بكاء المصابيح .قصة: ريبر هبون

بكاء المصابيح

قصة: ريبر هبون –

ضيعتنا انقسمت بين تيارين يساريين ثوريين، أممي وقومي ، أخذ التصارع الحزبي ذات النمط العشائري في التفاخر برموز الحزب وأهدافه واتهام الآخر بالانحراف والضياع، ميادة أحبت توفيقاً أغرمت به حد فقدان الوعي، توفيق حين يبصر ميادة بين حقول القطن يثمل كأنما شرب برميل خمر كلا الشابين لم يفقها في ظل معمعة الخلافات الحزبية والعشائرية سوى العشق، كانت لهما دنيا
. مستقلة يعيشانها ولا حزب لهما سوى حزب العشق وأغانيه الحزينة

تقاسما الأماني واللقاءات خلسة في قرية لا تؤمن سوى بالتوقير والتعظيم والتبجيل والخوف ، أما
. الحب فكان من الكبائر، فلا يجرؤ أحد على إعلان ذلك ، لهذا بات حبيس الكواليس

قال لها في ليلة مقمرة لا صوت يعلو فيها على صوت الساقية والصراصير
.سأحرق الأرض تحت قدمي من تمتد يده إليك زهرتي –
حقاً حبيبي-
نعم عمري –
وأنا سأتحدى أهلي لنكون معاً –

أمين الشيوعي منشغل في توزيع الجرائد على أهل الضيعة المقربين من الحزب أو النصراء له، بغية
. توعية الشباب واستقطابهم

إحسان القومي من الجهة الأخرى يحرَض جماعته على الجماعة المقابلة واصفاً إياهم بالوباء الذي هدفه أن يتحلل الجيل القومي ويتشرذم ليخدم أهدافاً طوباوية لا معنى لها ،ينشغل الطرفان في إذكاء
. الصراع

قرية تقف متسمرة مقابل الخط الحديدي الفاصل ما بين سوريا وتركيا وهي بدورها تقسم كوردستان ما بين غربها وشمالها وبينهما أسلاك شائكة وألغام ، يتجاوزها الذين يشتغلون في تهريب التبغ
. والسلاح والحشيس وما هنالك من أشياء تتصل بها

ميادة تستغرق في الحب، وتحرص ألا يراها الفضوليون وممثلوا الشرف الرفيع كي لا تتحول قصتها الدفينة بينها وتوفيق إلى دراما بين الناس، صحيح أن العمل الحزبي ينشط في تلك القرية الهامشية
. إلا أن الحذر واجب فحماة التقاليد على أهبة الاستعداد لسن الخناجر وجز الرقاب

فقبل أن يتعرف الناس على الجماعات الاسلامية المتطرفة وقبل دخولها القرية وقتل سكانها بلا تمييز
كان بعض الرجال مفتولي الشوارب والعضلات يمتهنون تعنيف المرأة والأطفال ، حيث العنف
. والتشفي والقذف بات عادة ومنهجاً لحياة الناس

توالت لقاءات الحب بين العاشقين ، وبدأت قصتهما تنتشر على ألسنة الناس، ممن تناقلوا الشائعات
. ونسج القصص على الواقعة لتبدو أكثر إثارة

أبو قدري له محل قصابة في تلك القرية، يشرف على ذبح النعاج في أوقات التعزية ،الأعياد وحفلات الزواج ،عرف بمزاجه القاسي ونظراته الحادة وشاربه المفتول الذي أخفى شفته العليا .
لم ترقه قضية أن يتزوج المرء عن حب ، ظل يعتبر ذلك غلوا في الانحراف والعار ، فلو أنه عرف
. حينها أن ميادة وتوفيق أحبا بعضيهما قبل أن يتزوجا ، لما رضي أن يتم الزواج ولو على جثته

أمين وجماعته ،يبرعون في الوعظ والدعاية الحزبية، يرفعون مظلتهم الحمراء حينما تثلج في موسكو،يعملون لتحقيق مجتمع سعيد ووطن حر ، أما إحسان يقوم بتنشيط جماعته القومية الثورية لتكمم فم كل من يشتم القائد أو يمارس نشاطاً معادياً لقيم الثورة التي توشك على تحرير كوردستان
. المستقلة
.يزداد الشرخ بين أبناء تلك الضيعة.لتتحول لميدان متأجج

وشى أحد القرويين لإحسان، أنه سمع بأم أذنيه الطبيب البيطري مجيد يسخر من القائد ويقول أن رأسه كرأس البقرة التي أعاينها، ذهب إحسان ونفر من الشباب المتحمس إلى أحد الأماكن التي يعمل فيها ، ربطوا مجيد في حظيرة البقر ،فقاموا بحقن مؤخرته بالابرة التي تتم عبرها حقن الأبقار
. المريضة

بلغ الاحتقان بين أبناء الضيعة الضائعة ذروته ،لا سيما بعد حدوث جريمة اقشعرت منها الأفئدة والأبدان، أقدم أبو قدري على ذبح ميادة الحامل في أشهرها الأولى ،في حين اختفى توفيق ،هام على
. وجهه فلم يدر أحد أين ذهب
:أبو قدري سمع اثنين في محل السمانة يتحدثان عن توفيق وميادةسبحان مغير الأحوال، بالأمس افترشا الأرض في الأماكن المظلمة ،واليوم يلتحفان على السرير-

.!! تحت ضوء المصابيح

دخل أبو قدري السجن لبضعة أشهر ، بتهمة الدفاع عن الشرف وخرج بعد ذلك ليمشي متبختراً وسط القرية،نظر إليه الناس وفريقي ضيعتنا الحزبيين نظرة ذهول وتهيب
ساد السكون ،عم الهمس الخافت، لم ينتصر سوى أبو قدري، ولم تَسد سوى شريعته مقابل جعجعات
. الحزبيين ومهاتراتهم

أضف تعليق