عامودا الإبداع.سيامند ميرزو

https://youtu.be/LhX1Y1uyBAQ
عامودة الإبداع
والمعاناة والجنون
سيامند ميرزو *
“للجنون فنون “
في واحدة من صداقاتي العجيبة في عامودة ظهر في حياتي شاب نحيل، بوجه شاحب، ظل يتردد على مكاني الذي كنتُ أعملُ فيه، لم أكن أعلم أنه “مجنون” لكنني استغربتُ حديثهِ الطويل
فهو يحلقُ بي في فضاء عجيب ويجعلني أصغي إليهِ بتلذذ، وهو يروي لي بعضاً من مصادفاته
وافكاره
مع أولئك الغرباء القادمين
من مدن السورية الاخرى وخاصة ابناء الساحل والدير كسلطة امر واقع على آهالي عامودة في الفروع الثلاثة وفي المخافر ومؤسسات البعث ..وسرد لي كثيراً من الحكايات عن أولئك الغزاة!
حين أستذكر اليوم ما كان يرويه صديقي “المجنون” أسأل: تُرى هل كانت نبؤة متقدمة لما جرى في وقت لاحق؟
علما كان طالبا متميزا دراسيا وحاد الذكاء، أصيب فجأة، وشكّ أهله حينها أنهُ أُصيب بالحسد أو لربما بـ “السحر”، ولكنهم عجزوا عن إيجاد شفاء لهذه الحالة. وبقي يعاني ولم أعد أراه منذ أعوام!
صديقي مجنون عامودة واحد من كثيرين شاهدتهم دفعني فضولي لكتابة هذا المقال و أتساءل هل للذكاء الحاد علاقة بالجنون، أم هي ضريبة النبوغ؟
وخاصة
لما سألني صديقي مجنون عامودة
ما هو العكس
في هذا المثل الشهير
(خذوا الحكمة من افواه المجانيين)
لم استطع الاجابة
فأجاب :
كم الأفواه .. لكنهم لن ينجحوا
اي السلطات وادواتها من المتسلقين والمخبرين والمتحكمين بارزاق الناس
وأضاف
.. قدَّم الكثير من المبدعين في عامودة حياتهم ثمناً لمحاولتهم التعبير عن الأحوال التي، يعاينها ويعانيها، مثلما عاينها وعاناها الكثير من ابناء عامودة . ..
وذكر اسم سين من الناس
كان يشطح بعبارات عن السلطات وتعاون بعض اثرياء البلد..معهم ..وعن شبكة من المخبرين وخطورتهم ، لكنه حين واجهوه بها، ادَّعى الجنون…
هكذا كان جنون عامودة
لأن الفاعل والعامل والمحرك لتلك الطاقة الكبرى غير المألوفة (الجنون الإبداعي) التي تفجر من ريشة الرسام العظيم
ازاد مجدو (الله يرحمه)
ومن فم الشاعر العظيم (صبري خلو سيتي الله يرحمه ) أو ما تحرك من خيال القاص الساخر (اسماعيل دين )الله يرحمه أو روائي ماعدى الاستفزازات التي كان يلاقيها اصحاب المواهب في الغناء والعزف والفكر والفلسفة كأبو بابل والحركةوالنياشين كهوار
نوافو الله يرحم الجميع والحديث يطول عن الاشخاص
لكن كان لجنونهم فنون و طاقة فوق العادة.
بخروجهم عن المألوف والإتيان بشيء خارج المتعارف. البوح بكلمات غير مفهومة، القيام بتصرفات غريبة! الضحك في وقت الحزن، الحزن عندما يضحك الجميع، الصمت حين يكون مطلوب منك الكلام.
مجانيين عامودة
بجنونهم منهم- صلاحي- وخلفو- واحمدي دين -ومحو …وحيدروا …و عزو ..ووغيرهم

كانوا يكسرون بتصرفاتهم كل قواعد واعراف المألوفه . تصرفُوا وكأنهم كانوا وحدهم ، كل واحد منهم ابتكر أسلوبا ومنهجا مغايراً حتى لايعيشون بعيدا وغرباء عن الناس كانوا ، يحيطون انفسهم بالغموض القسري، هناك من فسرها ان حالة مرتبطة بما وراء الطبيعية، ولكن كانوا دائما في دائرة ضوء المجتمع العامودي

كانوا يرصدون تصرفاتهم وسكناتهِم وينقلون طرائفهم واحكامهم و في فترات الازمات المعيشية كان يزداد عدد هولاء المجانين، لكن المفاجئ والغريب أن بعضهم كانوا يحملون شهادات عليا، تُرى هل هي طريقة مثلى للخلاص من الموت، أم أنهُ موت آخر للخلاص من الحياة؟
نتيجة قيامهم بأفعال وتصرفات غريبة،
كل متمرد في عامودة كان يوسم بالجنون حتى يثبت العكس…ويقبل بكم الافواه
ولهذا كان اغلب المتمردين على واقعهم المزري
كانوا يعيشون بأحساساو منفرداً، ويبحث عن لحظة ليفرغ تلك النوبات التي تكاد تخنق أنفاسه، إنها مزيج من القلق والشك والريبة والهوس (أليست تلك علامات الجنون)! ولكنه الجنون الخلاق.

في مرة روى أحد الشيوخ الطريقة بعامودة أن امرأة جاءت شاكية حالة زوجها “الشاعر” فقد كان يهلوس وهو نائم، ويقول الشعر أثناء استغراقه في النوم ويتحدث بأشياء غريبة! مما يجعلها فزعة وخائفة منه
فقال لها الشيخ
قد يكون مسه الجن!
نتيجة النوبات التي تتكرر باستمرار لدى هذا الشاعر او ذاك الكاتب
ومن هنا في عصر وسائل التواصل السريع
على فيسبوك ووتساب وتويتر وووووو
كم نسمع من مبدعين ومهتمين أنهم طالما استيقظوا من نومهم باتجاه الكتابة ليفرغوا شحنة من إبداعهم دونما يعلموا سبب هذا الفعل! وماهية الطاقة التي حركتهم للقيام بفعل الكتابة.
وانا احدهم
العملية معقدة وتحتاج إلى تفكيك، فما بين الجنون والإبداع ثمة خط رفيع، لذا ترى المبدع دائماً ما يكون مهوساً، شكوكاً، قلقاً، متذبذباً، تصيبه نوبات الغضب، يبدو كأن طفل بداخلهِ هو من يحركهُ.
هنا يشترك الإبداع والجنون بأنهما يمثلان حالة من الانسلاخ من السائد والخروج على كل ما هو طبيعي إلى فضاء متمرد، المبدع والمجنون يمارسان أفعالا
بأتقان
وبمميزات خارقة للعادة إما باتجاه الخير أو باتجاه الشر،
في واقعنا المعاصر ما أكثر من المبدعين الكرد يتحدثون عن أفكار مبدعة، وفي النهاية يتوقفون عن هذه الابداع ، والبعض يؤدي بهم إلى عواقب عقلية وخيمة، أبسطها اليأس من المجتمع الذي يعيش فيه..
وختم صديقي مجنون عامودة حديثه بحكمة
فالمجنون طالب الخير يسجن في المصح العقلي والاشرار من الرؤساء يرفع لهم التماثيل”.

أضف تعليق