبالتالي كون القضية الكردية قضية أرضٍ وشعب مما يوجب الكثير من المستلزمات التابعة على صعيد الحقوق القومية سياسياً واجتماعياً وثقافياً وأيضاً اقتصادياً. فبدل الإقرار بذلك دستورياً وحيث يستلزم ذاك أيضاً بأن تكون لها أدواتها المؤسساتية القانونية للعمل من أجل مصالحها وفي مناخ وظروف سياسية حضارية تسمح لها بالحركة الانسيابية الحرة، فإننا نعيش في ظروف مناقضة تماماً للحالة الموصوفة سابقاً مما يزيد في حالة الخوف والعصاب المتراكم عند الشخص الكردي كونه يعمل من خلال مؤسسة حزبية (غير شرعية) ومرخصة لها بالعمل داخل البلاد وبالتالي أن تكون شخصية قلقة غير متوازنة ومستقرة.

 

أي إن في ظل الأحكام العرفية وقانون الطوارئ والمعمول به منذ حوالي نصف قرن في البلاد والذي تم بموجبه تعطيل الحياة السياسية إلى حدٍ مخيف في البلد، ليس فقط على مستوى المعارضة وأحزابها، بل وقبلهم الأحزاب التي تحالفت مع حزب البعث في (الجبهة الوطنية التقدمية)؛ حيث أن المادة الثامنة من الدستور والتي تعطي الحق والشرعية لأن يقود حزب البعث المجتمع والدولة وبالتالي أن يهيمن على البلاد والعباد ومن قبل الجميع أن يهيمن على جبهتها والأحزاب المنضوية تحتها، قد جعلت مسألة اللاحقة والشخصية الذيلية الهزيلة والهزلية والغير المستقرة هي الطاغية في المجتمع السوري عموماً والكردي على وجه الأخص وهكذا فلا (حياة) في سوريا إلا لمن يكون البعث راضياً عنه.

 

وهكذا وفي ظل هكذا مناخات اجتماعية اقتصادية وسياسية ثقافية وأيضاً الأمنية من ملاحقاتٍ واعتقالاتٍ لمن يعمل في الحقل السياسي الثقافي وكذلك لبعض الاختراقات الأمنية داخل صفوف المعارضة وأحزابها إجمالاً، فإن المفاهيم القبلية سوف تكون السائدة والرائجة و(الأقل خطورةً) وسوف يعيش المجتمع برمته في حالة تغريب عن الحياة المدنية – المؤسساتية. وأي عمل مؤسساتي (أحزاب – نقابات – منتديات.. الخ) لسوف يتعرض إلى هزات قوية وانتكاسات حقيقية؛ حيث العمل في بيئات غير مهيأة وملائمة لنجاح أي تجربة تعني بشكلٍ أو آخر انتحاراً للتجربة نفسها، وإننا لنرى ونشاهد ما توصل إليه تجربة (مؤسساتنا) السياسية – الحزبية من حكومية أو موالية (كحزب البعث والحزب الشيوعي والآخرين) أو تجربة المعارضة وأحزابها (من الإخوان المسلمين وصولاً إلى الحركة الوطنية الكردية وأحزابها).

 

والأخيرة تهمنا أكثر كوننا معنيين بها أولاً، وثانياً كون الموضوع متعلق بها وبإدارة الأزمات داخلها؛ حيث ومن دون شك أن المناخ العام السابق – والذي وقفنا عند بعض ملامحه – قد ساهم في حالة الانقسام التي تعيشها الحركة السياسية عموماً والكردية على وجه التخصيص والتحديد، وهكذا وجدنا العديد من الأحزاب والحركات السياسية الكردية تعمل وتتزاحم في هذه الساحة والإقليم الكردي (الصغير) والذي لا يتسع لكل هذا الازدحام الحزبوي، ولكن يبقى لاختلاف البرامج السياسية بين هذه الأحزاب والكتل السياسية الكردية بعض الدور في حالة التشتت هذه مثل انقسام الحركة في بدايات الستينات على أساس الفكر اليساري الماركسي – الينيني، أما أكثرها (أي السبب الأكثر فاعليةً في حالة التعدد الحزبي) فهو عائدٌ إلى سوء إدارة الأزمات الدائرة داخل هذه الأحزاب نفسها.

 

حيث أننا ومن خلال تاريخ الحركة السياسية الكردية في هذا الإقليم نلاحظ بأن أكثر الأزمات السياسية داخل أحزابنا الكردية (تُحل) عن طريق التفتيت والانقسامات الحزبية ومن دون أن تعترف هذه القيادات بأن هناك أزمات حقيقية في الحالة التوافقية السياسية، بل جلها إن لم نقل كلها تهرب إلى الأمام أو تُحمّل (الآخر) كل المسؤولية الأخلاقية والسياسية وتتبرأ بنفسها بل تدعي أنها تزداد مناعةً وقوةً بخروج تلك (الزمر) من صفوفها وكمثال على ذلك (وحتى ما يزعل أحد أو يأخذ على خاطره) نورد ما يأتي في منهاج الحزب الديمقراطي الكردي في سوريا (البارتي) حيث يأتي في فقرة التعريف بالحزب ما يلي: “لقد تعرض حزبنا بدءا من عام 1957م إلى انقسامات متعددة كان آخرها بعام 1998 حيث خرجت على الشرعية جماعة لا تزال تطلق على نفسها نفس الاسم الذي يحمل حزبنا ورغم كل هذه الانقسامات فإن حزبنا لا يزال شامخا قويا ويزداد منعة وصلابة كلما غادرته زمرة انضمت إليه مجموعة جديدة تمده بدماء جديدة وفكر متقدم متحرر من الروح الانقسامية والجامدة“.

 

وكمثالٍ آخر، نورده على العقلية السابقة، ما يدور حالياً في أوساط الأخوة والرفاق في حزب الوحدة الديمقراطي الكردي “يكيتي”؛ حيث إن التعامل مع الآخر؛ (الذين خرجوا عن الشرعية الحزبية) هو ضمن السياق المفاهيمي السابق وعلى أنهم زمرة موالية لهذا (الزعيم) أو مناهضٌ لذاك (السكرتير) وبالتالي إصباغها (أي الأزمة الحالية في حزب الوحدة) بنوع من الشخصنة الذاتية لصراع الزعامات أو أنها (زوبعة) في فنجان وهكذا الهروب مرة أخرى من تسمية الحقائق بأسمائها؛ أي من دون الرجوع إلى الأسباب الحقيقية الكامنة وراء ذلك وعلى أنها ناتجة عن ازدواجية الطرح والخطاب السياسي – أو على الأقل إنها جذر المشكلة وقد بدأت منها – والذي وقع به الحزب ما بين برنامجه السياسي وما يطرحه من قضايا ومسائل في الساحة السياسية السورية عموماً والكردية خصوصاً وتباينها مع ما تطرحها قياداتها السياسية (أو بعض رموزها) من مواقف تقف على النقيض مما هو مطروح في برامجها تلك مما خلق نوع من الازدواجية في الطرح السياسي عند كوادرها وبالتالي كانت الشرارة الأولى في حالة التململ والتصدع في صفوف الحزب والذي نأمل أن يرمم وبأسرع ما يمكن وذلك بالعودة إلى معالجة الأسباب وبشكلٍ موضوعي بحيث يكون هناك توافق ما بين الطرح النظري البرامجي وما تمارسها القيادة السياسية للحزب.

 

وهكذا فإن هذه العقلية والتي ترى في الآخر المختلف (زمرة) خرجت على الشرعية الحزبية أو (زوبعة) في فنجان وإن بخروجها تلك لم تفقد الشرعية (أي تلك الزمرة – الزوبعة) بل ازداد الحزب منعةً وصلابة، لن تكون قادرة على احتواء أزماتها وإدارتها بطريقة تستطيع أن تؤسس لمرحلة مدنية مؤسساتية. بل إن هذه العقلية سوف تخلق المزيد من بؤر التوتر الحزبية – القبلية ولذلك فسوف تكون الأرضية مهيأة لمزيد من الانقسامات والولادات غير الطبيعية. وهكذا فليس أمام هذه الأحزاب إلا إعادة قراءة برامجها السياسية الحزبية المختلفة ليكون للآخر صوتاً داخل المؤسسة نفسها وبالتالي موطئ قدم داخل الكيان الحزبي الواحد هيكلياً والمتعدد التيارات والثقافات وحتى المتعدد على مستوى البرامج السياسية ولحدود معينة.

 

أما الإبقاء على الأحزاب تحت يافطة وشعار الحزب الواحد ذو اللون و(الفكر) الواحد فإنها استمرار لحالة الاستبداد وممارسة لسلوك النظام نفسه وهي بالتالي تعمل بالضد من المفهوم الكينوني الوجودي لنفسها؛ حيث (خُلقت) وأُسِست هذه الأحزاب على أساس العمل والنضال ضد تلك المفاهيم الاستبدادية الإلغائية والتي تمارس بحق الآخر؛ بحقها أولاً. وبالتالي فليس أمامها (أي أمام الأحزاب) إلا الرجوع إلى برامجها وأنظمتها الداخلية والعمل عليها وقراءتها من جديد وصياغتها وفق رؤى ومفاهيم العصر والمنطق العلمي المدني المؤسساتي والمعاصر والمنطلق أساساً من قبول الآخر ومشاركته في الوطن والحزب والقبيلة وبالتالي الخروج من (دائرة الإبليس) الحزبوية الضيقة والتي لا تجد في الآخر إلا (زمرة) متمردة على (الشرعية) الحزبية – القبلية.

 

 

جندريسة-2007


أزمة التحالفات

في الحركة الوطنية الكوردية

أعوام عديدة أحرقتها الحركة الوطنية الكوردية في سوريا على القضايا الخلافية فيما بينها ومن أبرزها قضية الانشقاقات الحزبية وبالتالي من يملك الشرعية التمثيلية للمؤسسة الأم ويعتبر الآخر بأنه (المنشق والمطرود والملعون) وذلك منذ انشقاق (آب لعام 1965) في جسد الحزب الديمقراطي الكوردي – الكوردستاني سابقاً – في سوريا (البارتي) والذي عرف حينذاك بالانقسام بين (اليمين واليسار) ضمن صفوف الحزب وكذلك بين الجماهير الكوردية في سوريا وكوردستان عموماً؛ ذاك الانشقاق الذي كان بدايةً لحالة الانقسام الذي كرس لجملة مفاهيم وقيم سلبية في صفوف الحركة الكوردية في سوريا وخطابها السياسي والتي ما زالت تعاني منها: كقضايا التخوين ونعته بكل السلبيات وفي أكثر الأحيان من باب الصراع الحزبي الجماهيري (لم شمل أكبر عدد ممكن من الجماهير الكوردية حول حزبها) وليس من باب الاختلاف الأيديولوجي والتباين في البرامج والأجندة السياسية. وهكذا فإننا (أحزابنا) دخلت في معارك جانبية هامشية فيما بينها وعلى حساب القضايا الأساسية والمصيرية للشعب الكوردي في الإقليم الغربي من كوردستان وكانت بهذه العملية؛ (الصراع الداخلي للأحزاب) تخفف بعض العبء على نفسها من أن تحاسب من قاعدتها الحزبية والجماهيرية على فاتورتها الهزيلة في صراعها مع السلطات الاستبدادية في سوريا والتي من المفترض أن يكون الصراع الحقيقي معها؛ كونها هي التي تضطهد الشعب الكوردي وتتنكر لأبسط حقوقه الإنسانية والمدنية ناهيك عن السياسية والثقافية والاجتماعية وكذلك الاقتصادية.

وهكذا فإن الحركة الوطنية الكوردية وبمختلف أحزابها وأطيافها ونتيجةً لحالة الضعف والتشرذم الذي كانت – وما زالت – تعاني منه ولعدم قدرتها على مواجهة السلطات السورية القمعية، من جهة، وكذلك لعدم امتلاكها الجرأة السياسية لمواجهة الحقيقة وكشفها للجماهير الكوردية؛ بأن الحركة تعاني الضعف والوهن وعلى مختلف الأصعدة: البرنامج السياسي وكذلك في كل من التكتيك النضالي والعمق الاستراتيجي في فهمها وتناولها للقضية الكوردية، فإنها (تلك الأحزاب) كانت – وما زالت – تلجأ بين الحين والآخر (وما أكثر هذه الأحايين) إلى فتح الصراعات الحزبية (الداخلية) وذلك لتغطي على ضعفها وقصورها في النضال ضد السلطات السورية الغاصبة للحالة الكوردية شعباً وجغرافية وحقوق. وهكذا فهي تلهي قواعدها الحزبية وجماهيرها بصراعات خلبية وأيضاً لكي تهرب من أسئلة الاستحقاقات النضالية كما قلنا قبل قليل؛ أي يمكن القول إن هذه كانت من أبرز ملامح المرحلة الماضية، ولكن هذا لا يعني بحال من الأحوال بأن الحركة الوطنية الكوردية ليس لها أي دور ايجابي في كل المرحلة الماضية، بالتأكيد لا، ولكننا نود أن نسلط الضوء على إحدى المناطق المظلمة في تاريخ حركتنا السياسية الكوردية في الإقليم الغربي من كوردستان.

وبالتالي فيمكن القول: إننا؛ (أي الحركة الوطنية الكوردية) قد ضيعت نصف قرن على خلافاتها وصراعاتها الوهمية من الانقسام بين اليسار واليمين (قديماً) وفي المرحلة المتأخرة (والحالية) بين مفهومي الكلاسيكية والليبرالية في الطرح السياسي والتنظير للقضية الكوردية وبأن حقوق الشعب الكوردي سوف تتحقق وفق أي نظرية وصياغة أيديولوجية لبناء سوريا المستقبلية وينسى أو يتجاهل هؤلاء (المنظرون) بأن الحركة الكوردية كانت – وما زالت – في طور حركة وطنية تحررية لشعب مقسم بين دول عدة تحتل جغرافيتها وتاريخها وثقافتها – ما عدا الإقليم الكوردستاني الفيدرالي – وبالتالي فإن اصطفافها بين هذه التيارات هي سابقة لمرحلتها التاريخية وما انقسامها هكذا بين تيارات إلا هو حرق لمراحل نضالية تاريخية متدرجة تأتي من خلال الثورات الاجتماعية لشعوب وأمم حققت منجزها القومي في كيان سياسي مستقل وليس ما زال رازحٌ تحت الاحتلال والهيمنة. ومع كل هذا وذاك كان يمكن قبول الانقسام لو توقف عند حدود التباين في البرامج والمواقف السياسية واعتبار ذلك من مفرزات الصراع السياسي بين أقطاب عالمية وبأنه نتاج واقع سياسي عالمي، ولكن أن يصل الأمر بنا (بالحركة الكوردية) إلى الانقسام على ذاتها لخلافات جد شخصية؛ كون لما هذا (الزعيم) يكون (رئيس وسكرتير) الحزب، أو قل القبيلة لا فرق، ولما ليس أنا، بل يكون الانشقاق أحياناً لماذا يوفد (فلان) وليس (علان) لمحفلٍ ما، وبالتأكيد لن يكون محفلاً دولياً.

 

وبعد أن أخذ الضعف بالجميع وتعددت الأسماء المتشابهة بحيث بات من الصعوبة على المختصين من الكوادر السياسية والحزبية أن يلموا بأسماء الأحزاب الكوردية ناهيك عن الجماهير الكوردية وغيرها من جماهير الشعوب والأمم الأخرى والتي لا تعرف شيئاً عن الكورد كشعب وجغرافية وحقوق كوننا (غير فاضيّن) لأولئك لكي نوصل إليهم قضايانا، فصراعاتنا الداخلية أهم وقد أخذت – وتأخذ منا – مجمل (بل كل) وقتنا وجهدنا وعزمنا. وهكذا.. وبعد كل سنوات وأعوام التقسيم والضرب؛ (ضرب الحركة الكوردية في الإقليم الغربي لكوردستان بعضها ببعض)، وبعد كل هذه الأسماء (وليس المؤسسات) الحزبية المستنسخة بعضها عن بعض، وبعد حالة الموات التي عاشتها – وتعيشها – الحركة الوطنية في سوريا عموماً وعلى الأخص منها الحركة الوطنية الكوردية فقد ارتأت بعض الأحزاب على أن تنضم في تحالف سياسي أعلن عنه في بداية التسعينات وقد رأت الجماهير الكوردية فيها بوادر مرحلة جديدة ولكن سرعان ما توصل المرض العضال إلى ذاك العضو أيضاً في جسد الحركة الوطنية وبالتالي فهو الآخر تعرض للتمزيق والانقسام وهكذا فانتقلنا من مرحلة انقسام الأحزاب لندخل بوابة انقسام الكتل والتحالفات السياسية لنبدأ مرحلة جديدة من الصراع الداخلي – الحزبي (الكوردي – الكوردي) وبالتالي نشكل بين يوم وآخر تكتل جديد لننقسم ونتشظى من جديد؛ كون كل تحالفاتنا قائمة على أساس (المجاكرة) ولكي لا يقال بأننا لسنا مع (وحدة الصف الكوردي) وبأننا من يكرس التقسيم والتشتيت، مع إننا جميعاً (أفراداً وأحزاباً) مساهمون فيها.

 

وبالتالي فإن كل – كل وليس جل – تحالفاتنا قائمة على أساس الاشتراك مع شريك ضعيف آخر (ولكن أكثر ضعفاً منا، لكي تكون الكلمة والكرسي الأكبر لنا وليس لآخر سوانا). وهكذا – وكما قلنا سابقاً – فإن جبهاتنا ولجاننا وتحالفاتنا ليست بالتحالفات القائمة على أساس وحدة البرامج والأجندة السياسية والنضالية لحركة وطنية تناضل من أجل الاستقلال (والاستقلال لا يعني بالضرورة الانفصال وبكل الأحوال، وإن كان هو حقٌ طبيعي لكل الأمم والشعوب والجغرافيات، بما فيها الإقليم الغربي من كوردستان الملحق بالدولة السورية حسب اتفاقيات دولية استعمارية) وبالتالي تحقيق الحقوق القومية للشعب الكوردي في ذاك الإقليم.. نعم، إن تحالفاتنا وجبهاتنا قائمة على أساس تقوية هذه الجبهة ضد جبهة الآخر ولو تحالفت من خلالها مع (الإبليس ولم أقل الش.. حرصاً على مشاعر الأخوة الأيزيديين) وإلا فكيف نفسر تحالف كل من أطراف اليسار واليمين، الكلاسيكيون والليبراليون، الإسلاميون والعلمانيون.. الحداثويون والسلفيون ضمن هذا التحالف وكذلك الأمر يكون عينه في تلك الجبهة وغيرها حيث بالأمس كانوا (أي أطراف التكتل الواحد) في صراعات بيزنطية حول (البيضة والدجاجة).

 

لا بد من كلمة أخيرة وحتى لا نتهم بأننا نشجع أو ندعو إلى حالة انقسام الكتل أو انفراط عقدها، خاصةً وإن (التحالف الديمقراطي الكردي في سوريا) يعيش حالياً أزمة على الصعيد التنظيمي بين أطراف عدة وذلك نتيجة خلافاتها حول قضايا من يمثلها ضمن (قوى إعلان دمشق) وهي بامتياز قضايا تنظيمية – نؤكد مجدداً – وليست سياسية، بل إننا ومن خلال مقالنا هذا، والذي يأتي بعد الملاحقة الأمنية الأخيرة لنا، نود أن نؤكد – وكما نوهنا سابقاً إلى ذلك في إحدى مقالاتنا؛ (الحركة السياسية الكوردية – تياراتها وأحزابها)، ومرةً أخرى – بأن الحركة الوطنية السياسية الكوردية في الإقليم الغربي من كوردستان بحاجة إلى نوع من الاصطفاف والفرز بين تيارات سياسية عدة؛ (قومية كلاسيكية ووطنية ليبرالية وثورية ماركسية، ولا نعلم إن كانت الأيام تخبأ لنا تياراً دينياً إسلامياً وهل سيكون سلفياً متطرفاً أم شعوبياً معتدلاً)، مع العلم إن هذه التيارات السياسية الكوردية كانت في ظهورها على مسرح الحياة السياسية الكوردية سابقة لأوانها؛ أي أنها جاءت من ولادات قيصرية وليست طبيعية، ولكن هذا هو الواقع السياسي الكوردي وعلينا التعاطي معه وبالتالي القبول به (بواقع الحركة الوطنية الكوردية وتياراتها وأحزابها الغير طبيعية) ودعوتها لتحالفات حقيقية قائمة، على الأقل، على أساس أجندتها وبرامجها وتاريخها السياسي أو بالأحرى تاريخ صراعاتها السياسية وليس على أساس (المجاكرة) ومعاداة هذه الكتلة أو تلك، وكذلك من أجل (تقوية) هذا الطرف المنشق وقبوله في (حلف وتحالف ما) وذلك (لإضعاف) الطرف الآخر.

 

و.. أخيراً نقول ليكون هناك تحالفات جديدة قائمة على أسس برامجية نضالية ومؤسساتية وعلى أسس الاصطفاف ضمن تلك التيارات السياسية التي صنفنا الحركة الكوردية وفقها وإن كانت أحزابنا ما زالت غير منسجمة بداخلها فكيف بالتحالفات؛ أي أن الأحزاب الكوردية إجمالاً غير قائمة على أساس تيار فكري وسياسي (محدد)، بل إننا نجد وفي الحزب الواحد مجموعة تلك التيارات السياسية؛ كونها (الحركة الوطنية الكوردية) ما زالت في طور حركة تحرر وطني وهي تتشكل تنظيمياً من مجموع الشرائح والأطياف الاجتماعية داخل المجتمعات الكوردية وهذه تكشف زيف ادعاءات الأحزاب والقيادات التي نادت وروجت لبعض انقساماتها بأنها كانت على أسسٍ فكرية وأيديولوجية

………………………………………………….


(*)
تنويه: إننا ومرافقةً مع مقالنا الأول هذا بعد عملية الاعتقال والملاحقة التي تعرضنا لها من قبل الدوائر الأمنية في سوريا (وتحديداً من قبل الأمن الجوي) نكرر مرة أخرى شكرنا وامتنانا لكل من وقف معنا؛ إن كان من خلال الاتصال بالأهل (أيام توقيفنا) أو زيارتنا بعد الإفراج عنا – وبشروط – بحيث أجبرتنا على الهجرة والنفي القسري من البلد. وكذلك نشكر كل الكتاب والأحزاب والمنظمات الحقوقية والثقافية الكوردية والسورية وكذلك مواقع الأنترنت بوقوفهم معنا إن كان ببيان تضامني أو من خلال حملات التضامن ونخص بالشكر الأخوة والرفاق في الحزب؛ (الحزب الديمقراطي الكردي في سوريا – البارتي) قيادةً وقواعد وكوادر لوقوفهم – مادياً ومعنوياً – مع رفيقٍ لهم كواجب أخلاقي طبيعي تجاه أي رفيق يمر بتجربة مماثلة.

 

 

 

المهجر – 2008

 

(قراءة في البرامج المقترحة)*

 

 

 

 

 

 

كتبت – وما زال – الكثير من المقالات والدراسات بخصوص مسألة توحيد الحركة (الأحزاب) السياسية الكردية ضمن جبهة عريضة (مرجعية كردية أو مجلس وطني كردستاني) وذلك بغية تحقيق (الورقة الكردية) الواحدة والواضحة الأهداف والمطالب والتي يمكن على أساسها التفاوض مع الجهات والجبهات المعنية إن كان في الداخل؛ من قوى وأحزاب المعارضة (إعلان دمشق وجبهة الخلاص) أو مع القوى الخارجية من مراكز صنع القرار الأمريكية والأوربية. وقد توج تلك الجهود مؤخراً في صياغة بعض البرامج السياسية المقترحة على شكل (رؤى سياسية) لكل من الجبهة والتحالف الكرديين مشتركةً في رؤية سياسية واحدة وأيضاً ما طرحتها لجنة التنسيق والمكونة بين الفصائل الثلاث؛ (حزبي آزادي ويكيتي وتيار المستقبل) من رؤية حول المسألة ذاتها بالإضافة إلى مجموعة الرؤى والبيانات والمقالات من هذه الجهة والكتلة السياسية أو من ذاك المثقف والسياسي الكردي.

 

حيث وإضافةً إلى الرؤيتين السابقتين، كان هناك مؤتمر باريس والذي أنعقد بتاريخ (1\12\2005) وبحضور وتمثيل الكتل السياسية الكردية الأساسية والفاعلة في ساحة إقليم كوردستان (سوريا) وإلى جانبهم مجموعة من الشخصيات الثقافية والسياسية الكردية منها والعربية وأيضاً الأجنبية (أوربية وأمريكية) وخروجهم؛ (أي المؤتمرون) بمجموعة توصيات حول الوضع السوري بشكلٍ عام وعلى الأخص ما يتعلق منها بالقضية الكردية والعمل المشترك وتوحيد طاقات الشعب الكردي ضمن ميثاق وطني جامع وصولاً لحل عادل لقضية شعبنا والتي يمكن تلخيصها في البنود التالية: بـ”أن القضية الكردية في سوريا قضية شعب على أرضه التاريخية، وأنه لا بد من الاعتراف بالقومية الكردية كثاني قومية في سوريا وإيجاد حل عادل لهذه القضية، هذا الحل الذي يتطلب بالضرورة إزالة كافة المشاريع العنصرية والقوانين الاستثنائية بحق الشعب الكردي، والاعتراف الدستوري بلغته والدعوة إلى إطلاق الحريات العامة وإطلاق سراح جميع السجناء السياسيين ومعتقلي الرأي وإنهاء حالة الطوارئ والأحكام العرفية والتأكيد على قاعدة التكافؤ والشراكة الفعلية وضرورة إيلاء الاهتمام بتفعيل حوار عربي كردي خدمةً للنضال الموحد من أجل الديمقراطية وحقوق الإنسان“.

 

تلك كانت أهم البنود والفقرات التي تضمنتها أعمال المؤتمر السابق وما ألقيت فيها من كلمات والتي استدعت بموجبها مجموعة قضايا ومسائل أخرى كانت مسار بحثٍ وجدل ولمدة يومٍ واحد فقط والذي كان مقرراً للمؤتمر. فإذا أخذنا تلك الفقرات والبنود السابقة والتي خرجت بها مؤتمر باريس الأول وقارناها مع كل من الرؤية المشتركة للجبهة والتحالف وأيضاً هذين الأخيرين مع الرؤية التي طرحتها لجنة التنسيق بخصوص القضايا الأساسية الوطنية والقومية فإننا سوف نجد بأن هناك تقاطعات كثيرة بين تلك الرؤى، بل يمكن التأكيد بأن مساحات التقاطع بين تلك البرامج والرؤى هي الغالبة (بالمطلق) وليس هناك اختلاف إلا في بعض المسائل التفصيلية والتوضيحية وأحياناً الاصطلاحية.

 

وبالتالي فتلك الاختلافات في بعض المسائل التفصيلية ليست بمبررات قانعةٍ لنا بأن لا نصل إلى إجماع كوردي حول مسألة توحيد وتأطير العمل السياسي الكردي ضمن (مرجعية كردية) أو منظمة كردية تضم كافة الأحزاب والفعاليات الثقافية والاجتماعية والحقوقية والمدنية الكردية بداخلها بحيث تكون الورقة الكردية واحدة وموحدة في طرحها السياسي كأجندة سياسية توافقية تعبر من جهة عن ضرورات المرحلة والتغيرات السياسية والتي تجري في المنطقة والعالم عموماً. ومن جهة أخرى تلبي طموح وأماني شعبنا الكردي وكتوافق برنامجي بين الكتل السياسية والثقافية والحقوقية الفاعلة في هذا الإقليم الملحق حديثاً بسوريا.

 

وحتى يكون طرحنا السابق؛ بأن هناك مساحات تقاطعية كبيرة بين تلك البرامج والرؤى، دقيقاً وموضوعياً فإننا سنحاول أن نعمل على تلك البرامج قراءةً ومقارنةً لنستبين مساحات التقاطع تلك وأيضاً نلقي الضوء على مساحات الاختلاف والتي تنحصر في المسائل التفصيلية – كما قلنا سابقاً – حيث أن (الشيطان يكمن في التفاصيل) دائماً. ولذلك فسوف نقرأ أولاً في الرؤية التي قدمتها كل من الجبهة الديمقراطية الكردية والتحالف الديمقراطي الكردي مجتمعةً وتحت عنوان “رؤية مشتركة للحل الديمقراطي للقضية الكردية في سوريا” كونها تعتبر رؤية أكبر تجمع سياسي كوردي؛ (الفصائل المنضوية تحت لوائي كل من الجبهة والتحالف) من جهة ومن الجهة الأخرى يمكن اعتبارها الوثيقة النواة لمسألة المرجعية الكردية وتأطير العمل الجبهوي الكردي بعد فترة من الفتور – إن لم نقل العداء – الحزبي (القبلي) بين فصائل الحركة الكردية وذلك على الرغم من طرحها لمشاريع وحدوية وجبهوية متعددة سابقاً وبغية التسويق الجماهيري لا أكثر.

 

وهكذا فإذا عدنا إلى الرؤية المشتركة للجبهة والتحالف معاً فسوف نقرأ الخطوط العريضة التالية والمتعلقة بجوانب عدة؛ حيث وبعد مقدمة موجزة عن سوريا ودورها الحضاري والتاريخي في المنطقة وفسيفساءها العرقي – الإثني والديني – المذهبي وأخيراً السياسي – الأيديولوجي واعتبار ذلك عامل غنى وقوة لتلعب سوريا دوراً حضارياً متميزاً كما لعبتها سابقاً. وأيضاً “ومن منطلق المسؤولية الوطنية، وضرورة وحدة الموقف الكردي” فإن الرؤية المشتركة تطرح وجهة نظرها التالية وذلك لحل القضايا الوطنية السورية عموماً وعلى الأخص ما يتعلق منها بالقضية الكردية في هذا الإقليم الملحق بالدولة السورية الحديثة.

 

حيث في الجانب الوطني السوري العام تؤكد الرؤية على ما يلي: “العمل على التأسيس لنظام سياسي ديمقراطي يستند إلى الشعب بقواه الوطنية المؤمنة بالتغيير.  العمل على إقامة دولة القانون المبنية على المؤسسات وعلى النظام الديمقراطي ومبادئ الحرية وسيادة الشعب مع ضمان التداول السلمي للسلطة. ضمان فصل السلطات الثلاث (التشريعية والتنفيذية والقضائية)، واحترام سلطة القضاء واستقلاليته. إلغاء حالة الطوارئ والأحكام العرفية والمحاكم الاستثنائية، وإطلاق سراح المعتقلين السياسيين، وإغلاق ملف الاعتقال السياسي، وإفساح المجال لعودة كل المنفيين والملاحقين سياسيا وإنهاء الاضطهاد القومي.. إطلاق الحريات العامة، ولاسيما حرية التنظيم السياسي والنقابي وحرية الرأي والكلمة وحرية الصحافة والنشر، وحرية التظاهر والاعتصام والاحتجاج والإضراب.. وإصدار قانون عصري للأحزاب والجمعيات ينظم الحياة السياسية في البلاد، ويعبر بشكل صحيح عن التعددية السياسية والقومية والفكرية والاجتماعية، وقانون جديد للإعلام والمطبوعات..”. هذه هي مجموع البنود والفقرات التي تطرحها الرؤية بصدد القضايا الديمقراطية الوطنية وهي خطوط عريضة ويمكن القول: بأن مجموع القوى والفعاليات السياسية والثقافية السورية عموماً تُجمع عليها.

 

أما في الجانب الكردي فإن الرؤية المشتركة للتحالف والجبهة تحاول معالجته من خلال ثلاث محاور محددة؛ حيث المحور الأول يتناول الإجراءات الاستثنائية والتي تعرض لها الكورد دون سواهم وبالتالي فيجب إلغاءها ومعالجة آثارها ويتم تحديدها في الرؤية بالنقاط التالية: “إلغاء السياسة الشوفينية وسياسة التعريب والقوانين الاستثنائية والمشاريع العنصرية المطبقة بحق الشعب الكردي في سوريا وإزالة آثارها، وفي المقدمة منها قانون الإحصاء الاستثنائي الخاص بمحافظة الحسكة عام 1962، والحزام العربي، والتعويض على المتضررين وإعارة المناطق الكردية اهتماماً خاصاً في فترة انتقالية تكفي لإزالة آثار الإهمال المتعمد لها.
 إعادة الجنسية للمجردين منها، وفتح باب التسجيل للمكتومين وإنصافهم أسوة بغيرهم من المواطنين. إعادة الأسماء الكردية إلى القرى والمناطق والمحال التجارية ..الخ”. وهكذا يتم تلخيص الإجراءات الاستثنائية بالنقاط السابقة الذكر.

 

والمحور الثاني يتعلق بالمجال الثقافي والاجتماعي؛ حيث يطرح فيه مجموعة النقاط التالية: “تأسيس هيئات خاصة بالشأن الثقافي والتربوي والتعليمي  الكردي في الوزارات المعنية للإشراف والعمل على تطوير اللغة والثقافة الكرديتين، وإحياء التراث القومي الكردي والاهتمام بأدبه وفولكلوره .
 السماح بإصدار صحف ومجلات باللغة الكردية ( سياسية، ثقافية، أدبية ..الخ).
 السماح بتأسيس جمعيات وأندية ثقافية، وفرق فنية وفولكلورية..إجازة البث الإذاعي والتلفزيوني باللغة الكردية، وتخصيص أوقات للبث بهذه اللغة في المحطات الرسمية. تدريس اللغة الكردية في المدارس والجامعات واعتبارها اللغة الثانية بعد العربية في البلاد. الترخيص بافتتاح مدارس خاصة للكرد تحت إشراف الوزارات المعنية. فتح باب العمل والتوظيف أمام الكرد، وفق الشروط المطبقة مع سائر المواطنين. إجراء بحث اجتماعي دقيق في محافظة الحسكة وإعادة توزيع الأراضي على الفلاحين، كل في منطقته على قدم المساواة وفق معايير اجتماعية معاشية عادلة“.

 

والمحور أو الجانب الأخير يتناول المجال السياسي؛ حيث يطالب بـ”الإقرار الدستوري بالوجود القومي الكردي كثاني قومية في البلاد، وتأمين ما يترتب على ذلك من حقوق (سياسية وثقافية واجتماعية)، وحل القضية الكردية حلاً ديمقراطياً عادلاً على قاعدة وحدة الوطن. إشراك الكرد وتمثيلهم في المؤسسات الدستورية المركزية والمحلية تبعاً لواقعهم السكاني. إعادة النظر في التقسيمات الإدارية في المناطق الكردية، وتطوير الإدارة المحلية فيها بما يتلاءم مع خصوصيتها القومية. إحداث وزارة خاصة لها مديرياتها في المحافظات المعنية تهتم بشؤون القوميات والأقليات القومية”. هذه هي – باختصار – رؤية الكتل والأحزاب السياسية الكردية المنضوية تحت راية كل من الجبهة والتحالف الكرديين معاً.

 

أما إذا عدنا إلى الرؤية التي اقترحتها (لجنة التنسيق) والمؤتلفة من كل: حزب آزادي وحزب يكيتي وتيار المستقبل الكردي فإننا سوف نلاحظ حجم وكبر مساحات التقاطع بين الرؤيتين؛ رؤية لجنة التنسيق من جهة ومن الجهة الأخرى الرؤية المشتركة لكل من الجبهة والتحالف. ولكن يمكن القول بأن هناك نقاط تفصيلية أكثر في (رؤية لجنة التنسيق) حيث تقف عند بعض المسائل برؤية أكثر وضوحاً وشفافيةً وأيضاً تطرح بعض النقاط التي لم تطرحها (رؤية الجبهة والتحالف)؛ فمثلاً في الجانب الوطني وبالإضافة إلى ما ورد في الرؤية المشتركة لهذا الأخير تطالب رؤية لجنة التنسيق بـ”اعتماد مبدأ الحوار.. (و)التوافق الوطني أساساً في إقرار وصياغة القضايا والمسائل كافة” وكذلك مسألة “تحقيق مبدأ المساواة بين المرأة بالرجل وضمان حقوقها كافة بما ينسجم مع مبادئ الدولة العلمانية.. (و) الاهتمام بالشباب.. (و) المؤسسات الثقافية والتربوية.. (وهكذا) فصل الدين عن الدولة وتأكيد علمانية الدولة” وكذلك الوقوف عند مسألة الاهتمام “بشؤون القوميات والأقليات القومية” مع أن هذا الأمر يرد مرة أخرى في الرؤية نفسها للجنة التنسيق وكذلك عند كل من الجبهة والتحالف وذلك عند الوقوف على القضية الكردية وفي الجانب السياسي منها وبالتالي فيمكن اعتبار ورودها هنا نوع من التوضيح والزيادة وليس التباين والاختلاف.

 

وكذلك هو الأمر بالنسبة للمسائل والقضايا الأخرى؛ فهي ليست قضايا خلافية بين البرامج (الرؤى السياسية المطروحة على الساحة الكردية) بقدر ما هي نقاط تفصيلية وتوضيحية لا أكثر حيث ما تطرحها الرؤية المشتركة للجبهة والتحالف من أجل “العمل على التأسيس لنظام سياسي ديمقراطي.. (و) إقامة دولة القانون المبنية على المؤسسات وعلى النظام الديمقراطي ومبادئ الحرية وسيادة الشعب مع ضمان التداول السلمي للسلطة. (و) ضمان فصل السلطات الثلاث (التشريعية والتنفيذية والقضائية)، واحترام سلطة القضاء واستقلاليته. (و) إلغاء حالة الطوارئ والأحكام العرفية والمحاكم الاستثنائية، وإطلاق سراح المعتقلين السياسيين، وإغلاق ملف الاعتقال السياسي، وإفساح المجال لعودة كل المنفيين والملاحقين سياسيا وإنهاء الاضطهاد القومي.. الخ”. نعم.. إن هذه النقاط وغيرها والواردة في الرؤية المشتركة للجبهة والتحالف تتضمن ضمناً حق المرأة والشباب ورعاية المؤسسات وحتى مسألة علمانية الدولة؛ كونها سوف تكون دولة القانون والمؤسسات وتضمن حقوق الجميع وعلى اختلاف مشاربهم ومذاهبهم وقومياتهم؛ أي إنها (دولة القانون والمؤسسات) المدني العلماني العصري وليس القروسطي الديني.

 

أما في الجانب الكردي فإن طرح رؤية لجنة التنسيق لا تختلف بشيء عن ما طرحتها الرؤية المشتركة لكل من الجبهة والتحالف وخاصةً في المحورين المتعلقين بمجال الإجراءات الاستثنائية وكذلك المجال الثقافي والاجتماعي حيث يمكن القول بأن “الحافر قد وقع على الحافر” وبقي الخلاف في المجال السياسي وتحديداً في نقطة نعتبرها نحن أيضاً جوهرية وأساسية، كونها تحدد الوجود والكينونة الكردية في سوريا؛ ألا وهي قضية أن “الكورد يعيشون على أرضهم التاريخية” أو ما يعرف بجنوب غرب كوردستان والملحق بسوريا وفق معاهدات واتفاقيات دولية من سايكس-بيكو وغيرها وبالتالي فالقضية الكردية في سوريا هي (قضية أرض وشعب) ويجب التعامل معها وفق هذه الرؤية المعيارية وليس من خلال منظورٍ آخر. وإننا بدورنا نؤكد على هذه النقطة وبالتالي المطلوب – ومن وجهة نظرنا – من الجبهة والتحالف النظر في رؤيتها المشتركة وصياغة هذه النقطة؛ (بأن القضية الكردية في سوريا هي قضية أرض وشعب) ومن ثم إدراجها في أجندتها السياسية.

 

وهكذا يمكن القول في الختام بأن الرؤيتين تتقاطعان وبشكلٍ جد واسع وبالتالي يمكن جعلهما الأساس في الرؤية الكردية المشتركة وتجميع الطاقات حولها للعمل على توحيد الصفوف وتقديم ورقة كوردية واحدة كبرنامج سياسي عصري وشفاف وينسجم مع متطلبات المرحلة ومستحقاتها من جهة ومن الجهة الأخرى يلبي طموحات ورغبات شعبنا لنيل كافة حقوقه القومية المشروعة. وبالتأكيد يجب أن لا يستبعد أي طرف أو كتلة سياسية من هذا الحراك السياسي الكردي وأيضاً أن يكون للمستقلين؛ من شخصيات اجتماعية وطنية وثقافية و(رموز) دينية معتدلة، مكان في ذاك المحفل (المرجعية الكردية) وأن تكون لها دورها في هذا المشروع القومي الكردي وهكذا تجميع كل طاقات وإمكانيات شعبنا حول تلك الجبهة العريضة لتكون بحق المرجعية الكردية في اتخاذ القرارات ورسم سياسات المرحلة الحالية والمقبلة للحركة الوطنية الكردية في سوريا في علاقتها بالداخل مع قوى المعارضة أو السلطة نفسها وأيضاً في علاقتها بالأقاليم الكردستانية وقواها السياسية وكذلك في علاقتها مع العالم الخارجي عموماً.

 

ولكن الرغبة شيء والواقع وتطبيق تلك الرغبة والأمنية (الحلم) على الأرض شيئاً آخر؛ حيث من الاستحالة وخاصةً في هذه الظروف السياسية عموماً وبعد سنوات وأحقابٍ من الضغائن والنفي والإلغاء والتخوين بين الكتل السياسية والطائفية المذهبية، أن تستطيع تجميع كل الأطراف والفعاليات حول دائرة مستديرة والخروج باتفاقٍ مشترك حول كافة القضايا والمسائل العالقة. ولكن وكخطوة أولية، يمكن التوفيق بين هذه الكتل السياسية الأساسية في الحركة الوطنية الكردية وبالتالي وكبداية عملية لانطلاقة هذه القضية (المرجعية الكردية)، فإننا ندعو تلك الكتل والأطراف السياسية الأساسية أو الكبرى؛ (الأحزاب الرئيسية) والأكثر فاعلية في الشارع الكردي السوري إلى الالتقاء حول برنامج سياسي توافقي وتكوين المرجعية الكردية انطلاقاً من رؤى تلك الأحزاب الرئيسية بالإضافة إلى من يوافقهم على البرنامج الذين يقترحونه كرؤية وورقة كوردية واحدة مشتركة.

 

وهذه البداية والخطوة الأولية لا تعني بأي معنى من المعاني الوقوف في وجه توسيع تلك الجبهة؛ (المرجعية الكردية) وذلك من خلال انضمام المجموعات والأحزاب السياسية الأخرى وأيضاً محاولة تجميع (كل) الفعاليات والشخصيات الوطنية المستقلة من سياسيين ومثقفين وكتاب ورجال الدين والمال والأعمال وكل من يهتم بالشأن العام حول هذا المشروع القومي والوطني في الآن ذاته وجعلها مرجعية كردية حقيقية و(شاملة) وذلك في فترات لاحقة وبعد أن تقتنع تلك الفعاليات التي ذكرناها بالبرنامج السياسي لهذه المرجعية المزمع تكوينها بين الكتل السياسية الأساسية في الحركة الوطنية الكردية، و إلا فإننا سندخل في دوامة التفاصيل والجزئيات وخاصةً في حضور كل هذه الأحزاب والقوى والفعاليات والتي لها تاريخٌ طويل من (الحروب والعداء) الكلامي ومن على المنابر الحزبية.

 

(*) كان من المزمع أن نقدّم هذه الورقة في مؤتمر باريس والذي ينعقد حالياً من 14 وإلى 16 من الشهر الجاري في البرلمان الفرنسي (مجلس الشيوخ الفرنسي) ولكن ولظروف تتعلق بالدبلوماسية والمصالح الدولية لم توافق الخارجية الفرنسية على تأشيرة الدخول للذين سوف يقدمون من سوريا وبالتالي حصر الحضور والتمثيل على الذين سيأتون من الخارج وهكذا حرم الداخل؛ (السياسيين والمثقفين الكورد من داخل سوريا) من الحضور والمشاركة في هذه الفعالية الكردية بغية توحيد الصف الكردي.

 

 

جندريسه-2007


توحيد الجهود

 

 

 

 

 

 

عودة للتاريخ ومن خلال المراجعة والقراءة؛ قراءة في تاريخ شعوب المنطقة ونضالاتها ودور النخب السياسية والفكرية وغيرها من الفعاليات الاقتصادية والاجتماعية وما حققتها لمجتمعاتها وخاصة في مراحل النضال التحرري، سوف نكتشف مدى فعالية وتأثير تلك النخب على الجماهير والشارع من جهة ومن الجهة الأخرى، دورهم في بلورة البرامج ورسم الخطط ووضع كل من إستراتيجية تلك الحركات وتكتيكاتها المرحلية؛ وهكذا يمكن تسمية هذه النخب بالعقل المبرمج لتلك الشعوب وحركاتها التحررية. بما معناه أن للأفراد أو ما يعرف بالكاريزميات القيادية، دور فعال في تحريك الجماهير نحو أهداف وغايات تخدم البرامج السياسية المرحلية والمستقبلية لتلك الشعوب.

 

من هذا المنطلق وكون الشعب الكوردي ما زال في مرحلة النضال التحرري ومحروم من أبسط حقوقه القومية المشروعة وحتى الإنسانية، في الكثير من القضايا وفي ثلاث جغرافيات كوردستانية ما زالت تحت “الوصاية” الغير شرعية؛ حيث أن الجزء أو الإقليم الرابع، إقليم كوردستان العراق يتمتع اليوم بالفدرالية. وأيضاً كون الحركة السياسية الكوردية، بأطيافها وتنظيماتها مجتمعة، يعتبر الممثل الشرعي وشبه الوحيد للشعب الكوردي، فإن النخب الثقافية والفعاليات الاقتصادية – الاجتماعية مدعوة لأن تلتف حول حركتها السياسية هذه. ولكن هذا الالتفاف والمناصرة للحركة لا يعني، بأي حال من الأحوال، السكوت عن أخطاءها وقصور برامجها وأطروحاتها السياسية.

 

بل ومن خلال هذه المؤازرة والانخراط في الحراك السياسي والعمل المنظم، تكون تلك الفعاليات النخبوية والتي لها القدرة على القراءة الموضوعية للواقع والمناخ السياسي الدولي منها والإقليمي، قد أخذت المبادرة الحقيقية للعمل النضالي. وبالتالي فسوف تمتلك الحركة، ومن خلال مبادرة كوادرها النخبوية هذه وقراءاتها للمناخ الجيوسياسي العام، برامج نضالية حقيقية تنسجم مع روح العصر لتعمل من خلالها وليس من خلال هذه البرامج والأنظمة – على الأقل أكثرها – والتي هي أقرب إلى أجواء الحرب الباردة منها إلى مفاهيم الليبرالية والتعددية والديموقراطية. وهذا لا يعني أن النخب الفكرية والثقافية الكوردية بعيدة اليوم عن الحراك والعمل السياسي؛ ولكنه عمل مشتت وضعيف وتحتاج إلى نوع من التنظيم والمؤسساتية، أي أن كل من المثقف والحركة واحدهم بحاجة إلى الآخر ويحتاجان إلى نوع من القران والزواج وليكن متعوياً؛ من زواج المتعة أو نفعوياً ومصلحياً، حيث من مصلحة الجميع أن يتم هذا القران أفراداً وأحزاباً وأولهما وأكثرهم فائدةً تكون المسألة والقضية الكوردية.

 

هذه من ناحية ومن الناحية الأخرى، وكما نعلم جميعاً فإن البرامج السياسية الكوردية هي دون الطموح وسقف المطالب الحقيقية للشعب الكوردي. بل جلها إن لم نقل بالإطلاق تفتقر إلى الوضوح والشفافية في قراءتها للواقع السياسي الكوردي وأيضاً لخريطة التغيرات والمتغيرات والتي تجري في العالم وخاصةً على صعيد ومستوى الشرق الأوسط وموضوع إعادة رسم خارطة المنطقة من جديد، وبالتالي فإن انخراط أو حراك هذه الفعاليات النخبوية والعمل على تلك البرامج والأطروحات، سوف تقرب بينها؛ أي بين هذه البرامج، وهذه ستنعكس إيجاباً على تقارب فصائل الحركة السياسية الكوردية وتنظيماتها وبالتالي توحد الكلمة والجهود وتكون هناك ورقة كوردية للعمل عليها وليس مجموعة آراء ومطالب لا يرقى في الكثير من الأحيان إلى مستوى ما تطلبها جمعية إنسانية خيرية لجالية ما نزحت إلى جغرافية غير جغرافيتها.

 

أما الهروب والتهرب من الأحزاب والعمل من خلال تنظيماتها؛ بحجة ضعف الحركة وتشتتها من جهة ومن الجهة الأخرى، بأن برامجها السياسية دون مستوى حقوق ومطالب الشعب الكوردي وأيضاً اتهامها في بعض الأحيان بالاختراق والعمالة للدوائر الأمنية، فبقناعتنا ما هذه إلا حججاً واهية نغطي بها خوفنا وجبننا من مواجهة الحقيقة وأنفسنا معاً. نعم؛ إننا نؤكد ولن نعمم بأن، أغلبية فعالياتنا الثقافية والاقتصادية والاجتماعية، عندما تهرب من العمل والحراك السياسي ضمن تشكيلات أحزابنا الكوردية، مبرراً ذلك بهذه الحجة أو تلك، فإنها تفعل ذلك نتيجة جبنها النفسي لمواجهة حقيقة ذاتها؛ بأنها تريد التقوقع على الذات والسكينة والسكون العدمي ولكي لا يدخل في مواجهة حقيقية مع الدوائر الأمنية والمخابراتية، ولذلك فهو/ هي يهرب من العمل الحزبي و”المؤسساتي” مغطياً ذلك بتلك الحجج الغير مقنعة حتى له.

 

وهذه ليست دعوة للعنف أو المواجهة الدموية مع هذه الجهة أو تلك، ولكن ومن حق الشعب الكوردي أن تطلب من نخبها وكوادرها أن تمثلها وبالتالي أن تكون صوتها في المحافل والمنابر، لا أن يُترك مصيره بيد أناس هم أنفسهم بحاجة إلى قيادات حقيقية؛ مع احترامنا لكل هذه الشخصيات القيادية الحالية في الحركة السياسية الكوردية، وما قامت به من دور نضالي في مراحل معينة، ولكن الشعب والحركة السياسية الكوردية بحاجة إلى دماء جديدة. ولذلك ومن حقنا وحق شعبنا أن نطالب هذه النخب والتي هي خارج التنظيمات والأحزاب السياسية الكوردية، أن تنضم إلى صفوفها وهي حرة في اختيارها للحزب والنهج الذي يراه منسجماً مع تطلعاته وآراءه وأيضاً مدى فعالية هذا النهج والتنظيم وقبوله وانسجامه مع المناخ السياسي الدولي المعاصر.

 

ولذلك وأخيراً ونتيجة لحاجة الشعب والقضية الكوردية لجهود وخبرات ومعارف نخبها وفعالياتها وفي هذه المرحلة الدقيقة والحساسة من تاريخ منطقة الشرق الأوسط بشكل عام وعلى الأخص منه ما يتعلق بمصير القضية الكوردية، فإننا ندعو كل تلك الفعاليات والنخب بالعمل من خلال هذه “المؤسسات” والتي هي دون الطموح ولكنها بنفس الوقت هي الممثل “الحقيقي”، كونه واقع معاش ومن غير أن يكون لنا بديل على الأقل في المرحلة الحالية، وبالتالي فليس أمام هذه الكوادر إلا أن تنضم إلى صفوفها والعمل على برامجها السياسية للارتقاء بها بحيث تكون معبرة عن طموح وآمال وأماني شعبنا وأن تكون بنفس الوقت منسجمة مع ثقافة العصر ومبادئ حقوق الإنسان، ودون أن نكرر أخطاء القوميين العرب أو غيرهم من الشعوب المجاورة والتي طرحت مشاريعها القومية، اعتماداً على نفي وإقصاء الآخر أو سلبه وطمسه واغتصاب جغرافيته كما هو حاصل بحق الشعب والجغرافية الكوردستانية من قبل تلك المشاريع القومجية.. فليكن لنا ذاك الصوت والمشروع الليبرالي الديموقراطي في المنطقة، ولنكن نحن البادئون.

 

 

جندريس-2006


نحن والآخرون

بين ثقافة ال(أنا) والمؤسسة

 

 

 

 

 

 

إننا سنتطرق في مقالتنا هذه ومرةً أخرى إلى مسألة الانشقاقات والوحدات التنظيمية ضمن صفوف الحركة الوطنية الكوردية في سوريا وكمثال ونموذج على هذه القضية سوف نتناول تجارب الحزب الديمقراطي الكردي في سوريا (البارتي) وتحديداً هذه التجربة الأخيرة في عودة الرفاق والأخوة إلى صفوف الحزب و(لم الشمل) أو لففت الشمل والموضوع، كما يقال في اللغة الدارجة. ربما يستغرب البعض من الأخوة والرفاق والمهتمين بالشأن السياسي العام في سوريا وتحديداً بالمسألة والقضية الكوردية في هذه الجغرافية المطعونة والمهددة والمنقسمة بين العديد من الولاءات والزعامات لدرجة يستحيل فيه على المرء أن يتعرف على ملامح والخريطة السياسية لأحزابها وزعاماتها ومن دون ربط تلك (الكتل أو المجموعات السياسية) والتي تعرف بأحزاب الحركة الوطنية الكوردية في سوريا بتلك الزعامات وتحديداً باسم الزعيم الأوحد وقائدها الأعلى؛ الأمين العام أو السكرتير، وللحفاظ على وحدة الحزب وسلامته من الانشقاق – إحدى الأحزاب الكوردية في سوريا – وبعد أن تأكد للمؤتمرين بأن حزبهم في طريقه إلى الانقسام والإنشطار البرامسيومي – كالعادة – تفتقت عقليتهم؛ عقلية (الزعيم) والمرجع الأعلى عن لقبٍ جديد؛ ألا وهو لقب الرئيس (أي أصبح لنا رؤساء) وكانت المسألة برمتها نوع من التراضي الحزبوي وتوزيعاً للحقائب وعلى المستوى الشخصي إرضاءً للـ(أنا) المتضخمة والتعويض على الهرمون النقصي والدوني والذي نعاني منه في الحالة والشخصية الكوردية عموماً، وهكذا أصبح الجسد؛ جسد ذاك الحزب يحمل رأسين لتوأمين لا نريد أن نقول: أنهما غير حقيقيين.

 

نعم.. ولربما يتبادر إلى أذهان البعض ويتساءل؛ لما في هذه المرحلة الدقيقة والحساسة وعند محطة ومرحلة تاريخية هامة من تاريخ الحركة الوطنية الكوردية في هذا الإقليم الكوردي ونحن نرى توحد الطاقات والجهود في صفوف أهم نهج ومدرسة نضالية عرفتها نضالات الشعب الكوردي عموماً وفي الأجزاء الأربعة من كوردستان؛ ألا وهو النهج والمدرسة البارزانية والتي تجسدها تلك الأحزاب المنضوية تحت خيمتها والتي تعرف مصطلحاً بـ(البارتي) كهوية سياسية تجمعهم في الجغرافيات الأربعة تلك، وخاصةً ونحن من الذين دافعوا – وما زالوا – عن هذا النهج والمدرسة النضالية ودعوا إلى توحيد صفوفه وجهوده. ولكن وقبل الإجابة على هذا السؤال المشروع – ولا نعلم إن كانت هناك أسئلة غير مشروعة، وإجابة السؤال الأخير نتركه في عهدة أئمة وفقهاء الدين والسياسة، مع أنهما (أي الدين والسياسة) وجهان لقضية واحدة – ونعود ونؤكد بأن قبل الإجابة على السؤال السابق وغيرها من الأسئلة التي سوف نثيرها من خلال مقالنا هذا، نود أن نؤكد على مسألتين هامتين – على الأقل – بالنسبة للموضوع الذي نتناوله؛ أولاها: أن كل مراحلنا تتسم بتلك الحساسية التي ذكرناها، حتى بات المرء ليس بقادرٍ على تناول موضوعٍ من المواضيع ومن دون أن يجرح (حساسيتنا) هذه، ومثلنا في ذلك مثل النظام في البلد؛ حيث أن المعارضة ليست بقادرة أن تتناول مسألةٍ ما والتي تتعلق بقضايا الديمقراطية وحقوق الإنسان ومنها حق شعبنا الكوردي، ضمن جغرافيتنا هذه أو حتى في الجغرافيات الأخرى، من دون أن تنبري لهم (أي للمعارضة) أجهزة الإعلام السورية وتذكرهم بالشماعة الإسرائيلية وإننا في حالة مواجهة مع (العدو)، وهكذا فعلينا (سد) أفواهنا إلا أن تحل كل القضايا (الإستراتيجية) ومن ثم نتطرق إلى قضايا الإنسان وحقوقه، وبالتالي ننسى أو الأصح نتناسى بأن الإنسان هو الأساس والمنطلق في بناء المجتمع والأوطان وأن قضية حقوقه هي قضية القضايا على الرغم من كل الظروف والمناخات والأجواء ولا يجوز المس بتلك الحقوق؛ أي حقوق المواطنة وبالتالي المواطن وكرامته.

 

أما النقطة أو المسألة الأخرى والتي نود الوقوف عندها؛ هي مسألة الـ(أنا) وحب الذات والنفس أو ما تعرف في علوم وسيكولوجية البشر بالنرجسية وتضخم الأنا العليا وبالتالي الركض وراء الشهرة وتسليط الأضواء على ما يعرف بالزعماء والرؤساء. ومع إننا نتفق مع الآخرين بأن هذه القضية؛ (حب الذات) هي قضية وحالة (إنسانية) عامة وسلوك فردي لا تقف عند حالة حضارية – ثقافية أو دين وأيديولوجية بعينها، بل نجدها في كل الثقافات والحالات وفي المراحل التاريخية المختلفة، ولكن وبالتأكيد فإن هذه الظاهرة السلوكية – والتي يمكن اعتبارها مرضية – هي حالات يمكن تقبلها في ظل التنافس (الشريف) والقائم على أساس الكفاءات وتكافؤ الفرص وفي خدمة القضايا الإنسانية العامة والتي تسخر وتقنن ضمن مؤسسات حضارية مدنية تهدف إلى التطوير والتحديث في بنى الفكر والمجتمع معاً. أما في الكثير منها (أي حالات العظمة) والتي نشاهدها ونعايشها، بل التي نعاني منها في مجتمعاتنا الشرقية والإسلامية تحديداً، فهي الحالات المرضية النرجسية والمتوهمة بأنها صاحبة الحق والحقيقة المطلقة والآخر ليس إلا (كافراً، زنديقاً، ملحداً، ذمّياً، شيوعياً، بارتياً.. وسنياً، شيعياً) أو كوردياً يحلم ويطالب بجغرافية تأويه، كما هو حال كل الكائنات الحية والميتة منها، وليس البشر وحدهم.

 

إذاً من أين نستمد هذه الطاقة و(المنطق) على المزاحمة ونفي الآخر ولعنه وطرده من (فراديسنا)؛ هل هي حالات فردية تتعلق بسلوكية البعض منا وحبه للذات و(النفس الأمارة) أم هي حالة وسلوك اجتماعي عام تم تأسيسه وقيامه على بنية فكرية ومنظومة أخلاقية (متكاملة)، أساسها ومنطلقها قضية الإله الواحد الأحد، الصامد والخالد الأبد، وهكذا دواليك؛ حيث الفكر الواحد والحزب الواحد والزعيم الأوحد. وإننا لنعتقد بأن جوهر المسألة تكمن هنا؛ في هذه المركزية (المطلقة) والعنفية وذلك عندما حطمنا جميع الأصنام تلك وأبقينا على صنمٍ واحد وإلهٍ واحدٍ أحد يدير الكون بإرادته ومشيئته ومن دون أن يشاركه أحد في ذلك؛ حيث هو (وليس من دونه أحد) القادر القدير والعالم العليم، الصادق الصديق ومالك الحق والحقيقة، بل هو الحق بعينه وهو النموذج والمثل الأعلى (لنا) جميعاً وإننا نقتدي به في (قيادتنا) للعائلة ونسمى بـ(رب العائلة)، والأمر نفسه يندرج على (قيادتنا ورئاستنا) لعشائرنا وأحزابنا وهكذا بقي فقط وبدل أن نسمي قياداتنا السياسية بأسماء وألقاب السكرتارية أو الأمناء العامين أن نسميهم بفراعنة وأرباب (الكعبة) والأحزاب وهكذا وبدل القسم الذي كان يتلى (وربُّ الكعبة) فعلى أعضاء ورفاق الأحزاب أن يقسموا (وربُّ الحزب) الفلاني أو العلاني العليلي.

 

والآن نأتي ونجيب على سؤالنا السابق؛ لما طرح هذه القضية (أي مسألة الزعامات والقيادات في ثقافتنا وحياتنا الحزبية السياسية وفي هذه المرحلة ولن نقول الدقيقة، حيث أن كل المراحل هي دقيقة) ونحن نشهد الكثير من الحراك السياسي والثقافي في عملية رص الصفوف أو ما يسمى بخلق وتشكيل مرجعية كوردية، ونأمل أن لا تكون هي الأخرى من باب التفقه السياسي المطعم دينياً – إسلامياً شيعياً هذه المرة وعلى غرار ما يعرف بـ(المرجعية الدينية) عند الأخوة الشيعة، وأيضاً في ظرف يتوحد فيه أجنحة (البارتي) ويعود الرفاق إلى قواعدهم سالمين ونحن الذين قد رحبنا بهم ونرحب بهم هنا أيضاً وللمرة الألف؛ حيث أن خيمة (البارتي) ولسعة صدرها وكورداييتها وحلمها وتسامحها وتصالحها مع نفسها ومع الآخر، يمكن أن يتسع للجميع ويضمهم. ولكن ومن حقنا ونحن نشهد معاً هذه العودة أن نتساءل لما كان الانشقاق أصلاً حتى تكون العودة، ولما كان الخروج على مؤسسات الحزب ومؤتمراته واتهام الطرف الآخر بكذا وكذا. وبالتأكيد  إننا لا نثير هذه الأسئلة لكي نفتح الجروح ونذكر بـ(تقيحات) الماضي، بل قلنا ونؤكد بأنه علينا التسامي فوق تلك القضايا والجراحات ولكن من دون إغلاق تلك الملفات بالمطلق، بل علينا أن نسلط الأضواء والحرارة عليها لكي نزيل عنها ومنها بعض المكروبات والجراثيم التي ربما تكون في حالة (خلايا نائمة) تنشط في ظروف مؤاتية.

 

وهكذا نسد الطريق أمام تلك الشخصيات والحالات النرجسية المرضية والتي تتلاعب بمصير هذا النهج والتيار السياسي والذي يعرف (بالبارتي) كأحد أهم التيارات السياسية في الحركة الوطنية الكوردية في الجغرافيات الكوردستانية ومنها جغرافيتنا في هذا الإقليم الغربي، وبالتالي ومن خلاله (أي التلاعب بمصير البارتي) التلاعب بمصير قضايا شعبنا الكوردي في جغرافيته هذه الملحقة بسوريا. وكذلك أن لا نجعل من الحالة السياسية المؤسساتية الحزبية والتي هي بطبيعتها وتعريفها الأولي إحدى مؤسسات المجتمع المدني المؤسساتي الحضاري، بأن تكون نوع من الارتجاع والارتداد الحضاري إلى زمن القبيلة والخيمة والعائلة كتكوينات اجتماعية وهكذا يتم التعريف بهذه الأحزاب والمؤسسات السياسية بزعاماتها وقياداتها وكأننا في مضارب بني زيد وهلال وسمكو وآشيتي وآمكيا وغيرهم من قبائلنا وعشائرنا المندثرة، بل المعششة والحية في أحزابنا الكوردية وذلك عندما يقال: (بارتي نذير وبارتي نصرو وبارتي.. ) – مع تقديرنا واحترامنا لكل تلك الشخصيات الاعتبارية – ولكن علينا الاعتراف بالواقع والحقيقة وبأن أحزابنا أصبحت ممالك ومزارع خاصة بهذه الزعامات والقيادات وعلى غرار السلطة، بل لقد قال لي مرة أحد الأصدقاء وفي معرض حديثنا عن فكرة الزعامة عندنا في الحالة الحزبية، “هل تعلم لماذا الشباب – ويقصد بكلمة الشباب قيادات الأحزاب – لا تغير من أسماء أحزابها عندما تنشق عن حزبها (الأم)”، وقد وضعنا مصطلح الحزب “الأم” بين قوسين كي لا يتحسس بعض أطراف الحركة الوطنية الكوردية كونها لا تجد هذه الخاصية في نفسها.

 

حقاً كانت لفتة ذكية من ذلك الصديق في طرحه للسؤال السابق ولكن إجابته كانت هي الأدق والأدهى وقد أدهشتنا حقاً؛ حيث لفت انتباهنا إلى هذه النقطة والمسألة تحديداً، ألا وهي قضية تكريس الاسم (أسم الزعيم والقائد)، فعندما يقال للمرء الحزب الديمقراطي الكردي في سوريا (البارتي) يتبادر إلى الذهن مباشرةً سؤالٌ آخر: أي الأجنحة والأطراف يقصد بـ(البارتي) – وكذلك الأحزاب الأخرى – هل يقصد جناح الأستاذ محمد نذير مصطفى أم الأستاذ نصر الدين إبراهيم. وقد أعفانا الأخوة من ذكر اسم الأخ عبد الرحمن آلوجي ونشكرهم على ذلك ونأمل أن لا تعود وتتكرر القصة مرة أخرى كما حصل في المؤتمر التوحيدي بينه وبين الأستاذ نصر الدين ليعيد الرنين لأسمه من جديد، كما نأمل من الأخوة في جناح الأستاذ نصر الدين أن يعيدوا النظر في سياستهم وتنظيمهم، فإن كانوا بحق أبناء هذه المدرسة والنهج النضالي؛ نهج بارزاني الخالد فعليهم العودة إلى قرار المؤتمر الذي خرجوا منه وعليه وبالتالي العودة إلى صفوف الحزب والتوحد والتلاقي ضمن هذا التيار العريض والعمل من خلاله لتحقيق حقوق شعبنا الديمقراطية والإنسانية، أم إن كانوا يحملون نهجاً وفكراً آخر فليعلنوا ذلك صراحةً وبالتالي أن يتم تغيير أسم (البارتي) عندهم وهكذا نتخلص من عقدة الأسماء والزعامات هذه، ونحن نعرف، وكذلك كل المهتمين بالشأن السياسي الكوردي في سوريا، إن الانشقاق والذي حصل في المؤتمر الثامن (للبارتي) كان بسبب الخلاف على الزعامة ومن سوف يكون هو السكرتير، ولم يكن على قضايا سياسية.

 

بل يمكننا الادعاء ودون خوف أو رجفة ضمير؛ بأن كل الانشقاقات ومنذ سنة 1970 كانت على أسس تنظيمية وليست سياسية- فكرية وفقط يمكن اعتبار الانشقاق الأول 5 آب 1965 لمسائل تتعلق بالأيديولوجية والفكر والسياسة، أما ما بعد ذلك فجاءت كل الانشقاقات لتكريس مفهوم (الزعيم) – وللأسف – وما يحز في النفس أكثر، أنه وبعد أن يرمي الحزب (الأم) الجنين المولود حديثاً (الحزب الديمقراطي الجديد) – وهذا الاسم ماركة مسجلة باسمنا حصراً غير قابل لطشه من قبل (زعيم) كوردي جديد آخر يضاف إلى قائمة وسلسلة (زعماء) الحركة الوطنية الكوردية في سوريا – وهكذا وبعد أن ينفصل هذا الجنين المولود قيصرياً عن الحزب-الأم نجده هو الآخر يتناطح لقضية وحدة الحركة الوطنية الكوردية ويدعو إلى توحيد أحزابها ومن دون أن (ترتجف له رمش عين) وبالتالي يقارع الآخرين؛ من الأحزاب الكوردية الموجودة في الساحة السياسية الكوردية ويتحفنا بالعديد من البيانات الحزبية والبلاغات (العسكرية) التي تدعو إلى توحيد الصفوف وتشكيل (المرجعية الأمل) والتي تسمى زوراً بـ”المرجعية الكوردية” والأدق والأصح إنها مرجعيات زعاماتية لا أكثر ولا أقل، وأخيراً جاءنا من يكون هو الناطق الرسمي والأول والأخير والوحيد في الحزب؛ (حزبه هو) حيث بمفرده وبشخصه و(هو)ـه و(أنا)ـه و(ذات)ـه يكوّن ويشكل ويؤسس (حزب)ـه الاسمي ويسطر ويذيل كل ديباجة من ديباجاته وخطاباته العنترية (من عنتر بن شداد) باسمه المبجل المبارك الـ.. وليقول لنا (عاش الزعيم) وعلى اعتبار إنه هو (الزعيم الأوحد) الناطق باسم المستقبل.

 

هذا ما نحن عليه اليوم في مسألة الرجحان والنوسان بين الفكر القبلي العشائري والمدني الحضاري المؤسساتي ضمن آلية عمل وبرامج أحزابنا الكوردية وقد تناولنا القضية من جانب الهيمنة الفردية الشخصانية وطغيانه ومسألة (عبودية الفرد) للزعيم ولم ولن ندخل في الجوانب والمؤثرات الأخرى الخارجية منها والداخلية. بل نتركها لكتاباتٍ ومقالاتٍ أخرى، مع العلم أن كل من التدخل الكوردستاني في شأن هذه الجغرافية الغربية من كوردستان، وعلى اعتباره (الأخ الأصغر) والذي بحاجة إلى وصايتهم وليس رعايتهم وحمايته، بل وفي الكثير من المرات التضحية به وتقديمه قرباناً و(كبش فداء) على صخرة مصالحهم، لعب دوراً سلبياً في مراحل معينة. وكذلك دور كل من الأجهزة الأمنية والمخابراتية واختراقاتها لجسد الحركة السياسية الكوردية وذلك في كل المراحل التاريخية لها وأيضاً غيرها من العوامل: كالأجندة والبرامج السياسية ومحاولة التقليد؛ تقليد الآخر في كل شيء حتى في المشي الأعرج والتي أنستنا المشي القويم وعلى الرجلين كمثل الغراب في ذلك، وبالتالي محاولة التلون بكل الصبغات والتلوينات السياسية والفكرية من يسارية ماركسية إلى قومية راديكالية ودون أن ننسى مستنقع الأفكار الدينية السلفية في مجتمعاتنا الشرقية و.. غيرها الكثير من العوامل والمقدمات الخاطئة والتي لا تسعها كتابة مقالٍ واحد لتناولها جميعاً.

 

ذاك كان بالنسبة لنا (نحن). أما فيما يتعلق بالآخر الحضاري المدني العلماني والذي يتعامل مع كل القضايا وفق منطق العقلانية والجدل والعلوم التجريبية أي من خلال العقل وليس النقل، فإن حالته الحضارية والعلمية والفكرية والتكنولوجية والمؤسساتية توضح الفارق الحضاري بيننا (نحن وهم).. نعم، المؤسسات هي التي تكون لها الفصل والعمل الجاد والمنظم والمبرمج والواقعي، وإن كنا نريد أن نحذو حذوهم فعلينا ببناء المؤسسات السياسية الحقيقية والمبنية على برامج سياسية واضحة وشفافة ومنسجمة مع روح العصر ومتطلبات المرحلة التاريخية لشعبنا وقضيتنا القومية والوطنية الديمقراطية وليس القائمة على الولاء لهذا الزعيم أو الكتلة العشائرية القبلية – وللأسف – أحياناً نجد حتى الولاءات العائلية الأسرية ضمن صفوف الحركة الكوردية وأحزابها، وإننا نتساءل أخيراً: هل يمكن من خلال هذه العقلية والآلية أن نخدم قضايانا المصيرية وأن ننال ثقة شعبنا وأمتنا، أم إننا نحفر قبورنا بأيدينا ولتكون هذه (الزعامات) الخلبية شواهد لتلك القبور المندثرة.

 

جندريسه – 2007


القيادة..

هل هي سلطة أم مسؤولية؟

 

 

 

 

 

يمكن اعتبار مقالنا هذا تأكيداً على ما طرحناه في المقال السابق لنا والذي عنوناه بـ”نحن والآخرون بين ثقافة الأنا والمؤسسة” حيث أكدنا في المقال المذكور؛ على أن الخلافات الحزبية ضمن صفوف الحركة الوطنية الكوردية في سوريا وبالتالي الانشقاقات التي حصلت – والتي ما زالت مستمرة إلى هذه الساعة؛ حيث البلاغات والبيانات التي تنشر في هذه الأيام وعلى صفحات المواقع الكوردية تؤكد ما ندعيه – مردها وأسبابها هي مسائل وقضايا تنظيمية – قيادية وليست هي خلافات فكرية – أيديولوجية حول برامج وأجندة سياسية لقوى وكتل تتصارع وتتعارك ضمن هذا المشهد والحراك السياسي الكوردي في هذه الجغرافية أو تلك من الجغرافية الكوردية في هذه الساحة. وهكذا يمكن القول والادعاء بأننا ما زلنا في عصر الفكر القبلي – العائلي ومن هو الشخص الذي يملك من القوى والإمكانيات التي ترشحه لأن يكون “الزعيم” المطلق على قبيلته و”رعاعه” ليقودهم إلى بر الأمان والخلاص. ولكن وللأمانة نقول بأن المرشح ذاك – وفي أكثر الأحيان – يكون أضعف الموجودين في حلقة المنافسة والمبارزة؛ حيث يتم التوافق عليه بين مجموعة الرجال الأشداء في القبيلة أو ما يمكن تسميتهم في أيامنا هذه بـ”مراكز القرار” السياسي والحزبي أو الأمني المخابراتي.

 

ولتأكيد هذه القضية؛ يمكن العودة إلى ملفات وتاريخ الحركة الوطنية الكوردية في سوريا. بل يمكن العودة إلى تاريخ الصراعات والخلافات بين الملوك والزعامات، التي برزت ونافست وما زالت، للاستيلاء على قيادات بلدان الشرق الأوسط عموماً؛ حيث أن التاريخ – الغابر والحديث – يؤكد على هذه المسألة وبأن الأخ استولى على عرش أخيه وأطاح به، بل وسمل عينيه وكحلهما بـ”الحديد المحمى” كما دونتها كتب التاريخ العباسي الصفراء، أو كما استولى الابن على عرش أبيه ومنعه من العودة إلى الديار والعيال وذلك في العصر الحديث كما دونته تاريخ الدولة والإمارات في بعض بلدان الخليج العربي. وبالتالي فإن ثقافة الإقصاء هي متجذرة في عقولنا وذلك بعد أن حصناها (من الحصن)؛ (أي العقل الشرقي الإقصائي الاستبدادي) بأفكار ومفاهيم الحق والحقيقة المطلقة وامتلاكها من قبل طائفة وحزب وفئة بحد ذاته وما الفئة والحزب والطائفة الأخرى إلى أنها الخارجة و”الباغية” ومصيرها الويل واللعن والطرد إلى “وادي هنوم” والجحيم. وهكذا وضمن هذه الآلية والميكانيزمية الستاتيكية للعقل الاستبدادي الإقصائي في الشرق، لا يمكن التأسيس للحالة المؤسساتية البعيدة عن مفهوم الفردانية وهيمنة (الزعيم والقائد) الأوحد الذي لا يأتيه الموت ولا النوم دون الخطأ والباطل والذي يحكم باسم الحق الإلهي أو الأيديولوجي الحزبي الأمني.

 

ولكن ونحن العباد والمحسوبين ضمن “الرعاع” أو الشعوب – حسب المفهوم العصري للرعية – ألا يحق لنا ولو من باب الفضول والاستفسار أن نتساءل ونستفسر من هؤلاء “السادة والزعماء”؛ ما هو مفهومهم لمسألة “القيادة” وكيف ينظرون إليها وكيف هم بـ”قادرون” على الفعل والحركة من خلال ذاك الموقع وتفعيله في الآن ذاته، بل كيف سوف يعملون على التأكيد بأنهم (هم) بالفعل رجالات المرحلة وبأن لهم القدرة والإمكانية لتحمل كافة الأعباء والمستحقات التي تفرض عليهم هكذا موقع قيادي، وبالتالي القيام بالواجبات والمهمات التي تتطلبها مرحلة ما وضمن ميثاق وبرنامج عمل سياسي يلبي حاجة وطموحات الجماهير الشعبية التي تسير خلف هذه أو تلك “القيادة الملهمة والتاريخية”، وهكذا يحق لنا أن نحاسب هذه “القيادات التاريخية” حينما تكون مقصرة في أدائها للواجبات والمهمات الملقات على عاتقها – إن كانت هناك مهمات وبرامج سياسية حقيقية تمتلكها هذه الكتل الحزبية القبلية – ولكن ومن خلال هذا الركض و”السعار” باتجاه القيادة وأن يكون (هو) – مهما كان هذا الـ(هو) – الرجل الأوحد والقائد الملهم والزعيم المطلق وفي مناخ سياسي عام موبوء بالعنف والاستبداد الممنهج وأيضاً وضمن السياق المعرفي السابق والمبنى على الاستبداد والإقصاء وأنت (أي الحركة الوطنية الكوردية بمجمل أحزابها وكتلها السياسية) تمثل الآخر والذي يهدد بـ”اقتطاع جزء من الوطن وإلحاقه بدولة أجنبية” وبالتالي فأنت متهم بـ”الخيانة العظمى” والذي (يستحق) على أساسه حكماً قضائياً بالإعدام وليس النفي أو الاعتقال لشهرين أو سنتين أو سنين ومن ثم العفو والإفراج عنه.

 

نعم.. عندما نرى وضمن هذه الأجواء والمناخات بأن (الكل) يركض باتجاه القيادة والزعامة، أفلا يحق لنا أن نتساءل: هل هؤلاء يملكون من الشجاعة والإقدام بأن الواحد منهم سوف يضحي بالغالي والنفيس من أجل المبادئ والقضايا التي يؤمن بها ويعمل على تحقيقها وبالتالي فهو لا يبالي بأي عقوبة ومصير سوف ينزل به، بل إنه لا يفكر بحياته ذاته وهو مستعدٌ لأن يضحي بها في سبيل تحقيق أماني شعبه وبني جلدته وبالتالي فهو رمز القائد الحقيقي للمرحلة التاريخية وعلى هؤلاء “الرعاع” أن يتقبلوه ويعملوا وفق “آياته”؛ برنامجه السياسي المطروح بقوة وشفافية في الشارع السياسي الكوردي وهكذا أن يعملوا تحت رايته ومن دون منافسة على الزعامة والقيادة. أم إن العكس هو الصحيح والأدق؛ بحيث يمكن القول والادعاء بأن هذه الأحزاب والكتل السياسية في الحركة الوطنية الكوردية لا تملك من البرامج السياسية الحقيقية والتي تنسجم مع واقع الشعب الكوردي في هذا الإقليم الكوردستاني من الجغرافية الكوردية، بحيث تدفع السلطات إلى الضغط على القيادات (أي قيادات تلك الأحزاب) – كما قامت بها أيام البرنامج السياسي للبارتي الكردستاني والذي كان يدعو إلى “تحرير وتوحيد كوردستان” – وبالتالي تكون أمام قيادات هذه الأحزاب إما التراجع كما فعلت سابقاً – وما فعلته وتفعله لاحقاً – أو الصمود على الموقف وليكن ما يكون؛ الاعتقال والمصير، بل حتى الإعدام والموت.

 

أم إن هذه الأحزاب وقياداتها لربما هي متفقة مع السلطات الأمنية والسياسية في البلد؛ على إن طرحها النظري السياسي حول القضية الكوردية في سوريا ومن خلال “برامجها ومناهجها السياسية” شيء والعمل الحقيقي والفاعل شيءٌ آخر؛ أي بما معناه “لا تصدقوا كل ما يقال” وما طرحنا (أي طرح أحزاب الحركة الوطنية الكوردية إجمالاً) من برامج ومناهج سياسية والتي تطالب من خلاله تحقيق الحقوق القومية المشروعة للشعب الكوردي ما هي إلا للتسويق الجماهيري الشعبي ولزيادة عدد أفراد القبيلة – الحزب على حساب مريدي القبائل والأحزاب الأخرى والتي تنافسها، بل تصارعها أكثر مما “تصارع” على الجبهة الأخرى؛ أي جبهة السلطة والأحزاب التي تواليها.. وهكذا يمكن القول أن كل الفعل السياسي الكوردي في سوريا يندرج تحت يافطة العبث ولا نريد أن نقول “البعث”، نقول ربما ولا نؤكد على هذه المسائل بكل حيثياتها. هذه هي السياقات التي يمكن لنا أن نفهم من خلالها ركض هؤلاء باتجاه مسألة القيادة ومن دون أن يكون لديهم أي تخوف أو نوع من القلق والتردد حيال تقلدهم لهذه المناصب الحزبية؛ بحيث أن أحدهم سوف يحمل رتبة الجنرال، عفواً “عضو اللجنة المركزية أو المكتب السياسي وحتى السكرتير والأمين العام” وهو غير عابئ مما قد يجلب له هذه “المنصب القيادي” من أعباء ومهمات كبيرة وبالتالي مسؤوليات جمة وخطيرة تجاه قضية شعب يناضل ويكافح في سبيل تحقيق هويته القومية ونيل حقوقه المشروعة.

 

ولكن وإن عدنا إلى الواقع وحللنا الأمور بدرايةٍ أكثر وبنظرة أكثر موضوعية وتحليلية؛ فإننا سوف نجد بأن أكثر القياديين في الحركة الوطنية الكوردية يرون في هذه “المناصب الحزبية” نوع من الامتياز والسلطة وإرضاء الأنا المتضخمة أكثر مما هي مسؤوليات وواجبات تجاه قضية شعبهم وأمتهم، وبالتالي فإننا نستطيع القول بأن كل مما ذكرناه في سياق الحديث عن مفهوم “القيادة” بين مسألتي السلطة والمسؤولية يمكن اعتباره حقيقة وواقعاً ملموساً وبالتالي لا يمكن أن نجعل من هذه “المناصب والمراتب الحزبية” منابر عمل نضالية حقيقية إلا من خلال طرحنا؛ أي تلك الأحزاب (أحزاب الحركة الوطنية الكوردية في سوريا) لبرامج ومناهج سياسية فاعلة ومنسجمة مع واقع وطموح الشعب الكوردي من جهة ومن الجهة الأخرى أن تتلاءم والمرحلة التاريخية للعصر الحديث وقضايا الديمقراطية وحقوق الإنسان ومسألة الفكر المؤسساتي وبالتالي امتلاك نظام داخلي وأسلوب وسلوك حزبي نضالي منسجم مع تلك المفاهيم والمسائل؛ بحيث يكون “الرفيق أو الأخ القيادي” هو الأكثر مسؤوليةً وليس الأكثر وجاهةً وحباً للظهور بمعنييها (من الظهور والاستظهار ومن الظهر؛ أي الركوب على ظهور الرفاق والأخوة) وهكذا نقطع الطريق لكل من يسول له نفسه أن يجعل من أعضاء ورفاق الحزب والنهج السياسي (الواحد) نوع من “القطيع السياسي” يقودهم أينما ومتى يشاء وبالتالي يجعل من نفسه (زعيماً) سياسياً جديداً.

 

 

جندريسه – 2007


القيادات الكوردية

والقراءات السياسية

محي الدين شيخ آلي نموذجاً – 

 

 

 

 

 

نود بداية وقبل الخوض في مسألة نعتقد أن لها حساسيات معينة، ولأسباب عدة لسنا في معرض عرضها، أن ننوه إلى بعض النقاط والقضايا حتى لا يفهم الموضوع؛ موضوع مقالنا، خارج سياقها المعرفي – الحواري والذي نهدف من وراءه إلى “وضع النقاط على الحروف” ومحاولة منا بأن نطرح بعض القضايا والتي تتعلق بالمسألة الكوردية في سوريا كما هي دون غموض أو “خطاب تقية”، كما كانت تفعلها الأحزاب الكوردية سابقاً وما زال البعض يمارسها من “قادة” الحركة السياسية في سوريا، وهذه ليست مزايدة على أحد أو محاولة منا “لتشويه” سمعة أحد؛ فإن كنت تحمل وجهاً حسناً، فلا يمكن لقول أو خطاباً “متجنياً” أن يشوهه.

 

نعم إننا نقول ونؤكد على أن الحركة السياسية الكوردية لعبت وما زالت تلعب دوراً فاعلاً ومهماً في حياة مجتمعنا الكوردي وتحملت قياداته، وفي مختلف المراحل، أعباء جمة وكبيرة وتعرضت للملاحقات والاعتقالات والتعذيب وإلى ما هنالك من صنوف القهر والهوان، وما زال الأمر كذلك، ولكن ذلك لا يعني أن نسكت عن أخطاءها وجبنها في بعض المراحل إن لم نقل في أكثرها ويا للأسف. وأيضاً إننا نؤكد على إننا لسنا من هواة “نشر الغسيل الوسخ”، مع العلم إن الغسيل الوسخ يجب أن ينظف وينشر و إلا فإنه سوف يحمل إليك الكثير من الجراثيم والأوبئة، ومن هذا المنطلق نحاول أن نقرأ في بعض المواضيع والتي تقترب من المسألة الكوردية، إن كانت من جهات عربية أو كوردية ولكن دون أن نحمل، ولأي جهة أو طرف أو شخصية سياسية – ثقافية، أي شيء من الحقد والضغينة، بل إننا نحمل قدراً كبيراً من الود والاحترام لأكثر تلك الشخصيات والجهات، إلا تلك التي ترفض أن تحترم نفسها وذلك قبل أن تحترمها الآخرين.

 

ونضيف، ولربما هنا نختلف مع العديد من الكتاب والمثقفين الكورد وغير الكورد والذين يُحملون الحركة السياسية الكوردية كل مآسينا وويلاتنا وأخطاءنا، أي ما معناه إنهم يُحملون الأحزاب الكوردية ما آلت إليه أوضاع الكورد في سوريا، وهم محقون في جزء كبير من المسألة، ولكن أن نعفي أنفسنا نحن المثقفين عن تحمل أي مسؤولية، على الأقل الأخلاقية – المعرفية، فإننا نحاول مرة أخرى أن ندفع بالقضية في اتجاهها الخطأ، وبالتالي نحاول فقط أن نبرئ ذمتنا. نعم نحن المثقفون والكتاب نتحمل أيضاً جزءاً مهماً من المسؤولية فيما آلت إليها الأوضاع في البلد عامة وما أفرزتها على صعيد القضية الكوردية على وجه الخصوص؛ وذلك عندما ابتعدنا عن الحراك السياسي ولم “ننخرط” في العمل الحزبي، إما ضعفاً وخوفاً على ذواتنا المتضخمة والمتسرطنة، على الأقل أكثريتنا إن لم نقل “بالمطلق”، كوننا لا نؤمن بالمطلق، أو لنبقى خارج الدائرة وبالتالي نجٌلد الذين داخل الحركة بسياط “نقدنا” والذي نفرغ من خلاله عن احتقاناتنا الداخلية لسلوكية مثقفٍ مهزومٍ ومقهور.

 

بعد هذه المقدمة الإيضاحية من جانبنا، سوف نحاول أن نقرأ في مقال السيد “محي الدين شيخ آلي” والمنشور في مجلة الحوار العدد المزدوج 46-47 شتاء وربيع 2005م وأيضاً المنشور بتاريخٍ سابق ٍ له في جريدة السفير ليوم 16-3-2005م. وتحت عنوان “أكراد وعرب: تفاهم وتخاصم”. وإننا سوف نبدأ من العنوان؛ حيث إن العناوين هي مداخيل ومفاتيح المقالات، بل إنها تعبٌر عما تحملها من معاني ومفاهيم. إننا نلاحظ بدايتاً بأنه يسير على خطى منذر الموصلي في عنونة مقاله – وهنا نود أن ننوه بأننا لا نقارن بين كل من السيد محي الدين شيخ آلي من جهة وبين منذر الموصلي من الجهة الأخرى، فالمقارنة الكلانية والشاملة بين الرجلين هو نوع من الإجحاف والرعونة الأخلاقية، ولكننا نقارن بين مقولتين سياسيتين لكل منهما وقد جعلاها عناوين لطرحهما السياسي؛ حيث إن لهذا الأخير أيضاً (منذر الموصلي)، وكما نعلم جميعاً، كتاب باسم “عرب وأكراد”، وبالتالي فإن السيد شيخ آلي قام فقط بفعل انقلابي، ولكن على مستوى السطح واللفظ والعنوان ودون أن يكون ذاك الانقلاب في مستويات العمق والمعنى والمضمون؛ فانقلب “عرب وأكراد” منذر الموصلي إلى “أكراد وعرب” السيد شيخ آلي.

 

ثانياً وما نلاحظه عند السيد محي الدين ومنذر الموصلي، ومن خلال العنوان؛ إنهما يخطئان في طرحهما للقضية الكوردية في سوريا، وذلك عندما يطرحانها وكأنها قضية “تخاصم” أو صراع بين الشعبين الكوردي والعربي، وليست هي بقضية وطنية ديموقراطية وعلى أنها بين هذه الشعوب والمكونات الاجتماعية والكتل السياسية والتي تحسب على المعارضة من جهة وبين السلطات والكتل والنخب السياسية الموالية لها من جهة أخرى؛ فها هو السيد شيخ آلي – وكما قلنا – يسير على خطى منذر الموصلي وذلك عندما يعنون مقاله بـ”أكراد وعرب: تفاهم وتخاصم”، وكأننا نحن الكورد؛ أي الشعب الكوردي من طرف والأخوة العرب، كل العرب في الطرف الآخر، إما على “تفاهم” أو “تخاصم” وأن القضية ليست قضية صراع وإثبات وجود وهوية من عدمه بين الحركة الكوردية وأصدقاءه من ناحية، ومن الناحية الأخرى من يرفض هذا الوجود والهوية الكوردية والمتمثلة أساساً في السلطات المتعاقبة على البلد. وهذه نعتبرها، وخاصة إذا أتت من جانب أحد المحسوبين على النخبة السياسية الكوردية كالسيد محي الدين شيخ آلي، إما قصوراً في القراءة ومن ثم الرؤية والتحليل السياسي، أو جبناً سياسياً ولن نقول املاءات سياسية؛ لأننا نرفض مبدأ تخوين أحد، وهاتين الصفتين – والتي ذكرناهم – لا تليقان بشخص يريد أن يقود حركة سياسية لشعب يبحث عن هويته وإثبات أحقية وجوده على أرضه التاريخية.

 

ثم نقرأ بعد العنوان ما يلي، وذلك حيال المسألة الكوردية والاهتمام الإعلامي بها مؤخراً، فيكتب السيد محي الدين: “منذ مدة غير طويلة، يشهد الإعلام العربي اهتماماً بقضية الأكراد بفعل مؤثرات سياسية طارئة، ومناخات لم تكن مألوفة بالأمس، سواءً في العراق وتركيا أو سوريا وإيران بهذه الجدية أو تلك، وكذلك حيال أوضاع الجالية الكردية في لبنان بمستوى مناسباتي متقطع”. إننا كنا لن نعلق على ضعف وركاكة الصياغة والمعاني لدى السيد محي الدين لو كان “شخصاً عادياً” ويتحدث في مجلس شعبي، أما كونه شخصية اعتبارية وقيادية في الحركة الكوردية وينتج فعل وخطاباً سياسياً يترتب عليه نتائج مستقبلية على مستوى القضية والوجود، فنقول إن هذه الصفة الأخرى يجب أن تتوفر في الشخصية القيادية؛ وهي المقدرة على التعبير الدقيق والقوي وتماسك الخطاب السياسي عنده والقدرة على تحليل الأمور والأحداث، كونه صوت قواعدها وممثلها في المحافل والمنابر الإعلامية.

 

هذه كانت من حيث اللغة والتعبير. أما من حيث المعنى والطرح؛ طرح القضية الكوردية في سوريا على أنها “قضية الأكراد” وكأن العرب والآشوريين والسريان والمسلمين والمسيحيين والسنة والعلويين والبارتيين والبعثيين لا علاقة لهم بها، فأنها لعمري من عجب العجاب وخاصة من قيادي كوردي يرفض سياسة المحاور من جهة، كوردستانية كانت أم غيرها ومن الجهة الأخرى يطرح فكرة الوطنية السورية، كما هي دارجة هذه الأيام ومع العلم إننا أيضاً من المدافعين عن الوطنية السورية ولكن على أساس احترام التنوع التكويني السكاني وحقوقهم. نعم إننا نستغرب هكذا طرح من هكذا قيادي ونقول إن القضية ليست “قضية الأكراد” وحدهم، بل هي قضية وطنية ديموقراطية بامتياز؛ أي أن كل المكونات السورية معنية بها. وأما بالنسبة إلى المناخات السياسية السائدة في العالم، وليست في منطقة الشرق الأوسط وحدها، وصحيح إنها جديدة، ولكن نؤكدها لك بأنها ليست ولن تكون “مؤثرات سياسية طارئة” كما ظننتم؛ بل إنها نتيجة عوامل حضارية متعددة وهي ليست موضوع بحثنا لنستعرضها في هذا المقام.

 

أما تحليلكم بصدد الاهتمام الإعلامي وعلى ندرته – على حد تعبيركم – في الآونة الأخيرة بالقضية الكوردية في سوريا، وأيضاً ما أفرزتها سياسة “خير أمة أخرجت للناس”، فهو الآخر قاصر. وسوف نحاول أن نبين للقارئ رؤيتنا وذلك بعد أن نستعرض رؤيتكم. فإنكم تكتبون في سياق مقالتكم ما يلي: “ونادراً ما يولي الإعلاميون العرب اهتماماً لائقاً بالقضية أعلاه (أي القضية الكوردية والتوضيح من عندنا)، وذلك بتأثير متأت من خشبية السياسات الرسمية للنظام العربي، وفي مقدمته مؤسسات الجامعة العربية من جهة، وشعور ٍ سائد لدى البعض بفعل تفسيرات خاصة بهم، تفيد بأنهم (خير أمةٍ أخرجت للناس..) لينظروا من علٍ في التعاطي مع الأكراد وغيرهم من غير العرب باعتبار أن هؤلاء (أعاجم)ليس إلا من جهة ثانية، أضف إلى ذلك افتقار مراكز البحث والدراسات العربية لوجود أبحاث أكاديمية رصينة وإصدارات دورية تلقي الضوء على حقائق ومعطيات القضية الكوردية و.. هذه العوامل الرئيسية الثلاث تبقى تفعل فعلها في تشويه الوعي لدى الإنسان العربي بوجهٍ عام وتدفعه باتجاه السلبية واللامبالاة كلما جاء ذكر الأكراد و..”.

 

إن القراءة السابقة – وحسب رأينا – تنم وتعبر عن فقر فكري وضعف سياسي وعدم القدرة على التحليل والاستنتاج، وبالتالي عدم القدرة على بلورة برامج سياسية نضالية على ضوء ذلك؛ حيث نلاحظ بأن السيد محي الدين يرجع عدم اهتمام الإعلام العربي بالقضية الكوردية إلى ثلاثة عوامل وأسباب وذلك حسب رؤيته وقناعته، وسوف نحاول أن نبحث في كل منها على حدة. إننا نقول للسيد شيخ آلي بأن “السياسات الرسمية للنظام العربي” تجاه المسألة الكوردية ليست خشبية وفقط؛ بل هي سياسة إنكارية الغائية، أي لا يقر ولا يعترف بحقيقة وجودك كقضية أرض وشعب، وإننا نقول عن سياسة كهذه على أنها – وكما قلنا سابقاً- سياسة إنكارية. ولكن متى نقول عن هذه السياسة أو تلك على أنها خشبية أو متكلسة؛ ذلك عندما تقر وتعترف بوجود المسألة أولاً ولكنك تنظر إليها من خلال رؤية مصلحية ضيقة، ومهما كانت منطلقات وأسس تلك الرؤية؛ دينية – مذهبية، قومية – عنصرية، أيديولوجية – سياسية أو اقتصادية – مالية وإلى ما هنالك من “المسوغات والمبررات” والتي أخيراً تصب في مصلحة / طاحونة هذه الجهة أو تلك من صاحبة النفوذ والقرار والسيادة. وهكذا لو كانت هذه “السياسات الرسمية للنظام العربي” تقر بحقيقة القضية الكوردية في سوريا، وفقط كان الخلاف حول كيفية المعالجة وتمسكهم برؤية أحادية تخدم جهة واحدة، لقلنا بأنها سياسة خشبية، أما وفي ظل هكذا واقع؛ أنت مغيب فيه كأرض وشعب، فهي لعمري تحليل بعيد كل البعد عن الواقع الراهن.

 

أما ما يتعلق بالجانب الاستعلائي “لدى البعض (أي بعض العرب وهنا أيضاً التوضيح من عندنا) بفعل تفسيرات خاصة بهم، تفيد بأنهم (خير أمةٍ أخرجت للناس..) لينظروا من علٍ في التعاطي مع الأكراد وغيرهم من غير العرب باعتبار أن هؤلاء (أعاجم) ليس إلا”. فإننا هنا أيضاً نختلف معك في هذا “البعض”، بل نجزم ونؤكد بأن الغالبية العربية، وعلى المستويين النخبوي والشعبي، ينظرون إلى المسلمين من غير العرب ومن ضمنهم الكورد على أنهم وما زالوا ذميين وموالي، وهذا ما نجده في الشارع وفي جل الخطاب العربي بصدد القضية الكوردية، ولا داعي أن نجمل قبائحنا، فعصرنا هو زمن كشف المستور والمخبأ، لعلنا نصل إلى الحلول وما سياسة التجميل والرتوش والتصفيق إلا هي التي أوصلتنا إلى ما نحن عليه، ولذلك كفانا تهريجاً سياسياً.

 

وأما بصدد ما كتبتم عن “افتقار مراكز البحث والدراسات العربية لوجود أبحاث أكاديمية رصينة وإصدارات دورية تلقي الضوء على حقائق ومعطيات القضية الكوردية” فإننا نتفق معكم، مع العلم إن تلك المسألة مرتبطة بعوامل عدة أخرى ولكنها ليست مدار بحثنا هنا. وهكذا فإن هذه العوامل الثلاث وإلى غيرها العديد من الأسباب والعوامل الأخرى كضعف الحركة والخطاب السياسي الكوردي إجمالاً، وأيضاً غياب أو تغييب الحالة الديموقراطية في البلد وبالتالي غياب الدولة المدنية ومؤسساتها، وأيضاً هيمنة جهة سياسية – حزبية؛ حزب البعث على مقاليد السلطة في الدولة، وضعف أداء المؤسسات العالمية كهيئة الأمم المتحدة ومنظمة العفو الدولية، وسياسات العنف والنفي والقتل والموغلة في تاريخ شرقنا المبتلى بالفكر الشمولي ألإقصائي و.. غيرها من العوامل، كلها مجتمعة خلقت وتخلق “وعياً مشوهاً” في مجتمعاتنا في نظرته للآخر وليس فقط “لدى الإنسان العربي بوجهٍ عام” بحيث “تدفعه باتجاه السلبية واللامبالاة كلما جاء ذكر الأكراد”، وبالمناسبة فإن “الإنسان العربي” أو جلهم – كما أكدنا سابقاً- ليس سلبياً لا مبالياً تجاه القضية الكوردية، كما تقولون، بل هو يتعامل بعقلية عروبية قومجية مع المسألة الكوردية.

 

نعم إننا نؤكد ومرة أخرى بأن الموقف العربي الرسمي والشعبي، ودون أن ننسى بعض المواقف الإنسانية هنا وهناك وعلى ندرته من جانب بعض القادة أو المثقفين العرب، وذلك حيال القضية الكوردية، هو ليس بالموقف السلبي أو حالة اللامبالاة، وإننا لنقول عن موقف طرف أو مجموعة ما تجاه مسألة وقضية معينة بأنه سلبي ولا مبالي فقط في حالة واحدة؛ وذلك عندما لا تهمهم تلك المسألة “لا من بعيد ولا من قريب” وبالتالي يهمشونها. أما في الحالة الكوردية – العربية وفي ظل مجموعة “المشاريع” العنصرية والمطبقة حيال الوجود والمسألة الكوردية في سوريا وأيضاً وفي ظل موقف الغالبية العربية نخباً وجماهيراً من المسألة الكوردية، فهي ليست بحالة اللامبالاة كما يكتبها السيد محي الدين في مكاناً آخر بأن “السلبية واللامبالاة هاتين في الثقافة السائدة لدى الكثيرين في الوسط العربي غالباً ما توٌلدان لديهم نزوعاً باتجاه العنصرية والشعور بالتفوق، فتثيران نعرات ضارة تشكل رافعة لحالة احتقان وحوادث مؤسفة واضطرابات تهدد السلم الاجتماعي هنا وهناك نحن جميعاً بغنى عنها”. وإننا لنسأل السيد محي الدين ما يقصده من وراء هذه العبارة الأخيرة “حوادث مؤسفة”؛ فإن كان يعني بها “أحداث” آذار لعام 2004 فلقد كانت انتفاضة حقيقية في وجه ممارسات سياسات خاطئة، مع العلم إننا لسنا من دعاة العنف، ولكن يجب أن نسمي الأشياء بأسمائها الحقيقية، وكفانا لعباً بالألفاظ وعلى الآخرين.

 

ومن بعد هذه المقدمة الغير موفقة، من جانب السيد محي الدين، للموقف العربي تجاه القضية الكوردية وخاصة الإعلامي منه، ينتقل إلى موضوع آخر ألا وهو إثبات أقدمية هذه الأقوام العربية والتركية والفارسية وأخيراً الكوردية في هذه الجغرافية ودون أن يتطرق إلى غيرهم من الأقوام والأعراق والتي هي سابقة في أقدميتها بالمنطقة على الكثير من تلك الأقوام والأعراق التي يذكرها كالسريان والآشوريين. وهكذا يفهم من سرده لهذه المسألة بأنه سوف يحاول أن يثبت الجغرافية الكوردية كغيرها من الجغرافيات الموجودة على الأرض والخارطة الشرق أوسطية ولكنه، وسوف نقولها صراحة، يمارس مرة أخرى “خطاب تقية” في طرحه لجغرافية كوردستان والذي ألحق بالدولة السورية الحديثة، وذلك عندما يكتب: “الأكراد تعرضوا أكثر وأشد من العرب لمآسي الحروب والتجزئة وفق مصالح وأهواء الدول الكبرى في مستهل القرن المنصرم، فباتوا منضوين في أطر كيانات جمهورية لأربع دول رئيسية في المنطقة هي تركيا وسوريا والعراق وإيران، تفصلهم عن بعضهم البعض أسلاك حدود سياسية مكرسة بالعديد من المواثيق والاتفاقات الدولية، فارتبط تطور ومصير كل جزء من الأكراد بمصير وتطور مجتمع ودولة، كلٍ على حدة، و.. “. وهكذا نجد أنه مرة أخرى لا يسمي الأشياء بأسمائها؛ فالأجدى والأصح والأدق أن يقول: (ارتبط تطور ومصير كل جزء من كوردستان وليس “الأكراد” بمصير وتطور مجتمع ودولة، كلٍ على حدة).

 

وهناك مغالطة أخرى يقع بها السيد شيخ آلي وذلك عندما “يتحدث” عن الوجود الكوردي في سوريا حيث يقول: “نزعم في هذا السياق على سبيل المثال أن أكراد سوريا يشكلون أحد أبرز مكونات المجتمع السوري، فهم يشكلون..”. لاحظوا أولاً عبارة “أكراد سوريا”؛ إننا ومن خلال رفضنا لهذه العبارة والصياغة لحقيقة الوجود الكوردي في سوريا لا يعني رفضاً لسوريا كوطن يضمنا جميعاً، وإنما نرفض ما هو كامن خلف ذلك من إلغاء لجغرافية كوردستان الملحقة بالدولة السورية، هذه أولاً، وتالياً ما يتعلق بالوجود الكوردي من عدمه؛ حيث أنه وبعد إلغاء مفهوم الجغرافية؛ ها هو يكتب: “نزعم في هذا السياق على سبيل المثال أن أكراد سوريا يشكلون أحد أبرز مكونات المجتمع السوري”. وكأن السيد محي الدين في شكٍ من الوجود الفعلي للكورد، أو على الأقل بأنهم “يشكلون أحد أبرز مكونات المجتمع السوري”، وذلك حتى على المستوى البشري وتواجدهم في جغرافيتهم الملحقة بالدولة السورية والتي نعتبرها جميعاً وطناً لنا؛ ليكتب: “نزعم.. أن أكراد سوريا يشكلون أحد أبرز..”، وكأن الوجود الكوردي كثاني مكون وقومية في البلد هي محل شك وريبة.

 

وبالمناسبة فإن مفهوم الوطنية لا تعني أن تلغي ذاتك ضمن مفهوم سوريا ذات الصبغة العروبية الحالية وذلك كما تم إلغاءك؛ أنت الآخر ضمن مفهوم “أخوة في الدين” ومن بعده “الأممية”؛ حيث كان الوحيد والذي يتخلى عن خصوصياته الثقافية والتاريخية والجغرافية، بمعنى ما عن هويته الحضارية وتحت المفاهيم والشعارات السابقة هم الكورد وحدهم، وبينما كان الآخرين وما زالوا يصبغونها بهوياتهم وخصوصياتهم ومن خلالها؛ أي خلال تلك المقولات والمفاهيم والهويات العامة والشاملة، يحاولون ابتلاع الآخر. والآن جاءت دور الوطنية لتفعل فعل سابقاتها؛ وهنا نود أن لا يفهم من طرحنا هذا إننا ندعو إلى تفتيت أوطاننا، بل نقول ونؤكد هنا أيضاً إن من مصلحة شعوبنا أن تبقى في بلدان موحدة، بل إننا دعونا أكثر من مرة لقيام اتحادات وفيدراليات أكبر رقعةٍ وأكثر حضوراً ودوراً وفي كل النواحي وعلى أساس احترام خصوصيات وحقوق كل المكونات الوطنية في تلك الجغرافيات المتحدة.

 

وأخيراً فإن السيد محي الدين شيخ آلي؛ “سكرتير حزب الوحدة الديموقراطي الكردي في سوريا يكيتي” كما ينوه إليه في آخر المقال، يصدمنا ويفاجئنا بالطرح التالي وذلك عندما يدعي بأن “الأجندة الكردية على الصعيد البرنامجي العملي واضحة”، ولا نعلم أي أجندة وبرامج يقصدها السيد محي الدين وأي وضوح؛ فإن كان يرمي من وراء ذلك إلى تلك الكتيبات التي تعرف وتعطى للقواعد الحزبية على أنها “منهاج” أو “برنامج” الحزب “فوالله” – مع إننا لا نملك أية قناعات دينية ولكننا ها قد حلفنا كأي مسلم حقيقي، حيث هكذا أطروحات تجبرك أن تؤمن بأن هناك قوى غيبية تسيير أحزابنا كما “تسيير” أكواننا وبلداننا، وذلك كما آمن ذاك الخبير عندما أطلع على الاقتصاد السوري ولم يستطع أن يدرك كيف يمكن أن يدُير ويدبر المواطن السوري حياته المعيشية – نعم؛ إن هكذا طروحات وادعاءات؛ بأن “الأجندة الكردية على الصعيد البرنامجي العملي واضحة”، ومن جانب أحد الذين قضوا جل حياتهم ضمن جسم الحركة السياسية الكوردية لشيء يدعو إلى “الإيمان بالله الواحد الأحد والقادر الجبار ولا حول ولا قوة إلا بالله العليٌ العظيم” ولن نضيف عليه قولاً آخر.

 

جندريسه-2006      

 

 

 


حزب الوحدة

يخرج عن الإجماع السياسي الكوردي

 

 

 

 

 

 

 

 

إن الحديث عن المرجعية الكوردية وضرورة توحيد الصف والورقة الكوردية بات من أولويات، بل أبجديات العمل السياسي بشقيه التنظيري – الفلسفي والميداني – العملي. بل يمكن القول بأنه أصبح موضة وموجة المناخ والواقع السياسي الجديد في المنطقة وتحديداً لنا نحن الكورد كوننا ما زلنا في مرحلة التحرر والإنعتاق؛ حيث الأحزاب والحركة الكوردية عموماً تعتبر جزءاً من حركات التحرر في العالم، ولو أن هذه المصطلحات السياسية باتت تنتمي إلى فترة ماضية – العصر الذهبي للثورات – وتعتبر استخدامها حالياً من قبل أي مثقف وسياسي نوع من التخلف والرجعية التنظيرية، إن لم نقل السلفية في بعض الأحيان. ولكن وعلى الرغم من كل ذلك فإننا نستطيع التأكيد بأن الحركة الوطنية الكوردية بأحزابها مجتمعةً وفي الأجزاء الأربعة من الجغرافية الكوردية المقسمة والملحقة بجغرافياتٍ أخرى ليس إلا جزءاً من حركة تحرر قومية تعمل لنيل حقوق شعبها في تلك الأجزاء.

 

وهكذا فإن مسألة المرجعية الكوردية؛ بحيث تلبي مستحقات المرحلة، إن كان من حيث الجانب الحقوقي – السياسي للشعب الكوردي أو من حيث توافقها مع السياسة العالمية الجديدة، تعتبر إحدى أهم القضايا التي يجب الاتفاق حولها وإنجازها في مرحلتنا هذه والمطلوبة من الأحزاب والقوى السياسية الكوردية في كل الساحات ومنها هذه الساحة؛ (أي الإقليم الملحق بسوريا) وذلك من خلال العمل الجاد والمخلص من أجل تحقيق هذه المهمة القومية والوطنية بنفس الوقت. هذا هو المطلوب بشكلٍ عام من كل الأطراف السياسية وحيث أن الكل يدعي تمسكه بذلك نظرياً ومن خلال إعلامها الورقي؛ صفحات الجرائد والمجلات العائدة لها أو من خلال الإعلام الأنترنيتي لها. ولكن الجانب العملي لبعض هذه القوى والفصائل توحي بعكس ما تدعيه نظرياً، بل إنها تؤكد على أنها تعمل بالضد مما تطرحها من خلال برامجها حول تمسكها بالمرجعية الكوردية.

 

ومن هذه القوى والأحزاب التي يمكن القول بأنها قالت وادعت الكثير بصدد المرجعية الكوردية وضرورة توحيد الكلمة الكوردية كان حزب الوحدة الديمقراطي الكردي في سوريا (يكيتي) وما زال نظرياً يقول ويقول الكثير حول هذا الموضوع، بل يستطيع المرء أن يدعي ويقول بأنه قال أكثر من الجميع حول هذا الموضوع وضرورة الوصول إلى تلك المرجعية والتي باتت لبعض هذه القوى وكأنها هي بحد ذاتها الغاية والهدف وليس (أي تلك المرجعية) إلا عبارة عن أداةٍ ووسيلة للوصول إلى الأهداف والغايات المرجوة والمطلوبة من مجمل العمل السياسي والتنظيمي الكوردي برمته. ولكن يبدو أن القول شيء والعمل شيءٌ آخر؛ حيث ما تم مؤخراً من اختراقات لقرار الإجماع السياسي الكوردي ومن لدن الحزب المذكور تعتبر استكمالاً وتعميماً لحالة تيأيس الشارع الكوردي وصولاً إلى لعن الحركة الوطنية الكوردية برمتها وخاصةً من قبل أولئك البسطاء الذين لا يعرفون خبايا الأمور وما جرت وراء الكواليس.

 

وحرصاً منا على كشف الحقائق والمستور وعرض الوقائع وبدقة وموضوعية على الملأ والجماهير فقد ارتأينا أن نقف عند تفاصيل انقسام الإجماع الكوردي، أو بالأحرى الوقوف عند مسألة خروج حزب الوحدة من الإجماع السياسي وليس فقط في احتفالات عيد نوروز وان كان ذاك هو الأبرز، بل سبقته بخروجه من قرار الإجماع في مسألة وضع أكاليل الزهور على قبور ضحايا وقرابين انتفاضة آذار مع أطراف الحركة وذلك عندما لم يلتزم بقرار الإجماع وتفرد بخروجه عنه وقد تم توضيح تلك القضية سابقاً ومن خلال خبر صحفي نشر في موقع WELATÊ ME. وها نعيد نشره وذلك توضيحاً للأمور وتأكيداً على ما قلناه بصدد خروج حزب الوحدة عن قرار الحركة الوطنية الكوردية ومحاولة الاستفراد بالقرار السياسي وذلك على غرار وشاكلة هذه الأنظمة الاستبدادية في المنطقة.

 

وها نحن ننقل إليكم ذاك الخبر الصحفي حرفياً؛ “الأخبار: من نشاطات منظمات عفرين (للبارتي): قامت منظمات الحزب بعدة فعاليات ونشاطات سياسية وجماهيرية ومن هذه المنظمات كانت منظمة جنديرس لحزبنا فقد قامت بزيارة قبور ضحايا وقرابين انتفاضة آذار المجيدة؛ حيث كان قد قُرر في الإجماع الكردي أن تقوم الوفود بزيارة تلك المراقد ووضع باقات الورود على الأضرحة باسم منظمات الحركة الوطنية الكردية وذلك ضمن توقيت مشترك وواحد بحيث تكون الساعة التاسعة صباحاً موعداً للالتقاء على الأضرحة وعلى أن تقوم منظمة أحد الأحزاب بوضع أكاليل الزهور باسم الحركة وذلك بعد تقسيم تلك الأضرحة على الكتل السياسية المتواجدة والفاعلة على الساحة في منطقة عفرين وقد اختير (حزب الوحدة) بأن يضع هم أكاليل الزهور على ضريح (الشهيدة فريدة) والراقدة في مقبرة (قرية مسكة) على أن يتم ذلك بحضور وفود الأحزاب الكردية الأخرى والمتواجدة في تلك المنطقة وذلك كما هو متفق عليه في إجماع الأحزاب الكردية.

 

ولكن – وللأسف – عندما حضر وفد حزبنا في الموعد المحدد على ضريح الشهيدة فوجئ بإكليل الزهور وقد علمنا فيما بعد بأن رفاق (حزب الوحدة) قاموا بزيارة الضريح في الساعة الثامنة والنصف وذلك قبل الموعد المتفق عليه بنصف ساعة، مع العلم بأن منظمتنا أبلغت الرفاق في الحزب الآخر بنيتنا أن يكون وفدنا مشترك عند زيارة الضريح أو على الأقل أن نلتزم بالموعد المتفق عليه لكي نتواجد معاً بحيث نقوم بوضع الإكليل. وإننا بهذه المناسبة نأمل من أطراف الحركة الوطنية الكردية أن تلتزم بكلمتها وما يتم الاتفاق عليه بينها و إلا فإن الحديث عن المرجعية الكردية حبراً على الورق ونوع من المتاجرة السياسية ليس إلا”. وقد نشر هذا الخبر باسم “اللجنة الإعلامية لمنظمة عفرين للحزب الديمقراطي الكردي في سوريا (البارتي)” ونضيف أيضاً بأنه كان مقرراً أن تكون الباقات موحدة وباسم الحركة الوطنية الكوردية ولأجل ذلك قامت اللجنة المشرفة في عفرين بتجهيز تلك الباقات ولكن الأخوة في (حزب الوحدة) في منظمة جنديرس لم يلتزموا بقرار الإجماع السياسي في عفرين وقاموا بتجهيز إكليلاً آخراً وقد دون عليه باللغة الكوردية (R. Cindrêsê) أي منظمات جنديرس وعندما يضع حزباً لوحده الإكليل فيعني إن ذاك الإكليل لمنظمات ذاك الحزب وليس لسواه، وهذا خرقٌ آخر لقرار الإجماع.

 

أما ما تم في تحضيرات عيد نوروز؛ هذا العيد الذي يسبق تاريخ الأحزاب وتكويناتها وأيديولوجياتها بمئات بل بآلاف السنين ويعتبر عيداً قومياً تحمل معاني الحرية والانتفاضة ووحدة الكلمة ضد الطغيان والظلم والاستبداد والتي تدفعنا بأن ننحو باتجاه تلك المعاني والقيم النبيلة ولنشرها بين الجماهير الكوردية كقوى سياسية ومثقفين مستقلين وذلك من أجل الإسراع في تحقيق أماني شعبنا ومن أجل العيش الكريم وفي سلام وأجواء الحرية والديمقراطية وتحقيق الحقوق القومية المشروعة.. نعم وبدل أن ننحو نحو وحدة الكلمة وتوحيد الصفوف والجماهير، على الأقل في هكذا مناسبة قومية، فقد رأينا – وللأسف – خروج (حزب الوحدة) عن ذاك الإجماع السياسي الكوردي وقد كان ذاك – وباختصار – حسب تسلسل الأحداث التالية:

 

حيث أنه وبتاريخ السادس عشر من شهر آذار لهذا العام عقد اجتماع للقوى السياسية التالية: الجبهة الديمقراطية الكردية – التحالف الديمقراطي الكردي – لجنة التنسيق الكردية – حزب الوفاق – والحزب الشيوعي السوري بفصيليه) وهكذا كان هناك تمثيل في هذا الإجماع لثلاث عشرة حزب وكتلة سياسية ويعتبر هذا بحد ذاته إنجازاً للحركة الوطنية الكوردية والسورية عامةً وخاصةً عندما يتم الاتفاق بين كل هذه الأطراف على أن يتم الاحتفال بعيد نوروز مجتمعةً وتحت خيمة الإجماع السياسي في عفرين وعلى مسرحٍ واحد مشترك على أن يكون في خمسة مراكز كون تباعد المناطق والمراكز عن بعضها يدفعهم إلى عدم التمركز في موقع واحد، وأيضاً كون الجغرافية العفرينية لا تساعد بتجميع كل أبناء منطقة عفرين في مركز واحد فقط، وهكذا وصحيح بأنه سيكون هناك خمس مراكز للنوروز في عفرين ولكن المراكز الخمسة سوف تكون باسم الإجماع وكل فصيلين أو ثلاث سيشرفون على مركز ما وباسم الجميع.

 

هذا ما تم الاتفاق عليه في السادس عشر من آذار وحدد يوم الثامن عشر من الشهر نفسه على أن يكون يوم اجتماع مندوبي تلك المراكز وأيضاً مندوبي الفرق الفنية؛ بمعنى أنه سيتم بحث القضايا الفنية والإدارية من لوازم المسرح والانضباط والتنظيم وإلى ما هنالك من هذه المسائل في ذاك الاجتماع والذي قرر في الثامن عشر كما أسلفنا قبل قليل. ولكن ما حدث في ذاك اليوم خرج عن سياقه المقرر هذا؛ حيث تأخر رفاق (حزب الوحدة) عن الاجتماع المذكور وبعد تأخيرهم ذاك وبأكثر من ساعة حضر رفيق لهم وبصفة سياسية – كونه عضو اللجنة السياسية – مع عدد من مندوبيهم ولكن من دون أن يحضر معه مندوب منظمة جنديرس وعندما سئل عن السبب أجاب: بأن رفاقهم (أي رفاق حزب الوحدة في منظمة جنديرس) قد أبلغهم بأن هناك خلافات بينهم وبين منظمة (البارتي) في جنديرس وبأنهم لن يشتركوا ويجتمعوا معاً على مسرحٍ واحد لإحياء احتفالات نوروز؛ حيث كان قد قرر أن يكون مركز (جلمة) لناحية جنديرس تحت إشراف كل من حزبي (الوحدة والبارتي). ويضيف عضو اللجنة السياسية لحزب الوحدة: بأن أي ضغط عليهم (أي على رفاقهم في جنديرس) سيدفعهم إلى مقاطعة الاحتفال نهائياً.

 

بدايةً نلاحظ بأن هناك خرق للاجتماع والإجماع معاً؛ فهم قد تأخروا عن الاجتماع هذا من جانب ومن الجانب الآخر لم يحضر ممثلهم عن منظمة جنديرس وبالمرة. أما خرق الإجماع فقد تم عندما رفض رفاقهم في منظمة جنديرس القرار؛ قرار الإجماع السياسي الذي تم بين أطراف الحركة والكتل السياسية المجتمعة في السادس عشر من الشهر (أي قبل يومين) وكان هناك ممثلين من قيادة الوحدة في ذاك الاجتماع، بل كان هو نفسه موجوداَ (أي ذاك العضو الذي ينقل الوضع إلى اجتماع الثامن عشر). ومن ناحية أخرى هو خرق للإجماع السياسي كون اجتماع الثامن عشر كان للمسائل والقضايا الفنية وليس في المسائل السياسية ليتم تحديد من سيشارك ومن سينحى عن المشاركة ولذلك كان على الحضور أن لا يبحثوا في هذه القضية بتاتاً كون المسألة حسمت في الإجماع السياسي الذي سبقه بيومين.

 

ولكن وعلى الرغم من ذلك تبحث المسألة وبعد جدالٍ عقيم وطويل – كما هو متعارفٌ عليه بين أطراف الحركة الوطنية الكوردية – يقترح مندوب الحزب الديمقراطي الكردي في سوريا (البارتي) الاقتراح التالي، حيث يقول: أيها الرفاق قد ناقشنا طويلاً هذه المسألة من دون جدوى والوصول إلى حلٍ لها وعلى الرغم أن المشكلة ليست عندنا ولم نفتعلها نحن ولكن وحيث أنها تمسنا لكوننا انجرفنا إليها ودون إرادتنا، وأيضاً ونتيجة حرصنا والتزاماً منا بنهج (البارتي)؛ نهج بارزاني الخالد والذي يعرف بالتسامح والمصالحة وتوحيد الكلمة والصف الكوردي فإننا نتنازل عن مركز (جلمة) لصالح الأخوة في (حزب الوحدة) إشرافاً ومشاركة فنية وسوف يختصر تمثيلنا في الحضور الجماهيري الشعبي لرفاقنا ومناصرينا وجماهيرنا هناك فقط وذلك حفاظاً على نوروز ووحدة الجماهير الكوردية في هذه المناسبة القومية. عند ذاك يشكر كل أطراف وممثلي الاجتماع مندوب (البارتي) على هذا الموقف النبيل ويقولون: هكذا عرفنا (البارتي) بأخلاقه وسلوكه المتسامح، وعلى هذا الأساس ينفض الاجتماع ذاك؛ على أن يكون التشارك في أربع مراكز وباسم الإجماع السياسي في عفرين وفقط المركز الخامس؛ (جلمة) سيكون تحت إشراف (حزب الوحدة) لوحده.

 

يكون ذاك في يوم الثامن عشر ليلاً ولكن صباح يوم التاسع عشر تحمل مفاجئات جديدة؛ حيث وكما يقال: “كلام الليل يمحوه النهار”. ففي صبيحة يوم التاسع عشر يتلفن عضو اللجنة السياسية لحزب الوحدة والذي نقل المشكلة؛ (مشكلة جنديرس إلى اجتماع الثامن عشر وتم حلها ليلاً) لأحد قيادي (البارتي) وهو الآخر كان عضواً في ذاك الإجماع والاجتماعات السابقة ويطلب منه مقابلته. وعند لقاءهم يخبره بأن هناك مشكلة أخرى؛ ألا وهي في تعيين مندوبهم في مركز (تل جرناس) التابع لناحية (شيخ الحديد – شيه)؛ حيث يقول بأن رفاقهم في منظمتهم هناك أبلغوهم بأن ذاك المندوب كان قبل ستة أشهر أحد رفاقهم في (حزب الوحدة) وهو الآن ممثل ومندوب عن (البارتي) في الموقع المذكور، فإذا لم يتم تغييره فإنهم لن يشاركوا في احتفالات نوروز. وهكذا تخلق مشكلة جديدة، مع العلم بأن ذاك المندوب كان حاضراً في اجتماع الثامن عشر كمندوب عن (البارتي) في ذاك المركز وكان عضو اللجنة السياسية هذا حاضراً ولم يعترض عليه آنذاك.

 

ويضيف (أي عضو اللجنة السياسية لحزب الوحدة) بأنه إذا لم يتم حل هذه المشكلة فإنهم سيحيون احتفالات نوروز لوحدهم (أي من دون الإجماع السياسي) وفي المراكز الخمس وجنباً إلى جنب وبالتالي خمس مراكز ولكن بعشر مسارح، أي في كل مركز مسرحان؛ أحدهما للإجماع السياسي والآخر لحزب الوحدة، وهذا ما تم فعلاً وللأسف. وهكذا يُبلّغ عضو اللجنة السياسية ذاك، لحزب الوحدة، بقية أطراف الإجماع بقرارهم الأخير هذا. فيتم الدعوة مرة أخرى للاجتماع ولكل أطراف الإجماع في يوم التاسع عشر مساءً، ويعقد ذاك الاجتماع ولكن يبقى الأخوة في (حزب الوحدة) على موقفهم ولا يتغير القرار؛ (قرارهم هم) وهكذا يخرج (حزب الوحدة) من الاجتماع والإجماع مقرراً أن (يحتفل) بنوروز لوحده وفي مراكز الإجماع الخمسة.

 

وكان يوم العشرون، ومنذ الصباح الباكر (بحدود السابعة والنصف والثامنة) توجه ممثلان عن الإجماع السياسي لموقع (جلمة) وبرفقة ثلاث مؤازرين للإطلاع على الموقع، فكانت المشاهدات والمناقشات والجدالات التالية: ما رآه وفد الإجماع كان غريباً ومستغرباً – على الرغم من توقعهم ذلك – ولكن ما رأوه فاق كل التوقعات؛ حيث شاهدا بأن الحزب (حزب الوحدة) قد أوعز إلى كل رفاقه وأنصاره في منظمة جنديرس للاجتماع والتجمع في الصباح الباكر – صبيحة العشرون وليس الحادي والعشرون؛ يوم الاحتفال – على ساحة ذاك المركز وهذا ما كان بالفعل؛ حيث كان هناك كل رفاق منظمتهم ومنذ لا يدري أحد في أي ساعة من الفجر ومرافقين معهم آلات العزف و(الدبايح؛ أي الأكل من مشاوي وغيره) وأيضاً وضع مسرحين من مسارح الأعراس في المركز وكلٌ منه في طرف من أطراف الموقع وبشكل متقابل لبعضهما البعض؛ بحيث لا يكون هناك مجال لأطراف الإجماع السياسي أن يضعوا مسرحهم في ناحية من النواحي.

 

وعلى الرغم من هذه الأجواء المشحونة والتي كنت تستطيع أن تقرأه من ملامح رفاق (حزب الوحدة) وتصرفاتهم تجاه ممثلي الإجماع السياسي – حتى التحية والسلام رفض الكثير منهم (من رفاق الوحدة)  أن يؤدوه أو يردوه على مندوبي الإجماع، على الرغم من المعرفة الشخصية بينهم بل على الرغم من الصداقة والقرابة التي تجمع بين العديد منهم ومن الجانبين – نعم، وعلى الرغم من هذه الأجواء الغير ودية حاول ممثلي الإجماع تهدئة الأوضاع والتفاوض والتفاهم حول المسألة والقضية الإشكالية هذه (وا خجلاه)؛ حيث حاولوا في البداية أن يُفهِموا الشباب (بعضٍ من رفاق الوحدة) بأن هذا المركز هو للإجماع السياسي وبأن (حزب الوحدة) هو خارج الإجماع – هنا قفز أحدهم وقال: هذا غير صحيح الإجماع معنا (أي مع الوحدة) و(البارتي) لوحده خرج عن الإجماع، فتم مباشرة الاتصال بجهة ثالثة وتم توضيح الحقيقة بأن (حزب الوحدة) هو الذي خارج الإجماع وليس (البارتي) كما هو منقول له من قيادته (وللأسف) وبذلك أبتلع لسانه وسكت – وهكذا قيل لهم من قبل ممثلي الإجماع: بما أنكم خرجتم عن قرار الحركة فكان عليكم أن تختاروا موقعاً آخر. ولكن وعلى الرغم من ذلك فليكن الموقع لكلينا ويحتفل كلٌ منا على مسرحه وهو أمرّ الأمرين.

 

عندما تم طرح هذا الاقتراح قفز أحد رفاق (حزب الوحدة) وهدد بقتل كل من يضع مسرحاً آخر في المركز فتم التدخل وأسكت هو الآخر. وأخيراً وعندما نوقش المسألة من قبل ممثلي الإجماع مع قياديين من قيادي (حزب الوحدة) كانا من بين الموجودين وأحدهم عضو اللجنة السياسية ومسئول منظمة جنديرس في حل المعضلة هذه، أقترح هو بأن يعودا (أي ممثلي الإجماع) إلى الإجماع السياسي في عفرين ويحلا المشكلة، وكأن القضية لا تعنيه مع العلم هم مفتعليها، وعندما أجيب بأنهما يمثلان الإجماع ويمكن حلها هنا وبينهم مباشرةً رفض تمثيلهما فحاولا إقناعهم بأن يذهبوا هم الأربعة (إثنان من الوحدة مع ممثلي الإجماع) لحل القضية في عفرين لكنهما رفضا الاقتراح ذاك أيضاً، بل أنبرى أمامهم حينذاك الممثل الآخر عن (الوحدة) – وهو الآخر عضو قيادي في الحزب – وقد تفتق (عقليته الهيغلية) بحجة مفادها: إنكم (أي البارتي) قلتم في اجتماع الثامن عشر بأنكم لن تشاركوا على المسرح، فأجيب بأن ذاك كان صحيحاً ولكن لصالح الإجماع ووحدة نوروز والصف الكوردي المشترك والواحد أما اليوم وقد قررتم في (حزب الوحدة) أن تخرجوا عن قرار الإجماع فقد سقط الشرط اللازم لنا وبالتالي فالمركز والقرار هو قرار ومركز الإجماع وأنتم خارجه.

 

وهكذا أشتد الوطيس ولكن وعلى الرغم من كل الجهود والمحاولات لم يتم التوصل إلى الحل وقد أصبحت الساعة بحدود الثانية عشر وعندها وعند خروج ممثلي الإجماع السياسي من ساحة (جلمة)؛ ساحة الوغى وفهم من قبل المؤازرين الثلاث والذين كانوا برفقة المندوبين بأنهم سيتركون المركز لصالح (حزب الوحدة) وذلك حرصاً على سلامة نوروز والجماهير الكوردية من أن تفتعل مشاكل في يوم الاحتفال بحيث تؤدي إلى اقتتال دموي وضحايا وقرابين – كون أحدهم (وهو من رفاق حزب الوحدة) أعلن وبصراحة بأن سيكون هناك قتلى إن وضع مسرحٌ آخر؛ أي مسرح الإجماع في ذاك الموقع – فقد حاول أحد المؤازرين أن يحل المشكلة بطريقته. فخرج من بينهم ووقف وسط رفاق (حزب الوحدة) وأعلن بصوت جهوري: بأنه سيضع المسرح الثالث (مسرح الإجماع) وسط المسرحين (أي مسرحي الوحدة) ومن ثم عاد إلى ممثلي الإجماع وخرجوا من بينهم وهم يحاولان تهدئة هذا (العنتر) الجديد بأن هذا القرار بوضع مسرح ثالث وسط الآخرين ليس في صالح نوروز والقضية الكوردية؛ وأي قضية!.

 

تأثير كلام ذاك (العنتري) من مؤازري مندوبي الإجماع – بحكم القرابة لأحدهم وليس للقناعة السياسية – كان أكثر جدوى وفعالية على رفاق (حزب الوحدة) حيث أنهم يعرفون الشخص ذاك خير المعرفة وبأنه عندما يقول ويهدد هكذا فهو قادرٌ على الإيفاء بوعده ووعيده ذاك وهذا ما دفع ببعض عناصر ورفاق (حزب الوحدة) من قرية (جلمة) أن يبادروا باقتراح ٍ جديد مع ممثلي الإجماع؛ حيث كان اقتراحهم كالتالي: أن يكون المسرح والمركز باسم أهالي قرية (جلمة) وتكون مشاركة الفرق الفنية من الطرفين وبالقرعة بحيث يحدد من يكون أولاً ومن هو التالي وأن يكون الانضباط من الطرفين وبالتساوي وأيضاً المصاريف وغيرها، وعلى أن تكون القيادة والإشراف؛ قيادة الاحتفال والمسرح تحت إشراف شخصين من قرية (جلمة) أحدهم من رفاق (البارتي) والآخر من (الوحدة).

 

ومن فوره ودون تردد تم قبول الاقتراح من قبل مندوب الإجماع (من قبلنا وبتواضع نقولها)؛ حيث كان المندوب الآخر مشغولاً بتهدئة المؤازرين والأجواء. وهكذا أخرجتُ البرنامج وسلمت إليهم وقلنا هذا هو مندوب ومسئول المركز المفوض من قبلنا وأنتم سموا مندوبكم وهاتوا ببرنامجكم ليعاد وضع برنامجٍ جديد من قبل المسئولين المعينين هنا. فأُرسل شخص – رفيقٍ لهم إلى قيادتهم؛ حيث كنا أصبحنا على مسافة لا بأس بها من البعد الجغرافي والموقفي من بعضنا. وهكذا غادرنا ذاك (المسئول) الجديد المعين من قبل رفاق (الوحدة) في جلمة ولكن من دون أن يعود إلينا بخبر، إن كان إيجاباً أو سلباً. فأرسلنا في طلبه آخرين؛ منهم من كان قد هددنا ولكن من دون أن يعودوا هم أيضاً وبأي خبر.

 

وأخيراً ذهبنا جميعاً ومن أنصار الطرفين، وعند وصولنا إلى مقربة ٍ منهم كان رفاق (الوحدة) هم أنفسهم في مواجهة البعض ومن بينهم كان الذي قد هددنا في البداية وهو يلعن ويشتم (قيادة حزب الوحدة) ويخرج من بين صفوف رفاقه غاضباً والبعض منهم يحاول تهدئته ولكن من دون جدوى، وقد خرج فعلاً من الموقع والمركز وحضر في اليوم التالي إلى مركز الإجماع (ليحتفل) بالعيد مع رفاقه في الحركة الوطنية الكوردية. عند ذاك أقترب ذاك القيادي في (حزب الوحدة) الذي قال لنا أثناء التفاوض “بأنكم أنتم قلتم في الثامن عشر أنكم لن تشاركوا في قيادة الاحتفال ليقول هذه المرة لي شخصياً وهو يرتجف من الحقد والحنق: “أنت أتيت إلى هنا لتصطاد في الماء العكر وهيا أخرجوا من هنا، وبما معناه – وباللغة العامية؛ لغة الشارع والسوق – انقلعوا من هنا”. وطبعاً من دون أن يدرك معاني جملته التي تتهمنا بأننا نحاول الاصطياد “في الماء العكر” حيث إنه يتهم ويدين حزبه من خلال مقولته هذه ويصفه “بالماء العكر” أي بذاك المستنقع الراكد والآسن.

 

وهكذا – انقلعنا – وكان أمامنا خياران لا ثالث لهما؛ إما أن نأتي بمسرحنا (مسرح الحركة والإجماع السياسي) ونضعه بين الاثنين (لحزب الوحدة) – كما هدد مؤازرنا رفاق (الوحدة) بذلك – وبالتالي ليكن ما يكون و”ليكن من بعدي الطوفان” والقرابين والضحايا ولعنة الجماهير ولكلينا. أو نحن ننسحب ونهدأ الأجواء ونحن نعلم بأن الجماهير سوف تتوجه إلى مركز (جلمة)؛ كون المركز والموقع قد عمم من قبل الجميع وبالتالي فالمركز الجديد والذي سوف يكون للإجماع السياسي سيكون ضعيف جماهيرياً ولكنك تكون قد جنبت جماهير نوروز من تفجير وضعٍ لا تعرف عقباها كون يوم الواحد والعشرون سيكون ملأى (بالعناتر) ولن تكون قادراً على التحكم بهم وهكذا سيكون المشاحنات وفي أجواء مشحونة ومتحزبة وربما تكون هناك قرابين واعتقالات و.. إلى ما هنالك.

 

وحينها ذكرنا أحد الأصدقاء بقصة (الطفل الضائع) حيث الحكاية تقول: بأنه في يوم من الأيام ضاع طفلٌ رضيع وبعد أيامٍ أتت إمرأتان تدعيان بأمومة الطفل وكون الطفل رضيع لا يعرف أن يقول للقاضي – الحاكم من هي أمه الحقيقية وأيضاً كون أن العلم لم يكن قادراً ومالكاً حينها للتحليل المخبري لكي يحلل الشيفرة الوراثية والـ(د ن ن) وبالتالي يحدد النسل فأوقعت المحكمة في يدها. ولكن ذكاء القاضي حل القضية وبالفكرة التالية؛ حيث أوقف الطفل في وسط القاعة وبداخل دائرة رسم حول الطفل وطلب من المرأتين أن تمسك كلٍ منهما بأحد يدي الطفل وتشده إلى طرفها فمن شدته إلى ناحيتها تأخذ الطفل لنفسها. وهكذا أخذت المرأتان تشدان الطفل ولكن لاحظ القاضي – الحاكم بأن أحد المرأتين وحينما ترى بأن الطفل يبكي وجعاً وألماً نتيجة الشد لذراعيه ترخي من جانبها كي تخفف الألم على الطفل، حينها أوقف القاضي (اللعبة – المسرحية) ومنح الطفل للمرأة التي كانت ترخي من جانبها وقال للمرأة الأخرى والتي كانت تشد ذراع الطفل بقوة ودون عطف ورحمة: “لو كان الطفل لك لوجع قلبك وحن على طفلك، أما والله لست بأم الطفل” وطلب معاقبة المرأة تلك.

 

وهكذا وبهذه الحكمة الشعبية والتراثية رأينا أن نرخي من جانبنا إن كنا بحق (الأم الرءوف) لنوروز والشعب والقضية الكوردية برمتها وبالتالي قررنا أن ننسحب من مركز (جلمة) وهذا ما تم فعلاً وبالتالي أُحدِث مركز جديد باسم الإجماع السياسي الكوردي في عفرين وذلك على موقع (تل جنديرس). وإلى هنا (تنتهي) حكايتنا – مأساتنا في نوروز هذه السنة والتي انشقت على نفسها بخروج (حزب الوحدة) على قرار الإجماع السياسي منطلقاً من العقلية الحزبوية الضيقة وليس انطلاقاً من مبادئ نوروز المتسامحة المتآخية والتي تدفعنا إلى توحيد الجهود والطاقات وليس تشتيتها وتفتيتها، وأخيراً نأمل من الأخوة في حزب الوحدة الديمقراطي الكردي في سوريا (يكيتي) وكل الغيورين على القضية الكوردية في سوريا أن يقف عند هذه التجربة بحيث نشخص الأسباب والأخطاء ونتداركها مستقبلاً كي لا تتكرر التجربة في مناسبات أخرى وأن لا نجعل من الخلافات الحزبية الضيقة بين منظمتين أو بين شخصين في حزبين كورديين سبباً للانقسام والتشتت ولنرتقي بنضالاتنا فوق هذه (التفاهات) وعلى الأحزاب الكوردية – وهنا الأخوة في حزب الوحدة – أن ترتقي بعملها السياسي إلى سوية أعلى من هذه؛ فليس من المعقول أن يكون خلاف منظمة لها مع أحد كوادر (البارتي) يكون سبباً لشق الإجماع السياسي الكوردي وبالتالي جعل نوروز نوروزان و.. فهمكم كفاية.

 

جندريسه – 2007


المرجعية الكردية

بين.. الوهم والواقع

 

 

 

 

 

 

لن نخفي على القارئ الكريم بأن كتابتنا هذه – مقالتنا عن المرجعية الكردية – جاءت نتيجة عاملين تحريضيين: أولهما موضوعي؛ وهو من جهة متعلق بواقع الحركة السياسية الوطنية الكردية في سوريا و(تشتتها) بين عدد من الكتل السياسية الحزبية – القبلية في سلوكياتها وطريقة تعاطيها مع المسائل الحزبية وأحياناً السياسية على الرغم من امتلاكها لـ(مناهج وبرامج) سياسية يمكن اعتبارها مدنية وعلمانية وإن لم ترتقي إلى المستويات الأكاديمية – التخصصية، وبالتالي فهي بحاجة إلى مراجعة هذه السلوكيات والوقوف عندها ومحاولة تأسيس ذاتها على أسس مؤسساتية مدنية بعيداً عن روح العصبية القبلية ومن ثم التعاطي مع الآخر على أنه مختلف ومتمايزٌ عنا وقبوله على ضوء ذلك وليس قبوله على أساس “النسخة الكربونية“.

 

ومن جهةٍ أخرى يتعلق بعدد من المقالات التي تناولت الموضوع في هذه الآونة الأخيرة؛ إن كان تشريحاً وتوضيحاً للمسألة وبهدف تبيانها وضرورات المرحلة وما يستلزم من تجميع الطاقات والجهود لتحقيق (أكبر) قدر ممكن من المطالب والحقوق القومية المشروعة في الساحة السياسية بالنسبة لهذا الإقليم الكردي، أو نقداً وتحليلاً وذلك لتسليط الأضواء على نقاط الضعف ومكامن الخلل في هذا المشروع الكردي والذي نعتبره استراتيجياً في هذه المرحلة، بل لربما هو أهم مشروع سياسي مطروح على القوى السياسية الكردية في هذه المرحلة وبالتالي فعلى القيادات السياسية الكردية الحالية أن تتعامل مع هذه المسألة بكل جدية و إلا فإنها سوف ترتكب غلطة و(حماقة) – ونعتذر لاستخدامنا لهذا التعبير والمصطلح اللغوي – ما بعدها حماقة سياسية، ولسوف نعض أصابعنا ندماً حين لا يفيد الندم.

 

أما العامل الثاني فهو عامل ذاتي وهو الآخر له شقين: فمن جهة وكوننا (مؤخراً) من المهتمين بالشأن السياسي العام والكردي على وجه التخصيص رأينا أنه لزاماً علينا أن نساهم في هذه القضية لربما نضيف جديداً. ومن الجهة الأخرى وبعد قراءتنا لعدد من المقالات تتعلق بالمسألة وقضية “المرجعية الكردية” في سوريا – كما أسلفنا سابقاً – و(وقوع) بعض الزملاء والأصدقاء من الكتاب والمثقفين في (مطبات) ومزالق ومهاترات ليست ببعيدة كثيراً عن روح سلوكيات أحزابنا والتي نعلنها للملأ ونحاربها في ذلك نهاراً جهاراً، فرأينا أنه من الواجب الأخلاقي والوطني أن نلفت انتباه أولئك الأصدقاء إلى تلك النقطة لعلى وعسى نتفق على بعض المسائل الجوهرية الأساسية وأولها؛ حرية الرأي والتعبير، مهما كان ذاك الرأي مختلفاً معي، ومن دون المصادرة له واتهامه بالعمالة و(اللا- وطنية) والارتزاق وإلى ما هنالك من النعوت السياسية و(اللا- أخلاقية) والتي نعاتب الحركة السياسية الكردية على أنها تتبعها في سلوكياتها تجاه بعضها.

 

ولكي نخرج من العموميات وندخل في بعض الحيثيات وكمثال على هذه الروح (الحزبية – القبلية) في سلوكياتنا تجاه الآخر والتي اكتسبت صفة “الذاكرة الجمعية للشعوب” على حد تعبير عالم النفس؛ كارل غوستاف يونغ، فإننا سو نقف عند مقالتي كل من الأخوين العزيزين (مصطفى إسماعيل) و (بلند داوودي) وذلك في كل مقاليهما التاليين على الترتيب: “الكذبة الكردية الأخيرة: مرجعية كوردية” و “فليذهب المضللون وشعاراتهم إلى الجحيم”. لعلنا نقف عند بعض المسائل والنقاط الحيوية والتي بحاجة إلى نوع من المراجعة النقدية في الذهنية والعقلية الكردية، وذلك قبل الوقوف عند مسألة “المرجعية الكردية“.

 

ما نلاحظه بدايةً؛ تلك الروح الهجومية (الانتقامية) ومن خلال العنوانين؛ حيث أن الأول ولربما نتيجة اليأس والإحباط من الحالة الكردية عموماً وعلى الخصوص من الحركة السياسية الكردية وأحزابها وقياداتها وسلوكياتها بدأ (يكفر) بكل ما هو كردي ليصل في النهاية إلى أن يلعن الجميع (أطراف الحركة الوطنية الكردية) ويدعي عليهم بأن يذهبوا هم ومرجعيتهم إلى الجحيم – وهو في هذه على حق ونتفق معه لدرجةٍ ما – ولكن ليست هكذا وبهذه (النفس وضيق الخلق) والعقلية تعالج القضايا الوطنية والسياسية وخاصةً الاستراتيجية منها ومسألة “المرجعية الكردية” تعتبر أولاها.

 

والأخ الآخر (بلند داوودي) لا يشذ عن القاعدة فهو الآخر يتعامل مع نص – مقال الأخ (مصطفى إسماعيل) بتلك الروح الثورية الواثبة والمتأهبة للدفاع (بشراسة) عن (المقدسات) الكردية – وما أكثرها للأسف – وهكذا فيلعن كاتب المقال (مصطفى إسماعيل) ويطرده من فردوس الأحزاب الكردية إلى جحيم (اللا – وطنيين) تناصاً وتماشياً مع لعنة الرب على إبليس، فالذهنية واحدة والجميع يلعن الجميع ويطرده من فردوسه إلى وديان الويل والجحيم، فكيف والحال هذه يمكن لنا أن نتفق على كلمة وتكون لنا مرجعية دينية سياسية أخلاقية وأخيراً أو أولاً لغوية على حد قول ومطلب الصديق (جان دوست) في مقاله أيضاً “المرجعية الكردية مرة أخرى“.

 

إننا لن نقف عند المقالين المذكورين بكل تفاصيلها ولكن سوف نحاول أن نستخلص أهم المسائل والنقاط الإشكالية التي تبحثانه وخاصةً مقالة الأخ (مصطفى إسماعيل) والذي – برأينا – قد وضع يده على مسائل جوهرية في الحالة الكردية وإن كنا نختلف معه في قراءتنا لأسباب البعض منها ودوافعها وبالتالي طرائق ووسائل علاجها. ولكن والحق يقال فقد اجتهد وأصاب في البعض وأخطأ في البعض – وليس هناك من هو معصوماً عن الوقوع في الخطأ – وكان يستحق المكافأة وليس اللعن والطرد؛ إن كان من باب أنه أجتهد فأصاب وأخطأ أو من باب حرية الرأي والتعبير، كما أسلفنا.

 

ولكن وعلى الرغم من إيمانه (مصطفى إسماعيل) بضرورة المرحلة لبلورة العمل والحراك السياسي الكردي على شكل ورقة كردية واحدة موحدة واضحة المطالب والأهداف والبرامج لتشكيل ثقل سياسي حقيقي في الساحة السورية بحيث تكون من شأنها “إعادة القضية الكوردية إلى صلب الأولويات وإدراجها بزخم أكبر في الأجندة السورية بشكل مفارق لهزال الحالة الكوردية في إعلان دمشق” فإنه يائس من الواقع؛ واقع الحركة الوطنية الكردية ويعتبر تحقيق ذلك ضرباً من الأوهام والتهويمات والخزعبلات والمزايدات من قبل بعض المستفيدين لرفع هكذا شعارات على صفحات جرائدهم ومواقعهم الويبية؛ ليقول لنا: “مع كثيرين نسلم بأهمية تشكيل مرجعية كردية، ولكن أليس ذلك ضربا من الأوهام. هل ذلك ممكن حقيقة وواقعا. ألا يمت ذلك للهوبرات الحزبية الكردية بصلة. ألا يبدو ذلك ضربا من الاتجار بالشعارات الفضفاضة للبقاء على قيد الكراسي والمناصب الحزبية المزمنة؟“.

 

لن نزايد على الأخ (مصطفى إسماعيل)ونقول إنكم تحاولون جر الشارع الكردي إلى المزيد من اليأس والقنوط وإنكم بهذه (العقلية الانهزامية) تخدمون مخططات السلطة الشوفينية و.. إلى ما هنالك من هذه النعوتات والتوصيفات الجاهزة في قاموسنا السياسي الكردي. ولكن سنحاول أن نناقش بعض النقاط التي تم طرحها من خلال مقال الأخ (مصطفى) ومقال الرد للأخ (بلند داوودي) وقد وقفنا عند البعض منها في سياق حديثنا عن مسألة الرأي والرأي الآخر وحرية التعبير. وأولى هذه النقاط وكما أكدنا فبل قليل أن نقبل الآخر؛ الآخر المختلف فكرياً سياسياً كان أم مذهبياً دينياً أم ثقافياً حضارياً أم اثنياً عرقياً كان، فمن دون هذا الشرط الأساسي والضروري لا يمكن لنا تجاوز حالة التشرذم والانقسام والاختلاف وتكوين “المرجعية الكردية“.

 

والنقطة الثانية والتي نريد التأكيد عليها؛ ألا وهي مسألة امتلاك (الحقيقة المطلقة) وبالتالي الحق في إسكات الآخر وكم الأفواه والنفي له والتنكيل به. حيث من دون هذا الشرط؛ بأن الحقيقة مجزأة وموزعة بين الجميع، لا يمكن تجاوز حالة الضغينة والعنف والقتل على الهوية. والنقطة الثالثة والتي يجب الأخذ بها هي؛ إن البلد للجميع وهو قادرٌ على ضمنا واحتضاننا جميعاً وذلك مهما كانت هوياتنا العرقية والدينية المذهبية والثقافية الحضارية وهو (أي البلد) بحاجة إلى تضافر كل الجهود والإمكانيات وهكذا أيضاً بالنسبة للحركة الوطنية الكردية؛ فهي بحاجة إلى جهود كل أبناء الشعب الكردي من المنضوين تحت لواء الحركة السياسية الكردية ومن مثقفين مستقلين ورجال دين واقتصاد وجماهير كوردية تتطلع لمستقبلٍ أفضل لأجيالها القادمة. وتالياً التخلص من مفهوم الوصاية على الآخر وإرشاده على (العمل الصحيح والخيّر) وعدم اعتبار الآخر قاصراً غير بالغ وبالتالي أحقيتنا في رعايته والوصاية على ممتلكاته وحتى تفكيره ورأيه وأخيراً وليس آخراً إلغاء مفهوم الفيتو في التعامل السياسي وغير السياسي مع الآخر.

 

برأينا وضمن الشروط والمناخ الثقافي السابق والذي أشرنا إليه بإيجاز يمكن لنا كـ(نخب) سياسية وثقافية أن نفكر في خلق وإيجاد تلك “المرجعية الكردية” في سوريا. أما اتهام الآخر؛ الثقافي للسياسي والسياسي للثقافي بالعمالة والارتباط مع الدوائر الأمنية وأيضاً الانتهازية و”حب الكراسي” والجبن السياسي بالنسبة للمثقف والهروب إلى الأمام وهكذا كلٌ منا يدعي أنه على الصواب والحق وما الآخر إلا كافراً زنديقاً عميلاً (حقُ فرنكين مع أنه لم يعد يتعامل مع الفرنك السوري وانته زمانه) فلن تكون هناك لا “مرجعية كردية” ولا من (لا) يحزنون.

 

مسألة أخرى نود التأكيد عليها؛ بأن لا تكون “المرجعية الكردية” هي غاية الغايات وكأننا بتحقيق هذه المرجعية سوف نكون قد وصلنا إلى العلاج الشافي والداوي لكل مشاكلنا وقضايانا، بل هي (أي المرجعية) ليست إلا وسيلة ومؤسسة سياسية جامعة لكل تلك الفعاليات العاملة في الساحة السياسية الكردية من أحزاب ومنظمات حقوقية مدنية ومثقفين مستقلين ورجال أعمال و.. الخ من الكوادر القادرة على تفعيل الحراك السياسي الكردي في هذا الإقليم. وهكذا فلا يجب أن نُمضي السنوات والسنوات لعلاج هذه المشكلة (المستعصية) على الحل وبالتالي نلهي الجماهير الحزبية وغير الحزبية ولسنوات بهذه (القضية) كما ألهيناها بمسألة انقسام (أحزابنا) وأسبابها ودوافعها.

 

بل علينا أن نعمل وفق برامج سياسية واضحة ودقيقة ونحاول التقريب بين تلك البرامج السياسية بمشاريع سياسية مشتركة وخطوات عملية على ميدان التحرك الجماهيري. وبرأينا أن هناك مجموعة عوامل وظروف في الساحة السياسية الكردية تحديداً والسورية عموماً– وعلى عكس المتشائمين من الحالة الكردية – تدفعنا إلى التفاؤل بأنه يمكن تحقيق “المرجعية الكردية” في أقرب وقتٍ ممكن وذلك ضمن المناخ الثقافي السياسي والذي أوجزناه سابقاً في بعض النقاط وأيضاً لتوفر عدة عوامل محركة محرضة وخاصة بهذه المسألة ومنها على سبيل الذكر وليس الحصر؛ الحاجة القصوى لآلية عمل مشترك “مرجعية كردية” تكون جامعة لكل تلك الفعاليات العاملة في الساحة وأيضاً الرغبة الجماهيرية العارمة لتحقيق تلك الغاية والهدف، ناهيك عن الدور الدولي والكردستاني وخاصةً تجربة إقليم كوردستان العراق وذلك ضمن سياسة المسامحة والمصالحة والتي توجت بالتحالف الكردستاني وإنجازاتها على كل من مستوى الإقليم وأيضاً المستويين الإقليمي والدولي. وأخيراً العامل الوطني السوري وحاجتنا كقوى سياسية سورية أن نعمل ضمن مرجعية وطنية تأخذ بالبلد إلى حالة المواطنة الحقيقية وعلى أساس المساواة التامة بين أبناء هذا البلد.

 

وإضافة إلى كل ما ذكر – وحسب رؤيتنا وقراءتنا – لواقع الحركة السياسية الكردية في سوريا، فإننا نجد بأن هناك أرضية مهيأة لتوحيد الجهود والإمكانيات وذلك ضمن “مرجعية كردية” وخاصةً بعد أن تم تجميع بعض القوى والكتل السياسية الحزبية في (مرجعيات) كردية من خلال كل من الجبهة والتحالف وأيضاً لجنة التنسيق والعمل المشترك بين كل من الفصائل والتيارات التالية: حزب آزادي و تيار المستقبل وحزب يكيتي الديمقراطي الكردي في سوريا، إضافةً إلى المؤتمرات والفعاليات التي تجرى في أوروبا وبهدف رص الصفوف وأخيراً وليس آخراً العمل مع حزب الاتحاد الديمقراطي على أسسٍ وطنية وديمقراطية تؤمن بالعمل الجماهيري السلمي والديمقراطي.

 

وبالتالي يمكن الانطلاق من هذه الكتل السياسية كخطوة أولى لتشكيل (جبهة) سياسية كردية عريضة؛ “مرجعية كردية” ومن ثم ضم جهود كل القوى الفاعلة الأخرى من منظمات حقوقية مدنية وثقافية فكرية وأيضاً رجل الدين والمال وحتى شخصيات اجتماعية اعتبارية. حيث أنه وضمن هذه الآلية والمناخ الثقافي العام يمكن لنا أن نلتقي ونبحث في مسألة “المرجعية الكردية” و إلا فسوف نسمع الكثير – الكثير من الآراء والانتقادات التي تحمل الحركة السياسية الكردية وزر ما آلا إليها الحالة الكردية في هذا الإقليم الكردي.

 

جندريسة – 2007


الموت.. للأحزاب الكوردية


ما نراه مؤخراً على صفحات الجرائد ومواقع الانترنت الكوردية والعربية هو الكم الهائل من المقالات والمواضيع التي تتناول الحركة الوطنية الكوردية بأحزابها وتياراتها – في الإقليم الغربي من كوردستان – ولكن أكثر تلك المقالات تدخل باب (المهاترات والمشاحنات) بدل أن تتناول القضية نقداً وتحليلاً ولتضع اليد على الجرح بهدف العلاج والبحث عن السبل التي تخدم قضايانا الوطنية والديمقراطية العامة. ولكي لا نبخس الكتاب والمفكرين، الذين طرقوا هذا الباب وتناولوا القضية بموضوعية وحياد – وحتى أولئك الذين تناولوها من باب (التهجم والتشفي) – فإننا نقول بأننا نتفق مسبقاً مع العديد من النقاط والمسائل التي تناولوها في مقالاتهم تلك بصدد الواقع المَرَضي – وليس المُرضي – للأحزاب الكوردية عموماً وقد تناولنا ذلك في بعضٍ من مقالاتنا السابقة.

 

     ولكن ما يحز في القلب بأن بعض الأخوة والزملاء الكتاب يتناولون موضوع الأحزاب الكوردية في غرب كوردستان وكأن لهم (تارات) وثأر مسبق مع هذه القوى والتيارات السياسية، والآن قد سنحت لهم فضاء الإنترنت الواسع (والفضفاض أحياناً) بأن يكيلوا لتاريخ الحركة الوطنية الكوردية في سوريا (ما هب ودب) من التوصيفات والنعوت والتي لم تطلقها القوى الغاصبة لكوردستان – في الكثير من المراحل – حيث يكتب أحدهم وتحت أسم (كاتب سوري كردي مستقل) “.. تعاني اليوم (أي الأحزاب الكوردية – كاتب المقال) من افلاس شديد على الصعيد الجماهيري بعد كل النكبات والمآسي التي تسببت بها للكرد السوريين نتيجة الأخطاء والأساليب الانتهازية التي مارستها بحق هذا الشعب المغلوب على أمره !. ويستطيع أي انسان أن يعرف مستوى تقييم الشارع الكردي السوري لهذه الأحزاب من التسميات التي تطلق عليها عبر مقالات الانترنت على سبيل المثال لا الحصر: الكردايتي أصبحت دكانة للمرتزقة – الأحزاب الكردية تناسل مخز – أحزاب تورز يعني أحزاب الرحلات وفرق الدبكة حيث كل حزب له فرقة دبكة يجلبونها للرقص أيا كان نوع المناسبة.. أن هذه الأحزاب لم يعد لديها شيء سوى الرقص على جراح شعب عانى ومازال بسبب انتهازية قيادات كرتونية“. 

 

     إننا نتساءل، ومن حق المرء – وواجبٌ عليه أيضاً – أن يتساءل ويسأل، بل السؤال والشك هو بداية الدخول إلى بوابة المعرفة؛ عندما كتب ذاك الأخ (الكاتب السوري الكردي المستقل) مقالته تلك وساق ما ساق من اتهامات بحق الأحزاب الكوردية في الإقليم الغربي لكوردستان وبأنها المسئولة عن “كل النكبات والمآسي التي تسببت بها للكرد السوريين” ألم يوخزه حسه القومي – والوطني كذلك – ليدرك في وعيه التحليلي بأنه ومن خلال هكذا اتهامات يبرئ ساحة الأنظمة الاستبدادية التي تعاقبت – وما زالت – في الحكم على البلد وأوصلت بالتالي الواقع السوري (شعباً وحكومةً ومؤسسات) إلى ما هو عليه وذلك بقصد أو دون قصد – ومن دون أن نتهمه بأي خيانة أو عمالة – وخاصةً أنه يدعي المعرفة بأسباب هذه الأزمة و”المآسي والنكبات” التي نعاني منها وذلك عندما يكتب: “ولمعرفة أسباب وصول الحال بالحركة الكردية السورية الى هذا الدرك !. لنبدأ من البداية فقد تأسس أول حزب كردي سوري عام 1957 والخطأ عند تأسيس الحزب هو أن بعض  من شاركوا في التأسيس كانوا ثوارا في كردستان تركيا وانتقلوا الى منطقة الاحتلال الفرنسي ” سوريا”بعد فشل الثورة هناك.. أننا يجب أن نعترف بأنهم لم يكونوا مثقفين وسياسيين ولم ينتبهوا الى المتغيرات الدولية التي حصلت بعد “سايكس بيكو” وأن ما كان يسمى حتى عهد قريب “سهل ماردين” قد أصبحت واحدة من المحافظات السورية وأن هذه الحدود وضعت لتبقى وأن المنطقة التي ضمت الى سوريا تختلف عن المناطق التي بقيت تحت السيطرة التركية فهي جزء من منطقة سميت قديما “ميزوبوتاميا” ولم تكن يوما أرضا خالصة للكرد أو لغيرهم بل عاش فيها الآشوريون والكرد والعرب وغيرهم منذ مئات السنين وأنها تخص هذه الشعوب مجتمعين وليست خالصة لأي منها والخطأ كان في تسمية الحزب بداية “الحزب الديمقراطي الكردستاني السوري” ولم ينتبهوا الى أنهم بعملهم هذا قد خدموا الطرف الشوفيني القومي العربي ليستخدم ذلك في الدعاية بأن الكرد يريدون اقتطاع جزء من سوريا.. “.

 

     بعد ورود ما ورد لا يمكن أن نقول إلا اثنتين؛ إما كاتبنا جاهلٌ بحقائق التاريخ والجغرافية – وهذه غير مقبولة لشخص يخوض غمار موضوع ما فما بالك أن يكون منتمياً للقضية؛ حيث أن الموضوع كوردي والكاتب (كردي) على حد زعمه –  أو أن يكون يعمل بالضد من القضية (قضيته)؛ فالحقد يعمي البصيرة، وسوف نبتعد مرة أخرى عن التخوين ونظرية المؤامرة. لا نريد الخوض في غمار التاريخ والجغرافية فهناك المختصون والأكاديميون في هذا المجال، وكذلك لن نؤكد بأن جغرافية ما أو عرق ما وعبر كل الأزمنة والأحقاب حافظ على نقائه وصفائه وبأنه لم يتداخل أو يتمازج مع الآخر، وكذلك لن ندافع عن الرعيل الأول الذي أسس أول حزب كوردي في سوريا – ولن نقول الإقليم الغربي لكوردستان، لكي لا ننعت بصفات غير لائقة من قبل (الكاتب الكردي المستقل) – وبأنهم (أي المؤسسين الأوائل للبارتي) كانوا مثقفين وسياسيين أم غير ذلك – حسب ادعاء (كاتبنا) – ولكن من قال له و (وشوش في أذنيه) بـ”أن هذه الحدود وضعت لتبقى”، وبأن منطقة الشرق الأوسط لن تشهد تغيرات جيوسياسية وأن (حلم) الفلسطينيين – ولن نقول الكورد والأمازيغ وجنوب السودان و.. – بالدولة الوطنية المستقلة ما هي إلا أضغاث أحلام ومن أكد له أن مصطلح كوردستان هو من فكر بعض (الجاهلون في السياسة والذين أسسوا هذا الحزب الوباء) ليأخذه الشوفينيون العرب (حجةً) علينا نحن الكورد “الانتهازيين الوصوليين” – أيضاً حسب تعبيره – ويزيدوا من نكبة الكورد ومآسيه، بل الأحزاب الكوردية هي المسئولة عن ذلك وليس الآخرون على ضوء تحليل (كاتبنا العزيز).

 

     يا (سيدي) مصطلح كوردستان “أطلقه السلاجقة على إحدى مقاطعات دولتهم في القرن الثاني عشر الميلادي، وهي مناطق كرمنشاه، وهمدان، وشهرزور، وسنجار. وكانت عاصمتها قلعة (بهار) الواقعة شرقي همدان. والقزويني هو أول من ذكر كلمة كردستان في كتابه “نزهة القلوب” سنة 1339م، وكانت حدودها شمالاً أذربيجان، وغرباً العراق العربي، وجنوباً خوزستان، وشرقاً العراق الفارسي. وتضم 16 قضاءً إدارياً. وفي القرن السابع عشر أطلق العثمانيون أسم “كردستان” على إحدى ولاياتهم التي كانت تشمل ألوية (ديرسم، وموش، وديار بكر)”(1). ولكي لا نتهم من قبلك (الكاتب الكردي المستقل)

 

بأننا من أولئك الذين يوردون حكايات (الستات) والعجائز فإننا نحيلك إلى بنود الاتفاقيات والمعاهدات الدولية الخاصة بتقسيم المنطقة من سايكس – بيكو (1916) وسيفر (1920) ولوزان (1923) وغيرها، بل إننا نحيله إلى عهد الانتداب الفرنسي على سوريا وكيف أقدمت على “فصل العشائر الكردية عن بعضها تلك المتواجدة في – سورية – و – تركيا – منذ عام /1920/ وذلك بموجب اتفاقية فرانكلين – بولوف الفرنسية التركية”(2). وإننا أتينا على ذكر هذه الاتفاقية تحديداً لكي نقول لمن يؤكد بأن هناك في الجانب التركي كوردستان؛ (من شاركوا في التأسيس كانوا ثوارا في كردستان تركيا وانتقلوا الى منطقة الاحتلال الفرنسي ” سوريا”) – هذا ما يؤكده كاتب المقال – وبالتالي عليه أن يقر بأن في الجانب السوري أيضاً هناك كوردستان وهو يرى بأن أبناء العشيرة الواحدة قد قسمت بين جانبي الحدود.

 

     ولكن أكثر ما يُحَير المرء فيه، هو لجوء البعض إلى التحوير – ولن نقول التزوير – وخاصةً التاريخ الحديث بل المعاصر حيث يقول: (انتبه د. نور الدين ظاظا الى الخطأ حاول اصلاحه فقام بتصحيح الاسم الى “الكردي” بدل “الكردستاني”). وهذه لا ندري كيف نوصفها، فأقل ما يمكن أن يقال فيه بأنها قراءة مغلوطة وناقصة؛ حيث أن الدكتور نور الدين ظاظا – وبعد تعرض القيادة، أو أكثرها، للاعتقال – أراد ومن خلال مناورة وتكتيك سياسي أن يخفف العبء عن الرفاق المعتقلين وذلك من خلال تغيير الاسم وكذلك الشعار “تحرير وتوحيد كردستان” – ولا نعلم هل نسي (كاتبنا) الشعار ذاك أم لا – وبالتالي فهذه لا تنفي كوردستانية المناطق الكوردية في كل من (عفرين وكوباني والجزيرة)، لا عند الدكتور ظاظا ولا غيره، إلا أولئك الكو-رد-سموبوليتيين الذين – وفي كل مرحلة وزمان – يُؤخَذون بأيدلوجية ما ليتنكروا لكُلِ خصوصيةً كوردية؛ فقديماً أُخِذنا بمفهوم الأخوة في الدين وما كنا إلا موالي في الدولة الإسلامية، وفي نهايات القرن الماضي كنا نرفع المظلات في الشرق الأوسط وكوردستان خصوصاً، عندما تمطر الأجواء في موسكو وذلك نتيجة لجهود “الرفاق الأمميون”، أما اليوم وبفضل بعض (الوطنيون الفوق عادة) وديمقراطيتهم وليبراليتهم الغريبة سوف ندخل مرحلة وحلقة جديدة من حلقات الإتباع والإلحاق والذيلية.

 

     كلمة أخيرة نود أن نقولها لكل الذين تناولوا ويتناولون القضية الكوردية عموماً وخاصةً واقع الحركة السياسية الكوردية في سوريا وما تعاني الأحزاب منها؛ من أمراض وسلبيات وعوائق وموانع إن كانت ذاتية – داخلية متعلقة بالأحزاب والقيادات الكوردية نفسها أو متعلقة بالواقع الحضاري للكورد والشخصية الكوردية المتأزمة أو تلك الموانع والعوائق الخارجية – الموضوعية وما يتعرض – وتعرض – له الشعب الكوردي وحركته وأحزابه من قمعٍ وتنكيل ومحاربة وعلى مر العقود والسياسات، وبالتالي أفرزت ما أفرزت، بحيث بات المرض والعلل تعشش في كل النواحي والمفاصل ومن كل الألوان والأشكال.. نعم نريد أن نقول لكل أولئك الأخوة وأيضاً للذين يودون خوض غمار هذه التجربة مستقبلاً: بأن الطبيب الناجح وعندما يأتيه المريض وهو يعاني من أمراض جمة ومستعصية، هو ذاك الذي يحاول الكشف عن تلك الأمراض ومعالجتها في فترة قياسية وبأقل الخسائر والمعاناة وليس الإجهاز عليه، فكم من السهل البتر والخراب والدمار ولكن العمل الحقيقي هو في البناء والتجديد، فمن يجد في نفسه العزيمة والهمة فليقم بما لم تقم به الحركة الوطنية الكوردية، وهذه ليس دعوة (للتخريس) بقدر ما هو للكتابة الواقعية والموضوعية ومحاولة البحث في البديل الحقيقي.

 

المهجر- 2008

 

Pir1963@gmail.com

 

……………………………………………………………..

 

راجع كتاب (جبل الكرد – دراسة تاريخية اجتماعية توثيقية) تأليف: د. محمد عبدو علي. ص 17. سنة وجهة الطبع مغفلة.
صلاح بدر الدين – الحركة القومية الكردية في سوريا “رؤية نقدية من الداخل – (1)”. ص 17. اربيل – 2003.

 


القائد الرمز

بارزاني نموذجاً

 

 

 

 

 

يقال في المثل الشعبي الكوردي ما معناه؛ “إن لم يكن هناك كبير للعائلة فآتي بحجر ٍ وأجعله كبير القوم”. وإننا لنجد أن مسألة تقديس الآباء والأجداد؛ “كبير القوم” قد وجد صداه تاريخياً، بل لقد جعل من هذا الطقس طقساً دينياً ورفع العديد من الآباء والأجداد إلى مرتبة الآلهة أو ما دونهم درجةً، وذلك لدى العديد من الأقوام والشعوب والقبائل ومن بينهم العرب أيضاً، حيث يقول الكلبي: “وكان عمرو بن لحى كاهناً وكان يكنى أبا ثمامة له رئى من الجن. فقال له عجل المسير والظعن من تهامة، بالسعد والسلامة، ائت صفا جدة، تجد فيها أصناماً معدة. فأوردها تهامة ولا تهب، ثم ادع العرب إلى عبادتها تجب”. وهكذا كان يصنع لهؤلاء “الآباء” أصناماً ومنحوتات كرموز إلهية مقدسة أو وسطاء عندهم في مراحل لاحقة.

 

ولذلك نجد أن التراث والذاكرة الشعبية ما زالت زاخرة بهذه القيم والمبادئ والتي تعطي هؤلاء الفئة دوراً ومكانةً مميزة؛ حيث أن كبير البيت والعائلة هو “الإله الأصغر” وأيضاً رأس القبيلة والدولة والحزب هو السيد المطلق والملك والسلطان والزعيم الأبدي الذي لا يناقش في أمر ٍ ولا يرفض له طلباً، مهما كان قرقوشياً. بل وصل الأمر بهؤلاء “الآلهة” الجدد ليس فقط أن يفكروا ويخططوا عن شعوبهم، بل أن يتصرفوا بمصيرهم وحياتهم، دون أن يردعهم رادع؛ وقد رأى تاريخ البشرية القديم منه والحديث العديد من المجازر والويلات والمجازر الجماعية بحق الشعوب وهي تُمارس عليهم من قبل حكامهم وأسيادهم ورؤسائهم “الخالدين” أبداً. وقد عرف الشعب الكوردي وفي مختلف أجزاء كوردستان أنماطاً من هؤلاء المستبدين، فكان لا بد من المقاومة وتحصين الدفاعات الذاتية، وبالتالي لا بد من قائد وزعيم يقود هذا الحراك المقاوم والمدافع عن حقه في الحياة والوجود.

 

وهكذا عرف الشعب الكوردي وخلال مراحل نضاله البطولي المختلفة، كما هو حال جميع حركات التحرر في العالم، العديد من الرموز والقيادات وذلك نتيجة لهذا التاريخ الدامي والطويل وما زال الحال كذلك؛ فإلى يومنا هذا لم تحل المسألة الكوردية في الشرق وهو الشعب الوحيد والذي لم يحصل بعد على حقوقه القومية المشروعة، بل ما زالت السياسات العنصرية والشوفينية تطبق بحقه بعد أن سلبت أرضه وتاريخه وثقافته وجعل منه وعلى جغرافيته “أقليات”، وذلك بعد أن قسمت الجغرافية الكوردية بين هذه الجغرافيات المجاورة وألحق كل جزء بجغرافية وشعب أكبر ليجعل منه؛ من الكورد وكوردستان “أقلية”. وبالتالي فلم تنتفي الحاجة إلى ذاك القائد الرمز ليجمع الشرائح والفئات المختلفة للجماهير حول كارزميته؛ ففي مراحل النضال التحرري للشعوب هناك الحاجة الماسة إلى تلك الكارزمية.

 

ومن هذا المنطلق ورغم عدم “إيماننا” بخلق الرموز ومن ثم تقديسها، لتصبح هي الأخرى آلهة جدد تمارس استبدادها علينا وتجعل منا عبيداً فوق العبودية التي نعاني منها وفي كل المستويات، ولضرورات المرحلة وحاجة الأمة الكوردية لأن تكون لها قائد رمز يجمع كلمتهم وجغرافيتهم وشملهم المشتت والمستلب، كان لا بد من الإتيان بهذا “الأب” حتى وإن لم يكن موجوداً وكائناً فعلاً، فما الحال وهناك الكثير منهم وتاريخ هذه الأمة ونضالاتها في سبيل نيل حريتها واستقلالها تزخر بالشواهد والأمثلة الحية والبارزة منها. فهناك العديد من الذين جعلوا من فكرهم ونضالاتهم، بل كرسوا حياتهم بمجمله من أجل خدمة قضيتهم القومية والوطنية وجعلوا منها مشاعل تضيء دروب الأجيال اللاحقة، وعلى رأس هؤلاء يأتي الملا بارزاني الخالد؛ فهو وحسب قناعتنا وبطولات هذا القائد وتضحياته وتاريخه النضالي، يجعل منه ذاك الزعيم الرمز.

 

وهذه القناعة بأن الملا مصطفى بارزاني هو رمز للشعب الكوردي لا يقلل من شأن وقدر أولئك الرموز والمناضلين الآخرين مثل شيخ سعيد بيران ومحمود الحفيد وقاضي محمد وغيرهم الكثير الكثير، فهؤلاء جميعاً وبحق هم رموز نفتخر بهم ولكن يبقى للقائد البارزاني خصوصيته وكارزميته ويكفيه فخراً إنه هناك تلازماً بينه وبين القضية الكوردية؛ فلا يمكن أن تتذكر المسألة الكوردية من دون أن تتذكر هذه الكاريزما ونضالات الشعب الكوردي في كوردستان عموماً وعلى وجه التحديد في جنوب كوردستان، بل يعتبر الكوردايتي والبارزانيتي صنوان وكأنهما اسمان لمسمى واحد.

 

وأخيراً.. بقي أن نقول رأينا وبصراحة؛ لما هذا التأكيد على الكاريزما الشخصية للقائد ملا مصطفى بارزاني الخالد وجعله رمزاً نضالياً وجماهيرياً – وهو الذي بحق يجسد ذلك – وفي هذه المرحلة النضالية والتحررية لشعبنا على وجه التحديد. فمن جهة وكنتيجة لقراءة موضوعية لتاريخ الشعوب ونضالاتها ودور القائد الرمز لكي تلتف الجماهير أو الرعية و”الرعاع” حولها وتوحيد كلمتها وخاصة في مراحل النضال التحرري وقبل نيل الحرية والاستقلال وبالتالي قيام الدولة المدنية المؤسساتية، فإن الشعوب بحاجة ماسة إلى مثل هذه الكاريزما.

 

ومن الجهة والأخرى وكنتيجة لمتغيرات دولية وإقليمية وما تم على صعيد إقليم كوردستان (العراق) ودور كل من الحزب والقيادة الكوردستانية هناك وما يقوم به كاك مسعود بارزاني شخصياً من دور فعال وكقائد نضالي كوردستاني ولمجمل الكورد في هذه الجغرافية المستلبة عموماً، وأيضاً ما توفرت لهذه القيادة من إمكانيات مادية ومعنوية لوجستية، إضافة إلى التراث النضالي للملا مصطفى بارزاني وأثره على الشخصية والسايكولوجية الكوردية وأيضاً ما يحمله الذاكرة الجمعية للكورد من شحنات عاطفية وجدانية في ضميرها لهذه الكاريزما تحديداً وغيرها العديد والعديد من العوامل والشروط مثل النهج البارزاني المعتدل والوسط في رؤيتها وعملها النضالي من أجل القضية الكوردية وغيرها من المسائل والظروف و.. كلها ساعدت وهيأت المناخ الثقافي والسياسي لأن “يحتل” ويتصدر كاريزما البارزاني هذا الموقع كقائد وزعيم كوردي، بل أن يكون الرمز الكوردي وفي ذلك مثله مثل غيره من رموز النضال التحرري العالمي؛ كنيلسون مانديلا في القارة السوداء وتشي غيفارا في أمريكا اللاتينية وغيرهم من رموز النضال والتحرر. ونعتقد أنه قد حان للكورد أن يُجعموا ويتفقوا – وكبداية أولية – على اختيار رمزهم ومن ثم لننطلق إلى مستويات أبعد وأكثر إشكالية من أجل توحيد صفوف الحركة السياسية وبالتالي توحيد الكلمة والجهود الكوردية لتحقيق مطامح شعبنا في الحرية والاستقلال.

 

جندريس-2006

 


الحركة الكوردية

بين العقائدية والمؤسساتية

 

 

 

 

 

بالعودة إلى تاريخ الشعوب ونضالاتها في سبيل نيل الحرية والاستقلال ومن ثم النهوض بشعوبها لترتقي إلى مستويات الأمم المتقدمة والتي قطعت أشواطاً حضارية كبيرة، سوف نجد أن للمؤسسات والهيئات الفاعلة دور جد مهم في قيادة تلك الشعوب وبالتالي التخلص من ربقة الاستعمار وآثاره السلبية والمانعة من التقدم والازدهار. ومن هذه المؤسسات الفاعلة والمؤثرة فإن الأحزاب والحركات السياسية، وخاصة في مراحل النضال التحرري، تكون لها أدوار مهمة بل هي رائدة هذه المسيرة؛ فالحزب عبارة عن الوعاء الذي يجمع في داخله كل القوى والفعاليات الاجتماعية والاقتصادية والفكرية العقائدية وهكذا فهي؛ أي الأحزاب ما يمكن تسميته بالبديل المعنوي والمادي – إلى درجةٍ ما – عن النظام السياسي “الدولة” ومؤسساتها لإدارة المجتمع.

 

حيث أن الحزب وكما يعرفه “معجم الشيوعية العلمية” هو “الجزء الأكثر فعاليةً وتنظيماً من طبقة ما أو فئة ما. ويرتبط وجود الأحزاب السياسية بانقسام المجتمع إلى طبقات وعدم تجانس هذه الطبقات، وبالاختلاف في مصالح الطبقات والمجموعات المكونة لها. والأحزاب السياسية من أهم الأدوات التي تستخدمها الطبقة (أو إحدى فئاتها) للنضال في سبيل مصالحها الطبقية”. نلاحظ في هذا التعريف غياب مفهوم العرق والأثنيات وهو ناتج لحساسية الموضوع في ظل “الإتحاد السوفيتي” السابق ومشاريعها “الأممية” في محاولة منها لصهر القوميات والثقافات المتعددة في تلك الهوية “السوفيتية”؛ لذلك فإن واضعي التعريف قد غيبوا وبشكل متعمد المكون والمحرك الحقيقي للأحزاب السياسية؛ ألا وهي الأعراق – خاصةً في ظل ظروف الصراعات القومية ونشوء دولها – حتى لا يكون عامل تحريض لتلك المكونات العرقية وبالتالي الدعوة والنضال من أجل الحقوق والمصالح القومية لها.

 

وهكذا فإن الشعب الكوردي وحركته السياسية يخضعان لهذه الشروط والمبادئ وبالتالي فإن الحركة السياسية الكوردية هو “الجزء الأكثر فعاليةً وتنظيماً” و “أهم أداة” يمكن أن يستخدمه الشعب الكوردي “للنضال في سبيل مصالحه” القومية والثقافية الحضارية. ومن هذا المفهوم والمنطلق فإنه من واجب كل قوى الحراك المجتمعي أن تلعب دورها للارتقاء بهذه الحركة إلى مستوى المؤسسة الحقيقية، لكي تقوم هي الأخرى بدورها الفاعل داخل المجتمع الكوردي وأيضاً على مستوى العلاقة بالآخر كما يفترض بأي أداة نضالية حقيقية. وإن سلسلة مقالاتنا هذه ما هي إلا مساهمة متواضعة في هذا المنحى ولاستبيان بعض الحقائق الملتبسة والتي هي بحاجة إلى قراءات جديدة.

 

فما هي العوائق والعوامل الممانعة والتي تعيق وتفرمل عمل هذه الأحزاب داخل المجتمع الكوردي، من جهة، وفي علاقته بالآخر من الجهة الأخرى. بالتأكيد ومن خلال قراءة متأنية لمجمل الظروف والمناخات السياسية الدولية والإقليمية، فإننا سنصل إلى العديد من تلك المعوقات ومن أهمها؛ غياب المفهوم المؤسساتي عن الوعي السياسي الشرقي إجمالاً ومن ضمنه الكوردي. إن غياب المؤسسات – وإن كان أحد أسباب غيابها هو التخلف نفسه – ودورها في مجتمعاتنا يعتبر أهم عامل من عوامل التخلف و”الارتجالية” في اتخاذ القرارات وهكذا نستنتج بأن “المؤسسة” بمفهومها العلمي المدني ما هي إلا نتيجة وسبباً – في الآن ذاته – من أسباب التشرذم والانقسام الذي تعاني منه الحركة السياسية الكوردية.

 

ولذلك وإذا أردنا أن نرتقي بأحزابنا وببرامجنا السياسية وأساليب نضالنا وفي علاقتنا – علاقة الرفاق – ببعضهم وبجسد التنظيم، من جهة، ومن الجهة الأخرى العلاقة مع الآخر – مهما كان ذاك الآخر – مع أو ضد، فإنه يتوجب علينا أن نبني ونؤسس أحزابنا ومنظماتنا على مفهوم المؤسساتية، وليس على المفاهيم العقائدية الواحدة والشمولية، على غرار “المؤسسة” الدينية؛ بحيث يكون أي خروج على الحزب يعتبر ارتداداً عن نهج ذاك الحزب وبالتالي فهو يستحق عملية الرجم وإن لم يكن رجماً مادياً، كما ينص عليه النص القرآني لدى المسلمين، مع العلم بأن بعض الأحزاب قد مارست الاغتيال السياسي والتصفية الجسدية بحق كوادرها الذين اختلفوا معها وبالتالي هم لم يكتفوا بالرجم المعنوي فقط وإنما مارسوا المادي أيضاً وهكذا فهم اثبتوا بأنهم لا يختلفون عن تلك “المؤسسات” العقائدية الدينية بشيء.

 

وبالتأكيد وللانتقال إلى الحالة المؤسساتية تحتاج الحركة السياسية الكوردية؛ بمجمل أحزابها وأطرافها السياسية، إلى جملة عوامل وقضايا، منها تتعلق بظروف وأوضاع الشعب الكوردي في كل جزء من أجزاء كوردستان، ومنها تتعلق بمجمل الأوضاع الإقليمية والدولية الراهنة والمستجدة. فمن جهة ونتيجة لظروف القهر والاستبداد والمعاناة وجعل “كوردستان مستعمرة دولية”، فإن الشعب الكوردي عموماً يعاني الفقر والتخلف والتهميش وبالتالي يفقد المحرك والآلية الضرورية للتخلص من الموروث الديني الخرافي والولوج إلى العصر والثورة التكنولوجية المعلوماتية، هذه من ناحية الظرف الذاتي الداخلي.

 

أما من الناحية الخارجية والموضوعية، وأيضاً ونتيجة لظروف الاحتلال فإن شعبنا يفتقد تلك المؤسسات المدنية المجتمعية والتي تفرز العقلية المؤسساتية الليبرالية؛ التي تؤمن بالرأي والرأي الآخر وتدعوا إلى مأسسة المجتمع على أساس المواطنة الحقيقية والكلية، بعيداً عن المذهبية والطائفية وهيمنة أحد الأطراف على كل مفاصل الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية. حيث أن العلاقة بين المؤسسة؛ المجتمع القائم على الحياة المؤسساتية والمدنية، من جهة، وبين الوعي المؤسساتي والثقافة المدنية، هي علاقة جدلية بحيث يكون الواحد مرتبط بوجود الآخر؛ فهما صنوان لا يمكن لنا أن نفصل الواحد عن الآخر.

 

أما من جهة العامل الدولي ورغم دعوة المجتمعات الغربية عموماً إلى مأسسة الشرق وجعله أكثر مدنيةً وحضارةً، فنعتقد أنه لم يحن “ساعة الصفر” – على الأقل بالنسبة إلى هذا الجزء من الجغرافية الكوردية – لكي يعملوا على هذه الخارطة وضمن هذا المشروع التحديثي والتغييري، ولذلك نرى توالد هذا الكم الهائل من الأحزاب الكوردية في أوربا والمهجر عموماً ومن دون أن تمتلك مشروعاً مغايراً عن البرامج السابقة للأحزاب الكوردية إلا في تفاصيل معينة ومن بعض الأطراف، وهكذا فهي تقوم بتكريس حالة التشتت والتشرذم رغم دعوتها إلى توحيد الصف الكوردي ومحاولاتها في ذلك؛ وقد رأينا كل من كونفرانس واشنطن وبروكسل وما آلا إليه، حيث نعتقد أن الوقت لم يحن ولذلك لم تكن هناك خطوات جدية لإنجاح هذه المشاريع في لم شمل الحركة الكوردية.

 

ولكن ورغم هذه الظروف الصعبة والاستثنائية وبالاعتماد على القوى والإمكانيات الذاتية، فقد أستطاع شعبنا أن يؤسس لحالة مجتمعية مدنية؛ وما تجربة جنوب كوردستان، رغم أخطائها وسلبياتها، إلا دليلاً على ذلك. وهكذا فإن شعبنا – وعلى ضوء قراءتنا للواقع الكوردي في هذا الجزء – له القدرة على خلق مؤسساته الفاعلة والحقيقية، وخاصة بعد بروز إقليم كوردستان في الساحة السياسية، ولكن فقط نحتاج إلى أن يكون الشرط الموضوعي قد نضج وبالتالي حسم الموضوع لصالح قوى التغيير والحداثة؛ أي لصالح الحالة المؤسساتية والمجتمع المدني وبناء دولة القانون والمواطنة، بعيداً عن المنهجية والعقلية الشمولية والعقائدية الواحدة وبالتالي دولة الرعب والمخابرات كما هو حاصل اليوم في جل بلداننا.

 

ورغم هذه الصعاب والمعيقات ونتيجة لحاجة مجتمعاتنا إلى النخب الحقيقية لأن تقوم بدورها فإننا دعونا في مقالاتنا السابقة وها نحن ندعو مجدداً إلى الالتفاف حول الحركة السياسية الكوردية وليس حزباً بعينه، فهناك مجموعة أحزاب ورغم عدم اختلاف برامجها بشكل “مطلق” فإنه بالإمكان إيجاد حزب سياسي قريب إلى قناعاتنا الفكرية والسياسية، ومن ثم العمل من خلال هذه الأحزاب وبرامجها السياسية للارتقاء بها والوصول إلى الحالة المؤسساتية الحقة لتكون أداة نضالية حقيقية بيد شعبنا. أما الوقوف على الشاطئ الآخر ونعت الحركة بكل “ما هب ودب” – وهم محقون في جل ذلك – فلن يقدم لنا إلى المزيد من العطالة وتكريس الحالة البائسة لشعبنا وحركتنا السياسية والتي نعيشها.

 

جندريس-2006


الحركة الكوردية

وإشكالية التكتلات الداخلية

 

 

 

 

 

 

 

 

 

كانت وما زالت الأحزاب والحركات السياسية – في عصرنا الحديث – هي المحرك الأكثر فاعلية وتأثيراً في حياة المجتمعات وفي علاقة الفرد مع الآخر؛ إن كان ضمن الحزب أو مع الأحزاب المتواجدة في الساحة وأيضاً في علاقته مع السلطة الوطنية وبالعكس وكذلك في علاقة تلك الكتل السياسية بغيرها من الكتل والتي تتقاسم معها السلطة والسيادة أو تلك التي تعمل في الضفة الأخرى والمعارضة لأجندتها السياسية، ويمكن إدراج ما سبق بالسياسة الداخلية للحزب أو الحركة السياسية (الفاعلة)؛ أي بالمنهاج أو البرنامج السياسي للحزب وهي تتنوع وتغنى بغنى الحالة المجتمعية وكذلك الحضارية للبيئة الجيوسياسية التي تنشط فيه تلك الحركة السياسية. وهناك وإلى جانب السياسة الداخلية لا بد من التفاعل مع العالم الخارجي أي وجود رؤية وبرنامج سياسي تؤسس عليه علاقة الحركة مع غيرها من القوى والدول والأحزاب، وبالتالي فإن الحركات السياسية (داخل السلطة أو المعارضة) هي التي تنظم وترسم الملامح الرئيسية لمجمل النشاط الإنساني المعاصر إن كان بدافع الأيديولوجيا أو المصالح المادية الإقتصادية.

 

وتعتبر الحركة الوطنية الكوردية، وفي الأجزاء الأربعة عموماً، واحدة من الحركات السياسية الفاعلة في منطقة الشرق الأوسط وخاصةً في السنوات الأخيرة. وهكذا فإن الأحزاب والكتل السياسية الكوردية في الساحة السورية كان – وما زال – لها دور فاعل ومميز داخل المعارضة السورية وذلك على الرغم من واقع الضعف والوهن الذي أصابتها نتيجةً لحالات التشظي والإنقسامات التي تعرضت لها والتي لها أسبابها الداخلية الذاتية وكذلك الخارجية من تدخلات الأشقاء في الأجزاء الأخرى أو من خلال الضغوط الأمنية على بعض الكوادر والقيادات وبهدف إضعاف الحركة من خلال تمزيقها بين ولاءات وزعامات فاقدة لمصداقيتها في الشارع الكوردي. ولكن وعلى الرغم من هذا الواقع الكارثي للحركة السياسية الكوردية فما زالت تعتبر (الناطق الرسمي) لشعبنا وقضيتنا في ذاك الجزء المسلوب من الجغرافية الكوردية وبالتالي يدعونا لأن نقف عند الأخطاء في محاولة للوقوف عليها ومعالجتها وذلك من خلال البحث عن مكامن الخلل وعلاجها.

 

وهذه ليست هي المرة الأولى التي نتطرق فيها لهذا الموضوع ولكن ما يدعونا بين الحين والآخر أن نعود للموضوع هو إستمرارية حالة التمزق والتشتت، بل وتجدد تلك الحالة من خلال تمزقات وإنشقاقات جديدة؛ حيث رأينا في الفترة الأخيرة بروز عدد من الخلافات وعلى شكل تكتلات وتمحورات، إن كان داخل الحزب الواحد كحالة منظمة يكيتي في أوروبا وما شهدناه من بيانات وبيانات مضادة أو ضمن إئتلاف سياسي، مثال التحالف الديمقراطي وإنشطارها بين اللجنة العليا والمجلس العام. وعند العودة إلى بيانات كل طرف تجد بأن كل اللائمة والأسباب المحرضة للتمزق تكون في الجانب الآخر – وفي أكثر الأحيان تكون القيادة هي التي تتحمل أكثر تلك التبعات وذلك في حالة الحزب وليس الإئتلاف السياسي – حيث يقول “عمر داوود” أحد الأخوة في قيادة منظمة أوروبا لحزب يكيتي رداً على سؤال يستفسر ما آل إليه الأوضاع في المنظمة بالتالي: “الحقيقة أنه أمرٌ غريبٌ وعجيب أن تقول القيادة في الداخل، لا يلزمنا هذا الحجم التنظيمي الكبير، فيكفينا خمسة أشخاص في أوروبا فقط ليتكلموا باسمنا. وعجيب أيضاً أن تتخلى القيادة بكل سهولة عن رفاقها الذين ناضلوا عشرات السنين.. والأجدر من كل هذا خَرَجَ سكرتير الحزب إلى العلن وفي الغرف الصوتية للانترنت وأعلن بشكل ارتجالي فَصلَ أكثر من / 200 / من الرفاق دون الرجوع إلى القيادة أو النظام الداخلي. وقال بكل برودةِ أعصاب من لا يتمثل لرغبتي فهو مفصول دون الاستماع إليهم أو التحقيق أو الإصغاء إلى آرائهم”.

 

هل يمكن ذلك حقاً ومن دون “الرجوع إلى النظام الداخلي” وهل تعطي القيادات لنفسها ذاك (الحق) بأن تتصرف في أحزاب(ها) وكأنها مزارع خاصة بها تولي من تشاء وتفصل من تشاء وبالتالي فأين هي من مفهوم الحالة المدنية المؤسساتية؛ كون الحزب (أي حزب أو كتلة سياسية) هي المعبرة والمجسدة (نظرياً على الأقل) للفكر المدني الحضاري من خلال مؤسستها الحزبية. وهل أحزاب(نا) الكوردية هي الوحيدة التي تعاني من هذه العقلية الإقصائية البترية أم تتشارك معنا بقية الأحزاب التي تعمل في بيئات ومناخات سياسية حضارية هي أقرب إلى الحالة البدائية القبلية والعقلية البطرياركية النخبوية منها إلى العقلية الإنتخابية الجمعية. وهكذا وعند العودة إلى واقع تلك الأحزاب ومنها الحالة السودانية فقد رأينا بأن هناك شبه تماثل بين الواقع السياسي الكوردي والآخر السوداني من حيث التمزقات الحزبية بين تكتلات وأطر حزبوية منسوخة وضعيفة؛ فها هو أحد رموز الحركة السودانية “الخاتم عدلان” الأمين العام لحركة القوى الجديدة الديمقراطية “حق” بالخارج وفي إحدى مقابلاته يقول: “المتابع لمسيرة كل الأحزاب السودانية منذ نشأتها يلحظ دخولها في ازمات متعددة ومتكررة من بينها متوالية الانشقاقات العددية. فقد تكاثرت الأحزاب وتناسلت بشكل لا يتناسب مطلقاً والوجود الفعلي للعديد منها او تأثيرها على الساحة السياسية، فقد اختلط علينا ماذا تعني هذه التكوينات وقياداتها والفرق السياسي والفكري والتنظيمي بينها وماهو مستقبل تلك الكيانات المنشقة عن احزابها خلال المرحلة المقبلة”.

 

وهكذا فإننا نجد بأن الحالة جد متقاربة بين الواقعين، فالعقلية السائدة والتي تتأسس عليها الحالة السياسية هي واحدة في بنيتها المعرفية الحضارية القائمة على التفرد والتسلط وليس التشارك والتشاور؛ حيث من طبيعة الحياة التنوع والإختلاف وبقدر ذاك التنوع يكون الغنى والثراء وكذلك التناغم والإنسجام. وبالتالي فمن طبيعة الحياة الإجتماعية والسياسية أن تكون هناك التباين والإختلاف في الآراء ووجهات النظر بين الكتل السياسية وفي داخل الإطار الحزبي الواحد مما يخلق فرصة حقيقية لتبادل وجهات النظر والوقوف على القضية الواحدة من زوايا رؤيوية مختلفة ومتباينة وبالتالي إختمار وإختبار المواقف السياسية وإعتماد الأكثر خدمةً لمصالح القضية الواحدة، كون كل تلك الكتل السياسية الداخلة في نسق أيديولوجي ما تعمل (على الأقل في المستوى التنظيري) لخدمة أهداف مشتركة وبالتالي فهي بحاجة إلى تكاتف الصف الواحد وليس إلى البتر والإستئصال كما يدعو إليه أحد الأقطاب الأخرى من نفس التيار والمناخ السياسي؛ ألا وهو “الحاج وراق” الأمين العام لحركة القوى الحديثة «حق» وذلك عندما يصف “الانشقاق بأنه مثل بتر جزء من الجسد شاق على النفس رغم انه قد يكون مبرراً بل وضرورياً في بعض الأحيان لصحة كامل الجسد وذلك لأجل ايقاف انتشار عدوى الجزء المصاب”. بينما يذهب زميله “الخاتم عدلان” الى وجهة مغايرة حين يرى “ان الغالبية الساحقة من الانشقاقات تدل على غياب الديمقراطية داخل الأحزاب السودانية على مستوى القيادة والقاعدة، ويقول لو كانت المجموعات المنقسمة وجدت داخل احزابها وعلى ارضيتها الفكرية والسياسية والتنظيمية كافة الحقوق التي تكفل للأقلية الدعوة لآرائها والانتصار لها بطرق ديمقراطية داخل الحزب لما فضلت الانقسام والخروج”.

 

إذاً تماثلٌ في الواقع ويعني تماثل التجربتين؛ التجربة الحزبية الكوردية والسودانية في مقالنا هذا، حيث يشتكي كلا القياديين (عمر داوود والخاتم عدلان) وكلٌ ينطلق من تجربته الذاتية مع قيادة الحزب وواقعها بأن غياب الديمقراطية وتسلط وتفرد القيادة في إتخاذ القرارات و”بشكل إرتجالي” وبعقلية بطرياركية بترية هي التي أدت وتؤدي بالحركتين إلى الواقع الراهن المنقسم والمتشرذم بحيث بات أحدهم يتساءل عن مستقبل هذه الكتل السياسية والتي تجاوزت الحدود المعقولة والمنطق وخاصةً في التجربة الكوردية في غرب كوردستان كونها ما زالت في طور حركة تحرر ولم تصل بعد إلى مرحلة تشكيل الدولة السياسية وقيادتها لتكون هناك إمتيازات ومصالح مادية وإقتصادية تختلف حولها تلك الكتل والرموز السياسية. وبالتالي ونتيجةً لما تقدم يتبين لنا بأن إحدى الدوافع والأسباب الكامنة وراء هذه الانشقاقات المتكررة داخل الحركة الوطنية الكوردية تكمن في غياب الديمقراطية داخل التجربة السياسية والحزبية الكوردية وتسلط القيادة على كل المفاصل وبطريقة شبه إستبدادية متماثلة ومتمفصلة إلى حدٍ بعيد مع التجربة السياسية للبلدان التي تتسلط على رقاب تلك الشعوب بأحزابها وقادتها السياسيين والذين من المفترض بهم أنهم يعانون من إستبداد الدولة وبالتالي الموكلون بمحاربة تلك العقلية والسلوك السياسي في التعامل مع المعارضة، إلا إننا نجد على أرض الواقع بأن المعارضة تنتج التجربة (تجربة السلطة واستبدادها) بطريقة جد هزلية في قمعها للقواعد أو لأي صوت وتيار لا يخضع لسلطة (الأب الشرعية) بحكم الأقدمية الحزبية.

 

وبالتالي وعوضاً أن تقوم الحركة الوطنية الكوردية بالدور المنوط بها بـ”أن تقوم بثورة ثقافية في داخلها لكي تكون مستعدة للقيام بدورها الجديد” وذلك على حد تعبير “محمد العربي المساري” في تقييمه للتجربة السياسية في المغرب العربي، فإننا وجدنا بأن الحركة السياسية الكوردية وبأحزابها (المختلفة) قد دخلت في صراعات هامشية داخلية ألهت القواعد والقيادات عن صراعها الحقيقي مع السلطات المستبدة القمعية بأجهزتها الأمنية مما أفقدها ثقة الجماهير الكوردية والإبتعاد عنها وقد رأينا تجربة ثماني أحزاب وهي تدعوا الجماهير الكوردية للخروج بمظاهرة إحتجاجية ضد المرسوم (49) سيء الصيت والذي يمس حياة ومصالح تلك الجماهير ذاتها، ومع ذلك فلم تستطع تلك الأحزاب ومجتمعةً أن تدفع ببعض المئات وليس الآلاف إلى أمام مبنى البرلمان في العاصمة السورية دمشق وهذه تكشف بجلاء مدى (جماهيرية) الحركة الوطنية الكوردية وبالتالي تستدعي أن نقف عندها بعمق في محاولة لرأب الصدع الحاصل بين تلك الجماهير والأحزاب الكوردية وبالتالي وضع الحركة – من جديد – على السكة وعندها فقط يمكن لنا كشعب وأمة أن نأمل بأن (غداً) كمستقبل مشرق لقضية شعبنا “لناظره قريب”.

 

إقليم كوردستان – 2009

 

 

 

 

الحركة الكردية

وقضية توحيد الصفوف

 

 

 

 

 

من المعروف أن مسألة وحدة الحركة السياسية الكردية ولم شمل مجموع  الأحزاب هذه – والتي تجاوزت عددها عدد أصابع اليدين في سوريا – ضمن كتل سياسية حقيقية وقوية بحيث تستطيع بحق أن تمثل الشارع الكردي وبالتالي أن تكون صوتها السياسي في المحافل والمنابر وعلى طاولات الحوار، إن كان مع السلطة أو مع أطياف المعارضة السورية الأخرى (إعلان دمشق مثالاُ)، وأن تكون قادرة؛ أي الحركة الكردية وكتلها السياسية على تلبية الحد الأدنى من ما تصبوا إليها الجماهير الكردية، يتطلب منها (من الحركة) توحيد صفوفها وجهودها؛ حيث باتت هذه المسألة من أهم بل أولى القضايا والتي تشغل بال الشارع الكردي بنخبها وجماهيرها.

 

وهكذا يمكن القول وبما معناه فإن المرحلة الحالية ونتيجة لمستجدات سياسية إقليمية ودولية أصبح من الضرورة بحيث أن تكون هناك عدد من هذه الكتل السياسية والتي يجب أن لا يتجاوز الثلاث – حسب رأينا – وقراءتنا لهذه الظروف السياسية الإقليمية والدولية، بحيث تستوعب مجموع هذه الأحزاب والتي لأكثرها لا حول ولا قوة لها إن لم نقل لجميعها، داخل تلك الكتل والتشكيلات السياسية المستقبلية والمرشحة لأن تلعب دوراً سياسياً فعالاً.

 

ولكن هل يمكن ذلك؛ أي توحيد الصفوف والجهود، وهنالك تراكمات الماضي وتلك السلبية في العلاقة مع الآخر (الكردي) وأيضاً هذه الحساسيات والتي جلها تكون على المستوى السيكولوجي – الشخصي وليس السوسيولوجي – الطبقي الاجتماعي؛ حيث كل “زعيم” وسكرتير يجد في منصبه وشخصه “سر الأقداس” وزعيم القبيلة الأوحد (بلا منازع) وأي خروج عليه يعني العصيان والتمرد وبالتالي ليس أمام زبانيته و(أزلامه) إلا مطاردة هذا العاصي ولعنه. فهو؛ أي “الزعيم” ومن وراءه القبيلة – الحزب في حالة حرب دائمة مع القبائل – الأحزاب الأخرى.

 

وهذه اللعبة؛ لعبة الحرب بين القبائل الحزبية هذه باتت شبه مكشوفة وعلنية للجميع؛ فهي نوع من إشغال أبناء القبيلة “الرفاق” بمعارك جانبية خلبية – وأحياناً تكون حقيقية ويكون هناك ضحايا – وبالتالي إلهاءهم عن “المعارك” الحقيقية، إن كان مع السلطة أو المعارضة السورية بشقها العربي، وهذه هي أسهل طريقة للإيقاع بـ”عصفورين بحجر واحد”؛ فمن جهة أشغلنا القاعدة الحزبية – وليس تنظيم القاعدة – بمسائل جانبية غير مجدية للعمل النضالي ولا تخدم القضية الكردية بأي شكلٍ من الأشكال بل تضر بها وبالعلاقات الكردية – الكردية وهكذا ومن الجهة الثانية فلن ندخل في أي مواجهة حقيقية مع السلطة؛ الجهة التي يجب أن تفتح معها “المعارك” السياسية الحقيقية.

 

نعم؛ إننا نستطيع أن نؤكد ومن خلال تجربتنا مع الحركة السياسية الكردية ومن موقعنا كمتتبع لهذه الحركة وإشكالاتها والتي تكون في أكثر الأحيان قروسطية وعائدة للعقلية الرعوزراعية؛ (من الرعوية والزراعية) وذلك بحكم الطبيعة الريفية للتجمعات السكانية الكردية وعدم تشكل المدن الصناعية الكبرى (متروبولات) وبالتالي تبلور الحالة المدنية العمرانية والفكرية الذهنية. فالعقل الكردي ما زال محكوماً بالبساطة والتبسيط وتلك العصبية القبلية (الحزبية) – العائلية في علاقتها بالأشياء؛ فنجد أنه ولأبسط الأمور “تقوم القيامة” بين القبيلتين (الحزبين) وتقطع العلاقات الدبلوماسية ويتم سحب السفراء ويعلن حالة الحرب بينهما وهكذا لا تجدي كل الوساطات (لإعادة المياه إلى مجاريها).

 بينما نجد بأن العقلية المدنية هي عقلية مرنة ذات طبيعة مصالحية – توافقية تبحث عن مصالحها وهي مستعدة للحوار والتوافق مع ألد “أعدائها” وليس أصدقائها ورفاقها وإخوتها فقط وذلك من أجل إنجاح مشروعها؛ مهما كان ذاك المشروع اقتصادياً – مادياً أو سياسياً – ثقافياً أو اجتماعياً – مدنياً.

 

وهكذا فإنه ومن واجب الحركة السياسية الكردية وأحزابها المختلفة ونتيجة لتلاقي “مصالحها” القومية، أن تجتمع على طاولة مستديرة لتدير الحوار الحقيقي بينها من أجل وضع النقاط على الحروف وإيجاد – أو على الأقل – طرح الحلول المناسبة لمجموع القضايا المستعجلة في الساحة السياسية الدولية والإقليمية وتحديداً ما يتعلق منها بالقضية الكردية في هذا الجزء الكردستاني الملحق بالدولة السورية، وذلك مهما كانت التباينات والاختلافات في وجهات النظر بينها حول مسائل وقضايا معينة؛ إن كان منها ما يتعلق بالأولويات من مسائل تحقيق الديمقراطية وحقوق الأقليات وأيهما نقدم على الآخر أو ما يتعلق منها بالعلاقات الكردستانية ومسألة المحاور أو تلك التي تتعلق بالبرامج والمناهج السياسية وهل هي اشتراكية – يسارية أم ديمقراطية – ليبرالية أم بارتية – بارزانيزمية.

 

نعم؛ وبدل أن نجد تلك العلاقات الأخوية والتلاقي حول مشروع سياسي كردي – مع العلم أنه هناك بعض من هذه المشاريع والتي قدمت كرؤى مشتركة ولكن وللأسف أكثرها هي نوع من البروباكندا الإعلامية وليس كمشروع سياسي حقيقي – بحيث يتم التوافق عليه وتقدم باسم الحركة الكردية على أنها حالة توافقية كردية معبرة عن طموحات وأماني الشعب الكردي، أي بما معناه يجب أن يكون هناك ورقة عمل كردية مشتركة نجمع عليها.ولكن ما نراه على أرض الواقع نجد العكس من ذلك؛ حيث الخلافات القبلية (الحزبية) والزعاماتية و”حروب الردة” على هذا المنشق وذاك العاصي والمتمرد، فهذا “الزعيم” ليس مستعداً للجلوس والحوار مع ذاك الآخر كون أحد أجداده قد سب وشتم ونال من جد هذا “الزعيم” الأبدي وذاك “القائد الخالد” الآخر حلف بجده الأول أنه لن يتفق مع ذاك “الثوروي” الذي قاد تمرداً ضده و.. هكذا نجد أن كل “قائد وزعيم” وسكرتير قد تحصن في متراسه وخلف عقيدته وعقليته القبلية (الحزبية) مبعداً أي إمكانيةٍ للتلاقي والتحاور مع الآخر الكردي، بينما نجده يقبل (بكل) شروط “العدو” والخصم وهنا نعتقد أن هذه عائدة لمسألة الدونية في الشخصية الكردية وليس عائداً لمفهوم قبول الرأي الآخر.

 

ولذلك ونتيجة لقناعتنا بأن الحالة الكردية وتوحيد الجهود يحتاج إلى حالات جراحية عاجلة، بحكم وتيرة السرعة والتسارع في المستجدات السياسية على الساحتين الدولية والإقليمية، وبأن مسألة الوحدة التنظيمية والسياسية – من قبل قياداتها وكوادرها – بين هذه الفصائل والأحزاب والذي بات أمراً ضرورياً – طبعاً لا ندعو بأن تجتمع كل الفصائل والأحزاب الكردية في حزب سياسي يبتلع كل الأطياف والمكونات للمجتمع الكردي في هذا الجزء الكردستاني ولكن وعلى الأقل يجب أن تتكتل في ثلاث كتل سياسية رئيسية كما قلنا في بداية هذا المقال – هي نوع من الاستحالة وخاصةً في الظروف الراهنة.

 

وبالتالي علينا عدم إلهاء القواعد الحزبية وأيضاً الجماهير الكردية بمسائل الحوار والوحدة بين هذه الفصائل كما تم إلهائه ولمدة نصف قرن بمسائل الانشقاق، فإننا ندعو كل النخب السياسية والثقافية والفعاليات الاقتصادية والاجتماعية و”الرموز” الدينية ومن وراءها قواعد هذه الأحزاب وأيضاً الجماهير الشعبية وأبناء شعبنا الكردي عموماً بالوقوف إلى جانب هذه الحركة السياسية من جهة ومن الجهة الثانية الضغط عليها من أجل فرض الحالة التوافقية عليها بحيث تتكتل ضمن تشكيلات سياسية جديدة تكون أكثر قدرةً على الحركة والمناورة السياسية.

 

وإن تعذر هذا؛ أي الضغط على هذه الأحزاب بأن تجتمع تحت سقف سياسي موحد؛ إن كان “سقف أوسلو” أو بروكسل أو غيره من الأسقف ولا بأس حتى بسقيفة وإن كان “سقيفة بني ساعدة”، فإننا ندعو تلك القوى الحية والفاعلة في المجتمع الكردي والتي ذكرناها آنفاً لأن تختار من بين مجموع هذه الأحزاب والفصائل الكردية والتي يصعب الإلمام بأسمائها ناهيك عن برامجها ورؤساءها “الآبدين المخلدين”، عدد محدد من الأحزاب (اثنان أو ثلاث) بحيث يصبح عندنا نوع من الفرز الثقافي السياسي وليس الطبقي كوننا ما زلنا في طور ومرحلة حركة تحرر تناضل من أجل حقوقها القومية والديمقراطية ولم نصل بعد إلى تلك الحالة السياسية المؤسساتية أي بناء الدولة والكيان السياسي القومي والتي تدعو إلى قيام ثورة اجتماعية ولذلك فإن الحركة السياسية الكردية هي بحاجة إلى طاقة ومساهمة جميع أبناءها.

 

وهنا وكوننا وفي أكثر من مقال قد أبدينا وجهة نظرنا حول القوى والأحزاب المرشحة لأن تلعب دوراً سياسياً مهماً في الساحة الإقليمية (إقليم كردستان) الملحق بسوريا، وقلنا بأن الحزب الديمقراطي الكردي في سوريا “البارتي” هو أكثر الفصائل قدرةً لأن يتبوأ هذا الدور في قيادة مرحلة التحرر لشعبنا، فلذلك فإننا ندعو جميع أبناء شعبنا للالتفاف حول هذا الفصيل السياسي وبالتالي نجعل منه؛ من “البارتي” حالة ثقافية وطنية وليس حزباً سياسياً فقط أقرب إلى القبيلة منه إلى مؤسسة مدنية حقيقية.. وهكذا نكون قد وضعنا “اللبنة الأولى” في طريق طويل وشائك ويحتاج إلى تضافر كل الجهود والإمكانيات لتحقيق الأهداف والغايات و إلا فسوف نبقى “في انتظار غودوت“.

 

جندريس-2006


الحركة الكوردية ومفهوم العمالة

 

 

إن أكبر خطر يهدد الحركة الكُردية في جنوب غرب كُردستان اليوم يتمثل في إندساس عدد كبير من عملاء السلطة الفاشية في أوساط الحركة والشعب في جنوب غرب كُردستان ومحاولاتهم نشر الثقافة الانهزامية والمُثل والقيم المادية والاستهلاكية وإضعاف القيم والمُثل القومية والوطنية وبث اليأس وقتل الأمل في النفوس والدعوة للانخراط في المجتمع السوري باعتباره الطريق الوحيد لتحقيق الذات والأهداف، وهو ما يُمثل عملية تعريب منهجية بعيدة المدى وبأساليب حديثة غير مؤذية ظاهرياً”. هذا ما يكتبه الأخ والصديق (فه دان آدم) في سياق مقاله المعنون بـ” رؤية حول الحركة الكُردية في جنوب غرب كُردستان
و آفاق الحل للأزمة الراهنة”، والمنشور في عدد من المواقع الالكترونية ومنهم موقع “عفرين-نت“.

 

هو صحيحٌ بأن الحكومات والمنظمات والأحزاب – السرية منها على الأخص – تعمل وبكل إمكانياتها المادية والمعنوية على اختراق جبهة الآخر (العدو) في سبيل أن تزرع لها ضمن صفوفها (أي صفوف ذاك العدو) جواسيسها ومخبريها لتكون عيوناً لها عليها؛ ترصد كل حركةٍ كبيرة أو صغيرةٍ لها وبالتالي تكون على بينةٍ من عملها وبرامجها وهكذا تكون لها بالمرصاد لتفسد لها تلك المخططات والمشاريع المزمع اتخاذها وذلك إضعافاً لها (أي العدو) من جهة ومن الجهة الأخرى إنهاكها من الداخل، وذلك بخلق صراعاتٍ داخلية – في تلك المنظمات والأحزاب – وإلهائها عن اتخاذ أي خطوات ومشاريع سياسية على الأرض لتكون زخماً ورصيداً سياسياً لها بين جماهيرها ومناصريها.

 

وصحيحٌ أيضاً إننا لم نتطرق لهذا الموضوع إلا بعد أن كُثِر (القيل والقال) بهذا الصدد؛ حيث وجدنا في الآونة الأخيرة عدداً من الاتهامات بالخيانة والعمالة لعددٍ من (رموز) الحركة السياسية الكوردية ومن قبل (رفاق الأمس وأعداء اليوم)؛ وكأمثلةٍ على ذلك نورد تصريح (ربحان رمضان – أبو جنكو) عضو اللجنة المركزية في حزب آزادي (الإتحاد الشعبي الكردي في سوريا) بخصوص مسألة الوحدة بين حزبه (إتحاد الشعب) والحزب اليساري الكردي في سوريا وتحديداً بصدد شخصية (خير الدين مراد)؛ سكرتير حزب آزادي الكردي ومن قبله ما قاله (نوري بريمو) في بلاغه الأول بحق سكرتير حزبه (محي الدين شيخ آلي) وذلك عندما أنشق عن حزب الوحدة الديمقراطي الكردي في سوريا وأعلن عن حركة الحقيقة الكوردستانية.

 

مع العلم أن هذه الظاهرة ليست بجديدة على الحركة الكوردية عموماً وتحديداً الحركة السياسية الكوردية في سوريا؛ حيث وإن عدنا إلى صفحات التاريخ (تاريخ الحركة) فلسوف نجد أن (معاركنا وجبهاتنا) بصدد هذه المسألة لهي أكثر وأعنف وأشد وطيساً من تلك التي (فتحناها) مع الآخر المغتصب للأرض والشعب. ولا نريد أن نفتح الجروحات مع أنها لم تندمل بعض وقد رأينا في الفقرة السابقة بعض النماذج (الحية) والمعاصرة، ولكن فقط سوف نورد مثال (محمد علي خوجة) وتاريخه ونضاله ضمن صفوف “البارتي” ومن ثم إدانته واتهامه بالعمالة والخيانة. نعم إننا سنورد هذه القصة من باب التذكير فقط لا غير، مع أن قصته – مأساته هذه تنطبق على أي (مناضل) كوردي ضحى بالنفيس و(الرخيص) في سبيل هذه الحركة وشعبه و.. عند أقل (هفوةٍ) له نحرقه ونحرق معه كل ذاك التاريخ من التضحيات التي قدمها خلال عمله السياسي – الحزبي.

 

ولد (محمد علي خوجة) في قرية معبطلي التابعة لمنطقة عفرين (كرداغ) عام 1914 م. درس في مدرسة دار الأيتام وحصل على الثانوية العامة من المدرسة المذكورة, و في عام 1948 م. عمل مدرساً في المدرسة الابتدائية بحلب, و في عام 1950 م. أصبح مديراً مالياً في دائرة المعارف و استمر في عمله حتى عام 1957م. منذ نعومة أظفاره دخل الساحة النضالية و كان مناضلاً وفياً حيث شارك في معركة لواء اسكندرون سنة 1936 م. و كان عضواً في جمعية خويبون و أمضى فترة عامين في قرية معشوقة, و في عام 1957 م. شارك مع بعض من رفاقه بتأسيس الحزب الديمقراطي الكردي في سوريا.. و بعد عامين من تأسيس الحزب و تحت الضغوط التي مارستها حكومة الوحدة بين سوريا ومصر على الأحزاب و ملاحقتها لهم اضطر لمغادرة البلاد مع بعض من رفاقه (خليل محمد و جكرخوين) إلى العراق و هناك انضم إلى صفوف البيشمه ركة وعمل فيها برتبة مقدم، كان ذلك في عام 1961 م. وعندما توقفت الثورة طلب منه عيس سيوار العودة إلى سوريا, (حيث أنه) دخل سوريا عبر الحدود التركية وبانتظاره الكثير من المشاكل داخل الحزب. (و) مع بداية بروز الخلافات بين أوصمان صبري من جهة و الدكتور نور الدين ظاظا من الجهة الثانية, وبعد فترةٍ وجيزةٍ على قدومه من العراق اتخذ بحقه قرار الفصل من الحزب تحت حجج و ذرائع لا صحة لها و نعتوه بأبشع الصفات وحجزوا على أمواله ومقاطعته. أما على الصعيد الوطني كانت الوحدة قد انهارت و البعث استلم الحكم في سوريا حيث أن حكومة البعث بدأت بحملة اعتقالات واسعة و ملاحقة جميع القيادات و الكوادر الحزبية و خلال جلسات التعذيب اعترف أحد الكوادر بأن محمد علي خوجة هو أحد المؤسسين للحزب وأنه عمل في صفوف البيشمه ركة, وعلى ذلك تم اعتقاله و زجه في زنزانة انفرادية حيث أنه تعرض إلى التعذيب الشديد على أيدي جلادي البعث إلى أن أصيب بعدة أمراض حيث تم نقله إلى مشفى ابن النفيس في دمشق وهو على أبواب الوداع, إلى أن وافته المنية في المشفى وفي وقتها أُصدِر قرار من الحزب؛ بمنع استلام جثته من المشفى، حيث قامت بلدية دمشق بدفنه في مقبرة شيخ رسلان, مخلفاً ورائه امرأة و أربعة بنات وطفلين صغيرين, حيث عانوا الأمُرّين من وضعهم المالي والاجتماعي السيئين, و هكذا انطفأ شمعة من شموع المناضلين الشرفاء الذين ضحوا بالغالي و النفيس في سبيل الدفاع عن قضية شعبهم وأرضهم ووطنهم”. (بتصرف نقلاً عن موقع الوفاق الديمقراطي الكردي – مقال للأخ أورخان جان وبعنوان: “محمد علي خوجة .. المؤسس … المناضل … الشهيد …”).

 

وهكذا يتأكد لنا ومن خلال سرد مأساة (محمد علي خوجة) وغيره من (رموز) هذه الحركة – قديماً وحديثاً – بأنه لنا باعٌ طويلٌ في تخوين ذواتنا ومناضلينا وأنه لا (كبير) في هذه القضية وليس هناك أحدٌ فوق الشبهات، بل الكل تحت المراقبة و(المجهر)؛ إن كانت تلك المراقبة من الأجهزة الأمنية أو الحزبية الرفاقية. ولكن ما يحز في القلب هو (الاستسهال) في اتهام رفيق الأمس بكل تلك النعوت والصفات ومن دون تقديم أي دليل أو برهانٍ مادي يثبت ادعاءه ذاك، بل يكتفي هو ورفاقه الذين لحقوه، بكيل السباب والشتائم للفريق الآخر وهكذا نلهي الرفاق والشارع الكوردي، ولأمدٍ يمكن أن يمتد لأشهر وسنوات، في هكذا (قضايا) تؤخر ولا تقدم شيء للقضية الحقيقية بالنسبة لشعبنا.

 

وإننا ومن باب الحرص على المسألة الكوردية والتي هي قضية جميع الأطراف والفصائل والتنظيمات الكوردية السياسية منها والحقوقية وأيضاً كل الفعاليات والرموز الثقافية والدينية والاجتماعية والاقتصادية والتي تعتبر إنها مهتمة بهذه الدرجة أو تلك بالقضية الكوردية في هذا الجزء من خريطة الوطن، مدعوةً للوقوف (بحزم) وعقلانيةٍ أكثر بوجه هذه الظاهرة السلبية والقاتلة لكل حراكٍ سياسي حقيقي؛ وذلك خوفاً من الوقوع في أي هفوةً تكتيكية مع هذه الجهة أو تلك من أجهزة الأمن والمخابرات – حيث لا عمل من دون أخطاء – وبالتالي اعتبار تلك الخطوة والحراك السياسي الجماهيري نوعً من (التنسيق) مع تلك الجهة الأمنية واعتبار (الرفيق المسؤول) عميلاً وخائناً ويجب (تصفيته)؛ إن كانت التصفية مادية أو معنوية.

 

بل وعلى العكس من هذا؛ يجب على الحركة السياسية الكوردية ومطلوبٌ منها ومن المثقفين الكورد عموماً خلق أجواء ومناخات سياسية تشجع على العمل السياسي والمبادرة به بين الجماهير وليس تكريس حالة العطالة والتي كانت سمة مرحلة طويلة من (نضال) حركتنا السياسية وعلى الأخص منه العمل السلمي العلني. نعم.. إننا نؤكد على الجانب العلني والشفافية والوضوح في البرامج السياسية والعمل الجماهيري؛ حيث عصرنا وواقعنا ليس بزمن الأجداد والعمل وراء الجدران (الطرشاء) والصامتة والتي لا تنقل الأحاديث، إنه عصر التقنية والثورة المعلوماتية. هذه من جهة ومن الجهة الأخرى إننا مؤمنون بعدالة قضيتنا وبالتالي علينا أن نطالب بحقوقنا وبصوتٍ عال ومن دون خوفٍ أو خجل من أحد؛ حيث من دون تلك المطالب والعمل السلمي الجماهيري، لن يلتفت أحدٌ إلى قضيتنا القومية الديمقراطية.

 

إذاً العبرة في البرامج السياسية والنضال الجماهيري الحقيقي؛ حيث أن برامج هذه الأحزاب – وإن كانت لا ترتقي إلى مستوى الطموح وما هو مطلوبٌ منها اليوم – وأيضاً العمل الجماهيري لها مؤخراً تدعو إلى استحقاق الحقوق القومية والديمقراطية للشعب الكوردي وذلك ضمن وحدة البلاد وهكذا فليس هناك طرفٌ أو حزبٍ سياسي أو حتى عضواً من هذا الفصيل أو ذاك هو يعمل لأن يكون (طابوراً خامساً). تلك كانت من ناحية ومن الناحية الأخرى، فإن جميع فصائل الحركة السياسية الكوردية تعتبر أعضاءً في جسدٍ واحد وهي الحركة نفسها وبالتالي ليس (مسموحاً) وصف أحدُنا للآخر بتلك النعوت من الخيانة والعمالة. بل – وكما قلنا قبل قليل – بأن برامج هذه الحركات تُفنّد كل ما يقال عن هذا الفصيل السياسي أو ذاك السكرتير والأمين العام (المشبوه) للحزب الفلاني.

 

وإننا نود أن نقول أخيراً: إذا كانت هذه البرامج السياسية للأحزاب الكوردية – على الرغم من سقفه المتدني نسبةً إلى ما يطالب به الشارع الكوردي في إقليم كوردستان (سوريا) – هي نتاج فكرٍ مخابراتي أو من طرح (عميلٍ) للأمن والمخابرات السورية، فأهلاً بذاك العميل داخل صفوف الحركة السياسية الكوردية، بل أهلاً وسهلاً بمعلمه نفسه، ذاك الذي يطرح – ومن خلال هذه البرامج – ليس فقط حل قضية اللاجئين الكورد ومسألة الحزام العربي السيئ الصيت، بل يدعو إلى حل المسألة والقضية الكوردية على اعتبار أنها قضية أرضٍ وشعب وهذا ما ندعو إليه جميعاً.. “فهل تريدون أكل العنب أم قتل الناطور“.

 

جندريسه – 2006


الحركة الكوردية

بين الحالة السياسية والعمالة الأمنية

 

 

 

 

 

كتبنا سابقاً في هذا الموضوع، كما كتب الآخرون، ولم نكن لنعود إليه لولا (الضجة الأخيرة) والتي أثيرت حول كلٍ من الصديقين مشعل تمو؛ الناطق بأسم تيار المستقبل الكردي وعبد الحكيم بشار؛ سكرتير اللجنة المركزية لحزبنا (الحزب الديمقراطي الكردي في سوريا – البارتي) والتي تراوحت بين الذم والمديح ونادراً الدراسة والتقييم الموضوعي البعيد عن النرفزة و(شخصنة الموضوع) والهيجان الانفعالي والذي يسيء إلى كاتبها أكثر مما يسيء إلى من يتناوله الموضوع نفسه. وهكذا فقد رأينا أنه – ربما من المفيد – أن نتناول هذه القضية، مرة أخرى، وذلك لتوضيح بعض القضايا والتي ربما ومن خلال المناقشة الهادئة والمتزنة أن نصل معاً إلى عدد من النقاط التي تخدم القضية الوطنية وتحديداً ما يتعلق منها بالحركة السياسية الكوردية وما يثار حولها – وحول بعض كوادرها ورموزها – من إتهامات بالعمالة للنظام السوري وأجهزتها الأمنية المخابراتية.

 

ولكن وقبل أن ندلي برأينا في المسألة – وفي سبيل المزيد من الإيضاح – علينا أن نعود إلى مراحل التأسيس والبدايات؛ حيث يقول الأستاذ رشيد حمو في إحدى مقابلاته بخصوص العلاقة (علاقة الحركة الكوردية) مع النظام السوري ما يلي: (..وحينذاك كنا نشعر بتشجيع السلطة لتسمية الحزب بالكردستاني) ويضيف كذلك (..في عهد الوحدة بين سوريا ومصر وحتى بعد انقلاب 14 تموز 1958 وانسحاب العراق من حلف بغداد، بقيت علاقاتنا جيدة مع سلطات الوحدة، حيث أسس الرئيس الراحل جمال عبد الناصر إذاعة تبث باللغة الكردية من القاهرة تحت إدارة الأستاذ فؤاد معصوم، إضافة إلى تأسيس مكتب في دمشق بإشراف وزير مصري لتوجيه الأكراد ومساعدتهم، وفي عام 1959 طلبني المكتب الخاص للسيد عبد الحميد السراج في دمشق، واستشرت المرحوم أوصمان صبري فوافق على ذهابي وهناك عرض علي ضابط الأمن موضوع تحريض الأكراد في تركيا ووعد على لسان عبد الحميد السراج بالدعم المادي والمعنوي بما فيها طباعة النشرات وتوزيعها هناك، وأنه لا يروم من ذلك سوى صداقة الكرد..). وهكذا يتبين لنا بأنه كان – ومنذ البدايات – خط (لا نقول ساخن) وإنما تواصلي وإستدعائي – على الأقل – بين الحركة السياسية الكوردية والنظام.

 

ولكن هل يمكن الإدعاء بأنها وصلت إلى حد تلميع بعض الرموز أو “عمالتهم” للنظام كما يذهب بعض المهتمين بالشأن الكوردي وتحديداً الحركة الكوردية وقادتها ورموزها وذلك كما رأينا على طول مسيرة الحركة والتي أزدادت حدتها و”ضجيجها” مؤخراً ومن خلال ما نقرأه على صفحات النت من كتابات وتصاريح ومقابلات أم العلاقة محصورة، وبحكم الواقع الأمني والسياسي السوري العام، في الضغط على تلك الشخصيات السياسية ورصد تحركاتهم بغاية حصارهم ضمن فوبيا الأمن وعدم تجاوز “الخطوط الحمر” ودوائرها المرسومة بعقلية شوفينية تجاه جملة القضايا الوطنية ومنها القضية الكوردية. وهكذا يمكن الادعاء بأنه ليس من العقل والمنطق أن نرمي التهم جزافاً على كل من يتعرض للإستجواب والإعتقال الأمني ومن ثم الإفراج عنه بأنه “عميل للأجهزة الأمنية السورية” ونقضي على البقية الباقية من جذوة العمل السياسي الكوردي في الداخل. وهنا يحضرنا إستفسار عن الغاية من العمل الحزبي أساساً، إن كانت تهمة العمالة جاهزة لكل من يعمل بها، أليس الأولى والأجدر أن يعيش بـ “كرامته” بين شعبه وأهله ودون أن ينخرط في أي “مؤسسة حزبية” حتى يجنب نفسه هكذا تهمة وبالتالي فعلى القضية الكوردية (السلام أو الإنتهاء والفناء).

 

وهكذا فقد نختلف في قراءاتنا السياسية لهذا الموضوع أو ذاك – وحتى دواخل أحزابنا – ولكن يجب أن يكون الإختلاف لغاية الوصول إلى برامج سياسية تخدم مصالحنا وقضايانا وليس لأجل “تسويد صفائحنا” والإتهام بالعمالة والتخوين والإرتزاق. وإن ما يحز في القلب حقيقةً؛ بأن الأمن السوري قد نجح في هذه المسألة – كما بغيرها العديد من القضايا الأخرى – بحيث جعلنا؛ نحن المهتمين بالشأن الكوردي وأحزاباها أن ندخل في “معارك جانبية” وبالتالي أن نفقد بوصلة العمل السياسي النضالي للوصول بالقضية إلى بر الأمان. وهكذا ننسحب وبـ “إرادتنا” – ولكن دون وعي سياسي ناضج – من ساحة “المعركة” مع النظام ورموزه الأمنية و”نتلهى” بتخوين بعضنا البعض وهنا تحضرنا الذاكرة بالحادثة التالية: في إحدى الإستدعاءات الأمنية، طلب ضابط الأمن أن نبدي رأينا بالأستاذ شيخ آلي؛ سكرتير حزب الوحدة الديمقراطي الكردي في سوريا (يكيتي) وبعد أن قلنا بما نعرفه ونراه في الرجل، أردف الضابط بأنه على علم بأننا على خلاف مع المذكور، فكيف نقول فيه هذا الكلام الطيب.. ولم يكتفي بذلك، بل زاد عليه بأنه (أي الأستاذ شيخ آلي) “عميل”. وهنا طلبنا من الضابط أن يشرح لنا كيف ولمن؛ هل هو “عميل” لدولة أجنبية أم لجهة وتنظيم خارجي فرد وبكل خبث: أنه “عميل” للجهات الأمنية السورية.

 

إننا لن ندخل في حيثيات الموضوع المتشعبة وبالتالي يضيع القارئ في قضايا جانبية ربما لا تهمه كثيراً ولكن ومن حقه أن يسأل ونسأل معه: لما أراد ذاك الضابط أن “يمرر” الإتهام السابق لأحد رموز الحركة السياسية الكوردية – بغض النظر عن درجة إتفاقنا أو إختلافنا معه في بعض القضايا السياسية – وخاصةً وهو يعلم إننا أحد الأعضاء في حزب كوردي آخر “منافس” لحزب “المتهم” وكذلك فقد كنا كتبنا في ذاك الوقت مقالاً عن إحدى القراءات الخاطئة – برأينا طبعاً – للسيد شيخ آلي وبعنوان “القيادات الكوردية والقراءات السياسية – محي الدين شيخ آلي نموذجاً –”، كما اليوم ومقالنا عن الأخ الدكتور عبد الحكيم بشار؛ سكرتير اللجنة المركزية لحزبنا (الحزب الديمقراطي الكردي في سوريا – البارتي) وبالتالي كانت الردود المتشنجة من بعض المردة الجاهزين “لسب وشتيمة” كل من يقترب من (الصنم/ المقدس) وهكذا وكأن “التاريخ يعيد نفسه”. بالـتأكيد إن غاية ذاك الضابط هي غير نبيلة وكانت محاولة للإيقاع بنا وذلك قبل الإيقاع “بالمتهم” المزعوم ولكن لم يكن يتوقع أن يكون ردنا عليه كالتالي: إن كان السيد شيخ آلي “عميل” لكم (للجهات الأمنية) فأنتم أولى بمعرفة ذلك والإجابة عليه ولكن ما نعلمه عن الرجل؛ بأنه سكرتير حزب كوردي (الوحدة) وهذا الحزب له برنامج سياسي نتفق معه بنسبة تفوق (60-70) بالمائة وبالتالي فإننا نتفق مع سكرتيرها ضمن النسب السابقة وإن أختلفنا في قراءات أخرى؛ ما دام يلتزم ببرنامج حزبه ومقرراته السياسية.

 

خلاصة القول: نود التأكيد مرة أخرى؛ بأن الحركة الكوردية في سوريا وإن كانت تمارس (التقية السياسية) مع النظام الأمني فهذا لا يعني بأن خطابها السياسي يرسم في الدوائر الأمنية وبأن رموزها “عملاء” لدى تلك الدوائر، بل إنه نتاج ضعف عام في العمل السياسي السوري ومنها الكوردي، وهذه تحتاج إلى ملفات ومراكز دراسات. وكذلك فإننا نؤكد بأن إختلافنا مع قراءة الأخ عبد الحكيم بشار في مقالته الأخيرة – وبالمناسبة فإنها ليست المرة الأولى التي نختلف فيها سياسياً – لا يعني “الخلاف والصراع والتناحر” كما ذهب البعض في كتاباتهم التي أتسمت بالإنفعالية والتشنج – وربما لغايات في نفس يعقوب – وكذلك لا يعني بتاتاً “تخوين الرجل”، بل إننا من الذين يعرفونه ويعرفون مواقفه الجريئة وهي بغنى عن شهادتنا أو شهادة الآخرين وخاصةً المتملقين منهم، ولكن يبقى لنا قراءاتنا وله/ لهم قراءاتهم وربما نتفق هنا ونختلف هناك وهذا لا يعني – مرة أخرى – بأننا ننتهز “الفرصة الذهبية” أو إننا “نشحذ السكاكين” للإجهاز على “الضحية – القيصر”. ثم ما هذه الثقافة “الوحشية” والتي لا ترى في الآخر إلا (الضحية أو الجلاد والجزار) وكأننا في “مسلخ” سياسي وليس حركة وحالة سياسية تتحمل قراءات متعددة.

 

وأخيراً نود أن نسأل صاحب “الفرص الذهبية للديمقراطية” – مع العلم أن الديمقراطية هي حالة ذهبية وليست (فرصة ذهبية) وهي “أقل الأنظمة سوءاً” – أليس من الخير لنا ولقضيتنا بأن يكون هناك قاص جيد ولا سياسي فاشل وذلك من دون أن ندخل معه في سجالٍ على عدد من النقاط التي أثارها في مقاله الرد علينا والذي حمل من التناقض والسخرية الكثير الكثير، بل وأحيناً تقويلنا ما لم نقله. وكذلك ألا تعتقد معنا أنه كفانا ثقافة المدح والذم ولتكن مقارباتنا للقضايا تحليلاً ودراسة وليس مدحاً وتبجيلاً “للصنم” والزعيم، إن كان زعيم القبيلة أو الحزب أو الجمهورية.. ثم وبعد كل هذا التملق “للزعيم” وتماهيه مع (كيانه) السياسي – الإجتماعي، وكما كتب أحد الزملاء متسائلاً: “ويسألونك عن الإستبداد في شرقنا البائس“.

 

هولير – 24/5/2009

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

الأحزاب الكوردية

والعوامل الكامنة وراء انشقاقاتها

 

 

 

 

 

 

 

قبل الخوض في التفاصيل والبحث عن العوامل والأسباب الكامنة وراء الانشقاقات والتمزقات في جسد الحركة السياسية الكوردية وأحزابها وتياراتها، لا بد من التأكيد على أن هذا الموضوع قد أخذ – وما زال – الكثير من الجهد والاهتمام به، إن كان من قبل الشارع والجماهير الكوردية أو من قبل المهتمين بحقلي الثقافة والسياسة الكورديتين؛ حيث كتب – وما زال – العديد من المقالات والدراسات بخصوص هذه القضية وكذلك أقيمت الكثير من الندوات والمحاضرات عنها وذلك كونها تهم الجميع من جهة ومن الجهة الأخرى، تعتبر هذه المسألة والقضية الإشكالية؛ انشقاقات الأحزاب أحد أهم العوامل التي تضعف القضية الكوردية وتسلب منها أسباب القوة والمنعة والعمل الجاد وذلك على كافة المسارات السياسية والفكرية والنضالية – الجماهيرية وحتى الإعلامية وذلك ضمن الساحات جميعاً؛ إن كان ضمن الساحة الإقليمية (إقليم كوردستان سوريا) أو في الساحة الوطنية السورية وكذلك على الساحة الكوردستانية والدولية عموماً.

 

ولذلك وانطلاقاً من الحرص والمسؤولية والواجب أولاً؛ كان علينا أن نقف عند هذه المسألة بجدية وموضوعية أكثر – لا ندعي أننا أكثر حرصاً وجديةً من الآخرين، ولكننا نحاول هنا أن نسير على خطى الذين سبقونا إلى تحليل هذه المسائل والمواضيع والخوض في جزئياتها بنوع من المكاشفة العلنية لعلنا نستخلص بعض النقاط ونلقي الضوء عليها – وبالتالي أن نتناول القضية من جوانبها المتعددة لنقرأ بين السطور، ما كانت الأسباب والدوافع الحقيقية التي أودت بالحزب الديمقراطي الكوردستاني في سوريا (البارتي) إلى التمزق والانشقاق لأول مرة في كونفرانس 5 آب لعام 1965م ومن ثم لتتلاحق الانشقاقات في الأحزاب المنشقة أصلاً عن (البارتي)، إلى أن نصل إلى يومنا هذا والتي بات يصعب على المهتم بالشأن العام والكوردي على وجه التخصيص أن يلم بأسماء مجموع الأحزاب الكوردية في سوريا ناهيك عن البرامج والأجندة المطروحة من قبلها وإن كانت هذه (البرامج) تتشابه وتتقاطع في مجمل – إن لم نقل في كل – القضايا المطروحة من قبلها.

 

إننا ومن خلال قراءتنا لتاريخ ووثائق الحركة السياسية الكوردية في سوريا وبتياراتها وأحزابها المختلفة وكذلك من خلال (معايشتنا) وحضورنا داخل المشهد السياسي الكوردي ومنذ ثمانينات القرن الماضي، استطعنا أن نستخلص ونستشف مجموعة من الأسباب والعوامل – قد سبق الإشارة إليها (على الأقل إلى بعضها) سابقاً من قبل العديد من المثقفين والكتاب والمهتمين بالشأن السياسي العام وبهذه الدرجة أو تلك – والتي وقفت وما زالت تقف وراء حالة الانقسام والتشرذم هذه في جسد الحركة السياسية الكوردية، بحيث نستطيع أن نضمنها داخل العاملين التاليين: العامل الداخلي – الذاتي (الأنا النرجسية) ومفهوم السلطة المطلقة للأب القائد للقبيلة – الحزب والعامل الآخر هو العامل الخارجي؛ تدخل أطراف وجهات سياسية وأمنية بغية تفتيت وإعادة هيكلة الحركة السياسية الكوردية وأحزابها في سوريا – بدايةً كان البارتي فقط – وذلك خدمةً لمصالحها وأجندتها السياسية، ودون أن ننسى المناخ السياسي العام والذي كان سائداً في منتصف القرن الماضي من خلال المد الثوري لمفاهيم اليسار والاشتراكية.

 

وهكذا وبالعودة إلى العامل الأول: الداخلي – الذاتي وسلطة (الأب) المطلقة ومن خلال دراسة الشخصية الشرقية وسيكولوجيتها عموماً والكوردية خصوصاً، نجد بأن مفهوم السلطة المطلقة (للزعيم) وغياب الوعي السياسي – المؤسساتي في مجتمعاتنا تقف وراء العديد من حالات الانقسام على الذات وبالتالي التشرذم وتشتيت القوى والإمكانيات والجهود، حيث أن حب الفرد في التسلط والهيمنة والتفرد بالسلطة ضمن (مملكته، قبيلته وكذلك حزبه) هي غريزة حيوانية – بشرية ويدفعه؛ أي (المتسلط) لأن يمارس كل الوسائل الشرعية – واللاشرعية – للحفاظ على سلطته وبالتالي القضاء على الخصوم والمنافسين وذلك في ظل غياب شبه كامل للدستور والأنظمة المدنية القانونية وكذلك الدور المؤسساتي في تسيير حياة تلك التجمعات البشرية وبالتالي غياب كل ما يمت إلى الحياة المدنية من قيم ومفاهيم الحرية والعدالة والديمقراطية والمشاركة في السلطة وتداولها سلمياً. بل تحل عوضاً عنها جملة (قوانين وأحكام) عرفية عسكرية مستبدة؛ غايتها الحفاظ على (الملك – الزعيم) وسلطته المستبدة، وهكذا يكون أي خروج على (الزعيم) يعني التمرد والخروج – بل الطرد – من (الجنة، القبيلة والحزب) ليقوم (الزعيم الجديد) بتأسيس قبيلته – حزبه وفق (رؤاه ومنهجه) ولترسيخ زعامته.

 

أما العامل الآخر والذي يتعلق بالتدخل الخارجي في حياة ومسيرة الحركة السياسية الكوردية في سوريا؛ أي تدخل القوى والأحزاب الكوردستانية من خارج إقليم كوردستان (سوريا)، فإننا نقول صراحةً: فإن كانت هي (أي تلك التدخلات) مبررة ومفهومة – من قبلنا على الأقل – وذلك من حيث التأسيس وانطلاقة الحركة (البارتي) كونها جاءت من خلال نشاط عدد من المثقفين والناشطين الكورد الذين (أتوا) من خارج هذا الإقليم وتحديداً من إقليم كوردستان (تركيا) بعد الانتكاسات التي منيت بها الانتفاضات الكوردية هناك، من أمثال: نور الدين ظاظا (السكرتير الأول للبارتي) وكذلك كل من أوصمان صبري (آبو) والعائلة البدرخانية – وإن كان جل اهتمام هذه العائلة العريقة ينصب على الجانب الثقافي المعرفي منها على الجانب السياسي الحزبي – وكذلك غيرهم من رواد الحركتين الثقافية والسياسية داخل هذا الإقليم الكوردستاني. وللعلم كانت كوردستان سابقاً مقسماً إلى إقليمين فقط، وليس أربعة أقاليم، وكانت خاضعة (أي الإقليمين القديمين) لنفوذ كل من الإمبراطوريتين العثمانية والصفوية، حيث كانت سوريا خاضعة، بمجموع أقاليمها، لنفوذ السلطنة العثمانية وهكذا فلم تكن تعتبر الارتحال من وإلى جانبي ما يعرف اليوم بطرفي الحدود السورية التركية إلا نوع من (الهجرة) الداخلية؛ داخل إقليم كوردستان.

 

نعم.. وإن تفهمنا وأستوعبنا الحالة السابقة من شأن (التدخل) والتداخل في شؤوننا الجغرافية والتاريخية – الحضارية وكذلك السياسية، إلا أن هذا التدخل – وتحديداً الجانب السياسي منه – قد أضر في الكثير من الأحيان بالوجود الكوردي وحركته السياسية داخل هذا الإقليم؛ حيث كان ذاك التدخل وفي مجمله ينصب لصالح حالات التكتل والانقسام وفق المحاور والأجندة المرسومة من قبل هذه الجهة الكوردستانية (الحزبية) أو تلك وذلك بغية إضعاف المحور (الكوردستاني) الآخر، فكانت بالتالي الانشقاقات المتكررة والغير مبررة لا معرفياً؛ فكرياً – أيديولوجياً ولا نضالياً؛ سياسياً – جماهيرياً. وبالتالي فقد أضرت تلك السياسات الخاطئة التي مورست من قبل العديد من الأطراف والقوى الكوردستانية – خارج هذا الإقليم – بالمصالح الاستراتيجية للشعب الكوردي وحركته السياسية داخل إقليم كوردستان (سوريا).

 

ذاك كان جانباً من التدخل الخارجي؛ (السياسي والتكتلي) ومن قبل أطراف وقوى كوردستانية خارج هذا الإقليم. أما التدخل الخارجي الآخر (السلطوي الأمني) أو ما يروج ويعرف في الوسط السياسي الكوردي بالاختراقات الأمنية – المخابراتية داخل جسد الحركة السياسية الكوردية وأحزابها وكتلها، فقد قامت هي الأخرى؛ (أي الأجهزة الأمنية السورية) وعلى مدى سنوات بتسخير الإمكانيات والجهود (المال والرجال) – مثل كل الدول وأجهزتها الأمنية – لتخترق صفوف معارضاتها، وهنا المعارضة السورية ومن ضمنها الحركة السياسية الكوردية وبالتالي ضربها من الداخل بغية التشكيك بمصداقية هذه الأحزاب والكتل وذلك من خلال التشهير بقياداتها ورموزها السياسية ومن ثم إبعاد الجماهير الكوردية عن أدوات نضالها الحقيقي ولتسهل عليها؛ (أي على الأجهزة الأمنية) القبض على مفاصل الحراك السياسي في المجتمع السوري عموماً والكوردي خصوصاً وهكذا تلجم حركة دمقرطة المجتمع وذلك من خلال كبت الحريات العامة وفرملة العمل وفق مؤسسات حقيقية لتكون لها دور فاعل في حياة المجتمع الكوردي والسوري عموماً، بل عملت – وما زالت تعمل – الأجهزة الأمنية على ترهيب المجتمع من العمل في الشأن العام (السياسي تحديداً) بحيث تفتقر الأحزاب إلى قاعدة جماهيرية تكون عامل منعة على تلك الأجهزة أن تنكل بتلك التيارات والأحزاب وترمي بقيادات تلك الكتل السياسية، بين الحين والآخر، في غياهب سجونها وزنازينها.

 

إضافةً إلى ما سبق، فقد كان المناخ السياسي والفكري السائد – وخاصةً في منتصف القرن الماضي – مساعداً في أن ينشق الحزب؛ الحزب الديمقراطي الكردستاني في سوريا (البارتي) بين جناحي اليمين واليسار؛ كون المنطقة والعالم كانت تشهد يومها نوع من الحراك والنهوض الثوري اليساري وخاصةً بعد (نجاح) التجربة الاشتراكية في الاتحاد السوفيتي (السابق) ومنظومة البلدان الاشتراكية، فكانت الأحزاب العمالية والشيوعية في البلدان الرأسمالية وكذلك حركات التحرر في العالم الثالث تعتبر حليفتان رئيسيتان لتلك الكتلة والتي عرفت بمنظومة البلدان الاشتراكية (اليسارية الماركسية) وهكذا ووفق هذه المنهجية الفكرية والاستراتيجية النضالية كان العالم قد انقسم بين شرقٍ يساريٍ ماركسي وعمالي يدعو إلى (ديكتاتورية البروليتارية) وبين غربٍ يدعو إلى (منافسة السوق) ومسألة العرض والطلب وشهدت المنافسة بينهما حروباً ساخنة وباردة. وهكذا انقسم المجتمع الكوردي، مع انقسام العالم، بين قطبي اليسار واليمين وبالتالي كان الانقسام في (البارتي) أيضاً؛ كونه كان قد ضم في صفوفه – في مرحلة التأسيس – طيفاً واسعاً ومن مجمل طبقات وفئات الشعب الكوردي وبالتالي كان الانشقاق الأول (1965م) نوع من الفرز الطبقي ضمن صفوف (البارتي)، وإن كان ذاك الفرز سابقاً لأوانه؛ كون حركة الشعب الكوردي عموماً ما زالت تمر في مرحلة النضال القومي ولم تكتمل المعطيات والشروط الموضوعية والذاتية لأن نخوض تجربة النضال الطبقي الاجتماعي وبالتالي أن يكون الفرز وتقسيم المجتمع وأدواتها النضالية؛ (القوى والكتل السياسية) على أسس طبقية – أيديولوجية.

 

لكن بقي عاملٌ تفتيتيٌ آخر، نعتقد أنه أهمل بقصد أو دون قصد، وذلك من ضمن العوامل والمحرضات التي عملت على تفتيت الحركة السياسية الكوردية في إقليم كوردستان (سوريا) وهو الآخر يتعلق بقيادات الحركة وأحزابها وكتلها، لكن ليس من خلال الجانب السيكولوجي – النفسي وإنما لجوانب نضالية استحقاقية؛ بمعنى آخر وبشكلٍ أدق، فقد عملت قيادات الأحزاب والكتل السياسية الكوردية – على الأقل قسم لا بأس منها، وخاصةً الذين في الصف الأول من القيادة، أو ما يعرفون بأعضاء اللجنة المركزية – وبطريقة شبه منهجية (وعن سابق إصرارٍ وترصد ووعيٍ كامل) على تفتيت أحزابها وكتلها السياسية وذلك خوفاً من الاستحقاقات النضالية أمام جماهيرها؛ حيث كانت ستواجه بأسئلة وعليها أن تجيبها وكذلك كان سوف يطلب منها فعل شيء حقيقي تجاه الجماهير الكوردية وحقوقها وأهدافها وبالتالي التحرك على الأرض وذلك ضمن الممكنات الواقعية النضالية. بمفهومٍ آخر كان عليها؛ (القوى السياسية الكوردية) أن تكون أدواة نضالية حقيقية بيد جماهيرها وهذه كانت تتطلب مواجهة فعلية مع الأجهزة الأمنية، ونستطيع الادعاء بأن الكثيرين من قيادات الحركة الكوردية جُبِنت في أن تتحمل وزر برامجها السياسية وذلك ضمن كتل سياسية – جماهيرية فاعلة وقادرة على ترجمة الأهداف إلى حقائق ووقائع فلجأت إلى التمزيق والانشقاق بحيث تكون هناك مجموعة (جزر) أحزاب سياسية صغيرة ومبعثرة وضعيفة التأثير على الشارع الكوردي ولكن لها صوت عال ومرتفع تزايد بالشعارات بين الجماهير وبالتالي (تحافظ) على رونقها الخطابي ومن دون أي ترجمة على الأرض وبالتالي دون مواجهة فعلية مع السلطات المتعاقبة في سوريا.

 

وهكذا نصل إلى النقطة المفصلية في الخاتمة ولنقول بوضوح وصراحة تامتين: إننا نجد اليوم بأن هناك بعض الكتل والأحزاب الكوردية المرشحة لأن تلعب دوراً حقيقياً في هذا الإقليم والساحة السياسية الكوردستانية، ومن بين هذه الكتل والأحزاب من هو مرشح لأن يقود المرحلة النضالية المقبلة ونعني بذلك الحزب الديمقراطي الكردي في سوريا (البارتي) وذلك نتيجةً لأسبابٍ عدة تطرقنا إليها في مواضيع سابقة؛ (لماذا البارتي – نموذجاً)، ولا نريد الخوض فيها مجدداً خوفاً من التكرار والإطالة. ولذلك نود هنا أن ننبه قيادة (البارتي) الحالية إلى هذه النقطة؛ بأن يقوم بعض ضعيفي الإرادة والثقة بالنفس والجماهير – ولن نقول الجبناء أو العملاء؛ كوننا لم نلمس هذا الشيء في القيادة الحالية، إلى الآن على الأقل – ومن أن يحاول أولئك الواهنون (الجبناء) تمزيق الحزب من الداخل – ليس عمالةً، نكرر، وإنما جبناً – وخاصةً بعد أن أصبح الخطاب السياسي (للبارتي) يلبي بعضاً من طموح الشارع الكوردي في المرحلة الراهنة وبالتالي فإن الامتداد الأفقي الجماهيري وكذلك العمق القومي الكوردستاني سوف تشكل عوامل قوة ومنعة في (البارتي).

 

ولكن وفي الآن ذاته هي عوامل خوف لدى أي قيادة سياسية بأنها ستكون في مواجهة السلطة وأجهزتها الأمنية؛ كون العوامل الثلاث السابقة من: البرنامج والخطاب السياسي الذي يكون على مستوى الطموح والمرحلة وأيضاً كل من العمق القومي الاستراتيجي الكوردستاني والتفاف الجماهير حولها يعني وجود كتلة سياسية (حزب) له القدرة على نيل استحقاقات قانونية ودستورية في مسألة نيل حقوق الشعب الكوردي في هذا الإقليم وهذا يودي بها؛ (أي بتلك الكتلة السياسية) إلى تحمل مسؤولياتها ومواجهة متطلبات المرحلة وكذلك مواجهة إصطدامية مع النظام، وإن كانت المواجهة تلك غير دموية فهي تعني الاصطدام بهذا المعنى أو ذاك، وهو ما يشكل عبأ حقيقي على الحزب والذين في الصف الأول من القيادة؛ بأن لا يكونوا على مستوى وقدر المسؤولية التاريخية، بحيث تكون قادرة على العمل والتحرك لتلبية الاستحقاقات المرحلية وبالتالي مواجهة المرحلة ومن ضمنها مواجهة الأجهزة الأمنية الاستخباراتية، وللهرب منها (أي من الاستحقاقات تلك) أن يقوم (بعض من تلك القيادة) بتخفيف العبء من على كتفيها وذلك عبر اضعاف الحزب من خلال العمل على تمزيقه بين مجموعة أحزاب وتيارات (جزر) صغيرة، ضعيفة، واهنة وقزمة جماهيرياً ولكن بـ(لسانٍ طويل) وخطابٍ ناري كما هو الحال مع مجموعة من الخطابات التي نجدها ضمن صفوف الحركة السياسية الكوردية وأحزابها وعندها نكون قد عدنا بالحركة والقضية الكوردية في إقليم كوردستان (سوريا) إلى المربع الأول.

 

 

 

جندريسه-2007

 


الأحزاب الكوردية

ومسألة الوحدات الاندماجية

 

 

 

 

 

 

 

 

 

ليس خافياً لكل متتبع للوضع السياسي العام في سوريا وعلى الأخص للمهتمين بالشأن والقضية الكوردية، إن كانوا كورداً أو من الأخوة العرب وغيرهم من الأقوام والأعراق والتي تتوزع ضمن الجغرافيا السورية، بأن ملف الوضع السياسي الكوردي والقضية الكوردية عموماً تحتل مكانةً بارزةً في الشأن السياسي العام في سوريا وذلك من حيث الاهتمام والتداول السياسي بين الأطراف والفرقاء المعنيون بالقضية وأيضاً من حيث التفاف الجماهير الكوردية ومساندتهم ومعاضدتهم للأحزاب والقوى السياسية الكوردية حولها، وإن لم يكن بالدرجة والشكل المطلوبين والذي أحد أسبابه هو عائدٌ لتشتت الحركة الوطنية الكوردية وضعف برامج تلك القوى والأحزاب السياسية وأيضاً المناخ الأمني العام والذي تعيشه البلاد نتيجة فرض قانون الطوارئ والأحكام العرفية ومنذ حوالي نصف قرن مما خلق مناخاً من الخوف والرعب لدى المواطن السوري وأبعده عن الشأن العام وتحديداً العمل في ميدان السياسة وقضايا الوطن والمواطن.

 

وأيضاً تأخذ أهميتها؛ (أي القضية الكوردية في سوريا) من حيث عدالة هذه القضية وضرورة حلها بأسرع وقتٍ ممكن، كونها تعتبر من ناحية قضية وطنية وسياسية – حقوقية بامتياز؛ فهي قضية شعب يعيش على أرضه التاريخية ومحروم من كافة حقوقه القومية المشروعة وبالتالي تمس حياة شريحة واسعة من المواطنين السوريين؛ (يقدر عدد الكورد في سوريا بحوالي 15% من سكان سوريا) ومن الناحية الأخرى تعتبر مدخلاً لفتح بقية الملفات العالقة في البلد ومنها ملف الديمقراطية والحريات العامة؛ حيث بتقديرنا لا يمكن حل تلك القضايا دون الاتفاق أولاً على حقوق الكورد وعدالة قضيتهم وبالتالي حل ذلك الملف وبالتوافق بين كل شركاء هذا الوطن الذي يضمنا.

 

كان لا بد من تلك المقدمة التمهيدية للدخول إلى لب الموضوع والذي نحن بصدد تناوله في مقالتنا هذه؛ أي العمل من أجل (لم الشمل) والوصول إلى تكوين أحزاب سياسية مدنية حقيقية وذات برامج واضحة وشفافة تلبي طموح الجماهير الكوردية من ناحية ومن ناحية أخرى تكون منسجمة مع روح العصر وما أفرزتها من مناخات سياسية مستجدة، وليس أحزابٍ هي أقرب إلى القبيلة والعشيرة منها إلى مؤسسة مجتمع مدني حضاري. وإن تحقيق هذا المطلب الجماهيري ولضرورات المرحلة ومتطلباتها، يجب العمل بجد وإخلاص وموضوعية وعقلانية من أجل توحيد هذه الفصائل والأحزاب الكوردية المتشتتة وذلك ضمن تكتلات سياسية حقيقية وذات فعالية ودور في الساحة الوطنية والإقليمية، وهذا ممكن نظراً لتقارب (برامج) قوى وأحزاب معينة لبعضها إضافةً إلى ما ذكرناه سابقاً من العوامل التي تساعد في تجاوز هذه الأزمة التنظيمية والحزبوية في جسد الحركة الوطنية الكوردية.

 

ولكن ومن الملاحظ إن كل الأحزاب وبعد انفصالها عن الحزب (الأم) وبعد قطع الحبل السري معها، فإن أول خطوةٍ تقدم عليها هي طرحها لمشروعها الوحدوي مع فصائل الحركة السياسية الكوردية ومن دون أن تنسى أن تضع الفيتو على الحزب (الأم) الذي أنشق عنه، مما أولد لدى الجماهير الكوردية قناعة راسخة بأن الغاية والهدف من هذه البرامج الوحدوية المطروحة هي نوع من المتاجرة السياسية والإعلامية بغية كسب تلك الجماهير وبالتالي الادعاء بأن (القطيع) الذي يتبعني (أي يتبع حزبه هو) أكثر عدداً من (قطيع) الحزب الآخر.

 

وتأكيداً على هذه النقطة فإنه يمكن العودة إلى تاريخ الحركة الوطنية الكوردية في سوريا وتشكيل أول حزب سياسي كوردي في عام 1957 باسم (بارتي ديمقراطي كردستان) ومن ثم تلاحق الانشقاقات التي حصلت ضمنها، ومنذ الانشقاق الأول في عام 1965 والذي عرف باليسار واليمين وإلى اليوم الذي نحن فيه تكررت حالات الانشقاقات وبشكلٍ خطير ومرضي مما شكل في الوعي الجماهيري جملة استفهامات حول الموضوع ومدى ضلوع يد الأجهزة الأمنية فيها وبالتالي التشكيك بـ(كل) هذه الأحزاب ومصداقيتهم في تبني وطرح القضايا الحقوقية والسياسية للشعب الكوردي ضمن هذه الجغرافية الكوردية والملحقة بسوريا.

 

ومن جانبٍ آخر – وكما قلنا قبل قليل – حيث يلاحظ أنه بعد انشقاق أي حزب كوردي تبادر مجموع الأحزاب الكوردية إلى الاعتراف بالحزب المنشق ومن دون الاعتراف بالحزب (الأم) في أكثر الأحيان وذلك كنوع من الانتقام من الخصم والمنافس القديم عند الاعتراف بوليده وتهميشه هو وهكذا وبعد الاعتراف بذاك الفصيل (الجماعة) المنشقة تتلهف مجموع الأحزاب تلك إلى ضمها إلى صفوفها إن كان بـ(وحدات تنظيمية) ارتجالية تفشل قبل أن تعلن كما رأيناها بين رفاق (البارتي) لكلٍ من (جماعتي نصر وآلوجي) – مع كل الاحترام لشخصيهما – أو يحاول ذاك الحزب الذي يكون له (تاريخ) ومد وهيكلية تنظيمية لحدٍ ما بين الجماهير الكوردية إلى إلحاق وضم هذه الجماعة الفتية إلى صفوفها عبر (وحدات اندماجية) حيث يمكن اعتبارها بـ(وحدة الضعفاء) لتقوية الحزب الجديد إلى أن يصل لمرحلةٍ يتعرض هو نفسه لمرحلة التكتلات والانشقاقات وتجربة حزب الوحدة مثالٌ على ذلك؛ حيث قام وفي كل مرة الاعتراف بالكتلة المنشقة من الحزب (الأم) ومن ثم ابتلاعه بوحدات اندماجية وكأنه هو الذي كان يقف وراء انشقاق تلك الأحزاب (القبائل) وبالتالي تقوية قبيلته – حزبه بزيادة عدد رفاقه وعلى حساب إضعاف تلك الأخرى.

 

أما الجهود الحقيقية في سبيل توحيد حزبين ذات تأثير وفعالية ووزن على الساحة السياسية الكوردية في هذا الإقليم فلم نجد إنها أثمرت ولو لمرة واحدة؛ حيث رأينا كيف انهارت التجربة الأولى عندما حاول الراحل (بارزاني الأب) في عام 1970 أن يوحد الجناحين؛ (اليسار واليمين) ويعيد اللحمة إلى جسد الحزب وتسمية المرحلة وقيادة الحزب بـ(القيادة المرحلية) إلا أن “الحبر لم يجف على الورق” وبدل أن يعمل الجناحين تحت راية تلك القيادة لغاية المؤتمر حتى يتم الاندماج الكامل في جسد التنظيم، فقد رأينا على العكس من ذلك حيث أصبح هناك ثلاث كتل سياسية منفصلة تعمل في الساحة. وأيضاً وكمثالٍ آخر فإن كل السنوات والجهود التي بذلت من قبل كل من الحزب الديمقراطي الكردي في سوريا (البارتي) وحزب الاتحاد الشعبي الكردي في سوريا (حزب آزادي حالياً) باءت بالفشل وكلٌ يلقي باللائمة على الطرف الآخر – للأسف – ومن دون استكشاف الحقائق والوقوف عليه.

 

ومنعاً لتكرار هذه الحالة؛ إلقاء اللوم على عواهنه ومساهمةً منا للكشف عن الحقائق والعمل بشفافية فإننا سنقف عند التجربة الوحدوية الأخيرة والتي كانت من المزمع إجراءها بين فصيلين جديدين، كان (البارتي) مرة أخرى طرفاً فيه والطرف الآخر كان حزب الوحدة الديمقراطي الكردي في سوريا (يكيتي). حيث قيل بأن بعض كوادر قواعد حزب الوحدة وفي لقاءٍ ودي مع رفاقٍ لهم في (البارتي) طرحوا مسألة الوحدة بين الحزبين فتم الرد – كما في كل مرة وفي جوٍ من المنافسة على من هو أكثر وحدوياً من الآخر – بالقبول بالمبادرة مباشرةً. وهذا الأمر أو الخبر عن (الصورة – الواقع) لا يبقى ضمن نطاق القواعد فقط، بل يصل إلى القيادة؛ قيادة كل من الحزبين. فيقوم الأخوة والرفاق في حزب الوحدة الديمقراطي الكردي في سوريا (يكيتي) بتوجيه الرسالة التالية إلى: “الأخوة في اللجنة المركزية للحزب الديمقراطي الكردي في سوريا ((البارتي))” وحيث يأتي حرفياً ما يلي: “تحية أخوية وبعد. توضيحاً لموقف حزبنا ومنعاً للالتباس ، وحرصاً من جانبنا على العلاقات الودية والعمل المشترك بين حزبينا الشقيقين ، نؤكد لكم تصوراتنا بصدد تشكيل لجنة مشتركة بين حزبينا ، تمهيداً للدخول في حوار وحدوي ناجح وهي: 1- أن يكون الحوار الوحدوي بإشراف القيادة. 2- أن يكون الحوار محدوداً بسقف زمني. 3- أن يكون التمثيل نسبياً لجميع مناطق وفروع الحزبين في المؤتمر التوحيدي. مع فائق التقدير والاحترام“.

 

إنه بقراءةٍ سريعة لمحتوى الرسالة السابقة يستبان لنا نقاطٍ عدة: أولها التأكيد على قضية أن قيادة حزب الوحدة أرادت بهذه العملية؛ (توجيه الرسالة تلك لقيادة البارتي) أن تقطع الطريق على قواعدها من التواصل مع (البارتي) منفردةً ودون إشراف القيادة عليه وبالتالي هي محاولة منها في الأخذ بزمام الأمور بيدها وذلك خوفاً من (انزلاق) تلك القواعد والالتحاق بصفوف (البارتي) كما فعلت هي نفسها مع غيرها من الفصائل والأحزاب، وفي محطات حزبية عدة، وهذه تعتبر دبلوماسية وتكتيكٌ ناجح ولكن لفترة ومرحلةٍ محددتين وليس على طول الخط – كما يقال – وخاصةً بعد أن تكشفت كل الأوراق والحقائق.

 

النقطة الأخرى، بل الشرط الثاني والذي تحاول قيادة حزب الوحدة فرضه على (البارتي) هي مسألة السقف الزمني والذي قيل فيما بعد بأنه حدد بستة أشهر، وحيث يشتم منه رائحة المناورة السياسية وخاصةً عندما نعلم بأن حزب الوحدة وبنفس التوقيت الذي أرسل بالرسالة تلك إلى (البارتي) دخل في حوارات مع (البارتي – جماعة نصر؛ مرة أخرى نؤكد احترامنا للأستاذ نصر الدين) وهو (أي حزب الوحدة) يعلم جيداً الحساسية التي بين الطرفين، فلو كان الأخوة في قيادة الوحدة جادون في قضيتهم هذه لأنجزوا الوحدة مع أحد الطرفين ومن ثم حاولوا مع الطرف الثالث، لا أن يحاور مع طرفين وهو يعلم جيداً بأن هناك تنافر بينهما. تلك كان من جانب ومن الجانب الآخر، ولو على سبيل الافتراض، بأن كتلة ما أو شخص ما نافذ في قيادة أحد هذين الحزبين عرقل جهود الوحدة خلال الشهور الستة هذه، هل يعني ذلك بأن إنجاز الوحدة بات من الماضي ولا يمكن تحقيقه مستقبلاً.

 

الشرط أو النقطة الثالثة والأخيرة والتي تحاول قيادة الوحدة إملاءها على (البارتي) هي مسألة (التمثيل النسبي) وهي الكفيلة وحدها بنسف كل الجهود الرامية إلى الوحدة؛ حيث يحاول الأخوة في حزب الوحدة ومن خلال هذا الشرط الإيحاء بأن حزبهم (قبيلتهم) هي (الأكثر) عدداً وبالتالي فـ(يحق) لهم أن يملوا شروطهم على الآخرين – البارتي هنا كمثال، مع العلم بأن هذا الشرط بات من الماضي لدى قيادة حزب الوحدة نفسه وذلك بعد هذا المد البارتوي وازدياد عدد رفاقه وفي كل المناطق وعلى الأخص منطقة عفرين والتي كانت تعتبر لفترةٍ قريبة (معقل) الوحدويين – وهكذا فإن شرط (التمثيل النسبي) وحده كان كفيلاً بعرقلة جهود الوحدة بين الحزبين ولأكثر من ستة سنوات وليس لستة شهور ونحن نعلم مدى نرجسية الانسان الشرقي وحبه في القيادة والسيطرة وبالتالي يكون قد تحقق الشرط الثاني في رسالة الأخوة في حزب الوحدة وعلى (وحدة) الحزبين السلام، بل ولربما (الحرب) وهذا تأكيد بأن الرسالة ليس أكثر من مناورة سياسية من قيادة حزب الوحدة لقطع الطريق على القواعد؛ قواعدها هي في بذل أي جهود من أجل وحدة الحزبين الحليفين.

 

ومع ذلك فقد قامت قيادة الحزب الديمقراطي الكردي في سوريا (البارتي) بتوجيه “الكتاب التالي: الأخوة والرفاق في الهيئة القيادية لحزب الوحدة الديمقراطي الكردي في سوريا ((يكيتي)) تحية رفاقية وبعد. يسعدنا أن نجيب على رسالتكم الأخوية المؤرخة 24\6\2006 مع إعلامكم بأن التأخير في الرد عائد لأسباب أصولية تنظيمية. نعتقد أن العلاقات الثنائية الودية التي كانت ولا تزال قائمة بيننا، تغني عن تشكيل لجنة تنسيق مشتركة بين حزبينا وفي مقدورنا الدخول في الحوار الوحدوي فوراً، وقد سبق للجنتنا المركزية أن اتخذت قراراً بهذا الخصوص وسمت لجنة من بين أعضائها لإجراء المباحثات الوحدوية، وقام سكرتير حزبنا بتبليغ رئيس حزبكم في دمشق بهذا الخصوص. نأمل أن تقوموا بتشكيل لجنة خاصة لإجراء مباحثات الوحدة أو إبلاغنا إذا ما كنتم ترون غير ذلك. وفقكم الله، وتقبلوا فائق تقديرنا“.

 

إن نظرة سريعة على الرسالتين ومن دون الخوض في التفاصيل والحيثيات والشروط وسياسات الإملاءات والتي تحاول ممارستها حزب الوحدة مع أطراف الحركة الوطنية الكوردية وفي أكثر من مناسبة وكان آخرها ما تم وحصل بصدد الاحتفال بعيد نوروز وخروج حزب الوحدة من الإجماع السياسي وعدم الالتزام بالقرارات التي اتخذتها هي نفسها مع بقية الأطراف في الإجماع، بل ومحاولة فرض إملاءاتها على الجميع وقد نجحت إلى حدٍ معين، ولكن وعندما بلغ السيل الذب – كما يقال – وقف الإجماع السياسي؛ (والذي ضم اثنا عشر فصيلاً ما بين كوردي وشيوعي) مُجتمِعً في طرف وبقي (حزب الوحدة) وحيداً محققاً معنى الاسم واللفظ وبأنه الوحيد والمنعزل وليس الواحد القهار.

 

نعم.. ومن خلال النظرة السريعة على الرسالتين السابقتين وقراءتهما بموضوعية يستبان وبوضوح بأن الأخوة في حزب الوحدة يدعون إلى “تشكيل لجنة مشتركة بين (الحزبين)، تمهيداً للدخول في حوار وحدوي ناجح”؛ وذلك بحجة “حرصاً.. على العلاقات الودية والعمل المشترك بين الحزبين الشقيقين”. بينما رؤية ودعوة (البارتي) هي: “أن العلاقات الثنائية الودية التي كانت ولا تزال قائمة بيننا، تغني عن تشكيل لجنة تنسيق مشتركة بين حزبينا وفي مقدورنا الدخول في الحوار الوحدوي فوراً، وقد سبق للجنتنا المركزية أن اتخذت قراراً بهذا الخصوص وسمت لجنة من بين أعضائها لإجراء المباحثات الوحدوية، وقام سكرتير حزبنا بتبليغ رئيس حزبكم في دمشق بهذا الخصوص. نأمل أن تقوموا بتشكيل لجنة خاصة لإجراء مباحثات الوحدة أو إبلاغنا إذا ما كنتم ترون غير ذلك”. ونعتقد أن الأمر لا يحتاج إلى تعليق ولكن إلى توضيح فقط؛ بأن قيادة (البارتي) تؤكد على أن تلك الدعوة ما زالت قائمة كون الحزبان حليفان ويمكن توحيدهما بيسر وسهولة ودون الحاجة إلى لجان مشتركة للتمهيد للعملية وبالتالي فيمكن أن نتساءل وعند أي تأخير للعملية الوحدوية: من هو الذي يتهرب من توحيد الحركة الكوردية في سوريا وأليس دعوة هؤلاء لتكوين مرجعية كوردية إلا حبراً على الورق ونوع من المتاجرة السياسية؟.

 

 

جندريسه – 2007

 


الأوطان أم الأوثان

 

 

 

 

 

منذ أيام قلائل قام الأخ العزيز جان كورد بالرد علينا وعلى طرحنا بدعم “نهج البارتي” والوقوف وراء هذا الخط وتحديداً في هذه المرحلة كوننا نرى بأن الظروف والمتغيرات السياسية بالإضافة لجملة شروط أخرى قد تساهم مع هذا الطرف وبالتالي يجعله مؤهلاً لقيادة هذه المرحلة من تاريخ نضال شعبنا في عموم كوردستان وليس فقط في هذا الجزء الغربي منه، وقد أوضحنا وجهة نظرنا هذه في العديد من المقالات السابقة والتي تطرقنا فيها إلى هذه النقطة بالذات ولكن يبدو أن هناك العديد من النقاط والمسائل بحاجة إلى توضيح أكثر مما دفع بالأستاذ جان كورد لأن يتناول طرحنا ذاك في مقالٍ له وبعنوان: “حول دعوة الأستاذ بير رستم لدعم البارتي” – المنشور في عدد من المواقع الإلكترونية – حيث يقوم بتوجيه بعض الأسئلة إلينا والتي يجدها أنها بحاجة إلى التفسير والتعليق.

 

قبل الخوض في الرد على الرد واستبيان المواقف ومحاولة وضع النقاط على الحروف، نود أن نقول: إن محاولتنا هذه (مجموعة المقالات) والتي كتبناها خلال هذه السنة الأخيرة والتي لا نجد فيها إلا محاولة كتابية وليس مشروعاً فكرياً – مع العلم نأمل أن نصل إلى تلك النقطة – ما كان القصد منها إلا هو تحريك هذه الأجواء السياسية “الساكنة” في الحركة الكوردية ومحاولة “رمي حجرة في المستنقع الراكد” وبالتالي كانت محاولة من قبلنا لأن نفكر بصوت عالي ونكشف المستور والمخبأ حيث أن عصرنا هو عصر العلنية والشفافية وكفانا نخبأ رؤوسنا في الرمال، ونعتقد إننا نجحنا في محاولتنا هذه إلى درجة معينة؛ وما هذه الردود إلا نوع من ذاك الحراك والذي نسعى إليه، وما زلنا في بداية الطريق ولربما أيضاً أن نفشل في هذه المحاولة، فكما هناك النجاح هناك احتمال الفشل ومن الغباء السياسي أن لا نضع هذه الأخيرة ضمن المعادلة و”لعبتنا” السياسية هذه.

 

والآن سوف نحاول أن نقرأ أسئلة الأخ جان كورد ونحاول الإجابة عليها، ربما يتفق معنا في بعض النقاط ولربما يختلف في أخرى وهذا حقه الطبيعي بل هو ما نصبو إليه؛ الوقوف عند نقاط الاختلاف وإثارتها ليس من أجل الفرقة و”العداء” بل لجعلها مواضيع حوارية جدلية نغني بها مواقفنا وأفكارنا أيضاً حيث أن اللون الواحد هو السواد والعمى ونحن نطلب ألوان قوس قزح ليس في الطبيعة فقط وإنما في كل مناحي الحياة ومنها السياسة. وبالتالي فعندما نقول: بأن “البارتي” سوف يقود المرحلة القادمة فليس هذا مطلب ورغبة منا بأن يسود هذا الطرف الساحة السياسية الكوردية وبالتالي أن يسحق كل ما عدا ذاك، بل هي قراءة سياسية من قبلنا وربما تكون قراءتنا هذه قاصرة، فهو اجتهاد لا أكثر ولا أقل ولا نطلب عليها ثواباً من أحد، هذه من جهة.

 

أما من الجهة الأخرى وعندما تتغير جملة من المعطيات والظروف بحيث تميل الكفة تجاه أي طرف سياسي آخر فسوف نعيد القراءة في “قراءتنا” هذه وعندها سنقول بأن الظروف المستجدة يؤهل هذا الطرف لأن يقود المرحلة الحالية؛ كأن تدخل تركيا في الإتحاد الأوروبي ويدخل معها القسم الأعظم من كوردستان (القسم الشمالي منه) ويقوم الجناح السياسي لحزب العمال الكردستاني أو أي حزب جديد – حزب المجتمع الديمقراطي مثالاً – بالعمل وفق القوانين والأنظمة الأوربية، فنعتقد أنه عندها سيكون ذاك الحزب أكثر قبولاً في الساحة السياسية إن كان كوردياً أو إقليمياً أو حتى دولياً، فنحن لسنا من الداعين إلى الأوثان بل إلى الأوطان.

 

وهكذا لنعد إلى مقال الأستاذ جان كورد وأسئلته ونبدأ معه بالسؤال الأول؛ “ما هو البارتي” والذي نعتقد أنه من أهم الأسئلة والمواضيع والتي يجب أن نتناولها نخباً ثقافية وسياسية كونه يعتبر نقطة ارتكاز في قراءتنا ودعوتنا تلك والتي تدعو للالتفاف حول “البارتي” ودعمه، أما الأسئلة الأخرى فنعتقد بأنها تدور في فلك وفضاء السؤال السابق. وحتى يكون لنا ذلك؛ أي الالتفاف حول نهج “البارتي” وبدايةً.. يجب أن نعرف ما هو “البارتي” وما نقصد به؛ هل هو الحزب الديمقراطي الكردي في سوريا وأي الفصيلين نقصد منهم، أم نعني به شيءٌ آخر. سوف نحاول أن نجيب على هذا السؤال بشيء من التفصيل.

 

لقد عرف الشعب الكوردي أول تنظيم سياسي كوردي باسم الحزب الديمقراطي الكوردستاني اختصاراً “البارتي” وذلك عندما قام نخبة من أبناء شعبنا الكوردي في إيران عن إعلان الحزب في عام 1945 ولم يمض عليه الكثير من الوقت إلا وكان تأسيس “الحزب (الديمقراطي الكوردستاني في العراق) في 16 أيلول 1946 بقيادة الملا مصطفى البرزاني في إيران، و شارك في تأسيس الحزب شخصيات كردية أخرى مثل مصطفى خوشناو و مير حاج و محمد قدسي و حمزه عبدالله” (موقع نقاش الإلكتروني).

 

وهكذا كان أسم “البارتي” ومنذ بداية الوعي السياسي الجماهيري قد ارتبط بتحرك تلك الجماهير الميداني والعملي وأيضاً بقيام أول دولة كوردية في العصر الحديث؛ (جمهورية مهاباد) ومن ثم ارتبط بالعمل الثوري والكفاح المسلح في القسم الجنوبي من كوردستان (العراق) وبالتالي فارتبط “البارتي” وبقوة بالجانب الشعوري الوجداني – كما ارتبط أسم الـ”بارزاني” بمصطلح الكورد لدى الشعوب العربية والأوربية وحتى لدى الشعب الكوردي نفسه – وهذا ما يعطي “للبارتي” زخماً جماهيرياً ويجعلنا نراهن عليه، أو على الأقل يكون أحد الشروط المساعدة في نهضته الجديدة في سوريا كونه لم يفقد بريقه في الأجزاء الأخرى.

 

إذاً فإن “البارتي” يعني في الوعي الشعبي والجماهيري لدى الأغلبية المطلقة للشعب الكوردي حالة وجدانية عاطفية ترتبط بمسألة تحقيق الهوية والوجود في أبسط أشكالها المعرفية وهذا ما يدفعنا للمحاولة على صياغة هذه المفاهيم الشعبية للجماهير الكوردية حول “البارتي” وذلك ضمن أطر ومفاهيم ثقافية معرفية ونجعل منها حالة وطنية كوردية عامة وليس حزباً سياسياً مغلقاً و(قبلياً) كما هو كائن في الحالة الراهنة وبالتالي ولكي نخرج من الحالة الراهنة والساكنة المغلقة (القبلية) إلى ما نطمح إليه من حالة ثقافية وطنية كوردية ذات “منهج بارتوي” فإننا بحاجة إلى العديد من الشروط والمقومات إضافةً إلى ما هو محقق اليوم؛ من تاريخ نضالي وأسم “البارتي” وأيضاً الدعم والبعد الكوردستاني لإقليم كوردستان (العراق) لهذا النهج وليس الحزب أو الفصيل والجناح وأيضاً إلى “الوسطية” والاعتدال في نهج “البارتي”، فإننا بحاجة إلى العديد من الشروط والعوامل التي تجعل من هذا النهج نهجاً وطنياً كوردياً ويجعل من الحزب الديمقراطي الكوردي في سوريا “البارتي” مؤسسة سياسية حقيقية.

 

وأولى هذه الشروط والمبادئ هي مسألة “الكوردايتي” أولاً وأخيراً وبحيث نعمل ووفق المبادئ والقوانين السياسية المعاصرة والقائمة على المفاهيم الليبرالية ومسألة الرأي والرأي الآخر والتعددية السياسية وبناء الأحزاب والدول وفق العقلية والمنهجية المؤسساتية وليس وفق الولاءات القبلية العشائرية وبحيث نعيد صياغة برامجنا السياسية ونظمنا الداخلية لكي تنسجم مع الواقع الحديث والمتغيرات الدولية من جهة ومن الجهة الأخرى تكون تلك المطالب والأماني معبرة وبحق عن ما تطلبه الجماهير الكوردية اليوم لا أن تكون خاضعة لخطاب التقية السياسية والمراوغة الكلامية بحيث يكون خطاباً فضفاضاً لا معنى له، بل أن تكون برامجنا واضحة وعلى جميع المستويات.

 

وهكذا ومن وجهة نظرنا ليس هناك – اليوم – تيار أو فصيل سياسي بعينه يمثل هذا النهج الذي نعمل لأجله، على الرغم إن الحزب الديمقراطي الكردي في سوريا (البارتي) – جناح محمد نذير مصطفى – له الحق أن يدعي أكثر من غيره بأنه يقود هذا النهج كونه هو الذي بقي في المؤتمر وحصل على الأغلبية الانتخابية (50+1) في المؤتمر الثامن للحزب وقبل أن يخرج الأخوة (جناح الأستاذ نصر الدين) منه وهذا ليس دفاعاً عن الأستاذ نذير ولكن من المعلوم في الأنظمة الداخلية للأحزاب والحركات السياسية بأنه من حق المؤتمر أن يحل الحزب وليس أن “يعين” أو أن ينتخب سكرتيراً جديداً ولو من (خارج) الحزب، هذه من جهة. ومن الجهة الأخرى كونه (أي الأستاذ نصر) هو الذي خرج من المؤتمر وبالتالي فقد الشرعية التمثيلية.

 

أما الفصائل الأخرى – إضافة إلى جناح الأستاذ نصر – فكل منه وإلى درجةٍ ما يمثل “البارتي” وكمثال على ذلك وكون المقال قد جاء رداً على مقال الأستاذ جان كورد وكونه أحد الأعضاء القياديين في “حزب بارتي ديموقراطي كوردستاني سوريا” فإننا سنأخذ هذا الحزب كمثال ونموذج على مسألة تلك التمثيلية النسبية. فهو (أي بارتي ديموقراطي كوردستاني سوريا) من جهة يحمل أسم أول تنظيم كوردي عرفه شعبنا في هذا الجزء من كوردستان (سوريا) ومن الجهة الأخرى فإن البرنامج السياسي والذي يطرحه هو جد قريب إلى ما يطمح إليه الشارع الكوردي عموماً ولكن هو يفقد إلى عامل جد مهم ألا وهو العامل الجماهيري، وليس معقولاً أن تدعي بأنك ستقود المرحلة من دون قاعدة جماهيرية واسعة ونشطة. ولذلك فنحن بحاجة إلى توحيد كل تلك التيارات والفصائل التي تلتزم بالنهج والخط الـ”بارزاني” والتي تعرف “بالبارتي” ضمن هيكلية سياسية وتنظيمية ليصبح لدينا حقيقةً حزب ومؤسسة سياسية تكون قادرة على قيادة المرحلة وهذا يتطلب من الجميع قيادةً وقبلها من القاعدة والكوادر وفي كل تلك الفصائل “البارتوية” لأن تعمل على توحيد جهودها والضغط على القيادات لدفعها بذاك الاتجاه.

 

وحول سؤالكم “ما هدف هذه الدعوة القوية لتوحيد الحركة الكوردية “في سوريا “من خلال دعم البارتي؟” فنعتقد أننا أجبنا عليه من خلال مقالاتنا السابقة كما أجبنا عليه ومن خلال كل ما كتبناه سابقاً وما نكتبه الآن؛ بأننا نريد أن نؤسس لوطن وليس لوثن وبالتالي أن تكون لنا حاضنة وطنية فعلى المستوى السيكولوجي النفسي والعاطفي الوجداني فإن الإنسان بحاجة إلى تلك الحاضنة ودع عنك مسألة الجانب القومي والتحرري ومسائل وقضايا الحقوق القومية والكرامة وما إلى هنالك من مسائل تحقيق الذات والهوية.

 

أما ما يتعلق بسؤالكم “ما سبب عجز البارتي عن توحيد فصائله المتصارعة؟”. فنعتقد أنكم خير من تجيبون على هذا السؤال – وأرجو أن لا يفهم من باب الاستفزاز – كونكم أحد القياديين في أحد الأطراف ذات النهج “البارتوي” وهذا لا يعني أنكم وحدكم تتحملون هذه الإجابة والمسؤولية بل كل من يشارك وينتمي إلى فصيل من فصائل “البارتي” وكلٌ حسب إمكانياته وموقعه يتحمل قدراَ من تلك المسؤولية وبالتالي فلندع قليلاً قبليتنا (من القبيلة) وراءنا ونعمل وفق العقلية المؤسساتية والتي هي قادرة على احتواء العديد من التيارات والكتل ضمن مؤسستها وخاصةً في مراحل معينة كالمرحلة التي تمر بها الحالة الكوردية عموماً. أما هل نحن قادرون على تجاوز حالة العطالة والسكونية والتشرذم هذه فإننا نعتقد بأنها تقف على مدى جديتنا للعمل بهذا الاتجاه وأيضاً على مسألة الدور الخارجي؛ إقليم كوردستان (العراق) وأيضاً الدول المجاورة وحتى القوى الدولية وبالإضافة إلى عامل الزمن وما يتحقق ويستجد على الساحة السياسية الإقليمية والكوردية منها تحديداً.

 

وبخصوص السؤال الذي يتعلق بالتيارات والأحزاب التي تلتزم بخط سياسي آخر إن كان يسارياً راديكالياً أو إسلامياً – مع إننا وإلى اليوم لا نعرف تياراً سياسياً كوردياً ذو توجه إسلامي في هذا الجزء – أو تيارات أخرى سياسية كوردية ذو توجه “مواطني سوري” بحت وعدم “الجري وراء هذه الدعوة” (أي دعوتنا لدعم البارتي) فنحن أيضاً لا نطلب ذلك من تلك الأطراف وما هذه الدعوة؛ أي جمع كل الأحزاب والفصائل والتيارات والأحزاب السياسية ضمن حزب واحد هو ما يشبه إلى أن نجمع كل النجوم في قمرٍ واحد ليغطي نصف السماء فأي جماليةٍ عندئذٍ سوف يكون لذاك السماء وذلك على حد قول الكاتب الداغستاني رسول حمزاتوف. بل إن ذلك (تجميع كل الأحزاب في حزبٍ واحد) وكما قلنا في بداية هذا المقال هو نوع من العمى السياسي وذات اللون الواحد الأسود وهذه تكون بداية الديكتاتورية والتسلط والاستبداد.

 

وأخيراً فإننا نترك مسألة الـ”مواصفات وبنود البرنامج الجديد الذي يجب أن يكون عليه البارتي بعد توحيده؟” للنقاش والحوار؛ فليس معقولاً أن يملك فرد أو حتى طرف سياسي المشروع السياسي الكامل والناجع لحل قضايانا ومشاكلنا و إلا لما كنا على هذه الدرجة من الانقسام و”العدائية”. أما ما يتعلق بمسائل مواقفنا من “إعلان دمشق” و”الحقيقة الكوردستانية” – ليس تنظيم الأستاذ نوري بريمو الجديد – ولكن الحقيقة التاريخية والجغرافية لكوردستان كونها واقعاً مجزئاً وقد ألحق قسماً منها بالدولة السورية الحديثة وفق معاهدات واتفاقات دولية و.. غيرها من القضايا فنعتقد بأن إجاباتنا هي واضحة في كل مقالاتنا السابقة وإن كان هناك تباين في وجهات النظر بين تيارات “البارتي” فهو دليل الحيوية من جهة ومن جهة أخرى يجب أن نعمل لنخرج بصياغات متفقة عليها وخاصةً في المسائل المصيرية و”المقدسات” أو “الحقائق” كالحقيقة الكوردستانية و.. نقول أخيراً وليس آخراً ما عملنا هذا إلا محاولة ولربما ننجح به وعندها سنكون قد حققنا شيء أو نفشل.. ولكن نكون قد حاولنا من جهتنا أن نخطو خطوة وهناك الأجيال القادمة والتي هي صاحبة الرأي والراية.

 

جندريس-2006

 

 

 

 

أضف تعليق